هل يجوز سب الكافرين والاستهزاء بهم ، ولعنهم والدعاء على أعيانهم ؟

مجتمع رجيم / فتاوي وأحكام
كتبت : *بنت الإسلام*
-
الكافرين والاستهزاء 13508ojqbt3.gif

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ...

فقال الله تعالى :
[وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]

قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في [تفسيره]مبينا لمسائل وأحكام هذه الآية :
[فمتى كان الكافر في منعة ، وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل ،
فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم ، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك ؛
لأنه بمنزلة البعث على المعصية.]

ثم قال رحمه الله :
[وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين.]

وهنا قاعدة مهمة
عزة المسلم على الكافر لا تكون إلا بأحد أمرين :
إما بالحجة والبيان , وإما بالسيف والسنان

قال تعالى :
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في [مجموع الفتاوى 28/232 ]:
[فأخبر أنه أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنه أنزل الحديد كما ذكره .
فقوام الدين بالكتاب الهادي والسيف الناصر { وكفى بربك هاديا ونصيرا } . والكتاب هو الأصل ؛
ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب ؛ ومكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر وصار له أعوان على الجهاد
وأعداء الدين نوعان : الكفار والمنافقون
وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله : { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } في آيتين من القرآن.]


وقال رحمه الله كما في [مجموع الفتاوى 28/264]:
[فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد ؛ ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف .]
ولذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه جاهد الكفار والمنافقين بغير هذين الأمرين
وما سمعنا أبدا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد على استهزاء الكفار به وسخريتهم منه طوال العهد المكي
بقول أو فعل ، بل أمره الله بأن يهجرهم هجرا جميلا
وهذا الهجر الجميل مشروع ومأمور به في كل زمان يستضعف فيه المؤمنون ، ويحال بينهم وبين جهاد الكافرين

ولذا أمر الله نبينا صلى الله عليه وسلم في العهد المكي بالهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل
الهجر الجميل الذي لا إيذاء فيه ، والصفح الجميل الذي لا عتاب فيه ، والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه

وأما مقابلة الاستهزاء بمثله ، والسب بمثله ، والطعن بمثله
فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شيء
واعلموا رعاكم الله أن لعن جنس الكافرين على وجه العموم جائز بلا خلاف بين الفقهاء
نقل الإجماع على جوازه النووي في [الأذكار] وابن كثير في [تفسيره]
وكذلك أجمعوا على جواز لعن أفرادهم الأموات على وجه التعيين

وأما لعن بعض أفرادهم الأحياء على وجه التعيين ففيه نزاع بين العلماء
الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه لا يجوز لعنه
لأن حاله عند الوفاة لا تعلم وقد شرط الله تعالى في إطلاق اللعنة الوفاة على الكفر وذلك في قوله تعالى :
{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } ،
ولأنا لا ندري ما يختم به لهذا الكافر
وذهب الحنابلة في رواية والشافعية في قول وابن العربي من المالكية إلى جواز لعنه

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مرجحا لمذهب الجمهور كما في [مجموع الفتاوى 8/335] :
[والدعاء على جنس الظالمين الكفار مشروع مأمور به ، وشرع القنوت والدعاء للمؤمنين والدعاء على الكافرين
وأما الدعاء على معينين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلعن فلانا وفلانا فهذا قد روي أنه منسوخ بقوله :
{ ليس لك من الأمر شيء } . كما قد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع . فيما كتبته في قلعة مصر ؛
وذلك لأن المعين لا يعلم إن رضي الله عنه أن يهلك بل قد يكون ممن يتوب الله عليه ؛
بخلاف الجنس فإنه إذا دعي عليهم بما فيه عز الدين وذل عدوه وقمعهم كان هذا دعاء بما يحبه الله ويرضاه ؛
فإن الله يحب الإيمان وأهل الإيمان وعلو أهل الإيمان وذل الكفار فهذا دعاء بما يحب الله
وأما الدعاء على المعين بما لا يعلم أن الله يرضاه فغير مأمور به وقد كان يفعل ثم نهى عنه ؛
لأن الله قد يتوب عليه أو يعذبه .
ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن
ومع هذا فقد ثبت في حديث الشفاعة في الصحيح أنه يقول : { إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أومر بها }
فإنه وإن لم ينه عنها فلم يؤمر بها ، فكان الأولى أن لا يدعو إلا بدعاء مأمور به واجب أو مستحب
فإن الدعاء من العبادات فلا يعبد الله إلا بمأمور به واجب أو مستحب ، وهذا لو كان مأمورا به لكان شرعا لنوح
ثم ننظر في شرعنا هل نسخه أم لا ؟ . وكذلك دعاء موسى بقوله :
{ ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }
إذا كان دعاء مأمورا به بقي النظر في موافقة شرعنا له
والقاعدة الكلية في شرعنا أن الدعاء إن كان واجبا أو مستحبا فهو حسن يثاب عليه الداعي
وإن كان محرما كالعدوان في الدماء فهو ذنب ومعصية ، وإن كان مكروها فهو ينقص مرتبة صاحبه
وإن كان مباحا مستوي الطرفين فلا له ولا عليه فهذا هذا ، والله سبحانه أعلم .]اهـ

