سيرة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : || (أفنان) l|
-







1/ الشيخ عبد الرزاق عفيفي ودوره وعطائه العلمي


الحمد لله فاطر السماوات والأرض ، جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل أحاط بكل شيء علما ووسع كل شيء رحمة وحلماً ، خلق الإنسان وعلمه ورفع قدر العلم وعظمه وخص به من خلقه منت كرمه وحض عباده المؤمنين على التفقه في الدين .

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، الممتن على المؤمنين بفضله بذل لهم الإحسان وزين في قلوبهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان .

وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه وخليله وأمينه علي وحيه وخيرته من خلقه ، المبعوث بالدين القويم والخلق العظيم ، الموعود يوم القيامة مقاماً محموداً وحوضاً موروداً وشرفاً مشهوداً اختصه الله بالمحامد الكثيرة والمآثرة الأثيرة ، أرسله الله رحمة للعالمين وقدوة للعالميين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين ، بعثه للإيمان منادياً وللخليقة هادياً ولكتابه تالياً ولمرضاته ساعياً وبالمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً .

أرسله الله على حين فترة من الرسل وحاجة من البشر فجاء صلى الله عليه وسلم بالدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الساطعة ، أيقظ به العقول من سباتها وصرف به النفوس عن أهوائها فكان صلى الله عليه وسلم مصدر خير ومبعث نور وشمس هداية ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتنهض بالحجة ودعا إلى الحق وحض على الصدق ، فصلوات الله وسلامه عليه أفضل صلاة وأنماها وأطيبها وأزكاها وأبقى الله في العالمين محبته وفي المقربين مودته وجعل في أعلى عليين درجته وعلى آله الطيبين الطاهرين .
ورضي الله عن أصحابه الطيبين المطيبين ، الذين آمنوا به واتبعوه وعزروه ونصروه ، ونقلوا لنا رسالته وبلغونا أمانته شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير وهم الذين أختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه وبذلوا في ذلك أنفسهم ونفسيهم فهدى الله بهم العباد وفتح على أيديهم البلاد ، أبر الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأحسنها عملاً وأقلها تكلفاً ، رضى الله عنهم وأرضاهم ومن اقتفى أثرهم وسلك سبيلهم من العلماء العاملين والدعاة المصلحين الذين فقهوا دين الله وأدركوا مراميه وفهموا مقاصده واستنوا بهديه وعملوا بأحكامه ودعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة .
أما بعد :
فإن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لم يخلق خلقه عبثاً ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم ورضى منهم باليسير من العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل ، أفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة .
ومن كمال رحمته وتمام نعمته أن هيأ لهذه الأمة – في كل فترة من الزمن – علماء عاملين ، بصراء ناصحين ، أمناء مخلصين ؟
يذكرون الغافل ويعلمون الجاهل ، يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ، هم أحسن الناس هدياً وأقومهم سبيلاً ، رفعهم الله بالعلم وزينهم بالحلم ، بحلمهم يعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل والضار من النافع والحسن من القبيح ، فضلهم عظيم ونفعهم عميم ، هم ورثة الأنبياء وخيار الأتقياء وهم أئمة العباد ومنار البلاد وقوام الأمة وينابيع الحكمة بهم تحيا قلوب أهل الحق وتموت قلوب أهل الزيغ .
قال بن القيم رحمه الله :
( وهم – أي العلماء – في الأرض بمنزلة النجوم في السماء ، بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب ) .
كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء – رضى الله عنهما –
" إنما مثل المعلم كمثل رجل عمل سراجا في طريق مظلم يستضيء به من مر به وكل يدعو إلى الخير " .
ومما يدل على عظم منزلة العلماء أن الله تعالى أمر الناس بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم وجعل علامة زيغهم وضلالهم ذهاب علمائهم واتخاذ الرؤوس من جهلهم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً أتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .
ولا شك أن موت العلماء كسر لا يجبر وثلمة لا تسد ، ذلك أن العلم يموت بموت حامليه .
قال محمد بن الحسين : إذا مات العلماء تحير الناس ودرس العلم بموتهم وظهر الجهل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ،
مصيبة ما أعظمها على المسلمين .
قال ابن عبد البر رحمه الله : أنشدني احمد بن عمر بن عبد الله في قصيدة له :
وذهاب العلــم عنا في ذهـــاب العلماء
فهم أركان ديـن الـ ـله في الأرض الفضاء
فجزاهم ربهـم عنـ ـا بمحمود الـــجزاء
وقال آخر :
تعلم ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حبر يموت بموته خلق كثير
ولكن الله تعالى برحمته وطوله وقوته وحوله ، ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ،
أولئك هم الأقلون عدداً ، الأعظمون عند الله قدراً
قال صلى الله عليه وسلم :
" لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس " .
وفي رواية : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " .
ومما لا شك فيه أن هذه الطائفة " هم ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً ودعوة الخلق على الله في طريقهم ومنهاجهم"
وهذا ما ذكره العلامة بن القيم رحمه الله في بيان طبقات المكلفين ومراتبهم في الآخرة وأكده بقوله : وهذه – الطبقة – أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة وهي مرتبة الصديقية ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء
فقال تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) .
فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة ، هؤلاء هم الربانيون وهم الراسخون في العلم وهم الوسائط بين الرسول وأمته ، فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه وهم المضمنون لهم أنهم لا يزالون على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) .
والمقصود أن درجة الصديقية والربانية ووراثة النبوة وخلافة الرسالة هي أفضل درجات الأمة ولو لم يكن من فضلها وشرفها إلا أن كان من علم بتعليمهم وإرشادهم، أو علم غيره شيئاً من ذلك كان له مثل أجره ما دام ذلك جارياً في الأمة على أبد الدهور وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب : " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سن في الإسلام سنة فعمل بها بعده كان له مثل أجر من عمل به لا ينقص من أجورهم شيء " .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال :
" إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " .
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن العالم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى النملة في جحرها " .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله و ملائكته يصلون على معلم الناس الخير " .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ عظيم وافر " .
وعنه صلى الله عليه وسلم : " العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس بعده " .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها " .
والأحاديث في هذا كثيرة فيها لها من مرتبة ، ما أعلاها ومنقبة ما أجلها وأسماها أن يكون المرء في حياته مشغولا ببعض أشغاله أو في قبره قد صار أشلاء متمزقة وصحف حسناته متزايدة يملى فيها الحسنات كل وقت وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب ، تلك والله المكارم والغنائم وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وحقيقي بمرتبة هذا الشأن أ، تنفق نفائس الأنفاس عليها ويسبق السابقون إليها وتوفر عليها الأوقات وتتوجه نحوها الطلبات وأصحاب هذه المرتبة يدعون عظماء في ملكوت السماء كما قال بعض
السلف : من علم وعلم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء .
إن السابر لأغوار التاريخ والمتعمق فيه ، يدرك أن تاريخاً الإسلامي حافل بالعلماء الأعلام الذين أوقفوا حياتهم على طلب العلم وتعليمه
واقتناص أوابده واستنباط قوانينه وقواعده وأنفقوا أثمن ما يملكونه من مال وجهد ووقت في سبيل هداية الخلق .
وإنني أرى أن من حق هؤلاء العلماء علينا أن نسجل سيرهم وندون أخبارهم وإنه لمما يسر أعظم السرور أن يكون الحديث متواصلا عن العلماء ، تبصيراً بسيرهم وتعريفاً بحياتهم وتذكيراً بأعمالهم وبما كان لهم من الفضل مما أنتج الأثر العظيم الذي يعيشه أهل العلم اليوم متواصلا بجهد جهاد من كان قبلهم .
إن نشر تراجم العلماء والتذكير بفضائلهم والتعريف بسير حياتهم وجهادهم من الأعمال التي تذكر فتشكر .
ذلك أن الكتابة عن العلماء وتسجيل سيرهم بهد رحيلهم يقيها عدوان النسيان مع تباعد الأزمان .
إلى جانب ما يحصل من الخير والنفع العاجل والآجل ومن ذلك أن الناس يقتدون بهم ويحذون حذوهم ويدعون لهم .
إن مما لا شك فيه أن اقتفاء سير من كان قبلنا من أهل العلم الذين قد شهد لهم بالتحقيق وشهد لهم بالإمامة في السنة وعرفوا بنقل العلم صافياً عن الرعيل الأول
أقول : لا شك أن اقتفاء سيرهم سيكون له أبلغ الأثر في نفوس الشببة والناشئة من هذه الأمة ولأن الأمة إن لم يقتد شبابها بكهولها من العلماء وإن لم يتصل أولئك بخبر من تقدم فيمن يتصلون وعمن يأخذون وبمن يقتدون .
وإنه لجميل أن تعرف هذه الأمة للعلماء فضلهم وتحفظ حقهم وتجل قدرهم وتنزلهم منازلهم اللائقة بهم ، بوصفهم معالم هداها ومصابيح دجاها .
وفضلا عن ذلك فإن تسجيل سير العلماء تعد بمثابة دعوة مفتوحة إلى رواد العلم ومحبي المعرفة ودعاة الحق لأخذ الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة من سيرهم القيمة وأخلاقهم الفاضلة ، بحيث يلزم القارئ لسيرتهم نفسه بالتحلي بتلك الصفات الرفيعة والخلال الحسنة فيرد من حيث وردوا ويصدر من حيث صدروا تأسيساً بهم ومشابهة لهم .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
وإن من المحزن والمؤسف حقا ، بل ومن العقوق أن ينسى أبناء هذه الأمة دعاتهم المصلحين ورجالهم المخلصين وعلماءهم العاملين ، الذين عبروا بهم إلى شواطئ النجاة وجنحوا بهم عن مراتع الهلكة ومواقع الفتن فسلمت لهم أبدانهم بعد أن سلمت قلوبهم .
ذلك أن صلاح الأمة لا يكون راسخ البناء ولا جميل الطلاء ولا محمود العقبى إلا إذا كان موصولا بحقائق الدين ومصطبغاً بآداب الشرع وذلك لا يكون ولن يكون إلا حين يقوم العلماء الربانيون بمسؤولياتهم وينهضوا بما أستحفظوا من الدين وما أوتوا من العلم .
إن قاصد الحق وصادق الهدف ، يجد في سير الصالحين والعلماء العاملين والأئمة المصلحين ما يدفعه إلى صدق العزيمة وإخلاص النية والتجرد للحق ومجاهدة النفس ، بل إن من أعظم الدروس المستفادة والعبر المستلهمة من موت العلماء العاملين ، استشعار عظم المسؤولية بعد فقدهم ، وتحمل أمانة الدعوة بعد رحيلهم والتي تعتبر بحق واجبنا الأول في هذا العصر الذي ابتليت فيه الإنسانية بما أتلف أعصابها من تقدم مادي وحضارة انفلت فيها زمام العقل وطغت في جنباتها ظلمات الإلحاد وانحسرت القيم الخلقية عن حياة الناس فلم تعد تتدخل في شؤونهم بعد أن كانت هي الفيصل بينهم .
عصر يضم بين آفاته أمما وشعوباً من البشر مثقلة كواهلها بالأزمات النفسية والمادية والفكرية ولا سبيل إلى التخلص من هذه الأزمات على اختلاف ألوانها وأنواعها إلا بالإسلام الذي كمل الله به شرائعه العملية في شريعته الخاتمة ونظم به الحياة الإنسانية نظاماً كاملاً في علاقاتها أفراداً وجماعات وأمماً وشعوباً وحاكمين ومحكومين فلا عبودية إلا لله ولا انقياد إلا لأمره ولا استسلام إلا له سبحانه وبهذه الصورة العامة الخالدة الواضحة ، جاء الإسلام نظاماً عاماً للحياة كلها ، خاتماً لوحي السماء على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبهذه الصورة الكاملة رضيه الله تعالى دينا للإنسانية وامتن به عليها ، باعتباره نعمته العظمى على عباده ،
قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) .
إن الإسلام منذ أن أنزله الله قد فهمه المسلمون الأوائل على أنه دين الله الذي بعث به رسله ، حتى أكمل للإنسانية رشدها وبلغ عقلها منزلة القيادة في الكشف عن أسرار الكون ، ختم الله النبوة بخاتم النبيين محمدصلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن الحكيم دستوراً عاماً شاملاً خالداً ، بما أشتمل عليه من قواعد الأحكام وأصول العقائد ودعائم الأخلاق وأسس السياسة والاجتماع .
ومن هذا كله يتبين أن على علماء الدين وحراس الملة ودعاة الحق ، مسؤولية عظمى وفي أعناقهم أمانة كبرى فهم مؤتمنون في علمهم وتعليمهم وتوجيههم ، تعليماً وتوجيهاً يعصم عن مخالفة أمر الله ، يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ، يبينون للناس كل ما لا يسعهم جهله من أمور العقائد والفرائض وأحكام الحلال والحرام وقضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أسهل المسالك وأحكم الوسائل ، لا يكتمون العلم ولا يحجبون النصيحة ولا يتأثرون بهوى ولا يتعصبون لباطل .
وحين يطالب العلماء بمسؤولياتهم فيجب على الأمة أن تحفظ حقوقهم وتشكر جهودهم وترعى عهودهم وتعرف مكانتهم وتلتزم الأدب معهم ، إنهم العلماء وارثو علم الرسالة ، خلفاء النبي في أمته المحيون لما مات من سنته وهم الحملة العدول والحفاظ الفحول ، بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا .
إن للعلماء فى هذا الدين مكانه كبرى ومنزلة عظمى فهو ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل والأمناء على ميراث النبوة هم كواكب الأرض المتلألئة وشموسها الساطعة وإطنابها القوية وأوتادها المتينة هم للأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها هم الأعلام الهداة والأئمة التقاه أضواء تنجلى بهم غياهب الظلم وأقطاب تدور عليهم معارف الأمم تتبدد بنور عملهم سحب الجهل وغبوم العى هم آله خشية الله
كما قال سبحانه :( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
قرنهم الله بنفسه فى الشهادة على وحدانية فقال تعالى :(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
وضمن الله لهم العلو والرفعة فقال جل وعلا :(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )
كما أنهم شهداء الله فى أرضه وخلفاء رسوله فى أمته والمحيون لما مات من سنته بهم حفظ الله الدين وبه حفظوا وما عزت الأمم وبلغت القمم وشيدت الحضارات وقامت الأمجاد إلا بالعلماء مثلهم فى الأرض
كمثل النجوم يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم وأوشك أن تضل الهداة
وفى المسند والسنن من حديث أبى الدرداء رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم
قال : " فضل العالم على العبد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكوكب " .
يقول الإمام احمد رحمه الله فى معرض فضائلهم ومآثرهم " يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح اثر الناس عليهم ينفون عن دين اله تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ".
وإنما تبوأ العلماء هذه المكانة لما يضطلعون به من تبليغ علوم الشريعة التى هى مادة حياة القلوب والمقربة لعلام الغيوب فبالعلم الشرعى تبنى الأمجاد وتشاد الحضارات وتبلغ القمم وتمحى غياهب الظلم
قال تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) .
وان من أهم علوم الشريعة واجلها قدرا وأعظمها أثرا وأكثرها فائدة وأكبرها عائدة علم أصول الفقه لأنه الطريق لاستنباط الأحكام الشرعية فهو منهل الأئمة ومأوى المجتهدين ومورد المفتين لا سيما عند النوازل والمستجدات .
ولقد زخر تاريخ الإسلام بكوكبه من علماء الأصول فى مختلف العصور مثلوا منارات عالية فى سماء العلم والمعرفة كما شهد عصرنا الحاضر نخبة مميزة من علماء الأصول يعدون امتداد لسلفهم من الأصوليين بل انه نتيجة لاستقرار المناهج الأصولية ونضج التفكير الأصولي المرتبط بالمنهج الصحيح لدى صفوة منهم أصبح من المهم إبراز منهج هؤلاء ودراسة حياتهم العلمية ومناهجهم الأصولية لما لذلك من الأثر الكبير والخير الوفير على الباحثين وطلاب العلم عامة والمهتمين منهم بالأصول على سبيل الخصوص.
ولقد كان من أعلام هذا العصر فى العلوم الشرعية كافة وعلم الأصول خاصة شخصية علمية أصولية نادرة جديرة بالدراسة والإبراز والاهتمام ذلكم هو العلامة الأصولي الشيخ عبد الرزاق عفيفى رحمة الله .
ونظرا لما يمثله الشيخ رحمه الله من مكانة علمية وأصولية ولما يتمتع به من منهج وحاجة المكتبة الأصولية فيما أرى إلى بحث مستقل يبرز منهجه ويجلى طريقته فقد عزمت على أن أقدم بحثا مستقل يبرز منهجه ويجلى طريقته فقد عزمت على أن أقدم بحثا فى ذلك إسهاما فى البحث العلمي ومشاركته فى ابرز المنهج الأصولي لعلمائنا الأفذاذ وفاء بحقهم علينا وربطا وللأجيال بعلمهم ومنهجهم وقد رأيت أن يكون عنوان هذا البحث " الشيخ عبد الرازق عفيفى ومعالم منهجه الأصولي ".
ومن هؤلاء العلماء الذين تسعد الأمة بهم وتشرف بذكرهم العالم العامل كنز المحققين وقدوة المدققين صاحب العلم الباهر والفضل الظاهر ، العلامة الجليل الفاضل الشيخ عبد الرازق عفيفي – رحمه الله - .
كان قوي العزم في معالي الأمور ، أطبق عليها همته وصرف إليها نهمته وقوى فيها نيته وهدفه خدمة العلم وطلابه .
كما كان – رحمه الله – ضليعاً متيناً عاقلاً محققاً ،قائماً بجلائل الأعمال متجملاً بأكرم الخصال .
اشتغل بالعلم وبرع فيه وبز أقرامه وهو إلى جانب هذا حلو النادرة حسن المحاضرة ، هادئ الموعظة ، رفيق في أمره ونهيه ونصحه وإرشاده ، غاية في العفة والأمانة وسعة الصدر ، ذو كرم وضيافة وخلق كريم .
وبالجملة فقد كان – رحمه الله – من نوادر عصره أدباً وفضلاً وكرماً ونبلاً ، يقول الحق ويقصده ويتحرى الصدق ويؤثره .
إن الكتابة عن هذا الطود الشامخ والعلم المبرز والشيخ الثقة وعرة المسالك صعبة المنال والحق يقال أنني توقفت طويلاً أمام هذه الشخصية الفذة والعبقرية المذهلة التي قل من يفري فريها أو يحذو حذوها وقفت أمامها وسألت نفسي كثيراً كيف الدخول إلى ساحة هذا العالم وباحته كيف يستطيع طالب علم أن يسير أغوار عوالمه وكيف طويلاً وسألت الله أن يلهمني رشدي ، ثم أدركت أن هذا التردد راجع إلى عمق شخصية هذا العالم – المترجم له – وتعدد جوانب الخير فيها كما أنني أدركت حقيقة مؤداها أنني لكي أكون قادراً على النظر في فكره وعلمه وآثاره وحياته لا بد لي من عمر طويل ، يحسب بحبات العرق وعدد الصفحات ولا يحسب بالساعات والأيام .
ولكي أكون أمينا على تاريخ سيرته وتسجيل مواقع حياته ومواقع حله وترحاله ، لا بد من أكون قد تشرفت بمشاركة رحلة عمره ومسيرة أيامه ولكني – والحق يقال – لم أكن كذلك ومع ذلك فقد أكرمني الله بمعرفة سماحته – رحمه الله – والتردد عليه والتحدث إليه سنين عديدة أدركت خلالها ما من الله به على هذا العالم السلفى التقي من مواهب لا تحصى ، وفضائل لا تستقضى .
وكنت أشعر عندما كنت أتردد عليه وأتحدث إليه أنني أمام بحر لا ساحل له وكأن الشاعر قد عناه بقوله :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
لقد عرفت فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – كما عرفه غيري من محبي العلم ورواد المعرفة – فما رأيت منه إلا غزارة في العلم وسعة في الإطلاع وصدقاً في النصح وما رأت عيني مثله في قوة إرادته وصدق عزيمته مع بعد في النظر وحصيلة في الأثر .
لقد كان إماماً متبحراً في العلوم ، صحيح الذهن سريع الإدراك سيال الفهم كثير المحاسن ، لا لذة له في غير نشر العلم وتدوينه والعمل بمقتضاه ، حتى عد من الراسخين في العلم واجتمع فيه من الكمال ما تضرب به الأمثال وكل هذه المظاهر الحسنة والخصال الحميدة التي تحلى بها هذا العالم ، هي التي دفعتني واستحثت خطاي إلى الكتابة عنه ، اعترافاً بفضله وقياماً بحقه وأداء لبعض واجبه .
ونحن إذ نعدد من مناقب شيخنا ما نعدد ، لا نبتغي إغراقاً في المدح ولا غلواً في الرثاء وإنما القصد إبراز جوانب من حياته تؤكد وتبرهن على أنه – كان غاية في الصلاح والاستقامة وحب الخير وأهله والمثابرة على العمل الصالح في غير رياء ولا سمعة .
لقد كانت حياة فضيلة الشيخ عبد الرازق عفيفي – طيب الله ثراه – ترجمة صادقة للأخلاق العظيمة والسجايا الكريمة التي ينبغي أن يتحلى بها كل عالم يقصد بعلمه وجه الله وإعلاء كلمته وإعزاز دينه وإحياء سنة رسولهصلى الله عليه وسلم لا يخشى في الحق لومة لائم .
ذلك أن الوفاء للحق والقيام بأمره ومواجهة الناس أجمعين به ، من أولى الخصال التي يحيا بها الدعاة إلى الله وتعد صبغة لازمة لسلوكهم بل جزءاً خطيراً من كيانهم .
إن الغيرة على الدين والصدع بالحق وإقامة السنة والتحذير من البدعة ، من الصفات الحميدة والخلال الحسنة التي أقام عليها الشيخ حياته وكرس لها جهوده ، بل كانت فيما ظهر لي مفتاح شخصيته وسر جاذبيته وتأثيره الآسر لتلاميذ ومعاصريه .
لقد ربى رحمه الله بهذه الصفات وتلك المؤثرات ، جيلاً من الدعاة لا يزالون يحمدون غبها ويذكرون فضلها ويجتنبون ثمرها وهذا يؤكد ويدلل على أن الموت العالم مصيبة لا يجبرها إلا خلف غيره له ولا شك أن موت العلماء فساد لنظام العالم ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم خالفاً عن سالف ، يحفظ بهم دينه وكتابه وعباده .
لقد فقدنا علما من أعلام الأمة الإسلامية ونحن أحوج ما نكون إلى محصول علم قضى في تحصيله وتحقيقه قرابة سبعين عاماً فقدناه ونحن أحوج ما نكون إلى نضج عقله وسلامة تفكيره ودلالة نظره ، فقدنا رجلاً لا يكاد يعرف الناس له شبيهاً في أصالة معدنه وطهارة ذيله وجودة رأيه ورباطة جأشه وعفة نفسه وغزارة علمه . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
إن وفاة هذا العالم الجليل ستترك فراغاً كبيراً لن يملأه إلا بقاء علمه وفكره وذكره ، لأنه من كبار حملة ميراث النبوة ومن دعاة الهدى وأئمة التربية والتوجيه والإصلاح .
وإن تشييع الآلاف المؤلفة له ليدل دلالة قاطعة على وعي هذه الأمة وتقديرها للمخلصين من رجالها وللعلماء العاملين بعلمهم من أبنائها وإنه لشاهد عدل ودليل صدق على صلاحه وورعه وصلابة دينه ، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً وأنه كان ممن طال عمره وحسن عمله .
اسمه ونسبه :
هو العالم الجليل والسلفي النبيل عبد الرزاق بن عفيفي بن عطية بن عبد البر بن شرف الدين النوبي ولد في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري وعلى وجه التحديد في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1323 هـ الموافق 16 ديسمبر سنة 1905 م
في قرية شنشور مركز أشمون التابع لمحافظة المنوفية وهي إحدى محافظات مصر .
نشأته وبيئته :
نشأ الشيخ عبد الرزاق في بيئة معطرة بأنفاس القرآن الكريم وسط أسرة محافظة وفي مجتمع ريفي بعيد عن فتن الحواضر ومفاسدها .
ففي قرية شنشور ، تلك القرية الهادئة المتواضعة التي تترابط أسرها وتمتزج في كيان واحد وتتنسم عبير الإخاء والود : في هذه القرية نشأ الفتى عبد الرزاق عفيفي ، نشأة صالحة ، تغمرها العاطفة الدينية الجياشة وتوثق عراها سلامة الفطرة وحسن الخلق والبعد عن الخرافات والخزعبلات وكان لهذه النشأة الطيبة أثرها البالغ في حياة المترجم له حيث بدأ حياته العلمية بحفظه لكتاب الله تعالى حفظاً متقناً مع تجويده على يد عدد من مشايخه آنذاك ومنهم الشيخ محمد بن حسن عافية والشيخ محمد بن عبود عافية هذا فضلاً عن والده الذي قام على تربيته وتنشئته أحسن ما ينشأ الفتيان الذين في مثل سنه ،
قال الشاعر :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وما كان الفتى نجماً ولكن يعوده التدين أقربوه

