تفريغ محاضرة ارضاء الله تعالى للشيخ سلمان العودة
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت :
~ عبير الزهور ~
-
[frame="13 70"]
تفريغ محاضرة ارضاء الله تعالى للشيخ سلمان العودة
align="right">
إرضاء الله تعالىتفريغ محاضرة ارضاء الله تعالى للشيخ سلمان العودة
align="right">
إن الرضا بالله عز وجل رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً له مقتضيات يجب تحقيقها.
ولذلك فقد تكلم الشيخ حفظه الله عن هذه الأمور التي تقتضيه، وبين كذلك كيفية تحقيقها قولاً وعملاً، وبين أنه لا ينال ثمارها ولا يستحق وعدها إلا من حققها قولاً وعملاً وأن من كان كذلك يبشر بثلاث بشائر هي:
1- حصوله على إيمان يجد لذته في قلبه.
2- غفران ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
3- يرضيه الله يوم القيامة ويجعله من أهل الجنة.
الرضا بالله رباً
الحمد لله فاطر السماوات والأرض، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.
أيها الإخوة.. غاية ما يصبو إليه كل مؤمن في هذه الدنيا هو:
أن يحصل على السعادة المطلقة في الدارين، وأي مطمحٍ أو مطمع يتمناه الإنسان أكثر من أن يمنحه الله في هذه الدنيا الرضا والسعادة في قلبه؛ ثم أن يصير بعد الموت إلى جنات و، في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟!
والرسول عليه الصلاة والسلام قد بيَّن لنا الطريق إلى ذلك بعبارات شتى. فنوع في القول وأبدأ وأعاد، حتى تكتمل الحجة على كل إنسان.
ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام حدثنا في أحاديث كثيرة؛ مبيناً أن الوسيلة إلى تحصيل هذا المطلب: هي أن يحقق العبد الرضا بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً.
فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وجبت له الجنة}
وهذا الحديث رواه أبو داود بإسناد حسن، فرتب على قول هذه الكلمة: الجنة دون أن يقيد ذلك بوقت معين، فمن قال: رضيت بالله رباً، أي: ولو قالها مرةً في عمره، على ظاهر هذا الحديث، وقد وردت أحاديث أُخر في هذه الكلمة مقيدة بأوقات خاصة... منها ما رواه ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من عبد أو إنسان أو مسلم يقول حين يصبح وحين يمسي: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة}
وهذا الحديث رواه ابن ماجة بإسناد حسن، وروى أبو داود والنسائي نحوه.
فقيَّد قول هذه الكلمة بأن يقولها حين يصبح وحين يسمي -وهو كما سمعتم حديث حسن- فهو يدل على أنه يشرع لكل مسلم أن يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة:رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.
وفي حديث ثالث بين النبي صلى الله عليه وسلم مشروعية قول هذه الكلمة عند سماع الأذان؛ فروى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، ثم قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، غفر له ذنبه}
فقيَّد قول هذه الكلمة عند سماع الأذان، ولعل المقصود أن يقولها بعد سماعه للشهادتين؛ لما ورد في رواية أخرى لـمسلم أنه قال: {من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله}
الوعد المترتب على قولها في الدنيا والآخرة
align="right">
وعد الرسول صلى الله عليه وسلم من قال هذه الكلمة... بوعود، منها: أن يرضيه الله تعالى يوم القيامة، ومنها أن يدخله الجنة، ومنها أن يغفر له ذنبه؛ وكل هذه أشياء ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، فإذا وعد قائل هذه الكلمة بهذه الوعود الثلاثة من غفران الذنوب، وإدخال الجنة، والرضا عنه وإرضائه؛ فلابد أن يؤمن المسلم بهذا الوعد، ويعلم أن الله تعالى من كرمه وجوده أنه إذا وعد المسلم -على عمل صالح- بوعد؛ فإنه يحققه له.
أما إذا توعده على ذنبٍ بوعيد؛ فإنه قد يغفر ويعفو ويسامح؛ تكرماً منه وفضلاً. ولذلك ذكر الإمام الخرائطي في كتابه مكارم الأخلاق"أن رجلاً من المعتزلة -وهو عمرو بن عبيد- جاء إلى الإمام المقري القاري اللغوي أبي عمرو بن العلاء، فقال له:يا أبا عمرو أرأيت إذا وعد الله عبده وعداً على عمل صالح، فهل يمكن أن يخلفه الله، قال أبو عمرو: لا.
