** العالم الصيدلاني الأندلسي أبو العباس (بن الروميه )** لحملة علماء ومخترعون في ظل الإسلام

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : * أم أحمد *
-



العالم النباتي الصيدلاني أبو العباس ابن الرومية الاشبيلي..

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله بن أبي الخليل الإشبيلي، النباتي، المعروف بابن الرومية. وُلِد سنة 561هـ-1165م في مدينة اشبيلية؛

كان جده طبيبا بقرطبة، وتعلم والده علم النبات الطبي عن والده.. من هنا نفهم البيئة العلمية التي نشأ فيها ابن الرومية وكان لها الأثر الحاسم في بناء شخصيته.. تطورت معرفة ابن الرومية بعلم النبات في الوقت نفسه الذي شُغِف فيه بعلم الحديث، ففي أثناء انتقاله بين المدن والقرى للقاء المحدِّثين واستجازتهم، كان يدرس الأعشاب في الطبيعة..
الصيدلاني الأندلسي ومخترعون 3olame-wa-solahae_b4


لازَم ابن الرومية شيخ المالكية ابن زرقون (ت621هـ/ 1224م)، فترة طويلة، درس خلالها الفقه المالكي، فتعرَّض لمحنة على يد الموحِّدين، ثم أحدث قطيعة مع مذهب أستاذه ابن زرقون لينحاز إلى المذهب الظاهري، وكان شديد التأثر بآراء العلامة ابن حزم، وسمع الحديث من ابن الحرستاني، وابن الملاعب، وابن العطار، وأبو بكر ابن الجد، وابن عفير، وأبي ذر الحبشي، كما سمع بدمشق والموصل جماعة من أصحاب الحافظ أبي القوت السجزي، وأبي الفتح ابن البطي، وأبي عبد الله الغراوي

(جزيل عبد الجبار الجومرد "أبو العباس ابن الرومية، عالم الأعشاب والنباتات الطبية: حياته وتراثه"، مجلة آداب الرافدين، عدد 24، 1992). كما تتلمذ ابن الرومية على العلامة عبد الرحمن السُهيلي دفين مراكش، سمع عليه كتب السير وكتاب

"الروض الأنف" بمراكش عاصمة الموحدين وقتذاك..

ولابن الرومية تلاميذ كثر ذكر الأستاذ عبد الهادي احسيسن بعضهم إذ يقول:

"أما في الأندلس فقد أخذ عنه جماعة كبيرة، منهم ولده أبو النور محمد الذي كان يسكن بمراكش العاصمة قرب دار ابن عبد الملك المراكشي (صاحب الذيل والتكملة)، وابن عيسى المومناني، وابن أبي الخليل، وأبي يوسف بن فرتون، والمحدث الناقد أبو محمد بن قاسم الحرار، اهتم بجمع أخباره ومآثره وآثاره جمعها في كتاب، وأبو محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن البيطار المالقي الذي هو بدوره من أعظم علماء النبات والأعشاب وله تآليف مفيدة في هذا الشأن" (من رجالات العلم المغمورين في العصر الموحدي: ابن الرومية الاشبيلي، مجلة القرويين، العدد 2، 1990)؛ من تلاميذه أيضا علي بن أبي العباس أحمد بن أبي القاسم بن حمام الاشبيلي، رحل وروى بمصر عن أبي العباس بن الرومية (الذيل والتكملة، 1/153) دار الثقافة بيروت 1965، تحقيق: إحسان عباس)..


الصيدلاني الأندلسي ومخترعون 3olame-wa-solahae_b3


أخذ ابن الرومية يتنقَّل بين مدن وأقاليم الأندلس، فذهب إلى قرطبة وغرناطة أكثر من مرَّة لسماع الحديث وتحقيق النبات، وذهب إلى إقليم الشرف في ظاهر اشبيلية، وجبل شلير Sierra Nevada، ومدن جيان ورندة وجبالها، وشرق الأندلس..


ونؤكد أن صاحبنا ابن الرومية كان يتمتع بَميِزَّتَيْنِ علميتين: أولاهما أنه كان عالماً مطلعا وباحثا محققا كبيرا يعشق المعرفة، ويتحرَّى أسبابها طائفا في أرجاء الأندلس، وقد قال لسان الدين بن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة" في حقه: "إنه دخل غرناطة غير ما مرة، لسماع الحديث وتحقيق النبات، ونقَّر عن عيون النبات بجبالها"..


