الموضوع
:
مِسكينةٌ تلك القلوب :"(
عرض مشاركة واحدة
كتبت : عبير ورد
-
مِسكينةٌ تلك القلوب :"(
مِسكينةٌ تلك القلوب :"(
أقبَلَت إليها مُسرِعَةً ، وأمسَكَت بيدِها قائِلَةً :
تعالي لأُعرِّفَكِ على صديقتي ياسمين .
فقالت في نفسِها :
وأنا لا أملأُ عينيكِ ؟!
كانت في زيارةٍ لأهلِها ، فقالت لها أُختُها المُقبِلَةُ على الزَّواجِ :
أرأيتِ ما اشتريتُه بالأمس ؟
قالت :
لا .
فأحضرته لها .
فقالت :
جميل جميل ، أشياء سِعرُها مُرتفِعٌ لم أشترِ مِثلَها عند زواجي .
وقَفَت تُراقِبُ أُمَّها مِن بعيدٍ وهِيَ ترعَى أخاها الرَّضيعَ ،
وتُدلِّلُه ،
وتتمنَّى أن لو كانت مكانَه
.
رأت زوجَها يتحدَّثُ كثيرًا عن أُمِّهِ وأخواتِهِ ، فقالت :
ليتكَ تُحِبُّني كما تُحِبُّهُنَّ :"
حَضَرَ ابنُها لزيارتِها مع زوجتِهِ ، فقالت له مُعاتِبَةً :
لقد أخَذَتكَ زوجتُكَ مِنَّا . ليتنا نراكَ كما تراكَ هِيَ :"/
قالت :
تعِبتُ في الحَمْلِ والوِلادةِ والرَّضاعةِ والتربيةِ ،
ثُمَّ جاء وتزوَّجَها وأبعَدَها عَنَّا ، وما عُدنا نراها إلَّا قليلًا .
سألَت المُعلِّمةُ سُؤالًا ، واختارتَ إحدى الطالباتِ لتُجيبَ عنه ،
فقالت إحدى زميلاتِها في نفسِها :
لا أدري ما الذي بينكِ وبينها !
دائمًا تختارينها لتُجيبَ على أسئلتِكِ ، وأين بقيَّةُ الفصل ؟!
سألَتها :
كم جُزءًا مِن القُرآنِ تحفظين ؟
قالت :
عَشرة .
فقالت :
ليتني أستطيعُ حِفظَ جُزءٍ مِن هذه العَشرة .
أعجبتها عَباءتُها ، فسألتها عن ثَمَنِها ، فأخبرتها .
فقالت :
سِعرُها مُرتفعٌ ، وخامتُها جَيَّدةٌ ، أفضل من عَباءاتي
ذات الخامةِ الرَّديئةِ والسِّعر المُنخفِض .
ذَهَبَت لحُضُورِ إحدى حفلاتِ الزَّواجِ ، فرأت إحدى قريباتِها
قد تزيَّنَت ، فازدادت جَمالًا على جَمالِها .
قالت في نفسِها :
ليتني أمتلِكُ نِصفَ جَمالِكِ
.
جلَسَت صامِتةً مُتألِّمةً ، ولِسانُ حالِها يقولُ :
آهٍ لو تعلمونَ بتلك النَّارِ التي تَحرقُ قلبي :""
ليتكم تمنحونني شيئًا مِن هذا الحَنانِ الذي تُوَزِّعُونَه بلا حِسابٍ .
ليتكم تشعرونَ بهذا القلب الضَّعيفِ ، فلا تجرحونَه بتصرُّفاتِكم .
ليتكم تُراعُونَ أحاسيسي ومَشاعِري ، فلا تُؤذُونَها بأفعالِكم .
مِسكينٌ قلبي حِينَ يراكم هكذا ، فيَلزَمُ الصَّمتَ ، ويُؤثِرُ الكِتمانَ ،
وينطوي على جِراحِهِ وآلامِهِ .
