من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء

مجتمع رجيم / ليكن رمضان بداية انطلاقتي
كتبت : سنبلة الخير .
-
44ye.jpg


الدعاء
وهو الباب الذي فتحه الله تعالى, ذلك الباب الذي ينبغي أن يهتم له المؤمنون وهو أن دعوة الصائم لا ترد، قد فتح الله هذا الشهر وفيه كما قال صلى الله عليه وسلم: « ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرٌ» ([1])
ليحاول المرء ويبكي ويدعو ويتضرع أن يكون رمضان خيرًا مما كان ويدعو ويتضرع أن يعينه ربه سبحانه وتعالى على الوفاء بذلك ويدعو ويبكي ويتضرع ويخاف أن يمر عليه رمضان كما مر من قبل.
فأنت أيها المسكين قد دخلت ولم تتأهل له قد دخلت بذنوبك ومعاصيك وبكسلك وتوانيك ودخلت كذلك بضعف الهمة وضعف العزيمة ودخلت وقد محقت بركة الوقت والجهد، وإذا بك مسكين فقير قد دخلت على الله تعالى بذلك فتح لك الباب الذي يمدك منه فتح لك الباب الذي يعطيك منه فتح لك الباب الذي يفيض عليك سبحانه وتعالى فيه من رحمته، وهو باب إجابة الدعاء.
إذا يَئِس المرء من نفسه، بأن أراد أن يُصْلِحها من جهةٍ تشتت عليه من جهة، أو يَقوم بالذِّكْر من جهةٍ غَفَلَتْ من جهة، أو لِيترك تَكاسُلَه من جهةٍ نامَتْ من جهة، يُجاهدُ يومًا ويومًا فيَرجع يومًا ويومين وثلاثة، ويَقِف الحال به على حَدِّ العَجْز , فقد فُتِح له بابُ الدعاء؛ ليكون هذا الباب سببًا في رَفْع هذا البلاء النازل، وإصلاحِِ هذه الأحوال السيئة؛ حيث إن التَّضَرُّع لله تعالى، ورَفْعَ اليدين له، والانكسارَ بين يديه، والخروجَ عن الحَوْل والطَّوْل والقوة؛ كلُّ ذلك سببٌ في أن يَتقبَّل الله تعالى دعاءَ المرء، خاصة إذا رأى بكاءه، وخوفَه، وحُزْنَه وضِيقَه من حاله ومن نفسه، إذا رأى ذلك فإنَّه يَمُنَّ عليه سبحانه وتعالى فيُخَفِّفَ عليه القيامَ، ويُهَوِّنَ عليه الصيامَ، ويَرْزقه تلاوةَ كتابِه والاستشفاءَ به، ويَقْبل منه عملَه، ويُبارِك له وقتَه وجهدَه سبحانه وتعالى، إذا صَحَّ الدعاء، نَفَعَ، بأن يخرج من قلبٍ سليم.


فالدعاءُ من أهم الأسباب في دَفْع المكروه الذي نحن فيه، كل هذه المصائب التي نحن فيها، الدعاءُ أهمُّ شيءٍ يَدْفَعُها، وأهم سببٍ لحصول المقصود، ولكن الدعاء يَتَخلَّف أَثَرُه، فيدعو الإنسان ويدعو، وإذا لم ير إجابة يَسْتَحْسر، وييأس، ويَسْأَم، ويَمَلَّ, فإذا به يَتْرُك الدعاء!
وهو الحال الذي نحن فيه اليوم؛ مَن الذي دَعَا، ودعا، ودعا، ودعا، واستَمَرَّ على الدعاء، واستمر على الوقوف بباب الله تعالى مُتَضَرِّعًا، كلَّما رأى عَيْبًا مَحَاهُ، وكلَّما رأى خَلَلًا سَدَّهُ، وكلَّما رأى ذَنْبًا تاب منه، وهو واقفٌ يَتضَرَّع ويدعو ويَتَمَلْمل ولا يُفارِق بابَ الله حتى يَستجيب دعاءه؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60].
من الذي فعل ذلك؟!
من فعل ذلك فلا بُدَّ مِن تَحَقُّقِ الاستجابة له بفضل الله لإنَّ الله تعالى لا يَتَخَلَّفُ وَعْدُه - جل وعلا – للمؤمنين، ولكنه لا يرى إجابةً فيترك الدعاء.

www_arab-x_com_d0d6f


ويَتَخَلَّفُ أَثَر الدعاء لعدة أسباب :


1- إما لضعف الدعاء؛ نتيجة للدعاء بهذه الأدعية الضعيفة التي فيها اعتداءٌ وعُدْوان.
2- وإما لِكَوْنِ المرء لم يَجْمع قلبَه بِكُلِّيَّته على مطلوبِهِ حالَ الدعاء.
3- وإما لِوجود الموانع التي تَمنع الإجابة من الله تعالى؛ كأَكْلِ الحرام، ورَيْنِ الذنوب على القلب، وغلبة الغفلة، والشهوة واللهو على القلب: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» ([2])
أي: دعاء يدعوه به، فهو كالسَّهم، فالسَّهْمُ الضعيف يَخْرج من القَوْس الضعيف الرخوة، فلا يَصِلُ إلى مقصودِهِ، فإذا جاءته موانِعُ الإجابة أيضاً من أَكْلِ الحرام، وكثرةِ الذنوب والخطايا والسيئات، وغلبةِ الغفلة، واللهوِ، والشهوةِ على المرء؛ أنَّى يستجاب له؟!
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» ([3])
ادعوا الله وأنتم متيقنون أن الله تعالى سوف يستجيب سبحانه وتعالى لكم هذه الأدعية.


