التَّرغيب في الأمَانَة في القرآن والسنة

مجتمع رجيم / السيرة النبوية ( محمد صلى الله عليه وسلم )
كتبت : ام ناصر**
-

أولًا: في القرآن الكريم

- قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النِّساء: 58].

قال ابن تيمية: (قال العلماء: نزلت... في ولاة الأمور: عليهم أن يؤدُّوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين النَّاس أن يحكموا بالعدل... وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة) .

وقال الشَّوكاني: (هذه الآية مِن أمَّهات الآيات المشتملة على كثير مِن أحكام الشَّرع؛
لأنَّ الظَّاهر أنَّ الخطاب يشمل جميع النَّاس في جميع الأمانات،
وقد رُوِي عن علي، وزيد بن أسلم، وشهر بن حوشب أنَّها خطاب لولاة المسلمين، والأوَّل أظهر،
وورودها على سبب... لا ينافي ما فيها مِن العموم، فالاعتبار بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّبب،
كما تقرَّر في الأصول، وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولًا أوَّليًّا، فيجب عليهم تأدية ما لديهم مِن الأمانات، وردُّ الظُّلامات،
وتحرِّي العدل في أحكامهم، ويدخل غيرهم مِن النَّاس في الخطاب، فيجب عليهم ردُّ ما لديهم مِن الأمانات،
والتَّحرِّي في الشهادات والأخبار.
وممَّن قال بعموم هذا الخطاب: البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عبَّاس، وأبيُّ بن كعب،
واختاره جمهور المفسِّرين، ومنهم ابن جرير،
وأجمعوا على أنَّ الأمانات مردودة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر) .


- وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ
وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
[الأحزاب: 72-73].

ففي هذه الآية: (عظَّم تعالى شأن الأمَانَة، التي ائتمن الله عليها المكلَّفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم،
في حال السِّرِّ والخفية، كحال العلانية، وأنَّه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السَّماوات والأرض والجبال،
عَرْض تخيير لا تحتيم، وأنَّكِ إن قمتِ بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلكِ الثَّواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤدِّيها فعليك العقاب.
فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربِّهن،
ولا زهدًا في ثوابه، وعَرَضَها الله على الإنسان، على ذلك الشَّرط المذكور،
فقَبِلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل) .


- وقال تعالى في ذكر صفات المفلحين: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8]،

(أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربِّه،
كالتَّكاليف السِّرِّيَّة، التي لا يطَّلع عليها إلَّا الله، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار) .


- والقرآن حكى لنا قصَّة موسى حين سقى لابنتي الرَّجل الصَّالح، ورفق بهما، وكان معهما عفيفًا أمينًا:
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص: 23-26].



ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال:
(أخبرني أبو سفيان أنَّ هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنَّه يأمر بالصَّلاة والصِّدق والعفاف
والوفاء بالعهد وأداء الأمَانَة. قال: وهذه صفة نبي) .


- وعن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 16
خلاصة حكم المحدث: صحيح

(يعني إذا ائتمنه النَّاس على أموالهم أو على أسرارهم أو على أولادهم أو على أي شيء مِن هذه الأشياء
فإنَّه يخون -والعياذ بالله-، فهذه مِن علامات النِّفاق)
.

- وعن ابن عباس قال:
((بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدِّث القوم،
جاء أعرابيٌّ فقال: متى السَّاعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث.
فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع.
حتى إذا قضى حديثه قال: أين أُراه السَّائل عن السَّاعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله.
قال: فإذا ضُيِّعت الأمَانَة فانتظر السَّاعة. قال: كيف إضاعتها؟
قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السَّاعة))
.
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 59
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال:
((حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر:
حدَّثنا أنَّ الأمَانَة نزلت في جذر قلوب الرِّجال، ثمَّ علموا مِن القرآن ثمَّ علموا مِن السُّنَّة. وحدَّثنا عن رفعها.
قال: ينام الرَّجل النَّومة فتقبض الأمَانَة مِن قلبه فيظلُّ أثرها مثل أثر الوَكْت.
ثمَّ ينام النَّومة فتُقْبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجْل ، كجمر دحرجته على رجلك فنَفِط .
فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، ويصبح النَّاس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدِّي الأمَانَة،
فيقال: إنَّ في بني فلان رجلًا أمينًا. ويقال للرَّجل: ما أعقله، وما أظرفه! وما أجلده!
وما في قلبه مثقال حبَّة خردل مِن إيمان)) .

الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2994
خلاصة حكم المحدث: صحيح


(الحديث يصوِّر انتزاع الأمَانَة مِن القلوب الخائنة تصويرًا محرجًا، فهي كذكريات الخير في النُّفوس الشِّرِّيرة،
تمرُّ بها وليست منها، وقد تترك مِن مرِّها أثرًا لاذعًا. بيد أنَّها لا تحيي ضميرًا مات،
وأصبح صاحبه يزن النَّاس على أساس أثرته وشهوته، غير مكترث بكفر أو إيمان!!
إنَّ الأمَانَة فضيلة ضخمة، لا يستطيع حملها الرَّجال المهازيل، وقد ضرب الله المثل لضخامتها،
فأبان أنَّها تثقل كاهل الوجود، فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بها أو يفرِّط في حقِّها.


قال الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72]
والظُّلم والجهل آفتان عرضتا للفطرة الأولى، وعُني الإنسان بجهادهما فلن يخلص له إيمان إلَّا إذا أنقاه مِن الظُّلم:
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ... [الأنعام: 82]
ولن تخلص له تقوى إلَّا إذا نَقَّاها مِن الجهالة: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28]
ولذلك بعد أن تقرأ الآية التي حملت الإنسان الأمَانَة تجد أنَّ الذين غلبهم الظُّلم والجهل خانوا ونافقوا وأشركوا،
فحقَّ عليهم العقاب، ولم تـكـتب السَّــــلامة إلَّا لأهـــــل الإيمــــــان والأمَــــانَة:

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب: 73]) .

- وعن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا يضرَّنَّك ما فاتك مِن الدُّنْيا: صِدْق حديث، وحِفْظ أمانة، وحُسْن خليقة، وعفَّة طُعْمة)) .
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: البيهقي - المصدر: شعب الإيمان - الصفحة أو الرقم: 4/1853
خلاصة حكم المحدث: إسناده أتم وأصح


الدرر السنية موسوعة الأخلاق
كتبت : راجيه لعفوه
-
بوركت اختي على الطرح المفيد

جعله الله في موازين حسناتكِ


كتبت : || (أفنان) l|
-

ياقلبي
بارك الله جهودكِ الطيبة
اسْأَل الَلّه ان يُجْزِيْك خَيْرَا عَلَيْه وَان يَجْعَلُه فِي مِيْزَان حَسَنَاتِك
بأِنْتِظَار كُل مَاهُو مُفِيْد وَقِيَم مِنْك دَائِمَاً
كل الشكر لكِ مع خالص الود والتقدير

كتبت : صفاء العمر
-
جزاك الله خير
موضوع جدا قيم ومفيد
لا حرمك الله الاجر
كتبت : ام ناصر**
-
چزآكن آلله آلف خير على ردودكن الرائعة
وچعله آلله فى ميزآن آعملكن ....
دمتن پحفظ آلرحمن ....
ودى وشذى آلورود

التالي

الحياء لا يأتي إلا بخير

السابق

اداء الامانة

كلمات ذات علاقة
الأمَانَة , التَّرغيب , القرآن , والسنة