من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

مجتمع رجيم / السيرة النبوية ( محمد صلى الله عليه وسلم )
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله الذي أكرمنا بمبعث محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم معلمًا ومربِّيًّا وموجهًا ومرشدًا فقال عز من قائل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}.

والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأزكاهم نبينا محمد قدوة العاملين وإمام المتقين وخاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة الله للعالمين، اختاره الله عزَّ وجلَّ واصطفاه {َرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} و {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} فأرسله {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} وكتب العزة والسعادة والفخار لمن سلك سبيله، والذلة والشقاء والصغار على من خالف أمره فصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار وما تعاقب الليل والنهار.


أما بعد: فمن المعلوم أنه لا مجلس أشرف من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ولئن ذهب الصحابة رضوان الله عنهم بشرف مجالسته في الدنيا والنهل من تعليمه وتوجيهه وتربيته فإن الله تبارك وتعالى قد يسر لنا برحمته وكرمه سبيلاً إلى تدارس سيرته وسنته وهديه ومعالم شخصيته عليه الصلاة والسلام التي تميزت بكمال الرحمة والسماحة والنبل والكرم والخلق الكريم.


ولقد كانت تراودني منذ فترة طويلة فكرة كتابة مجالس مختصرة وميسرة تقرِّب للمسلم سيرته وهديه وجوانب القدوة في حياته صلى الله عليه وسلم لتكون معينة له على تحقيق قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} وقوله سبحانه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.


وقد حرصت على عدم إثقال هذه المجالس بالحواشي التي قد تصرف القارئ عن بعض مقاصده، كما حرصت على ضبط الكلمات بالشكل وكبر حجم حرف الكتابة تيسيرًا على إمام المسجد الراغب في قراءة هذه المجالس على المصلين، وعلى المعلم الذي يرغب في قراءة شيءٍ من مجالس هذا الكتاب على طلابه.


ولا يفوتني أن أشكر كل من أسهم معي بفكرة أو جهد حتى خرج الكتاب بهذه الصورة وأخص منهم أخي الأستاذ/خالد أبو صالح على جهده الكبير في جمع المادة العلمية وترتيبها، والأستاذ/محمد الطايع على جهده في التصحيح والمراجعة، والأستاذ/إمام عرفة صاحب مطبعة الفسطاط على جهده في الإخراج الطباعي وتعاونه في سبيل تخفيض سعر الكتاب لخدمة الراغبين في التوزيع الخيري.

وإني لأرجو من كل من اطلع على هذه المجالس أن لا ينسى أخاه من دعوة بظهر الغيب

أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفقنا جميعًا للقيام بحق نبينا صلى الله عليه وسلم وأن يجعلنا من خدّام سنته وهديه الشريف وأن يزيدنا شرفًا ورفعة في الدنيا والآخرة بالاقتداء بنبيّه صلى الله عليه وسلم كما أسأله سبحانه أن يرزقنا جميعًا صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المجْلِسُ الأوَّل

مِنْ حُقُوقِ المصْطَفَى صلى الله عليه وسلم


لَقَدْ أَكْرَمَنا الله تبارَك وَتَعَالى بِبَعْثِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِبُزُوغِ شَمْسِ رِسَالَتِه قَالَ تَعَالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

وَإِنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَينَا حُقَوقًا كَثِيرَةً، يَنْبَغِي عَلَينَا أَدَاؤُهَا وَالحِفَاظُ عَلَيْهَا، وَالحذَرُ مِنْ تَضْيِيعِهَا أَو التَّهَاوُنِ بِهَا. وَمِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ:


أَوَّلاً: الإِيمَانُ بِهِ صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ أَوَّلَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِرِسَالَتِهِ، فَمَنْ لَـمْ يُؤْمِنْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّه خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالمرْسَلِينَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ آمَنَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِياءِ الَّذينَ جَاؤُوا قَبْلَهُ.

وَالْقُرْآنُ مَلِيءٌ بِالآيَاتِ الَّتِي تَأْمُرُ بِالإِيمَانِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَدَمِ الشَّكِّ فِي رِسَالَتِه، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {َآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} [التغابن: 8].

وَقَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15].

وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْكُفْرَ بِاللهِ وَرَسُولِه صلى الله عليه وسلم مِنْ أَسْبَابِ الهَلَاكِ والعِقَابِ الْأَلِيمِ فَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 13].


وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَـمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِه إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" [رَوَاهُ مُسْلِمُ].


ثَانِيًا: اتِّبَاعُهُ صلى الله عليه وسلم:
وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْبُرْهَانُ الْـحَقِيقِيُّ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَمَنِ ادَّعَى الْإِيمانَ بِالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ هُوَ لَا يَمْتَثِلُ لَه أَمْرًا، وَلَا يَنْتَهي عَنْ مُحَرَّمٍ نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْه، وَلَا يَتْبعُ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَاذِبٌ فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْإِيمانَ هُوَ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَتْه الْأَعْمَالُ.

وَقَدْ بيَّن اللهُ تَعالَى أَنَّ رَحمَتَهُ لَا تَنَالُ إِلا أَهْلَ الِاتِّبَاعِ وَالِانْقِيَادِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ} [الأعراف: 156، 157].


وَكَذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى تَوَعَّدَ المعْرِضِينَ عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْـمُخَالِفِينَ أَمْرَهُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فَقَالَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .


وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالتَّسْلِيمِ لحُكْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ لحُكْمِهِ فَقَالَ: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].


ثَالِثًا: مَحَبَّتُهُ صلى الله عليه وسلم:
وَمِنْ حُقُوقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِه: مَحَبَّتُه كُلَّ الحُبّ وَأكْمَلَهُ وَأَعْظَمَهُ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" [متفق عليه].

فَأيُّ إِنْسَانٍ لَا يُحبُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَإِنْ تَسَمَّى بِأَسْمَاءِ المسْلِمِينَ وَعَاشَ بَيْنَ ظَهَرَانِيهِمْ.


وَأعْظَمُ الْـحُبِّ أَنْ يُحِبَّ المؤْمِنُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمَ مِنْ مَحبَّتِهِ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ! لَأنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ". فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّه الْآنَ – وَاللهِ – لَأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْآنَ يَا عُمَرُ" [رواه البخاري].


رَابِعًا: الانْتِصَارُ لَهُ صلى الله عليه وسلم:
وَهُوَ مِنْ آكَدِ حُقُوقِهِ صلى الله عليه وسلم حَيًّا وَمَيِّتًا، فَأَمَّا فِي حَيَاتِه فَقَدْ قَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ المهِمَّةِ خَيرَ قِيامٍ.

وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالذَّبُّ يَكُونُ عَنْ سُنَّتِه إِذَا تَعَرَّضَتْ لِطعنِ الطَّاعِنِينَ وَتحرِيفِ الجَاهِلِينَ وَانْتِحَالِ المبْطِلِينَ.


وَيَكُونُ الذَّبُّ كَذلِكَ عَنْ شَخْصِهِ الْكَرِيمِ إِذَا تَنَاوَلَهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ أَوْ سُخْرِيَةٍ، أَوْ وَصَفَهُ بِأَوْصَافٍ لَا تَلِيقُ بِمَقَامِهِ الْكَرِيمِ صلى الله عليه وسلم.


وَقَدْ كَثُرَتْ – فِي هَذَا الْعَصْرِ – حَملَاتُ التَّشْوِيه الَّتِي يَطْعنُونَ بِهَا عَلى نَبيِّ الإِسْلامِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا أَنْ تَهُبَّ للدِّفاعِ عَنْ نَبِيِّها صلى الله عليه وسلم بِكُلِّ مَا تَملِكُ مِنْ وَسَائلِ قُوَّةٍ وَأدوَاتِ ضَغْطٍ، حَتَّى يَكُفَّ هَؤُلاءِ عَنْ كَذِبِهِمْ وَبُهْتَانِهمْ وافْتِرَائِهِمْ.
د. عادل بن علي الشدي

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
مِنْ حُقُوقِ المصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم (2)


لا زَالَ الحْدِيثُ مَوْصُولاً عَنْ حُقُوقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمَّتِهِ:
خَامسًا: نَشْرُ دَعْوَتِهِ - صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ مِنَ الوَفَاءِ لِرسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَقُومَ بِنَشْرِ الْإِسْلامِ، وَتَبْلِيغِ الدَّعْوةِ فِي كَافَّة أَصْقَاعِ الْأَرْضِ، فَقَدْ قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيةً))، رواه البخاريُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ((لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمرِ النَّعَمِ))، متفق عليه.