لا يمكن أن يخلف الله وعده، قال:فإذا وعد عبداً على معصية بعقوبة فهل يمكن أن يخلف وعده، فقال له أبو عمرو بن العلاء: إنما أوتيت من جهلك بلغة العرب؛ لأن العرب تطلق الوعد على الأمر الصالح وعلى الخير، وعلى العِدة بالرضوان أو بالجنة أو بالعطاء، أو بما أشبه ذلك، أما ما كان عقوبةً فإن العرب تسميه وعيداً، ولا تسميه وعداً.
ألم تسمع إلى قول الشاعر -وهو عامر بن الطفيل- حيث قال: ولا يرهب ابن العم والجار سطوتي ولا أختتي من سطوة المتهدد يعني:
لا أخاف، ولا أبالي، ولا يتغير لوني من سطوة المتهددين.
وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي فالعرب تقول الوعد فيما كان من الوعد بخير، أما ما كان بشر فتسميه وعيداً.
فمن كرم الله وجوده أنه إذا وعد العبد -على عمل صالحٍ- بجزاء؛ فإنه لا يخلف هذا الوعد... وهذا فيما يتعلق بالدار الآخرة.
أما فيما يتعلق بالدنيا فقد روى مسلم في صحيحه عن العباس بن عبد المطلب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ذاق طعم الإيمان! من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً}.
ومن ذاق طعم الإيمان، فإنه يجد السعادة في قلبه وفي حياته في هذه الدنيا؛ ولذلك فإنك تجد من هذه النصوص أن هذه الكلمة فيها سر السعادة في الدنيا وفي الآخرة.
أفلا يجدر بك أيها المسلم وأنت تسمع هذا الوعد -على لسان الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام- من الله الذي لا يخلف وعده؛ أن تتأمل في هذه الكلمة؟
ولماذا رتب الرسول صلى الله عليه وسلم على قولها وتحقيقها هذه الوعود العظيمة؟
بلى، إنه لجدير بنا أن نتأمل هذه الكلمة، ونعمل على تحقيق معناها في واقع حياتنا، فأول ما ينبغي للمسلم:
وهو أن يدرب نفسه ويعودها على قول هذه الكلمة مع ورده في الصباح والمساء؛ لأن النطق بها -بلا شك- فضيلة؛ لكن النطق المجرد لا يكفي -كما هو معروف- والأمور الشرعية لم يكن ترتيب الجزاء المطلق عليها بمجرد النطق بها؛ بل لا بد من أمور أخرى وراء ذلك، وسأبين بعض هذه الأشياء حسب ما يتسع له الوقت.
الرضا بالله ومقتضياته
فأما قولك: رضيت بالله رباً، فإنه لا بد أن يكون إخباراً عن أمر صادق.. ولا بد أن يكون إخباراً عن صدق؛ أما من يقول بلسانه: رضيت بالله ربا، وهو في واقع حياته غير راضٍ بالله ربا؛ فإنه إنما يكذب قوله بفعاله؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً } فلم يقل: من قال، بل من رضي يعني: حقق قوله بفعله.
الراوي:العباس بن عبدالمطلبالمحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم:34
خلاصة حكم المحدث:صحيح والرضا بالله عز وجل يشمل عدة أمور:
التوكل على الله وحده في كل الأحوال
ومن تحقيق الرضا بالله رباً: ألَّا يتوجه الإنسان إلا إلى الله تعالى، فلا يطلب الخير إلا منه، ولا يطلب دفع الشر إلا منه؛ فهذا يحقق له التوكل على الله؛ وذلك لأنك حين تقول:إنني قد طلبت من فلان أمراً وقد رضيت به، معناه أنك قد اكتفيت بفلان هذا، فلم تعد تطلب هذا الأمر من غيره؛ لثقتك بحرصه على تحقيق ما تريد.
وكذلك أنت حين تقول: رضيت بالله رباً؛ فإنك تعني: أنك لا تطلب الأمور حقيقةً إلا من الله تعالى؛ ولذلك ورد في صحيح مسلم وغيره في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أنه رأى أمته وقيل له: إن فيهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل منـزله، فبات الناس يدوكون ليلتهم في هؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.
فقال بعضهم:فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يدركوا الجاهلية، وقال بعضهم أشياء، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هم الذي لا يسترقون، ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون}.
عبدالله بن عباس المحدث:الألباني - المصدر:تحقيق رياض الصالحين- الصفحة أو الرقم:75
فبين أن أساس فضيلة هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، هي: أنهم حققوا التوكل الكامل على الله عز وجل -وعلى ربهم يتوكلون- حتى إنهم من شدة توكلهم على الله تعالى لا يسترقون، يعني: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم فيقرأ عليهم إذا مرضوا، ولا يتطيرون أي: لا يتشاءمون أو يتفاءلون بهذه الطيور؛ لمعرفتهم بأن كل شيء بقضاء وقدر، ولتوكلهم على الله تعالى.