أصوله وفروعه :
ينتمي الشيخ عبد الرازق عفيفي إلى أسرة كريمة ، طيبة الأخلاق محمودة السيرة حسنة السمعة متمسكة بالأخلاق الإسلامية وأخلاق أهل القرية والريف التي لم تتلون بمظاهر الحضارة الكاذبة .
فوالده هو الشيخ عفيفي بن عطية النوبي ، من مشاهير قرية شنشور وصالحيها ، كان حافظاً لكتاب الله تعالى ، وكان الشيخ عبد الرازق كثيراً
ما يتحدث عن والده للخاصة من طلابه وقد ذكر لي فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام – حفظه الله –
أنه رأى والد الشيخ عبد الرازق عند أول قدوم له إلى المملكة سنة (1368هـ) وهي نفس السنة التي قدم فيها الشيخ عبد الرازق إلى أرض الحرمين الشريفين وكان والد الشيخ عبد الرازق يرتدي العمامة البيضاء المستديرة فوق رأسه وهي لباس أهل مصر آنذاك .

فروع الشيخ عبد الرزاق عفيفي :
إن من أعظم النعم وأكبر المنن أن يوفق الإنسان بعد تقوى الله عز وجل إلى زوجة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه ، تطيعه إذا أمر وتسره إذا نظر ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله ، تتقن عملها وتعتني بنفسها وبيتها وزوجها ، فهي زوجة صالحة ، وأم شفيقة راعية في بيت
زوجها ومسئولة عن رعيتها ولا أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم : " المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها "
وقوله صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام : " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"
وقوله صلى الله عليه وسلم :" من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح والمركب الصالح "
ولقد كان من نعم الله وحسن بلائه على فضيلة الشيخ عبد الرزاق أن وفقه لزوجة صالحة وسيدة فاضلة من أسرة كريمة وعائلة فاضلة هي عائلة (سالم ) بالإسكندرية ، وأصلها من إسنا بصعيد مصر وقد رزقه الله منها عدداً من البنبن والبنات .

أما الأبناء فهم :
1- المهندس الزراعي أحمد عاصم بن عبد الرزاق عفيفي ولد سنة 1364هـ - 1944م ، وتوفى في حرب العاشر من رمضان سنة 1393هـ - 1973م بمصر
2- الأستاذ محمد نبيل بن عبد الرزاق عفيفي – حفظه الله – ويعمل مراقباً مالياً بالخطوط السعودية بجدة ، وهو من أبر أبناء الشيخ وأرعاهم لحقوقه في حياته وبعد وفاته جزاه الله خيرا وهو من مواليد سنة 1366هـ - 1946 م
3- الأستاذ محمود بن عبد الرزاق عفيفي – حفظه الله – عمل مدرساً بالرياض ثم ترك التدريس وتفرغ لخدمة والده في السنوات الأخيرة من حياته – رحمه الله – فجزاه الله خيراً وجعل أعماله الصالحة في موازين حسناته ، وهو من مواليد سنة 1369 هـ - 1949م .
4- الأستاذ عبد الله بن عبد الرزاق عفيفي توفى في حياة والده سنة 1412هـ - 1992م – رحمة الله
5- الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الرزاق عفيفي توفى في حياة والده اثر حادث وقع عليه سنة1408-1988 وكان من طلبه العلم المبرزين ومن اكثر أبناء الشيخ اتصافا به وكان يعمل بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض – رحمه الله .
واما البنات فثلاث وقد أكرمها الله بأصهار صالحين بررة ولا نزكي علي الله أحدا نحسبهم كذلك وكان الشيخ عبد الرزاق – يرحمن الله –يهتم بتربية أولاده بل وحتى أحفاده وينشئهم تنشئة صالحة – فكانوا مثالا في الاستقامة والبر ورعاية واداء الأمانات .


