مجتمع رجيم - تسونامي اليابان ..قراءة واقعية

http://www10.0zz0.com/2010/06/28/15/246572264.jpg

البشر لديهم حساباتهم الخاصة التي تتعلق بتدبير شؤون حياتهم ، فهم يحاولون أن يضعوا أمام أعينهم السعادة والأمن والحب والمال والثروة...الخ . وعندما تخفق مقاييسهم تصيبهم الحسرة والندامة والألم النفسي الشديد الذي يفوق تصوراتهم فينغلقون ويكتئبون ويحدث تحولات نوعية في شخصياتهم وتفكيرهم ونظرتهم للناس وللحياة وللمستقبل .وعلى هذا يبدأون في إنشاء قوانينهم الخاصة على أنفسهم وعلى من حولهم . إنهم في تلك الحالات أشبه بأطفال صغار يعبثون هنا وهناك كي يكتشفوا العالم من حولهم ، فالطفل يصر على أن يلمس بيده ابريق الشاي الحار جدا كي يعرف معنى الحرارة ، ويجرب الصعود على الطاولة كي يختبر لأول مرة في حياته معنى للسقوط من أعلى . إنه يكتشف قوانينه من تجاربه . ورغم أننا نحاول جاهدين أن نعطيه تلك المعاني المهمة للحياة وفي الحياة كي لا يصيبه الألم ولا الحسرة لأننا نعرف أكثر منه يصر هو على التجربة بنفسه . إننا في هذه الحياة نشبه الأطفال الصغار عندما يختبرون لأول مرة تلك المعاني في حياتهم ، نشبههم كثيرا عندما نصر على أن نخوض تجربة جديدة وعندما نصر على شيء ما في الوقت الذي يخبرنا عنه من هو أكبر منا وأعلم منا بأن هذا التصرف خاطئ وعاقبته وخيمة مؤلمة وتجلب الحسرة والندامة .

هل من خروج لنا من هذا المأزق كي نجنب أنفسنا الألم ونرسم بوارق أمل في حياتنا ؟

للإجابة عن هذا السؤال دعونا نعود لتصرفات الأطفال فنقول ، أليس من المفضل لنا أن يتفهم الأطفال حبنا لهم فيستجيبوا لنا عندما نخبرهم بحقيقة الأشياء التي يجربونها ؟ ألن يتمكن الأطفال من حماية أنفسهم من الألم والشرور والأخطاء ؟

هذا صحيح ولكن الأطفال صغار لم تكتمل عقولهم وتصوراتهم ولم ينضجوا بعد كي يدركوا ويتفكروا بشكل جيد فيهموا إحساسنا ومشاعرنا وخوفنا عليهم فيكفوا عن تصرفاتهم... ولكن المشكلة فيمن اكتمل عقله ونضج وأصبح راشدا ، إنها فينا نحن الكبار . ولكي نخرج من هذا المأزق نحن الكبار علينا أن نتفهم حقيقة الحياة وحقيقة الإنسان ، ومن دون هذا الفهم سوف نتجرع الألم والحسرة كطفل صغير تلسعه حرارة إبريق الشاي .

أما عن تفهم معنى الحياة فعلينا أن نعرف أن الحياة تسير وفق سنن الله وقوانينه ،ومن يريد أن يجنب نفسه الألم والحسرة عليه أن يفهم تلك السنن والقوانين ويعيش بإيمان تام بتلك السنن فيتصرف وفق إيمانه بها وليس وفق سنن وقوانين بشرية تحاول أن تكون بديله عن سنن وقوانين الله في الحياة . وكلما ابتعدنا في تصرفاتنا عن واقع الحياة وسنن الله فيها أخطأنا وأصابنا الألم وعشنا فيها كأطفال صغار نتصرف فيها وكأننا لا نعرف حقيقية الحياة ، فدعونا نفهم سنن الله في الحياة . ودعونا نعيشها وفق معانيها الحقيقية التي أخبرنا عنها العليم الخبير

إنها دار ابتلاء....

إنها دار كبد......

إنها دار عمل....

إنها دار إيمان بالله

إنها مرحلة فانية

إنها متاع الغرور

فمن يدرك حقيقة الحياة على أنها دار عمل فلن يكف يوما عن هذا العمل ولن ينغلق يوما على نفسه ولن يكف يده ولن يتشاءم من شيء هو من متاع الغرور .وكل ما إصابته مصيبة عاش مع الابتلاء وعمل على استثماره للحياة الباقية فقلب محنته منحة . كما أنه لن يترك لشيء ينغص عليه حقيقية إيمانه بالله فيعيش دقائق اليوم وساعاته مؤمنا موحدا وراضيا مستبشرا وواثقا بنصر الله وتأييده .
http://www.alfrasha.com/up/945176056710566499.gif

ألم تعش اليابان وشعبها بمقاييس بشرية وتكنولوجيا دقيقة أذهلت عقول البشر جميعا ؟ وهل كانت تلك المقاييس البشرية قادرة على أخفاء حقيقة وسنن وقوانين الله في الحياة ؟ لقد اظهر تسونامي اليابان أن العيش بمقاييس البشر مصيبة قد نتجرع مرارة والم وحسرة ركوننا لتلك المقاييس البشرية الضعيفة جدا .