والدعاءُ أنفع شيءٍ للبلاء، هو عدوُّ البلاء النازل على المرء في دينِه ونفسِه ومالِه وأهلِه وأُمَّةِ الإسلام، الدعاءُ عدوُّ هذا البلاء، يَدْفَعُه ويُعالِجُه ويَمْنع نزولَه من أصلِه، وإذا نَزَل يَرْفعه، وإذا نَزَل يُخَفِّفه على حسب قوة الدعاء.
فالدعاءُ له حالات مع البلاءِ؛ فقد يكون الدعاء أقوى من البلاء فيَرْفَع البلاءَ، أو أن يكون أقلَّ منه فيَرْفع من البلاء بقَدْرِه، أو أن يكون مِثْلَهُ فيَتَعالَجانِ إلى يوم القيامة ([4]).
لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وآل وسلم: «لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ» ([5])
ويقول صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ» ([6]).
لذلك ينبغي على المؤمنين أن يكون هَمَّهُم هذه الأيام كيف يتحققون بإجابة الدعاء من الله تعالى؟ إِنَّ أنفسَهم قد مُلِئَتْ بالذنوب والمعاصي، وأعمالَهم قد مُحِقَتْ منها البركة، وإقبالَهم على الله تعالى ضعيفٌ لهذه الحالة، وكذلك استعدادُهم للقاء الله تعالى أشدّ ضعفاً، وأن المرء يحتاج إلى ربه في كل شيء، لا يستغنى عنه في كلِّ ذرة من ذراته، وفي أحوالِه في الدنيا وأحوالِه في الآخرة.

ولذلك كان لا بُدَّ له أن يكون له طريقٌ إلى الله، وبابٌ إلى الله؛ لأنه إذا لم يُقَوِّهِ ربُّه لن يُقَوِّيه أحدٌ، وإذا لم يَغْفر له لن يَغْفر له أحدٌ، وإذا لم يَرْزقه لا يَرْزقه أحدٌ، وإذا لم يُخَفِّف عليه لا يُخَفِّف عليه أحدٌ. مَنِ الذي يُخَفِّفُ عليه؟ من الذي يَرْزقه؟ من الذي يَشْفيه؟ من الذي يُبارِك في وقتِه؟ من الذي يأخذُ بيده إليه؟ من الذي يَغْفر له؟ من الذي يَرْفَع عنه الكربَ والبلاءَ؟ من الذي يُصْلِح أخلاقَه وعادَاته؟ من الذي يتوب عليه؟ هو الله تبارك وتعالى ولا أحدَ سواه, فإذا لم يكنِ اللهُ له فكلُّ شيءٍ عليه، ويراها ضَنْكًا، ويراها ضِيقًا وتُسَدُّ في وجهِه، وكُلَّما سَلَكَ بابًا وَجَدَه مسدودًا، لا يَنْفع في ذلك حينئذٍ إلا الدعاءُ الذي ذكرنا
وإذا عَرَفَ المرءُ هذا الأمرَ فلا يَسْتَبْطِأ الدعاءَ؛ لأن من الأسباب التي تَمْنع استجابتَه أن يقول المرءُ: قد دَعَوْتُ فلم يَسْتَجِبْ لي، قد دَعَوْتُ فلم يَسْتَجِبْ لي, قال«لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي» ([7]).
وهكذا يَعلم المرءُ كيف أَنَّ الإلحاحَ في الدعاء، والوقوفَ بباب الله تعالى - لا يَتحرَّك ولا يَتَزحْزح - سبَبٌ من أسباب استجابةِ الدعاء، وورَفْعِ البلاء، وسببُ ما يريدُ من ربِّه سبحانه وتعالى في كل أحوالِه في الدنيا والآخرة، في الظاهرِ والباطن، أَلَّا يَمَلَّ من ذلك، وألا يَسْتَحْسِر، لذلك قال في الرواية الأخرى: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» ([8]).
كما هو حالُنا؛ إذا دعا المرء مرةً ولم يُسْتَجَبْ له غَفَل عن الدعاء وتَناساه، وعَلِمَ أَنَّ مِثلَه لا يُسْتَجَابُ له فيَسْتَحْسِر عند ذلك، ويترك الدعاءَ، وذلك من أسباب عدمِ البلوغ عند الله تبارك وتعالى؛ أن يَرتَفِع الدعاءُ، وقد مَثَّلُوه بهذا الرجل الذي بَذَر البذر وتعاهدَهُ بالسَّقْيِ والحَرْث، وكذا وكذا، ثم طال عليه إدراكُه ونُمُوُّه، فأَهْمَلَهُ وتَركه.
www_arab-x_com_d0d6f


