الموضوع: صعب....
عرض مشاركة واحدة
كتبت : * أم أحمد *
-
أختي الغاليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي الحبيبه لا يوجد شيئ صعب أمام أرادة الأنسان وعزيمته
ولا يوجد شي صعب أمام المؤمن القوي وليس الضعيف
وكل الأمور تهون بالصبر والتصبر
وأنتي الله يحبكِ بأنكِ واعيه لهذه الأمور وليست في غفله عنها
ومدركه مدى خطورة الوضع الراهن لكِ
وأحب أن اضع بين يديكِ هذا الموضوع لعل الله يجعل فيه خيراً كثيراً
وأنا في أتم المساعده لأي شيئ تحتاجيه
لنكون يد عون لكِ أختي الحبيبه
وجعلكِ الله من أهل الصلاح ورزقكِ الله التوفيق والسداد




أختي الحبيبه: أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها فضلاً عن القيام بها علماً عملاً، وإذا عرفوا الطريق فهم لا يعرفون كيف يبدءون؟

فتعال معي أخي الحبيب لنقف على حقيقة التوبة، والطريق إليها عسى أن نصل إليها.

كلنا ذوو خطأ:

أخي الحبيب:
كلنا مذنبون.. كلنا مخطئون.. نقبلُ على الله تارة وندبر أخرى، نراقب الله مرة، وتسيطر علينا أخرى، لا نخلو من المعصية، ولا بد أن يقع منا الخطأ، فلست أنا وأنت بعصومين «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» [حسنه الألباني].

والسهو والتقصير من طبع الإنسان، ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أن فتح له باب التوبة، وأمره بالإنابة إليه، والإقبال عليه، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي. ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد، وقصرت همته عن طلب التقرب من ربه، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته.

أين طريق النجاة؟
قد تقول لي: إني أطلب السعادة لنفسي، وأروم النجاة، وأرجو المغفرة، ولكني أجهل الطريق إليها، ولا أعرف كيف أبدأ؟، فأنا كالغريق يريد من يأخذ بيده، وكالتائه يتلمس الطريق وينتظر العون، أريد من أمل، وشعاعاً من نور، ولكن أين الطريق؟

والطريق أخي الحبيب واضح كالشمس، ظاهر كالقمر، واحد لا ثاني له، إنه طريق التوبة.. طريق النجاة.. طريق الفلاح.. طريق سهل ميسور، مفتوح أمامك في كل لحظة، ما عليك إلا أن تطرقه، وستجد الجواب: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].

بل إن الله تعالى دعا عباده جميعاً مؤمنهم وكافرهم إلى التوبة، وأخبر أنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت، ومهما عظمت، وإن كانت مثل زبد البحر، قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

ولكن.. ما التوبة؟
التوبة أخي الحبيب هي: الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً.
هي اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، هي الهداية الواقية من اليأس والقنوط، هي الينبوع الفياض لكل خير وسعادة في الدنيا والآخرة، هي ملاك الأمر، ومبعث الحياة، ومناط الفلاح، هي أول المنازل وأوسطها وآخرها، هي بداية العبد ونهايته، هي ترك الذنب مخافة الله، واستشعار قبحه، والندم على فعله، والعزيمة على عدم العودة إليه إذا قدر عليه، هي شعور بالندم على ما وقع، وتوجه إلى الله فميا بقى، وكف الذنب.

ولماذا نتوب؟
قد تسألني أخي الحبيب: "لماذا أترك السيجارة وأنا أجد فيها متعتي؟"، "لماذا أدع مشاهدة الأفلام الخليعة وفيها راحتي؟"، "ولماذا أمتنع عن المعاكسات الهاتفية وفيها بغيتي؟"، "ولماذا أتخلى عن النظر إلى النساء وفيه سعادتي؟"، "لماذا أتقيد بالصلاة والصيام وأنا لا أحب التقيد والارتباط؟"، ولماذا ولماذا؟، أليس ينبغي على الإنسان فعل ما يسعده ويريحه ويجد فيه سعادته؟
فالذي يسعدني هو ما تسميه معصية.. فلِمَ أتوب؟

وقبل أن أجيبك على سؤالك أخي الحبيب لابد أن تعلم أنني ما أردت إلا سعادتك، وما تمنيت إلا راحتك، وما قصدت إلا الخير والنجاة لك في الدارين.

