عرض مشاركة واحدة
كتبت : سنبلة الخير .
-
الهجر الجميل و الصفح الجميل و الصبر الجميل

392545.gif










سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن ‏(‏الهجر الجميل‏) و ‏‏(‏الصفح الجميل‏)‏ و (‏الصبرالجميل‏)‏ ‏ وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس‏؟‏




فأجاب ـ رحمه اللّه‏:‏


الحمد للّه، أما بعد‏:‏ فإن اللّه أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل:


فالهجر الجميل‏:‏ هجر بلا أذى.
والصفح الجميل‏:‏ صفح بلا عتاب.
والصبر الجميل‏:‏ صبر بلا شكوى،


قال يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏}‏[‏يوسف‏:‏ 86‏]‏ مع قوله‏:‏ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏‏[‏يوسف‏:‏ 18‏]‏.

فالشكوى إلى اللّه لا تنافي الصبر الجميل، ويُروى عن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه كان يقول‏:‏ ‏"‏اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التكلان‏"،‏ ومن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم‏-:‏ (اللّهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللّهم إلى من تكلني‏؟‏ إلى بعيد يتجهمني‏؟‏ أم إلى عدو ملكته أمري‏؟‏ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي‏.‏ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحلَّ علي غضبك، لك العتبي حتى ترضى‏)‏‏.‏

وكان عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ يقرأ في صلاة الفجر‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏}‏‏[‏يوسف‏:‏ 86‏]‏، ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف؛ بخلاف الشكوى إلى المخلوق‏.‏
قُرئ على الإمام أحمد في مرض موته أن طاووسًا كره أنين المريض، وقال‏:‏ إنه شكوى‏.‏ فما أنَّ حتى مات‏؛ وذلك أن المشتكي طالب بلسان الحال: إما إزالة ما يضره أو حصول ما ينفعه، والعبد مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ‏}‏‏[‏الشرح‏:‏ 7، 8‏]‏، وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس‏:‏ ‏(‏إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه‏)‏‏.‏


ولابد للإنسان من شيئين‏:‏
طاعته بفعل المأمور وترك المحظور.


وصبره على ما يصيبه من القضاء المقدور‏.‏ فالأول هو التقوى، والثاني هو الصبر‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ‏}‏،

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ‏}‏‏[‏آل عمران‏:‏ 118-125‏]‏،

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ‏}‏‏[‏آل عمران‏:‏ 186‏]‏،

وقد قال يوسف‏:‏ ‏{‏أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏‏[‏يوسف‏:‏ 90‏].



مجموع فتاوى ابن تيمية-رحمه الله-