عرض مشاركة واحدة
كتبت : عبير ورد
-
مِسكينةٌ تلك القلوب :"(

:"( 148667140051.gif



مِسكينةٌ تلك القلوب :"(



أقبَلَت إليها مُسرِعَةً ، وأمسَكَت بيدِها قائِلَةً :
تعالي لأُعرِّفَكِ على صديقتي ياسمين .
فقالت في نفسِها : وأنا لا أملأُ عينيكِ ؟!


كانت في زيارةٍ لأهلِها ، فقالت لها أُختُها المُقبِلَةُ على الزَّواجِ :
أرأيتِ ما اشتريتُه بالأمس ؟
قالت : لا .
فأحضرته لها .
فقالت : جميل جميل ، أشياء سِعرُها مُرتفِعٌ لم أشترِ مِثلَها عند زواجي .


وقَفَت تُراقِبُ أُمَّها مِن بعيدٍ وهِيَ ترعَى أخاها الرَّضيعَ ،
وتُدلِّلُه ، وتتمنَّى أن لو كانت مكانَه .


رأت زوجَها يتحدَّثُ كثيرًا عن أُمِّهِ وأخواتِهِ ، فقالت :
ليتكَ تُحِبُّني كما تُحِبُّهُنَّ :"


حَضَرَ ابنُها لزيارتِها مع زوجتِهِ ، فقالت له مُعاتِبَةً :
لقد أخَذَتكَ زوجتُكَ مِنَّا . ليتنا نراكَ كما تراكَ هِيَ :"/


قالت : تعِبتُ في الحَمْلِ والوِلادةِ والرَّضاعةِ والتربيةِ ،
ثُمَّ جاء وتزوَّجَها وأبعَدَها عَنَّا ، وما عُدنا نراها إلَّا قليلًا .


سألَت المُعلِّمةُ سُؤالًا ، واختارتَ إحدى الطالباتِ لتُجيبَ عنه ،
فقالت إحدى زميلاتِها في نفسِها : لا أدري ما الذي بينكِ وبينها !
دائمًا تختارينها لتُجيبَ على أسئلتِكِ ، وأين بقيَّةُ الفصل ؟!


سألَتها : كم جُزءًا مِن القُرآنِ تحفظين ؟
قالت : عَشرة .
فقالت : ليتني أستطيعُ حِفظَ جُزءٍ مِن هذه العَشرة .


أعجبتها عَباءتُها ، فسألتها عن ثَمَنِها ، فأخبرتها .
فقالت : سِعرُها مُرتفعٌ ، وخامتُها جَيَّدةٌ ، أفضل من عَباءاتي
ذات الخامةِ الرَّديئةِ والسِّعر المُنخفِض .


ذَهَبَت لحُضُورِ إحدى حفلاتِ الزَّواجِ ، فرأت إحدى قريباتِها
قد تزيَّنَت ، فازدادت جَمالًا على جَمالِها .
قالت في نفسِها : ليتني أمتلِكُ نِصفَ جَمالِكِ .


جلَسَت صامِتةً مُتألِّمةً ، ولِسانُ حالِها يقولُ :
آهٍ لو تعلمونَ بتلك النَّارِ التي تَحرقُ قلبي :""
ليتكم تمنحونني شيئًا مِن هذا الحَنانِ الذي تُوَزِّعُونَه بلا حِسابٍ .
ليتكم تشعرونَ بهذا القلب الضَّعيفِ ، فلا تجرحونَه بتصرُّفاتِكم .
ليتكم تُراعُونَ أحاسيسي ومَشاعِري ، فلا تُؤذُونَها بأفعالِكم .
مِسكينٌ قلبي حِينَ يراكم هكذا ، فيَلزَمُ الصَّمتَ ، ويُؤثِرُ الكِتمانَ ،
وينطوي على جِراحِهِ وآلامِهِ .
رُوَيْدَكَ يا قلبي ، لا تلتفِت لهم ، لا تهتمّ بِهم ، لا تتأثَّر بأفعالِهم وكلامِهم .