---- أسباب استجابة الدعاء -----

ويَجْمَعُ الإمام ابنُ القيم إجابةَ الدعاء في هذه الجملة من الكلام ([9])، نَحْفظُها ونُشير إلى معانيها سريعًا؛ بحيث يَتَّضِح المقصودُ وهو كيف يستجاب له؟
يقول: إِذَا جَمَع الْمَرءُ مع الدُّعَاء حَضُورَ القَلْب بِكُلِّيَّته وجَمْعِيَّتِه عَلَى الله تَعَالَى، وصَادَفَ وَقتًا مِنْ أوقَاتِ الْإِجَابَةِ السِّتة وَهِي:
الثُّلُث الْأَخِير مِنْ اللَّيل, وَعِنْدَ الْآذَان, وَبَيْنَ الْآذَانِ وَالإِقَامَةِ.
وَدُبُر الصَّلوَات الْمَكْتُوبَات, وَيَوم الْجُمُعَة حَتَى يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنْ عَلَى الْمِنْبَرِ, وَآخِر سَاعَة مِنْ سَاعَاتِ يَومِ الْجُمُعَة، يعني: مِن بعدِ العصر إلى غروب الشمس.
ثُمَّ بعد ذلك صادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يَدَيِ الربِّ، وذُلًّا له سبحانه وتعالى، وتضرعًا، ورقةً، ثم استَقْبَل الداعي القبلةَ، وكان على طهارة، ورَفَع يديه إلى الله تبارك وتعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قَدَّم بين يَدَيْ حَاجَتِه التوبةَ والاستغفارَ للرب جل وعلا، ثم دَخَل على ربِّه، فَأَلَحَّ عليه في المسألة وتَمَلَّقَه، ودعاه برغبةٍ ورهبةٍ، وتَوَسَّل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وتوحيدِه، وقدَّم بين يَدَيْ دعائِه صدقةً، فإنَّ مثل هذا الدعاء، لا يكاد يُرَدُّ أبدًا، لا سيما إن صادَف دعاءً من الأدعية التي تتضمن اسمَ الله العظيم؛ اسمَه الأعظم سبحانه وتعالى الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى.
وانْظُرْ إلى هذه الكلمات التي قالها الإمامُ؛ لِتَرَى شيئًا من تفصيلها، وتحاول أن تَسِير على هذا النهج في هذه الأيام، لِيَتَّخِذَ المرءُ الدعاءَ منهجًا ودَيْدنًا، وأن لا يَسْتَحْسِر ويَدَعَ الدعاءَ، وأن يُقْبِل عليه بهذه الأَحوال الحَسَنة التي تُسبب استجابةَ الدعاء، والتي يُوشِك معها ألا يُرَدَّ دعاؤه أبدًا.


أولها: «إذا جَمَعَ مع الدعاء حُضورَ القلبِ بكُلِّيَّتِه وجَمْعِيَّتِه على الله تعالى ».


أن يُحْضِر قلبَه على الدعاء، فإِنَّ الله لا يَقْبل دعاءً من قلبٍ غافلٍ أو لَاهٍ، وإنما إذا حَضَر القلبُ مع الدعاء كان هذا أَنْجَحَ في استجابة الدعاء، وكان أَرْجى لتحقيق المطلوب؛ حيث يَتواطأ القلب واللسان على دعائه لله تبارك وتعالى، وكلما خَرج الدعاء من قلبٍ قويٍّ مُجْتَمِعٍ على الله تبارك وتعالى، لا يَرى إلا الله هو الذي يَقْبل دعائَه، ولا يرى إلا الله هو الذي يَسْتَجِيب له ذلك، فإن هذا القلب الحاضر، هذا القلب الحي، هذا القلب المتعلِّق بالله تبارك وتعالى، هذا القلب الذي خَرَج عن الأسباب إلا لله سبحانه وتعالى، والذي فَقَدَ الرجاءَ في كل شيء إلا في الله جل وعلا، فإِنَّه يوشِك أن يُستجاب له؛ لأنه عَلِمَ أَنَّ له ربًّا هو الذي يَقْبَل، وهو الذي يَغْفِر، فَيُقبل عليه ويَتْرُك الأندادَ والأسبابَ، ويَتَضرَّع إليه سبحانه وتعالى بهذا الافتقار، وذلك الجَمْع على الله تعالى، يوشِك أن يَسْتَجِيب له، ويَنْظُر أن الله هو الذي يَستجيب، فيتعلَّق به قلبُه ويُقْبل عليه، ويَنْخَلِع من قُوَّتِه وحَوْلِه وطَوْلِه، ومن حَوْلِ الناس وطَوْلهِم وسلطانهم، فلا يَلْتَفِت قلبُه إِلَّا إلى ربه، يوشِك أن يَستجيب له.


ثانيًا: فإن صادف وقتًا من أوقات الإجابة كَالسَّحَر.