أوصافة الخلقية وصفاته الخلقية

أ – أوصافة الخلقية
كان رحمه الله قوي البنية جسيما مهيبا طويل القامة عظيم الهامة مستدير الوجه قمحي اللون له عينان سوداوان يعلوهما حاجبان غزيران ومن دون ذلك فم واسع ولحية كثة غلب البياض فيها علي السواد وكان عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكفين والقدمين ينم مظهره عن القوة في غير شدة .
هيئته ولباسه :
كان الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – حسن الهيئة ، جميل المظهر في غير تكلف ، له سمت خاص في لباسه ، يرتدي ثوبا فضفاضا أشبه ما يكون بلباس أهل مصر ، إلا أنه محاك على السنة . وكان يعجبه اللباس الخشن من الثياب في غالب الأوقات وهو سلفى المظهر والشارة .ومجمل القول : أن الشيخ – رحمه الله – كان رجلا متميزا في هيئته ولباسه يرتدي ما يراه متفقا مع مكانة العلم والعلماء وظل متمسكا بهذه الهيئة المتميزة من اللباس إلى آخر حياته المليئة بالجد والكفاح والمثابرة .

هيبته :
كان الشيخ – رحمه الله – رجلا مهيبا ، من رآه بديهة هابه ، فيه عزة العلماء ، لا يتزلف إلى أصحاب المناصب زائرا أو مزورا ،
يقول أحد تلاميذه :
إن الشيخ كان يفرض احترامه على طلابه وكان الطلاب يهابون حياء ويقدرونه في أنفسهم وما سمعت منه كلمة مؤذية قط .
لقد كان الشيخ مهيبا حقا ومع هذه الهيبة كان آية في التواضع وحسن المعاشرة وعلو الهمة ، بعيدا عن الصلف والتكلف المذموم ، أبيا عزيز
النفس وكأن الشاعر قد عناه بقوله :
يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع ضيرته لي سلما
وما كل برق لاح لي يستفزني ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ولكن نفس الحر تحتمل الظمأ
فصاحته :
اللغة العربية لغة جميلة فهي لغة القرآن والسنة ، أسلوبا ومنهجا ومقصدا ومغزى فهي الطريق إلى فهمها والعمدة في إدراك أسرارهما فهي بحق من مستلزمات الإسلام وضروراته .
والشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – يعد وبجدارة من أرباب الفصاحة وأساطين اللغة في علم النحو الخاصة وعلوم العربية كافة .
كان آية في التحدث بلغة الضاد ( اللغة العربية الفصحة ) كتابة ومحادثة وكان هذا بيان مشرق متدفق وأداء جميل ونبرات مؤثرة في غير تكلف وكان إذا تكلم أسمع وعقل عنه .
وكانت إحاطته بمفردات اللغة العربية تكاد تكون شاملة وهو إلى جانب ذلك سهل العبارة ، عذب الأسلوب ، تتسم عباراته بالإيجاز والإحكام والبيان والجزالة وكان بعيدا عن التكلف والتمتمة والفأفأة والتنطع والتشدق .
وإني أتمنى أن يعتني طلبة العلم وحملة الشريعة ورواد المعرفة بهذه اللغة العظيمة ، اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : : تعلموا العربية فإنها من دينكم "
وعن عمرو بن زيد قال : " تفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي " .
وقال عبد الحميد بن يحي : " سمعت شعبة يقول : تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل " .
وقال عبد الملك بن مروان : " اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه " .
وأوصى بعض العرب بنيه فقال : " يا بني أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبة فيحتال فيها فيستعير من أخيه دابته ومن صديقه ثوبه ولا يجد من يعيره لسانه " .
وقال ابن تيمية – رحمه الله - :
" الدين فيه فقه أقوال وأعمال .ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " .

فراسته :
قال ابن القيم – رحمه الله - : الفراسة الإيمانية سببها نور يقذفه الله في قلب عبده ، يفرق به بين الحق والباطل والحال والعاطل والصادق والكاذب وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ووقائع فراسته مشهورة فإنه ما قال لشيء : " أظنه كذا إلا كان كما قال " ويكفي في فراسته موافقته ربه في مواضع عدة .
وفراسة الصحابة رضي الله عنهم أصدق الفراسة وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير فلا تكاد فراسته تخطيء .
قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) .
قال بعض السلف : من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وظاهره باتباع السنة لم تخطيء فراسته .
قال الماوردي – رحمه الله - : ينبغي أن يكون للعالم فراسة يتوسم بها المتعلم ليعرف مبلغ طاقته وقدر استحقاقه ، ليعطيه ما يتحمله بذكائه أو يضعف عنه ببلادته فإنه أروح للعالم وأنجح للمتعلم .
والشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – ولا أزكى على الله أحدا كان صاحب بصيرة نافذة وفراسة حادة يعرف ذلك عنه من خالطه وأخذ العلم على يديه ومما يدلل ويؤكد على فراسة الشيخ أنه كان يتأمل وجوه تلاميذه ويتفرس فيهم فيعرف المجد من الخامل والنابه من الجاهل فيخص هؤلاء بعلم قد لا يخص به أولئك .
وثم دليل آخر على فراسة الشيخ أنه كان – رحمه الله – يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات ويتأمل وجوه أصحابها فيكشف ما وراءها من الدوافع ببصيرته الفذة وقلما ينطلي عليه مكر أو احتيال .
ومما يدل كذلك على صدق فراسة الشيخ ومعرفته بالرجال ما ذكره فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد عبد المنعم
قائلا : حدثني – رحمه الله – في مجلس الفتوى في ( منى )
فقال : إذا سأل البدوي عن مسألة وكان الجواب موافقا لما يهوي فإنه يسأل سؤالا آخر قريبا من الأول أو بعيدا أما إذا كان الجواب بخلاف ما يهوى فإنه يسأل سؤالا آخر قريبا من الأول أو بعيدا أما إذا كان كان الجواب بخلاف ما يهوى فإنه يسكت وينصرف .
وهكذا أكسبه طول التعامل مع المستفتين معرفة لنفسياتهم فكانت إجاباته بإيضاح الحكم فيما يسأل عنه من التوسع أو من الإيجاز ، ملحوظا فيها ما ينقدح في ذهنه من مقصد السائل عند إلقاء السؤال من رغبة في معرفة الحكم الشرعي في المسألة أو في خلاف ذلك .
ولله در من قال :
ألمعي يرى بأول رأي آخر الأمر من وراء المغيب
لوذعي له فؤاد ذكي ما له في ذكائه من ضريب
لا يروي ولا يقلب طرفا وأكف الرجال في تقليب
قوة حافظته وحضور بديهته :
كان رحمه الله قوي الحافظة ، سريع البديهة ، مستحضر الفهم ، شديد الذكاء وافر العلم غزير المادة ، صاحب ألمعية نادرة ونجابة ظاهرة .
إن نعمة الحفظ وقوة الذاكرة من أقوى الأسباب – بعد توفيق الله عز وجل – على طلب العلم ولقد كان لهذه الحافظة القوية والذاكرة الجبارة أثرها البالغ في تحصيل ثروته العلميه والتي بنيت على محفوظاته التي علقت بذاكرته في مرحلة التعلم والتعليم وقد رزقه الله من الذكاء وقوة الحفظ ما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة فكان الشيخ يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات فيكشف ما وراءها من الدوافع بتوفيق الله ثم بذكائه الحاد وبصيرته النافذة ولم يكن ينطلي عليه خداع أو احتيال .
ومما يؤكد ويبرهن على قوة حافظة الشيخ وسيلان ذهنه أن أحد الموظفين بإدارات البحوث العلمية والإفتاء سأل الشيخ وأنا جالس بجانبه – في مقر هيئة كبار العلماء بمدينة الطائف – عن مرجع لمسألة يريد أن يرجع إليها فدله الشيخ على كتاب المغنى لابن قدامه وذكر له الجزء والصفحة والمكان وهذا إن دل فإنما يدل على شدة ملاحظته وتوقد ذهنه – رحمه الله .
وثم دليل آخر يؤكد على قوة ذاكرة الشيخ وهو أنه رحمه الله كان يقص قصصا ويذكر أحداثا ووقائع من أعماق التاريخ ترجع إلى أكثر من ثلاثة أرباع القرن ، يذكرها وكأنها ماثلة أمام عينه .
وثم دليل ثالث على عمق حافظة الشيخ وحضور بديهته ، ما ذكره أحد تلامذته من أن الشيخ أملى عليهم من حفظه في مادة التفسير أكثر من مائة صفحة .
ويؤكد هذا كله فضيلة الشيخ محمد بن سعد السعيد قائلا :
" لقد حباه الله قوة الحافظة والدقة في الفهم وسرعة البديهة وحصافة الرأي مع اتسامه بالورع والزهد والتواضع .
وفور عقله وبعد نظره :
إن من المسلم به أن لكل فضيلة أسا ولكل أدب ينبوعا وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل الذي جعله الله تعالى للدين أصلا وللدنيا عمارا فأوجب التكليف بكماله وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه وألف به بين خلقه مع اختلاف همهم ومآربهم وتباين أغراضهم ومقاصدهم .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أصل الرجل عقله وحسبه دينه ومروءته خلقه
وقال الحسن البصري رحمه الله : ما استودع الله أحدا عقلا إلا استنقذه به يوما وقال بعض الأدباء : صديق كل امريء عقله .
وقال إبراهيم بن حسان :
يزين الفتى في الناس صحة عقله وإن كان محظورا عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله وإن كرمت أعراقه ومناسبه
يعيش الفتى بالعقل في الناس إنه على العقل يجري علمه وتجاربه
وأفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الاشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه
وإنني لأشهد بالله أن الشيخ عبد الرازق عفيفي – يرحمه الله – كان من العلماء القلائل الذين جمع الله لهم بين وفرة العلم ووفر العقل وبعد النظر فكان مثالا للداعية المسلم الحق الذي يدعو إلى الله على بصيرة وإلى جانب تعقل الشيخ وبعد نظره فقد تميز – رحمه الله – بسعة علمه ومقدرته على الفهم الدقيق والاستنباط الواعي والتمييز المستبصر .
إن كل من رأى الشيخ وبعد نظره فقد تميز – رحمه الله – بسعة علمه ومقدرته على الفهم الدقيق والاستنباط الواعي والتمييز المستبصر .
إن كل من رأى الشيخ وجلس إليه يشهد له بحنكة باهرة وحكمة ظاهرة واطلاع واسع وعدم خوضه فيما لا يعنيه وإعراضه عن التحدث في الموضوعات ذات الحساسية وهو مع ذلك فقيه بواقع أمته ومطلع على ظروف عصره ، يعيش آمال الأمة وآلامها ساعة بساعة ولحظة بلحظة .
ولقد أكسبته هذه الخصال الحميدة والسجايا الحسنة احترام الناس له وتقديرهم لعلمه وفضله حتى أصبح موضع تقدير الجميع علماء وعامة .
يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد العجلان : كان الشيخ – رحمه الله – كثير الصمت يفرض احترامه على جالسيه كثير التأمل شديد الملاحظة ، وافر العقل ، نافذ الفراسة .
وقال فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي : ما رأيت رجلا من المصريين أعقل من الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – جمع بين العلم والعقل فيا سعادة من جمع العلم والعقل إذ لا يستغنى أحدهما عن الآخر .
لقد كان الشيخ – يرحمه الله – صافي الذهن ، بعيد النظر ، ينظر الى عواقب الأمور ويوازن بين المصالح والمفاسد ويبين لجالسيه وطلابه أن التعجل والتهور وعدم النظر في وعدم النظر في العواقب ، يجلب على الأمة ويلات كثيرة فلله دره من عالم فحل وعاقل متأدب وداعية محنك لم يهزه طيش ولم يستفزه خرق .
ولقد صدق من قال :
إذا تم عقل المرء تمت أموره وتمت أمانيه وتم بناؤه
وقال أبو بكر بن دريد :
العالم العاقل ابن نفسه أغناه جنس علمه عن جنسه
كن ابن من شئت وكن مؤدبا وإنما المرء بفضل كيسه
وليس من تكرمه لغيره مثل الذي تكرمه لنفسه
مواهبه وسجاياه :
لقد كان الشيخ عبد الرزاق – يرحمه الله – يتمتع بمواهب وسجايا وخصال قل أن تجتمع في غيره فقد كان – رحمه الله – يتحلى بسعة العلم والأناة والحلم والهدوء في المحاورة والمناقشة والقدرة على الإقناع وتقريب الأمور إلى الأذهان .
يقول أحد طلابه : لقد حباه الله قوة الحافظة ودقة الملاحظة وسرعة الفهم وسيلان الذهن وحصافة الرأي مع اتسامه بالورع والزهد والتواضع ولين الجانب وكان كثير الصمت قليل الكلام إلا فيما ترجحت فائدته ومصلحته . أ ه .
وبالجملة فقد كان الشيخ – رحمه الله – يتمتع بصفات حسنة وسجايا كريمة .
لقد كان مثالا يحتذى في أدبه وعلمه وأخلاقه وقدوة في تصرفاته . لقد كان موهوبا .

صفات الخلقية :
إن من عاصر الشيخ عبد الرازق – رحمه الله – وخالطه وعاشره يتفق معي أنه كان رجلا قوي الشخصية متميز التفكير مستقل الرأي نافذ البصيرة ، سليم المعتقد حسن الاتباع ، جم الفضائل ، كثير المحاسن ، مثال العلماء العاملين والدعاة المصلحين فيه عزة العلماء وإباء الأتقياء ، غاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع حكمة ولطف وبعد نظر لا يجابه أحدا بما يكره ولا ينتصر لنفسه .
كان زاهدا عابدا أمينا صادقا كثير التضرع إلى الله قريب الدمعة زكي الفؤاد ، سخى اليد ، طيب المعشر ، صاحب سنة وعبادة ، كثير الصمت ، شديد الملاحظة ، نافذ الفراسة ، دقيق الفهم راجح العقل ، شديد التواضع ، عف اللسان .
وبالجملة : فقد اتصف الشيخ – رحمه الله – بصفات جميلة وخلال حسنة وشيم كريمة ، يجمال بنا أن نتناولها بشيء من التفصيل .