وَأَخْبَر - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه: ((مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ))، رواه أحمد، وأصحاب السنن.

وَمِنْ أَسْبَابِ كَثْرَةِ الأُمَّةِ: قِيَامُهَا بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَدُخولُ النَّاسِ في الْإِسْلامِ، وَقَدْ بيَّن اللهُ تَعَالَى أَنَّ الدَّعْوةَ إِلَيْهِ هِيَ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَقَالَ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].

فَعَلى الْأُمَّةِ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِوَظِيفَتِها الَّتِي أَخْرَجَهَا اللهُ لِأَجْلِها، وَهِيَ الدَّعْوَةُ وَالْبَلاغُ وَالأمرُ بِالمعْروفِ وَالنَّهيُ عَنِ المنْكَرِ، كَمَا قَالَ - سُبْحَانَهُ -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

سَادِسًا: تَوْقِيرُه - صلى الله عليه وسلم - حَيًّا وَمَيِّتًا:

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ حُقُوقِه - عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ - الَّتِي فَرَّطَ فِيها كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، قَالَ تَعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفتح: 8، 9].

قَالَ ابْنُ سعْدِي: "أَيْ تُعَزِّرُوا الرَّسُولَ وَتُوَقِّرُوه، أيْ تُعَظِّمُوه، وَتُجِلُّوه، وَتَقومُوا بِحُقُوقِه، كَما كَانتْ لَه المنَّةُ الْعَظِيمةُ فِي رِقَابِكُمْ".

وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَظِّمُونه، وَيُوقِّرُونَهُ، وُيُجِلُّونَه إِجْلَالاً عَظِيمًا، فَقَدْ كَانَ إِذَا تَكلَّم أَطْرَقُوا لَهُ حَتَّى كَأنَّما عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ، وَلَما نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2].
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِي اللُه عَنْه -: "وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَها إِلَّا كَأَخِي السِّرَار".

وَأَمَّا تَوقِيرُه - صلى الله عليه وسلم - بَعدَ وَفَاتِه، فَيكُونُ بِاتِّباعِ سُنَّتِه، وتعظِيمِ أمْرِه، وَقبُولِ حُكْمِه، وَالتَّأدُّبِ مَع كَلَامِه، وَعَدمِ مُخَالَفَة حَدِيثِهِ لِرَأْيٍ أَوْ مَذْهَبٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمهُ اللهُ -: "أَجْمَعَ المسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَحِلّ لَه أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ.

سَابعًا: الصَّلاَةُ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا ذُكِرَ:

فَقَدْ أَمَرَ اللهُ المؤْمِنِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَه فَلَمْ يُصَلّ عَلَيَّ))؛ رواه مسلم.

وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ، أَكْثَرُهُمْ عَلِيَّ صَلَاةَ))؛ رواه الترمذي, وحسنه الألباني.

وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَه وَلَمْ يُصَلّ عَلَيَّ))؛ رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

فَمِنَ الجَفَاءِ أَنْ يَسْمَعَ المسْلِمُ ذِكْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَبْخَلُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - كَثِيرًا مِنْ فَوَائِدِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي كِتَابِهِ "جَلَاءُ الْأَفْهَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ" فَلْيُرَاجَعْ.

ثَامنًا: مُوَالاَةُ أَوْلِيَائِه، وبُغْضُ أَعْدَائِهِ - صلى الله عليه وسلم:

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22].

