أضرار ختان الأناث

مجتمع رجيم / مقهى وردات رجيم
كتبت : ام روان ونوران
-
هذا الكلام كله كذب معلش هما مش اعلم من الر سول صلى الله عليه وسلم
وبتداول هذه المواضيع به محاربة لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
ثم كلام ان الختان بيجيب برود كذب فى كذب
مشكورة على نقلك
كتبت : غيداء محمود
-
بحث دار الإفتاء المصرية حول تحريم ختان الإناث
التاريخ 15/01/2008

تحريم ختان الإناث في هذا العصر هو القول الصواب الذي يتفق مع مقاصد الشرع ومصالح الخلق، وبالتالي فإن محاربة هذه العادة هو تطبيقٌ أمينٌ لمراد الله تعالى في خلقه، وبالإضافة إلى أنّ ممارسة هذه العادة مخالفة للشريعة الإسلامية فهي مخالفة كذلك للقانون، والسعي في القضاء عليها نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان ذلك على التفصيل التالي:

بيان أن القول بتحريم ختان الإناث لا يخالف الشريعة الإسلامية:
تقرر عند علماء الحديث أنه لم يصح في ختان الإناث حديثٌ، وأن كل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة لا تقوم بها حجة.
يقول الإمام أبو بكر بن المنذر النيسابوري الشافعي الحافظ [ت319هـ]: "ليس في الختان (أي للإناث) خبرٌ يُرجَع إليه ولا سُنّةٌ تُتَّبَع".
ويقول الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (21/59): "واحتج مَن جَعَل الختان سنّة بحديث أبي المليح هذا، وهو يدور على حجاج بن أرطاة، وليس ممن يحتج بما انفرد به، والذي أجمع المسلمون عليه: الختان في الرجال" اهـ.
ويقول العلامة شمس الحق العظيم آبادي في "عون المعبود في شرح سنن أبي داود" (14/126): "وحديث ختان المرأة رُوي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت".
ويقول الحافظ العراقي في "المغني عن الأسفار" (1/148): "وحديث أم عطية رواه الحاكم والبيهقي من حديث الضحاك بن قيس، ولأبي داود نحوه من حديث أم عطية، وكلاهما ضعيف".
ويقول عن حديث "الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء": "رواه أحمد والبيهقي بإسناد ضعيف".
ويقول الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/191): "ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حُجّةَ فيه على المطلوب".
ويقول الشيخ سيد سابق في "فقه السنة" (1/33): "أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء".
ويقول الإمام ابن الحاج في "المدخل" (3/310): "واختُلف في حَقِّهنّ: هل يخفضن مطلقًا، أو يُفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب"، وانظر: فتح الباري لابن حجر (10/340).
وكل هذه النقول تبين أنها عادة وليست عبادة، أي أن قضية ختان الإناث ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، ولكنها قضية ترجع إلى الموروث الطبي والعادات والتقاليد الاجتماعية.
ويكفي في ذلك أن نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختن بناته الكرام عليهن السلام، بينما ورد عنه ختان الحسن والحسين عليهما السلام.
ومن أشهر الأحاديث المروية في ختان الإناث: حديث أم عطية، وقد رواه الإمام أبو داود في "سُنَنه"(4/497)، وقال بعد أن رواه: "ليس هو بالقوي، وقد رُوِيَ مرسَلاً، ومحمد بن حسان مجهول، وهذا الحديث ضعيف".
ولفظ أبي داود في رواية هذا الحديث: «لا تَنْهَكي»، وهو مرويٌّ أيضًا من طرق أخرى ضعيفة بلفظ: «إِذَا خَفَضْتِ -أو إِذَا خَتَنْتِ- فَلا تَنهَكِي»، رواه البيهقي في السنن الكبرى وفي شعب الإيمان، وابن منده، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وهي وإن كانت كلها روايات ضعيفة إلاّ أن مجموعها يشير إلى أنّ ذلك -على فرض صحته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لم يكن أمرًا بالختان بوجه من الوجوه ولا حُكمًا بمشروعيته، بل هو أقرب إلى التوجيه النبوي الكريم الذي يُحذِّر من أضرار ممارسة هذه العادة على الوجه الذي كانت تُمارَس عليه، والنهي عن التجاوز فيها، وليس فيه أي تَعَرُّضٍ للأمر بها أو مشروعيتها من قريب أو بعيد.
