الموت - الشيخ إبراهيم الدويش

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
الموت - الشيخ إبراهيم الدويش

13878079141.gif

13878114503.gif




الحمد لله(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2] والقائل: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) [الواقعة:83-85]، والقائل: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) [القيامة:26-30].


وصلى الله على نبينا محمد القائل: "والله! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولَبَكَيْتُم كثيراً"، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:


عباد الله:


كيف أبدي بأحرفي ما أريدُ *** وبماذا تراهُ يحكي القصيدُ
كُلُّ يومٍ تدق بابي عظاتٌ *** ويهزُّ الفؤادَ خَطْبٌ جديد
ويح نفسي ألم تُفِقْ من هواها *** أوَما هَزَّ حافقيها الوعيد
يصبح العبد في بنيه ويمسي *** وهو تحت التراب فرد وحيد
آه من يوم سكرتي ومماتي *** حينما أنثني وروحي تجود
أستغيث الطبيب ماذا جرى لي *** قيل هذا ما كنت منه تحيد
لم تغثني دموعُ مَن كان حولي *** لا ولا عدَّة الطبيب تفيد!


عباد الله: في تقلبات الدنيا دروس وعبر وآيات لمن تدبر ونظر، ففي أسبوعنا هذا كثر الموت وتعددت المصائب، اثنتان وعشرون حالة وفاة، وستة وسبعون حادثا، منها أربعون حادث سيارة، والباقي حوادث متنوعة، وثلاثمائة واثنتا عشرة حالة تنوي،م هذا فقط من خلال مستشفى الرس العام، فكيف بغيره؟
بل كيف بعموم المدن والبلدان؟
وماذا عن عامة بلاد الإسلام؟
إنا لله وإنا إليه راجعون!.


ففي أسبوع العيد اختلطت أفراح واتراح، ومسرات ومضرات، حتى امتزجت المشاعر في المقابر، فهؤلاء يعزون وهؤلاء يهنئون! لا إله إلا الله! ما أشدها على القلوب أن تتقلب فيها المشاعر في ثوان بين العزاء والتهاني!.
ما بين طرفةِ عيْنٍ وانتباهتِها *** يُغَيِّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ


عجب هذا الموت!
مُفَرِّق الجماعات، وهادم اللذات، لا يملك أحد من المخلوقين له ردا، ولا يستطيع أحد له دفعا، كم من أفراح جعلها أتراحا!
وسرور قلَبه هما وغما!
ووالد بين أولاده يضاحكهم ويداعبهم في سعادة ونشوة وفرح وفجأة إذا بالأفراح تنقلب أحزانا ويبقى الأولاد أيتاما، وفتاة في عمر الزهور تراقب الأيام والشهور ليزفها أبوها إلى عريسها، لحظات والعريس والوالد بين الأموات.


وأم تملأ البيت بحنانها تحنو على صغارها تقبل هذا وتداعب ذاك ثم لم يلبث الحال حتى زال الحنان وغاب ذلك الإنسان فذهبت الابتسامات، وحلت الآهات والحسرات، ومسافر وزوجه وأولاده يقطعون الطريق في سعادة وسرور وإذا هم في القبور!
ما عدا الزوج رجع وحيدا فردا كما كان!
وآخر لتوه فرغ من بناء الدار أتقنها أيما إتقان وصبغها بالألوان وفرشها أجمل ما كان فلما قارب سكناها أُخِذَ على حين غرة فانتقل إلى دار التراب، وأما تلك الدار فلا تسمع فيها حسا ولا همسا!.


فلا إله إلا الله! ما أجل حكمته!

وما أعظم تدبيره! تلك هي الدنيا، خدَّاعةٌ غدَّارةٌ فتَّانةٌ غرَّارة، تُضحك وتبكي وتجمع وتشتت، شدة ورخاء وسراء وضراء، والعاقل اللبيب من اتعظ واعتبر، فالموت أمر واقع، ماله من دافع، لا مرد له ولا شافع، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].


إنَّ الموت قد فضح الدنيا فلم يدَع لذي لُبٍّ بها فرَحا، وما ترك لنا قُرَّةَ عينٍ في أهل ولا ولد ولا مال، ولا أصحاب ولا احباب، قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمِسُوا أيها العقلاء نعيما لا موت فيه، فلقد أمن أهل الجنة الموت.