والآن أجيبك على سؤالك: تب أخي الحبيب لأن التوبة:
1- طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى: فهو الذي أمرك بها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} [التحريم: 8] وأمر الله يقابل بالامتثال والطاعة.

2- سبب لفلاحك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ، ولا يسر ولا يطمئن ولا يطيب إلا بعبادته والإنابة إليه والتوبة إليه.

3- سبب لمحبة الله تعالى لك، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وهل هناك سعادة يمكن أن يشعر بها إنسان بعد معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تاب إليه؟

4- سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئا} [مريم: 59-60] وهل هناك مطلب للإنسان يسعى من أجله إلا الجنة؟

5- سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} [هود: 52].

وقال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: 10-12].

6- سبب لتكفير سيئاتك وتبدلها إلى حسنات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8]، وقال سبحانه: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 70].

أخي الحبيب:
ألا تستحق تلك الفضائل وغيرها كثير أن نتوب من أجلها؟

لماذا تبخل على نفسك بما فيه سعادتك؟

لماذا تظلم نفسك بمعصية الله وتحرمها من الفوز برضاه؟

جدير بك أن تبادر إلى ما هذا فضله وتلك ثمرته.

قدِّم لنفسك توبة مرجوةً *** قبل الممات وقبل حبس الألسنِ
بادر بها عُلْق النفوس فإنها *** ذخرٌ وغنمٌ للمنيب المحسن

كيف أتوب؟
أخي الحبيب: كأني بك تقول: "إن نفسي تريد الرجوع إلى خالقها، تريد الأوبة إلى فاطرها، لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف صنوف المحرمات، ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟، ولا من أين تبدأ؟".

وأقول لك: إن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب التي تأخذ بيده إليه تعينه عليه، وها أنا أذكر لك بعض الأمور التي تعينك على التوبة وتساعدك عليها:

1- اصدق النية وأخلص التوبة:
فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن التوبة، ولم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعمله إلا الله، ولهذا قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

2- حاسب نفسك:
فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، تحافظ عليها بعد وقوعها.

3- ذك نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها:
قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي، فإن الموت يأتي بغتة، وذكِّرها بموت فلان وفلان. أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك؟ والقبر بيتك؟، والتراب فراشك؟، والدود أنيسك؟، أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟، هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك البكاء والحزن؟... ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب.

4- اعزل نفسك عن مواطن المعصية:
فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً قال له العالم: "إن قومك قوم سوء، وإن في أرض كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله معهم".

5- ابتعد عن رفقة السوء:
فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم إلى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً.. فغيَّر رقم هاتفك، وغير عنوان منزلك إن استطعت، وغير الطريق الذي كنت تمر منه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

6- تدبر عواقب الذنوب:
فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد، دعا ذلك إلى ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى الله إن كان اقترف شيئاً منها.

7- أرها الجنة والنار:
ذكِّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، خوَّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه.

8- أشغلها بما ينفع وجنبها الوحدة والفراغ:
فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلى الانحراف والشذوذ والإدمان، يقود إلى رفقة السوء.

9- خالف هواك:
فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه.

10- وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ما ذكر منها:
الدعاء إلى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، إلى غير ذلك من الأمور التي تعينك على التوبة.

شروط التوبة الصادقة:
أخي الحبيب: وللتوبة الصادقة شروط لابد منها حتى تكون صحيحة مقبولة وهي:

أولاً: الإخلاص لله تعالى:
فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه، والخوف من عقابه، لا تقرباً إلى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة، ولهذا قال سبحانه: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 146].

ثانياً: الإقلاع عن المعصية:
فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة، أما إن عاود الذنب بعد التوبة الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج إلى توبة جديدة وهكذا.

ثالثاً: الاعتراف بالذنب:
إذ لايمكن أن يتوب المرء من شيء لا يعده ذنباً.

رابعاً: الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي:
ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي، لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الندم توبة» [صححه الألباني].

خامساً: العزم على عدم العودة:
فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع إلى الذنب بعد التوبة، وإنما عليه أن يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه في المستبقل.

سادساً: رد المظالم إلى أهلها:
فإن كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين وجب عليه أن يرد الحقوق إلى أصحابها إذا أراد أن تكون توبته صحيحة مقبولة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» [رواه البخاري].

