بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجشع هو رغبة الإنسان في الحصول على ماهو أكثر من حقه وهو نهم أناني يتحكم في الإنسان لدرجة أنه يفقده إرادته فلا يرى إلا ما يسعى إليه
وإذا أردنا أن نرصد ونستقصي آثار الجشع على الفرد والمجتمع نرى أنه داء فتاك يهدم المجتمع ويتركه دمارا إنه عامل رئيسي من العوامل التي تؤدي إلى انهيار المجتمع وقد يصعب إصلاحه
قال تعالى في سورة ص - الآية 23 :{ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب }
لقد اعتاد النبي داود عليه السلام أن يخلو لنفسه في حجرة خاصة من أجل صلواته وعبادته وشكره لربه وفي أحد الأيام اقتحم رجلان خصوصيته فجأة وذلك بعد أن تسلقا سور بيته فذعر داود من المشهد ولكنهما قالا له : لقد أتينا طالبين أن تحكم بيننا بالعدل إذ إننا أخوان ولدينا خصومة ونريدك أن تبت الأمر فيها
وكما نرى في الآية أعلاه نجد أن من انتابه حزن شديد من طلب أخيه تحدث إلى النبي داود وقال له : هذا هو أخي وهو يملك قطيعا من الغنم تعداده تسع وتسعون نعجة وأما أنا فإني أملك نعجة واحدة ومع ذلك فإن أخي طلب مني أن أتخلى عن نعجتي وأن أضعها في عهدته والأكثر من ذلك فهو لم يكن منصفا في حديثه لي فهو يتكلم معي بطريقة توحي لي بأنه يضمر الشر لي ولم يظهر أية كياسة في حديثه بشكل يجعلني أشعر بأنني ند له في عمل أو ميراث فماذا أفعل ؟ فقال الله له على لسان داود :{ لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } وبدأ داود يتحدث عن الاحتيال بين بني البشر الذين يتوجب عليهم أن يقنعوا بما لديهم ولكنهم يتطلعون دائما إلى ماهو أكثر وتابع القول بأنه من الخطأ بالنسبة إلى الإخوة أو الأشخاص الذين لديهم شراكة ما أن يحاولوا الاستفادة على حساب بعضهم البعض وذكر أن قليلا من الناس فقط يتعاملون بالعدل والاستقامة وفجأة اختفى الأخوان كما دخلا من قبل بالعودة إلى الآية الكريمة والآيات التي تليها نرى كيف أن الإنسان لا يتورع عن ظلم نفسه والمقربين إليه بجشعه والحقيقة أن الجشع يمثل ذروة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان إنه لظلم بعينه نرى أن أحد الأخوين يمتلك تسعا وتسعون نعجة ومع ذلك فإنه لم يخجل من طلب نعجة أخيه التي لا يملك سواها لقد كان الجشع وراء أول جريمة ارتكبت في الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل جشعا وطمعا بما ليس له حق فيه وحسدا لأخيه وقد استمر هذا الجشع في بني البشر وفي أيامنا هذه نجد أن الجشع قد غزا قلوب وعقول الكثيرين لدرجة أن هؤلاء لا يفرقون في جشعهم بين إخوتهم وأخواتهم واقاربهم وأصدقائهم كلهم عندهم سواء يستبيحون أخذ ما لديهم من ثروات واموال وعقارات ولو كان ذلك على حساب المبادئ والأخلاق والشرع والدين مع علمهم أن سلوكهم يناقض ويخالف القوانين الإلهية والوضعية والأخلاقية كافة وإذا حدثتهم وأردت أن تذكرهم بما هو لهم وماهو لغيرهم تجدهم يغضبون أشد الغضب ويدافعون عن أنفسهم وكأن ما ياخذونه بالباطل هو حق مكتسب لهم وأنك بتذكيرهم إنما تريد أن تحرمهم من ذلك الحق الغريب في الأمر أن جميع هؤلاء الجشعين الذين نراهم يتزايدون يوما بعد يوم لديهم من الأموال ما يمكن أن يكفيهم ويكفي أولادهم واحفادهم عشرات السنين ومع ذلك فإنهم يصرون على الاستزادة من الأموال ويمكن مقارنتهم بذلك الأخ الذي امتلك تسعا وتسعون نعجة واراد أن يأخذ النعجة الوحيدة من أخيه والفرق بينه وبين أخيه الذي امتلك نعجة واحدة هو أن أخاه امتلك القيم ورضي بما أعطاه الله وأما هو فقد انعدمت عنده القيم ولم يقتنع بما أعطاه الله وقد اعتقد أن تلك النعجة الوحيدة هي التي ستخفف من جشعه ولم يعرف أن الأمر لا يتعلق بالنعجة وإنما بصاحب النعجة وأن البركة في القليل عند الإنسان الصالح المبارك الذي يعرف حقوقه وحقوق ربه 00 نعم لم يخطر بذهنه أن الكثير دون قيم هو قليل وكان همه محصورا بأخذ نعجة أخيه 00 لقد أعماه جشعه عن الصواب وبدلا من أن يقتدي بأخيه ويسلك سلوكه ويتخلق بأخلاقه ويتقرب إلى الله استمر في جشعه لدرجة أنه لم يخجل في الذهاب مع أخيه إلى داود عليه السلام ويطلب نعجة أخيه لقد منعه جشعه من أن ينصف أخاه وبدلا من أن يقسم النعاج بينه وبين أخيه فيعطيه {49} نعجة ويصبح لكل منهما خمسون نعجة اراد أن يحرم أخاه من نعجته لم يعرف ذلك الأخ أن هناك شيئا معنويا لا يستطيع أن يأخذه إذا لم يكن مؤهلا له هناك قيم وإنسانية وعدل وإنصاف وأمور يهبها الله لمن أحب نعم هناك من يتمكن من أخذ الماديات ولكنه يعجز في الحصول على الأمور المعنوية إذا كان بعيدا عن الله لا يعرف ما له وما عليه وهذا درس يريد الله أن يعلمنا إياه وهو أن يبتعد الإنسان عن الجشع وأن يفكر بالآخرين كما يفكر بنفسه ودمتم بخير