تفسيرقول الله تعالى:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } 106: يوسف
مجتمع رجيم / القرآن الكريم وعلومه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء = الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله:
( وكأين من آية في السموات والأرض يمرُّون عليها وهم عنها معرضون )
= بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء =
( إلا وهم مشركون )
في عبادتهم الأوثان والأصنام ، واتخاذهم من دونه أربابًا ، وزعمهم أنَّ له ولدًا ، تعالى الله عما يقولون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية
قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟
ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟
قالوا: الله . وهم مشركون.
حدثنا هناد ، قال: حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك
عن عكرمة ، في قوله:
( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )
قال: تسألهم: مَن خلقهم؟
ومن خلق السماوات والأرض ، فيقولون: الله .
فذلك إيمانهم بالله ، وهم يعبدون غيره.
حدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا وكيع ، عن إسرائيل
عن جابر ، عن عامر، وعكرمة:
( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية
قالا يعلمون أنه ربُّهم ، وأنه خلقهم ، وهم يشركون به.قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسيره للآية:
وقوله:
{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }
قال ابن عباس: من إيمانهم، إذا قيل لهم:
من خلق السموات؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟
قالوا: "الله"، وهم مشركون به.
وكذا قال مجاهد، وعطاء وعكرمة، والشعبي، وقتادة، والضحاك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وهكذا في الصحيحين (2) أن المشركين كانوا يقولون
في تلبيتهم:
لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.
وفي الصحيح: أنهم كانوا إذا قالوا:
"لبيك لا شريك لك"
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قَدْ"،
أي حَسْبُ حَسْبُ، لا تزيدوا على هذا (3) .
وقال الله تعالى:
{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
[لقمان: 13]
وهذا هو الشرك الأعظم الذي يعبد مع الله غيره،
كما في الصحيحين.
عن ابن مسعود قلت: يا رسول الله، أيّ الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خَلَقَك" (4) .
وقال الحسن البصري في قوله:
{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }
قال: ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس، وهو مشرك بعمله ذاك، يعني قوله تعالى:
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا }
[النساء: 142].
وثمَّ شرك آخر خفي لا يشعر به غالبًا فاعله
كما روى حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النَّجُود
عن عُرْوَة
قال: دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرًا فقطعه -أو: انتزعه -ثم قال:
{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }