عرض مشاركة واحدة
كتبت : ام البنات المؤدبات
-

وبعد
الايمان نفحة ربانية يقذفها الله في قلوب من يختار من اهل الهداية ويهيء لهم سبل العمل بمرضاته ويجعل قلوبهم تتعلق بمحبته وتانس بقربه
فهم في رياض المحبة يرتعون وفي جنان الوصل يمرحون احبهم الله فاحبوه ورضي عنهم فرضوا عنه رضي الله عنهم لاخلاصهم له العمل وتفانيهم في الطاعة فرضوا عنه لما اغدق عليهم من فضله ورحمته ثم كانوا من اهل محبته الذين وصفهم بقوله(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة54
تقربوا منهم ودنوا منه بالطاعات فدنا منهمك بالمغفرة والرضوان كما نطق الحديث القدسي
((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه )إخراجه البخاري
هذا الشعور الذي يحتلج في الصدر ويلمع في القلب هو الذي يضيء جوانب النفس ويبعث فيها الثقة بالله والانس به والطمأنينة بذكر الله ( الا بذكر الله تطمأن القلوب )
هذا هو الايمان الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في معرض حديثه عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه ( (انه ماسبقكم بكثرة صلاة ولا صوم إنما سبقكم بشئٍ وقر في قلبه)
هذا الشئ الذي وقر في القلب هو المجال الذي يتفاضل به الناس ويتفوات به الرتب انه الايمان .....


الكتاب( الابداع) 49.gif

فعندما تأدي واجباتك الدينية من صلاة زكاة وصيام ونسك فانت مسلم عادي اما انك تبلغ الدرجات العلى وتفوز بالطمأنينة في القلب وبالاحساس العارم يفجر في صدرك وبالسعادة تفيض على سعادة نفسك وبالقرب بلا حواجز من ربك تشعر به في ذاتك وتعيش معه في اعماقك ويعكس بالنضارة على قسمات وجهك فهذا دونه شد الرحال ويتوقف على مدى ما عندك من اقبال وهو الميدان الذي يتفاضل به الرجال
الكتاب( الابداع) 51.gif
ولما كان الايمان له هذا الشأن الخطير والسر الكبير سمت همة مؤلف الكتاب وهو الشيخ ابن تيمية رحمه الله الى تأليف كتاب تحت عنوان الايمان ترنوا اليه العيون ويبلغ مسار النجوم ولا غر و فليس هذا على المؤلف بعجيب فنه ممن عناهم الشاعر
اذا غامرت في شرف مرموم .......................فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في امر حقير ..........................كطعم الموت في املا عظيم
والان لنستعرض اهم مواضيع الكتاب بلمحة موجزة توضح للقارئ الخطوط العريضة للكتاب

الكتاب( الابداع) 53.gif

يستهل المؤلف رحمة الله كتابه بتخصيص جانب منه حول مفهوم الكتاب مقارنا بينه وبين مفهوم الاسلام
عارض نصوص القران والسنة الواردة في هذا السبيل مشيرا الى حديث جبريل وغيرة من الاحاديث التي تجمع بين الاسلام والايمان مفرقا بين مفهوم كلا منها وان الاسلام يتجه الى الاعمال والايمان تتجه الى الاعتقاد وان مفهوم الاحاديث النبوية يدل على ان الاسلام اعم من الايمان والايمان اخص منه وان كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن
وكما ان الاية تدل على هذا الفرق في قوله تعالى
(قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولمُا يدخل الايمان في قلوبكم _)

و يتطرق المؤلف في هذا الخصوص الى اراء كثير من العلماء من التابعين ومن بعدهم منهم من يؤيد هذا المنحى ومنهم من يعتبر الايمان و الاسلام شيئا واحدا مستدلين
بقول الله(" ان الدين عند الله الاسلام ") على اعتبار ان الدين يشمل الايمان و بحديث جبريل با اعتبار انه لو امن بالله و ملائكته و كتبه و رسلة و اليوم الاخر لكن لم يفعل اركان الاسلام لما نفعه ايمانه و بعد ان يرد على و جهات النظر عند كل فريق يعود فيؤكد الفرق بين مفهوم الايمان و الاسلام و ان الاية نطقت بذلك ( قالت الاعراب ) و نطق الحديث باتفريق بين مفهوميها ودالالة كل منهما.