وَمِنْ مُوالَاتِه:
مُوالَاةُ أَصْحَابِه وَمحبَّتُهم, وَبَرُّهمْ, وَمَعْرِفةُ حَقِّهِمْ, وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِم, وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ, وَالاسْتِغْفَارُ لَهمْ، وَالإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُم, وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُمْ أَوْ سَبَّهُمْ، أَوْ قَدَحَ فَي أَحدٍ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ آلِ بَيْتِهِ وَمُوَالَاتُهمْ وَالذَبُّ عَنْهُمْ، وَتَرْكُ الغُلُوِّ فِيهمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَحَبَّةُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمُوَالَاتُهُمْ وَتَرْكُ انْتِقَاصِهِمْ وَالْخَوْضِ فِي أَعْرَاضِهم.

وَمِنْ مُوالَاةِ النَّبيِّ
- صلى الله عليه وسلم -: مُعَادَاةُ أَعْدَائِه مِنَ الكُفَّارِ وَالمنَافِقِينَ وَغَيْرِهم مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالِ.

قَالَ رَجلٌ مِنْ أَهلِ الْأَهْوَاءِ لأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ: أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ؟
فَوَلَّى عَنْهُ وَهُوَ يُشِيرُ بَأَصْبُعِهِ: وَلَا نِصْفُ كَلِمَةٍ؛ تَعْظِيمًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَادَاةً لِأعْدَائِها.
align="left">

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

هَدْيُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمضانَ (3)

قَال الْإِمامُ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وَكَانَ هَدْيُ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيه (أَيْ فِي رَمضَانَ) أَكْمَلَ الْهَدْيِ، وَأعْظمَ تَحْصِيلٍ لِلمَقْصُودِ، وَأسْهَلَهُ عَلَى النُّفُوسِ".

وَكَانَ فَرْضُه في السَّنةِ الثَّانِيةِ مِنَ الهجْرَةِ، فَتُوفِّيَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ.

وَفُرِض أَوَّلاً عَلى وَجهِ التَّخْيِيرِ بَيْنَه وَبَيْنَ أَنْ يُطَعمَ عَنْ كُلِّ يومٍ مِسْكينًا، ثُمَّ نُقِلَ مِنْ ذَلك التَّخْييرِ إِلى تَحُتُّمِ الصَّوْمِ.

وَجُعِل الْإِطْعَامُ لِلشَّيخِ الْكَبيرِ وَالمَرأةِ، إِذَا لَمْ يُطِيقَا الصِّيامَ، فَإِنَّهُما يُفْطِران، وَيُطْعِمانِ عَن كُلِّ يومٍ مِسْكينًا.

ورُخِّصَ لِلْمَرِيضِ وَالمسَافِرِ أَنْ يُفْطِرا وَيَقْضِيَا؛ وَللْحَامِل وَالمرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أنْفُسِهمَا كَذلك، فَإِنْ خَافَتَا عَلى وَلَدَيْهِما، زَادَتا مَعَ الْقَضَاءِ إِطْعَامَ مِسْكينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ، فَإِنَّ فِطْرَهُمَا لَـمْ يَكُنْ لخوْفِ مَرَضٍ، وَإِنَّما كَانَ مَع الصِّحَّة، فَجُبِر بِإِطْعَام المسْكِينِ، كَفِطْر الصَّحِيح فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ.


الإكْثارُ مِنْ أَنْواع العِبَادَةِ:
وَكَان مِنْ هَدْيِه - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضانَ: الْإِكْثَارُ مِنْ أَنْواعِ الْعِبَادَاتِ، فَكان جِبْريلُ - عَلَيهِ السَّلامُ - يُدَارِسُهُ الْقُرآنَ فِي رَمضَانَ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْريلُ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المرْسَلَةِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْودَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ؛ يُكْثِر فِيه مِنَ الصَّدَقَةِ والْإحْسَانِ، وَتِلَاوةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةِ، وَالذِّكْرِ وَالاِعْتِكَافِ.

وَكان يَخُصُّ رَمضَانَ مِنَ الْعِبَادَة بِما لَا يَخُصُّ بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الشُّهُورِ، حَتَّى إِنَّه كَان لَيُوَاصِلُ فِيه أَحْيَانًا، لِيُوَفِّرَ سَاعَاتِ لَيْلِهِ وَنَهارِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ.