رُوَيْدَكَ يا قلبي ، لا تلتفِت لهم ، لا تهتمّ بِهم ، لا تتأثَّر بأفعالِهم وكلامِهم .
مِسكينةٌ تلك القلوبُ التي تَغارُ ، فتَحرقُها الغَيْرةُ ، ورُبَّما تُغيِّرُ مَجرَى حياتِها .
رِفقًا بالقُلوبِ الضَّعيفةِ ؛ فـ
( إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه )
مُتَّفقٌ عليه
.
ومُراعاةً للمَشاعِرِ والأحاسيس قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
( إذا كُنتُم ثلاثةً ، فلا يتناجى اثنانِ دُونَ الثالثِ حتى يختلِطوا بالناس ؛
فإنه يُحزِنُه ذلك )
صحَّحه الألبانيُّ
. وحتى لا يَجرَحَ قُلُوبَ أصحابِهِ ،
فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم
( كان إذا بَلَغَه عنِ الرَّجِلِ شيءٌ لم يقلْ :
ما بالُ فلانٍ يقولُ ؟ ولكن يقولُ : ما بالُ أقوامٍ يقولونَ كذَا وكذَا )
صحيح الجامع
.
إذا رأيتَ الغَيْرةَ مِن أحدِهم ، فانظُر لِمَا فعلتَ مِن شيءٍ أثارَ غَيْرتَه .
قد تكونُ
الغَيْرةُ مذمومةً
حِينَ تقتُلُ صاحِبَها ، فتملأُ فِكرَه ، وتشغلُ بالَه ،
وتُلازِمُه في كُلِّ مكانٍ وزمانٍ ، ومع كُلِّ شخصٍ له عِلاقةٌ بِهِ .
فالغَيْرةُ قد تُحوِّلُ صاحِبَها لحَاسِدٍ أو حاقِدٍ أو مُبغِضٍ لِمَن حولَه ،
ورُبَّما قادته لأعمالٍ تخريبيَّةٍ وتدميريَّةٍ ، وقد تُوصِلُه للقتل .
أمَّا
الغَيْرةُ المَحمودةُ
، فهِيَ ما تكونُ بحُدودٍ ، وفي مَواقِف تستحقُّ ذلك .
وأجملُها وأعظمُها :
الغَيْرةُ على مَحارم اللهِ أن تُنتهَكَ
.
وأنتَ يا مَن تغارُ ، رِفقًا بنفسِكَ ، ليس كُلُّ مَوقفٍ أو كلمةٍ أو فِعلٍ يُثيرُ الغَيْرةَ .
قد تكونُ الغَيْرةُ نتيجةَ أوهامٍ في نفسِكَ ، أو سُوءِ ظَنٍّ بمَن حولَكَ ،
فانتبِه
لذلك ، وكُن
مُعتدِلًا
في مشاعِرك ،
مُتَّزِنًا
في عواطِفِكَ .
لا
تتطلَّع
إلى ما في يَدِ غَيركَ ، فقد يكونُ سببَ غَيْرتِكَ ،
وارضَ بما قَسَمَ اللهُ لَكَ
تسعَد في حياتِكَ بإذن الله .
قلبُكَ بحاجةٍ إلى أن يَقترِبَ مِن رَبِّهِ سُبحانه أكثر ، وأن يُحَسِّنَ عِلاقتَه به ،
فتقِلُّ غَيْرتُه على البَشَرِ ، وتُضبَطُ مَحَبَّتُه وتكونُ للهِ ، فلا يتأثَّر بأيِّ شيءٍ ،
ولا يتغيَّر لأقلِّ شيءٍ . وفي الحَديثِ :
( إنَّ اللهَ تعالى يَغارُ ، وإنَّ المؤمِنَ يَغارُ ،
وغَيرَةُ اللهِ أن يأتِيَ المُؤمِنُ ما حَرَّمَ اللهُ عليهِ )
صحيح الجامع
.