مقالة في حكم الرشوه في الكتاب والسنه .

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : ~loOoOoOoly~
-




حكم الرشوة في الكتاب والسنة


الأصل في المسلم أنه معصوم الدم والمال، فلا يجوز الاعتداء عليه بحال من الأحوال، واعتبر الإسلام الموت في سبيل الدفاع عن المال والدم والعرض نوعاً من أنواع الشهادة.

والأدلة على حرمة المسلم وماله كثيرة، قال تعالى:
( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام )
[البقرة:188].
وقال تعالى:
(من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً )
[المائدة:32].

1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)).
متفق عليه
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)).
رواه مسلم
3- وعن السائب بن يزيد عن أبيه قال: قال رسول الله :
((لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه جاداً ولا لاعباً، وإذا أخذ عصا أخيه فليردها عليه)).[3] رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

4- وعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال:
((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه)).
[4] رواه الدراقطني وغيره.
5- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال:
((من ظلم شبراً من الأرض طوّقه الله من سبع أراضين)).
[5] متفق عليه.
هذه الأدلة المتقدمة وغيرها من الأدلة المستفيضة تفيد حرمة المسلم وحرمة ماله ودمه وعرضه وأرضه، فلا يجوز الاعتداء عليه ولا على شيء مما يملك إلا بحق الإسلام كما لا يجوز أخذ ماله ومتاعه إلا برضاه وطيب نفسه، وهذا ما أكده رسول الله في حجة الوداع، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطب رسول الله الناس يوم النحر في حجة الوداع فقال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد))
[رواه البخاري].
قال ابن حجر قوله: ((أبشاركم)): جمع بشرة وهو جلد الإنسان.


الأكل من الطيبات:
إن الإسلام حض المؤمنين وأمر المسلمين بالأكل من الطيبات والمباحات واجتناب المحرمات والخبائث والمكروهات وترك الأشياء المشتبهات لآثارها السيئة في المجتمعات ومخالفة رب العباد.
قال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله )
[البقرة:172].


والأحاديث في هذا الباب كثيرة منها:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)
، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى:
( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً )
[المؤمنون:51].
وقال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)).
2- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال:
سمعت رسول الله يقول:
((إن الحلال بيّن، وإن الحرام ،بيّن وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).

تعريف الرشوة:
قال ابن حجر العسقلاني: الرشوة: بضم الراء وكسرها ويجوز الفتح وهي ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه، وقال ابن العربي: الرشوة كل مال دفع يبتاع به من ذي جاه عوناً على ما لا يحل، والمرتشي قابضه، والراشي معطيه، والرائش الواسطة. ا.هـ.
[فتح الباري].
قال الأمير الصنعاني: والراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل، مأخوذ من الرشا وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء في البئر.
وقال أيضاً: وفي النهاية لابن الأثير قال: الراشي منٌ يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش هو الذي يمشي بينهما، وهو السفير بين الدافع والآخذ على سفارته أجراً، فإن أخذ فهو أبلغ
(أي: بالإثم والحرمة).
قال القرضاوي في كتابه الحلال والحرام: ومن أكل أموال الناس بالباطل أخذ الرشوة، وهي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو أو ينجز له عملاً أو يؤخر لغريمه عملاً، وهلمّ جرا.

أدلة تحريم الرشوة:
فالرشوة كسب خبيث وأكلٌ لأموال الناس بالباطل وإعانة على الظلم والعدوان وهدر لكرامة الإنسان لما يترتب عليها من ضياع الحقوق وفساد المجتمعات، وقد توعد رسول الله أكلة الرشوة والمتعاملين بها بالطرد والإبعاد عن مظانّ الرحمة كما جاءت الأحاديث مصرحة بذلك.
1- فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:
(لعن رسول الله الراشي والمرتشي).
2- وعن ثوبان رضي الله عنه قال:
(لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش: يعني الذي يمشي بينهما).

حكم هدايا العمال والحكام وعامة الناس:
أ‌- فقد وردت أحاديث صحيحة بحرمة هدية الحاكم من قضاة ومسؤولين وغيرهم واعتبرت من الرشوة التي صرح النبي بحرمتها وأكل أموال الناس بالباطل وخصوصاً إذا كان هناك مصلحة للمُهدي عند المَهدي إليه، وبالأدلة الشرعية على حرمتها يتضح ذلك.
ب‌- وهناك من أباح هدية الحاكم لدفع ظلم أو تحقيق حق كما سيأتي.
ت‌- وهناك من أباح للمُهدي للحصول على حقه وحرّم على الآخذ – أي: المَهدي إليه –، والحق في ذلك أن الأحاديث الصحيحة تفيد الحرمة على الجميع: المهدي والمهدي إليه للأدلة الصريحة في التحريم والتحذير من ذلك:
1- فعن أبي حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبيّة – على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
((أما بعد، فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفنّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت))
[متفق عليه].
2- وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي قال:
((ومن شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى باباً عظيماً من الربا)). [رواه أحمد].
3- وعن حذيفة بن اليمان مرفوعاً: ((هدايا العمال حرام))
وعن أبي حميد عن النبي قال: ((هدايا العمال غلول)).


رفض الخلفاء الهدية خوفاً من الشبهة:
وكان سلفنا الصالح يتورعون عن قبول الهدايا خوفاً من الشبهة وخصوصاً إذا تقلد أحدهم عملاً من أعمال المسلمين. ولهذا بوّب البخاري في صحيحه باباً وقال: (باب من لم يقبل الهدية لعلة) ثم ساق البخاري أثر عمر بن عبد العزيز قوله: (كانت الهدية في زمن رسول الله هدية، واليوم رشوة).
وقال ابن حجر العسقلاني في هذا الباب: قال فرات بن مسلم: اشتهى عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يجد في بيته شيئاً يشتري به، فركبنا معه فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح فتناول واحدة فشمها ثم ردّ الأطباق، فقلت له في ذلك. فقال: لا حاجة لي فيه. فقلت: ألم يكن رسول الله وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية؟ فقال: (أي: عمر بن عبد العزيز): إنها لأولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة.


أقوال العلماء في هدايا العمال وغيرهم:
1- جمهور علماء الإسلام لا يجيزون هدايا الحكام ولا العمال للأدلة المتقدمة؛ لما في ذلك من أكل أموال الناس بالباطل واعتبروها من السحت وإعانة على الظلم لما يترتب على ذلك من محاباة المُهدي بسبب هديته.
2- وهناك من جعله في درجة الكفر، ولعل هذا القول فيه مغالاة، وسيأتي بيانه في موضعه. ولربما كان مقصدهم الكفر العملي لا الاعتقادي. والله أعلم.
3- وهناك من أجاز هدية الحاكم من باب المكافأة، والإثم على الحاكم لا على المهدي إذا كان لا يتوصل إلى حقه إلا بالهدية.
ونقل ابن حجر العسقلاني قول فرات بن مسلم في هذا الموضع في فتح الباري.
قال رحمه الله: إن لم يكن المَهدي له حاكماً والإعانة لدفع مظلمة أو إيصال حق فهو جائز ولكن يستحب له ترك الأخذ، وإن كان حاكماً فهو حرام. ا.هـ ملخصاً.


أقوال علماء الإسلام في هذه المسألة:
1- قال ابن قدامة في المغني: فأما الرشوة في الحكم ورشوة العامل فحرام بلا خلاف،
قال الله تعالى: (أكالون للسحت ) [المائدة:42].
قال الحسن البصري وسعيد بن جبير في تفسيره:
هو الرشوة، وقال:
إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به إلى الكفر، إلى أن قال: ولأن المرتشي إنما يرتشي ليحكم بغير الحق أو ليوقف الحكم عنه، وذلك من أعظم الظلم.
ثم قال ابن قدامة: قال مسروق:
سألت ابن مسعود عن السحت، أهو الرشوة في الحكم؟
قال: لا، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
– هم الظالمون –
هم الفاسقون ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمة فيهدي لك ، . . .
وقال قتادة: قال كعب: الرشوة تسفه الحليم وتعمي عين الحكيم – إلى أن قال ابن قدامة -:
فأما الراشي؛ فإن رشاه ليحكم له بباطل أو يدفع عنه حقاً فهو ملعون، وإن رشاه ليدفع عنه مظلمة ويجزيه على واجبه؛ فقد قال عطاء وجابر بن زيد والحسن: لا بأس أن يصانع على نفسه.
قال ابن قدامة: قال جابر بن زيد: ما رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشاء، ولأنه يستنقذ له كما يستنقذ الرجل أسيره، فإن ارتشى الحاكم أو قبل هدية ليس له قبولها؛ فعليه ردّها إلى أربابها لأنه أخذها بغير حق، فأشبه المأخوذ بعقد فاسد. ويحتمل أن يضعها في بيت المال لأن النبي لم يأمر ابن اللتبية بردها إلى أربابها. ا.هـ.
[المغنى].
2- قال الشوكاني في نيل الأوطار: قال ابن رسلان في شرح السنن: ويدخل في إطلاق الرشوة الرشوة للحاكم والعامل على أخذ الصدقات، وهي حرام بالإجماع. وقال الشوكاني أيضاً: قال المنصور بالله وأبو جعفر وبعض أصحاب الشافعي: وإن طلب بذلك حقاً مجمعاً عليه جاز. قيل: وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر.