زهده وعفته :
إن الزهد في الدنيا معنى جميل ، لا يستقم إلا لكل نفس كبيرة فهو خير معين على التفرغ للعظائم وأقوى محقق لمعاني القوة في النفس والعقل والبدن .
وأكبر عامل على صفاء القلب وصوله عما يتورط فيه من الحقد والغل والحسد وأدعى شيء الى العفاف والترفع عن السفاسف والى عزة النفس والصدع بالحق ومقاومة الشر وعلى الجملة فهو كنز النفس العظيمة وميزة الصفوة المختارة والخيرة الأبرار
والزهد ليس كما يزعم بعض الجاهلين قبوعا عن كل جليل وعظيم من الاعمال وليس الزهد كما يخيل للحمقى والمغفلين الذين غرر الشيطان بهم . هو الذلة والمسكنة والفقر والمتربة والضعف والحاجة والكسل اللاصق بالارض القانع بالدون من الحياة .
لكنه زهد تربية وزهد النفس التي تعف فيما تملك وتترفع عن أن تمد عينيها الى ما لا تملك إنه العزة التي لا يذلها مطمع من مطامع الدنيا ولا تغريها شهوة من شهواتها إنه زهد القلب وعفة الروح وطهارة الجوارح إنه التجرد الكامل من رق النفس وأهوائها وشهواتها .
لقد كان زهد السلف الصالح رضي الله عنهم وخشونة ملبسهم وجئوبة مطمعهم ، من أبلغ عوامل الرهبة في قلوب أعدائهم وأوكد اسباب خضوع الدنيا لهم .
وعندما خلف من بعدهم خلف خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ورغبوا في العاجل وأعرضوا عن الآجل ، تبددت الرهبة من صدور أعدائهم وتمنعت الدنيا وعزت على عمالهم وتكالبت عليهم الأمم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :
" يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها "
فقال قائل أو من قلة نحن يومئذ ؟
قال " بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " .
فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن . قال : " حيث الدنيا وكراهية الموت " .
لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – رمزا ومثالا يحتذى وقدوة تؤتسى في الزهد والورع وإنكار الذات .
كان زاهدا في الدنيا متقللا منها معرضا عنها ، متحليا بالطاعة ، مستشعر العفاف والكفاف ، مقتصرا من نفقته وملبسه على ما تدعو اليه الحاجة والضرورة .
لقد كان – رحمه الله – متواضعا في مسكنه ومأكله ومشربه وسائر أموره وما عرفت الدنيا طريقا الى قلبه ولم يكن يهتم بها ومع أن غيره ممن هو دونه كان ينقلب في النعيم وينام على الوثير من الفراش ، كان الشيخ – رحمه الله – متواضعا في مسكنه ومشربه وسائر أموره وما عرفت الدنيا طريقا الى قلبه ولم يكن يهتم بها ومع ان غيره ممن هو دونه كان يتقلب في النعيم وينام على الوثير من الفراش يؤثر خشونة العيش وعدم التوسع في الملذات على الرغم من أنه مد بأسبابها .
والبرهان على أنه ليس طالب مجد دنيوي أنه ما سلك سبيلا لازدياد كسب مادي وما أكثر سبل الكسب المادي لو أرادها ومما يؤكد ذلك ويدعمه أنه كان – رحمه الله – محبا للتستر بعيدا عن المظاهر والتصدر يكره الشهرة ويأبى أن تسلط عليه الأضواء ويبتعد عن وسائل الإعلام بعدا لا هوادة فيه .
يقول أحد طلابه : لقد جاء الشيخ إلى السعودية على علمه وسجيته لم يجتذبه طمع في مال أو جاه أو منصب وقد علم الله صلاح نيته فانقادت له كل أسباب العز الدنيوي وهو لم يطلبها فكان في هذه المملكة أستاذ جيل بحق .
قلت : ومما لا ينكر من أخلاقه الظاهرة وزهده وورعه ، كراهيته الشديدة للمدح والثناء عليه وتقبيل رأسه ويديه فما كان يرضى من أحد أن يثنى عليه أو يبالغ في مدحه .
وأما عفة الشيخ وتعففه فهو بحر لا ساحل له وقد تكفي الإشارة إن لمة تسعف العبارة وصفوة القول أن الشيخ – رحمه الله – كان شديد التعفف ، غاية في الزهد ، نموذجا للأسوة الحسنة والقدوة الصالحة .
كما كان رحمه الله عف اللسان عفيف النفس طاهر الذيل ، بعيدا عن المحارم ، مجانبا للمآثم .
يبيت مشمرا سهر الليالي وصام نهاره لله خيفة
وصان لسانه عن كل إفك وما زالت جوارحه عفيفة
يعف عن المحارم والملاهي ومرضاة الإله له وظيفة
تواضعه :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد " .
والتواضع هو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة للخلق ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه ومعرفة قدر نفسه فمن عرف نفسه وتواضع لربه فإنه لا يتمرض على خالقه باقتراف الجرائم والآثام كما أنه يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب ، لا يزهو على مخلوق ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمشي معهم وإجابة دعوتهم ومخاطبتهم بالكلام اللين ولا يأنف من استماع نصيحة من هو دونه .
قال تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) .
لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي لين الجانب ، سهل الخلق ، شديد الزهد في أعراض الدنيا ، يلبس الخشن من الثياب ويرتاح لذلك ويعلله بأنه يناسب بدنه صحيا ولم يكن له ترتيب خاص به في حياته كما هي عدة الأثرياء والوجهاء ، كما أنه ليس له ترتيب خاص به في مجلسه وطعامه ولقائه بالعلماء والعامة وطلبة العلم وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس وكان كثير التأمل ، شديد الملاحظة ، يؤثر الصمت ولا يتكلم إلا عند الحاجة ولا يزيد عن المطلوب منه وكان لا يتشدق في الكلام ولا يتكلف ما ليس عنده ولا يزهو على أحد بعلمه ولا يترفع على جلسائه بل يباسطهم ويمتزج بهم ومع هذا فهو بتواضعه متميز بخفض جناحه لطلابه وجلسائه ، متعزر قد زاده التواضع رفعة وخفض الجناح شرفا .
يقول الدكتور عبد الله بن حافظ الحكمي : كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – محل القدوة والأسوة ، شديد التواضع تغلب عليه البساطة في مجلسه ، إذا ارتاح لمحدثه استرسل في ذكر الأحداث والمواقف ونزل معه على قدره صغيراً كان أو كبيراً .
وقال الدكتور محمد بن لطفي الصباغ : كان الشيخ عبد الرزاق متواضعاً يكرم الصبيان والفتيان ولا يدعوهم إلا بألقاب التكريم ،
وقد رأيته يوم أن جاء الشيخ حسن حبنكة أحد كبار علماء بلاد الشام لزيارة مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله –
رأيته في قمة التواضع إذ كان يؤثر الكثيرين في الجلوس في المقاعد المتقدمة مع أنه أحق منهم بهذا التقديم .
صدقه وأمانته :
إن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم الصدق .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
وقال صلى الله عليه وسلم " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة "
لقد بلغ الشيخ عبد الرزاق عفيفي – يرحمه الله – من الصدق والأمانة مبلغاً وغاية جعلته موضع التقدير والاحترام والتوقير من طلابه ومحبيه كان لا يتكلم إلا بما يعتقد أنه الحق وكان يؤثر الصمت في بعض الأوقات ولكنه إذا تكلم في أمر من الأمور أقنع محدثه لقوة حجته وصدق لهجته وبعده عن الكلام المبتذل والتلون في الحديث ، وهذه الصفات الحسنة والخلال الحميدة جعلت الشيخ يحتل مكان الصدارة بين أساتذة الكليات والمعاهد العلمية والمؤسسات الدعوية بالمملكة .
ويؤكد هذا أحد طلابه قائلاً : عرفت الشيخ عبد الرزاق أستاذاً ماهراً وبحراً زاخراً بمختلف علوم التفسير والعقيدة والفقه والأصول وغيرها من جوانب العلوم الشرعية واللغة العربية وعرفته كذلك محدثاً واعظاً ومرشداً أميناً جم المعرفة غزير العلم متواضعاً كثير الزهد والتقشف مقبلاً على الله في جميع أقواله وأعماله.
قلت : ومن قرأ فتاوي الشيخ واستمع إلى ردوده على المستفتين يدرك أنه كان – رحمه الله – صادقاً في قوله أميناً في نقله لكلام أهل العلم ومذاهبهم وانه – رحمه الله – كان يلتمس الحق من وجهته ، ويتبعه من مظانه.
حلمه وسعة وصدره :
من الصفات الحميدة والفضائل الرشيدة ، التي ميز الله بها الإنسان على غيره من بقية المخلوقات فضيلة الحلم .
فالحلم من أشرف الأخلاق وأنبل الصفات واجمل ما يتصف به ذوو العقول الناضجة والأفهام المستنيرة . وهو سبيل كل غاية حميدة ونتيجة حسنة ونهاية سعيدة .
ولقد بين رسول الله منزلة الحليم وما له من أجر وثواب عظيم عند الله وكفى بمحبة الله له ، وثناء رسول الله عليه ودليل ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي قال : لأشج عبد القيس " أن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة " رواه البخاري ومسلم
وفي سنن أبي داود أن المنذر الأشج قال : يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟
قال : " بل الله جبلك عليهما " قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله .
وبلوغ الحليم هذه المنزلة ليس بعجيب ولا غريب ذلك أن الحلم هو سيد الفضائل وأس الآداب ومنبع الخيرات
قال الله تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63)
قال عطاء بن أبي رباح في تفسير قوله تعالى (هوناً) " حلماء علماء "
وقال أكثم بن صيفي : " دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر وخير الأمور العفو "
وقال عطاء بن أبي رباح : " كان يقال ما أضيف شئ إلى شئ مثل حلم إلى علم "
ولقد من الله تعالى على فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي فجمع له بين أكرم خصلتين وأعظم خلتين : هما العلم والحلم والعالم العظيم حقاً كلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس الأعذار لأغلاطهم .
يقول الدكتور محمد بن لطفي الصباغ : من الصفات التي تميز بها الشيخ عبد الرزاق سعة صدره ، وبعد نظره وزهده في الدنيا ومتاعها .
كان رحمه الله من سعة صدره يتحمل مسيرة جميع أصناف البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وعوائدهم وأخلاقهم وتباين آرائهم لا يمل حديثهم ولا يسام من سماع مشكلاتهم ولا يغضب من كثرة أسئلتهم وفتاواهم ويؤكد هذا فضيلة الشيخ يوسف المطلق
فيقول : كان الشيخ عبد الرزاق يشجع على العلم والدعوة وكان يخصص وقته بين إجابة السائل شخصياً أو تحريرياً وما كان يسأم من السائلين بل كان يبذل جهده حتى يفهم سائله .
وبالجملة فقد كان رحمه الله رحب الصدر عميق الفكر واسع المدارك حليما رفيقا لا يواجه أحدً بما يكرهه وذلك لسعة صدره وغزارة علمه وحيائه رحمه الله .
كرمه ومروءته :
الكرم في اصطلاح العلماء هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والإطعام في المحل وإكرام السائل مع بذل النائل .
والشيخ عبد الرزاق رحمه الله كان كريماً كرماً أصيلاً لا يتكلف لأحد وكان يكره المباهاة والمفاخرة يقدم ما تيسر من الطعام ومما كان يعده لنفسه وكان بذلك قادراً على أن يقيم في كل يوم وليمة وكان إذا علم بمجئ عالم أو صديق يعرفه دعاه إلى الطعام وكان طعامه طيب النكهة شهي المذاق كان يفد إلى بيته طلبة العلم والعلماء والدعاة والذين يبغون الشفاعة في أمر من أمورهم فكان بيته ملتقى الضيوف وذوي الحاجات ومنتدى العلماء وطلبة العلم كان جواداً بالخير جالساً على محجة باررة للضيوف .
وهذه الصورة المشرقة عن كرم الشيخ ومروءته تعتبر بمثابة دعوة مفتوحة إلى التنافس في الخير والتسابق في ميادين الفضيلة والبعد عن الشح والحرص ذلك أن الإسلام دين يقوم على التعاون والبذل والإنفاق ويحذر من الأنانية والإمساك ولذلك رغب صلى الله عليه وسلم في أن تكون النفوس بالعطاء سخية والأكف بالخير ندية ووصى أمته بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البر وبذل المعروف وإلى كل خلق نبيل .
وأما مروءته فهي بحر زخار و غمر ولا شك أن المروءة من شواهد الفضل ودلائل الكرم وهي حلية النفوس وزينة الهمم.
إن المروءة كلمة يراد بها الشهامة والرجولة ونصرة المظلوم وكف يد الظالم وبذل الإحسان وقرى الضيف وكل هذه المعاني الحسنة والخلال الطيبة كانت من أبرز سمات الشيخ عبد الرزاق بل كانت أس حياته ومفتاح شخصيته وكأن لسان حاله
يقول :
وإني لتطريني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاق
وتهزني ذكرى المروءة والندى بين الشمائل هذه المشتاق
فإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
فالناس هذا حظه مال وذا علم وذاك مكارم الأخلاق
احترامه لنفسه وحسن معاشرته لغيره :
إن الخلق الحسن والأدب الجم هما المعيار لسلامة النفس من الآفات الظاهرة والباطنة ، ولقد جمع الشيخ عبد الرزاق ولا أزكى على الله أحداً أخلاقاً عالية وأداباً سامية ، إلى جانب كرمه وعفته وزهده ومروءته لا يعرف ذلك عنه إلا من خالطه عن قرب ونهل من علمه واستفاد من تجاربه وفضلاً عن ذلك فإن الشيخ رحمه الله كان ذا هيبة ووقار بريئاً من الكذب بعيداً عن التصنع مستقل الرأي لا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبراً ولا ذليلاً وكان يعرف لنفسه قدرها ولم يكن من شأنه التلاعب بالأقوال والقضايا الجدلية المؤدية إلى العبث بالحقائق بل كان جاداً يكره أن يحوط نفسه بمظاهر العظمة الكاذبة .
ولا شك أن هذه الصفات الحسنة والخلال الكريمة جعلت الشيخ موضع تقدير واحترام وإكبار من أقرانه من العلماء ومن طلابه ومحبيه وعارفي فضله والفضل فضله والفضل يعرفه ذووه.
وفضلاً عن ذلك كله فإن الشيخ –رحمه الله كان غاية في حسن المعاشرة وقدوة في روعة المؤانسة لا يحسد ولا يحقد مجلسه مجلس خير وعلم ومحله محل حياء وحلم يجيب دعوة من دعاه ويعود المرضى ويتجاوز عمن أساء إليه ويدفع بالتي هي أحسن ويدعو أصدقاءه وطلابه بكناهم وأحب أسمائهم إليهم ويميل إلى محادثتهم والتلطف معهم وهو مع ذلك عزيز النفس موفر الكرامة قوى الإرادة زاهداً فيما عند الناس .
ثباته على مبدئه :
إن الأخلاق إذا تعاورتها الشدائد والأهوال سبكتها وأخرجت منها خلقاً قويماً ثابتاً فالشدائد تظهر ما هو كامن في الإنسان فإما أن تجعل منه خلقاً عظيماً يظل على مر الليالي والأعوام نبراساً يستضاء به وإما أن تقضي عليه فتجعله أثراً بعد عين
ومن أجل ذلك وجب على من يطمحون إلى الظفر وبلوغ المقاصد العظيمة أن يعدوا أنفسهم لركوب متن الأهول واحتمال الشدائد وتوطين أنفسهم على المكاره .
وما أروع ما قاله صفي الدين الحلي :
لا يمتطى امجد من لم يركب الخطرا ولا ينال العلا من قدم الحذرا
ومن أراد العلا عفواً بلا تعب قضى ولم يقض من إدراكها وطرا
لابد للشهد من نحل يمنعه لا يجتن النفع من لم يحمل الضررا
لا يبلغ السؤال إلا بعد مؤلمة ولا تتم المنى إلا لمن صبرا
إن على أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية والأغراض السامية أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباته وسائر أخلاقه .
إن السابر لأغوار الشيخ عبد الرزاق والواقف على سيرته والمتتبع لمراحل حياته يدرك تمام الإدراك أن الشيخ تميز بصفة الثبات على المبدأ فما عرف منه التذبذب في الرأي والتعددية في القول وما عرفت المداهنة والمجاملة طريقاً إليه بل كان يقول الحق ويقصده ويتحرى الصدق ويؤثره وادل دليل على ذلك إن الشيخ رحمه الله كانت له آراء خاصة في بعض المسائل العلمية لا يذكرها إلا للخاصة من أصحابه ولا يسؤه أن يكون هناك من يخالف فيها وإذا ذكرت أمامه الآراء التي تخالفه لا ينفعل ولا يتشنج لأنها تخالفه
بل يقول : لكل رأيه وكثيراً ما كنت أسمعه يقول لمن يستفتونه ويسألونه في أمور دينهم بعد أن يبين لهم الحكم الشرعي فيما سألوه فيه " ما أعرفه قلته إسألوا غيري ؟ وهذا إن دل فغنما يدل على ثقته بنفسه واعتزازه بدينه وخوفه من ربه لا يخشي في ذات الله لومة لائم وفضلاً عن ذلك فقد كان رحمه الله قوياً صلبا لينا سهلاً في الرجوع إلى الصواب وإلى ما يظهر له انه خلاف الحق الذي ثبت بالأدلة الصحيحة الصريحة .
ابتلاؤه وصبره :
الابتلاء سنة من سنن الله الكونية به يتميز الطيب من الخبيث والمؤمن من المنافق.
إن الشدائد والنوازل تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات وتتفتح في القلوب منافذ ما كان ليعلهما المؤمن من نفسه إلا حين يتعرض للابتلاء إن من حكمة الله في الابتلاء أن تستيقظ النفس ويرق القلب بعد طول غفلة فتتوجه الخلائق إلى ربها يتضرعون إليه يرجون رحمته وعفوه .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : لابد من الابتلاء بما يؤذي الإنسان فلا حرص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكر الله سبحانه في غير موضع من كتابه أنه لابد أن يبتلي الإنسان بما يسره وما يسؤوه فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكوراً .
قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) .
لقد ابتلى الشيخ عبد الرزاق رحمه الله بابتلاءات عظيمة في هذه الدنيا ونزلت به كوارث شديدة فلم تضعفه هذه الابتلاءات وتلك الكوارث بل كان صابراً محتسباً ومن هذه الابتلاءات التي ابتلى بها الشيخ في حياته أنه أصيب نصفي وعافاه الله منه وأصيب بعدد من الأمراض فكان نعم العبد الصابر وقتل ولده الأكبر أحمد عاصم فتلقى الخبر صابراً محتسباً ثم توفى أصغر أبنائه عبد الرحمن فكان كذلك غاية في الصبر والرضي بقضاء الله وقدره ثم توفى ابنه عبد الله فجأة فكان أيضاً مثالاً في الصبر والاحتساب .
ومما يدل على صبر الشيخ وتجلده أنه لما جاءه خبر وفاة ابنه أحمد وهو مدير ومحاضر في المعهد العالي للقضاء لم يتوقف عن برنامجه اليومي بل جاء إلى طلابه وألقى المحاضرة عليهم دون تأثر أو تعلثم .
فرحم الله الشيخ رحمة واسعة وضاعف مثوبته.
نظرته إلى المجتمع ونظرة المجتمع إليه :
أما نظرته إلى المجتمع الإسلامي فقد كان الشيخ رحمه الله يعيش عصره ويدرك بعمق شراسة الغزو الفكري الاستعماري للمسلمين ويعرف التيارات الفكرية والسياسية التي تسود العالم وتغزو بلاد المسلمين يعرفها تمام المعرفة ويدرك واقع الأمة الإسلامية تمام الإدراك ويعي قضاياها ويعيش أحداثها ساعة بساعة ولحظة بلحظة وكانت معرفته بالرجال المعاصرين من الأعلام وغيرهم معرفة دقيقة وكان حكمه عليهم حكما سديدا ، يعرف أوضاعهم الاجتماعية وعادات بيئاتهم ومدى تأثرهم بذلك كله .
كان قوي العزم في معالي الأمور ، لا يعتريه فتور ولا خور في نصر العقيدة الصافية والمبادئ الإسلامية ولا يقعده عن البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف من ذي سلطان لأن القلب الذي أشرب حلاوته الإيمان يكتسب قوة روحية وحصانة دينية ونوراً ربانياً فلا يجد أحد لإغوائه سبيلا .
أما نظرة المجتمع إليه فقد كانت نظرة تقدير واحترام وإكبار ، ذلك أن الشيخ – رحمه الله – كان محبوبا من المجتمع ومن كل من عرفه وخالطه وتتلمذ على يديه كما كان محل التقدير والإجلال من كل الناس على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم.
كان يتميز – رحمه الله – بطيب المعشر والزهد في الدنيا والبعد عن مباهجها وكان يصدق قوله وفعله وكان غاية في التواضع يقدر الناس ويكرمهم مهما كانت منازلهم وقد حببه ذلك لكل من عرفه أو جالسه أو درس على يديه ونهل من مناهل علمه الغزير .
لقد كان العلماء والعامة وطلبة العلم يقبلون على مجلس الشيخ ويستمعون إلى نصائحه القيمة وتوجيهاته السديدة وآرائه النيرة مع توقيرهم لشخصه وتقديرهم لعلمه ، مع محبة صادقة خالصة يرجى بها وجه الله لعالم بذل علمه ووقته وماله دفاعا عن دينه وذبا عن عقيدته وغيرة على مجتمعه وأمته .
لقد كان – رحمه الله – حريصا على صيانة المجتمع الإسلامي من الانحرافات العقدية وصيانته من الاعتقادات الشركية ، كان مجاهدا في سبيل الله ونشر دعوة التوحيد بقلمه ولسانه .
ومما يؤكد هذا ويدعمه ما كتبه فضيلة الدكتور صالح بن سعود آل على قائلا : لقد خبرت فضيلة الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – عن قرب ورأيت فيه ما كنت أقرأ عن علماء السلف من العلم الجم والفقه في الدين والتحلي بمبادئ هذا الدين ، من تواضح وتقي وزهد وورع وصبر وحب لهذه الأمة وحرص على أن تظل كما هو مؤمل منها ، منارة هدى ومصدر إشعاع وموئل عز للإسلام والمسلمين .
كتبت : || (أفنان) l|
-
2/ مكانة الشيخ العلمية
إن العلم حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور ورياض العقول ولذة الأرواح وأنس المستوحشين ودليل المتحيرين وهو الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال والأحوال وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين والغي والرشاد والهدى والضلال به يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحد وبه تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام وهو كل لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وفي السلوك سادة .