فإنَّ الربُّ يَتَنَزَّل في الثلث الأخير من الليل ويقول: «هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ حتى يطلُع الفجرُ» ([10])
وهذا وقت الإجابة؛ إذا ما كان المرء ساجدًا كان أقربَ وأشدَّ للاستجابة، فإِنَّ الله تعالى يَقْرَب من عبده في جوف الليل الآخر، أَقْرَبُ ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، وأَقْرَبُ ما يكون العبد من الرب وهو ساجد، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» ([11]).
" قَمِنٌ " يعني: جَدِيرٌ أن يُستجابَ لكم، فإنْ تَحَقَّقَتْ هذه الثلاثة: قُرْبُ العبدِ من الربِّ، وقرب الرب من العبد، في ثلث الأخير من الليل الذي يَستجيب فيه الدعاء، يوشِك أن يستجيب اللهُ تعالى دعائَه.
ومن أوقات الإجابة أيضا عند الآذان، وبين الآذان والإقامة، لا تُرَدُّ الدعوةُ، وقد صَحَّ هذا الحديث بإسنادٍ جيد أنه بين الآذان والإقامة لا تُرَدُّ الدعوة، وكذلك - كما أشرنا - دُبُر الصلوات المكتوبات، وعند صُعود الإمام إلى المنبر حتى تنتهي الصلاة، وآخرُ ساعة يوم الجمعة.
وهذه الأيام وتلك الليالي وتلك الساعات إنما شَرُفَت لأسبابٍ وأسرارٍ لا يَعْلَمُها البشرُ عن الله تعالى، ولأسباب يَعْلَمُها البشر:
ففي نهاية الليل في الثلث الأخير: تَصْفُو النَّفْسُ، ويَزدادُ الإخلاص، ويزداد الإقبالُ على الله تبارك وتعالى,وفي الجمعة: تَجْتَمِع الهِمَمُ، والقلوبُ تتعاون على استِدْرارِ رحمةِ الله تعالى؛ فيكون ذلك أقربَ إلى استجابة الدعاء،

ثالثا الخشوع والانكسار والتذلل بين يدي الربّ سبحانه وتعالى:


وهكذا عندما يُصادِف العبد بعد ذلك خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يَدَيِ الرب، وذُلًّا له، وتَضَرُّعًا، ورِقةً، يعني: يصادف هذا الخشوع.
لذلك عمر رضي الله عنه ما كان يُعَوِّلُ على الدعاء في الاستجابة قَدْرَ ما يُعَوِّلُ على فَتْحِ باب الدعاء له، يعني: يقول إذا فُتِحَ بابُ الدعاء فقد فُتِحَ بابُ الإجابة، إذا وُفِّقَ المرء للدعاء بهذا المعنى - يعني: بانكسار أن يكون القلب خاشعًا، ويكون المرء منكسِرًا بين يَدَيِ الرب ذليلًا بين يديه، يَتَمَلَّقه سبحانه وتعالى، ويتضرَّع إليه ويَرِق قلبُه حال الدعاء وتَدْمَع عيناه - يَعْلم أن هذا الدعاء قد صادَف الإجابةَ.


رابعا التحقق بآداب الدعاء :

فإذا ما استَقْبل القبلةَ، وكان على طهارة، ورَفَع يديه , كما كان حالُ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يَرفع يديه في الدعاء حتى يَظْهر بَياضُ إبِطَيْهِ ([12])
ويَستقبل القبلة، ويدعو على هذا الخشوع الذي ذكرنا، وقد رأيناه كيف يفعل ذلك في كل المواقف صلى الله عليه وسلم، لذلك يقول في الحديث: كان إذا أَهَمَّهُ أمرٌ رَفَع رأسُه إلى السماء صلى الله عليه وسلم، وإذا اجتَهد في الدعاء قال: «يا حيُّ يا قيوم» فيُقْبِل على الله تعالى حالئذ، ويدعو ويرفع يديه مع الخشوع الذي ذكرنا والتضرع والرقة وبكاء العين وحضور القلب , ثم يحمد الله تعالى ويثنى عليه، ثم يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأوقات الفاضلة، يوشِك كما أشرنا أن يكون هذا الدعاء مقبولًا عند الله تعالى. هذه القلوب الحاضرة والمنكسرة، وتلك الأعين الباكية، وتلك الرقة، وقد وقف في هذه الأوقات التي يُرجى فيها استجابةُ الدعاء مع رَفْعِ يديه، واستقبال القبلة، والدعاء على طهارة،




خامسا: أن يُقَدِّم بين يَدَيْ حَاجَتَه التوبةَ والاستغفارَ:


فلا بُدَّ حينئذٍ أن يُحقِّق هذا المعنى الذي تكلَّمنا عليه في النصف من شعبان، والذي لا يُغفر للمرء به في رمضان إلا أن يَتحقَّق به أن يكون تائبًا بينه وبين ربِّه، وأن يكون قد خَرَج من المظالم بينه وبين الناس، فإن هذه الذنوب والسيئات تمنع وصولَ الدعاء إلى الله تعالى، وهذه المظالم بينه وبين الناس تَرُدُّ الدعاءُ؛ لذلك بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الذي «يَرْفَع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ويُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ » ([13]).
فبَيَّن صلى الله عليه وسلم شيئًا من أسباب الموانع التي تمنع الإجابة؛ أن مَطْعَمه ومَشْرَبه وغُذِيَ، وهذا دليلٌ على بقية المعاصي والذنوب، إذا كان مطعمه ومشربه وغُذِي بالحرام، يعني: إذا كان الحرام سببًا لاستبعاد أن يُستجاب الدعاء، فإن بقية المعاصي والذنوب كذلك تَمنع وصول الدعاء إلى ربه سبحانه وتعالى.



سادسا : ويُلِحُّ عليه في المسألة، ويَتَمَلَّق ربَّه.


دَخَل المؤمن إذن على الله تعالى وألَحَّ عليه في المسألة، دَخَل على الله تعالى يدعو ويُلِحَّ في المسألة، ويُكرر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الدعاء ثلاثة صلوات الله وسلامه عليه.
والإلحاح في المسألة من العبد للرب، يوشِك الربُّ إذا رأى عبدَه مُتضرعاً، أسِيفًا حَزِينًا، يدعو بقلبٍ حاضر وبقلب حزين خاشع لله منكسِرًا له، باكي العين، يوشِك أن يقول: أَعْطُوهُ، كما قال سبحانه تعالى: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ([14])، أعطوه ما أمر به سبحانه وتعالى، أو ما دعا به العبد، كما هو الحديث.
يقول له: يا ربّ أنتَ كريم، وأنتَ غفور، وأنتَ بَرٌّ، وأنتَ رحيم، وأنتَ الوَهَّاب، وأنتَ الجَوَّاد، وأنتَ المحسن، وليس لنا إِلَّاكَ، لا ملجأ لنا ولا مَنْجى منك إلا إليك،
هذه نَواصِينا الخاطئة الكاذبة بين يديك...
نَدْعوكَ دعاءَ المسكين، ونَتَضَرَّع ونَبْتَهِل إليك ابتهالَ الخاضعِ الذليلِ...
ويَتملَّق ربَّه، أين نَذْهَب؟ لا ملجأ ولا مَفَّر، إلى مَنْ نَقِفُ؟ وإلى مَنْ نَتَضَرَّع؟ إلى مَنْ نَرْفَعُ أيديَنا وأَكُفَّنا؟ إلى مَنْ نَبْكي ونَخْشع ونسعى ونحفد؟ لِمَنْ؟

سابعا: ويدعوه رغبةً ورهبةً :

كما قال سبحانه وتعالى : {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }الأعراف55, وكما قال: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90, كما ذكر المولى فيه، وفي استجابة دعائهم كما ذكر سبحانه وتعالى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{89} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90}} [الأنبياء: 88 - 90].


ثامنا: ويقدِّم بين يَدَيْ دعائِه صدقةً:


والصدقة مع الدعاء مما يستجيب المولى بها ـ كما سبق وأشرنا ـ وقد كان ذلك مِن فِعْلِه صلى الله عليه وسلم إذا خرجوا للاستسقاء أو إلى غيره من الأمور التي يجتمعون فيها للدعاء، أن يتصدقوا وأن يَخْرجوا مُنْكَسِرين إلى الله تعالى، مُتَبَذِّلين له، خاشعين له، فإذا بالله تعالى يستجيب دعائَهم، فإن الصدقة في السر تُطْفِئ غضبَ الرب سبحانه وتعالى ([16])، كما ذكر النبي صلى الله وآله وسلم، وإن الصدقة من الأعمال الصالحة التي يَرْتَفِع بها الدعاء إلى الله تعالى كما قال :َ{ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10].
فكلما أردتَ أن ترفع عملًا صالحًا إلى الله تعالى؛ دعاءً أو غيره من أذكارٍ لله تعالى، فارْفَعْهُ بالأعمال الصالحة، ومن الأعمال الصالحة التي يرتفع بها الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، ويستجاب بها تلك الصدقات، سواءً في السر أو في العلن، فإن ذلك كله يرفع الدعاء، وقَمِنٌ أن يستجيب الله به سبحانه وتعالى.

تاسعا: ثم يتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا:

قال تعالى:{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180] ادْعُهُ باسمه الكريم والبر والجَوَّاد والتواب والغفار والقوي والغني والقادر سبحانه وتعالى، ادْعُهُ بهذه الأسماء، وتَمَلَّقُه بها، وارْفِعْ إليه يديكَ بهذه الأدعية، وأَقْبِلْ بِقَلْبِك وكلِّ جوارِحك عليه.
فإنَّ التَّوَسُّل بالأسماء الحسنى والصفات العليا من أسباب استجابة الدعاء عند الله تعالى، كالتوسل بالأعمال الصالحة، بل هي أفضل، فإن التوسل بالأعمال الصالحة يَفِكُّ الصخرة كما ذكرنا في حديث الصخرة ([15])فكان الأَوْلَى أن يتوسل إلى ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبتوحيده سبحانه وتعالى، لِيستجيب له.