وكانت أوَّل رحلة لابن الرومية خارج بلاد الأندلس إلى المغرب، بعد سنة 580هـ/ 1184م، حيث أراد أن يلتقي بالشيخ أبي محمد ابن الحجري (تـ592هـ/ 1196م) بمدينة سبتة، ولكنَّه لم يحظَ بلقائه..


ثم بدأ ابن الرومية رحلته إلى بلاد المشرق في سنة 612هـ/ 1215م، فعبر البحر إلى المغرب، ونزل بميناء بجاية، وانصبَّ اهتمامه على تحصيل علم الحديث من علمائها، ثم تجوَّل في الريف الجبلي المحيط بالمدينة؛ ليجمع أنواع النبات، ويتحرَّى منابت الأعشاب، فجمع معرفة طيبة عن أعشابها الطبية.



ثم حلَّ بمدينة تونس، والتقى ببعض علمائها، وفي طريقه إلى مصر، مرَّ بالقيروان والمهدية وقابس وطرابلس وبرقة، وشاهَد ما ينبت فيها من أعشاب ونباتات، ثم دخل الإسكندرية سنة 613هـ/ 1216م، وفيها التقى بجملةٍ من العلماء والمحدِّثين، وبعض العلماء والرحَّالة الأندلسيين كابن جُبير (تـ614هـ- 1217م)، وبعد حصوله على بعض إجازات التحديث من علماء المدينة قام باستكشاف الأعشاب والنباتات في ضواحيها..


وعرض عليه ملك بلاد الشام ومصر العادل أبو بكر بن أيوب، بعدما استدعاه إلى القاهرة، وظيفة مغرية ليبقى في مصر، فاعتذر ثم توجَّه إلى الحجاز سالكا الطريق البري، ربما كان ذلك استجابةً لتوجيهات الرحالة ابن جبير الذي سلك هذا الطريق في رحلته المشهورة، ونصح الحجَّاج بتجنُّب الطريق البحري واستخدام الطريق الشمالي من فلسطين (جزيل عبد الجبار الجومرد: أبو العباس ابن الرومية، عالم الأعشاب والنباتات الطبية: حياته وتراثه" مجلة آداب الرافدين، العدد 24، 1992).


توجَّه ابن الرومية من القاهرة إلى القدس برًّا، ودرس نباتات بيت المقدس وما حوله من جبال، ثم توجه إلى الحجاز على الطريق الساحلي للبحر الأحمر، وبحث في نباتات الحجاز، ثم توجه إلى العراق والتقى بذوي المعرفة بالعقاقير والأعشاب في بغداد، ثم اتَّجه إلى تكريت، ثم إلى الموصل والتقى فيها المحدِّث والمؤرِّخ الشهير ابن الأثير الجزري (تـ630هـ/ 1233م)، ثم قام بجولاته العلمية بحثًا عن النباتات.
وفي طريقه إلى بلاد الشام مرَّ بحرَّان، وعاين بها النباتات، ثم عبَر الفرات إلى مدينة حلب التي اطَّلع على بعض النباتات بها، والتقى بابن القفطي (تـ646هـ/ 1248م)، وكانت بينهما مدارسات حول النباتات وخواصها.


ثم انتقل ابن الرومية إلى دمشق، ومنها اتَّجه إلى القدس، وفي طريق عودته إلى بلاده نزل مصر ثم غادَرها متَّجهًا إلى المغرب، بعد رحلة علمية دامت ثلاث سنوات.
لقد كان لرحلة ابن الرومية أثر كبير في تكوينه العلمي وشهرته كعالم نبات ثم كمحدِّث؛ فكانت الرحلة خلاصة مشاهداته، ومعايناته ودراساته للنباتات المختلفة في بلاد المغرب والمشرق التي مرَّ بها أثناء رحلته، ثم وضَع حصيلة تلك التجربة مجتمِعة في كتاب أسماه "الرحلة النباتية".


ونظرًا لالتقاء ابن الرومية بعددٍ كبير من علماء الحديث في بلاد المغرب والمشرق، فقد أخَذ عنهم واستجازهم، ثم أسمع بعضهم، فقام بتدوين أسماء هؤلاء العلماء في (برنامج) خاص، ولذا تُعَدُّ رحلة ابن الرومية أيضا رحلة فهرسية أو برامجية (جزيل عبد الجبار الجومرد "أبو العباس ابن الرومية، عالم الأعشاب والنباتات الطبية: حياته وتراثه"، مجلة آداب الرافدين، عدد 24، 1992).