رد وتعقيب للإمام الشوكاني:
وقال الشوكاني رداً على أئمة الزيدية: والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأيّ مخصص. فالحق التحريم مطلقاً أخذاً بعموم الحديث. ومن زعم الجواز في صورة من الصور، فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه رداً عليه، فالأصل في مال المسلم التحريم: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة:188].
ثم قال الشوكاني: والأصل أن الدافع للرشوة إنما دفعه لأحد أمرين:
الأول: إما لينال به حكم الله إن كان محقاً وذلك لا يحل، لأن المدفوع في مقابله أمر واجب أوجب الله – عز وجل – على الحاكم الصدع به. فكيف لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئاً من الحطام؟
الثاني: وإن كان الدافع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلاً، فذلك أقبح لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور، فهو أشد تحريماً من المال المدفوع للبغيّ في مقابلة الزنا بها، لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره والإضرار به، بخلاف المدفوع للبغي. فالتوسل به إلى شيء محرم وهو الزنا لكنه مستلذ للفاعل والمفعول به. وهو أيضاً ذنب بين العبد وربه. وهو أسمح الغرماء، ليس بين العاصي والمغفرة إلا التوبة ما بينه وبين الله، وبين الأمرين فرق بعيد. ثم ساق الأدلة على تحريم الرشوة في كتابه المذكور نيل الأوطار.
ثم قال الشوكاني: وقال أبو وائل شقيق بن سلمة أحد التابعين: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. وقال: ويدل على المنع من قبول هدية من استعان بها على دفع مظلمته ما أخرجه أبو داود عن أبي أمامة عن النبي :
((من شفع لأخيه شفاعة فأهدي له عليها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا))
وفي إسناده مقال.
ثم قال الشوكاني: فليحذر الحاكم المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا ممن أهدى إليه بعد توليته القضاء، فإن للإحسان تأثيراً في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المُهدي إليه ميلاً يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المُهدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك، ويظهر أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه. والرشوة لا تفعل زيادة على هذا، إلى أن قال الشوكاني: ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إلي قبل الدخول فيه، بل من الأقارب فضلً عن سائر الناس. اهـ.
[كلام الشوكاني بإيجاز واختصار من كتابه نيل الأوطار.
3- وقال الأمير الصنعاني[24]:
في كتابه سبل الإسلام والرشوة حرام بالإجماع سواء كانت للقاضي أو للعامل على الصدقة أو لغيرهما، وقد قال الله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون
[البقرة:188].
ثم قال: وحاصل ما يأخذه القضاة من الأموال على أربعة أقسام:
الأول: الرشوة: إن كانت ليحكم له الحاكم بغير حق فهي حرام على الآخذ والمعطي. وإن كانت ليحكم له بالحق على غريمه فهي حرام على الحاكم دون المعطي لأنها لاستيفاء حقه فهي كجعل الآبق، وأجرة الوكالة على الخصومة. وقيل: تحرم لأنها توقع الحاكم في الإثم.
الثاني: الهدية: فإن كانت ممن يهاديه قبل الولاية فلا تحرم استدامتها، وإن كان لا يهدي إليه إلا بعد الولاية، فإن كانت ممن لا خصومة بينه وبين أحد عنده جازت وكرهت، وإن كانت ممن بينه وبين غريمه خصومة عنده فهي حرام على الحاكم والمهدي.
الثالث والرابع: الأجرة: وأما الأجرة فإن كان للحاكم جراية من بيت المال ورزق حرمت بالاتفاق (يعني حرمت الهدية للحاكم بالاتفاق)
لأنه إنما أجري له الرزق لأجل الاشتغال بالحكم فلا وجه للأجرة، وإن كانت لا جراية له من بيت المال جاز له الأجرة على قدر عمله غير حاكم، فإن أخذ أكثر مما يستحقه حرم عليه، لأنه إنما يعطى الأجرة لكونه عمل عملاً لا لأجل كونه حاكماً، ولا يستحق لأجل كونه حاكماً شيئاً من أموال الناس اتفاقاً. فأجرة العمل مثله وأخذ الزيادة على أجرة مثله حرام.
لذا قيل: إن تولية القضاء لمن كان غنياً أولى من تولية من كان فقيراً، وذلك لأنه لفقره يصير متعرضاً إلى ما لا يجوز له تناوله إذا لم يكن له رزق من بيت المال.
4- قال القرضاوي في كتابه الحلال والحرام: وقد حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للحكام وأعوانهم، كما حرّم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم، كما حظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين - ثم ساق الأدلة على تحريم ذلك - ثم قال: والإسلام يحرم الرشوة في أي صورة كانت وبأي اسم سميت، فتسميتها باسم الهدية لا يخرجها من دائرة الحرام إلى الحلال.


