الموضوع
:
تفسير قوله(كلا إذا بلغت التراقي)
عرض مشاركة واحدة
كتبت : دفاعمري
-
تفسير قوله(كلا إذا بلغت التراقي)
{
كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ }
قوله تعالى :
كلا إذا بلغت التراقي
كلا ردع وزجر ; أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة ; ثم استأنف فقال :
إذا بلغت التراقي
أي بلغت النفس أو الروح التراقي ; فأخبر عما لم يجر له ذكر ، لعلم المخاطب به ; كقوله تعالى :
حتى توارت بالحجاب
وقوله تعالى :
فلولا إذا بلغت الحلقوم
وقد تقدم .
وقيل : كلا معناه حقا ; أي حقا أن المساق إلى
[
ص:
101 ]
الله
إذا بلغت التراقي
أي إذا ارتقت النفس إلى التراقي .
وكان
ابن عباس
يقول : إذا بلغت نفس الكافر التراقي
.
والتراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر ، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر ، موضع الحشر
جة ; قال
دريد بن الصمة
:
ورب عظيمة دافعت عنهم
وقد بلغت نفوسهم التراقي
وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي ، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت .
قوله تعالى :
وقيل من راق
اختلف فيه ; فقيل : هو من الرقية ; عن
ابن عباس
وعكرمة
وغيرهما . روى
سماك
عن
عكرمة
قال : من راق يرقي : أي يشفي . وروى
ميمون بن مهران
عن
ابن عباس
:
أي هل من طبيب يشفيه ; وقاله
أبو قلابة
وقتادة ;
وقال الشاعر :
هل للفتى من بنات الدهر من واق
أم هل له من حمام الموت من راق
وكان هذا على وجه الاستبعاد واليأس ; أي من يقدر أن يرقي من الموت .
وعن
ابن عباس
أيضا
وأبي الجوزاء
أنه من رقي يرقى : إذا صعد ، والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ وق
يل : إن ملك الموت يقول من راق ؟ أي من يرقى بهذه النفس ; وذلك أن
نفس الكافر تكره الملائكة قربها ،
فيقول ملك الموت : يا فلان اصعد بها .
وأظهر
عاصم
وقوم النون في قوله تعالى :
من راق
واللام في قوله : ( بل ران ) لئلا يشبه " مراق " وهو بائع المرقة ، و ( بران ) في تثنية البر . والصحيح ترك الإ
ظهار ، وكسرة القاف في
من راق
، وفتحة النون في بل ران تكفي في زوال اللبس . وأمثل مما ذكر : قصد الوقف على ( من ) و ( بل ) ، فأظهرهما ; قاله
القشيري
.
قوله تعالى : وظن أي أيقن الإنسان
أنه الفراق
أي فراق الدنيا والأهل والمال والولد ، وذلك حين عاين الملائكة . وقال الشاعر :
فراق ليس يشبهه فراق
قد انقطع الرجاء عن التلاق
والتفت الساق بالساق
أي فاتصلت الشدة بالشدة ; شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة ; قاله
ابن عباس
والحسن
وغيرهما .
وقال
الشعبي
وغيره : المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب
.
وقال
قتادة
:
أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى .
وقال
سعيد بن المسيب
والحسن
أيضا : هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن .
وقال
زيد بن أسلم
:
التفت ساق الكفن بساق الميت
.
وقال
الحسن
أيضا : ماتت رجلاه ويبست
[
ص:
102 ]
ساقاه فلم تحملاه ، ولقد كان عليهما جوالا . قال
النحاس
:
القول الأول أحسنها .
وروى
علي بن أبي طلحة
عن
ابن عباس
:
والتفت الساق بالساق
قال : آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من - رحمه الله - ; أي شدة كرب ا
لموت بشدة هول المطلع ; والدليل على هذا قوله تعالى :
إلى ربك يومئذ المساق
وقال
مجاهد
:
بلاء ببلاء . يقول : تتابعت عليه الشدائد .
وقال
الضحاك
وابن زيد
:
اجتمع عليه أمران شديدان : الناس يجهزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه ، والعرب لا تذكر الساق إلا في
المحن والشدائد العظام ;
ومنه قولهم : قامت الدنيا على ساق ، وقامت الحرب على ساق . قال الشاعر :
صبرا أمام إنه شر باق
وقامت الحرب بنا على ساق
وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة (
ن والقلم
) .
وقال قوم :
الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه ،
فهذه الساق الأولى ، ثم يكون بعدهما ساق البعث وشدائده
إلى ربك
أي إلى خالقك يومئذ أي يوم القيامة
المساق
أي المرجع . وفي بعض التفاسير قال : يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات . والمساق : المصدر من ساق يس
وق ، كالمقال من قال يقول
(تفسير القرطبي:محمد بن احمد الانصاري القرطبي)