فصبر جميل..الشيخ محمد حسان

مجتمع رجيم / براعم الإسلام
كتبت : *بنت الإسلام*
-


الحمد لله رب العالمين. الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك وما كان معه من إله. الذى لا اله الا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه. المستحق لجميع انواع العبادة ولذا قضى الا نعبد الا اياه.
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) الحج.
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. هو الواحد الذى لا ضد له وهو الصمد الذى لا منازع له, وهو الغنى الذى لا حاجة له, وهو القوى الذى لا يعجزه شئ فى الارض ولا فى السماء, وهو جبار السماوات والارض فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره.
وأشهد أن محمد عبده ورسوله, وصفيه من خلقه وخليله, أدى الامانة وبلغ الرسالة ونصح الامة, وكشف الله به الغمة, وجاهد فى سبيل الله حتى اجاب مناديه, وعاش طوال ايامه ولياليه يمشى على شوك الاسى, ويخطو على جمر الكيد والعنت, يلتمس الطريق لهداية الضالين, وارشاد الحائرين حتى علم الجاهل, وقوم المعوج, وأمن الخائف, وطمن القلق, ونشر أضواء الخير والحق والتوحيد والايمان كما تنشر الشمس ضياءها النهار. فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته, ورسولا عن دعوته ورسالته, وصلى الله وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى اثره الى يوم الدين.
جميل..الشيخ fawasel0009-%5Bal-su


أما بعد:
فمع اللقاء الحادى عشر من خواطر الدعوة الى الله عز وجل, ولا زال حديثنا بفضل الله جل وعلا عن الزاد, عن الزاد الذى لابد لكل داعية يسلك طريق الطويل, لابد له من تحصيله والتزود به, ولا زال حديثنا بفضل الله جل وعلا كما وعدناكم فى اللقاء الماضى, زادنا اليوم صبر جميل .
أحبتى فى الله.. ليس الايمان كلمة تقال باللسان فحسب, ولكن الايمان حقيقة ذات تكاليف, وأمانة ذات أعباء, وجهادٌ مرير يحتاج الى صبر جميل, ولا يكفى ان يقول الناس: آمنا. حتى يتعرضوا للفتن ويثبتوا عليها ويخرجوا منها خالصة عناصرهم, صافية قلوبهم.
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)) العنكبوت.
فالفتنة أصلٌ ثابت, وسنة جارية فى ميزان الله جل وعلا.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) العنكبوت.
فكما تفتن النار الذهب لتخلص بينه وبين العناصر الشائبة والرخيصة العالقة به, كذلك تفعل الفتن فى النفوس البشرية.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) العنكبوت.
لماذا؟ لان هناك نموذجا من الناس يعلن كلمة الايمان فى وقت الرخاء يحسبها هينة الحمل, خفيفة المؤونة, فاذا ما تعرض لفتنة من الفتن حتى ولو كانت هذه الفتنة هينة لينة استقبلها بهلع وجلع وفزع, واختلت فى نفسه القيم, وطاشت بين يديه الموازين, وتزلزلت فى قلبه العقيدة, كما قال ربنا جل وعلا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ) العنكبوت 10.
انه نمودجاً متكرر من البشر فى كل حين وفى كل جيل. انه نموذجا يزن العقيدة والدعوة بميزان الربح والخسارة. يظن العقيدة والدعوة صفقة يتاجر بها فى أسواق التجارة.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)) الحج.
هذا الصنف أيها الأخيار الكرام لا يصلح أن يكون صاحب دعوة. لا يصلح ان يكون هذا الصنف صاحب دعوة, ولا حامل رسالة, ولا اميناً على منهج, لذا لو كان طريق الدعوة الى الله جل وعلا هيناً ليناً مفروشا بالزهور والورود والرياحين لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة, وأن يكون حامل رسالة, وأن يكون مؤتمنا على منهج, ولاختلطت حين اذٍ دعوات الحق بدعاوى الباطل الزائفة الكاذبة, لذا فلابد على طول طريق الدعوة الى الله من الفتن التى تعصف بالقلوب, وتزلزل الافئدة, لماذا؟ لماذا؟ ليغربل الله ويمحص الله جل وعلا القائمين عليها, وليترك الزائفين عنها, ولتبرز دعوات الحق من بين دعاوى الباطل الكاذبة الزائفة.
(فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت 3.
فمن ثبت بعض هذه الفتن المزلزلة على طريق الدعوة الطويل, فهو بحقٍ وجدارة –أقول لكم- فهو بحقٍ وجدارة هو صاحب الأهلية لحمل راية الدعوة الى الله عز وجل ليسير بها بين الأشواك والصخور. نعم.. انها فتن قاسية, انها فتن مزلزلة. فهناك فتنة الظلم والبطش والطغيان من أهل الباطل والجبروت التى تصب صبا على رأس الداعية الى الله جلا وعلا إن سلك طريق نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدٍ, تصب على رأسه الفتن صبا, ويصب عليه البلاء والاضطهاد صبا, وتزداد الفتنة حينما لا يرى من يسانده, ومن يقف الى جواره من البشر, وتزداد الفتنة اذا لم يشف من القوة والمنعة والحماية ما يدفع به عن نفسه الأذى والبطح والظلم والجبروت والطغيان.
جميل..الشيخ fawasel0009-%5Bal-su