وَكان يَنْهى أَصحابَهُ عَنِ الوِصَالِ، فَيقولُونَ لَه: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، فَيَقُولُ: ((لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ)) وَفي رِوايةٍ: ((إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسقِيني))؛ مُتفقٌ عَليهِ.

وَقَدْ نَهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ رَحمةً للأُمَّةِ، وَأَذِنَ فِيه إِلى السَّحَرِ.

وَفي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: ((لَا تُواصِلُوا، فأيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُواصِلْ إِلَى السَّحَرِ))، فَهَذَا أَعْدَلُ الوِصَالِ وَأسْهلُهُ عَلَى الصَّائِم، وَهُوَ في الحقيقةِ بمنزلةِ عشائِه، إلا أنه تأخّر، فالصائمُ له في اليومِ والليلةِ أكلةٌ، فإن أكَلَها في السَّحَرِ كان قد نَقَلَها من أولِ الليلِ إلى آخرِه".


هَدْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثُبُوتِ الشَّهْرِ:
وَكانَ مِنْ هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَدخُلَ فِي صَومٍ إِلَّا بِرُؤْيَةٍ مُحَقَّقَةٍ، أَوْ بِشَهادَةِ شَاهدٍ وَاحِدٍ، كَما صَامَ بِشَهادَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَصَامَ مَرَّةً بِشَهَادَةِ أَعْرابيٍّ، وَاعْتَمدَ عَلى خَبَرِهِمَا، وَلَـم يُكَلِّفْهُما لَفْظَ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَان ذَلِكَ إِخْبَارًا فَقَدِ اكْتَفَى فِي رَمضَانَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَان شَهادَةً، فَلَمْ يُكلِّف الشَّاهدَ لَفظَ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُؤيةٌ ولا شَهادةٌ، أَكْمَل عِدَّة شعبانَ ثَلاثِينَ يَومًا.
وَكَانَ إِذَا حَال لَيلةَ الثَّلاثِينَ - دُونَ مَنْظَرِهِ - غَيمٌ أَوْ سَحابةٌ، أَكْملَ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِين يَومًا، ثُمَّ صَامَ.

وَلَمْ يَكُنْ يَصُوم يَوْمَ الْإِغْمَامِ، وَلَا أَمَرَ بِه، بَلْ أَمَر بِأَنْ تُكْمَل عِدَّةُ شَعبانَ ثَلاثِينَ إِذا غُمَّ، وَكانَ يَفْعلُ ذَلِكَ فَهذَا فِعلُه، وَهَذَا أَمْرُه، وَلَا يُنَاقِضُ هَذا قَوْلَه: ((فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ))؛ مُتفَقٌ عَلَيْهِ.

فَإِنَّ القَدْرَ هُو الحِسَابُ المَقدَّرُ، وَالمرَادُ بِهِ: إِكْمَالُ عِدَّةَ الشَّهرِ إِذَا غُمَّ، كَما قَالَ فِي الحدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ: ((فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ)).


هَديُهُ فِي الخُرُوجِ مِنَ الشَّهْرِ:
وَكَان مِنْ هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم -: أمْرُ النَّاسِ بِالصَّوْمِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ المسْلِمِ، وَخُروجُهُمْ مِنْهُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِه: إِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الهِلالِ بَعدَ خُرُوج وَقْتِ الْعِيدِ أَنْ يُفْطِرَ، وَيَأْمُرَهُمْ بِالفِطْرِ، وَيُصلّيَ العِيدَ مِنَ الْغَدِ فِي وَقْتِها.
align="left">
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

هَدْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمضَانَ (2)


قَالَ الْإِمامُ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -:
"وَكَان - صلى الله عليه وسلم - يُعَجِّلُ الفِطرَ، وَيحضُّ عَليهِ، وَيَتسَحَّرُ، وَيَحُثُّ عَلى السُّحورِ، وَيُؤخِّرُه، وَيُرغِّبُ فِي تَأْخِيرِهِ".


