عرض مشاركة واحدة
كتبت : || (أفنان) l|
-
شيخنا
هل هناك فرق بين الحسد والعين ؟
وكيف يمكن اتقاء العين والحسد ... هل تكفى الرقية والمعوذات ثم نجلس مع الحاسد او العائن عادى ؟؟
واذا شعرت بان هناك من يعين اولادى ويقارن بينهم وبين اولاده باستمرار ...
هل يمكن حينئذ اخفاء نعمة الله عليهم باظهار النقيض امام العائن... وهل يدخل هذا فى الكذب ؟

علما بانه من الصعب فى هذا الزمان طلب ماء وضوء العائن مطلقا كما ان طلب ان يباركوا ويقولوا ماشاء الله يثير عدائهم، فما العمل اذا؟؟
جزاكم الله خيرا


الجواب
وجزاك الله خيراً .
الحسد قد يكون من صاحب العين ، وقد يكون من غيره ، فالحسد أعمّ ، والإصابة بالعين أخصّ ، فكل عائن حاسد ، وليس كل حاسد يُصيب بالعين .

وفي حديث عائشة رضي الله عنها : كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل
قال :" باسم الله يُبْرِيك ، ومن كل داء يشفيك ، ومن شر حاسد إذا حسد ، وشر كل ذي عين "
رواه مسلم .

فَفرَّق بين الحاسد وصاحب العين .ويُمكن اتِّقاء العين والحسد بالتبريك ، وذِكر الله عموما
والمحافظة على الأذكار والأوراد اليومية التي يَحفظ الله بها العبد .

روى الإمام أحمد من طريق عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الْخَرّار من الجحفة أغتسل سهل بن حنيف ، وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد ، فنظر إليه عامر بن ربيعة وهو يغتسل
فقال : ما رأيت كاليوم ! ولا جلد مخبأة ؟
فَلُبِطَ بِسَهْلٍ ، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : يا رسول الله هل لك في سهل ، والله ما يرفع رأسه وما يُفيق ؟
قال : " هل تتهمون فيه من أحد ؟
قالوا : نَظَرَ إليه عامر بن ربيعة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا ، فتغيّظ عليه
وقال :" عَلامَ يَقتل أحدكم أخاه ؟ هلاّ إذا رأيت ما يعجبك بَرَّكْتَ ؟
" ثم قال له : " اغتسل له "
فغسل وجهه ويديه ، ومرفقيه وركبتيه ، وأطراف رجليه ، ودَاخِلَةَ إزارِه في قدح ثم صُبّ ذلك الماء عليه ، يَصبُّه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يُكفئ القدح وراءه ، ففعل به ذلك ، فراح سهل مع الناس ليس به بأس .

ومعنى يُكفئ : أي يَقْلِب . ولعله من التفاؤل بانقلاب حال المريض وتغيّرها من المرض إلى السلامة .
ونَقَل ابن القيم عن الزهري قوله : يَؤمَر العائن بِقَدَحٍ فيُدخل كَفّـه فيه فيتمضمض ثم يمجّه في القدح ، ويغسل وجهه في القدح ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسِل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح في الأرض
ثم يُصَبّ على رأس الرَّجُل الذي تُصيبه العين من خَلْفِه صَبّة واحدة .

فهذا الطبّ النبوي والطريقة السلفية لعلاج العين ، إذا عُرِف العائن .
وإذا أبى العائن أن يغتسل فيُؤخذ من أثر العائن . يؤخذ من ملابسه التي تَلِي جسده ، أو من بقية طعامه الذي أكل منه
ونحو ذلك ، ثم يُصبّ على المريض ، ويشرب منه .

ومن اتُّهِم بشيء من ذلك وطُلِب منه أن يَغْسِل فليفعل ، لقوله عليه الصلاة والسلام :" إذا استغسلتم فاغسلوا ". رواه مسلم .
وإذا خاف الإنسان على شيء من مال أو ولد فليقل : ما شاء الله لا قوة إلا بالله .

قال تبارك وتعالى : ( وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ )

وقبل ذلك يُشرَع للإنسان أن يُعوِّذ نفسه وأولاده .
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين ،
ويقول :" إن أباكما كان يُعَوِّذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامَّـة من كل شيطان وهامّـة ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامّـة ".
رواه البخاري .

فهذا من باب الوقاية والحماية ، ولا ينتظر الإنسان حتى تُصيب العين ، أو يَقَع الحسد .
وإذا خاف الإنسان على شيء من ماله أو مِن وَلَدِه من العين فله أن يُورِّي ويَسْتَعْمِل المعاريض ، وذلك بأن يقول الإنسان قولا يُفهم منه خِلاف الظاهر .
ولهذا أصل وهو قول يعقوب عليه الصلاة والسلام لأبنائه :
(يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)

قال السمعاني في تفسير الآية :
أكثر المفسرين على أنه خاف العين ، لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتداد قامة ؛ هذا قول ابن عباس وغيره من المفسرين .

وقال البغوي في تفسير الآية :
وذلك أنهم خاف عليهم العين ، لأنهم كانوا أُعْطُوا جمالا وقوة وامتداد قامة ، وكانوا ولد رجل واحد
فأمرهم أن يتفرّقوا في دخولهم لئلا يُصَابُوا بالعين ، فإن العين حق .

وقال ابن جُزيّ في تفسير الآية : خاف عليهم من العين إن دخلوا مجتمعين إذ كانوا أهل جمال وهيبة .وقد أطال القرطبي في تفسير هذه الآية في ذِكر العين وعلاجها وما يتعلّق بها .
كما يكون اتّقاء العين بإخفاء بعض المحاسِن ، ومن هذا الباب ما قاله ابن القيم رحمه الله ، فإنه قال :
ومن علاج ذلك أيضا ، والاحتراز منه :
ستر محاسن من يُخَاف عليه العين بما يردّها عنه ، كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا ،
فقال : دَسِّمُوا نونته لئلا تصيبه العين .

ثم قال في تفسيره :
ومعنى " دَسِّمُوا نونته " أي سَوِّدُوا نونته ، والنونة النُّقْرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير .

وقال الخطابي في غريب الحديث له :
عن عثمان إنه رأى صبيا تأخذه العين ، فقال : دَسِّمُوا نونته
فقال أبو عمرو : سألت أحمد بن يحيى عنه ، فقال : أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه ، والتدسيم التَّسْويد ، أراد سَوِّدُوا ذلك الموضع من ذقنه لِيَرُدّ العين ... من هذا أخذ الشاعر قوله :

ما كان أحوج الكمال إلى *** عيب يُوقّيه من العين . اهـ .
وفي المعاريض مَندوحة وغُنية عن الكذب .

أحد الظرفاء – رحمه الله - كان له زوجتان ، وحدث أن جاء بهما مع أولاده في سفر ، فرآه شخص ،

فقال : كل هؤلاء لك ؟

قال : بعضهم لابنة عمي ، وهي يتيمة !

وابنة عمه هي زوجته الثانية !

فما كان من الذي سأله إلا أن رقّ له ودعا له .

فمثل هذا يُذهب ما في نفس الحاسد ، ولا يكون الإنسان كاذبا في قوله .

والله تعالى أعلم

المجيب الشيخ/ عبد الرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد