إقتباسات من " مشاهد "
للأديبة الصومالية سعدية عبد الله شيرة
جرحٌ تألق في الذاكر .. بين أبخرة الحساء في الداخل وصوت المؤذن يعلو مناديا للقيام، جرحٌ ذبلت زواياه ولكنه يأبى الزوال ..
في مثل هذه الليلة كان مولده، ورغم الليالي هاهو يكبر ويتكرر .. يمضغ الساعات مضغاً بطيئاً يزيد من حسرتها ويمجّ العمر على قارعة الرصيف مزيجاً غير واضح المعالم.
انقشعت أبخرة الحساء عن ذلك المشهد القديم، صالة بيتهم .. وهي تستند إلى زجاج النافذة تبكي قهرها وتتظلم إلى لا أحد،
يدخلان فتقفز نظرات الاحتجاج في عينيها إليهما، احتجاجٌ لا يريانه حتى لو أعلنت عنه بالصراخ.
- ليتني كنتُ يتيمة .
تُفلتُ منها بخفوت يشبه التنهد وهي تتنشق روائح الواقع المرّ وتسرع لإضافة الباذنجان قبل فوات وقته.
بيدين مرتجفتين تقطّع البصل، تُقنع نفسها أنه سبب البلل على خديها .. ارتطام السكين بسطح الطاولة يعلو ويعلو،
يصل إلى أذنيها من البعيد ارتطاماً آخر كانت تخشاه جداً؛ وقع عصا والدها مصحوب بسعاله.. انكمشت على نفسها وهي تعيش ثانية تلك الليلة المقيتة.
مُكرهة تجلس بينهم في ثيابها البراقة ، على وجهها أصباغ وفي جيدها عقد ذهبي.. كل هذا لم يكن يعنيها،
جلست مثل كرسي قديم مهمل، لم يلتفت إليها أحد ولا سُئلت رأياً أو موافقة وكانت عيناها مسمّرتان على ذلك البدين ذو الشارب الضخم يفتله كلما أراد الحديث عن نفسه ..
كادت تبكي غيظاً لولا وقع ارتطام عصا والدها بالأرض، ارتطامٌ مقصود جعلها تنتفض ذعراً
...
..
جزء من قصة "ذبول"
كتاب : مشاهد - مجموعة قصصية