الحث على صدق التوبة وكثرة الاستغفار

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : سنبلة الخير .
-
الاستغفار 426476.gif




الحث على صدق التوبة وكثرة الاستغفار




إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شُرُور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، يقبَل توبة التائبين، ويغفر ذنوب المستغفرين، ويُسبِغ فضلَه وإحسانه على المحسنين، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أشرف التوَّابين، وسيِّد المستغفرين، وخيرة الله من خلقه أجمعين.

صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه البَرَرة الأطهار، الأئمَّة الأخيار؛ ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 16 - 17]، صلاةً وسلامًا كاملين دائمين متعاقبَيْن ما تعاقَب الليلُ والنَّهار.

أمَّا بعدُ:
فيأيُّها الناس، توبوا إلى ربِّكم قبل أنْ تموتوا، وبادِرُوا بالأعمال الصالحة قبل أنْ تُشغَلوا، وصِلُوا الذي بينَكُم وبين ربِّكم تسعَدُوا، وأكثِرُوا الصدقة في السرِّ والعلانية تُرزَقوا، فإنَّ أكيس الناس أكثرهم للموت ذكرًا، وأحزمَهم أحسنُهم له استعدادًا. ألاَ وإنَّ من علامات العقل التَّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزوُّد لسُكنَى القبور، والتأهُّب ليوم الحشر والنُّشور.

أيُّها الناس:
أمَا رأيتُم المأخُوذِين على غرَّة، المزعجين بعد الطمأنينة، الذين أقاموا على الشبهات، وجنَحُوا إلى الشهوات، حتى أتَتْهم رُسُلُ ربهم فقبضت أرواحهم؟ فلا ما كانوا أمَّلوا أدرَكُوا، ولا إلى ما فاتهم رجَعُوا؛ قدموا على ما عملوا، وندِمُوا على ما خلَّفوا، فلم يُغْنِ النَّدَم وقد جفَّ القلم، فرحم الله امرءًا قدَّم خيرًا، وأنفَقَ قصدًا، وقال صدقًا، وعمل حقًّا، وملك دواعي شهواته فلم تملكه، وعصَى إمرة نفسِه فلم تُهلِكه!

فلا تشغلنكم - عبادَ الله - دنياكم عن آخِرتكم، ولا تُؤثِروا أهواءكم على طاعة ربِّكم، ولا تجعلوا قدرتكم ونِعَم الله عليكم ذريعةً إلى مَعاصِيكم، وحاسِبُوا أنفسكم قبل أنْ تُحاسَبوا، ومهِّدوا لها قبل أنْ تُعذَّبوا، وتزوَّدوا للرَّحِيل قبل أنْ تزعجوا، فإنما هو موقف عدل، واقتِضاء حق، وسؤال عن واجب، ولقد أبلغ في الإعذار مَن تقدَّم في الإنذار؛ ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37].

أيها المؤمنون:
يقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18 - 19].

فهذا أمرٌ من الله - تعالى - لكافَّة العِباد، بالاستِعداد ليوم المعاد، وتدارُك ما على النفس من الهفوات، باستِغفار الله من التقصير في الطاعات، والتوبة إليه من مُقارَفة السيِّئات قبل الفَوات، فلينظُر امرؤٌ ما قدَّم لغده، قبل حلول لحده، فحاسِبوا أنفسكم قبل أنْ تُحاسَبوا، وزِنُوها قبل أنْ تُوزَنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر على مَن لا تَخفَى عليه أعمالُكم؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].

عباد الله:
لقد أمَر الله بالتوبة والإصلاح، وجعَل ذلك من أسباب السعادة والفَلاح، فلا يرجو ذلك إلاَّ التائبون، ومَن لم يتبْ فأولئك هم الظالمون.

وفي الصحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فوالله إنِّي لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))، وفي رواية: ((فإنِّي أتوب إلى الله في اليوم مائة مرَّة)).

وكان أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعدُّون له - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول في المجلس الواحد مائة مرَّة قبل أنْ يقوم: ((ربِّ اغفِر لي وتُبْ عليَّ إنك أنت التواب الغفور)).

عباد الله:
توبوا إلى الله من جميع خَطاياكم، فكلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون؛ ففي الحديث القدسي الصحيح يقول الله - تعالى -: ((يا عبادي، إنَّكم تُخطِئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستَغفِروني أغفر لكم)).

وفي التنزيل: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 110 - 112].

فتوبوا إلى الله من ذنوبكم، اضرَعُوا إليه صادِقين أنْ يقيكم شرَّ خطاياكم وحوبكم؛ فإنَّ ضرر الذنوب على القلوب أعظم وأخطر من ضرر السموم على الأبدان؛ فإنَّ للذنوب من الله طالبًا، وإنهنَّ يجتمعن على المرء فيُهلِكنه، فكلَّما تراكَمت الذُّنوب والخَطايا والرَّزايا، واشتدَّت الكرب والبَلايا، فإنَّ المعصية تُحدِث قسوةً في القلب، وظلمة في الوجه، وضيقًا في الصدر، وعُسْرًا في الأمر، ومن جرَّائها يحدث القلق، ويتوالَى الأرَق، ويَضِيق الرِّزق، ويَسُوء الخلق، وتتَثاقَل الجوارح عن الطاعات، وتنصَرِف الهِمَم بنهمة إلى الشهوات، ويشعر المذنب بالبعد عن ربِّه، والخوف من عقوبة ذنبه؛ فتتكدَّر الحياة وتتوالَى الحسرات، حتى إنَّ بعض العُصاة يستَحسِن أنْ يعبر عن هذه الأمور بالإنكار، أو ضروب الانتِحار، وما علم المسكين أنَّه قد يعجل بنفسه إلى النار.