ومن هذا يتبين ما للعلم من مزية وفضيلة ومكانة في الحياة العاجلة والآجلة ولهذا سارع في طلبه العقلاء وتنافس فيه المتنافسون وبه تفاوت الكثير من الناس في منازلهم ودرجاتهم حسب تفاوتهم في مداركهم وتحصيلهم وإنتاجهم وبه انتظم أمر الكون ونهضت الأمم وكان لمن برز فيه القدح المعلي والمقام الأسمى وإنما يكون ذلك لمن شدد الله خطاه وبصره بشؤون دينه ودنياه فعلم وعلم وكان مثالا يحتذي في قوله وعمله وسيرته وخلقه .
ومن هؤلاء العلماء – ولا نزكي على الله أحداً – فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيف
ي – يرحمه الله – فقد كان من العلماء الذين عرفوا بجهودهم ودعوتهم إلى الله وبذلهم أنفسهم أوقاتهم وزهرة شبابهم دفاعاً عن دينهم وذباً عن عقيدتهم وقد اشتغل – يرحمه الله – بالعلم منذ نعومة أظافره حتى صار عالما فحلا وصار العلم شغله الشاغل فلا تراه إلا دارساً متعمقاً محباً للعلم منكبا عليه ، صاحب بصر نافذ ونفس طلعة لا تكاد تشبع محباً للعالم ولا تمل من البحث ولا تروي من المطالعة ، مع التوفر على ذلك وقطع النفس له وصرف الهمة نحوه ، يصيب الإنسان عنده العلم الذي لا يصيبه عند غيره .

وبالجملة فقد ربي الشيخ عبد الرزاق عفيفي تربية عالية فتعلم كثيراً من العلزوم التي كانت رائجة في عصره ومن ثم احتل مكانة بارزة بين أقرانه من رجال العلم وعلماء الدين وحملة الشريعة .

وقد تميز الشيخ – يرحمه الله – عن كثير من علماء عصره بزهده في الدنيا وتقلله من متاعها وحرصه الشديد على نشر العلم وتعليمه والعمل بمقتضاه .

وكان يرى أن من أوجب الواجبات إرشاد المسلمين وإفتاء المستفتين ونصح الطالبين وإظهار العلم للسائلين .
وقد أبان عن هذا كله وحرره في كلمته الوافية التي ألقاها عند توليه لرئاسة جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر ذاكراً في كلمته وموضحا واجب العالم نحو أمته ودينه فقال :
" لقد كان العالم من سلف هذه الأمة يجد نفسه وقد أنعم الله عليه بنعمة العلم وعهد إليه أن يبلغه للناس مضطراً إلى القيام بهذا العلم فلا يعتريه في نشر الثقافة الدينية والمبادئ الإسلامية فتور ولا خزر ولا يقعده عن البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف من سلطان ، لأن القلب الذي أشرب حلاوة الإيمان يكتسب قوة روحية وحصانة دينية ونوراً ربانياً فلا يجد أحد إلى إغوائه سبيلا فمهما جاهد الشيطان هذا المخلص فلن يتاح له أن يوهن عزيمته أو أن يمس عقيدته .

وإن قلبا قد صبغ بصبغة الله وتشبع بتعاليم الإسلام حتى ملكت سويداءه ليأبى أن يخضع لسلطة ربه واشتد خوفه منه وعلم أنه ملك قهار جبار بيده نواصي العباد وأن ذلك ليخلق منه سيفا مسلطا ونارا متأججة يقذف بها من عاد الله وبارزه بعصيان . لا يخاف في الله لومة لائم .

كان العلماء بذلك قوامين على الدين حفظاً ونشراً وبلاغاً ونصيحة وإرشاداً وكانوا خير قدوة للناس ومثلا عليا في إصابة الحق وتأييده وكشف الباطل وإزهاقه قولا وعملا ، يقصدهم الناس ليكشفوا لهم وجه الصواب بما ورثوه عن نبيهم فيجدوا لديهم ما يروي غلتهم ويزيل شبهتهم ويزيد يقينهم وإيمانهم وتعلقهم بشريعة سيد المرسلين ولم يكن يدخل في أمر الفتيا من ليس من أهله فعرف كل قدره ووقف عند حده . . " .

قلت : وقد ثبتت له الإمامة في كثير من الجوانب العلمية فهو إمام في العقيدة ومن المبرزين في هذا الباب وإمام في السنة لشدة تمسكه بها ودفاعه عنها وإمام في الفقه وأصوله لا يشق له غبار وإمام في التفسير وقد ذكر ذلك عنه كثير من تلاميذه وأبانوا عنه في كتاباتهم .

يقول الدكتور صالح بن آل سعود بن علي : كان رحمه الله ذا باع طويل في الشريعة وله القدح المعلى في التفسير وعلوم القرآن .

وقل أن يوجد له نظير في التوحيد وعلوم العقائد والمذاهب والملل والنحل أما في علم أصول الفقه فهو علم من أعلامه ، له في ميدانه اليد الطولي وأما الفقه فإليه فيه المنتهى .