الرشوة لرفع الظلم:
وقد استدل بعض العلماء على ذلك بأحاديث الملحين الذين كانوا يسألون النبي من الصدقة فيعطيهم وهم لا يستحقون، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي قال:
((إن أحدكم ليخرج بصدقته من عندي متأبطها – أي يحملها تحت إبطه – وإنما هي له ناراً، قال عمر: يا رسول الله كيف تعطيه وقد علمت أنها له نار؟ قال: فما أصنع؟ يأبون إلا مسألتي، ويأبى الله عز وجل لي البخل)).
وقال القرضاوي معقباً على ذلك: فإذا كان ضغط الإلحاح جعل الرسول يعطي السائل ما يعلم أنه نار على آخذه، فكيف يكون ضغط الحاجة على دفع ظلم أو أخذ حق مهدور؟؟
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفتاوى: قال رحمه الله رحمة واسعة: ولهذا قال العلماء يجوز رشوة العامل لدفع الظلم، لا لمنع الحق، وإرشاؤه حرام فيهما، وكذلك الأسير والعبد المعتق إذا أنكر سيده عتقه له أن يفتدي نفسه بمال يبذله، ويجوز له بذله وإن لم يجز للمستولي عليه بغير حق أخذه.
وكذلك المرأة المطلقة ثلاثاً إذا جحد الزوج طلاقها فافتدت منه بطريق الخلع في الظاهر، كان حراماً عليه ما بذلته، ويخلصها من رق استيلائه. مستدلاً بحديث عمر بن الخطاب المتقدم – قال ابن تيمية -: ولهذا قال رسول الله :
((إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتلظاها ناراً، قالوا: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل))
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن ذلك ما وقى به المرء عرضه فهو صدقة، فلو أعطى الرجل شاعراً أو غير شاعر لئلا يكذب عليه أو يهجوه أو يتكلم في عرضه كان بذله لذلك جائزاً.
وجاء في الفتاوى لشيخ الإسلام: وسئل شيخ الإسلام عن رجل أهدى الأمير هدية يطلب حاجة أو التقرب أو للاشتغال بالخدمة عنده أو ما أشبه ذلك، فهل تجوز هذه الهدية على هذه الصورة أم لا؟
فأجاب رحمه الله: الحمد لله، ففي سنن أبي داود وغيره عن النبي أنه قال:
((من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)).
وقال: وسئل ابن مسعود عن السحت، فقال: هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدي لك هدية فتقبلها، فقال له: أرأيت إن كانت هدية في باطل؟ فقال: ذلك كفر ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة:44].
ولهذا قال العلماء: إن من أهدى هدية لولي أمر ليفعل معه ما لا يجوز كان حراماً على المُهدي والمَهدي إليه –
وهذه من الرشوة التي قال فيها النبي : ((لعن الله الراشي والمرتشي)).
والرشوة تسمى: (البرطيل)، والبرطيل في اللغة هو الحجر المستطيل فاه. فأما إذا أهدي له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب؛ كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها إليه – ثم ساق شيخ الإسلام ابن تيمية حديث عمر بن الخطاب المتقدم، وقد أسهب ابن تيمية في هذه المسألة، فمن أراد المزيد من الاطلاع فليراجع الفتاوى من ص 285 إلى ص 288 من المجلد الحادي والثلاثين.

حكم هدية غير الحكام والعمال:
1- أما هدية غير الحكام والعمال فإذا توصل بها إلى تحقيق ظلم أو إبطال حق فلا خلاف بين علماء الإسلام على أنها حرام.
2- وأما إذا لم يتوصل بها إلى تحقيق ظلم أو إبطال حق وإنما قصد بها منفعة للمهدي إليه فهي جائزة ومشروعة.
3- وهناك من أجاز للمهدي أن يتوصل إلى حقه ومنعها على المهدي إليه – واستدل المانعون بعموم النصوص الواردة بتحريم أكل أموال الناس بالباطل وبغير حق ومن غير طيب نفس. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال:
((من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا))
[رواه أحمد].
وقال الأمير الصنعاني: وفيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة، وظاهره سواء كان قاصداً لذلك عند الشفاعة أو غير قاصد.
وقال الصنعاني: والرشوة حرام بالإجماع، سواء كانت للقاضي أو العامل على الصدقة أو لغيرهما، وقد تقدم كلامه.

