فصبر جميل..الشيخ محمد حسان
مجتمع رجيم / براعم الإسلام
أما بعد:
فمع اللقاء الحادى عشر من خواطر الدعوة الى الله عز وجل, ولا زال حديثنا بفضل الله جل وعلا عن الزاد, عن الزاد الذى لابد لكل داعية يسلك طريق الطويل, لابد له من تحصيله والتزود به, ولا زال حديثنا بفضل الله جل وعلا كما وعدناكم فى اللقاء الماضى, زادنا اليوم صبر جميل .
أحبتى فى الله.. ليس الايمان كلمة تقال باللسان فحسب, ولكن الايمان حقيقة ذات تكاليف, وأمانة ذات أعباء, وجهادٌ مرير يحتاج الى صبر جميل, ولا يكفى ان يقول الناس: آمنا. حتى يتعرضوا للفتن ويثبتوا عليها ويخرجوا منها خالصة عناصرهم, صافية قلوبهم.
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)) العنكبوت.
فالفتنة أصلٌ ثابت, وسنة جارية فى ميزان الله جل وعلا.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) العنكبوت.
فكما تفتن النار الذهب لتخلص بينه وبين العناصر الشائبة والرخيصة العالقة به, كذلك تفعل الفتن فى النفوس البشرية.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) العنكبوت.
لماذا؟ لان هناك نموذجا من الناس يعلن كلمة الايمان فى وقت الرخاء يحسبها هينة الحمل, خفيفة المؤونة, فاذا ما تعرض لفتنة من الفتن حتى ولو كانت هذه الفتنة هينة لينة استقبلها بهلع وجلع وفزع, واختلت فى نفسه القيم, وطاشت بين يديه الموازين, وتزلزلت فى قلبه العقيدة, كما قال ربنا جل وعلا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ) العنكبوت 10.
انه نمودجاً متكرر من البشر فى كل حين وفى كل جيل. انه نموذجا يزن العقيدة والدعوة بميزان الربح والخسارة. يظن العقيدة والدعوة صفقة يتاجر بها فى أسواق التجارة.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)) الحج.
هذا الصنف أيها الأخيار الكرام لا يصلح أن يكون صاحب دعوة. لا يصلح ان يكون هذا الصنف صاحب دعوة, ولا حامل رسالة, ولا اميناً على منهج, لذا لو كان طريق الدعوة الى الله جل وعلا هيناً ليناً مفروشا بالزهور والورود والرياحين لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة, وأن يكون حامل رسالة, وأن يكون مؤتمنا على منهج, ولاختلطت حين اذٍ دعوات الحق بدعاوى الباطل الزائفة الكاذبة, لذا فلابد على طول طريق الدعوة الى الله من الفتن التى تعصف بالقلوب, وتزلزل الافئدة, لماذا؟ لماذا؟ ليغربل الله ويمحص الله جل وعلا القائمين عليها, وليترك الزائفين عنها, ولتبرز دعوات الحق من بين دعاوى الباطل الكاذبة الزائفة.
(فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت 3.
فمن ثبت بعض هذه الفتن المزلزلة على طريق الدعوة الطويل, فهو بحقٍ وجدارة –أقول لكم- فهو بحقٍ وجدارة هو صاحب الأهلية لحمل راية الدعوة الى الله عز وجل ليسير بها بين الأشواك والصخور. نعم.. انها فتن قاسية, انها فتن مزلزلة. فهناك فتنة الظلم والبطش والطغيان من أهل الباطل والجبروت التى تصب صبا على رأس الداعية الى الله جلا وعلا إن سلك طريق نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدٍ, تصب على رأسه الفتن صبا, ويصب عليه البلاء والاضطهاد صبا, وتزداد الفتنة حينما لا يرى من يسانده, ومن يقف الى جواره من البشر, وتزداد الفتنة اذا لم يشف من القوة والمنعة والحماية ما يدفع به عن نفسه الأذى والبطح والظلم والجبروت والطغيان.
وهناك فتنة الأهل والأولاد الصغار الذين يخشى عليهم الداعية أن يصيبهم الأذى والفتنة بسببه, وقد يهتفون به وينادون عليه ويصرخون فى وجهه, وينادونه باسم الحب, باسم القرابة, باسم الرحم أن يسالم أو يستسلم للبطش والظلم والطغيان. وقد تزداد الفتنة أذىً وبلاءً على رأس الداعية المؤمن إذا وقع الأذى على أهله وأولاده أمام عينيه وبين يديه وهو لا يملك لهم شيئاً ولا يستطيع أن يرد عنهم من الأذى شيئا. وهناك فتنة أكبر على الظالمين على المبطلين على الساقطين والراقصين, فتنة اقبال الدنيا عليهم, ورؤية الناس لهم مرموقين, ناجحين, تهتف لهم الدنيا, وتصفق لهم الجماهير المخدوعة, وتساق لهم الامشاج, وتحطم فى طرقهم العوائق, وتزلزل لهم الصعاب, وتيسر لهم الاسباب, وتفتح لهم الابواب.