بداية تلقيه للعلم :
تعتبر البداية الحقيقية لطلب الشيخ للعلم عندما وجهه والده إلى كتاب القرية لحفظ كتاب الله تعالى ذلك أن الناشئ من العلماء ينشأ مرتبطا بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

وقد أكب الشيخ – رحمه الله – على حفظ كتاب الله فأحسن تلاوته وحفظ كثيرا منه وقد أوتي سرعة في الحفظ وقوة في الفهم وجودة في الخط كثيرا منه وكل هذا وغيره مكنه من حفظ كتاب الله تعالى والإقبال عليه بكليته على الرغم من صغر سنه وحق للقرآن أن تفنى فيه الأعمار وأن تعمر به الأزمان لقد كان حفظ الشيخ لكتاب الله في سن مبكرة هي الخطوة الأولى للدخول في طلب العلم الشرعي بصورة جادة ومنتظمة ثم واصل الشيخ بعد ذلك دراسته في همة لا تعرف الكلل ونفس طلعة لا تعرف الملل .

وقد أكد هذا الكلام فضيلة الشيخ عبد الحميد بن عبد المطلب الهلالي من أعيان قرية ( شنشور ) في كلمته التي تناول فيها نشأة الشيخ ووضح فيها بداية تلقيه للعلم قائلا : لقد نشأ فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي نشأة طيبة وسط أسرة طيبة الأعراق حسنة السمعة ، درس القرآن الكريم منذ نعومة أظافره على يد كل من والده الشيخ عفيفي عطية النوبي ثم في كتاب القرية حيث كان نابغاً في حفظ كتاب الله تعالى وقد أعفى من الجندية ( الخدمة العسكرية ) حسب النظام المعمول به وقتئذ لحفظه القرآن الكريم كاملا .

قلت : وإلى جانب حفظ الشيخ للقرآن ، كان يحفظ بعض المتون كما هي عادة طلبة العلم الذين كانوا يدرسون في الكتاتيب في هذا الوقت ، فضلا عن ذلك فقد كان يعطي جل وقته – على الرغم من حداثة سنه – لمراجعة محفوظاته ولتعلم قواعد النحو والإملاء والحساب بتوجيه من والده .

نبوغه المبكر وتقدمه على أقرانه

لقد عرف الشيخ عبد الرزاق عفيفي منذ صغره بالألمعية النادرة والنجابة الظاهرة والذكاء المفرط والنبوغ المبكر حتى بز أقرانه وفاق أترابه وعلى الرغم من حداثة سنه فقد كان صاحب همة عالية ونفس أبية جعلته موضع تقدير ومحل تبجيل من كل من عرف الشيخ وخالطه وزامله .

ومن الأدلة على نبوغ الشيخ وشدة ذكائه حفظه المتقن لكتاب الله تعالى في سن مبكرة مما كان سببا في إعفائه من الخدمة العسكرية بمصر ولعل سائلا يسأل : ما سر تفوقه ؟ ومتا سبب نبوغه وتقدمه ؟

والجواب :
إن المتأمل في سيرة المترجم له ، السابر لأغواره يدرك أن وراء ذلك أسبابا عديدة منها :

1-إخلاص النية في طلب العلم ، مع حسن القصد وصدق التوجه إلى الله تعالى .
إن من عمر ظاهرة بالسنة واطنه بالإخلاص تفجرت في صدره ينابيع العلم ولم يكن ينطق إلا بالحكمة وقد أكد ذلك الشوكاني – رحمه الله – بقوله : " إن لحسن النية وإخلاص العمل تأثيراً كبيراً في هذا المعنى " .

2-نشأته الصالحة في بيئة ريفية لم يكدر صفوها مظاهر الحضارة الكاذبة ولا بريق المدينة الزائف .

3-عناية ربانية رحيمة ومنن إلهية أمتن الله بها على الشيخ فكان لها أعظم الأثر في تفوقه العلمي ونبوغه المبكر .

4-استعداده الفطري وصفاء ذهنه وحضور بديهته وقوة حافظته وغير ذلك من المواهب التي أنعم الله بها عليه وكان لها أبلغ الأثر في حياته .

5-دقة استحضاره وسلامة منهجه واستقامة حياته وجولان ذهنه ورعاية والده له وحسن استجابته لتوجيهات ونصائح أساتذته وشيوخه .

6-استثمار وقته في البحث والمطالعة مع توفر همته وتوقد رغبته في مدارسة العلم بمختلف فنونه ومجالسة العلماء والاستفادة منهم .

شيوخه ومؤهلاته

في تراجم العلماء كثيراً ما تذكر الأسماء العديدة لمشايخ المترجم له وبخاصة الشخصيات العلمية البارزة والكفاءات العالية ذات التأثير القوي وغالبا ما يكون هؤلاء عددا قليلا ومحدودا .

ومن العلماء الذين تتلمذ الشيخ لهم ونهل من علمهم واستفاد من دروسهم .

الشيخ محمد بن حسن عافية والشيخ محمد بن عبود عافية وهما من علماء قريته ( شنشور ) وأما أشهر شيوخه وأكثرهم تأثيرا فيه فمنهم الشيخ احمد نصر شيخ السادة المالكية والشيخ دسوقي العربي والشيخ عبد المعطي الشربيني والشيخ يوسف الدجوى والشيخ محمد العتريس والشيخ إبراهيم الجبالي والشيخ مصطفى المراغي وغيرهم .

وأما أقران الشيخ ومعاصروه فهم أمم لا يحصون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر :
الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار والشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر والشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر آنذاك والعلامة الشيخ احمد محمد شاكر والشيخ العلامة محمد الخضر حسين والشيخ الإمام حسن مأمون مفتي مصر في زمنه والشيخ الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار الأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر سابقا والشيخ الإمام جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر سابقا
رحمهم الله جميعا .

ومن أقرانه أيضا : فضيلة الدكتور محمد حسن فايد – رحمه الله – والدكتور عبد المنعم النمر والدكتور محمد الطيب النجار – حفظهما الله – وكذلك فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقا وفضيلة الشيخ عبد الظاهر أبو السمح مدير دار الحديث ومؤسسها بمكة المكرمة وإمام وخطيب المسجد الحرام وفضيلة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة والشيخ محمد علي عبد الرحيم والشيخ محمد عبد الوهاب بحيري والشيخ محمد خليل هراس والشيخ عبد الله بن يابس والشيخ عبد العزيز بن راشد وفضيلة الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع
رحمهم الله جميعا .


-ومن أبرز أقرانه وأشهر معاصريه :
-سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم المفتي السابق للمملكة العربية السعودية ورئيس الكليات والمعاهد العلمية – رحمه الله .

-وسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء حفظه الله .

-ومنهم سماحة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله .

-وسماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله .

-ومنهم فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله .

-ومنهم فضيلة الشيخ عبد الرحمن الأفريقي رحمه الله .

-ومنهم فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله .

-ومنهم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب صاحب المكتبة السلفية رحمه الله.

-ومنهم فضيلة الشيخ محمد بهجت البيطار رحمه الله .

-ومنهم فضيلة الشيخ سعدي ياسين رحمه الله .

-ومنهم فضيلة الشيخ إسماعيل الأنصاري – رحمه الله .

وأمم يصعب حصرهم واستقصاؤهم .


مؤهلاته العلمية :
وأما مؤهلات الشيخ العلمية فهي على النحو التالي :

لقد تحصل الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – على عدد وافر من الشهادات والإجازات العلمية وأعلى هذه الشهادات والمؤهلات التي نالها الشيخ حفظه المتقن والمجود لكتاب الله والذي أتاح له فرصة الالتحاق بالأزهر في عصره الذهبي حيث التقى الشيخ في ساحته وبين أروقته وباحته بجبال العلم وشيوخ المعرفة وأفذاذ الطلبة وجهابذة المحدثين .

وقد تخرج الشيخ في الأزهر من أعلى مستوياته فقد تحصل على الشهادتين الابتدائية والثانوية ثم تحصل على شهادة العالمية في الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1351 هـ الموافق السادس عشر من شهر أغسطس سنة 1923 م .

وفي الرابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة 1355 هـ الموافق الثامن والعشرين من شهر نوفمبر سنة 1936 م منح شهادة التخصص
في الفقه وأصوله وهي التي تعرف اليوم بشهادة ( الدكتوراه ) .

ثم واصل الشيخ تحصيله العلمي حتى أضحى من العلماء الفحول والحفظة العدول .

ومما تجدر الإشارة إليه : أن الشيخ عبد الرزاق – يرحمه الله – لم يكن يعبأ بهذه الشهادات ولم يفاخر بها وما سمعته قط يتحدث عنها ذاكراً أو آثرا .

ويؤكد هذا فضيلة الدكتور محمد بن سعد الشويعر قائلاً : كان الشيخ عبد الرزاق رحمه الله ممن يزهد في الشهادات الدراسية والتشدق بذكرها وإنما يراها وسيلة لحمل العلم وثقل الأمانة التي يجب أن تؤدي ولم نسمعه يوماً يتحدث عن المؤهل الذي تحصل عليه .

فرحم الله هذا العالم المحقق والحافظ المدقق والمحدث الجهبذ والعالم الجليل والفقيه النبيل .


تلاميذه ومؤلفاته ورأيه في التأليف


تلاميذه :

من الصعب جدا حصر الطلاب الذين تلقوا العلم على فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – وقعدوا منه مقعد الدرس والتحصيل ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله .

لقد تخرج به أعداد كبيرة من العلماء والدعاة والمحصلين تسلموا مناصب علمية وعملية مرموقة في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها زمن هؤلاء العلماء الذين تخرجوا به – رحمه الله – وأصبحوا أنجما متألقة في سماء العلم والمعرفة :

-صاحب الفضيلة الشيخ : صالح بن محمد لحيدان ، رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : ناصر بن حمد الراشد رئيس ديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية .

-صاحب الفضيلة الدكتور : عبد الله عبد المحسن التركي ، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن البسام ، رئيس هيئة التمييز بالمنطقة الغربية .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد العزيز السعيد ، الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، عضو هيئة كبار العلماء وإمام وخطيب جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد العزيز بن محمد عبد المنعم ، الأمين العام لهيئة كبار العلماء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : ناصر بن عبد العزيز بن محمد الشثري ، المستشار بالديوان الملكي .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن بن إديان ، عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية وعضو هيئة كبار العلماء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : صالح الفوزان آل فوزان ، عضو هيئة كبار العلماء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : محمد بن عبد الله السبيل ، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وعضو هيئة كبار العلماء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : محمد بن خليل القطان ، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام سابقاً .

-صاحب الفضيلة الشيخ : محمد بن عبد الله العجلان ، مدير جامعة الإمام سابقاً وعضو مجلس الشورى .

-صاحب الفضيلة الدكتور : محمد بن لطفي الصباغ ، الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد الله بن سليمان بن منيع ، القاضي بمحكمة التمييز بمكة المكرمة وعضو هيئة كبار العلماء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء .

-صاحب الفضيلة الشيخ : عبد الله بن حسن بن قعود من علماء المملكة العربية السعودية .

-صاحب الفضيلة الدكتور : عبد العزيز كامل وزير الأوقاف المصري سابقاً .

-صاحب الفضيلة الشيخ : راشد بن خنين ، المستشار بالديوان الملكي .

-صاحب الفضيلة الدكتور : صالح الأطرم ، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .


وأما تلاميذه بالمعهد العالي للقضاء فمنهم :

فضيلة الشيخ : إبراهيم بن محمد\ سلطان وفضيلة الشيخ علي بن حمد التركي وفضيلة الشيخ محمد العسكري وفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم العريني وفضيلة الشيخ محمد بن حمد الحناكي وفضيلة الشيخ سعيد بن محمد بن رشيد وفضيلة الشيخ محمد بن مرزوق بن معيتق وفضيلة الشيخ إبراهيم بن عيسى العود وفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد العجلان وفضيلة الشيخ سالم بن محمد السالم وفضيلة الشيخ صالح بن محمد النجيدي وفضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الأمير وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم الهويش وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الراشد وفضيلة الشيخ مسفر البحري وفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم بن قعود وأمم لا يحصون كثرة قد تخرجوا به في المملكة العربية السعودية ومصر والشام وغيرها من البلاد .


مؤلفاته ورأيه في التأليف :
كان الشيخ عبد الرزاق – يرحمه الله – لا يرى التأليف ولا يرغب فيه مع غزارة علمه وسعة إدراكه ووفرة مادته وكان يعلل ذلك بأن الناس عامة وطلبة العلم خاصة بحاجة ماسة إلى القراءة والاطلاع أكثر من حاجتهم للتأليف والتصنيف .

ولعل السبب الحقيقي الذي حمل الشيخ على ترك التأليف مع التمكن من أدواته ، زهده في الشهرة والسمعة والمناصب وتفرغه لتربية الأجيال وبناء النفوس وإعداد العلماء وتهيئتهم بالعلم والعمل وحمل أمانة التبليغ .

وبينما يرى الشيخ أنه لا حاجة للناس في التأليف وأن هذه الكتب والمؤلفات الحديثة لا فائدة فيها وأنه يكتفي بما كتبه وجمعه العلماء السابقون ، حيث أنهم تطرقوا إلى كل فن وأوضحوا ما يحتاج إلى توضيح وأن من جاء بعدهم عيال عليهم .

أقول : بينما يرى ذلك الشيخ ويؤكده في كل مجلس يجلسه ، يرى غيره من العلماء ومن طلبة العلم ، رأياً آخر يخالف رأي الشيخ ،
يدعو إلى التوسع في التأليف والتصنيف ويحتج لذلك بقول الشاعر :

قل لمن لا يرى المعاصر شيئاً ويرى للأوائل التقديمــا
إن ذاك القديم كان حديثاً وسيبقى هذا الحديث قديماً

قلت : ومن أجمل ما قرأت في هذا الخصوص ، ما كتبه جمال الدين القاسمي في كتابه القيم ( قواعد التحديث ) ،

قال رحمه الله :
اعلم : أن نتائج الأفكار لا تقف عند حدٍ وتصرفات الأنظار لا تنتهي إلى غاية ، بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له وليس لأحد أن يزاحمه فيه لأن العالم المعنوي واسع كالبحر الزاخر والفيض الإلهي ، ليس له انقطاع ولا آخر والعلوم منح إلهية ومواهب صمدانية ،
فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ، ما لم يدخر لكثير من المتقدمين فلا تغتر بقول القائل : " ما ترك الأول للآخر ! "

بل القول الصحيح الظاهر : " كم ترك الأول للآخر " ، فإنما يستجاد الشيء ويسترذل ، لجودته ورداءته في ذاته ، لا لقدمه وحدوثه .

