بعض ماتيسر من تفسير سورة يونس

مجتمع رجيم / الموضوعات الاسلامية المميزة .. لا للمنقول
كتبت : حبوبة ماما
-
يتبــــــــــــــــع

قوله تعالى﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)﴾


قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ انتقال من بيان كون القرآن من عند الله، إلى بيان مزاعمهم فيه، وأم هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة للاستفهام، أي: بل أيقولون إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بهذا القرآن من عند نفسه
قوله ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: قل لهم: يا محمد على سبيل التبكيت والتحدي: إن كان الأمر كما زعمتم من أني أنا الذي اختلقت هذا القرآن، فأتوا أنتم يا فصحاء العرب بسورة مثل سوره في البلاغة والهداية وقوة التأثير، وقد أبحت لكم مع ذلك أن تدعو لمعاونتكم ومساعدتكم في بلوغ غايتكم كل من تستطيعون دعوته غير الله تعالى فإنه وحده القادر على أن يأتي بمثله وجاءت، كلمة " سورة " منكرة، للإِشارة إلى أنه لا يطالبهم بسورة معينة، وإنما أباح لهم أن يأتوا بأية سورة من مثل سور القرآن، حتى ولو كانت كأصغر سورة منه
قوله تعالى ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)﴾
قوله ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ أي إن الذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحق الذي لا حق فوقه، أنهم لم يحيطوا به علمًا فلو أحاطوا به علمًا وفهموه حق فهمه، لأذعنوا بالتصديق به
قوله ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ أي: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن قبل أن يتدبروه بأنفسهم وقبل أن يقفوا على تأويله ومعانيه، من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم ودين آبائهم وقيل معنى ﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ أي وكذلك إلى الآن لم يأتهم تأويله الذي وعدهم أن ينزل بهم وهو العذاب
وفي هذا دليل على وجوب التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء أو رده، قبل أن يحيط به علمًا
قوله ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين﴾ تهديد لهم ووعيد على التمادي في العناد أي كذلك كذب الذين من قبلهم أنبياءهم، كقوم نوح وعاد وثمود فكانت نتيجة هذا التكذيب أن أخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر

قوله تعالى ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)﴾
قوله ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ أي: ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ويصدق به ويتبعك وينتفع بما أرسلت به، ومنهم من لا يؤمن به أبدا لاستحبابه العمى على الهدى على وجه العناد والظلم والفساد وقيل المعنى: ومن قومك يا محمد أناس مؤمنون في قرارة أنفسهم بأن هذا القرآن من عند الله، ولكنهم يكذبونك جحودا وعنادا ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ومنهم من لا يؤمن به أصلا لا نطماس بصيرته، وإيثاره الغي على الرشد ﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون﴾
قوله ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ فسيجازيهم على فسادهم بأشد العذاب فالمراد بالعلم هنا لازمه وهو الحساب والعقاب
قوله تعالى ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)﴾
إرشاد من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا ما لج أعداؤه في طغيانهم، أي وإن تمادى هؤلاء الأشرار في طغيانهم وفي تكذيبهم لك يا محمد، فقل لهم أنا مسئول عن عملي أمام الله، وأنتم مسئولون عن أعمالكم أمامه سبحانه وأنتم بريئون مما أعمله فلا تؤاخذوني عليه، وأنا برئ كذلك من أعمالكم فلا يؤاخذني الله عليها ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ وفي الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه وإعلام له بأن وظيفته البلاغ، أما حسابهم على أعمالهم فعلى الله تعالى
قوله تعالى ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)﴾
قوله ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقت قراءته للوحي، لا على وجه الاسترشاد، بل على وجه التفرج والتكذيب وتطلب العثرات
قوله ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾ الاستفهام للإِنكار والاستبعاد أي: لا تسمع الصم الذين لا يستمعون القول ولو جهرت به، وخصوصًا إذا كان عقلهم معدومًا لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت فإذا كان من المحال إسماع الأصم الذي لا يعقل للكلام، فهؤلاء المكذبون، كذلك ممتنع إسماعك إياهم، إسماعًا ينتفعون به
قوله تعالى ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)﴾
قوله ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾ ذكر انسداد الطريق الثاني، وهو: طريق النظر فإن وجهك ليس بوجه كذاب
قوله ﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ الاستفهام للإِنكار والاستبعاد أي فلا يفيده نظره إليك، ولا سبر أحوالك شيئًا، فكما أنك لا تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون، فكذلك لا تهدي هؤلاء
ودلت الآية على أن النظر إلى حالة النبي صلى الله عليه وسلم، وهديه وأخلاقه وأعماله وما يدعو إليه من أعظم الأدلة على صدقه وصحة ما جاء به، وأنه يكفي البصير عن غيره من الأدلة فقد وسمهم سبحانه بفقدان السمع والبصر والعقل، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلون، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت لأجله، صارت هي والعدم سواء
قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)﴾
قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ فلا يزيد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم
قوله ﴿وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ يجيئهم الحق فلا يقبلونه، فيعاقبهم الله بعد ذلك بالطبع على قلوبهم، والختم على أسماعهم وأبصارهم
قوله تعالى ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)﴾
بعد أن بينت السورة أحوال أولئك المشركين في الدنيا، أتبعت ذلك بالحديث عن أحوالهم يوم الحشر، ومن استعجالهم للعذاب
قوله ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها والمراد به هنا: إخراج الناس من قبورهم وجمعهم في الموقف
قوله ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾ الساعة هنا: المدة القليلة من الزمان، فقد جرت العادة أن يضرب بها المثل في الوقت القصير كأنهم ما لبثوا إلا ساعة من نهار، وكأنه ما مر عليهم نعيم ولا بؤس
قوله ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ كحالهم في الدنيا وهذا التعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر، وليس تعارف شفقة ورحمة وعطف وقيل معناه أن لبثهم في الدنيا كالمدة القصيرة التي لا تتسع إلا للتعارف السريع فيما بينهم
فإن قيل: إن هناك بعض الآيات ذكرت أنهم عندما يسألون يحسبون بأنهم لبثوا في الدنيا يوما أو بعض يوم، أو عشية أو ضحاها كما في قوله تعالى ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض عَدَدَ سِنِينَ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وكما في قوله تعالى ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ فكيف نجمع بين هذه الآيات التي اختلفت إجابتهم فيها؟
فالجواب: أن أهل الموقف يختلفون في تقدير الزمن الذي لبثوه في الدنيا على حسب اختلاف أحوالهم، وعلى حسب أهوال كل موقف، فإن في يوم القيامة مواقف متعددة بعضها أشد من بعض
قوله ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ المراد بلقاء الله: مطلق الحساب والجزاء الكائن في يوم القيامة ففي هذا اليوم يربح المتقون، ويخسر الذين كذبوا بلقاء الله
قوله ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ إلى الصراط المستقيم والدين القويم، حيث فاتهم النعيم، واستحقوا دخول النار