وقد جاء الإسلام باحترام حقوق الإنسان كبيرًا وصغيرًا، وأمر بمزيد الاعتناء بالأطفال والإحسان إليهم وخاصّةً الإناث، حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإحسان إليهن حائلاً ومانعًا بين المسلم وبين عذاب النار، فقال: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وفهم ذلك علماء المسلمين وطبقوه أسمَى تطبيق حتى كان من قواعدهم التي كوَّنت مناهج تفكيرهم الفقهي: "أنّ الأنوثة عجز دائم يستوجب الرعاية أبدًا"، ولا يسوغ لنا أن نجعل سوء الفهم لهذه الأحاديث الضعيفة مبررًا لخرق القواعد الفقهية الكلية والأصول الشرعية المتفق عليها، وسببًا في التعدي على حرمة الإناث في أمرٍ ثبت ضرره عليهن للعام والخاص.
وأما الحديث الصحيح الذي جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رواه مسلم، وفي رواية: «إذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»، وفي رواية: «إذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ»، فالمقصود بالختان في الحديث: موضع الختن، والحديث يتكلم عن ما يوجب الغسل من اللقاء بين الزوجين، وقد بين فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الغسل يجب إذا تلامس الموضعان اللذان يعرفهما الناس بحصول الختان فيهما، سواء أكان الختان حاصلا فعلاً أم لا، وهذا نوع من الكناية النبوية التي بلغت الغاية في حسن الأدب وسمو العبارة في التعبير عن الأعضاء التي يُكنَى عنها ويُستحَى من التصريح بها، فهو مسوق لبيان الحد الذي يجب فيه الغسل من الجنابة، وليس فيه كلام عن حكم الختان، ومن المقرر في علم الأصول كما عبَّر الإمام الشافعي رضي الله عنه أن الكلام يُجمَل في غير مقصوده ويُفَصَّل في مقصوده، وحينئذ فلا يصح أن يُستدل بنصٍّ مَسُوقٍ في حكم الغسل على حكم ختان الإناث.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختن بناته الكرام عليهن السلام، وهذا الحديث خوطبن به مع أزواجهن كما خوطب غيرهن، وحينئذ فلا حجة في الحديث على مشروعية الختان أصلاً.
وما يُظَنُّه بعض الناس مِن أنّ مسألة "ختان الإناث" من المشكلات المستجدة أو أنها أُثيرَت بعد مؤتمر السكان بالقاهرة هو أمر مخالف للواقع؛ فختان الإناث أثاره الشيخ رشيد رضا في مجلته "المنار" في سنة 1904م، حيث سأل الناسُ حينئذٍ عن وجوب الختان، فكتب تحت عنوان "وجوب الختان أو سُنِّيّته": "قال ابن المنذر: ليس في الختان خبر يُرجَع إليه ولا سُنَّةٌ تُتَّبَع، واحتج القائلون بأنه سُنَّةٌ بحديث أسامة عند أحمد والبيهقي: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ فِي الرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ فِي النِّسَاءِ»، وراويه الحجاج بن أرطاة مدلِّس" اهـ.
وقبل أن يَصدُر قرار وزارة الصحة الأول بمنع إجراء عملية الختان للإناث سنة 1959م، قبل ذلك بنحو ثماني سنين، أرسل معالي وزير الصحة المصري في سنة 1951م إلى فضيلة العلاَّمة الشيخ/ محمود شلتوت، عضو هيئة كبار العلماء، وأستاذ الشريعة بالأزهر الشريف (والإمام الأكبر فيما بعد) يسأله عن قضية الختان، خاصة ختان الإناث، فيجيبه بجواب في 28/5/1951م ينشره في مجلة الأزهر مجلد 23 عدد المحرم سنة 1371هـ في صفحة 21، ويقول بكل وضوح: "والشريعة تقرر مبدأً عامًّا، وهو أنه متى ثبت بطريق البحث الدقيق لا بطريق الآراء الوقتية التي تُلْقَى تلبيةً لنزعة خاصة أو مجاراة قوم معينين أن في أمرٍ ما ضررًا صحيًّا، أو فسادًا خُلُقيًّا، وجب شرعًا منعُ ذلك العمل؛ دفعًا للضرر أو الفساد، وإلى أن يثبت ذلك في ختان الأنثى فإن الأمر فيه على ما درج عليه الناس وتعوَّدوه فيه ظل الشريعة الإسلامية وعلم رجال الشريعة من عهد النبوة إلى يومنا هذا، وهو أن ختانها مكرمة، وليس واجبًا، ولا سُنَّة.