ويقال : " ليس كلمة أضر بالعلم من قولهم : ما ترك الأول شيئاً " لأنه يقطع الآمال عن العلم ويحمل على التقاعد عن التعلم فيقتصر الآخر على ما قدم الأول من الظاهر وهو خطر عظيم وقول سقيم فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريغ الأصول وتشييدها .

وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد :
" إني رأيت آخر كل طبقة واضعي كل حكمة ومؤلفي كل أدب ، أهذب لفظاً وأسهل لغة وأحكم مذهباً وأوضح طريقة من الأول ،
لأنه ناقد متعقب والأول بادئ متقدم " .
كتبت : || (أفنان) l|
-
3/ جهوده الدعوية في مصر :


قضى الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – حياته في خدمة العلم والدين ، مجاهداً في سبيل الدعوة إلى الله وطلب العلم وتعليمه .

لقد أمضى الشطر الأول من حياته في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وكان داعية من أبرز دعاة جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر والأسكندرية ومن المؤسسين لها .

كان داعية متميزا في علمه ودعوته وكان لسعة اطلاعه وقوة حجته وثباته على الحق أبلغ الأثر في نجاح دعوته .
يتحدث عنه أحد زملائه بالأزهر وأحد رفقاء دربه ( يوسف الضبع )
فيقول : " وفي الإسكندرية وضواحيها المترامية بسط نطاق دراسته الدينية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) .
فكان الشيخ يلقي فيها عظات ودروساً دينية حسبة لله وابتغاء وجهه وكانت هذه العظات وتلك الدروس إلى جانب جدوله الدراسي في المعهد الديني بالإسكندرية وقد تتلمذ له وآوى إلى حلقاته كثير من شيوخ الإسكندرية وشبابها وأشهد أنه بلغ من الورع والتقوى والكرم والشجاعة وأصالة الرأي ورسوخ القدم ما جعله أشبه بعلماء السلف الصالح ، لقد كانت دروسه اليومية في الإسكندرية وضواحيها بمثابة مدرسة كبرى يجتمع فيها الجم الغفير من الناس على اختلاف مستوياتهم للاستماع والنقاش والحزار مع عالم مبرز وفقيه ثقة ، إذا جادل أقنع ولم تقتصر دروسه ومواعظه على مكان بعينه في الإسكندرية ، بل كان يغشى معظم معظم مساجد هذه المدينة الكبيرة وغيرها من المدن من وقت لآخر لإلقاء دروس في التوحيد والعقيدة الإسلامية التي كان حريصا أشد الحرص على تنقيتها وتصفيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي والخرافات والخزعبلات وما أكثرها في مجتمعه " .
لقد عرف الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – من خلال دروسه بسعة علمه وعمق فهمه وصحة معتقده فكان زملاؤه المدرسون يعتبرونه مرجعا أمينا لهم .
وفي رحلته العلمية وجهوده الدعوية ، كانت له عناية خاصة بتربية تلاميذه على العقيدة السلفية ونبذ البدع والضلالات والأخذ بأيديهم إلى هدي الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة فاحتضن نخبة متميزة من هؤلاء التلاميذ وتعهدها منذ الطفولة واصطحبها معه حتى نمت وشبت عن الطوق ونهجت نهجه .
وغدا هو وهم يجوبون القرى والنجوع ويتجولون في الضواحي والأحياء المتعددة لأداء رسالة هي من أعظم الرسالات ألا وهي رسالة الدعوة إلى الله وهداية الناس .
وحيث كانت معظم المساجد لا تخلو من البدع ويجهل عامة الناس مسائل العقيدة الصحيحة فقد ركز – غفر الله له – على الجوانب العقدية والعودة إلى منابع أصولها الصافية والتمسك بالسنة الصحيحة وما كان عليه أمر المسلمين في القرون المشهود لهم فيها بالخير وكان إذا تعذر عليه تغيير المنكر سعى في إقامة مسجد خاص يقوم عليه من هداهم الله لدعوته ويتخذون منه منطلقا للدعوة .
ويتحدث فضيلة الشيخ مناع بن خليل قطان منوها بجهود الشيخ الدعوية في محافظة شبين الكوم بمصر قائلا :
1-عين شيخنا مدرسا بالمعهد الديني بشبين الكوم التابع للأزهر سنة 1355 هـ - 1973 م .
2-استأجر بيتا لسكناه ( وهو عزب ) فأسكن معه طلاب ( شنشور – منوفية ) .
3-ثم تزوج وسكن في بيت مستقل ولكنه كان يدعو طلابه بالجامعة ويرعاهم كما يرعى الأب أبناءه .
4-قام بتدريس مادة الحديث المقررة في المرحلة الثانوية " صفوة صحيح البخاري " فكان أستاذا متميزاً بترتيب الموضوع وجودة العرض وحسن التعليق ورجاحة العقل ويسجل النابهون من طلابه إضافاته العلمية على هامش الكتاب المقرر .
5-يهاب الطلاب شخصيته وينصتون لسماع درسه ويحرصون على الأستفادة منه .
6-اتفقت معه الجمعية الشرعية بشبين الكوم برئاسة الشيخ احمد الزيات على أن يلقي درساً أسبوعياً منتظماً في مسجدها ، فكان هذا الدرس مدرسة يجتمع فيه الجم الغفير للاستماع والنقاش والحوار .
7-كان يغشي المساجد الأخرى من وقت لآخر لإلقاء دروس فيها .
8-كان منهجه السلفي سمة بارزة فيه بأسلوب شائق جذاب يدعمه الدليل والحجة ولا يمس أحداً بتجريح مما جعل استجابة الناس عن حب وقناعة .
9-توثقت علاقته بمدير المعهد آنذاك ( الشيخ عبد الجليل عيسى ) فكان موضع شوراه .
10-كان يزن طلابه بميزان دقيق في الجوانب المتعددة ولا يخفي حبه لمن يتوسم فيهم الخير فيعاملهم – وهم بمنزلة أبنائه – معاملة الأخ الأكبر لاخوته الصغار .
11-عرف بسعة علمه وعمق فهمه فكان زملاؤه المدرسون يعتبرونه مرجعا لهم .
12-أضفى عليه تواضعه حلة من زيادة التقدير والاحترام لدى كل من عرفه .
وفضلا عن ذلك كله فقد كان له القدح المعلى في تخليص قريته ( شنشور )
من العادات الجاهلية التي هدمها الإسلام كالنياحة وإقامة السرادقات . . . إلخ
لقد كانت جهوده في هذا الميدان لها أبلغ الأثر في نفوس العامة فضلا عن المتعلمين لما يعلمونه عن الشيخ من علم واسع ورفق في الدعوة وحرص على هداية الناس وقد تحقق ما أراد بإذن الله وتوفيقه ، فهدى الله على يده آلافا من الناس وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
إن حياة الشيخ عبد الرزاق وجهوده الدعوية المباركة جديرة بالتأمل فقد أوقف حياته على نشر العلم والدعوة إلى هذا الدين وإظهار محاسنه والدفاع عن ساحته وترسيخ مبادئه وتعميق التوعية بمعانيه .
والواقع الذي لا يماري فيه أحد من دعاة هذا الدين وإظهار محاسنه وحملته في مصر وغيرها هو إجماعهم على أن فضيلة الشيخ عبد الرزاق قد بلغ من العلم والفضل والفقه في الدين منزلة عظيمة لا يجحدها إلا حاسد أو حاقد وفي هذه الكلمات المشرقة والنصائح القيمة التي يوجهها الشيخ إلى الدعاة أكبر شاهد على ما ذكرت فقد قال – رحمه الله - :
وخير طريق يحتذيه الدعاة في القيام بمهمتهم وأمثل منهاج يسلكونه في استمالة قلوب الناس إلى الخير والإعذار إلى من لم يستجب للحق بعد بيان الحجة وإقامة البرهان هو طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام ومنهاجهم في دعوتهم إلى الله بقولهم المفضل وسيرتهم الحميدة .
وعقب ذلك يلقي الشيخ الضوء على سيرة رسول الله وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيقول :
كان إبراهيم الخليل ( عليه الصلاة والسلام ) مثلا أعلى في صدق اللهجة والإيمان بما يدعو إليه من التوحيد وشرائع الإسلام والتصديق به على وجه اطمأنت به نفسه ورسخ في سويداء قلبه وقد أثنى الله عليه بذلك في محكم كتابه في مطلع الحديث عنه حينما قام يدعو أباه إلى التوحيد فقال :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) .
فعلى الداعي إلى الحق أن يكون مؤمنا به ، مخلصا لما يدعو إليه صادق اللهجة فيه وإلا انكشف سره وافتضح أمره فإن ثياب الزور تشف عما وراءها وعند ذلك يكون وبالا على الدعوة .
بدأ إبراهيم الخليل بأبيه في الدعوة إلى التوحيد فإنه أقرب الناس إليه وألصقهم به فكان أولى بمعروفه وبره وإحسانه وإلى جانب ذلك يكون ردا له إذا استجاب لدعوته وظهرا له يحميه بدافع أخوة الإيمان وعصبية النسب .
قال تعالى في وصفه لإبراهيم في دعوته : ( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) .
وقد تلطف معه في الدعوة فذكره بما بينهما من الرحم ووشائج النسب استمالة لقلبه وتنبيها له إلى أنه لو كذب الناس جميعا ما طابت نفسه بالكذب عليه وأنه لو غشهم جميعا لم يكن منه إلا النصح له لما بينهما من أواصر القربى والنسب .
وبدأ دعوته لأبيه بالتوحيد الذي هو أصل الدين وجوهر الشرائع السماوية وعليه تقوم فروع الإسلام وبه صلاح القلب وبصلاحه تصلح سائر الجوارح وتستقيم أحوالها .
" ألا وإن الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " .
وسلك في دعوته إلى التوحيد طريق الاستدلال عليه بأن ما يعبده أبوه وقومه لا يسمعهم إذا دعوه لكشف غمة أو تفريج كربة ولا يراهم إذا عبدوه وتضرعوا إليه ولا يجلب لهم نفعا ولا يدفع عنهم ضراً وإذا كان لا يرجى نفعه ولا يخشى بأسه فكيف يستحق أن يعبد أوو يتقرب إليه وبذلك أقام عليهم الحجة وقطاع عذرهم .
فيجب على من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر أن يقتفي أثر إبراهيم الخليل في دعوته فيتلطف مع من يدعوهم ويسوسهم حسب ما تقتضيه أحوالهم ويبدأ بأقرب الناس إليه وأولادهم بإرشاد ويقدم الإرشاد إلى عقيدة التوحيد ويركز الحديث فيها ويقيم على ذلك الدليل ليقنعهم بالحجة ويسقط أعذارهم .
ادعى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أن الله آتاه من العلم ما لم يؤت أباه ، لا ليفخر بذلك أو يتعالى على أبيه حتى يكون خلقا ذميما ينفر الناس من حوله ويمقتونه من أجله ، بل ادعى ذلك ليلفت النظر إلى وجوب الإصغاء إليه واتباعه فيما جاء به من الحق المبين ليهديهم به إلى الصراط المستقيم .
قال تعالى في وصفه لإبراهيم في دعوته :( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً) .
نهى إبراهيم ( عليه الصلاة والسلام ) أباه عن طاعة الشيطان في وسوسته واتباعه فيما يسوله ويزينه إليه من الشرك بالله وسائر المنكرات فإن طاعته له وإسلام قياده إليه عبادة له من دون الله ونبه أباه إلى عصيان الشيطان لربه وتمرده عليه وإذن فليس على هدى في وسوسته ولا يزين للناس إلا ما هو شر وضلال .
قال تعالى في وصفه دعوة الخليل : (يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً) .
فعلى الداعية إلى الحق أن يكشف الغطاء عن معنى العبادة ويزيدها إيضاحا حماية لعقيدة التوحيد وبيانا لأصولها ويستعمل أسلوب التنفير من عبادة غير الله اقتداء بخليل الرحمن ( عليه الصلاة والسلام ) .
أنذر إبراهيم أباه إنذار المتلطف معه المشفق عليه بأنه يخشى عليه مغبة شركه وعاقبة عبادته للشيطان وطاعته له فيعذبه الله على ذلك ولا يجد ممن تولاهم بالعبادة من يدفع عنه بأس الله وعذابه .
قال تعالى في وصف إبراهيم في دعوته :(يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) .
فعلى الداعية أن يستعمل أسلوب الإنذار والتخويف من سوء العواقب والتذكير بعذاب الله وأليم عقابه يوم يتبرأ دعاة السوء ممن غرروا بهم ويتمنى المخدوعون بزخرف القول أن لو عادوا إلى الدنيا فيتبرءوا من دعاة السوء كما تبرؤوا منهم يوم القيامة وأني لهم ذلك .
لا تأثير للدعوة إلى الحق وإن كانت صادقة إلا إذا وجدت آذانا صاغية وقلوبا واعية وفطرة سليمة لم تفسها الأهواء ولذا لم يستجب لإبراهيم أبوه بل أنذره لئن لم ينته ليرجمنه وأمره بهجره مليا فصبر إبراهيم على أذاه وقابل سيئته بالحسنة
وقال له : (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) .
واعتزلهم وما يدعون من دون الله ، بعدا عن الفتنة إذ لم يستطع القضاء عليها وأملا في أن يجد لدعوته أرضا خصبة فوهب الله له إسحاق ويعقوب وجعل كلا منهما نبيا ، جزاء وفاقا لصدقة في الدعوة وإخلاصه فيها وصبره على الأذى في سبيل نشرها وهجره للشرك وأهله إتقاء للبشر وبعداً عن مواطنه ومظاهره .
فعلى الدعاة أن يتذرعوا بالصبر وسعة الصدر وأن يقابلوا السيئة بالحسنة وأن لا ينتقموا لأنفسهم ما استطاعوا إلى العفو سبيلا لكن إذا انتهكت حرمات الشريعة انتصفوا لها وأخذوا على أيدي العابثين وعليهم أن يهجروا الشر وأهله إذا لم يمكنهم إزالته أو تخفيفه ، خشية أن تصيبهم الفتنة أو يعمهم البلاء أو تكون مخالطتهم حجة عليهم أو معرة لهم وذريعة للنيل منهم وعدم الاستماع لنصائحهم وعليهم أن يتحروا المجالس التي يرجى فيها قول الحق وقبوله والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

جهوده الدعوية في المملكة العربية السعودية :