قوله تعالى ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)﴾
هذه الآية تأكيد لوقوع العذاب بهم، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم
قوله ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ "إن" شرطية و"ما" مزيدة لتأكيد معنى الشرط، وجملة ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ جواب للشرط أي: لا تحزن أيها الرسول على هؤلاء المكذبين، ولا تستعجل لهم، فإنهم لا بد أن يصيبهم الذي نعدهم من العذاب إما في الدنيا فتراه بعينك، وتقر به نفسك وإما نتوفينك قبل ذلك، وفى كلتا الحالتين فإن مرجعهم إلى الله وقوله ﴿بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ﴾ للإِشارة إلى أن ما سينزل بهم من عذاب دنيوي، هو جزء من العذاب المدخر لهم في الآخرة
قوله ﴿ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ﴾ أي لازمها وهو المعاقبة والمجازاة، لأنك إن قلت: الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم؟
فالجواب أنه ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب، فكأنه قال: ثم الله معاقبهم على ما يفعلون، ويجوز أن يراد أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم فتكون شاهدة عليهم
قوله تعالى ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)﴾
قوله ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ﴾ هذا من مظاهر رحمته سبحانه بعباده، أن جعل لكل جماعة من الناس، رسولا يبلغهم ما أمره الله بتبليغه، ويشهد عليهم بذلك يوم القيامة
قوله ﴿فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ فكل أمة تعرض على الله تعالى بحضرة رسولها، وكتاب أعمالها وحفظتهم من الملائكة شهود أيضا أمة بعد أمة فإذا جاء رسولهم وشهد بأنه قد بلغهم ما أمره الله به، قضى سبحانه بينه وبينهم بالعدل
قوله تعالى ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)﴾
لم يكتفوا بالإِعراض عن دعوة الحق، بل قالوا متى يقع علينا هذا العذاب إننا نتعجله فأت به إن كنت أنت وأصحابك من الصادقين في دعواكم وهذا القول منهم يدل على توغلهم في الكفر والجحود
قوله تعالى ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)﴾
أمر الله تعالى: رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم أنه ليس له من الأمر شيء، فلا يملك لنفسه فضلا عن غيرها ضر ولا نفع وإنما عليه البلاغ والبيان للناس وأما حسابهم وإنزال العذاب عليهم، فمن الله تعالى، ينزله بهم إذا جاء الأجل الذي أجله لهم، الموافق لحكمته الإلهية
قوله ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي فليحذر المكذبون من الاستعجال بالعذاب، فإنهم مستعجلون بعذاب الله الذي إذا نزل لا يرد بأسه عن القوم المجرمين
قوله تعالى ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)﴾
قوله ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ بمعنى أخبروني وبياتا أي: وقت الليل ومنه البيت لأنه يبات فيه وقال سبحانه ﴿بَيَاتًا﴾ ولم يقل ليلا، للإِشعار بمجيء العذاب في وقت غفلتهم ونومهم بحيث لا يشعرون به
قوله ﴿مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون﴾ استفهام معناه التهويل والتعظيم أي أن مثله لا يُستعجل بل شأنه أن يُستأخَر ومجيء (مِنْهُ) التي للتبعيض يفيد أنه ليس في ذلك اليوم أي جزء منه يمكن أن يسرهم فلماذا يستعجلوه لأن كل شيء منه مهلك حائل بينهم وبين التمكن من الإيمان وقت حلوله
قوله تعالى ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)﴾
قوله ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ﴾ أي هل الآن تدعون الإيمان في حال الشدة والمشقة فإنه لا ينفع الإيمان حين حلول عذاب الله
قوله ﴿آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ يقال لهم هذا توبيخًا وعتابًا في تلك الحال أي: قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب: الآن آمنتم بأنه حق؟ مع أنكم قبل ذلك كنتم به تستعجلون كما قال تعالى ﴿فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ فى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون﴾
قوله تعالى ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)﴾
قوله ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي حين يوفون أعمالهم يوم القيامة
قوله ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ أي: العذاب الذي تخلدون فيه، ولا يفتر عنكم ساعة
قوله ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ الاستفهام في قوله ﴿هَلْ﴾ للنفي والإِنكار أي لا تجزون إلا بالجزاء المناسب لقاء ما كنتم تكسبونه في الدنيا من الكفر والتكذيب والمعاصي
قوله تعالى ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)﴾
هذا حكاية فن من أفانين تكذيبهم على وجه التعنت والعناد والتهكم والاستهزاء، فمرة يتظاهرون باستبطاء الوعد استخفافاً به، ومرة يُقبلون على الرسول في صورة المستفهم الطالب فيسألونه: أهذا العذاب في الآخرة، حق
قوله ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظن أي: أصحيح حشر العباد، وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم
قوله ﴿قُلْ﴾ أي لهم مقسمًا على صحته، مستدلا عليه بالدليل الواضح والبرهان
قوله ﴿إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه
قوله ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ لله أن يبعثكم، فكما ابتدأ خلقكم ولم تكونوا شيئًا، كذلك يعيدكم مرة أخرى ليجازيكم بأعمالكم