مِسكينةٌ تلك القلوبُ التي تَغارُ ، فتَحرقُها الغَيْرةُ ، ورُبَّما تُغيِّرُ مَجرَى حياتِها .

رِفقًا بالقُلوبِ الضَّعيفةِ ؛ فـ ( إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه ) مُتَّفقٌ عليه .

ومُراعاةً للمَشاعِرِ والأحاسيس قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
( إذا كُنتُم ثلاثةً ، فلا يتناجى اثنانِ دُونَ الثالثِ حتى يختلِطوا بالناس ؛
فإنه يُحزِنُه ذلك ) صحَّحه الألبانيُّ . وحتى لا يَجرَحَ قُلُوبَ أصحابِهِ ،
فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ( كان إذا بَلَغَه عنِ الرَّجِلِ شيءٌ لم يقلْ :
ما بالُ فلانٍ يقولُ ؟ ولكن يقولُ : ما بالُ أقوامٍ يقولونَ كذَا وكذَا )

صحيح الجامع .



إذا رأيتَ الغَيْرةَ مِن أحدِهم ، فانظُر لِمَا فعلتَ مِن شيءٍ أثارَ غَيْرتَه .

قد تكونُ الغَيْرةُ مذمومةً حِينَ تقتُلُ صاحِبَها ، فتملأُ فِكرَه ، وتشغلُ بالَه ،
وتُلازِمُه في كُلِّ مكانٍ وزمانٍ ، ومع كُلِّ شخصٍ له عِلاقةٌ بِهِ .

فالغَيْرةُ قد تُحوِّلُ صاحِبَها لحَاسِدٍ أو حاقِدٍ أو مُبغِضٍ لِمَن حولَه ،
ورُبَّما قادته لأعمالٍ تخريبيَّةٍ وتدميريَّةٍ ، وقد تُوصِلُه للقتل .

أمَّا الغَيْرةُ المَحمودةُ ، فهِيَ ما تكونُ بحُدودٍ ، وفي مَواقِف تستحقُّ ذلك .
وأجملُها وأعظمُها : الغَيْرةُ على مَحارم اللهِ أن تُنتهَكَ .


وأنتَ يا مَن تغارُ ، رِفقًا بنفسِكَ ، ليس كُلُّ مَوقفٍ أو كلمةٍ أو فِعلٍ يُثيرُ الغَيْرةَ .
قد تكونُ الغَيْرةُ نتيجةَ أوهامٍ في نفسِكَ ، أو سُوءِ ظَنٍّ بمَن حولَكَ ،
فانتبِه لذلك ، وكُن مُعتدِلًا في مشاعِرك ، مُتَّزِنًا في عواطِفِكَ .
لا تتطلَّع إلى ما في يَدِ غَيركَ ، فقد يكونُ سببَ غَيْرتِكَ ،
وارضَ بما قَسَمَ اللهُ لَكَ تسعَد في حياتِكَ بإذن الله .

قلبُكَ بحاجةٍ إلى أن يَقترِبَ مِن رَبِّهِ سُبحانه أكثر ، وأن يُحَسِّنَ عِلاقتَه به ،
فتقِلُّ غَيْرتُه على البَشَرِ ، وتُضبَطُ مَحَبَّتُه وتكونُ للهِ ، فلا يتأثَّر بأيِّ شيءٍ ،
ولا يتغيَّر لأقلِّ شيءٍ . وفي الحَديثِ : ( إنَّ اللهَ تعالى يَغارُ ، وإنَّ المؤمِنَ يَغارُ ،
وغَيرَةُ اللهِ أن يأتِيَ المُؤمِنُ ما حَرَّمَ اللهُ عليهِ ) صحيح الجامع .




:"( 1486671400552.gif