وهناك فتنة الأهل والأولاد الصغار الذين يخشى عليهم الداعية أن يصيبهم الأذى والفتنة بسببه, وقد يهتفون به وينادون عليه ويصرخون فى وجهه, وينادونه باسم الحب, باسم القرابة, باسم الرحم أن يسالم أو يستسلم للبطش والظلم والطغيان. وقد تزداد الفتنة أذىً وبلاءً على رأس الداعية المؤمن إذا وقع الأذى على أهله وأولاده أمام عينيه وبين يديه وهو لا يملك لهم شيئاً ولا يستطيع أن يرد عنهم من الأذى شيئا. وهناك فتنة أكبر على الظالمين على المبطلين على الساقطين والراقصين, فتنة اقبال الدنيا عليهم, ورؤية الناس لهم مرموقين, ناجحين, تهتف لهم الدنيا, وتصفق لهم الجماهير المخدوعة, وتساق لهم الامشاج, وتحطم فى طرقهم العوائق, وتزلزل لهم الصعاب, وتيسر لهم الاسباب, وتفتح لهم الابواب.
كتبت : *بنت الإسلام*
-



والداعية المؤمن, والمؤمن التقى النقى, مُهمل, منكر, لا يحس به أحد, ولا يكرم من أحد, ولا يحتفى به أحد, ولا يحس بقيمة الحق الذى معه الا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا.
وهناك فتنة الشهوات والشبهات التى تعصف بقلوب الكثير من الناس, وتحيد بهم عن طريق الحق, وعن الصراط المستقيم. وقد يحس الداعية احيانا بشئ من اليأس والملل والفتور والقنوط, ويظن ان هذه القلوب لا يمكن ان تأتى وأن تسجد لعلام الغيوب جل وعلا.
وهناك فتنة أخرى خطيرة, نراها بارزةً فى هذه الايام, تعصف بقلوب كثير من المسلمين. بل وتعصف بقلوب بعض الدعاة أحيانا, ألا وهى أننا نرى أمما ودولا غارقة فى الكفر والشرك, ومع ذلك نزاها تقدر الانسان كانسان, نراها تقدر الانسان كانسان, نراها تقدر عقله, وتحترم فكره, وتنمى مواهبه, وتزكى قدراته, بل وتفتح ذراعيها..بل وتفتح ذرعيها لكل المبدعين والموهوبين فى شتى المجالات حتى ولو كانوا من غير بنى جلدها, فى الوقت الذى يرى المؤمن نفسه فيه فى كثير من بلدان المسلمين.. يرى فكره محتقر, يحتقر فكره, ويزدرى عقله, ويمتهن رأيه, ويشار إليه بأصابع الارهاب وأصابع التطرف والأصولية, ويسجن عقله.. بل ويسجن بدنه.



انها فتن..فتن قاسية..فتن خطيرة. ويزداد الهم والغم والبلاء على كل سالكٍ لهذا الطريق إذا طال أمد الفتنة, وأبطأ نصر الله جل وعلا, حين اذٍ تكون الفتنة أشد, ويكون الابتلاء أقصى وأعنف, ولا يثبت على طريق الدعوة الى الله الا من ثبته الله جل وعلا, وأمده الله بخير زاده, وأمده الله بأقوى ضياء, وأعظم زادٍ للبلاء..ألا وهو صبرٌ جميل.
لابد تجاه هذه الفتن من الصبر الجميل. فما هو الصبر الجميل؟ هل الصبر الجميل هو الذى تصاحبه الشكوى؟ هل الصبر الجميل هو الذى تصاحبه الأنين والألم؟ هل الصبر الجميل هو الذى تصاحبه الشهوة الخفية؟ حتى وان لم تترجم على اللسان ليقول الداعية: ها أنا ذا يا رب قد دعوة فلم يستجب لى.
كلا.. إنما الصبر الجميل هو ترفع عن الألم, واستعلاء عن الفتن, وثبات على محن الدعوة, وثقةٌ كاملةٌ فى وعدِ الله جل وعلا, واطمئنان مطلق فى حكمة الله, ورحمة الله, وقدرة الله, ووعد الله عز وجل. ولقد حده الإمام بن القيم فى كتبه القيم (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين), فقال: الصبر هو حبس النفس عن الجزع, وحبس اللسان عن التشكى, وحبس الجوارح عن المعاصى.
وقسمه الى ثلاثة أقسام, ألا وهى: صبر على الطاعة أو صبر على المأمور, وصبر عن المعصية أو صبر عن المحذور, وصبر على البلاء والمصائب أم صبر على المقدور.
صبر على الطاعة, وصبر عن المعصية, وصبر على المصائب والفتن والبلايا. ولابد لكل داعية الى الله جل وعلا, سيسلك طريق الدعوة الشاق الطويل, لابد له ان يتزود بأنواع الصبر الثلاثة, لابد بأن يتزود بالصبر على طاعة الله, ولابد بأن يتزود بالصبر عن معصية الله, ولابد بأن يتزود بالصبر عن جميع الفتن والبلايا والمصائب التى ستكال على رأسه كيلا بمجرد أنه سلك طريق لا إله إلا الله.
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)) المطففين .
إرهابيون..أصوليون..متطرفون..متعنتون..متشددون..سطحيون..ساذج ون.
(وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)) المطففين.
لا إله إلا الله. هذا وعد الله جل وعلا وشهادة الله سبحانه, هذه هى شهادة الله سبحانه وتعالى. لذا أيها الأحباب كان لابد من التزود بزاد الصبر الجميل على طول الطريق لوعورته ومشقته, ومن ثمه يأتى الأمر من الله جل وعلا, لمن؟ لمن صفة نفسه وتجردت روحه لهذه الدعوة, فانطلق يوم أن قال الله له: (قُمْ فَأَنْذِرْ (2)) المدثر. فقام وأنذر, ولم يجلس طرفة عين حتى آتاه اليقين. دعا الله جل وعلا, ودعا الى الله جل وعلا بثبات وقوة وثقة واطمئنان وصدق واخلاص, ومن ثمه يأتيه الأمر من الله بعد كل هذا أن يتزود بالزاد الذى تزود به من قبل إخوانه من الانبياء والمرسلين, فيقول ربنا جل وعلا: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) الاحقاف 35.
ويقول له جل وعلا: (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)) المزمل.
ويقول له جل وعلا: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) الطور 48.
ويقول له جل وعلا: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) القلم 48.
ويقول له جل وعلا: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) النحل 127.
والامر للأمة من بعده صلى الله عليه وسلم للتزود بهذا الزاد العظيم الجليل الكريم, فيقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) آل عمران.
ويقول جل وعلا: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) البقرة 45.
بل ويبشر الله الصابرين بثلاث بشارات هى والله خير من الدنيا وما فيها, فيقول سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) هذا هو الطريق يوضح لنا من البداية, (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)) البقرة.
من هم الصابرون؟ (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)) البقرة.
(إِنَّا لِلَّهِ) كلنا لله بعقولنا وأموالنا وأولادنا وجوارحنا, (قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)) البقرة.
الله أكبر.. ويبالغ الله فى إكرام وتكريم الصابرين حتى فى الجنة بإدخال الملائكة عليهم لمصافحتهم والسلام عليكم وتهنئتهم بكرامة الله لهم, فيقول سبحانه: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بماذا؟ ( بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)) الرعد.
ولما لا والذى يعلم جزاءُ الصابرين إنما هو رب العالمين (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر 10.
وتتجلى صورة التكريم فى أجل وأعلى معانيها للصابرين بمعية الله جل وعلا لهم, فيقول سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) البقرة 153.