قال ابن عبد الملك المراكشي في "الذيل والتكملة" يصف ابن الرومية ورحلاته وبحوثه: "إمام المغرب قاطبة فيما كان سبيله، جال بالأندلس ومغرب العدوة، ورحل إلى المشرق فاستوعب المشهور من إفريقيه ومصره وشامه وعراقه وحجازه، وعاين الكثير مما ليس بالمغرب، وعارض كثيراً فيه كل ما أمكنه، ولم يزل باحثاً على حقائقه كاشفاً عن غوامضه، حتى وقف منه على ما لم يقف عليه غيره ممن تقدم في الملة الإسلامية، فصار واحد عصره فرداً، لا يجاريه فيه أحد بإجماع أهل ذلك الشأن".


وجدير بالإشارة هذا الجمع الرصين عند ابن الرومية بين علم الحديث وعلم النبات، وفي ذلك يقول لسان الدين بن الخطيب في "الإحاطة في أخبار غرناطة": "كان نسيج وحده وفريد دهره وغرة جنسه، إماما في الحديث، حافظا ناقدا ذاكرا تواريخ المحدثين وأنسابهم، عجيبة نوع الإنسان في عصره وما قبله وما بعده، في معرفة علم النبات وتمييز العشب وتحليلها وإثبات أعيانها، على اختلاف أطوار منابتها بمشرق أو بمغرب، حساً ومشاهدة وتحقيقاً، لا مدافع له في ذلك ولا منازع، حجة لا ترد ولا تدفع، قام على الصنعتين، لوجود القدر المشترك بينهما، وهما الحديث والنبات، إذ مواردهما الرحلة والتقييد، وتصحيح الأصول، وتحقيق المشكلات اللفظية، وحفظ الأديان والأبدان.." (الإحاطة، المجلد الأول، ص: 208).


عاد ابن الرومية إلى اشبيلية، وزاول تدريس الأعشاب الطبية، ومن أشهر تلاميذه في علم النبات ابن البيطار صاحب "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية)

(تـ646هـ/ 1248م). افتتح ابن الرومية دكانا باشبيلية مختصا ببيع النباتات الطبية، فكان مقصد الأطباء والنباتيين، وهناك وفد عليه معاصره الفقيه المؤرخ الشهير ابن الأبّار القضاعي مرارا حسبما يذكر لنا في ترجمته في "التكملة لكتاب الصلة".


لابن الرومية تصانيف عديدة في الحديث والنبات، منها في علم الحديث: "رجالة المعلم بزوائد البخاري على مسلم"؛ و "اختصار حديث مالك للدارقطني"؛ و "نظم الدراري فيما تفرد به مسلم عن البخاري"؛ و "الحافل في تذييل الكامل" الذي يقول عنه ابن الأبّار في "التكملة" ج1، ص:211، الطبعة الثانية): و"لابن الرومية على كتاب الكامل في الضعفاء استلحاق مفيد جمعه في سِفر ضخم سماه "بالحافل"، سمعت شيخنا أبا الخطاب ابن واجب، يستحسنه ويثني عليه، وكتاب "الحافل" هذا يعتبر من أهم مصادر ومراجع الحافظ ابن حجر وخاصة في كتابه "الميزان" بعد الأصل الذي هو كتاب "الكامل".. ويقول الذهبي في "الميزان": ".. فهذا كتاب ألفته بعد كتابي المنعوت "بالمفتي" في الضعفاء والمتروكين وبعض الثقات، طولت فيه العبارة وفيه عدة من الرواة زائدة على المفتي، زدت معظمهم من كتاب "الحافل" المذيل على كتاب "الكامل"..". يعلق الأستاذ عبد الهادي احسيسن في مقاله "من رجالات العلم المغمورين في العصر الموحدي: ابن الرومية الاشبيلي، مجلة القرويين، العدد 2، 1990، ص: 100" على نصّي ابن الأبّار، والذهبي: "وهكذا نلاحظ اعتماد هذين الحافظين الكبيرين، الذهبي وابن حجر على ابن الرومية الاشبيلي فيما أورده في كتابه "الحافل"، الذي نرى فيه تطور علم الحديث وتدرجه في بلاد الغرب الإسلامي إلى أن وصل إلي ما وصل إليه من نضج وازدهار، لدرجة أن صار جهابذة علماء الحديث في المشرق يعتمدون عليه وينقلون منه..