فإذا صادف الدعاء بعد ذلك أدعيةً من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تشتمل على الاسم الأعظم لله تعالى - على اسمه العظيم - فإن المولى سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء،سَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: للَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِأَنِّى أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) فَقَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِى إِذَا دُعِىَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى » .([17]) ،ويقول أنس: كُنْتُ جَالِساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْحَلْقَةِ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّى فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ : للَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَىُّ يَا قَيُّومُ إِنِّى أَسْأَلُكَ ) . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِى إِذَا دُعِىَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى »([18])


فإذا تَضَمَّن الدعاء هذه الأدعية من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم التي تشتمل على اسمه العظيم سبحانه وتعالى هذه أحاديث صحيحة - فإنه يوشِك أن يَتقبَّل اللهُ تعالى دعائَه، إذا سأل الله تعالى أعطاه، وإذا دعاه أجابه.
ومن هذه الأدعية التي وَرَدَتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُستجابُ بها للمرءِ دعوةُ ذي النون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» ([19])
إذا دعا بها في شيء، يعني: في أي شيء يدعو بها المرء يَسْتجيب الله تعالى بها، ويقول في الرواية الأخرى: «أَلَا أُخبِرُكُم بِشَيءٍ إِذَا نَزَلَ رَجُل مِنْكُمْ كَرْبٌ أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرِّجُ عَنَهُ فَقِيلَ لَهُ: بَلَى، فَقَالَ: دُعَاء ذِي النَّون» ([20])
فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخْبِر بهذا الدعاء أنه إذا نَزَل أمرٌ مُهِمٌّ للرجل وأراد أن يُفَرِّجَه الله تعالى عنه يُخْبِرهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء ذي النون إذا دَعَوْا به استجابَ الله لهم.
فها قد فَتَح لك هذا الباب من أبواب الاستجابة لِتُصْلِح به هذه الأحوال، قد سَمِعْتَ القرآن، وقد سمعتَ الدعاء والذِّكر، وسمعتَ القيام، والصيام، وسمعتَ كل هذه المعاني، ولم يَسْتَجِبِ القلبُ لها، ومَنَعَ الهوى وحَظُّ النَّفْسِ مِن أن يُسارِع المرء ويَتنافس في تحقيقها بنفسه، عَلَّهُ يفوز بمغفرة الله تعالى، فإذا كنتَ قد وصلتَ إلى هذه الحال ويَئِسْتَ أن تُصْلِح هذه النفس بما سَمِعتَ فوجدتَ شيئًا ثقيلًا على نفسك أن تقوم به، ووجدتَ الموانع تَمْنَعكَ من أن تقوم بهذه القربات والطاعات فقد وجدتَ طريقك إلى تحقيق ذلك.


هذا الدعاء بهذه الآداب التي أشرنا إليها يوشِك أن يكون سببًا لفكِّ هذه الكُرَب، وتلك العقد التي نحن فيها، ورفع البلاء الذي نَزَل بنا، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى المرء أن يُسارِع إلى الله تعالى، ويحاول أن يتحقَّق بهذه الأمور التي أشرنا إليها، وأن يَبذُل لها وقتًا، وجُهدًا، وأن يكون على أحسنِ حالٍ يمكن أن يَقْبل الله تعالى منه دعاءه، فإذا ما قُبِل الدعاء صَلحَتْ هذه الأحوال التي نحن فيها، واستَجابَتِ النفسُ والقلب لهذه الأعمال والطاعات والقربات، وسارعتْ إليها، وانشرحَ الصَّدْرُ، وثَبَتَتِ الأقدامُ على هذا الطريق إلى الله تعالى، وأُضِيء لها طريقُها إلى ربها، وتَنزَّلَتِ الرحمةُ، وارتفعَ الشقاء الذي نحن فيه، وإذا بالمرء الذي قد استجيب له قد انفتح بابه أمامَه، تلك الأبواب من أبواب الشفاء والهداية، ومن أبواب الرحمة والاستجابة , قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60].
فليحاول المرء ولا ييأس، ولْيُلِحَّ، ولْيَدْخُل على الله تعالى كما ذكرنا بهذه الآداب، فإنها المُعِينة له في تلك الأيام على تحصيل ما لم يحصل، وعلى الثبات فيما حَصَّله، وعلى التَّوَسُّع من رحمة الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7] كما ذكر جل وعلا.

