«الخمار»و«البرقع» في تراث عرب الجزيرة

مجتمع رجيم / الملابس و الأزياء
كتبت : شلال الود
-
«الخمار»و«البرقع» u11p0faunlogcasd0.gi


«الخمار»و«البرقع» 64-67b.jpg





«خمار المرأة» المستعمل عند نساء عرب الجاهلية والإسلام تغيرت تسميته عند نساء عرب الجزيرة والخليج الحاليين - وتحديدا في بداية القرن السابع عشر الميلادي - فأصبح اسمه «شيلة المرأة» - اختفى اسم الخمار وحل محله اسم الشيلة - وهذه «الشيلة» سميت بهذا الاسم نسبة إلى «قماش الشال» المصنوع بالهند وأحسنه «الشال الكشميري الناعم».
و«الشال» في لغة الهند اسم يطلق على هذا القماش اللين الناعم ويلبسونه على أكتافهم ورؤوسهم رجالا ونساء.
أصبح مسمى «الشيلة» عند نساء عرب الجزيرة والخليج يطلق على القطعة المنسوجة من القطن أو من الصوف الناعم أو من الحرير الخالص أو من الحرير المخلوط مع غيره. وهذه القطع «الشيال - جمع شيلة» تصبغ بألوان زاهية تختلف كل واحدة عن الأخرى، فهناك الشيله السوداء والشيله الحمراء والشيلة الخضراء والشيلة الزرقاء والشيلة الصفراء والشيلة البنية، وأكثرهن شيوعا واستعمالا عند نساء الجزيرة والخليج هي «الشيلة السوداء» وتستخدمها المرأة غطاء لرأسها ولجيدها «لرقبتها»، وتسحب الزائد من قماش شيلتها لتستخدمه لثاما أو لفاما أو نقابا أو نصيفا.
و«اللثام»: هو ما يغطي الفم وتحت. و«اللفام»: هو ما يغطي أرنبة الأنف وتحت. و«النقاب»: هو ما يغطي الوجه كله.
و«النصيف»: هو أن تمسك المرأة بطرف شيلتها «خمارها» لتستر به نصف وجهها المقابل للرجل أو للرجال إذا مرت من جانبهم أو كانت قريبة منهم.
ونجد بعض كتب التراث والمراجع العربية تسمي الخمار «الشيله حاليا» باللثام وباللفام وبالنقاب وبالنصيف بحجة تعدد أصنافه، وهذا خطأ، فالصحيح هو كما شرحناه ووضحناه.
قال الزاهد المتعبد، مسكين الدارمي بصاحبة الخمار الأسود:
قل للمليحة في «الخمار الأسود»
ماذا فعلت بزاهد متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
وقال الصنوبري بصاحبة الخمار الأخضر:
بدأت في «خمار لها أخضر»
كما ستر الورق الجلناره
فقلت لها ما اسم هذا اللباس
فأبدت جوابا لطيف العبارة
شققنا مرائر قوم به
فنحن نسميه شق المراره
وهذا الراجز الجاهلي منظور بن مرثد الأسدي يصف جارية سفوان قائلا:
جارية بسفوان دارها
تمشي الهوينى مائلا «خمارها»
ينحل من غلمتها إزارها
قد أعصرت أو قد دنا إعصارها
لم تدر ما الدهنا ولا نقارها
ولا الدجاني ولا تعشارها
قلت لبواب لديه دارها
تيذن فإني حمها وجارها
هذه الجارية ذات الخمار المائل التي تقطن على آبار سفوان، وتهتز في مشيتها وهي على وشك الولادة، إن وصف منظور الأسدي قد شد انتباهنا برغم المسافات الزمنية بيننا وبينه. فجاريته التي يصفها حضرية «ليست بدوية» تقطن على آبار سفوان - سمي سفوان لكثرة السافي فيه - وبكونها من حاضرة العرب فهي لا تعرف رمال الدهناء «لم يتغير اسم الدهناء حتى اليوم» ولا صلب الصمان ولا الدجاني «لم يتغير الاسم» ولا تعشارها «تسمى حاليا أم عشر وقديما التعشار أو ذوات العشر، والعشر اسم شجر» وكل هذه الأماكن معروفة بنجد.
النساء عند العرب الأوائل والأواخر يغطين وجوههن بالبرقع أو الخمار:
إن المؤكد والثابت أن نساء قبائل العرب في الجاهلية. والجاهلية لفظة مجازية لا تعني الجهل وإنما تعني العرب في عصور ما قبل الإسلام - وفي عصور الإسلام حتى عصرنا الحالي، ينقسمن إلى قسمين في موضوع تغطية الوجه بعضهن يستخدمن الخمار «الشيله حاليا» في تغطية الوجه كله أو بعضه والبعض الآخر يستخدم البرقع في تغطية الوجه.
ذو الرمة وحبيبته
الخرقاء ولثامها:
وعلى ذكر «اللثام»... كان ذو الرمة غيلان بن عقبة بن نهيس العدوي المضري، يتشبب بمحبوبته الخرقاء مية بنت طلبة بن قيس العامرية وهي فتاة جميلة من بنات بني عامر بن ربيعة ومسكنها في فلجة «وهي قارة ما زالت معروفة بهذا الاسم في بادية قبيلة الظفير حتى هذا اليوم» وتقع فلجة على طريق الحجيج. قال ذو الرمة مخاطبا الحجيج الذين يمرون بفلجة:
تمام الحج أن تقف المطايا
على خرقاء واضعة «اللثام»
لذلك قالت خرقاء «اسمها مية ولقبها الخرقاء» للحجاج الذين يمرون بها: أنا منسك من مناسك الحج مستندة على شعر ذي الرُّمة «ويجوز ذي الرِّمة»، الذي اعتبر من تمام الحج الوقوف بفلجة ومحادثة خرقاء ورؤية وجهها الجميل. والخرقاء ونساء قبيلتها يستعملن الزائد من قماش خمرهن لستر وجوههن، فهذه القبيلة العامرية لا تلبس نساؤها البرقع وإنما الخمار «الشيله».
من أين جاء اللقبان
«ذو الزّمة» و«الخرقاء»:
تذكر كتب التراث العربي أن غيلان مر ذات يوم صدفة على خباء «بيت شعر» ميّة وكان على كتفه حبل قديم - والحبل القديم يسمى رمّة - وطلب منها أن تسقيه ماء، فقالت عن نفسها إنها خرقاء - والخرقاء من النساء هي الكسلانة العاجزة التي لا تعمل - فقالت لها أمها قومي يا خرقاء واجلبي الماء للرجل، فجلبت له الماء وقالت له اشرب يا ذا الرِّمة إشارة إلى الحبل القديم العتيق الذي يحمله على كتفه. «باللغة يجوز الرُّمة والرِّمة».
نساء المناذرة يتخمرن ولا يتبرقعن:
نساء المناذرة ملوك الحيرة يلبسن الخمار وبالزائد منه يسترن وجوههن. قال النابغة الذبياني زياد بن معاوية «توفي قبيل البعثة النبوية» من قصيدته الشهيرة الطويلة التي وصف فيها زوجة أمير العرب النعمان الثالث بن المنذر الرابع المكنى بأبي قابوس «توفي 316م»:
سقط «النّصيف» ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتّقتْنا باليد
بمخضب رخص كأن بنانه
عنم يكاد من اللطافة يعقد
و«النصيف»: هو أن تمسك المرأة بطرف خمارها لتستر به جانب وجهها المقابل للرجال.
عبلة... لثامها مسك
وأنفاسها عطر:
عنترة بن شداد العبسي «توفي نحو 22 ق.هـ/006م» أحد أبطال العرب وشعرائهم المشهورين زاد شوقه إلى بنت عمه وزوجته الحبيبة عبلة بنت مالك العبسي وتذكر فتات مسك دارين المنثور على لثامها، وأنفاسها الزكية الفواحة بأريج وشذى الند «العنبر»، فقال فيها:
يبيت فتات المسك تحت لثامها
فيزداد من أنفاسها أرج الند
وبيت عنترة ولثام بنت عمه الممسك يذكرنا بهذين البيتين الشعبيين من قصيدة بدوية كنا نرددها ونحن فتيان، نصف فيهما جمال رأس الفتاة «سارة» وجدايلها المعطرة بالرشوش وجمال خدها ووجهها:
راس سارة ذيل شقرا وسط غاره
والجدايل بالرشوش مجدلاتي
المطوع لو يشوف خديد سارة
ضيع المكتوب وعجل بالصلاتي
تغطي مبسمها باللثام، وتضع على أنفها الفردة الذهبية المزخرفة:
يقول الشاعر مشعان الهتيمي وهو من العرب الأواخر هذين البيتين واصفا إحدى البنات الحسناوات الجميلات:
من مبسم يضفي عليه «اللثيم»
وتضفي عليه الفرده أم العشاريق
ليته سقاني من شفاياه يا عم
من مبسم ما شفته إلا تراميق
الفردة أم العشاريق: هي قرص صغير من الذهب أو الفضة في وسطها شذرة زرقاء تضعها نساء البادية على جانب الأنف للزينة، وقد تزخرف الفردة فتصبح فردة معشرقة.
يا امرأة لا ترمين
القناع عن وجهك:
وهذا الشاعر محمد بن حمد بن لعبون الوائلي «ت 7421هـ» ينادي على هذه المرأة الجميلة بأن لا ترفع قناعها «والقناع هو طرف شيلتها أي طرف خمارها» عن وجهها الجميل لئلا تبهرهم فهي تشبه الفرس العربية الحرة الصفراء «أي البيضاء» فالعرب منذ جاهليتهم وحتى هذا اليوم يسمون الفرس البيضاء بالصفراء يقول ابن لعبون:
يا علي صحت بالصوت الرفيع
يا مرة لا تذبين «القناع»
يا علي لي عندكم صفرا صنيع
سنها يا علي وقم الرباع
الشيخ سحرته خوندة
بدوية مقنعة:
الشيخ عثمان بن سند بن راشد الوائلي ولد سنة 0811هـ في جزيرة فيلكا وتوفي في بغداد سنة 2421هـ/6281م، كان يتجول حول قلبان «آبار» كاظمة، فشاهد غادة حسناء من بنات البدو القاطنين على كاظمة، فقال فيها هذين البيتين من قصيدة طويلة:
بحق من سحرتني يوم كاظمة
بناظر كامل بالسحر والحور
خود من البدو أبدت من محاسنها
كالشمس قنعها برد من الخفر
خوندة: لقب بمعنى الأميرة أو البنت الجميلة، وجمعها خوندات، ويستعملها بدو اليوم في كلامهم وأشعارهم الشعبية بكثرة.
خود: تعني البنت الشابة الحسناء، ويستعمل هذه الكلمة شعراء الفصيح في أشعارهم.
البرقع:
قطعة من الصوف الناعم «الجز» أو من الحرير المخلوط بالصوف الناعم «الخز» أو من القطن أو من الكتان تغطي به نساء الأعراب وجوههن، وفيه خرقان للعينين.
وجاء في القواميس والمعاجم وكتب الملابس: البرقع والبرقوع والوصواص، تلبسها نساء الأعراب وفيهن خرقان للعينين، ويجمع البرقع على البراقع، وإذا كان البرقع صغير العينين يقال له: برقع موصوص.
قال فارس العرب أيام الجاهلية عنترة بن عمرو بن شداد العبسي «ت نحو 22 ق.هـ/006م»:
جفون العذارى من خلال البراقع
أحد من البيض الحداد القواطع
وقال المتصوف عمر ابن الفارض «ت236هـ»؛
أبرق بدا من جانب الغور لامع
أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
ليلى الأخيلية الخفاجية بـ«برقعها» تنقذ صاحبها توبة الخفاجي من الموت:
ليلى الأخيلية وعشيقها توبة بن الحمير، من نفس القبيلة، فهما من قبيلة خفاجة من بني عقيل من عامر بن صعصعة من هوازن من قيس عيلان العدنانية، والمعروف أن نساء قبيلة خفاجة يسترن وجوههن بوساطة البرقع. لقد ربط الحب العفيف النقي بين قلبي توبة وليلى، فكانا يسرقان الوقت ليتقابلا خفية، وكانت ليلى لا تقابل حبيبها سافرة إطلاقاً بل «متبرقعة»، وحبيبها توبة لم يطلب منها أن ترفع برقعها عن وجهها أبداً، فحبهما عذري عفيف، وأهم من حبهما هو التزامهما المطلق بعوائد العرب وأخلاقها السامية، التي من أهمها صيانة الشرف والعرض والكرامة، فهذه الأمور لها القدح المعلى عند كل قبائل العرب قديماً وحديثاً.