رحم الله عمر بن عبدالعزيز إذ قال: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد، وكان -رحمه الله- يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة، ودخل مالك بن دينار المقابر ذات يوم فإذا رجل يدفن فجاء حتى وقف على القبر فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن فجعل يقول: مالك غدا هكذا يصير! غدا مالك هكذا يصير! حتى خر مغشيا عليه في جوف القبر فحملوه وانطلقوا به إلى منزله مغشيا عليه.


ونحن ندخل المقابر ونقف على القبور ونصلي على الجنازة ونحمل الجنازة ونضع الجنازة وحامل الجنازة اليوم محمول غدا، فهل غشي علينا؟ بل هل خفقت قلوبنا؟
وهل اقشعرت أبداننا؟
وهل دمعت عيوننا؟
آهٍ لقسوة قلوبنا!
حتى الموت لم يعد واعظا لنا!
آهٍ لشدة غفلتنا!
آهٍ لكثرة ذنوبنا! آهٍ لقلة زادنا!.


الموت يردع عن المعاصي، ويُلين القلب القاسي، فما الذي جرى للناس؟
ألم يقل طبيب القلوب -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات"؟
ألم يرو عنه -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالموت واعظا"؟!
فمن لم يعظه الموت فمَن؟
ومن لم تعظه مشاهد الاحتضار فمن؟
ومن لم تعظه سكرات الموت فمن؟
متى العمل؟
عند نزول الموت؟
أبعد الموت؟
أفي القبر؟
هيهات هيهات! لا إله إلا الله! كيف لا نرى حالنا؟
والموت أمامنا والقبر منامنا، والقيامة موقفنا، وجسر جهنم طريقنا، ولا ندري ما يفعل بنا.


عبد الله صور لنفسك لحظات السكرات لحظة مهولة ذات كرب شديد وما بعدها إلا وعد أو وعيد (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) [ق:19-20].


صور لنفسك سكرات الموت التي ما سلم منها خير الأنبياء وأكرم الخلق؛ فقد كان بين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: "لا إله إلا الله! إن للموت سكرات!" ثم نصب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى!" حتى قبض ومالت يده.


حتى إن ابنته فاطمة -رضي الله عنها- لما رأت ما به من الكرب الشديد الذي يتغشاه قالت: وا كربَ أباه! فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم".


وأما عائشة فقد قالت: "ما أغبط أحد بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".


ولما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال له ابنه: يا أبتاه! إنك لتقول لنا ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد، وأنت ذلك الرجل، فصف لي الموت! فقال: يابني، والله كأن نفسي تخت، وكأن السماء قد انطبقت على الأرض وأنا بينهما، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي.


وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لكعب الأحبار: يا كعب، حدِّثْنا عن الموت؟
فقال: نعم يا أمير المؤمنين، إن الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق ثم جذبته رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى.


وقال شداد بن أوس: الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن، وهو أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، وغلي في القدور.


ولو أن الميت أخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش ولا لذوا بنوم؛ ولهذا كان السلف يهتمون كثيرا عند الاحتضار، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما طعن قال لابنه: ضع خدي على التراب. فوضعه فبكى حتى لصق الطين بعينه وجعل يقول: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي!.


وقال أبو الدرداء عند احتضاره: ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟
ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟
وبكى، فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي؟.


أخي الحبيب: كل هذا فقط عند لحظات السكرات، فكيف بالقبر والظلمات والصراط والحساب والأهوال؟
والنهاية جنة أو نار.


أخي: هلا استحييت ممن يراك إذا ركبت من هواك ما نهاك؟
ستبكي والله عيناك مما جنت يداك! اما تعلم أنه بالمرصاد؟
فقل لي أين تحيد؟ وفي القرآن: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].


يا نفسُ توبي فإنَّ الموت قد حانا *** واعْصِ الهوى فالهوى ما زال فتَّانا
أما تَرَيْن المنايا كيف تلقطنا *** لقْطاً وتُلْحِق أخرانا بأولانا؟
في كُلِّ يومٍ لنا ميْتٌ نشيِّعُهُ *** نرى بمصرعه آثارَ موتانا
يا نفسُ مالي وللأموال أتركها *** خلفي وأخرُجُ من دنياي عريانا
ما بالنا نتعامى عن مصائرِنا *** ننسى بغفلتنا مَن ليس ينسانا
نزداد حرصا وهذا الدهر يزجرنا *** كأن زاجرَنا بالحرص أغرانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحَاً *** ورافلاً في ثياب الغَيِّ نشوانا
مضى الزمانُ وولَّى العمْرُ في لعبٍ *** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا


عبد الله: أما تخاف الله؟!
أليس في قلبك تعظيم لله؟!
كم دعاك إلى بابه فما أجبت! وكم استدعاك إلى جنابه فقعدت!.