ومن مصنفات ابن الرومية في النبات: "شرح حشائش ديسقوريدس وأدوية جالينوس والتنبيه على أوهام ترجمتها"؛ و "التنبيه على أغلاط الغافقي"؛ وكتاب "الأدوية المفردة" الذي ذكره ابن سعيد الأندلسي في رسالته المفاضلة (نقلا عن نفح الطيب للمقري، ج 3، ص: 185): "ولابن الرومية الاشبيلي من علماء عصرنا لهذا الشأن، له كتاب الأدوية المفردة إلى غير ذلك من المصنفات"، وكتابه الأبرز "الرحلة النباتية".. وتجدر الإشارة إلى أن نبوغ ابن الرومية تزامن مع العناية الرسمية التي دبرت بها الدولة الموحدية قطاع الصحة خصوصا في عهد يعقوب المنصور الذي أسس مارستان دار الفرج الشهير..

أمَّا كتاب "الرحلة النباتية" فهو أشهر كتبه وأهم مؤلفاته، وللأسف ضاعَ هذا الكتاب كسائر كتب ابن الرومية، ولم يصلنا منه غير مقتطفات ذكرها ابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية"..



روى المقري في "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب": أن بعض الناس اجتمع بابن الرومية من أجل المذاكرة في الحشائش، فقال له، قصب الذريرة قد ذكر في كتب الطب، وذكروا أنه يستعمل منه شيء كثير، وهذا يدل على أنه كان موجودا كثيرا، وأما الآن فلا يوجد ولا يخبر عنه مخبر، فأجاب ابن الرومية أنه موجود وإنما لا يعلمون أين يطلبونه فقلت له وأين هو؟ فقال هو بالأهواز منه شيء كثير.." وهذا دليل على تمكن ابن الرومية في مجال النبات وخصائصه وجغرافيته مشرقا ومغربا.. وفي ذلك يقول ابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" عن ابن الرومية: "قد أتقن علم النبات ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها، واختلاف أوصافها، وتباين مواطنها، ولـه الذكر الشائع والسمعة الحسنة، كثير الخير..".


من الناحية النباتية الصرف يمكن القول أن أبا العباس ابن الرومية هو من أوائل من اعتنى اعتناءً حقيقياً بالوصف الظاهري للنباتات بما يسمى اليوم Botanique systématique؛ فهو يهتم في بوصف أجزاء النبات الذي يشاهده بحيث يركز على العناصر المميِّزة، أي يصف الجذور، والسيقان، والأغصان والأشواك، والزغب، والورق، والزهر، والثمار، والصمغ، مع إعطاء معلومات مفيدة حول شكل النبات وحجمه وطوله وعرضه ولونه وموضع إنباته وزمان الإنبات والإزهار.. وهذا يذكرنا بالعمل الموسوعي الذي قام به أبو الخير الإشبيلي في كتابه "عمدة الطبيب في معرفة النبات".. ولولا أبو العباس ابن الرومية وتعريفه العلمي الدقيق لنباتات الجزيرة العربية خصوصا تلك المتعلقة بسواحل البحر الأحمر التي ذكرها أبو حنيفة الدينوري (تـ 282هـ) في كتابه "النبات" الذي يعتبر أكثرُه مفقودا لضاعت على العلماء المتأخرين معلومات في غاية الأهمية عن نباتات هذه المنطقة..
لنستمع إلى ابن الرومية وهو يصف النبتة المسماة "كفّ مريم"، يقول:‏ "نبته منبسطة على الأرض، رجلية الورق إلى الاستدارة ما هي، صلبة الأغصان، في ورقها جعودة