ولما عرف أهل ليلى وذووها بحبها لتوبة، أجبروها بالتهديد والقوة على مقابلة حبيبها توبة، وطلبوا منها أن تطيل الوقوف معه، وترصدوا له متخفين وراء أكمة موجودة قرب مكان مقابلتهما، ومعهم أسلحتهم ليتمكنوا من قتل توبة بالجرم المشهود، ولما قرب منها حبيبها توبة وقربت منه، أبت شيمتها الغدر به، فرفعت برقعها عن وجهها فظهرت سافرة أمامه، فتوقف وارتاب من الأمر لأنه لم يتعود رؤية وجه حبيبته سافراً أمامه في كل لقاءاته معها، فاستنكر ذلك منها.. لأنها كريمة نجيبة لا تقابله إلا وهي «متبرقعة» فعرف أن وراء الأكمة ما وراءها، فرجع مسرعاً وسيفه بيده فنجا من الموت، ففشلت خطة أهل ليلى، فقال توبة بهذه المناسبة هذا البيت، الذي راح مثلاً يردده العربان:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت
فقد رابني منها الغداة سفورها
وشاءت إرادة الله أن يموت توبة بن الحمير الخفاجي، قبل حبيبته ليلى الأخيلية الخفاجية، حيث قتل سنة 55هـ في عهد معاوية بن أبي سفيان، فرثته ليلى بأشعار خالدة سجلتها كتب التراث العربي بفخر واعتزاز، وفي إحدى زيارات ليلى الأخيلية لمعاوية بن أبي سفيان، قاطعها وهي تنشد أمامه شعراً في توبة قائلاً: «إن توبة كان عاهراً خارباً» فقالت أمام معاوية، مرتجلة:
معاذ إلهي كان والله سيداً
جواداً على العلات جما نوافله
أغر خفاجيا يرى البخل سبة
وتحلب كفاه الندى وأنامله
عفيفاً بعيد الهم صلبا قناته
جميلاً محياه قليلاً غوائله
شكراً للبراقع يوارين الملاح ويخفين القباح:
وهذا الشاعر ذو الرمة من العرب الأوائل، يشكر البراقع نيابة عن فتيان العرب
جزى الله «البراقع» من ثياب
عن الفتيان خيراً ما بقينا
يوارين الملاح فلا نراها
ويخفين القباح فيزدهينا
لم يكن يظن أن لابسات البراقع فاتنات وساحرات حتى رأى بعينيه ظباء النفود مبرقعات:
فلنستمع إلى الأمير الشاعر خالد الفيصل آل سعود في هذه الأبيات الشعبية
ماهقيت إن «البراقع» يفتنني
لين شفت إظبا النفود مبرقعاتي
الله أكبر يا عيون ناظرني
فاتنات ناعسات ساحراتي
من نظرني بس أهوجس به واوني
ما تركني هاجسي لو في مباتي
البراقع معجبات.. ويجعلن القلب على حد الممات!:
فلنستمع إلى هذا الشاعر الشعبي الهائم بحب صاحبات البراقع
صادفني بـ«البراقع» واعجبني
واودعن قلبي على حد المماتي
صابني سهم العيون اللي رمني
يرسل سهوم المنايا بلحظاتي
من نظرها صاح قلبي ضاع مني
ياخذن القلب معهن والحياتي
فز قلبي للـ«براقع» ومتمني
تلبسه كل البنات المترفاتي
ملاحظة: لا تنس أن هذا الشعر الذي نستشهد به، هو شعر شعبي بدوي، قال عنه ابن خلدون «ت 808هـ/5041م»: إن كلماته موقوفة الآخر ولا تلتزم بحركات الإعراب، ويعرف الفاعل من المفعول به والمبتدأ من الخبر من سياق الكلام، وأسماه بـ«الشعر البدوي».


مما قرات واعجبني
كتبت : بنتـ خقهـ
-
موضوع راائع
كتبت : دلوعة حبيبها86
-
الله يجزيكي الخير موضوع جميل تسلم اديكي
كتبت : قره العين
-
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
مشكورة ياقمر
موضوع رائع وطرح مفيد
وافر الشكر والتقدير
كتبت : شلال الود
-
class="quote">اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة بنتـ خقهـ:
موضوع راائع
الصفحات 1 2  3 

التالي

صور فساتين ناعمة

السابق

اطقم بناتيه مميزة - اروع اطقم للبنات 2013

كلمات ذات علاقة
الجزيرة , تراب , عرب , «الخمار»و«البرقع»