فتحقيق التوكل على الله تعالى هو من الرضا بالله رباً، يعني:
أنك رضيت بالله في تحقيق ما تحب، ودفع ما تكره؛ وحين تستعين بالناس في أمر من أمور الدنيا، فلا بد أن تدرك أن هؤلاء الناس إنما هم أسباب يحقق الله على أيديهم ما يشاء.
فلا بد -حين تستعين بأحد في أمر من الأمور- أن تعرف أن هذا الإنسان الذي استعنت به؛ إنما هو وسيلة يحقق الله تعالى على يديه ما أراد لك من خير، أو يدفع بسببه عنك الشر.
وهذا من الرضا بالله رباً.
تحقيق العبودية لله وحده والكفر بالطاغوت
ومن الرضا بالله رباً: تحقيق العبودية له، وهي تعني: ألَّا تعبد غيره، فترضى به إلهاً معبوداً، ومن المعلوم أن الألوهية: هي توحيد الله تعالى بأفعال العباد؛ فتدرك أنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله تعالى، ثم تحقق هذا في نفسك، فتعبد الله وحده لا شريك له، وهذا يتطلب من كل مسلم أمرين: الأمر الأول:الكفر بالطواغيت وليست الطواغيت -كما يتصور كثير من السذج- محصورة في الحجارة التي كان الناس في الجاهلية ينحتونها ويسجدون لها ويعبدونها، فهذه صورة بدائية ساذجة من صور عبادة غير الله والإيمان بالطواغيت؛ فهناك مئات أو آلاف الصور التي قد يعبد الإنسان فيها هذا الطاغوت، أو يؤمن بالطاغوت غير هذه الصورة، منها مثلاً: الصورة الموجودة في كثير من البلاد الإسلامية من تقديس الأولياء، ودعائهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكروب، ودفع الضر وغير ذلك، وهذا موجود في كثير من البلاد الإسلامية. ومنها ما يقع فيه كثير من الشباب من ذريات المسلمين من اعتناق المذاهب الأرضية البشرية المناهضة لدين الإسلام، كمن يؤمنون بـالإشتراكية مثلاً، أو بـالقومية، أو بـالبعثية، أو بـالعلمانية، أو بغيرها من المذاهب والنظريات التي وضعها الناس لتنظيم حياة البشر؛ فهي دين آخر غير دين الإسلام، يعبد الناس فيها رباً غير الله تعالى.
ومن صور الإيمان بالطاغوت:تحكيم القوانين الوضعية في الأنفس والدماء والأموال والأعراض في بلاد المسلمين.. وهذا بلاء عم وطم، ومع الأسف أن كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام اليوم لا يفرقون بين الإسلام وبين هذه القوانين، وربما فضل بعضهم هذا القانون على دين الله عز وجل وشرعه، لأن في هذا القانون -مثلاً- مصلحة شخصية له، أو تسهيلاً عليه في أمر من الأمور، أو لأنه يعتقد أن في الإسلام قسوة أو شدة أو أحكاماً لا تتناسب مع هذا الواقع، وهذا كله كفر بالله العظيم، مؤدٍ إلى الردة الكاملة، وخروج معتقد ذلك وفاعله عن دين الإسلام إلى دين الطاغوت والعياذ بالله.
ومن الإيمان بالطاغوت:
أن يفضل الإنسان في واقع حياته الأشياء الدنيوية على الأمور الأصولية التي لا قيام للإسلام إلا بها.. فمثلاً: تجد من الشباب من يسمع منادِ الله عز وجل في كل يوم -حي على الصلاة حي على الفلاح- وبيته مجاور للمسجد، فلم تحدثه نفسه يوماً من الدهر أن يجيب هذا المنادي، ويقول: لبيك يا رب، ويأتي إلى المسجد ليصلي مع المسلمين، أو حتى يصلي في بيته، لكنه يسمع خبراً في الإذاعة أو في الجريدة أو في غيرها أن هناك دورة ألعاب تقام في مشرق الأرض أو في مغربها أو في أي أرض من الدنيا؛ فيتجشم الصعوبات، ويزيل العقبات! فإن كان عنده اختبار أجله، أو عنده ظروف تغلَّب عليها، ولو كان أهله أو أقاربه في أمس الحاجة إليه، ضرب بذلك كله عرض الحائط، وذهب من أجل هذا الأمر! فهذا يؤكد لك: أن هذا الشاب الذي استجاب لنداء الشيطان -في هذا الأمر- ولم يستجب لنداء الله تعالى -الذي يطرق أذنه خمس مرات- أن هذا الإنسان مؤمنٌ بهذا الطاغوت الذي ملأ قلبه حتى لم يعد في قلبه محلٌ لغيره، ولذلك يترك الصلاة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر عند مسلم: {بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة}
وفي الحديث الآخر في السنن: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} -وكل هذه أحاديث صحاح-
الراوي:بريدةالمحدث:الألباني - المصدر:صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم:2621
خلاصة حكم المحدث:صحيح
ويرضى بالكفر، في حين أنه يرتكب أشد الصعوبات من أجل حضور مباريات رياضية.