خلاصة القول في المسألة:
والظاهر من الأدلة الصريحة أن الرشوة حرام بجميع ضروبها وأشكالها وألوانها إذا كان يتوصل بها إلى إبطال حق أو إقرار ظلم لما يترتب على ذلك من المفاسد والأضرار وهذا حرام شرعاً.
والإسلام راعى أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والتسامح بجواز الرشوة يعوّد الناس على أكل الحرام وعدم الشعور بالمسؤولية لما يترتب على ذلك من تعطيل مصالح المسلمين وتأخير أعمالهم وعدم إنجازها إلا بالرشوة – فتنعدم الثقة بين الناس وتقل أواصر المودة والمحبة بينهم، وهذا مما حذر منه القرآن الكريم ونهى عنه النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة:2].
وفي الحديث الشريف عن جرير بن عبد الله أن النبي قال:
((من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))
[رواه مسلم].
ولاشك أن الرشوة قتل لروح التعاون بين المسلمين وهدر لكرامة المؤمنين. ومن عوّد نفسه على أخذ الرشوة وأكلها فقد سن في الإسلام سنة سيئة، عليه إثمها وإثم من استنّ به وقلده بهذا الجرم. فالمؤمن يترفع عن ذلك ويرضى بالكسب الحلال الذي رغب فيه الإسلام.
والحق أن الإسلام حرم على المسلم كل فعل أو قول أو واسطة تساعد على الباطل أو يتوصل بها إلى الحرام، كآكل الربا ومعطي الربا وكاتب المعاملة بينهما والشاهد عليها واعتبر الإسلام الجميع في الجرم سواء.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه
وقال: ((هم سواء)) [رواه مسلم].
فالحديث الشريف شمل الجميع بالإثم لأن عملية الربا تقوم على أربعة أركان لا تتم إلا بهذه الأركان الأربعة، فكل ركن ساعد على الظلم وأعان على الباطل، فدخل في غضب الله ووعيده. وهذا ما يتعارض مع قوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
[المائدة:2].
وكذا الحال في الرشوة، فكل من أعان على ترويجها بين الأفراد وفي المجتمعات فهو على خطر عظيم، دخل في الوعيد الشديد. فليحذر المؤمن من المروجين للباطل والمزينين للحرام، فالرسول يقول في الحديث الصحيح:
((إن الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه..)).

محاسبة العمال من قبل السلطان:
عن أبي حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدي رضي الله عه قال: استعمل النبي رجلاً من الأزد، يقال له: ابن اللتبيّة – على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
((أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفنّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت))
[متفق عليه].

ما يستفاد من حديث ابن اللتبية:
جاء في فتح الباري (13/167) عند شرح حديث ابن اللتبية تحت عنوان: (باب هدايا العمال) قال ابن حجر: وفي الحديث من الفوائد:
1- أن الإمام يخطب في الأمور المهمة، واستعمال أما بعد في الخطبة.
2- منع العمال من قبول الهدية ممن له عليهم حكم، لحديث معاذ بن جبل لما بعثه الرسول إلى بلاد اليمن قال له:
((لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول)) [أخرجه الترمذي].
أقول: ويقصد بالعمال: كل من ولاه السلطان عملاً من الأعمال كالقضاة وموظفي الدولة على مختلف أعمالهم، فالنهي يشملهم.
3- مشروعية محاسبة المؤتمن.
4- قال ابن حجر: قال المهلب: فيه أن ما أخذه العامل تُجعل في بيت المال، ولا يختص العامل منها إلا بما أذن له فيه الإمام.
5- قال ابن قدامة في المغني: وعلي ردّها لصاحبها، ويحتمل أن تجعل في بيت المال، لأن النبي لم يأمر ابن اللتبية برد الهدية التي أهديت له لمن أهداها.
6- قال ابن بطال: يلحق بهدية العامل لمن له دين ممن عليه الدين. معنى ذلك: لا تجوز هدين المدين للدائن؛ لأنه من باب قوله:
((كل قرض جرّ منفعة فهو رباً)).
وقال ابن حجر: وله أن يحاسب بذلك من دينه – أي يسقط قيمة الهدية التي أهداها له المدين من الدين الذي في ذمته.
7- وفيه إبطال كل طريق يتوصل بها من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ.
8- وفيه جواز توبيخ المخطئ واستعمال المفضول في الإمارة والإمامة والأمانة مع وجود من هو أفضل منه.
9- وفيه أن من رأى متأولاً أخطأ في تأويل يضرّ من أخذ به أن يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر من الاغترار به.
أقول: ولعل هذا التأديب لمن أضر بالمصلحة العامة، وهذا لا يكون إلا للسلطان، فقط لا لغيره، والله أعلم. والحق أن المسلم لا يملك التشهير بالآخرين وإن أخطأوا إنما ذلك للإمام والحاكم.
10- وقال ابن المنير: يؤخذ من قوله:
((هلا جلس في بيت أبيه وأمه))
فيه جواز قبول الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك. ا.هـ. كلام الحافظ ابن حجر من فتح الباري.