ويسيرُ قبض، مزغبَّة ما


الصيدلاني الأندلسي ومخترعون 3olame-wa-solahae_b1


هي، شديدة الخضرة، تتكون على الأرض في استدارة على قدر الشبر، تخرج، فيما بين تضاعيف الورق على الأغصان، زهرة دقيقة إلى الصفرة ما هي، على شكل زهر الرِّجلة ثم يسقط، فيخلفه بزر أصغر من الحُلبة صلب يسقط، وتورق، وتنقبض الأغصان، وترتفع على الأرض حتى ترجع على الشكل الذي يتعارفه الناس على حسب ما تُجلب إليهم..".‏ ويذكر المواضع التي وطّن فيها هذا النبات : "وقد رأيتها بصحراء مصر... وأيضاً بالمغرب، بصحراء سِجلماسة وها. ورأيت منها ..." نوعاً بجبال بيت المقدس، صغيراً، أبيض اللون، دقيق العيدان، مدحرج الخلقة، دقيق البزر، وهذا النوع موجود أيضاً بطريق عسقلان في الصحارى".‏ ثم يقول : "وقلَّ من يعرف هذه النبتة على صفة التي وصفت.. ولم يحلِّها أيضاً أحد قبلي. فيما علمت".‏ ويقول عن شجر "الخيار شَنَبَرْ" في كتابه "الرحلة": "هو شجر معروف، وثمره مألوف بمصر وإسكندرية وما والاهما، ومنهما يحمل إلى الشام. وهو أيضاً بالبصرة كثير،


الصيدلاني الأندلسي ومخترعون 3olame-wa-solahae_b2

ومنها يحمل إلى المشرق".‏ ثم وصفه بقوله :‏ "شجرة كقَدْر شجر الجوز، وورقه كورقه، إلا أنه أصغر منه قليلاً، وأطرافه حادة، وهو أصلب من ورق الجوز، وفيه شبه من ورق الشاهبلوط. ويزهر زهراً عجيباً، لم ترَ عيني مثله جمالاً وحسناً في خلقته، وذلك أنه يخرج من بين تضاعيف الورق، في شهر أيلول، وهو في عُرجون طوله نحو ذراع، يخرج من جهاته الأربع عروق في طول الإصبع، وتنفتح أطرافها عن زهر ياسميني الشكل في قدر خمس ورقات في كل زهرة في نهاية الصفرة، فيأتي شكل العُرجون، وهو متدلٍّ بين تضاعيف الأغصان، كأنها ثريا مسروجة.‏ وهذا الزهر، إذا آن أن يخرج الثمر، يستحيل لونه إلى البياض، ويذوي، ويسقط، وتبرز أنابيب القضيب الشنبرية على الشكل المعروف، منها الطويل، ومنها القصير، عناقيد كعناقيد الخرنوب، تتدلى كأنها العِصيّ، شديدة الخضرة، ثم تسودّ إذا انتهت".‏


توفي ابن الرومية بعد حياة علمية حافلة بإشبيلية في شهر ربيع الآخر سنة 637هـ 1239م، وخلفه تلميذه ابن البيطار المالقي (توفي بدمشق في 646هـ)، فحمل علمه، وبرع مثله في علم النبات، وتجول مثله في المغرب والمشرق وطاف بمصر والشام وآسيا وبلاد اليونان، ووضع عدة تصانيف في الأدوية النباتية أشهرها "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" الذي ترجمه العلامة روني لوكلير إلى الفرنسية، وانتفعت به أوربا كثيرا..
ضاعت مؤلفات أبي العباس النباتي كلها، ما تعلَّق بعلم الحديث وكذلك تلك التي صنفها في النبات، وعددها ـ كما أحصيتها في المصادر ـ خمسة، هي:‏




1 ـ "تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس"،‏




2 ـ "شرح حشائش ديسقوريدس وأدوية جالينوس"،‏




3 ـ مقالة في "تركيب الأدوية"،‏




4 ـ "الرحلة النباتية".‏
أجل، ضاعت مؤلفاته كلها. ولكن المصنفين في أمتنا جروا على أن يأخذوا العلم والمعرفة بعضهم عن بعض، بأن يستخرج أحدهم من كتب السابقين نصوصاً يستشهد بها في كتابه دعماً لرأيه أو استيفاءً للموضوع.‏



والذي فعله العشَّاب الأندلسي ابن البيطار ـ معاصرُ أبي العباس وتلميذه ـ إنه، استجابة لطلب صاحب مصر، "الملك الصالح أيوب"، قد انصرف إلى إعداد موسوعة جاءت في أربعة أجزاء هي "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية"، جمع فيها، بإحاطة استثنائية، أسماء المفردات المعروفة في عصره، ورتبها على حروف المعجم، فكان يسمي المفردات النباتية، وأحياناً الحيوانية والمعدنية، ويدرج تحتها ما وصل إلى علمه المنسوبة إليه. وكان من نصيب أبي العباس أن المصنف استقى منه معلومات ـ حسب مسرد أعددتُه ـ في مئة ومفردتين اثنتين!‏




