سكرات الموت
مجتمع رجيم / الموضوعات الاسلامية المميزة .. لا للمنقول
كتبت :
أم رائد
-
والسكرات : جمع سكرة , وهى مأخوذة من السُكر .
والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله .
وأكثر ما يستعمل : فى الشراب المسكر .
ويطلق فى : الغضب , والعشق , والألم , والنعاس , والغشى الناشئ عن الألم , والأخير :هو المراد هنا .
إن الموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروغ منه ، أو يبعد شبحه عن خاطره , ولكن أنى له ذلك : والموت طالب لا يمل الطلب ، ولا يبطئ الخطى ولا يخلف المعياد , وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال ! وبينما المشهد معروض يسمع الإنسان : { ذلك ما كنت منه تحيد } . وإنه ليرجف لصداها وهو بعد في عالم الحياة ! فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات .
ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق : { وجاءت سكرة الموت بالحق } وهي توحي بأن النفس البشرية ترى الحق كاملاً وهي في سكرات الموت , تراه بلا حجاب ، وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد ، ولكن بعد فوات الأوان حين لا تنفع رؤية ، ولا يجدي إدراك ، ولا تقبل توبة ، ولا يحسب إيمان , وذلك الحق هو الذي كذبوا به فانتهوا إلى الأمر المريج ! . .
وحين يدركونه ويصدقون به لا يجدي شيئاً ولا يفيد!
قال الطاهر ابن عاشور :
" والسَّكرة : اسم لما يعتري الإنسان من ألم أو اختلال في المزاج يحجب من إدراك العقل , فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة , وهي مشتق من السَّكر بفتح فسكون وهو الغلق لأنه يغلق العقل ومنه جاء وصف السكران " .
وقال ابن جرير الطبري :
" في قوله : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } وجهان من التأويل ، أحدهما وجاءت سكرة الموت وهي شدته وغلبته على فهم الإنسان ، كالسكرة من النوم أو الشراب بالحق من أمر الآخرة ، فتبينه الإنسان حتى تثبته وتعرفه .
والثاني : وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت " .
وقال الألوسي :
" و{ سَكْرَةُ الْمَوْتِ } شدته مستعارة من الحالة التي تعرض بين المرء وعقله بجامع إن كلاً منهما يصيب العقل بما يصيب ، وجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية , ويجعل إثبات السكرة له تخييلاً ، وليس بذاك ، والباء إما للتعدية كما في قولك : جاء الرسول بالخبر ، والمعنى أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي نطقت به كتب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وقيل : حقيقة الأمر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته ، وقيل : بالحق الذي ينبغي أن يكون من الموت والجزاء فإن الإنسان خلق له " .
( موعظة ) : فيا من يجول في المعاصي قلبه وهمه , يا مؤثر الهوى على التقى لقد ضاع حزمه , يا معتقداً صحته فيما هو سقمه , يا من كلما زاد عمره زاد إثمه , يا طويل الأمل وقد رق عظمه , أما وعظك الزمان وزجرك ملمه , أين الشباب قل لي قد بان رسمه , أين زمان المرح لم يبق إلا اسمه , أين اللذة ذهب المطعوم وطعمه , كيف يقاوي المقاوي والموت خصمه , كيف خلاص من قد أغرق فيه سهمه , يا لديغ الأمل قد بالغ فيه سمه , يا قليل العبر وقد رحل أبوه وأمه , يا من سيجمعه اللحد عن قليل ويضمه , كيف يوعظ من لا يعظه عقله ولا فهمه , كيف يوقظ من نام قلبه لا عينه ولا جسمه .
ولقد شبه الله تعالى الذي يخاف خوفاً شديداً بمن هو في سكرات الموت فقال { فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } الأحزاب : 19 .
كما سمى الله عز وجل سكرات الموت بالغمرات فقال : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } الأنعام :
93
قال ابن جريرالطبري :
" و( الغمرات) جمع " غمرة " ، وغمرة كل شيء : كثرته ومعظمه ، وأصله : الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ، ومنه قول الشاعر :
وَهَلْ يُنجِي مِنَ الغمَرَاتِ إلا = بُرَاكاءُ القِتَالِ أوِ الفِرَارُ