وَكَانَ يَحضُّ عَلى الفِطْرِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ لَم يَجِدْ فَعلَى المَاءِ، هَذا مِنْ كَمالِ شَفَقَتِه عَلى أُمَّتِه، وَنُصحِهِمْ، فَإِنَّ إِعطَاء الطَّبِيعةِ الشَّيءَ الحُلْوَ مَع خُلوِّ المعِدَةِ أَدْعَى إِلى قَبُولِه، وَانْتِفاعِ القُوَى بِهِ، وَلَاسِيَّما القُوَّةُ البَاصِرةُ، فَإنَّها تَقْوَى بِهِ.



وَحَلَاوةُ المدِينةِ التَّمْرُ، وَمُرَبَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ عِندهُمْ قُوتٌ وأُدْمٌ، ورُطَبُه فَاكهَةٌ.



وَأَمَّا الماءُ: فَإِنَّ الكَبِدَ يَحْصُل لَها بِالصَّومِ نَوْعُ يَبَسٍ، فَإِذا رُطِّبتْ بِالماءِ، كَمُل انْتِفاعُهَا بِالغِذاءِ بَعْدَه، وَلهذَا كَان الْأَوْلَى بِالظَّمْآن الجَائِعِ أَنْ يَبْدَأ قَبْلَ الْأَكْلِ بِشُرْبِ قَلِيلٍ مِن الماءِ، ثُمَّ يأكُلُ بَعدَهُ.


هَذا مَعَ مَا فِي التَّمْرِ وَالماءِ مِنَ الخَاصِّيَّة الَّتِي لَها تأثيرٌ فِي صَلَاحِ القَلْبِ, لَا يعلَمُهَا إِلَّا أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ.


مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي فِطْرِه:


* وَكَانَ- صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ قَبْل أَنْ يُصَلِّي.

* وَكَان فِطْرُه عَلى رُطَباتٍ - إِنْ وَجَدَهَا - فَإِنْ لَم يَجِدْهَا فَعَلى تَمْرَاتٍ, فَإنْ لمْ يَجِدْ، فَعَلى حَسَواتٍ مِنْ مَاءٍ.

* وَرُوِي عَنْه أَنَّه كَانَ يقُولُ إِذَا أَفْطَر: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ, وَابتَلَّتِ العُروقُ، وَثَبَتَ الْأجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى))؛ رَوَاه أَبُو دَاوُدَ.

* وَيُذْكَرُ عَنْه - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ لِلصَّائِم عِنْدَ فِطْرِه دَعْوةً مَا تُرَدُّ))؛ رَواه ابْنُ مَاجَه.

* وَصَحَّ عَنْه أَنَّه قَالَ: ((إِذَا أَقْبَل اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ مِنْ هَاهُنَا, فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَر حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، وَبِأَنَّه قَدْ دَخَلَ وَقتُ فِطْرِه، كَأَصْبحَ وَأَمْسَى.


آدَابُ الصَّائِم:


وَنَهى - صلى الله عليه وسلم - الصَّائِمَ عَنِ الرَّفْثِ وَالصَّخَب، والسِّبَابِ، وَجَوابِ السِّبَابِ, فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ سَابّه: ((إِنِّي صَائِمٌ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَقِيلَ: يَقُولُ بِلِسَانِه وَهُو أَظْهَرُ.

وَقِيل: بِقَلْبِهِ؛ تَذْكِيرًا لنفْسِهِ بِالصَّوْمِ.

وَقِيل: يَقُولُه فِي الْفَرْضِ بِلسَانِهِ، وَفِي التَّطَوُّعِ فِي نَفْسِه، لِأَنَّه أَبْعدُ عَنِ الرِّيَاءِ.


هَدْيُه - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ:


وَسَافَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ وَأَفْطَر، وَخيَّر الصَّحَابةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْفِطْر إِذَا دَنَوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ؛ لِيَتَقَوَّوْا عَلى قِتَالِه.


وَأَمَّا إِذَا تجرَّد السَّفَرُ عَنِ الجِهَادِ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي الفِطْرِ: ((هِي رُخْصَةٌ، فَمَنْ أَخذَ بِها فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ)).