ولدى رجوعي إلى هذه الموسوعة، وقفت فيها على نماذج وافية من علم أبي العباس النباتي، استمدها التلميذ البار من كتاب أستاذه "الرحلة النباتية"، الذي كان قد ألَّفه من وحي رحلته المشرقية.‏




ومما لاحظته في المفردات، المائة والاثنتين، التي اقتبس ابن البيطار فيها معلومات من أبي العباس، أن ما يرد في المفردة الواحدة من المعلومات كان نصيب أبي العباس فيها غالباً هو الأوفى؛ وأحياناً لم يكن يرد في المفردة إلا ما يقوله نباتينا الطُّلعة وحده، وهذه أحصيتها فكانت 38 مفردة.‏




ولكن ما يسترعي الانتباه ويستحق مزيداً من الإعجابـ أن 66 مفردة (من الـ 102) قد انفرد عالُمنا الإشبيلي بتحليتها فلم يشاركه في التحلية أحد، وذلك يؤكد تفوقاً علمياً له على أقرانه من العلماء في المضمار الواحد.‏




الحواشي:‏




(1) "الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة" 1: 487، تحقيق الدكتور محمد بن شريفة، دار الثقافة، بيروت (د.ت).‏




(2) "الإحاطة في أخبار غرناطة" 1: 213 و208، تحقيق محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط الثانية 1393 هـ / 1973.‏




(3) "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، ص 601، تحقيق الدكتور نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت (د. ت).‏




(4) "معجم البلدان" 5: 112 ـ 14، طبعة مصورة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399 هـ / 1979.‏




(5) "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" لابن البيطار، 4: 74، طبعة مصورة، مكتبة المثنى، بغداد (د. ت).‏




(6) "جامع مفردات.." 2: 81.‏




(7) "جامع مفردات.." 4: 117.‏


الصيّدلاني الأندلسي أبو العبّاس النّباتي (ابن الرّومية) ـــ


رحم الله ابن الرومية وتلميذه ابن البيطار ونفعنا بعلمهما.


والله الموفق للخير والمعين عليه


الموضوع من تجميعي
كتبت : honey
-
موضوع مهم جدا
جميل أن نعلم عن علمائنا الأجلاءالذين قدموا الكثير للبشرية
شكرا على الموضوع و لك أحلى تقييم..
كتبت : عود مسك
-
شكرا لك غاليتي على طرحك الرائع المتكامل

عالم اسلامي عظيم له دور بارز في النهوض بالحضارة الاسلامية

تقبلي مروري المتواضع وتقيمي مع 50 مشاركه

ودمت بكل الود
كتبت : * أم أحمد *
-
class="quote">اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة honey:
موضوع مهم جدا
جميل أن نعلم عن علمائنا الأجلاءالذين قدموا الكثير للبشرية
شكرا على الموضوع و لك أحلى تقييم..

بارك الله فيكِ
وبارك الله في مروركِ الغالي
نورتي موضوعي
وعطرتي صفحتي
كتبت : * أم أحمد *
-
class="quote">اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة عود مسك:
شكرا لك غاليتي على طرحك الرائع المتكامل

عالم اسلامي عظيم له دور بارز في النهوض بالحضارة الاسلامية

تقبلي مروري المتواضع وتقيمي مع 50 مشاركه

ودمت بكل الود

تسلمي أختي الغاليه على مروركِ العطر
نورتي موضوعي
وسعدتُ بزيارتكِ الطيبه
شكراً لكِ

كتبت : um rawan
-
بارك الله فيك غاليتي واثابك ربي الجنه
احسنتي الاختيار
استفدت من موضوعك ومعلوماتك عن عالمنا الجليل ابو العباس بن الروميه
هو من العلماء البارزين في عالمنا العربي
شكرا حبيبه لتميزك الدائم
الصفحات 1 2 

التالي

ابن النفيس ~*~حملة علماء ومخترعون في ظل الاسلام~*~

السابق

الدكتور احمد زويل(لحملة علماء ومخترعون)

كلمات ذات علاقة
لبن , مدللة , الأندلسي , الروميه , الصيدلاني , العالم , العباس , الإسلام , بن , عل , علماء , في , ومخترعون