ثم تكلم كلامًا نفيسًا بعد ذلك، لكن فيما نقلناه قاعدة مهمة تمثل عقل الفقيه المسلم المتمكن من فقهه.
وقصة هذا أنه في شهر مايو من ذات السنة أصدرت مجلة الدكتور ملحقًا حول ختان البنات، سألت فيه طائفة من الأطباء عن رأيهم وما ينصحون به في هذا الموضوع، فأجمعت كلمتهم على عدم ضرورة ختان البنات، وأشاروا إلى الضرر الذي قد ينجم عن هذه العملية، لكنهم -والحق يقال- أبدَوْا ذلك على سبيل الرأي، ومجاراة الحضارة، وليس على سبيل المعلومة الطبية المؤكدة.
وفي مجلة لواء الإسلام في عددها الأول من السنة الخامسة الصادر في شهر يونيو سنة 1951م (رمضان 1370هـ) قامت المجلة بعمل استطلاع لكبار العلماء، فقال الشيخ إبراهيم حمروش عضو جماعة كبار العلماء، ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر، بعد كلام طويل يتعلق بسقف المعارف الشائع، والذي يرتد إلى أمور دنيانا، كما أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ»: "يجوز لها ترك الختان، ولكنها في هذه الحالة لم تقم بالمكرمة، فإذا أُريد تقريرُ المنع من ختان المرأة فلا أن يُعلَم بطريق صحيح أن العلم يُثبِت أن في ختانها إضرارًا بها حتى يمكن القول بالمنع".
ويقول الأستاذ عبد الوهاب خلاّف، أستاذ الشريعة بكلية الحقوق، بعد كلام طويل: "الذي يجب على الأطباء أن يوسِّعوا دائرة الاستقراء، وأن لا يحكموا بأن ختان البنت ضارٌّ بناء على حالات فردية، وأن يقارنوا من الوجهة الصحية بين من خُتِنَتْ ومن لم تُختَن، فإذا تم هذا الاستقراء وكانت النتيجة أن ختان البنت ضارٌّ بها ورأوا منعه فهذا المنع لا يعارض نصًّا في الدين، ولا إجماعًا لفقهاء المسلمين".
ويقول محمد بك البنا، وهو من كبار العلماء أيضًا، بعد كلام طويل أشار فيه إلى اختلاف الأطباء، ثم قال: "فإذا اشترك في ذلك عدد أكبر على النحو الذي أبديتُه -أعني على هيئة مؤتمر- كان البحث أتم وأوفَى، والخلاصة أن المسلمين بالخيار من الناحية الدينية، وأن الأمر متروك للمصلحة، ويجب أن يُبحَث بحثًا كافيًا بمعرفة الخبراء".
وفي المجلد 2 من مجلة الأزهر، في عددها العاشر الصادر في شوال سنة 1372هـ الموافق 11 يونيو سنة 1953م، يتكلم الشيخ محمد عرفة، رئيس تحرير المجلة وعضو هيئة كبار العلماء، فيقول: "والعلم يرى أنه يضر بالحياة الزوجية، ويؤدي إلى انتشار المخدرات بين الرجال، فإذا ثبت كل ذلك فأمره سهل جدًّا، فليس على من لم تختتن من النساء من بأس، ومن اختتنت فيجب ألاّ يُنهَك هذا العضو منها، وإذا مُنِع في مصر كما مُنِع في بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس. والله الموفق للصواب".
ويتبين من كل ذلك أن المسألة قديمة، يتكلم عنها الشيخ حسنين محمد مخلوف، والشيخ سيد سابق، ويعيدها الشيخ محمود شلتوت في كتاب الفتاوى الصادر سنة 1959م، ويذكر فيه مرة ثانية أن ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو إليه وإلى تحتيمه، لا شرعًا ولا خُلُقًا ولا طبًّا.