وَسَافَر رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَعْظَمِ الْغَزَواتِ وَأَجَلِّها: فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَفِي غَزَاةِ الْفَتْحِ.



وَلم يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - تَقْديرُ مَسَافَةِ السَّفَرِ الَّتِي يُفْطِرُ فِيهَا الصَّائِمُ بَحدٍّ، وَلَا صحَّ عَنْه فِي ذَلك شَيءٌ.



وَكانَ الصَّحَابةُ حِينَ يُنْشِؤونَ السَّفرَ يُفْطِرُونَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ البُيُوتِ, ويُخبِرُونَ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّتُه وَهَدْيُه - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَال عُبَيْدُ بْنُ جَبْرٍ: رَكِبتُ مَع أَبِي بَصْرةَ الغِفَارِيِّ صَاحِب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفِينةٍ مِنَ الفُسْطَاطِ فِي رَمضَانَ، فَلَمْ يُجَاوِزِ البُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ وَقَالَ: اقْتَرِبْ، قُلْتُ: أَلسْتَ تَرَى البُيُوتَ؟ قَالَ أبُو بَصْرةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم؟؛ رواه أحمد وأبو داود.



وَقَالَ مُحَمَّد بْنِ كَعْبٍ: أَتَيتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا, وَقَد رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُه، وَقَدْ لَبِسَ ثِيابَ السَّفَرِ، فَدَعا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ قَالَ: سُنَّةٌ، ثُمَّ رَكِبَ.


قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "حَدِيثٌ حَسَنٌ".


وَهَذِهِ الآثَارُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مَنْ أَنْشأَ السَّفَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمضَانَ، فَلَهُ الفِطْرُ فِيهِ.

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

هَدْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمضَانَ (3)



وَكَانَ مِنْ هَدْيَه - صلى الله عليه وسلم -:
أَنْ يُدْرِكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِه، فَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الْفَجْرِ - أَيْ بَعْدَ الأذَانِ - وَيَصومُ.

وَكَانَ يَقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِه وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ[1]، وَشبَّه قُبْلةَ الصَّائِمِ بِالمضْمَضَةِ بِالماءِ.

هَدْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا:

وَكَانَ مِنْ هَدْيِه - صلى الله عليه وسلم - إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَمَّنْ أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا، وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، فَلَيْسَ هَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُضَافُ إِلَيْهِ فَيُفْطِرُ بِهِ، فَإِنَّما يُفْطِرُ بِمَا فَعَلَهُ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَكْلِه وَشُرْبِه فِي نَوْمِه، إِذْ لَا تَكْلِيفَ بِفِعْلِ النَّائِمِ، وَلَا بِفِعْلِ النَّاسِي.

مُفْطِرَاتُ الصَّائِمِ:

وَالَّذِي صَحَّ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الَّذِي يُفْطِرُ بِه الصَّائِمُ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ[2]، وَالحِجَامَةُ، وَالْقِيءُ.

وَالْقُرْآنُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الجِمَاعَ مُفَطِّرٌ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ، وَلَا يَصِحّ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكُحْلِ شَيْءٌ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ.


- وَذَكَر الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّه كَانَ يَصُبُّ المَاءَ عَلَى رَأْسِه وَهُوَ صَائِمٌ.


- وَكَانَ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَمَنَعَ الصَّائِمَ مِنَ المبَالَغَةِ فِي الاِسْتِنْشَاقِ.


- وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّه احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.


- وَلَا صَحّ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ السِّوَاكِ فِي أوَّلِ النَّهَارِ وَلَا آخِرِهِ.


هَدْيُه - صلى الله عليه وسلم - فِي الاِعْتِكَافِ:

كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الَأَوَاخِرَ مِنْ رَمضانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ، وَتَرَكَهُ مَرَّةً فَقَضَاهُ فِي شَوَّالٍ.