www_arab-x_com_d0d6f
----- بماذا يدعوا المرء ربه؟ ------

فإذا ما كان الأمر على هذا الحال، وأن نهار الصائم يستجاب له، لا يرد دعاءه، وأن ليل الصائم له فيه كذلك دعوة مستجابة، فبماذا يدعوا المرء ربه؟
أنت تريد من ربك سبحانه وتعالى أن يقوي همتك وأن يرفع عزيمتك، تريد من الله تبارك وتعالى أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، تريد من الله جل وعلا أن يشرح صدرك بالقرآن، وبالإقبال عليه، تريد من ربك جل وعلا أن يقبل عليك بمحبته، وأن يقوم لك سبحانه وتعالى بشغلك، وأن يدفع عنك جل وعلا، وأن يحفظك من الشيطان والنفس والهوى، تريد من ربك سبحانه وتعالى أمورا كثيرة، في مالك وولدك ونفسك وعملك وخلقك، وبينك وبين الله، وبينك وبين الناس، تريد من ربك أن يرفع البلاء عنك وعن المسلمين، كل هذه الدعوات قد فتحها دعوة دعوة، لا ترد ليلها ونهارها.
أنت إذن أيها المسكين محتاج من الله تعالى إلى أن يخلص قلبك من آفاته من الكبر والعجب ورؤية النفس، وأن يخلص قلبك من طول الأمد، ومن الاستكانة إلى الدنيا، ومن التعلق بالمخلوقين، وأن يخلص كذلك أخلاقك من هذه الأخلاق السيئة التي تراها من الحسد، ومن عدم الأمانة، ومن الغش ومن الخيانة التي يراها المرء في أعماله، سواء مع الرب أو مع غيره، تريد من الله تبارك وتعالى أن يُطَهِّرَ لسانك وقلبك، وأن يحفظ سمعك وبصرك، وأن يحفظ عليك جوارحك أن يبارك لك في وقتك وجهدك، الذي لا تستطيع أن تملك منه شيئا اليوم، أن يبارك لك في عقلك في علمك، أن يبارك لك في نفسك وولدك، أن يشفيك من أمراضك وعللك، في ظاهرك وباطنك أن يقبل عليك سبحانه وتعالى برحمته ومغفرته، أن يعطيك من ثواب الدنيا والآخرة، أنت محتاج إليه أن تدعوه أن يرفع البلاء عن المسلمين، أن ينزل رحمته ونصره على المؤمنين، أن يهزم الكافرين، وأن يزلزل بهم، وأن يمزقهم شر ممزق، أنت محتاج إلى أن يؤلف بينك وبين إخوانك، وأن يخرج من قلبك أضغانك وأحقادك، أن يخرج من قلبك آفاتك وأخلاقك السيئة، وأن يهديك لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك السيئ لا يصرف السيئ إلا هو، أنت تريد منه أن يؤلف بينك وبين المؤمنين، وأن يجعل بينك وبينهم المودة، تريد منه أن ينزل عليك رحمته، وتريد منه أن ينير لك طريقك إليه، تريد منه أن يزهدك في الدنيا، ويقبل بك على الآخرة، تريد منه أن ينزع شهواتك ونزواتك التي فيك التي تعطلك عن الله تبارك وتعالى، تريد منه أن يشغل لسانك بذكره، وقلبك بالإقبال عليه، تريد منه أن يقبل دعاءك، تريد من المغفرة والعتق من النار، تريد منه ذلك كله، قد فتح لك الباب سبحانه وتعالى، وبين لك طريق الإجابة، الذي ينبغي أن تسلكه.
فكان اليوم هو الفارق إذن في دعوتك في وقت الإجابة التي قد وردت فيه وأوقات الإجابة التي وردت للصائم في ليله كله ـ الذي هو ليل الإجابة ـ كذلك في الثلث الأخير من الليل، كل ذلك قد انتظرته وتحققت بهذه المعاني من معاني استجابة الدعاء عند الله تبارك وتعالى، ووقفت ليلك ونهارك على بابه تدعوه، خاشعًا متضرعًا مقبلاً تنفق صدقات يرتفع بها العمل الصالح والدعاء إلى الله تعالى، كما ذكر المولى سبحانه وتعالى، وكذلك توالي كل ذلك بالتوبة والاستغفار التي تمحو الذنوب والسيئات، تريد بها أن يرتفع أعمالك، وأن يقبل دعاءك، وأن يقبل شفاعتك سبحانه وتعالى التي تشفع فيها.
قد علمت إذن هذا الطريق، والمقصر المحروم هو الذي علم الطريق، ثم منع منه، ثم قفل في وجهه هذا الطريق وأغلق عليه، وإذا بك قد حرمت الخير كله، وهكذا قد علمت احتياجك وضرورتك إلى الله تعالى، وعلمت في نهاية المطاف أن لا ملجأ منه إلا إليه، وعلمت أنه يقبل توبة التائبين، ودعاء الداعين، ورجوع الراجعين إليه سبحانه وتعالى، وأنهم ما أن يتقربوا إليه شبرًا حتى يتقرب إليهم ذراعًا، وأنه ينتظر فيئهم ورجوعهم سبحانه وتعالى، إذا لم تسارع إلى ذلك، ولم تر قلبك وقد رق، ودمعت عينك وخوفك قد ازداد وخشوعك قد ظهر على لسانك وقلبك وجوارحك، فاعلم أن باب الإجابة ما زال مغلقًا، وما زلت أيها المسكين لا تستحق شيئًا من ذلك، فليزدد حينئذ بكاؤك على نفسك أن قد وصلت لهذه الدرجة من الحرمان والإبعاد والطرد، وأنت لا تحس بها، وأنت لا تتألم لها، كيف تعمل لآخرتك، وأنت على هذه الحال؟ ليس هذا عملاً من أعمال الآخرة، بل ذلك استدراج من استدراج الشيطان، وذلك إبعاد من إبعاد الله له، بسبب ما هو فيه مما يضحك به على نفسه، ولا يكون سببًا من الأسباب على الحقيقة التي تكون من الأمور التي تقربه إلى الله جل وعلا، وتأخذ بيده إلى الله، وتفتح له باب الله تبارك وتعالى.
قد علمت إذن ذلك فقد استفدت وقتك يومك كله، لعلك تصادف فيه إجابة الدعاء، قد استفدت ليلك كله تصادف فيه تلك الليلة، يقول لك ك في كل ليلة ساعة يرجى فيها الإجابة، وأنت تنام كل هذه الساعات، إذا كان ينام كل هذه الساعات لا يهمه ساعة يرجو فيها الله، ويدعو فيها الله سبحانه وتعالى، ويرفع له يده ويتململ بين يديه ليفرج عنه، تراك قد أحسست بالآخرة أو بالحزن عليها، تراك قد دعوته دعاء المؤمنين في قوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً }ا[ الفرقان: 65]، وكذلك دعاؤهم أن يخفف لهم سبحانه وتعالى مدخلهم إلى قبورهم وخروجهم إلى حشرهم ونشرهم، ومرورهم على صراطهم، ووقوفهم ينتظرون صحائفهم بأيديهم بأيمانهم وشمائلهم.
أين أنت من هذه الأهوال والكرب، أين أنت من هذه المحن والمصائب في الدنيا والآخرة؟ باب الله تعالى قد فتح لك دعوة لا ترد ليلاً ونهارًا، دعوة مقبولة لا يردها المولى سبحانه وتعالى، فهلا قمت ليلة كاملة تدعو لا تبخل فيها على نفسك أن يجيبك بهذا الدعاء، وأن تحضر فيها الأدعية التي تريد أن يفرج عنك بها، والتي تريد من ربك سبحانه وتعالى، فيقوم ويستجيب لك سبحانه وتعالى فيها، هلا قضيت صيامك يومك في الدعاء والذكر ترجو بذلك أن تكون الدعوة المقبولة قد رفعت إليه وقد تلقاها سبحانه وتعالى بالرضا، وأثابك عنه سبحانه وتعالى بالعطاء، أم لا زلت باخلاً على نفسك، باخلاً على آخرتك، باخلاً على دنياك، باخلاً على ولدك، باخلاً على رحمتك، باخلاً على عتقك من النار.
كل ذلك لا يساوي شيئًا أن يقف المرء طوال يومه وليله ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة يدعو الله عز وجل أن يفرج عنه ويستجيب له سبحانه وتعالى، فإن استجاب له قد فاز فوزًا عظيمًا.