قال ابن كثير: وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان، يأمر الله تعالى رسوله فيهما أن يقسم به على من أنكر المعاد، أما الآية الأولى فهي قوله تعالى ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى: ﴿زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾
قوله تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)﴾
قوله ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فى الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ﴾ أي: ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها، جميع ما في الأرض من مال ومتاع، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة، لقدمته سريعا دون أن تبقي منه شيئا حتى تفتدي ذاتها
قوله ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه، ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه، ما سلبهم قواهم، وبهرهم، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع، سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب يعني الرؤساء أخفوها من الأتباع أي أسر رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم، حياء منهم وخوفا من توبيخهم وقيل أسروا الندامة: أظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره وليس هناك تجلد لأنه ليس بيوم تصنع ولا تصبر والإسرار من الأضداد يقال أسررت الشيء بمعنى أخفيته وأسررته فعلى هذا القول أظهروا الندامة عند إحراق النار لهم لأن النار ألهتهم عن التصنع والكتمان وعلى الأول كتموها قبل إحراق النار إياهم
قوله ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ أي بين الفريقين أي: وقضى الله تعالى بين هؤلاء الضالمين وبين غيرهم بالعدل دون أن يظلم أحدا، وفيه بيان لعدالة الله في أحكامه بين عباده
قوله تعالى ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)﴾
قوله ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ صدرت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح ﴿ألا﴾ الدالة على التنبيه، لحض الغافلين عن هذه الحقيقة على التذكر والاعتبار والعودة إلى طريق الحق أي: ألا إن لله وحده لا لغيره، ملك ما في السموات والأرض من مخلوقات، وهو سبحانه يتصرف فيها وفق إرادته ومشيئته كما يتصرف المالك فيما يملكه، فهو يعطي من يشاء ويغفر لمن يشاء، ويتوب على من يشاء ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾
قوله ﴿أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أعيد حرف التنبيه لتمييزها بهذا التنبيه عن سابقتها، لأنها مقصودة بذاتها: إذ أن المشركين كانوا يظنون أن ما وعدهم به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من باب الترغيب والترهيب وليس من باب الحقائق الثابتة أي: ألا إن كل ما وعد الله به الناس من ثواب وعقاب وغيرهما، ثابت ثبوتا لا ريب فيه، وواقع وقوعا لا محيص عنه
قوله ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولكن أكثر هؤلاء الناس الذين بعثت إليهم يا محمد، لا يعلمون ما جئت به علما نافعا لسوء استعدادهم، وضعف عقولهم، وخبث نفوسهم
وقال ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾ إنصافا للقلة المؤمنة التي علمت الحق فاتبعته وصدقته، ووقفت إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم تؤيده وتفتدي دعوته بالنفس والمال
قوله تعالى ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)﴾
بيان لكمال قدرته، إثر بيان عظم ملكوته، ونفاذ وعده أي: هو سبحانه الذي يحيى من يريد إحياءه ويميت من يريد إماتته وإليه وحده ترجعون جميعا، فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازي الذين أحسنوا بالحسنى
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)﴾
قوله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ﴾ جاء هذا الإِرشاد والتوجيه عن طريق النداء، استمالة لهم إلى الحق بألطف أسلوب والموعظة: التذكير بالتزام الحق والخير، واجتناب الباطل والشر، بأسلوب يلين القلوب، ويرقق النفوس أي يا أيها الناس قد جاءكم من الله تعالى كتاب جامع لكل ما تحتاجون إليه من موعظة حسنة ترق لها القلوب، وتخشع لها النفوس وتصلح بها الأخلاق
قوله ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ الشفاء: هو الدواء الشافي من كل ما يؤذي، ويجمع على أشفية أي هو شفاء لأمراض صدوركم من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني
قوله ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الهدى: هو العلم بالحق والعمل به، والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين، وإذا وجدت في العبد الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه
قوله تعالى ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
قوله ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ﴾ أمر تعالى بالفرح بذلك وهو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده
قوله ﴿وَبِرَحْمَتِهِ﴾ الدين والهداية للإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته
قوله ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ الفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب أي خير من متاع الدنيا ولذاتها فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين، لا نسبة بينها، وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب، وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله وبرحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم
قال القرطبى: "وقد ذم الله الفرح في مواضع، كقوله سبحانه ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين﴾ وكقوله ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ ولكنه مطلق فإذا قيد الفرح لم يكن ذما، لقوله تعالى ﴿فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ وكقوله سبحانه هنا ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ أي بالقرآن والإِسلام فليفرحوا
ودخلت الباء على كل من الفضل والرحمة، للإِشعار باستقلال كل منهما بالفرح به عن أيفع بن عبد الكلاعي قال: لما قدم خراج العراق إلى عمر رضي الله عنه خرج عمر ومولى له، فجعل يعد الإِبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد للهتعالى ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته فقال عمر: كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾
أي: ليس هذا المال هو المعني بهذه الآية، وإنما فضل الله ورحمته يتمثل فيما جاءهم من الله تعالى من دين قويم، ورسول كريم، وقرآن مبين
قوله تعالى ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)﴾
قوله ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد على الذين أحلوا وحرموا بحسب أهوائهم دون أن يأذن الله لهم بذلك أي: قل لهم يا محمد أخبروني أيها المبدلون لشرع الله على حسب أهوائكم: إن الله تعالى قد أفاض عليكم ألوانا من الرزق الحلال فجئتم أنتم، وقسمتم هذا الرزق الحلال، فجعلتم منه حلالا وجعلتم منه حراما
وقد حكى الله تعالى فعلهم هذا في آيات متعددة، منها قوله تعالى ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا﴾ أخرج الإمام أحمد: عن عوف بن مالك بن نضلة يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رث الهيئة فقال: هل لك مال؟ قلت: نعم قال: من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال من الإِبل والرقيق والخيل والغنم فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك ثم قال: هل تنتج إبلك صحاحا آذانها، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر وتشق جلودها وتقول؛ هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك قال: نعم قال: فإن ما آتاك الله لك حل ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك"
قوله ﴿قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ﴾ استفهام قصد به التوبيخ والزجر أي: قل لهم يا محمد: أخبروني آلله أذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه لأنه لو أذن لكم في ذلك لبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
فكفى بهذه الآية زاجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل عنه من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله
قوله تعالى ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)﴾
قوله ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ في الكلام محذوف تقديره (فاعل بهم) أي ما ظن المفترين على الله الكذب فاعل بهم يوم القيامة قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾
قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ كثير، وذو إحسان جزيل،
قوله ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ إما أن لا يقوموا بشكرها، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه، وإما أن يحرموا منها، ويردوا ما منَّ الله به على عباده، وقليل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة، ويثني بها على الله، ويستعين بها على طاعته
ويستدل بهذه الآية على أن الأصل في جميع الأطعمة الحل، إلا ما ورد الشرع بتحريمه، لأن الله أنكر على من حرم الرزق الذي أنزله لعباده
قوله تعالى ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)﴾
يخبر تعالى، عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكناتهم، وفي ضمن هذا، الدعوة لمراقبته على الدوام
قوله ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ﴾ أي في عمل من الأعمال وجمعه شؤون وما تتلو منه في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها تعود إلى الشأن أي وقت تكون في شأن من عبادة الله وما تلوت من الشأن من قرآن الثاني: أنها تعود إلى الله تعالى فالمعنى وما تلوت من الله أي من نازل منه من قرآن ذكره
قوله ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ جمع (تعملون) ليدل على أنهم داخلون في الفعلين الأولين كما في قوله تعالى ﴿ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾
قوله ﴿إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾ أي: وما تلابسون بشيء منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه، حافظين له
قوله ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ الإِفاضة في الشيء الاندفاع فيه بكثرة وقوة أي: وقت شروعكم فيه والهاء عائدة على العمل
قوله ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ يقال: عزب الرجل يعزب بإبله إذا أبعد بها وغاب في طلب الكلأ والعشب أي وما يبعد ولا يغيب عن علمه، وسمعه، وبصره ومشاهدته