وقل مثل ذلك في أمور أخرى كثيرة.
ومن صور عدم تحقيق العبودية لله والكفر بالطاغوت:أنك تجد كثيراً من الناس قد أصبحوا عبيداً للدرهم والدينار والقرش والريال.
ولا يلزم من ذلك أن يصنعوا تمثالاً من ذلك، لكن أصبح هذا القرش أو الريال هو المعبود في قلوبهم؛ ولذلك في الصحيحين عن أبي هريرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة.. إلى آخر الحديث}.
الراوي:أبو هريرةالمحدث:الألباني - المصدر:صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم:2962
خلاصة حكم المحدث:صحيح
فسماه عبداً لهذه الأشياء، فنحن نجد أناساً عبيداً لهذه الأشياء إما عبودية مطلقة، أو عبودية جزئية، فمن عبيد هذه الأشياء عبودية مطلقة: من فضلوها على الأصول التي لا قوام للإسلام إلا بها، كمن يشتغل بالدنيا بالحلال والحرام وبالمضاربات الربوية، وبكل وسيلة... وبالختل والغش والخداع ومع ذلك تجد أنه في سبيل هذه الأشياء، قد يهزأ بالأمور الدينية، فقد يسخر بمن يحرمون الربا أو يمنعونه، أو بمن يوجبون الزكاة، أو بمن يذكرونه بالله عز وجل، وقد يعتبر من الجنون: أن يفوت الإنسان صفقة تجارية مراعاةً لحكم شرع، فهذا عبد العبودية المطلقة لهذا القرش والريال.
وقد تكون عبودية جزئية، كمن يكون قائماً بفروض الإسلام لكن قد غلب على قلبه حب هذه الأشياء، والاشتغال بها حتى فضلها على بعض الواجبات. فكل هذه الأنواع هي نوعٌ من الإيمان بالطاغوت، والمسلم لا بد أن يكفر بالطاغوت أولاً، ثم لا بد أن يؤمن بالله تعالى ثانياً، فلا بد من أن يخلي قلبه من عبادة الطاغوت والإيمان به، ثم يملأ قلبه بالإيمان بالله تعالى، وعبادته، والتوجه إليه.
ولذلك كانت كلمة الشهادة -لا إله إلا الله- فيها نفي وإثبات؛ نفي الألوهية عن غير الله -وهذا يعني الكفر بالطاغوت- وإثبات الألوهية لله وحده، وهذا كقوله تعالى:لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256].
إذاً فتحقيق العبودية لله تعالى والكفر بالطاغوت هو من الرضى بالله تعالى ربا.
فهذه الأشياء كلها لا بد أن يعلم المسلم أنها داخلة ضمن قوله: رضيت بالله رباً، يعني آمنت به خالقاً رازقاً محيياً مميتاً لا شريك له في ذلك، ورضيت بقضائه وقدره على نفسي وأهلي ومالي وكل ما يتعلق بي، وقنعت بما رزقني وأعطاني فلا أتسخط على ذلك ولا أجزع منه، وتوجهت إليه بالعبادة فلا أعبد معه غيره. فكل هذه الأشياء هي داخلة ضمن حقيقة الرضا بالله تعالى رباً. وأما الرضا بالإسلام ديناً فيعني أموراً: أولاً: الإيمان بالإسلام وأنه هو النظام والدين الوحيد الذي لا يقبل الله تعالى من أحدٍ ديناً سواه، ولا ينجو في الآخرة ويدخل الجنة إلا أهله.
فمن اعتقد أن هناك طريقاً آخر إلى مرضاة الله والجنة غير الإسلام -مع الإسلام، أو من دونه- فهو مرتد، وهذا كما يوجد عند كثيرٍ من المنتسبين إلى الإسلام -مع الأسف الشديد- من اعتقادهم أن دين اليهود بالنسبة لليهود حق، ودين النصارى بالنسبة للنصارى حق، ودين المسلمين بالنسبة للمسلمين حق، فكأنهم يقولون: كل هذه طرق موصلة إلى الله تعالى، وأنت تجد مثل هذه الكتابات في بعض ما تكتبه مجلة العربي وتجد هذه الكتابات واضحة في فكر ذلك الكاتب المغربي المسمى: محمد أركون.