وبالجملة لقد ذكر الامام أحمد رحمه الله تعالى أن الله جل وعلا ذكر الصبر فى تسعين موضعاً فى القرءان الكريم, وهذا إن دل فإنما يدل على عظيم شرفه وكبير مكانته عند الله جل وعلا.
والحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى سعيدٍ الخضرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما أعطى أحدٌ عطاءاً خيرٌ وأوسع من الصبر" أعظم عطاء " ما أعطى أحدٌ عطاءاً خيرٌ وأوسع من الصبر" لذا قال: " والصبر ضياء" فى الحديث الذى رواه مسلم من حديث الحارث الاشعرى الطويل " والصبر ضياء" أعظم ضياء وأعظم زادٍ للبلاء هو الصبر.
وفى الحديث الذى رواه الترمذى بسندٍ حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن عظم البلاء مع عظم الجزاء" الله أكبر " إن عظم البلاء مع عظم الجزاء, وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم, فمن رضى فله الضا ومن سخط فله السخط".



وهذا هو الصحابى الجليل الذى تعرض للفتن والأذى حتى كاد يوماً أن تعصف الفتنة بقلبه فلم يصبر, إنه الخباب بن الارت يأتى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشتد الأذى وزادت الفتن على رؤوسهم فى مكة فى أول أمر الدعوة, فيأتى خباب بن الأرت الى النبى عليه الصلاة والسلام ليشتكى اليه الحال, وليرفع اليه الشكوى, فيقول خباب, والحديث رواه البخارى "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم ، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون )".
كتبت : *بنت الإسلام*
-



أُذىَّ أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. هذا هو بلال يُأخذ تحت حرارة الشمس المحرقةِ فى أرض الجزيرة فى مكة, وعلى هذه الرمال المتأججت الملتهبة, ليُرمى على هذه الرمال على ظهره, وتوضع الحجارة الكبيرة القوية على صدره, لماذا؟ لأنه قال لا إله إلا الله, إنها الجريمة القديمة الحديثة, إنها شنشنة أهل الباطل القديمة الحديثة, لأنه قال ربى الله, ولكن بلالاً الذى تمكن الايمان من قلبه جعله يستعجب العذاب فى سبيل الله جل وعلا, وما برح بلال, وما كان بلال على هذه الانشودة العذبة الحلوة التى ما زالت تأن فى أذن الزمان بعد هذه القرون الطويلة, وهو يرددها فى وجه الباطل بقوةٍ وثقةٍ واطمئنان أحدٌ أحد يعلن وحدانيته لله, ويعلن ايمانه بالله جل وعلا ولو مزقزا جسده تمزيقا, وقطعوه ارباً اربا, فليأخذوا الجسد, وليمزقزا الجسد, ولكن الروح متعلقةٌ بالله جل وعلا, ولكن اللسان لا يفتأ يذكر الله جل جلاله تحت سياطِ هذه العذابات والفتن.
وتعلمون ماذا فُعل بآل ياسر..بسنيره..بصهيب..بغيرهم. ألا تستنصر الله لنا؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يطمئنهم بأن الحق وان طال البلاء ظاهرٌ ظاهر. وهذا هو بن مسعود رضى الله عنه والحديث فى البخارى ومسلم يقول: "كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ، ضربه قومه فأدموه ، فهو يمسح الدم عن وجهه ، ويقول : ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ).



