الشخصية الإسلامية بين الثبات في المواقف والانهزامية
مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
إن المتأمل بواقع الأمة الإسلامية هذه الأيام وما تعرضت له من انتكاسات، نتيجة الضعف والهوان والغثائية، يجد تراجعا كبيرا وانحدارا خطيرا وفتورا شديدا وسباتا عميقا، لا سيما بين العديد من الأوساط الواعية والمثقفة والمحصّنة والملتزمة، من نوعيات ورموز وشخصيات لها حضور في مجتمعاتها وإن صغرت، وحدث ولا حرج عن تهاوي وتساقط الكميات، والله المستعان.من أبرز الأسباب والعوامل والمقدمات، التي أوصلتنا لهذه المرحلة وتلكم النتائج، عدم الاستقامة والثبات على العقيدة والمنهج والسلوك الصحيح، والتلون والتأرجح بين أمواج متلاطمة من الأفكار الدخيلة المنحرفة، والعقائد المضطربة، وسلوكيات ضبابية غير واضحة تتأثر بما يدور حولها من أحداث، وفي كثير من الأحيان تقدم المصالح الفردية أو الحزبية والفئوية أو العنصرية أو بعض الأحيان العائلية والعشائرية بل والتجارية، إذا تعارضت مع المصالح الشرعية العامة والقواعد الكلية.
وتظهر جليا حقيقة الثبات على دين الله والمبدأ والمنهج وتستبين وتتضح عند أمرين في الغالب:
الأول: عند المغريات، حينما يعرض على الإنسان ذلك المنصب أو الجاه أو المال تجد عنده الاستعداد الكامل أن يغير مواقفه وثوابته ومبادئه وأخلاقه، في سبيل أن يتحصل على هذه المغريات.
وهنا للاسف تتكشف تلك الدعاوى التي يتبناها ذلك الإنسان، والمبادئ الأساسية التي يتبناها وقد تعلمها في مطلع التزامه أو تعلقه بهذا المنهج والمعتقد، وتتعرى وتنهار امام تلك المغريات.
ثانيا: عند مقابلة المحن والابتلاءات ومواجهة الفتن والتقلبات، كأن يهدد بالسجن أو قطع معاشه أو أحيانا بالقتل، أو يضعف أصحاب المنهج السوي والمعتقد النقي في تلكم المنطقة لأسباب طارئة، فتجده يتنازل عن بعض المبادى التي كان يؤمن بها وينادي، في سبيل أن يحمي نفسه حتى لا يصل الى حبل المشنقة، أو يحافظ على كيانه وحضوره ومصالحه وعلاقاته حتى لو كانت على حساب دينه وثوابته، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
ولحذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه مقولة نفيسة ووصية جامعة في بابها تكتب بماء الذهب، فعن خالد بن سعد أن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ لما حضرته الوفاة دخل عليه أبو مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أبا عبد الله , اعهد إلينا, فقال حذيفة: (( أو لم يأتـك اليقين, إعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر, وأن تـنكر ما كنت تعرف, وإياك والتـلون في دين الله, فإن دين الله واحد )) .شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، رقم 107.
فمهما يتعرض المرء لتقلبات وتغييرات طارئة من شأنها التأثير سلبا على دينه أو استقامته أو ثباته، يفترض أن لا يراوغ ولا يتلون ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل كما بين عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل ). صحيح الجامع رقم 9591.
هل تعرفون كيف ينقى الذهب بعد استخراجه من باطن الأرض، يوضع في فرن تصل درجة حرارته إلى 5000 درجة مئوية، فيصفى وينقى من الشوائب وهذا يسمى فتنة، ففي المحن تصقل القلوب وتهذب النفوس وتظهر المعادن على حقيقتها.
والثبات هو دواء الفتن وعلاجها، وإلا سقط أحدنا في بنيات الطريق، وسنة الله عز وجل ماضية فعلينا الثبات وعدم الانهزام النفسي من الداخل لأدنى شيء، فإذا لم يثبت من يحمل العقيدة الصافية والمبادى السامية والأخلاق الرفيعة والمشهود لهم بالخير والعلم والصدق والسخاء واليقين فمن سيثبت إذا ؟!
والمتأمل لسيرة عظمائنا وقادتنا وعلمائنا من السلف الصالح، يجد بأنهم ثلة قليلة وحفنة يسيرة من الصادقين فتح الله بهم الدنيا لأنهم ثبتوا، فالثبات يجر إلى النصر فاثبت أولا يثبتك الله في المواقف والملمات، فمن لم يثبت فليحمل نفسه على الثبات .
وكان أيضا يكثر عليه الصلاة والسلام من دعائه ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )، فتامل ذلك جيدا رسول الله عليه الصلاة والسلام يكثر من هذا الدعاء فكيف بنا والناظر لحال معظم المسلمين وكأنه لديهم صك الثبات عياذا بالله، فلا يقل أحدنا أنا على خير كبير ونعمة عظيمة وثبات دائم، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وما سمي القلب قلبا إلا لكثرة تقلبه، نسأل الله الثبات والاستقامة والعفو والعافية.
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله:( نريد أن نقول كلمة الحق في شؤون المسلمين كلها. نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقوله أحدا إلا الله. إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله، بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله). (كتاب: كلمة الحق ص 12).
كتائب الأحرف البيضاء قادمة *** يزفُّها قلم يزهو به ورقُ
صهيله قلم يُصغي الزمان له *** ونقعه لحجاب الشمس يخترق
وسرجه كلمات لا يخالطها *** زيف ولا يرتمي في حضنها نزقُ
مسافر والأماني البيض لاهثة *** وراءه وبحار الشوق تصطفِقُ