معشر المسلمين:
توبوا إلى الله من جميع الذنوب لعلَّكم تفلحون، فالتوبة النَّصوح هي التي تُعِيد للقلب رقَّته وضِياءَه، ولوجهه تورُّدَه وبهاءَه، ولجوارحه بركتها، ولقواه ثمرتها، فبادِرُوا - عبادَ الله - إلى التوبة صادقين، فإنَّ الله يحبُّ التوَّابين ويحبُّ المتطهِّرين، وهو - سبحانه - أفرح بتوبة أحدِكم من رجلٍ سقَط على بعيره، وقد أضلَّه بأرض فلاة، وأرحم بأحدِكم من الوالدة بولدها.

معشر المسلمين:
هلمُّوا إلى التوبة ما دامَتْ أسبابها ميسَّرة، وأبوابها مفتوحة، وشروطها متوفِّرة، فخُذُوا بأسبابها، وادخُلوا من أبوابها، واغتَنِموا قبولها، فتضرَّعوا إلى الله قائلين: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

ومَن أراد أنْ يتوب فليُقلِع عن الذنوب، وليتوجَّه بقلبه إلى علاَّم الغيوب، فيَتواطَأ على التوبة لسانُه وجنانُه، وتشهَد على صحَّتها وصِدقها جوارحُه وأركانُه، وإنما يتبيَّن صِدق التَّوبة بالانكِفاف عن القَبائح، والجد في الإيمان والعمل الصالح، فمَن كان كذلك فلعلَّ الله أنْ يقبل توبتَه، ويقيل عثرته، ويغفر ذنبه، ويستُر حوبه؛ كما قال ربُّنا - جلَّ وعلا -: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].

فحلُّوا - عباد الله - عقدةَ الإصرار عن القُلوب، وتُوبوا من الذُّنوب، وقُومُوا بحقوق ربِّكم على المطلوب، توبُوا على أجمل الوجوه مع الاستغفار، وأكثِروا النَّدَم فإنَّه أبلغ وجوه الاعتِذار، وليكن ترك الذنب مخافَةً من الرَّب، وطمعًا في عفو ومغفرة ربِّكم، والتِماسًا لفضْله ورحمته بكم؛ فإنَّه - سبحانه - يقبَل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيِّئات؛ ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، فالجؤوا إلى ساحات كرَمِه وجُودِه، وقِفُوا بين يدَيْه تائِبين راغِبين؛ فإنَّ التائب إليه موضِعُ عنايته ورعايته، ولطفه ورحمته، يُغدِق عليه الخيرات، وينزِّل عليه البركات، ويُبارِك له في الأولاد والأموال والثمرات؛ ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].

والاستِغفار من أسباب تيسير الأمور، وتَنفِيس الكُرُوب، والرِّزق من غير حساب، والتوفيق للصَّواب؛ فمَن لزم الاستِغفار والتوبة جعَل الله من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرَجًا، ورزَقَه من حيث لا يحتَسِب، والمستغفر يمتِّعه ربُّه بحواسِّه وقُواه، ويستَجِيب له إذا دَعاه، ويحبُّه ويجعل له مودَّة عند ذوي تُقاه.

﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3].

﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52].

﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90].

فما أعظَمَ بركات التوبة والاستِغفار من لدُن العزيز الرَّحيم الغفَّار! فبهما تتنزَّل الرَّحمات، وتستدرُّ الأرزاق، وتكثُر الخيرات، وتُنال المغفرة والجنَّات؛ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العَظِيم، ونفَعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

كتبت : بيلسان2013
-
رائع تسلم الايادي
لابد من تجديد التوبه بشكل متكرر ومستمر
لاننا نمر احياننا في حالات فتور نسال الله الثبات
كتبت : || (أفنان) l|
-

أخيتي الحبيبة

فعــلاً كم نحن جآإهلـــون ..!!!
موعظــة حسنــة كلمآت تنيــر القلــوب .."
طــرح شآمخ له بريق خآإص .."
جعل الله لااله الا الله نطق لسانكِ ونبض قلبكِ ونور إيامكِ وحسن ختامكِ
الله يعلي مقداركِ ويجعلكِ من صفوة عباده وخلقه
جزاك الله خيراً ورُزقت حسن الخاتمة

دمتي بحفظ الباري



كتبت : أم رائد
-
موضوع رائع
رفع الله قدرك فى الدارين
واجزل لك العطاء
شكرا لطرحك المميز
وانتقائك الهادف
جعله المولى فى موازين حسناتك
بوركت جهودك
كتبت : ام ناصر**
-
موضوع رررائع
رفع الله قدرك فى الدارين
واجزا لك العطاء
شكرا لطرحك المميز
وانتقائك الهادف
جعله المولى فى موازين حسناتك
بوركت جهودك غاليتي
كتبت : سنبلة الخير .
-
شكرا لحضوركن المميز
الصفحات 1 2 

التالي

وقفة مع النفس .!

السابق

علمتني المحن

كلمات ذات علاقة
الاستغفار , التوبة , الحب , صدق , على , وكثرة