مكافأة المحسن:
الإسلام دعا إلى مكافأة المحسن بما يستطيعه المسلم من أنواع الإحسان ولو كان ذلك بالكلمة الطيبة والدعاء له بالخير، واعتبر الإسلام ملاقاة المسلم لأخيه المسلم بطلاقة الوجه وبشاشة النفس اعتبره معروفاً وإحساناً له يؤجر على ذلك المحسن – وهذا من كمال هذا الدين وشموله وآدابه ومحاسنه لتبقى المودة والألفة والمحبة خلقاً للمسلمين وشعاراً لهم.
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:
((والكلمة الطيبة صدقة)) [متفق عليه].
2- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) [رواه مسلم].
3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال:
((من استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له)).
قال الأمير الصنعاني عند حديث ابن عمر المذكور: ودل الحديث على وجوب المكافأة للمحسن إلا إذا لم يجد، فإنه يكافئه بالدعاء، وأجزأه إن علم أنه قد طاب نفسه أو لم تطب وهو ظاهر الحديث، ومثل هذه المكافأة لا تعتبر من باب الرشوة إلا إذا تواطأ معه واشترطها لنفسه. ا.هـ.


مشروعية الهدية:
والهدية مشروعة قديماً وحديثاً وقد فعلها رسول الله وقبلها، فقد أهدي إليه وأهدى، ورغّب فيها أمته لما في ذلك من تأليف القلوب والتحابب بين الناس، والنفوس جبلت على حب من أحسن إليها.
والهدية عامل في تقوية الألفة وتعزيز أواصر المحبة بين المؤمنين وتأليف قلوب غير المسلمين؛ ولذا فرض الله سبحانه سهماً من الزكاة للمؤلفة قلوبهم طمعاً بإسلامهم وتقوية لإيمانهم. والأدلة كثيرة في مشروعية الهدية ومنها:
1- قول الله تعالى مخبراً عن بلقيس – ملكة سبأ – أنها قالت: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون
[النمل:35].
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال:
((لو دعيت إلى كراعٍ أو ذراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت))
[رواه البخاري].
قال ابن حجر في فتح الباري (9/246): وفي الحديث دليل على حسن خلقه وتواضعه وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو إلى شيء قليل.
قال المهلب: لا يبعث على الدعوة إلى طعام إلا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمآكلة. وفيه الحض على المواصلة والتحابب والتآلف وإجابة الدعوة لما قلّ أو كثر، وقبول الهدية. ا.هـ.
3- وعن علي رضي الله عنه قال:
(أهدى كسرى لرسول الله فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل، وأهدت له الملوك فقبل منها)
[رواه أحمد والترمذي].
4- وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال:
(أهدى ملك أيْلة للنبي بغلة بيضاء وكساه برداً وكتب له ببحرهم) [رواه البخاري].
فالحديث ذكره البخاري في باب:
(قبول الهدية من المشركين) فتح الباري (5/230)
وقال ابن حجر في فتح الباري(3/345):
ولما انتهى النبي إلى تبوك أتاه يوحنا بن رؤبة – صاحب أيْلة – فصالح رسول الله وأعطاه الجزية.
قوله: (ببحرهم): أي ببلدهم، وأيْله هي مدينة العقبة اليوم على البحر الأحمر.
5- عن أنس رضي الله عنه أن يهودية أتت النبي بشاة مسمومة، فأكل منها، فقيل: ألا نقتلها؟ قال: ((لا)). فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله . رواه البخاري ذكره ابن حجر في باب: قبول الهدية من المشركين – فتح الباري (5/230)، وشرحه في المجلد السابع ص 497.
قال ابن حجر: أهدت للنبي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية، وكانت قد سألت: أي عضو من الشاة أحب إليه؟ قيل له: الذراع. فأكثرت فيه السم، فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها، وأكل معه البشر بن البراء بن معرور فأساغ لقمته ومات من ذلك. وقد أسهب ابن حجر في شرح الحديث وما يستفاد منه. وقال: وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة؛ ومما قاله: وجواز الأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم.ا.هـ.
6- وعن أنس رضي الله عنه أن أكيدر دومة الجندل أهدى للنبي ثوب حرير فأعطاه علياً فقال: ((شققه خُمُراً بين الفواطم))
[رواه البخاري ومسلم].
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله :
((تهادوا تحابوا)).
8- وعنه مرفوعاً: ((تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل عنكم)).
وفي هذه الأدلة المتقدمة الكفاية في مشروعية الهدية وقبولها من المسلم وغير المسلم، وذلك لتأليف القلوب وتقوية أواصر المحبة بين المؤمنين.

