عرض مشاركة واحدة
كتبت : rose de rjeem
-
البدايات

بعد تسلم الشاذلي بن جديد السلطة في الجزائر عام 1979 بدأت محاولاته لتطبيق خطته الخمسية التي كانت تهدف إلى إنشاء قواعد للاقتصاد الحر في الجزائر والنهوض بالمستوى الاقتصادي المتعثر للجزائر ولكن سنوات حكمه شهدت نشاطا من البربر أو الأمازيغ في مجال معارضتهم لما أسموه سياسة التعريب التي تنتهجها الحكومة وخاصة في مجال التعليم فبعد منع خطبة حماسية للناشط والأستاذ الأمازيغي القبائلي مولود معمري في جامعة حسناوة بتيزي وزو في 10 مارس 1980 بدأت حملة منظمة من الطلاب والأطباء والناشطون الأمازيغ للبدأ في إضراب عام مما حدى بالرئيس الجزائري آنذاك بن جديد بأن يجري تعديلات على سياسة الحكومة ومنها على سبيل المثال منح حقوق ثقافية وإعلامية وجامعية للأمازيغ هذه التعديلات اعتبرت من قبل مما يوصفون اليوم باتباع منهج الإسلام السياسي بأنها تنازلات تهدد الهوية القومية للجزائر. ومن جهة أخرى كان لعدم قدرة الرؤساء السابقين للجزائر النهوض بالأقتصاد الجزائري وفشل الأفكار الشيوعية والقومية العربية في إيجاد حل جذري لمشاكل البلاد الداخلية، كل هذه العوامل أدت إلى بروز تيار قامت بتفسير التخلف والتردي في المستوى الأقتصادي والاجتماعي إلى ابتعاد المسلمين عن التطبيق الصحيح لنصوص الشريعة الإسلامية وتؤثر حكوماتهم بالسياسة الغربية [1].
بدأ نشاط التيار الإسلامي السياسي بالازدياد تدريجيا من خلال بعض العمليات التي كانت تستهدف محلات بيع المشروبات الروحية وممارسة الضغط على السيدات بارتداء الحجاب وفي عام 1982 طالب ذلك التيار علنا بتشكيل حكومة إسلامية ومع ازدياد أعمال العنف وخاصة في الجامعات الدراسية تدخلت الحكومة وقامت بحملة اعتقالات واسعة حيث تم اعتقال أكثر من 400 ناشط من التيار المتبني لفكرة الإسلام السياسي وكان من بينهم أسماء كبيرة مثل عبد اللطيف سلطاني ولكن الحكومة بدأت تدرك ضخامة وخطورة حجم هذا التيار فقامت وكمحاولة منها لتهدئة الجو المشحون بافتتاح واحدة من أكبر الجامعات الإسلامية في العالم بولاية قسنطينة في عام 1984 وفي نفس السنة تم إجراء تعديلات على القوانين المدنية الجزائرية وخاصة في ما يخص قانون الأسرة حيث أصبحت تتماشى مع الشريعة الإسلامية[2][3].
لكن الاقتصاد الجزائري استمر بالتدهور في منتصف الثمانينيات وإزدادت نسبة البطالة وظهرت بوادر شحة لبعض المواد الغذائية الرئيسية ومما ضاعف من حجم الأزمة كان انخفاض أسعار النفط في عام 1986 من 30 دولارا للبرميل إلى 10 دولارات وكان الخيار الوحيد أمام الشاذلي بن جديد للخروج من الأزمة هو تشجيع القطاع الخاص بعد فشل الأسلوب الاشتراكي في حل الأزمة وقوبلت هذه التغييرات بموجة من عدم الرضا وأخذ البعض في الشارع الجزائري يحس بأن الحكومة تظهر لامبالاة بمشاكل المواطن البسيط[4]
تصاعد الغضب في قطاعات واسعة من الشارع الجزائري وفي أكتوبر 1988 بدأت سلسلة من إضرابات طلابية وعمالية والتي أخذت طابعا عنيفا بصورة تدريجية وانتشرت أعمال تخريب للممتلكات الحكومية إلى مدينة عنابة والبليدة ومدن أخرى فقامت الحكومة بإعلان حالة الطوارئ وقامت باستعمال القوة وتمكنت من إعادة الهدوء في 10 أكتوبر بعد أحداث عنيفة أدت إلى قتل حوالي 500 شخص واعتقال حوالي 3500 شخص وسميت هذه الأحداث من قبل البعض "بأكتوبر الأسود" كما يصفها البعض الآخر ب"انتفاضة أكتوبر" [5]. كانت للطريقة العنيفة التي انتهجتها الحكومة في أحداث أكتوبر نتائج غير متوقعة حيث قامت مجاميع تنتهج الإسلام السياسي بإحكام سيطرتها على بعض المناطق وطالبت منظمات عديدة في الجزائر بإجراء تعديلات وإصلاحات فقام الشاذلي بن جديد بإجراءات شجعت على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير فقام عباسي مدني وعلي بلحاج بتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية [29]. وكان عباس مدني الأستاذ الجامعي والمحارب السابق في حرب التحرير الجزائرية يمثل تيارا دينيا معتدلا وكان لدوره السابق في حرب التحرير أثرا رمزيا في ربط الحركة الجديدة بتاريخ النضال القديم للجزائر وفي الجهة الأخرى وصف الكثيرون علي بلحاج الذي كان أصغر عمرا بأن أفكاره متطرفة حيث قال في أحد خطبه "إن المصدر الوحيد للحكم هو القرآن وإذا كان اختيار الشعب منافيا للشريعة الإسلامية، فهذا كفر وإلحاد حتى إذا كان هذا الاختيار قد تم ضمن انتخابات شعبية[6].
بدأت الجبهة تلعب دورا بارزا في السياسة الجزائرية وتغلبت بسهولة على الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني الذي كان الحزب المنافس الرئيسي في انتخابات عام 1990 مما حدى بجبهة التحرير الوطني إلى إجراء تعديلات في قوانين الانتخابات وكانت هذه التعديلات في صالح الحزب الحاكم فأدى هذا بالتالي إلى دعوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى إضراب عام وقام الشاذلي بن جديد بإعلان الأحكام العرفية في 5 يونيو 1991 وتم اعتقال عباسي مدني وعلي بلحاج.
في ديسمبر 1991 أصيب الحزب الحاكم بالذهول حيث أنه برغم التعديلات الانتخابية واعتقال قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلا أن الجبهة حصلت على أغلبية ساحقة من المقاعد في الدور الأول وهو 188 مقعدا ومحاولة من النظام القائم في الحيلولة دون تطبيق نتائج الانتخابات تم تأسيس المجلس الأعلى للدولة والذي يتكون من 5 أعضاء وهم الجنرال خالد نزّار (وزير الدفاع) وعلي كافي وعلي هارون والتيجاني هدام ومحمد بوضياف والتي كانت عبارة عن مجلس رئاسي لحكم الجزائر وذلك بعد إجبار الشاذلي بن جديد على الاستقالة وإلغاء نتائج الانتخابات وكان رئيس المجلس هو محمد بوضياف إلى أن اغتيل في ظروف غامضة من طرف أحد حراسه والمعدو بو معرافي لمبارك في 29 يونيو 1992 ليحل محله علي كافي إلى أن تم استبداله باليمين زروال في 31 يناير 1994 واستمر حتى 27 أبريل 1999 [7].