[frame="13 70"]
ثمار الرضا بالله رباً
ثم قال وهو يفهم ما يقول، ويعني ما يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً؛ فليبشر بالأمور التالية: أولاً: أن يمنحه الله إيماناً يجد لذته في قلبه، وهذا أغلى ما يطمح إليه إنسان في هذه الدنيا. ثانياً: أن تغفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، كما وعد النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: أن يرضيه الله تبارك وتعالى يوم القيامة، ويجعله من أهل الجنة، وأي مطلب يبحث عنه إنسان فوق هذا! لكن هذه الأشياء لا تجعل الإنسان ينكص عن قول هذه الكلمة، بزعم أني أخشى أن أكون لم أحققها! لا، قل هذه الكلمة، وافهم معناها، واحرص على تطبيق مقتضاها بكل ما تستطيع، ولا يمنعك الضعف في تطبيق أمرٍ من الأمور عن غيره، فلا شك أن المحافظة عليها صباحاً ومساءً باللسان أمرٌ مشروع. فلا ينبغي أن يفهم من إيضاح معناها: أن يترك الإنسان النطق بهذه الكلمة؛ لأنه يقول لم أحقق معناها. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده رسولنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الإيمان بنبوته ورسالته
أولاً: الإيمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم، ولذلك في البخاري وغيره من حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول إذا أوى إلى فراشه ضمن الدعاء المعروف: {آمنت بكتابك الذي أنـزلت، وبنبيك الذي أرسلت فلما أعادها عليه البراء، قال:آمنت بكتابك الذي أنـزلت وبرسولك الذي أرسلت، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:لا، وبنبيك الذي أرسلت}.
فلابد أن تؤمن بالنبوة والرسالة، فهو نبيٌ صلى الله عليه وسلم مكلفٌ بتبليغ هذه الدعوة إلى جميع الناس، ولا يمكن أن يوجد معه أو بعده نبي آخر ينسخ دينه عليه الصلاة والسلام.
وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
ثانياً: وهذا لا يكفي، فقد يوجد إنسان يشهد بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، لكنه لا يرى عليه وجوب اتباعه -لسبب أو لآخر- كمن يعتقد أنه رسولٌ إلى العرب خاصة، أو رسول في وقت معين، أو أنه جاء لبيئة معينة، وهذا موجود كثيراً عند ملوثي الأفكار من المنتسبين إلى الإسلام.
ومثله من يعتقد أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست واجبة، فليس ضرورياً أن نطيعه، فنحن نصدقه لكن لا نطيعه، فهذا غير مسلم بل هو كافر؛ فمن لم يلتزم بوجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، كافر ولو اعترف بنبوته، واعترف برسالته وأحبه، فهو كافر إذا لم يعترف بوجوب اتباعه وطاعته ولم يلتزم بذلك. ولذلك روى مسلم في كتاب الحيض من صحيحه عن ثوبان {أن حبراً من أحبار اليهود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا محمد! إني سائلك، قال ثوبان: فدفعته دفعةً كاد يسقط منها، قال: ولم دفعتني؟ قلت له: ألا تقول: يا رسول الله، قال: إنما أسميه باسمه الذي سماه به أهله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: فإن اسمي الذي سماني به أهلي محمد، قال: إني سائلك، قال: هل ينفعك إن حدثتك، قال:أسمع بأذني، قال: سل، فقال هذا الرجل:أين يكون الناس حين تبدل الأرض غير الأرض؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: في ظلمة دون الجسر -يعني الصراط- قال: فمن أول من يجوز -يعني يمضي على الصراط- قال النبي صلى الله عليه وسلم: فقراء المهاجرين، قال: فما تحفتهم أول ما يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت أو النون، قال:فما طعامهم عليها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم؟ قال: من عين تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت، ثم قال: إني سائلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:هل ينفعك إن حدثتك، قال:أسمع بأذني، قال: ما الذي يجعل الولد ذكراً أو أنثى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا ماء الرجل أذكر بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة أنثى بإذن الله، فقال هذا الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم:صدقت، وإنك لنبيٌ}.
بل في رواية عند الترمذي وغيره، أنهما كانا رجلين فقبلا يدي النبي صلى الله عليه وسلم ورجليه، وقالا له: إنك لنبي، ولكن مع اعترافهم بنبوته لم يطيعوه؛ إما لأنهم ينتظرون نبياً آخر بعده من بني إسرائيل -كما زعم بعضهم- أو لأنهم يخافون أن تقتلهم اليهود، أو للتعصب، وهذا هو الغالب. والمهم أنهم لم يلتزموا بوجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينفعهم ذلك، ولذلك فإن التزام وجوب طاعته شرطٌ أساسي في صحة الشهادة.
align="right">[/frame]