ويتبين بذلك أن ختان الإناث عند كبار العلماء متعلق بالمعارف الطبية اليقينية، ولَمّا كانت المعارف الطبية السائدة في العصور الأولى بعضها تقول: إنه لا يضر ولا ينفع، وبعضها تقول: إن فيه شيئًا من النفع، فقد قال الفقهاء الأقدمون بأنه مكرمة، وهم بذلك ينفون صفة الوجوب والسنية عنه، أي أنه ليس صفة تشريعية، بل هو من العادات، وإذا كان من العادات فإن الأمر فيه مردود إلى الخبراء وإلى البيئة وإلى النفع والضرر المحيط به، فيمتثل فيه الناس لمعارفهم العلمية في كل عصر، وعلى هذا المعنى ورد في كتب التراث أنه مكرمة، لا لإقراره، بل لنفي صفة الوجوب وصفة السُّنِّيّة عنها. (كما سبق عن الشيخ محمود شلتوت أيضًا)، وفهم بعض الناس مِن قول الفقهاء أنها مكرمة أنها مرغوب فيها، والأمر ليس كذلك، بل كلمة (مكرمة) هنا تكلم بها الفقهاء بناءً على المعارف الطبية، وليس بناءً على الشريعة الإسلامية؛ حيث إنهم يضعفون الحديث الذي وردت فيه هذه العبارة، ولو استدلوا به لاستدلوا به على أنها ليست من الشريعة في شيء، وهو الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ».
والمعارف الطبية أخذت في التطور والرصد للحالات والبحث الدقيق حتى استقرت الآن على الضرر البليغ لختان الإناث فيما هو إجماع بين المتخصصين في هذا الشأن، والطبيب الذي يخالف هذا الإجماع تراه غير متخصص فيه، وتراه يتكلم بطريقة غير علمية، وقد تتعلق بأمر آخر غير العلم من ثقافة سائدة أو ظن أن الشريعة تأمر به فيكون متحرجًا أو غير ذلك.
ومن المعلوم أن الفقهاء ربطوا كلامهم في كثير من المسائل بالأطباء، يقول الإمام الشافعي عندما يتكلم عن كراهة الوضوء بالماء المشمَّس في كتابه "الأم" (1/7) ط دار قتيبة: "ولا أكرهه إلا من جهة الطب"، وعندما يتكلمون على مسائل الحيض والنفاس والولادة وغير ذلك من الأمور الصحية المتعلقة بالمرأة فإنهم يرجعون إلى الوجود، ويعنون بالوجود: البحث الطبي، والرصد والتتبع، فقد تقرر أن ما لا ضابط له في الشرع ولا في اللغة يرجع إلى الوجود، كما في "فتح المنان شرح الزبد لابن رسلان": ص 97، والمتصفح لكلامهم في هذا المعنى يجده كثيرًا.
والمنهج الإسلامي يرشدنا إلى احترام المعرفة وما مَنَّ الله به على الإنسان من علم، ويأمرنا باحترام السلف وتعظيمهم، ولكن هذا لا يستلزم الأخذ بكل مسائلهم حتى لو تغير واقعها، بل يقتضي الاهتداء بمناهجهم في فهم الشرع، حيث قاموا بواجبهم على منهج علمي رصين يتفق مع ما أذن الله لهم من معرفة، ومن هنا جاء كلامنا عن أن الختان أربعة أنواع: النوع الأول منه يتم فيه نوع من القطع أي الجرح وليس الاستئصال، والأنواع الأخرى يتم فيها الاستئصال، وأن النوع الأول هو الذي أقره الأطباء قديمًا، والمطَّلِع على كتب سلفنا الصالح يتبين حقيقة ذلك، وأن النوع الأول هو مجرد إحداث جرح في جلدة تكون في أعلى الفرج دون استئصال هذه الجلدة:
قال الماوردي: "هو قطع جلدة تكون في أعلى الفرج: كالنواة أو كعرف الديك، قطع هذه الجلدة المستعلية دون استئصالها" انتهى من فتح الباري (10/340).
وقال النووي في "المجموع" (3/148): "هو قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج".
يقول الدكتور محمد هيثم الخياط: "هذه الجلدة في التشريح تُسمَّى (قلفة البظر)، فإذا كانت هي المقصودة بالقطع، وكان النهك منهيًّا عنه، فإن قطع أي شيء ولو قليل جدًّا من البظر نفسه يدخل في حد تحريم النهك ويأثم فاعله. وواضح أن القطع ليس معناه الاستئصال، كما ذكر الماوردي بحق، فحتى هذه الجليدة لا تُستأصل وإنما يُقتطع منها. وانظر إلى قول الإمام النووي (قطع أدنى جزء من الجلدة) فليت شعري أي جراح تجميل هذا الذي يستطيع ذلك؟" اهـ نقلاً عن كتاب "الحكم الشرعي في ختان الذكور والإناث" للدكتور/ محمد لطفي الصباغ: ص12.