وَاعْتكَفَ مَرَّةً فِي الْعَشْرِ الأُوَّلِ، ثُمَّ الْأَوْسَطِ، ثُمَّ الْعشر الْأَخِيرِ، يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّها فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَدَاوَمَ عَلى اعْتِكَافِهِ حَتَّى لَحِقَ بِرَبِّه عَزَّ وجلَّ.


- وَكَانَ يأْمُرُ بِخِبَاءٍ، فَيُضْرَبُ لَهُ فِي المسْجِدِ يَخْلُو فِيهِ بِربِّه - عزَّ وجلَّ.


- وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الاِعْتِكافَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَهُ.


- وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، اعْتكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.


- وَكَانَ يُعَارِضُهُ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ (الَّذِي قُبِضَ فِيه) عَارَضَهُ بِه مَرَّتَيْنِ.


- وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ أَيضًا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ تِلْكَ السَّنَةَ مَرَّتَيْنِ.


- وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اعْتَكَفَ دَخَلَ قُبَّتَهُ وَحْدَهُ.


- وَكَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ فِي حَالِ اعْتِكَافِهِ إِلَّا لحَاجَةِ الْإِنْسَانِ.


- وَكَان يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ المسْجِدِ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَتُرَجِّلَهُ، وَتَغْسِلَهُ وَهُوَ فِي المسْجِد، وَهِيَ حَائِضٌ.


- وَكَانَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَإِذَا قَامَتْ تَذْهَبُ، قَامَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلاً.


- وَلَمْ يُبَاشِرِ امْرَأةً مِنْ نِسَائِهِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، لَا بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا.


- وَكَانَ إِذَا اعْتَكَفَ طُرِحَ لَهُ فِرَاشُهُ، وَوُضِعَ لَهُ سَرِيرُهُ فِي مُعْتَكِفِهِ.


- وَكَانَ إِذَا خَرَجَ لحَاجَتِه مَرَّ بالمرِيضِ وَهُوَ عَلَى طَرِيقِه، فَلَا يُعَرِّجُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ.


- وَاعْتَكَفَ مَرَّةً فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، وَجَعَلَ عَلى سُدَّتِها حَصِيرًا؛ كلُّ ذَلِكَ تَحْصِيلاً لمقْصُودِ الاِعْتِكَافِ وَرُوحِه، عَكْسَ مَا يَفْعلُه الجُهَّالُ مِنَ اتِّخَاذِ المعَتَكَفِ مَوْضِعَ عِشْرَةٍ، وَمَجْلَبَةً لِلزَّائِرينَ، وَأخْذَهم بِأَطْرَافِ الحَدِيثِ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا لَوْنٌ، وَالِاعْتِكَافُ النَّبَوِيُّ لَوْنٌ آخَرُ.


وَاللهُ الموَفِّقُ.

ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ إِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ.
[2] يَدْخُلُ فِي ذَلِك مَا كَانَ يُشْبِهُهُما كَالإِبَرِ المغَذِيَّةِ.


كتبت : || (أفنان) l|
-

أختي الحبيبة

جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك ووفقك الله لكل ما يحب ويرضي
زادك الله برا وتقوى وأعلى شأنك بالدنيا والآخرة.
وبلغك أعلي منازل الجنة
علـى هـذا الموضــوع القيـم .. ومشاركة رائعة ومميزة

صلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
قال تعالى :"وإنك لعلى خلق عظيم"..
محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف الخلق وأعظمهم ..
وتجلت الصفات الحميده والعظيمة في سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم ..
صلى الله عليك يا حبيبي يارسول الله
لقد وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بكلمة تجمل كل الكلام حيث قالت
" كان خلقه القرآن " او " كان قرآنا يمشي على الارض "
نسال الله أن نحسن الاقتداء بحبيبنا وسيدنا محمد صلَ الله عليه وسلم

الصفحات 1 2 

التالي

الحبيب صلى الله عليه وسلم

السابق

ذِكْرِ النَّسَبِ الشَّرِيفِ وَطَهَارَةِ أَصْلِهِ - صلى الله عليه وسلم

كلمات ذات علاقة
المصطفى , الله , حقوق , صلى , عليه , وسلم