هدية المدين للدائن:
وأما هدايا العمال فتقدم الحديث عنها بعدم الجواز، وكذلك لا يجوز للمدين أن يهدي للدائن هدية، وخصوصاً قبل قضاء دينه للأدلة الشرعية في النهي عن ذلك، ومنها:
أ‌- عن أنس رضي الله عنه عن النبي قال:
((إذا أقرض فلا يأخذ هدية))
[رواه البخاري في تاريخه].
ب‌-عن أبي بردة بن أبي موسى قال:
(قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: إنك بأرض فيها الربا فاشٍ، فإذا كان لك على رجل حقٌ فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا)
[رواه البخاري].
والقت هو البرسيم، علف الدواب.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/232):
والحاصل أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس في أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن تكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه، فذلك محرم لأنه نوع من الربا والرشوة.
وقال: وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس، وإن لم يكن ذلك بقرض أصلاً؛ فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك.
والأحوط والأسلم أن لا يقبل صاحب الدين هدية من المدين لقوله : ((ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)).
وأسأل الله تعالى أن يبصرنا في ديننا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.

ملخص المادة العلمية
1- حرمة المسلم في دمه وماله وعرضه.
2- تحريم الرشوة والحث على الطيب في الكسب.
3- حكم هدايا العمال والحكام والمسؤولين.
4- حكم الرشوة إذا كانت لدفع الظلم.
5- محاسبة العمال من قبل السلطان.
6- مشروعية الهدية.

اسم الكاتب ومعد المقال: يوسف البرقاوي

51.gif
12.giftl6.giftl6.gif
كتبت : مهيره
-
حكم الرشوة

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص
-رضي الله عنهما-
قال:
لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي

رواه أبو داود والترمذي وصححه .

حديث عبد الله بن عمرو حديث جيد،
وله شاهدان من حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي:
لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم
زاد: "في الحكم"
. هو حديث جيد،
وعند أحمد من حديث ثوبان زاد:
"الرائش". الرائش: هو الوسيط الذي يجرى بين الراشي والمرتشي.
هذا أيضا رواية أحمد ضعيفة،
لكن المعنى يدل عليها.
ولا شك أن الرائش
-وهو الوسيط بينهما- حرام،

لكن هل هو ملعون كما لعن هذان؟
موضع نظر، إن ثبتت هذه الرواية فيكون داخلا، ومن طريق أحمد هي ضعيفة،
ولا شك أنه ساع في أمر محرم في التقريب بينهما، مثل إنسان يعرف إنسانا له حق من الحقوق،
مثل إنسان أراد أن يرتشي ويريد أن يرشي أحدا،
فقال: أنا أعرف لك فلانا. وتوسط بينهما،
فانظر إلى هذه الوساطة السيئة المشئومة في الأمر المحرم.
والرِّشوة،
ويقال: الرَّشوة والرُّشوة مثلث مأخوذة من الرِّشا، وهو الحبل الذي يمد إلى البئر.
وكأن أحدهما توصل إلى ما يريد بهذا بالرشوة، كما يتوصل بالرشاء الذي يمد إلى البئر فيستخرج الماء، والرشوة على هذا تكون من الكبائر؛
لأن ما لعن صاحبه فإنه من الكبائر.

والرشوة:
هي بذل المال في إحقاق باطل، أو إبطال حق، أو طلب المال لإحقاق باطل أو طلب حق.
هذه هي الرشوة، فإذا طلبت الرشوة لهذا فهي رشوة، وإن كانت بغير طلب فهي هدية،
مثل:
يهدي هدية لعامل من العمال، أو موظف من الموظفين، يهدى له هدية، فإنه يكون رشوة، إلا إذا كان -كما سيأتي- بينهما التهادي قبل ذلك، فلا بأس أن يستمر على ما هو عليه.
فالرشوة حرام مطلقا،
لكن ذهب بعض أهل العلم
-وهم جمهور العلماء-
إلى أن من كان له حق من الحقوق، ولم يستطع أن يستنقذه، ومنعه مثلا من هو عنده من صاحب ولاية أو وظيفة أو عمل من الأعمال، وله الحق من مال أو وظيفة، ومنع ظلما من حقه، في هذه الحالة هل يحرم بذل المال؟ وأراد أن يستخرج حقه من عند هذا الموظف، لكنه رفض -والعياذ بالله- حتى يعطيه شيئا من المال وهو مستحقه؟
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بأس أن يدفع مالا لهذا ويستخرج حق؛ لأنه استنقاذ ما وجب له من حق، أو وظيفة هو مستحق لها، ومع ذلك لم يمكن منها وهو محتاج إليها، أو مضطر إليها، وأبي أن يعطيه إلا بشيء من المال، وهذا على الصحيح لا بأس به، خاصة مع كثرة الظلم وانتشار الفساد والشر، ومنع أصحاب الحقوق من حقوقهم.
فقد يبقى الرجل متحسرا وممنوعا من حقه، مظلوما مهضوما، ولا يجد من ينتصر له؛ لكثرة من يقع في هذه الأمور المحرمة، فلا يجد إلا من يمنحه حقه إلا بشيء من المال، نقول: إذا كان هذا الأمر كما ذكر وكما وصف، بلا مبالغة وحق من حقوقه الواجبة له، أو حق من حقوقه التي هو مستحق لها ومحتاج إليها، ولم يبذل له إلا بمال، فالصحيح أنه لا بأس أن يدفعه، ويكون حراما على الآخر، جائز في حق الدافع.
ولهذا ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في مسند أحمد بإسناد صحيح، من حديث أبي سعيد الخدري، أنه -عليه الصلاة والسلام-
قال: إني أعطيت فلانا ..
أو قال عمر -رضي الله عنه-
: يا رسول الله، إن فلانا أعطيته دينارا، فهو يثني ويقول كذا وكذا -يعني إنه يثني عليك يا رسول الله-،
قال -عليه الصلاة والسلام-: لكن فلانا أعطيته مائة فما دونها، فلم يقل ذلك. ثم قالوا: يا رسول الله، علام تعطهم؟
يعني: إذا كانوا على مثل هذا، علام تعطيهم؟