لقد فتن النبى واُذى صلى الله عليه وسلم, لقد ابتلى النبى عليه الصلاة والسلام, ووضع التراب على رأسه, ونزف الدم الشريف من جسده الطاهر, ولكنه صبر لأن الله أمره بالصبر (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) الاحقاف 35.
فاستجاب لامر الله, وصبر لوعد الله جل وعلا.
انه البلاء, انها الفتن أيها الاحباب, ولابد من الصبر على كل هذه الفتن, وعلى كل هذه الابتلاءات. ورحم الله من قال:
يا صاحب الهم ان الهم منفـرج ** أبشر بخير فان الفـــارج الله
واذا بُليت فثق بالله وارضِ بـه ** إن الذى يكشف البلـوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسـرةً ** لا تجزعن فان الصانــــع الله
والله ما لك غير الله مـن أحدٍ ** فحسبك الله فى كلٍ لــك الله
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم صبرا جميلا, وأن يجمل طريق دعوتنا واياكم بالصبر انه ولى ذلك ومولاه, وأقول قولى هذا وأستغفر الله العظيم لى ولكم.



الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله. اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وكل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره الى يوم الدين.
أما بعد.. فيا أيها الأحبه وان كان الله جل وعلا قد جعل الابتلاء والفتن لاهل الايمان سنةً ثابتةً جارية, فاطمئنوا واعلموا يقيناً بأن النصر فى نهاية الطريق سنة ثابتةٌ جارية, وبأن أخذ الله جل وعلا للظالمين والمجرمين سنةٌ ثابتةٌ جارية, نعم (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) الانعام 34.
لابد وحتماً من النصر فى نهاية الطريق فى الوقت الذى يشاء, فى الوقت الذى يشاءُ ربنا, ان الله لا يعجل لعجلت أحد, ان الله لا يعجل لعجلة اهل الابتلاء من الدعاة الصادقين, كلا بل يأتى النصر فى الوقت الذى يشاء ربنا, وبالقدر الذى يشاء ربنا جل وعلا, فعلينا أن نتأدب مع الله وأن نصبر على بلاء الله وعلى الفتن وعلى الاضطهاد والاذى,’ ونمضى ونحن نضع رؤوسنا فى الارض انكساراً وذلا لله جل وعلا, ولندع نتيجة الامر ونهايته لمن بيده الامر كله (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) آل عمران 154.
أما أن نتململ وأن نقول لقد دُعينا فلم يُستجب لنا, أو أن نقول انا ندعو الى الله فلماذا نؤذى؟ فهذا من سوء الادب مع الله جل وعلا, وانما ينبغى أن ننطلق وأن ندع النتائج الى الله جل جلاله (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) التوبة 105.
ولكن كن على يقين مطلق, هذا كلام الله لك, وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أن الله جل وعلا فى النهاية لابد وحتماً أن يأخذ المجرمين والظالمين. أين فرعون؟ أين فرعون الذى قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ) النازعات 24.
أين فرعون الذى قال: (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) الزخرف 51.
فأجراها الله من فوقه. أين هو؟ أين قارون الذى قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِيۚ) القصص 78.
(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) القصص 81.
أين النمرود بن كنعان الذى قال للخليل: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) البقرة 258.
أين هو؟ قتله الله وأهلكه بذبابه. أين عاد؟ أين ثمود؟ أين الظالمون؟ وأين التابعون لهم فى الغيب؟ بل أين فرعون وهامان؟
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم؟ ** وذكرهم فى الورا ظلم وطغيان
هل أبقى المـوت ذى عزٍ لعزته؟ ** أو هل نجا منه للسلطان انسان
لا والذى خلق الاكوان من عدم ** الكل يفنى فلا انس ولا جـان(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)) الفجر.
(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)) البروج.
استمع أيها الحبيب (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)) لا يصدقون وينسون (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)) البروج.
أين الظالمون فى كل زمان؟ أين الظالمون فى كل مكان؟ (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)) هود.