وأما ما يذكره المخالفون من سب أبي بكر لعروة بن مسعود في صلح الحديبية ففيه تأمل من عدة أوجه :
أولا : هل كان هذا السب منهجا لأبي بكر رضي الله عنه مع كل الكافرين في كل المواقف ؟!
الجواب : لا ، ولم يثبت عنه أنه قال هذه الكلمة أو نحوها في غير هذا السياق

ثانيا : هل هذا كان منهجا للنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالفين ؟!
مع كثرة مواقفه صلى الله عليه وسلم مع الكافرين وتنوعها ؟!
الجواب : لا ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن قابل سبهم واستهزائهم بمثله

ثالثا :هل قول أبي بكر رضي الله عنه : [امصص بظر اللات] كان معروفا من عادة العرب في السب ؟
وإذا كان معروفا هل كان لأبي بكر رضي الله عنه مقصد معين في التلفظ به في هذا السياق تحديدا ؟
وإذا كان له مقصد معين ، هل تحقق هذا المقصد أم لا؟

أجاب عن هذا جميعا الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري] فقال :
[وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم،
فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه،
وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار ،
وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك ،
وقال ابن المنير : في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم،
وتعريض بإلزامهم من قولهم إن اللات بنت الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ،
بأنها لو كانت بنتا لكان لها ما يكون للإناث.]اهـ

إذا هذا اللفظ كان معروفا عند العرب في كلامهم ، ولم يتفرد أبو بكر رضي الله عنه بوضعه
ومقصد أبي بكر رضي الله عنه من التلفظ به في هذا السياق تحديدا أمران :
زجر عروة بن مسعود أولا ، والتعريض بآلهة المشركين ثانيا
وهذا المقصد تحقق في هذا السياق ، فأفحم عروة ، وانتصر لله ورسوله

أما في حالتنا هذه ، فهل انزجر النصارى بهذا السب؟ ، الجواب : لا
وهل انتصر المسلمون لله ورسوله ؟ ، الجواب : لا
والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر في زمن القوة وسياق العزة

أما في زمن الاستضعاف في العهد المكي فأمر الله نبينا صلى الله عليه وسلم كما سبق
بالهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل

وأما الجواب على هؤلاء بغير التي هي أحسن بقصد زجرهم مع غلبة الظن على تحقق هذا المقصد فجائز
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في [مجموع الفتاوى 3/252]:
[والله تعالى يقول :{ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } .
فمتى ظلم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن ،
بل قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعروة بن مسعود بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لما قال :
إني لأرى أوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك : امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه
ومعلوم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين من كانوا .
وقد قال تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } . فمن كان مؤمنا فهو الأعلى كائنا من كان .
ومن حاد الله ورسوله فقد قال تعالى : { إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين } ]اهـ

وأما ما يذكرونه من هجاء حسان بن ثابت رضي الله عنه للمشركين في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم
فهذا لا ننازع فيه أصلا ، فهجاء المسلمين لعموم الكافرين بالشعر مما يحبه الله ويرضاه
وخصوصا في مثل هذا المجتمع العربي الذي كان يعظم الشعر ويخاف من الهجاء وينزجر به

وعود على بدء
أسأل مرة أخرى : هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على أحد من المشركين
لما اتهموه كذبا وزورا بقولهم : [ساحر ، كذاب ، مجنون ، شاعر ، كاهن ] ؟؟
الجواب : لا ، لم يثبت أنه رد عليهم بالسب والشتائم
إذا كيف رد عليهم صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : بالحجة والبيان في العهد المكي ، وبالسيف والسنان في العهد المدني

فإذا قال قائل : قد قررتَ فيما سبق عدم جواز لعن أعيان الكافرين الأحياء
فهل يجوز الدعاء عليهم من غير تلبس بلعنهم ؟
فالجواب : نعم ، يجوز الدعاء على عمومهم بإجماع الفقهاء ، والدعاء على أعيانهم من غير لعنهم ،
أما الإكثار من اللعن ونحوه فلم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم

ولذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، ادع على المشركين ,
قال : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .
كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاك الله خير الجزاء
سلمت يداك على نقل هذه الفتوى القيمة
لاحرمت المثوبة
كتبت : *بنت الإسلام*
-
كتبت : || (أفنان) l|
-
جـــــــــــــــــزاكِ الباري خيراً ووفقكِ لكل مايحبه ويرضاه
فتوى مهمة
حفظكِ الله وزادكِ من واسع علمه وفضله
كتبت : *بنت الإسلام*
-
كتبت : حنين للجنان
-
الصفحات 1 2 

التالي

ما حكم الاستماع لتوقعات العام الجديد ؟؟؟

السابق

ضوابط لقص شعر المرأة ...كذلك حكم قصة الإيمو و قصة البوب

كلمات ذات علاقة
أعيانهم , الكافرين , بهم , يجوز , ست , على , هل , ولعنهم , والاستهزاء , والدعاء