قال
يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل. ثم قال: والله إني لأعطي أحدهم العطية، فيذهب يتأبطها نارا. فقالوا: علام تعطيهم يا رسول الله -لماذا تعطهم، يعني: يستفسرون-؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل

صلوات الله وسلامه عليه.
يقول
إن هذا الرجل وأمثاله ممن أعطيته مالا، يؤذي أولا، ومع ذلك لا يحمد أخيه، فهو ابتدأ بإيذائه، وانتهى بجفاء وعدم حمد وشكر لمن أعطاه، ولا شك أن هذا من سوء الخلق، وأخلق بهذا أن يكون ممن غمز في إيمانه
فقال -عليه الصلاة والسلام-
ما قال، أنه يعطيه المال
ومع ذا قال: يتأبطها نارا، وهذا يدل على أن أخذه لهذا المال حرام، ومع ذلك تخلص
-عليه الصلاة والسلام-
من أذيته في أن أعطاه المال، حتى يريد أن يفتك منه، ولهذا لو أن إنسانا ... بعض الناس حينما ... من يسألون المال ويطلبونه يأتي ويلح، وقد تغلب على ظنك أنه كاذب، أو يتبين من القرائن أنه ليس بصادق، لا ومع ذلك يلح ويؤذي، يؤذي ويسأل.

وربما إذا أعطيته شيئا من المال
قال: وأيش هذا؟
لم أتعود أن آخذ هذا، فهو يأخذ مالا حراما، ومع ذلك يكون جافيا في قوله، فلا بأس أن تعطيه هذا المال، وإن كان حراما عليه؛ لأنك تدفع شره وتدفع أذيته، مثل إنسان مؤذ بلسانه، أو شاعر يهجو الناس، أو إنسان بذيء بقوله في المجالس، أو يذكر إنسانا فأراد أن يقطع لسانه، فرد عليه: أخي، أريد أن تكف عني لسانك، وهذا ألف ريال، عشرة آلاف، كف لسانك. يجوز ذلك، أن تقطع لسانه بشيء من ... وإن كان حراما عليه؛ لأنك بذلك تقطع شره، كذلك مثلما قال
-عليه الصلاة والسلام-
يذهب يتأبطه نارا
ويكون حراما عليه.
وهكذا أيضا من يدفع المال على سبيل أن يستخرج حقه، وأن يستنقي حقه، ويكون حراما على الآخذ جائز للدافع، وهذا قول جمهور أهل العلم، والواجب أن يحذر هذا ما أمكن، هذا الواجب، لكن إذا لم يتمكن مع كثرة الشح والفساد، لم يتمكن إلا بذلك، جاز له هذا، أو يقول له: لا أعطيك حقك حتى تعطيني نصفا، نصفه أو ربعه أو ما أشبه ذلك. كل هذا مع عدم القدرة جائز ولله الحمد.
كتبت : بحر الجود
-
[align=center]
جزاكِ ربي الجنة و نفع بكِ ..
[/align]
كتبت : عوبه وبكيفي
-
جزااك الله الف خير
كتبت : ✿ موكآ فرآولة ✿
-
جزاااك الله خير
كتبت : ~loOoOoOoly~
-
الصفحات 1 2 

التالي

استبــــــــــــــــــــــــــــــيان هام جداااااااااااااااااااااااااااا

السابق

الآثار القبيحة للمعاصي ( لابن القيم الجوزية رحمه الله )

كلمات ذات علاقة
مقالب , الرشوه , الكتاب , حكم , والسنه