قوله ﴿مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ في المراد بالذرة خمسة أقوال أحدها أنه رأس نملة حمراء الثاني ذرة يسيرة من التراب الثالث أصغر النمل الرابع الخردلة الخامس الواحدة من الهباء الظاهر في ضوء الشمس إذا طلعت من ثقب واعلم أن ذكر الذرة ضرب مثل بما يعقل والمقصود أنه لا يظلم قليلا ولا كثيرا
قوله ﴿وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ﴾ (لا) نافية للجنس و(أصغر) اسمها منصوب لشبهه بالمضاف، و (أكبر) معطوف عليه وقدم ذكر الأصغر على الأكبر، لأنه هو الأهم في سياق العلم بما خفي من الأمور
قوله ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ هو علم الله الذي وسع كل شيء، أو اللوح المحفوظ الذي قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه وحفظ الله فيه كل شيء
وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر، كثيرًا ما يقرن الله بينهما، وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث، كقوله تعالى ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
قوله تعالى ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾
قوله ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ﴾ الأولياء: جمع ولي مأخوذ من الولي بمعنى القرب والدنو، يقال: تباعد فلان من بعد ولي أي: من بعد قرب والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد، وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح ﴿ألا﴾ وبحرف التوكيد ﴿إن﴾ لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية
قوله ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال
قوله ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال، وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثبت لهم الأمن والسعادة،
قوله ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ هذا وصفهم أي يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وصدقوا إيمانهم، باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله تعالى وليًا، وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضي، للإِشارة إلى أنه إيمان ثابت راسخلا تزلزله الشكوك، ولا تؤثر فيه الشبهات
قوله تعالى ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾
قوله ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ أما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق
وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم
قوله ﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ بل ما وعد الله فهو حق، لا يمكن تغييره ولا تبديله، لأنه الصادق في قيله، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه
قوله ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ اسم الإِشارة يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب محبوب، وحصر الفوز فيه، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى
قال ابن تيمية: "هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله، وقد بين سبحانه في كتابه، وبين رسوله في سنته أن لله أولياء من الناس، كما أن للشيطان أولياء وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون كما في هذه الآية، وفي الحديث الصحيح: "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، أو فقد آذنته بالحرب"، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى فمن كان أكمل إيماناً وتقوى، كان أكمل ولاية لله فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإِيمان والتقوى، ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض، ولا يجتنب المحارم، كان كاذباً في دعواه، أو كان مجنوناً، وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس، ولا بحلق شعر أو تقصير بل يوجدون في جميع طبقات الأمة فيوجدون في أهل القرآن، وأهل العلم، وفى أهل الجهاد والسيف، وفى التجار والزراع والصناع وليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين"
قوله تعالى ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)﴾
قوله ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ أي: لا يحزنك قول المكذبين فيك فإن أقوالهم لا تعزهم، ولا تضرك شيئًا والنهي عن الحزن وهو أمر نفسي لا اختيار للإِنسان فيه المراد به هنا النهي عن لوازمه، كالإِكثار من محاولة تجديد شأن المصائب، وتعظيم أمرها، وبذلك تتجدد الآلام، ويصعب نسيانها
قوله ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ أي: القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، والقدرة التامة لله وحده يؤتيها من يشاء، ويمنعها ممن يشاء ولا تعارض بين قوله سبحانه ﴿إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً﴾ وبين قوله في آية أخرى ﴿وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لأن كل عزة لغيره سبحانه فهي مستمدة من عزته، وكل قوة من تأييده وعونه، والرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، إنما صاروا أعزاء بفضل ركونهم إلى عزة الله تعالى وإلى الاعتماد عليه
قوله ﴿هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: سمعه قد أحاط بجميع الأصوات، فلا يخفى عليه شيء منها وعلمه قد أحاط بجميع الظواهر والبواطن، فلا يعزب عنه مثقال ذرة، في السماوات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر
أي ما يتبعون شركاء على الحقيقة لأنهم يعدونها شركاء لله شفعاء لهم وليست على ما يظنون
قوله تعالى ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)﴾