وأما جهوده الدعوية في المملكة العربية السعودية فهي بحر لا ساحل له وهي جديرة بأن يفرد لها دراسات ومؤلفات خاصة به .
قدم العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي – غفر الله له ورحمه – إلى المملكة العربية السعودية – بلاد الحرمين الشريفين – سنة 1368 هـ
بعد أن قضى شطر عمره في ميادين العلم والدعوة والتربية في مصر .
لقد جاء إلى المملكة العربية السعودية على سجيته ، لم يجتذبه طمع في مال أو جاه أو منصب ، لم يأت إلى المملكة ليكون سلفياً بل كان سلفيا قبل مجيئه إليها وأدل دليل على هذا أن نشر الكتب السلفية التي تعني بأمر المعتقد كان شاغله الشاغل وعمله الدؤوب ومن أوائل هذه الكتب التي قام على تحقيقها ونشرها في مصر : كتاب " العلو " للذهبي .
والشيخ عبد الرزاق عفيفي يعتبر من أوائل من جاؤوا للتدريس في هذه المملكة المباركة قبلة العلماء العاملين وملاذ الأئمة المصلحين والدعاة المخلصين جاء الشيخ إلى بلاد استجابة لرغبة كريمة من مؤسس هذه الدولة الغراء الملك عبد العزيز آل سعود – يرحمه الله – فقد وجه أمره الكريم إلى صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع ، معتمد المعارف السعودية آنذاك وأحد أبرز رجال التعليم في المملكة العربية السعودية بأن يذهب إلى مصر لترشيح واختيار نخبة ممتازة من العلماء الذين عرفوا بصحة المعتقد وسلامة المنهج وهدفه من ذلك تنفيذ سياسته الصارمة في محاربة الجهل واقتلاع جذوره بعد أن خيم ردها من الزمن على أجزاء من هذه الجزيرة .
وفي مصر وقع الأختيار على فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ليكون في طليعة من يذهبون إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في النهضة العلمية بها وإزاء تلك الثقة الغالية من الملك عبد العزيز – يرحمه الله – والأمراء من أبنائه آثر الشيخ عبد الرزاق الاستقالة من الأزه
ر وقدم إلى هذه البلاد مع كوكبة من علماء الأزهر منهم فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم وفضيلة الشيخ محمد خليل هراس وفضيلة الشيخ الشيخ محمد عبد الوهاب بحيري وفضيلة الشيخ حسين محمد مخلوف وفضيلة الشيخ محمد حسين الذهبي وفضيلة الشيخ عبد المنعم النمر وفضيلة الشيخ يوسف الضبع والشيخ احمد القط والشيخ محمد عبد الدائم وغيرهم وقد امتاز – رحمه الله – عن غالب زملائه وأقرانه الذين درسوا في الأزهر وفي غيره من المؤسسات العلمية بشدة متابعته لكتاب الله وسنة رسوله .
ويشيد معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد بجهود فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – فيقول :
لقد استمر عطاؤه في الكليات والمعاهد العلمية بعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم – عليه رحمة الله – ثم في مجال الإفتاء والدعوة في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد . وقد أفنى عمره في نشر العلم والدعوة إلى الله والدفاع عن دينه .
لقد أدى الشيخ عبد الرزاق عفيفي – غفر الله له ورحمه – على مدار تسعة وأربعين عاماً دوراً مهماً وفعالاً في الحياة العلمية والاجتماعية
يمكن إجماله فيما يلي :
1)- جهوده التعليمية والتربوية والدعوية في دار التوحيد بالطائف ( 1368 – 1370 هـ ) .
2)- محاضراته القيمة ودروسه العلمية في معهدي عنيزة العلمي والرياض ( 1370 – 1371 هـ ) .
3)- تأسيسه وتدريسه في كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض .
4)- معاصرته لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض منذ نواتها الأولى واستمرار عطائه لها إلى أن توفاه الله .
5)- جهوده المخلصة وعمله الدؤوب إبان إدارته للمعهد العالي للقضاء ( 1385 – 1390 ) وتخريج أفواج من طلبة العلم والدعاة على يديه .
6)- مشاركته في اللجان العلمية التي كان من ثمرتها إنشاء الكليات والمعاهد العلمية بالمملكة .
7)- عضويته الفاعلة وجهوده المتواصلة في وضع مناهج ومقررات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية .
8)- تحريره وصياغته لآلاف الفتاوي والبحوث التي تتسم بالعمق والأصال والدقة وذلك خلال عمله نائبا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
9)- دروسه العلمية ومحاضراته وندواته المفيدة في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم وفي منزله وفي بعض المعاهد التربوية ودور العلم .
يقول أحد تلامذته : كان الشيخ – رحمه الله – ذا باع طويل في علوم الشريعة وقل أن يوجد له نظير في التوحيد وعلوم العقائد أما في علم أصول الفقه فإليه فيه المنتهى وقد شرفت بأن أكون أحد تلاميذه في كلية الشريعة ثم في المعهد العالي للقضاء وخبرته عن قرب ورأيت فيه ما كنت أقرأ عن علماء السلف من العلم الجم والفقه في الدين والتحلي بمباديء هذا الدين من تواضع وتقى وزهد وورع وصبر وحب لهذه الأمة وحرص على أن تظل كما هو مؤمل منها منارة هدى ومصدر إشعاع ومئل عز للإسلام والمسلمين .
ويقول آخر : كان الشيخ عبد الرزاق – يرحمه الله – مسار إعجاب طلبة العلم وكان الطلاب ينقلون أخباره لأهاليهم وذويهم موضحين مواقفه وجهوده في التعليم والتربية وتفوقه في علم الشريعة ودقة فهمه لأحكامها وحسن تنزيله للأحكام على الوقائع في التدريس والفتوى وقوة شخصيته وسداد توجيهه وحسن تربيته وعرفته الساحة في المملكة في كل مجال من مجالاتها في التعليم والتربية والتوجيه والوعظ والإرشاد وفي الفتوى والمجالس العلمية ، ذا علم غزير ورأي متميز وأدب جم ، جمع الله له بين العلم النافع والعمل الصالح والقبول عند الناس والاحترام في المجتمع .
10)- إشرافه على عشرات الرسائل العلمية ( دكتوراه وماجيستير ) ومناقشته للمئات منها فضلا عن مئات البحوث والدراسات المتخصصة
التي قومها وأبدى رأيه الصائب فيها
ومن هذه الرسائل العلمية التي أشرف عليها :
·رسالة الدكتوراه للشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي وموضوعها ( ابن قدامة وتخريج أحاديث كتاب " الكاف " ) .
·رسالة الدكتوراه للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان وموضوعها ( تحقيق ودراسة كتاب التوحيد وإثبات صفات الله عز وجل لابن خزيمة ) .
·رسالة الدكتوراه للشيخ صالح الفوزان وموضوعها ( الأطعمة ما يحل منها وما يحرم ) .
·رسالة الدكتوراه للشيخ سعود بن عبد الله الفنسيان وموضوعها ( اختلاف المفسرين أسبابه وآثاره ) .
·رسالة الدكتوراه للشيخ محمد بن سعيد القحطاني وموضوعها ( اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندا ومتنا ) .
وأما رسائل الماجستير والبحوث الشرعية الأخرى فهي لاا تحصى كثرة .
11)- تقويمه للأعمال العلمية والأبحاث التي تتسم بالأصالة والابتكار لكثير من الأساتذة طلبا للترقية إلى درجة العلمية التي يستحقونها .
12)- إلقاؤه للعديد من المحاضرات والندوات والكلمات وعقد مئات المجالس العلمية في المساجد وفي بيته .
هذا غيض من فيض وقليل فيما يتعلق بجهود الشيخ رحمه الله .
والحق يقال : لقد أفنى الشيخ حياته في العلم والتعليم والإفتاء وانتفع بعلمه ودروسه أمم لا يحصون كثرة واعترفوا له بالفضل بعد فضل الله سبحانه وتعالى وافتخروا بالانتماء إلى تعليمه وما تلقونه عليه من خلال دروسه في المعاهد العلمية والمساجد وغيرها .

دروسه العلمية :
لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله وغفر له – من أعلا العلماء علما وتقى وزهداً وفصاحة ، مواعظة تصل إلى القلوب وألفاظه ترسخ في الأذهان ، كان منظره وفق مخبره وعلانيته وزن سريرته ، يجمع مجلسه ضروب الناس وأصناف اللباس لما يوسعهم من بيانه ،
هذا يأخذ عنه الحديث وهذا يلقن منه التفسير وآخر يتعلم منه اللغة وهو في كل هذا كالبحر العجاج تدفقا وكالسراج تألقاً
كان في دروسه عف اللسان ، لا يعترض لأحد بأذى ولا يسمح لأحد أن يغتاب أحداً في مجلسه وسواء أكان ذلك في دروسه الخاصة أو العامة وفي حلقة الدرس يقرر العلم ويحقق المسائل ويوضح الغامض ويحل المشاكل ويقدم البراهين والأدلة على صحة قوله ولا ينتصر لرأيه وكان ذا هيبة ووقار يفرض احترامه على جالسيه ، كان كثير من طلبة العلم ومحبي المعرفة يحرصون أشد الحرص على مجالسته وحضور دروسه .
وكان في مجلسه صاحب روح خفيفة ، قلما يخلو مجلسه من إلقاء نكتة مهذبة تنشط السامع وتسره وتؤدي في نفس الوقت غرضا توجيهيا وكان بعيد النظر ، عميق الفكر ، له جولات نقدية موجزة ، يدركها الماعي من جلسائه . كما كان بعيدا عن التكلف والتشدق فتم له إحكام الضبط وإتقان الأداء فجاء لفظه مشبعا ولسانه ذرباً ومنطقه عذبا
يقول أحد تلامذته : كان الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – في أخلاقه محل القدوة والأسوة ، شديد التواضع ، تغلب عليه البساطة في مجلسه ودروسه .
صحبته ما يزيد على اثنين وثلاثين عاماً وما تركت مجلسه في أسبوع إلا أن يكون أحدنا مسافراً ولقد تعلمت في هذه الصحبة أمورا كثيرة منها ما يتعلق بالناحية السلوكية ومنها ما يتعلق بالناحية الشخصية ولقد أكرمه الله بالعقل المسدد والعلم الواسع والرأي الحكيم .
قلت : وكانت له دروس منتظمة في مسجد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في " دخنه " بالرياض وكان يحرص على حضور هذه الدروس أكابر طلبة العلم والعلماء وعنما انتقل الشيخ إلى ( حي الوشام ) كانت له عدة دروس بين المغرب والعشاء بالمسجد المجاور لداره وكان يعرف بمسجد العفيفي ، هذا فضلا عن إمامته للمصلين في هذا المسجد مدة خمسة عشر عاما .
كما كان له رحمه الله درس أيام الملك العالم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود – تغمده الله بواسع رحمته – كل يوم أربعاء
وكان الملك يحضره معجبا بعلم الشيخ يعقد دروسا مكثفة في بيته يخصص بعضها لطلبة العلم المتميزين في فهمهم وإدراكهم
ومن الكتب التي قام بشرحها وتدريسها كتاب " إيضاح المبهم من معاني متن السلم " تأبف احمد الدمنهوري وهو المنطق .
وكتاب " روضة الناظر " لابن طاهر . " العقيدة الحموية " و " الواسطية " و " الرسالة التدمرية " لابن تيمية و " إحكام الأحكام " للآمدي وغيرها .
وقد كان في موسم الحج مقصد الناس من كل مكان يجيب على أسئلتهم ويحل مشكلاتهم . وصفوة القول أن الشيخ – رحمه الله – جمع علما وفضلا وانتفع بعلمه أمم لا يحصون كثرة واجتمع في دروسه ما لم يحدث عند غيره .
ويصف ولد الشيخ عبد الرزاق – وهو الأستاذ محمود – مجلس أبيه فيقول :
كان مجلس الشيخ مهيبا ، لا مجال فيه للهو الحديث ولا الخوض في الأعراض وانتهاك الحرمات وكثرة القيل والقال وانتقاض الناس .
مجلس يغلب فيه التوجيه والإرشاد والنصيحة وحسن المشورة والبحث العلمي فيما يعرض من مسائل والإجابة عما يقدم من استفتاءات فإذا ما أخذوا في الحديث عن الدنيا كان الحديث بريئا كالحديث عن الأمطار والزروع والثمار وأمثال هذه الأمور من الكونيات التي يثير البحث فيها العبرة ويعرف الإنسان نعم ربه عليه .
وقد طبع الشيخ على الخلال الحميدة والأخلاق والصفات الكريمة فكان – رحمه الله – صادق اللهجة عف اللسان حليما واسع الصدر كثير الصمت أمينا على السر ، متهملا في حديثه ، متأنيا في البحث وإبداء الرأي مع بعد نظر ، يجب أن يسمع أكثر مما يقول ، يرى أن ما يفوت بالتأني أخف خطرا وأقل ضررا مما ينجم في الغالب من سوء عاقبة العجلة ووخيم مغبتها .
يسعى في الخير للفرد والجماعة ويجتهد في تحصيل ما يراه محققا للمنفعة دون أن يعلن عن عمله أو يتحدث عن نفسه حديث فخر وإعجاب بما له من محامد ومآثر .
قلت : ومن ثمار هذه المجالس العلمية المباركة ما قام به طلبة الشيخ من تسجيل بعض دروسه ومحاضراته حتى يعم بها النفع وتعظم بها الفائدة وقد قمت بحمد الله وتوفيقه بتفريغ أشرطة هذه الدروس وتلك المحاضرات وقد استغرق ذلك وقتا كبيرا رغبة في نشر العلم النافع إن شاء الله

المصدر
العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفى




كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاكِ الله عنا كل خير يا حبيبة
نقل رائع
استمعت وانا باقرا سيرته الجميلة
رحمه الله
سلمت يمنياكِ
كتبت : رسولي قدوتي
-


جزاكِ الله خير الجزاء على هذا الجهد المتواصل


و نفع بكِ ورفع قدركِ في عليين





التالي

تعالو لنملأ قلوبنا بحب الله

السابق

هل حق القوامة للرجل على المرأة فى الإسلام لا يُرضيها...؟

كلمات ذات علاقة
الله , الرزاق , الصحى , رحله , شجرة , عبد , عفيفي