سابعاً: أن تصدر في زمن قبولها:
وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» [حسنه الألباني]، وقال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار . ويبسط يده بالنهار ، ليتوب مسيء الليل . حتى تطلع الشمس من مغربها» [رواه مسلم].

علامات قبول التوبة:
أخي الحبيب: وللتوبة الصادقة علامات تدل على صحتها وقبولها، ومن هذه العلامات:

1- أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها:
وكل إنسان يستشعر ذلك من نفسه، فمن كان بعد التوبة مقبلاً على الله، عالي الهمة قوي العزيمة دلَّ ذلك على صدق توبته وصحتها وقبولها.

2- ألا يزال الخوف من العودة إلى الذنب مصاحباً له:
فإن العاقل لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه حتى يسمع قول الملائكة الموكلين يقبض روحه: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].

3- أن يستعظم الجناية التي صدرت منه وإن كان قد تاب منها:
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال له هكذا"، وقال بعض السلف: "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت".

4- أن تحدث التوبة للعبد انكساراً في قلبه وذلاً وتواضعاً بين يدي ربه:
وليس هناك شيء أحب إلى الله من أن يأتيه عبده منكسراً ذليلاً خاضعاً مخبتاً منيباً، رطب القلب يذكر الله، لا غرور، ولا عجب، ولا حب للمدح، ولا معايرة ولا احتقار للآخرين بذنوبهم، فمن لم يجد ذلك فليتهم توبته، وليرجع إلى تصحيحها.

5- أن يحذر من أمر جوارحه:
فيحذر من أمر لسانه فيحفظه من الكذب والغيبة والنميمة وفضول الكلام، ويشغله بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه، ويحذر من أمر بطنه فلا يأكل إلا حلالاً، ويحذر من أمر بصره فلا ينظر إلى الحرام، ويحذر من أمر سمعه فلا يستمع إلى غناء أو كذب أو غيبة، ويحذر من أمر يديه فلا يمدها في الحرام، ويحذر من أمر رجليه فلا يمشي بهما إلى مواطن المعصية، ويحذر من أمر قلبه فيطهره من البغض والحسد والكره، ويحذر من أمر طاعته فيجعلها خالصة لوجه الله، ويبتعد عن الرياء والسمعة.

احذر التسويف:

أختي الحبيبه:

إن العبد لا يدري متى أجله، ولا كم بقى من عمره، ومما يؤسف أن نجد من يسوفون بالتوبة ويقولون: "ليس هذا وقت التوبة، دعونا الآن نتمتع بالحياة، وعندما نبلغ سن الكبر نتوب"، إنها أهواء الشيطان، وإغراءات الدنيا الفانية، والشيطان يمني الإنسان ويعده بالخلد وهو لا يملك ذلك، فالبدار البدار.. والحذار الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.

فسارع أخي الحبيب إلى التوبة، واحذر التسويف فإنه ذنب آخر يحتاج إلى توبة، والتوبة واجبة على الفور، فتب قبل أن يحضر أجلك وينقطع أملك، فتندم ولات مندم، فإنك لا تدري متى تنقضي أيامك، وتنقطع أنفاسك، وتنصرم لياليك.

تب قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحور، تب قبل أن يعاجلك المرض أو الموت فلا تجد مهلة للتوبة.

لا تغتر بستر الله وتوالي نعمه:

أختي الحبيبه:
بعض الناس يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، فإن نصح وحذر من عاقبتها قال: "ما بالنا نرى أقوماً يبارزن الله بالمعاصي ليلاً ونهاراً، وامتلأت الأرض من خطاياهم، ومع ذلك يعيشون في رغدٍ من العيش وسعة من الرزق"، ونسي هؤلاء أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، وأن هذا استدراج وإمهال من الله حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ثم تلا قوله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 44-45].

وأخيراً..

أختي الحبيبه:

فِر إلى الله بالتوبة، فر من الهوى، فر من المعاصي، فر من الذنوب، فر من الشهوات، فر من الدنيا كلها، وأقبل على الله تائباً راجعاً منيباً، أطرق بابه بالتوبة مهما كثرت ذنوبك، أو تعاظمت، فالله يبسط يده باليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل فهلم أخي الحبيب إلى رحمة الله وعفوه قبل أن يفوت الأوان.

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك من التائبين حقاً، المنيبين صدقاً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.