عبد الله: ألا تشكر هذه النعم التي أنت فيها؟
صحة وعافية ومال وكمال! ألا تخاف ان يصيبك مرض أو عاهة؟
فكم عن واجبات الدين تكاسلت! وكم زجرت عن منهياته فما انزجرت!.


عبد الله ألا تسمع لكلمات الناصح الأمين؟
فكم سمعت دعوة الخير فتصاممت، أجب -أخي- داعي الله، وقل للنفس:
يا نفسُ ويحَكِ قد أتاكِ هُدَاكِ *** أجيبي فداعي الحق قد ناداكِ
كم قد دُعِيتِ إلى الرشاد فتعرضي *** وأجَبْتِ داعي الغيِّ حين دعاك


أخي: قل لنفسك حدثها، وحاسبها: يانفس إلى متى؟
أما آن لك أن ترعوي؟
اما آن لك أن تزجري؟
أما تخافين من الموت؟
فهو يأتي بغتة، أما تخشين من المرض؟
فالنفس تذهب فلتة.


اخبِرْني اخي لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك حالك وما أنت عليه؟!
يا كثير السيئات! إن للموت سكرات! يا هاتك الحرمات! إن للقبر ظلمات! يا صاحب الشهوات! إن للنار زفرات! اسأل نفسك ماذا أعددت لكل هذا؟
حسرات، عبرات، سكرات، قبور موحشات، عظام نخرات، يا أسير الغفلات!.


أخي الحبيب: نحن لا نريد أن نكدر عليك أيامك، ولا أن نبعثر احلامك، لكنها الحقيقة التي لا مفر منها والتي تتغافل عنها، نحن لا نطالبك بترك المباحات ولا ترك التوسع فيها فإن الله تعالى يقول: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص:77]، لكن لماذا أصبح نصيبك كله للدنيا؟ لماذا نسيت الآخرة؟ لماذا نسيت الجنة وما فيها من نعيم وخضرة وأنهار وقصور وجمال، وخمر وغناء، وفيها ما لا يخطر على القلب؟.


أذكرك أخي الحبيب بالموت ليسهل عليك ترك المحرمات، والحذر من المشتبهات، أحذرك من فجأة الموت، لتقلل من الحرص الشديد على الدنيا والتكالب عليها، نطالبك بعدم الإسراف والتبذير، وترك حياة الترف والمبالغة في عمارة الدنيا، فإن من ترك الموت وجعله أمام ناظريه استفاد من لحظات عمره، وتحسر على ضياع أوقاته، فما من عبد ذكر الموت إلا رئي ذلك في عمله.


قال أنس بن عياض: رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له غدا القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].


سئل أحد السلف: لماذا نكره الموت؟
فقال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب.


قال ابراهيم التيمي: مثلث نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلث نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا. قال: قلت فأنت في الأمنية، فاعملي.


فيا أخي الحبيب: إن العلاج الناجع ان تحرص على عمارة الآخرة عمارتها بالأعمال الصالحة، وكثرة التوبة والاستغفار، وأن نجاهد أنفسنا بترك المعاصي والسيئات، وإلا فإن الموت حق على الجميع، لكن شتان بين مَن مات وهو على طاعة ربه وبين من مات عل معصية الله! شتان بين من مات على خير وحسن ختام وبين من مات على شر وسوء ختام!.


بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفا من الذنوب؟
فأخذ تبنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذا، وإنما ابكى من خوف سوء الخاتمة. يقول ابن تيمية معقبا: وهذا من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى، فمن هذا خاف السلف من الذنوب أن تكون حجابا بينهم وبين الخاتمة الحسنى.


اللهم توفنا وأنت راض عنا، واجعلنا ممن ختمت له بالحسنى برحمتك يا أرحم الراحمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله الحي الذي لا يموت، توحد بالديمومة والبقاء، وتفرد بالعزة والكبرياء، وأشهد ان لا إله إلا الله هو أغنى وأقنى، وأضحك وأبكى، وأمات وأحيا، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره.


وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وخير من اقتفى.


أما بعد: عباد الله، في الموت عظة وتذكير، وتنبيه وتحذير، وكفى به من نذير! لو لم يكن في الموت إلا انحلال الأجسام، ونسيان أجمل الليالي والأيام، لكان -والله!- لأهل اللذات مُكَدِّرَاً، ولأصحاب النعيم مغيرا، ولأرباب العقول عن الرغبة في هذه الدار زاجرا ومنفرا، ولو كان الموت نهاية مطاف الإنسان لكان الأمر هينا، والخطب يسيرا!.


ولو انا إذا مِتْنَا تُرِكْنَا *** لكان الموتُ غايةَ كُلِّ حيِّ
ولكنَّا إذا متنا بُعثنا *** ونُسأل بعده عن كل شيء


كيف وبعد الموت ما بعده من الاهوال العظيمة، والكرب الشنيعة، والحساب والجزاء، والإنسان مأمور بالاستعداد للقاء الله تعالى في كل حين؛ فإنه لا يدري متى يأتيه رسل ربه لقبض روحه، وقد قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].


وبعد الموت إما عذاب دائم يقول صاحبه: "رب لا تقم الساعة"، وإما نعيم دائم يقول صاحبه: "رب أقم الساعة"، وبعد القبر مواقف تشيب منها الولدان، و(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:2].


معاشر المسلمين: إذا كان الموت مصير كل حي ونهاية كل شيء ألا يتعظ العاقل وينزجر الغافل من الغفلة عن المصير، والسؤال عن الكبير والصغير؟ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة:8].


اليوم تُعزِّي وغدا يعزى فيك، واليوم تبكي وغدا يبكى عليك.
وإذا حَمَلْتَ إلى القبور جنازةً *** فاعلَمْ بأنَّكَ بعدها محمولُ


إخوة الإيمان: إن من اعظم مصائبنا اليوم خسة الهمم وبرود العزائم، وإلا فإن في الموت عبرا وعظات، وها هو يتخطف الناس من حولك الكبار والصغار رجالا ونساء وأغنياء وفقراء واقوياء وضعفاء ومرضى وأصحاء، فاستفق -ويحك!- من سكرة الغفلة، كفى تسويفا! فقد قامت عليك الحجة وما بقي لك عذر.


أوشكت الشمس على الغروب فقم إلى ميدان العمل، وزاحم الجادين، ففي بطون القبور أسرار وأخبار ،ولسان الحال ينادي: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197].


أزل عن قلبك غشاوة الغافلين، ولا تطع اللاهين والمثبطين؛ فإنك واقف بين يدي من يعلم وساوس الصدور، ومَن يسأل عن لحظات العيون، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18]؛ فإن غرك الجلساء، وقلت لا، فلا يطمعن البطال في منازل الأبطال، ومن زرع حصد، ومن جد وجد.


عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال: "يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا".


وسأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: أي المؤمنين أكيس؟
قال " أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس".


عباد الله: وايم الله! لَيُوشِكنَّ الباقي منا ومنكم أن يبلى، والحي منا ومنكم أن يموت، فاعلم -عبد الله- وأنت -يا أمة الله- أن مما يعين على التوبة خوف مفاجأة الموت قبل الاستعداد للرحيل، وقبل التزود للآخرة والإكثار من ذكره والتفكر فيه على الدوام.


ومما يعين على التوبة أيضا التفكر في القبور والموتى والجنائز، وتخيُّل العبد أنه هو الميت والمحمول والمقبور؛ فإن لم يكن هو فغدا أو بعده إلى مثل أمره سيصير، وإلى مثل حفرته سينتقل، وإن ظن استطالة الأمر فالموت لابد آتٍ، وكل آت قريب.