فكل تكنولوجيا اليابان غرور ومتاع من الدنيا وللدار الآخرة خير وأبقى .

إن قراءة التجارب والأحداث القديمة والجديدة كلها تشير الى معنى واضح ودقيق ينحصر في إيقاظ البشر وإيقاظ الإنسان من الغفلة ، فتسونامي اليابان ليس حدث فريد إنما هو تنبيه لي ولك وللبشرية جمعاء بأن المقاييس التي تسير عليها هذه الحياة الدنيا هي سنن وقوانين موجدها سبحانه وتعالى . وأنه ليس لأمة ولا لمجتمع الا بأن يعيش وفق ما اراده الله للانسان ، وما اراده يتلخص في امرين مهمين هما :

الإيمان بالله + عمارة الأرض

فلا نعمرها من دون إيمان ولا نكون مؤمنين بحق إلا إذا اجتهدنا في عمارتها دون أن نغتر بها فهي زائلة زائل ما فيها . فنعمرها ونحن نراقب الله والدار الآخرة الباقية . ومجتمعات اليوم إما عامر للارض من دون ايمان أو مؤمن من دون عماره ، فأسقط هذا المعنى على نفسك وتمسك به قبل مجتمعك فكن مؤمن وعامر .

طلب العلم عماره والاخلاص فيه ايمان . والعمل عماره ومراقبة الله فيه ايمان.والاكتشاف والاختراع والتكنولوجيا عمارة والتزام الخلق الحميد فيها ايمان. والزواج عمارة وربطه بالثواب والاجر من الله ايمان... فحياتك في هذا الدنيا عماره وجعلها في الله ولله ايمان .

كما إن فهم حقيقة الإنسان لا يقل أهمية عن فهم حقيقة الحياة ، ومن يريد أن يجنب نفسه الالم والحسرة عليه أن يفهم حقيقة الإنسان كما يفهم حقيقية الحياة . فدعونا نفهم حقيقة الإنسان أو شيء من تلك الحقيقية . فمن يعيش بمقاييسه البشرية يجد نفسه في يوم من الايام عاجز وخائف ومتألم وذلك لا لشيء الا لأنه فرض على نفسه العيش بحقيقية تصورها هو وبناها هو واعتقد بها هو فوكل الى هذه الحقيقية المزيفة زمنا حتى تجرع مرارة تصرفه .

كم مرة اتخذنا قرارا بعمل معين أو بزواج أو بدارسة في تخصص معين وجعلنا أملنا وسعادتنا مربوطة بهذا العمل او هذا الزواج أو ذلك التخصص لنكتشف بعد زمن أن قراراتنا لم تكن صحيحة .وفي المقابل كم مرة رفضنا عمل معين أو تخصص معين أو زواج في وقت سابق لنكتشف بعد زمن خطأ تصرفنا وخطأ قراراتنا . ألا ندرك من هذا الحقيقة شيئا من ضعف الإنسان وعن ضعفنا نحن كبشر ؟

نحن كبشر لا يجب أن نعتمد على بشريتنا ومقاييسنا البشرية كي نعطي أحكام نهائية للأحداث التي تصيبنا ونمر بها ، بل علينا أن نؤكد امام أنفسنا مقاييس وقوانين الخالق لنا . فكراهيتنا لحدث معين لا تعني انه شر محض ، وحبنا لحدث ما لا تعني الخيرية المطلقة له ، بل إننا قد نكره شيئا اعتمادا على مقاييسنا البشرية وتكون الخيرية فيه مطلقة .والعكس صحيح . إن العيش بمقاييس الخالق لنا تجعلنا متفائلين في أحنك الظروف وأشدها قساوة وضراوة ، كما أنها تجعلنا غير مغرورين بمتاع من الدنيا عندما نملك شيئا نعتقد بأنه خير لنا .

علينا أن نفرح بإماننا وأن لا نغتر به فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء . وعلينا أن نفرح لشيء نملكه من متاع الدنيا وأن لا نغتر به لأن ايام الله دول بين الخلق جميعا . فإن فرحنا بمال أو جاه أو سلطان أو جمال أو ولد أو والد أو عائلة أو دراسة أو تخصص أو عمل...الخ علينا أن لا نفرح فرح البطر المغتر لأن ما عندنا ينفد وما عند الله باق .

ولك أن تعيش بمقاييسك أو أن تعيش بمقاييس خالقك لأن الله هداك للنجدين وعرفك بالطريقين وترك لك الاختيار اختبارا وامتحانا لأنك في دار الاختبار والابتلاء والامتحان .