الكتاب( الابداع) 53.gif

بعد ذلك يعود المؤلف فيعرص الاراء المختلفة حول معنى الايمان و هل هو الكلمة فقط ؟- التلفظ بالشهادتين – او هو التصديق القلبي فقط ؟اوهل هو الكلمة و التصديق معا ؟ او هما معا مع دخول الاعمال في الايمان ؟ و هل الايمان يزيد و ينقص ؟ وهل يعتبرالعاصي مؤمنا ؟ اوغيرمؤمن ؟ وهل المنافق مسلم ؟ او غير مسلم ؟ و ماهو النفاق الذي يخرج عن الاسلام ؟ و ماهو نفاق العمل و المنافق الاعتقاد ؟ و ها يسوغ ان يقول المسلم " انا مؤمن؟ او لا بد ان يضيف اليها كلمة – ان شاء الله – الى غير هذه الاراء و الخلفات مما سيجده القارئ مفضلا .

الكتاب( الابداع) 53.gif

ويستوقفنا منهج المؤلف وهو يعرض لكل هذه الاراء المتضاربة ويجيب على هذه التساؤلات المتباينة فيوضح رأي كل فريق ووجهة نظره واستدلالاته وبراهينه السمعية والعقلية ثم يفندها الواحدة تلو الاخرى نابذا كل رأي يتعارض مع النصوص الكتاب والسنة او آراء السلف من الصحابة والتابعين
يعرض المؤلف لكل ذلك باحثا منقبا مستقصيا لا يدع شيءا يتعلق بموضوعه الا تناوله واشبعه بحثا وتمحيصا متطرقا الى مختلف الارء من الفرق الاسلامية ومواقف العلماء من لدن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم الى المتأخرين حتى عصره ذاكرا الاراء بكل تجرد ووضوح بقوله للمحسن احسنت وللمسىء أسأت تسعفه في ذلك حافظة وقادة وذاكرة فريدة لكل ماورد في كتاب الله وسنته رسوله الله يستشهد بهما لما يذهب اليه من اراء وما يجنح له من مواقف واضعا نصب عينيه كتاب الله ورسوله المصدرين اللذين لن يضل المسلمون ما تمسكوا بهما

وكل خير في اتباع من سلف .......................وكل شر في ابتداع من خلف

موضحا ان المفاهيم الاسلامية للالفاظ تؤخذ كما فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم وكما فهمها الصحابة الكرام لان تفسير الرسول هو الاصل وهو الذي ينبغي هو المقبول لانهم فهموا من الرسول المعاني والدلالات التي تدل عليها الالفاظ

والمؤلف يشرح باسهاب اراء الفرق الاسلامية حول حقيقة الايمان ويفند راي من يقول هو التصديق القلبي فقط وينتهي المؤلف في كتابه الى بحث موضوع طريف هو موضوع الاستثناء في الايمان وهو ان سأل المسلم هل انت مؤمن ؟بماذا يجيب؟هل يقول انا مؤمن ؟او بضيف ان شاء الله

موضحا ان هذا السؤال اخترعته المرجئة حتى يحرجون اهل السنة ويوقعوا المسؤول في الفخ المنصوب توصيلا الى ما يؤيد قولهم ان الاعمال ليست من الايمان


الكتاب( الابداع) 53.gif

ايها القارىء سوف تجد كل هذا واكثر في هذا الكتاب الجليل الذي سكب فيه المؤلف رحمه الله عصارة فكره وغزارة علمه وقوة ذاكرته وحدة ذكائه وسعة اطلاعه
align="left">كتاب الايمان تحقيق حسين يوسف الغزال بتصرف