وكأنَّ المرءَ قدْ *** يبكي عليهِ أقْرَبُوهُ
وكأن القوم قاموا *** ثم قالوا أدركوه
سائلوه كلّموه *** حرّكوه لقّنوه
حرّفوه وجّهوه *** مدّدوه غمّضوه
عجّلوه غسّلوه *** كفّنوه حنّطوه
فإذا ما لُفَّ في الـــ *** أكفانِ قالوا فاحْملوه
أخرجوه فوق أعــــ *** وادِ المنايا شيَّعوه
فإذا صلَّوا عليهِ قيــ *** ــلَ هاتوا واقبروه
فإذا ما استودعوه الـــ *** أرضَ رَهْنَاً تركوه
خلّفوه تحت رمسٍ *** أو قروه أثقلوه
أبعدوه أسحقوه *** أوحدوه أفردوه
ودَّعوه فارقوه *** أسلموه خلفوه
وانثنوا عنه وخلْـــ *** لَوْهُ كأنْ لم يعرفوه

وأخيراً أقول لكم كما قال يحيى بن معاذ: لست آمركم بترك الدنيا، آمركم بترك الذنوب، فترك الدنيا فضيلة، وترك الذنوب فريضة، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل.


ولما حضرت ابن المنكدر الوفاة بكى فقيل له: ما يبكيك؟
قال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني اتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم.


فلا إله إلا الله! يبكي على ذنوب لا يعلمها؛ أفلا نبكي ذنوبا كأمثال الجبال نعلمها ونصر عليها؟
فرحماك ربنا!.


وكما قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، مَن أشد الناس صراخا يوم القيامة؟
قال: رجل رزق نعمة فاستعان بها على معصية الله.


أيها الناس: إن سهام الموت صوبت إليكم فانظروها، وحبالة الأمل قد نصبت بين أيديكم فاحذروها، وفتن الدنيا قد أحاطت بكم من كل جانب فاتقوها، ولا تغتروا بما أنتم فيه من حسن الحال؛ فإنه إلى زوال، ومقيمة إلى ارتحال، وممتدة إلى تقلص واضمحلال، تلك هي الدنيا، موت فجأة، أو مرض بغتة، إنها عبر ترى، ومصارع تترا، والبعض في غفلة نائمون، وفي الغي تائهون، إنا لله وإنا إليه راجعون! وإنا إلى ربنا منقلبون.


يا أهل الموتى أحسن الله عزاءكم، وعظم الله أجركم، وجبر الله مصيبتكم، ورزقكم الصبر والسلوان! فاصبروا وأعلنوا الرضا، فمَن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط.


اللهم ارحم موتى المسلمين، وأسكنهم فسيح جنتك، واكتبهم عندك في المحسنين، واجعل كتابهم في عليين.



كتبت : أم رائد
-
أختي في الله
أثابك الله الجنه ومحى عنك الزله وأبدلها بالحسنة
وجعل العسير برحمة عليك يسرا والحزن فرحا
والضيق فرجا والرزق رغدا والعيش هينا
والجنه موعدا مع الصديقين والشهداء
وجميع المسلمين ..
اللهم آمين
كتبت : سنبلة الخير .
-
جَزآك رَب ألعِبَآدْ خٍيُرٍ آلجزآء وَثَقلَ بِه مَوَآزينك
و ألٍبًسِك لٍبًآسَ آلتًقُوِىَ وً آلغفرآنَ
وً جَعُلك مِمَنً يٍظَلُهمَ آلله فٍي يٍومَ لآ ظلً إلاٍ ظله
وً عٍمرً آلله قًلٍبًكَ بآلآيمٍآنَ وَ أغمَركْ بِ فَرحةٍ دَآئِمة
علًىَ طرٍحًكْ آلًمَحِمًلٍ

كتبت : || (أفنان) l|
-
أختي الكريمة
جزاك الله خير الجزاء
اللهم خفف عنا سكرات الموت وارحمنا ياالله برحمتك التي وسعت كل شيئ ورزقني الله واياك الجنة


قال العلماء الموت ليس بعدم محض ولا فناء صِرْف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال ، وانتقال من دارإلى دار.
وهو أعظم المصائب وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكر فيه وترك العمل له، وإن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر.
الشيخ محمد صالح المنجد
كتبت : ام ناصر**
-
شكرا لك على الموضوع المميز

جزاك الله كل خير
جعله الله في ميزان حسناتك
لك كل شكري وتقديري احترامي

التالي

حقيقة الصيام - الشيخ سعد بن سعيد الحجرى

السابق

الحث على الصدق و التحذير من الكذب - الشيخ بن العثيمين رحمه الله

كلمات ذات علاقة
الموت , الدويس , الصحى , إبراهيم