([1]) رواه الترمذي وحسنه (3598) , ورواه ابن خزيمة (1901)وابن حبان (8/214) في صحيحيهما , كلهم عن ابي هريرة رضي الله عنه, وصححه ابن الملقن في البدر المنير: 5/152
([2]) أخرجه الترمذي (3479) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([3]) تقدم، وهو جزء من الحديث المتقدم عند الترمذي (3479) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) أخرجه الحاكم (1 / 996) من حديث عائشة رضي الله عنها، وانظره في التخريج الذي بعده.
([5]) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معاذ رضي الله عنه (7151)، والحديث حسنه الشيخ ناصر في صحيح الجامع (7739) صحيح الجامع (3409).
([6]) تقدم قبله.
([7]) تقدم عند مسلم (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([8]) تقدم عند مسلم (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([9]) انظر الجواب الكافي ص5.
([10]) أخرجه البخاري (6321)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([11]) أخرجه مسلم (479) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
([12]) وحديث " ظهور إبطيه " في الصحيحين، ولكن قال العلماء أن المبالغة في الرفع بهذا الشكل لا تكون إلا في دعاء الاستسقاء. انظر الفتح (2 / 518).
([13]) أخرجه مسلم (1015) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([14]) أخرجه البخاري (6321)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([15])وهو حديث الثلاثة الذين انغلق عليهم الغار بصخرة من الجبل، وهو عند البخاري (5974)، ومسلم (2743) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
([16]) صحيح الجامع (3759)، (3760).
([17]) أخرجه الترمذي (3475) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه, قال الترمذي هذا حديث حسن غريب , وابن حبان بنحوه - قال الشيخ شعيب إسناده صحيح (3/173)
([18]) أخرجه الإمام أحمد (3/245) من حديث أنس رضي الله عنه.قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد قوي, ورواه بنحوه ابن حبان في صحيحه (3/176)
([19]) أخرجه الترمذي (3505) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
([20]) أخرجه الحاكم في المستدرك (1 / 685)، والنسائي في السنن الكبرى (10491)، والبيهقي في الدعوت الكبرى (157)، الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة (1744).
كتبت : شمعة قلم
-
جزاكي الله خيرا

موضوع في غاية الاهمية
كتبت : * أم أحمد *
-
بارك الله فيكِ حبيبتي الغاليه
وجزاكِ الله الفردوس الأعلى من الجنه
وهذا تذكير طيب وقيّم لما في هذه الأوقات الفاضله من أجر وثواب
تسلم الأيادي وتقبلي ودي ومروري




بطاقات فضل الدعاء والحث عليه





























































































































كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاكم الله خيرا على مروركم المميز
وبارك الله فيك اختي الغالية عراقية انا على اضافتك القيمة
اثابك الله
كتبت : *بنت الإسلام*
-
كتبت : كشموشه
-
الصفحات 1 2 

التالي

ها قد هَلَّ رمضانُ هذا العام

السابق

حكم قول رمضان كريم مهم جدا

كلمات ذات علاقة
من , المعظم: , الدعاء , الفوز , تحقيق , رمضان , شهر , في , وسائل