ومن هنا يتبين أن المراد من كلامهم هو القطع ومعناه الشق وليس الاستئصال، وهو ما يدل عليه الحديث الضعيف «أَشِمِّي ولا تَنْهِكي»، وهذا يحتاج إلى جرّاح تجميل متخصص في مسألة أصبحت في عصرنا الحاضر بملابساته ضارّةً على الجسم البشري قطعًا، دون حاجة إليها شرعًا، وأن الأنواع الثلاثة التالية للنوع الأول إنما هي عدوان يستوجب القصاص أو الدية، وأن الدية فيها تصل إلى دية النفس، في حين أن النوع الأول وهو أخفها إنما هو من العادات المرتبطة بالمعارف الطبية.
والمتخصصون يقررون أن الاقتصار على هذه الدرجة الأولى وعدم تجاوزها إلى ما بعدها من درجات الختان متعسر إن لم يكن متعذرًا، أي أنه يكاد يكون غير ممكن، والذي يحصل هو أن ممارس هذه العملية غالبًا ما يجور على الدرجة الثانية وما بعدها، وهذا عدوان محرم بالاتفاق، ومن المقرر في الفقه أن ما لم يمكن ترك الحرام إلا بتركه فهو حرام أيضًا، وعلى ذلك فإنه يجب منعه وتحريمه أيضًا وقايةً للأنثى مما أجمع الفقهاء على أنه انتهاك لجسدها وهتك لحرمتها، وهي درجات الختان الثلاث التالية للدرجة الأولى، ويعبر الفقهاء عن ذلك بقولهم: "حريم الحرام حرام"، وقولهم: "ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب"، وقولهم: "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح"، فكيف والختان في درجاته كلها قد أجمع الأطباء في هذا العصر على مفاسده وأضراره.
يقول الدكتور/ محمد سليم العوا، في رسالته "ختان البنات ليس سنة ولا مكرمة": "نص الفقهاء على أن في قطع الشفرين (وهما اللحمان المحيطان بموضع الجماع) الدية كاملة، والدية عقوبة لمن يدفعها وتعويض لمن يستحقها، وعللوا ذلك بأنه بهذين الشفرين «يقع الالتذاذ بالجماع»، فكل فوات لهذا الالتذاذ أو بعض منه يوجب هذه العقوبة التعويضية، ومنعُ سببه جائز قطعًا، بل هو أولى من انتظار وقوعه ثم محاولة تعليله أو تحليله".

ويذكر الأطباء أن لهذا الختان مضاعفات سيئة منها:
1- أنه نوع من التشويه الذي يترك آثارًا سيئة على المرأة، كالشعور بالاكتئاب، والتوتر العصبي، والقلق النفسي.
2- أنه يضعف الناحية الجنسية، وهذا يؤثر في إفساد الحياة الزوجية في المستقبل، ويقيم صعوبة كبرى أمام الإرواء الجنسي للفتاة.
3- أنه يؤدي إلى التلوث ودخول الجراثيم إلى حوض المرأة، وقد يؤدي إلى مرض الفتاة، وإصابتها بالتهابات، وانسداد قنوات فالوب، وربما أدى إلى حصول نزيف حاد بعد العملية، وقد يؤدي إلى موت الفتاة.
وحيث أجمع الأطباء المتخصصون أهل الفن الكبراء وأطبقت كلمتهم على ضرر هذا الفعل فقد وجب القول بمنعه وتحريمه وتجريمه، وليس في ذلك تجريم لسُنّة تركها لنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما يدَّعي بعضهم.
ويزداد التحريم عندما نجد أن هذه العادة تُمارَس بطريقة مؤذية ضارَّة، بحيث لو لم يكن ختان الإناث حرامًا لوجب تحريمه سدًّا للذريعة المفضية إلى الأذى والضرر.