أما أنت أيها الداعية, أما أنت أيها المؤمن المظلوم يا من ابتليت فى مالك, يا من ابتليت فى عرضك, يا من ابتليت فى شرفك, يا من ابتليت فى زوجتك وأولادك, لا تجزع ولا تفزع ولا تحزن, واصبر فوالله ان وعد الله حق.
أيها المظلوم صبراً لا تهن ** إن عين الله يقظى لا تنـام
أيها المظلوم صبراً لا تهن ** إن عين الله يقظى لا تنـام
نم قرير العين واهنأ خاطراً ** فعدل الله دائم بين الأنـام
وإن أمهل الله يوماً ظالماً ** فإن أخذه شديد ذي انتقام
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرزقنى واياكم صبرا جميلا, وأن يثبتنى واياكم على البلاء والفتن التى تصب على رؤوسنا فى هذه الايام صبا, انه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شئ قدير.



أحبتى فى الله, بذلك نكون قد أنهينا بفضل الله جل وعلا الزاد الذى لابد من تحصيله للدعاة على طريق الدعوة الشاق الطويل, ورأيت بفضل الله سبحانه وتوفيقه أن أذكر لكم وأن ألخص لكم ما ذكرناه فى اللقاءات العشر الماضية بصورة عملية متجسدة متحركة حيه للدعوة الى الله عز وجل, وأظنكم جميعا ستتفقون معى على ان هذه الصورة الكاملة المشرقة التى لابد أن نتأسى بها وأن نقتدى بها هى دعوة محمد صلى الله عليه وسلم, لذا فلقاؤنا ان قدر الله لنا البقاء واللقاء فى اللقاء المقبل ان شاء الله جل وعلا سيكون بعنوان (مع أفضل داعيةٍ عرفته الدنيا) لتبقى لنا جمعةٌ واحدةٌ فى سلسلة خواطر الدعوة بعد ذلك وسوف تكون بعنوان (بشرى وأمل).
أسأل الله جل وعلا أن يبشر قلوبنا وقلوبكم بنصرة دينه. اللهم أقر أعيننا بنصرة الاسلام. اللهم أقر أعيننا بعز المسلمين. اللهم أقر أعيننا بعز المسلمين. اللهم أعلى بفضلك كلمة الحق والدين. اللهم أذل الشرك والمشركين, والكفرة والملحدين برحمتك يا رب العالمين. اللهم ارزقنا الثبات فى الحق.

كتبت : حفيدة الصحابة
-
جزااااك الله خير يالغالية

جعله الله في ميزان حسناتك
كتبت : *بنت الإسلام*
-
كتبت : رسولي قدوتي
-


جزاكِ الله خيرا غاليتي

و نفع بكِ



لا عدمناكِ

الصفحات 1 2 

التالي

رسالة إليك أيها الطفل المسلم: أنا أحبك

السابق

علو الهمة ودنوها....

كلمات ذات علاقة
محمد , جميلالشيخ , حسان , فصبر