قوله ﴿ألا إِنَّ للَّهِ مَن في السماوات وَمَنْ في الأرض﴾ أي: ألا إن لله وحده ملك جميع من في السموات ومن في الأرض من إنس وجن وملائكة
وجاء التعبير القرآني هنا بلفظ ﴿من﴾ الشائع في العقلاء، للإِيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم، لأنهم إذا كانوا مع شرفهم وعلو منزلتهم مملوكين لله تعالى كان غيرهم ممن لا يعقل أولى بذلك
قوله ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَآءَ﴾ أي وما يتبع هؤلاء المشركون في عبادتهم لغير الله شركاء في الحقيقة فإنه ليس لله شريك أصلا عقلا ولا نقلا، وإنما يتبعون أشياء أخرى سموها من عند أنفسهم شركاء جهلا منهم، لأن الله تعالى تنزه وتقدس عن أن يكون له شريك أو شركاء في ملكه أو في عبادته
قوله ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ أي: ما يتبعون في عبادتهم لغير الله إلا الظن الذي لا يغني عن الحق شيئاً، وإلا الخرص المبني على الوهم الكاذب، والتقدير الباطل فإن كانوا صادقين في أنها شركاء لله، فليظهروا من أوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة، فلن يستطيعوا وأصل الخرص وهو القول عن ظن وتخمين دون علم ويقين وحقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص، سواء أكان مطابقاً للشيء أو مخالفاً له، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص في خرصه أي: كفعل من يخرص الثمر على الشجر.
قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ{67}﴾
قوله ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ أي إن ربكم الذي يجب أن تعتقدوا ربوبيته هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه فيزول تعب النهار وكلاله بالسكون في الليل في النوم والراحة بسبب الظلمة، التي تغشى وجه الأرض، فلو استمر الضياء، لما قروا، ولما سكنوا
قوله ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ أي مضيئا يبصر به الخلق، فيتصرفون في معايشهم، ومصالح دينهم ودنياهم وإنما أضاف الإبصار إليه لأنه قد فهم السامع المقصود إذ النهار لا يبصر وإنما هو ظرف يفعل فيه غيره كقوله ﴿عيشة راضية﴾ إنما هي مرضية
قوله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾سماع اعتبار فيعلمون أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله القادر
قوله تعالى ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)﴾
المراد بهؤلاء القائلين: اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله والنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، وكفار العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، وغيرهم من نحا نحوهم في تلك الأقوال الشائنة
قوله ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ الغني لَهُ مَا في السماوات وَمَا في الأرض﴾ أي: تنزه وتقدس عن أن يكون له ولد، ثم برهن على ذلك، بعدة براهين:
أحدها: قوله ﴿هُوَ الْغَنِيُّ﴾ أي: الغنى منحصر فيه، الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فإذا كان غنيًا من كل وجه، فلأي شيء يتخذ الولد؟
قوله ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾ وهذا البرهان الثاني: وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من أهل السماوات والأرض، ومن المعلوم أن هذا الوصف العام ينافي أن يكون له منهم ولد، فإن الولد من جنس والده، لا يكون مخلوقًا ولا مملوكًا. فملكيته لما في السماوات والأرض عمومًا، تنافي الولادة
قوله ﴿إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذا﴾ ﴿إن﴾ هنا نافية و﴿من﴾ مؤكدة لهذا النفي، ومفيدة للعموم، والسلطان: الحجة والبرهان، وهذا البرهان الثالث أي: هل عندكم من حجة وبرهان يدل على أن لله ولدًا، فلو كان لهم دليل لأبدوه، فلما تحداهم وعجزهم عن إقامة الدليل، علم بطلان ما قالوه وأن ذلك قول بلا علم، ولهذا قال: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾
قوله تعالى ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)﴾
أي قل لهؤلاء المشركين على سبيل الإِنذار والتهديد: إن الذين يفترون على الله الكذب بنسبة الولد إليه، والشريك له، لا يفلحون ولا ينالون مطلوبهم
قوله تعالى ﴿مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)﴾
قوله ﴿مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا﴾ بيان لتفاهة ما يحرصون عليه من شهوات الحياة الدنيا
قوله ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ أي ثم إلينا لا إلى غيرنا مرجعهم يوم القيامة، ثم نحاسبهم حساباً عسيراً على أقوالهم الذميمة، وأفعالهم القبيحة، ثم نذيقهم العذاب الشديد بسبب كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم لنبينا - صلى الله عليه وسلم
المصدر :- السابق.
كتبت : حبوبة ماما
-
class="quote">اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة * أم أحمد *:

بارك الله فيكِ وفي عملكِ
ورزقكِ الله العلم النافع
ونفع بكِ
وجعلكِ من أهل القرآن وخاصته
وتقبلي ودي وتقييمي
بارك الله فيكي غاليتي ام احمد
ومشكوره على الوسام

كتبت : حبوبة ماما
-
[QUOTE=رسولي قدوتي;1998072]
جزاكِ الله خيرا غاليتي

وبورك عملكِ

جعلكِ الله من اهــل القرآن الذين هم اهل الله وخاصته

[/QUOTE
واياك ياربي يسعدك ويجعلك من اهل القران وخاصته
الصفحات 1  2

التالي

تأنس به القلوب ((حملة انه الله ))

السابق

لأن الله ربي >>> حملة إنه الله

كلمات ذات علاقة
ماتيسر , من , بعض , تفسير , يونس , صورة