فتجد التشكيك في أن الإسلام هو الدين الوحيد الحق، الذي لا يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه، فلا بد لمن رضي بالإسلام ديناً أن يعرف أن الرضا بالإسلام ديناً يقتضي أن تدرك أنه من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، وأنه لا طريق إلى رضوان الله والجنة إلا الإسلام، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ثانياً: تطبيق هذا الإسلام في واقع حياتك تطبيقاً عملياً، أما من يقول: رضيت بالإسلام ديناً، ثم يرضى في واقع حياته بدينٍ آخر، أو بأديان شتى؛ فهذا من التناقض الذي لا يرضاه الله للمؤمنين. أرأيتم من يقول: رضيت بالإسلام ديناً، ثم يتعامل بالربا ويرضاه ويقر به؟!
أين الرضا بالإسلام؟
أين الرضا بحقيقة الإسلام؟
أرأيت من يقول رضيت بالإسلام ديناً، ثم يقر نظاماً اجتماعياً مخالفاً للإسلام، فيطالب بمنع الطلاق إلا عند القاضي، بحيث لا يقع الطلاق -ولو نطق به الزوج- إلا عند القاضي ووفق ضوابط معينة، أو يطالب بمنع تعدد الزوجات، أو يطالب بأشياء اجتماعية في قضايا المرأة والعلاقات الاجتماعية، تناوئ وتناقض دين الإسلام؟
هل يرضى الله عز وجل من إنسان أن يقول بلسانه: رضيت بالإسلام ديناً، ثم يقول في واقع حياته بصورة عملية -فيقول حاله إن لم يقل مقاله- إنه رضي بـالاشتراكية ديناً، أو بـ القومية، أو بالقانون الفلاني، أو بالنظرية الفلانية، أو بالنظام الفلاني ديناً؟! هذا لا يكون.
بل هذا إن قال: رضيت بالإسلام ديناً؛ فإن دين الله وشرعه يقول له: كذبت، أنت لم ترض بالإسلام ديناً؛ فالذي يرضى بالإسلام ديناً يعني أنه اختار طريق الإسلام على غيره، ولو ترتب على ذلك بعض الخسائر الدنيوية.
فالإسلام له تضحيات، ومن يرضى بالإسلام سيضحي بأشياء، فقد يضحي ببعض المال، وقد يضحي ببعض المكانة، وقد يضحي ببعض العلاقات في سبيل تحقيق الإسلام، والرضا به، ولو كسب ذلك غيره ممن لم يرض حقيقة الرضا بدين الإسلام.
ثالثاً:
أن تجعل الإسلام هو الحكم في علاقتك بالناس، فتوالي وتعادي فيه، فمن كان من أهل الإسلام أحببته وواليته، وإن كان من غير جنسيتك أو من غير بلدك أو من غير طبقتك، ولو لم ينفعك بأمر من الأمور؛ ومن كان عدواً للإسلام مناوئاً له حاربته وأبغضته، ولو كان أقرب قريب، ولو كان جارك أو أخاك أو ابنك، ولو كان ينفعك في أمور كثيرة من أمورك الدنيوية؛ فالمقياس عندك في علاقتك مع الناس هو الإسلام.
وهذه القضية مهمة -أيها الإخوة- ونحن نرى اليوم في مجتمعنا أعداداً من الشباب قد انسلخوا من هذا الدين والعياذ بالله وتطلعوا إلى غيره من الأديان البشرية الأرضية، والنظم الوضعية، والمذاهب الإلحادية وغيرها.
وأصبحوا يتكلمون عن ذلك في المجالس ويجاهرون به، وقد يجتمع أفراد العائلة كباراً وصغاراً، فينبري من بينهم شابٌ حدث السن، قليل العلم غراً، فيهجم على قضايا الدين، وعلى أهل الإسلام؛ وقد يتكلم في الله تعالى أو في الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في بعض نظم الإسلام وتشريعاته بملء فمه؛ ثم لا يجد من هؤلاء من ينكره عليه، أو يبين وجوب البراءة من هذا الإنسان ومحاربته بعد إقامة الحجة عليه، فقد لا تجد ذلك أحياناً.
فالواقع أننا اليوم ونحن نجد هذه البوادر
[/frame]