ومن كل ذلك يتبين أنه يجب على الأطباء أن يعلنوا الحقائق التي قد تُوُصِّل إليها بالبحث، وبالمؤتمرات العلمية، وبالقرارات التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية، وبما قد أطبق عليه الأطباء المختصون في هذا الشأن الآن، بحيث صار إجماعًا بعلم يقيني، كما طالب علماء الشريعة منذ أكثر من نصف قرن، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
ونحن إذ نتبع ما تيقن منه الطب، واستقرت عليه الكلمة، فنحن نتبع هؤلاء العلماء الذين أصَّلُوا لنا الأصول وتركونا على المحجة البيضاء، والحمد لله رب العالمين.
ويعترض بعضهم أن بعض علماء الشريعة الكبار -كالشيخ جاد الحق على جاد الحق، والشيخ عطية صقر رحمهما الله وبارك فيهما وفي علمهما- في سنينا المتأخرة أصدروا الفتاوى بأنه سُنّة أو واجب، وأقول بكل ثقة: إن ذلك منهم كان استمرارًا على المنهج الذي يرفض محض الآراء والتقليد للآخرين، وأن نترك شيئًا من موروثنا من أجل هذه الآراء أو الرغبات أو ذلك التقليد، أما لو اطلع أي منهم على تلك الأبحاث المتكاثرة وهذا الاتفاق الذي أُطبِق عليه فإنهم يرجعون إليه كما علَّمونا. فالأمر في غاية الوضوح.
وإنما كان استمرار هذه العادة عند عدم ظهور ضررها، أما وقد ظهر ضررها وقرره أهل الطب وأجمعوا عليه فمنعُها حينئذٍ واجبٌ؛ حيث أقر ذلك منظمةُ الصحة العالمية، في تقريرها سنة 2000م، وجرَّمَت هذه العادة الضارّة، وهي منظمة محايدة وعلمية موثوق بها، فحدوث الأضرار منها أصبح يقينيًّا؛ لاختلاف الملابس وضيقها، وانتشار أساليب الحياة الحديثة وسرعتها، وتلوث البيئة، واختلاف الغذاء والهواء ونمط الحياة، وتقدم الطب الذي أثبت الضرر قطعًا، بل واختلاف تحمُّل الجسد البشري للجراحات ونحو ذلك.
ولَمّا أحال كبار العلماء الأمر إلى الأطباء، وجزم الأطباء بضررها، أصبح من اللازم القولُ بتحريمها.
فصدر بيان دار الإفتاء المصرية بتحريم الختان، ودار الإفتاء هي المرجعية الرسمية المنوط بها إصدار الفتاوى الشرعية وبيان الحلال والحرام، كما هو نص قرار مجمع البحوث الإسلامية في جلسته السادسة، في دورته الثالثة والأربعين، بتاريخ 7/12/1427هـ الموافق 28/12/2006م، ولا مُعقِّبَ عليها إلا مجمع البحوث الإسلامية -إذا رأى ما يستوجب ذلك- باعتباره المرجعية العليا؛ طبقًا لقانون تنظيم الأزهر رقم (103) لسنة 1961م، ولائحته التنفيذية رقم (250) لسنة 1975م.
كما صدر بيان مجمع البحوث الإسلامية في شأن مسألة "ختان الإناث"، وذلك بجلسته بتاريخ 28/6/2007م، ونصه: "في ضوء الجدل المثار حول ختان الإناث، وموقف الشريعة الإسلامية منه، وفي ضوء ما وقع مؤخرًا من وفاة إحدى بناتنا المسلمات نتيجة ممارسة هذه العادة التي ينسبها البعض خطأً إلى تعاليم الإسلام، ناقش مجمع البحوث الإسلامية المسألة من جانبها الفقهي والصحي، وأجمع أعضاؤه على أن التحقيق العلمي يكشف في جلاء عن أنه لا أصل من أصول التشريع الإسلامي أو أحكامه الجزئية يجعل هذه العادة أمرًا مطلوبًا بأي وجه من وجوه الطلب، وإنما هي عادة ضارة انتشرت واستقرت في عدد قليل من المجتمعات المسلمة، وقد ثبت ضررها وخطرها على صحة الفتيات على النحو الذي كشفت عنه الممارسات في الفترة الأخيرة.
لذلك وجد المجلس من واجبه أن ينبه إلى هذه الحقيقة العلمية والصحية، وإلى ضرورة تنظيم حملة إرشادية وإعلامية تحذر المواطنين من ممارسة هذه العادة الضارة" اهـ.
كما انعقد "مؤتمر العلماء العالمي نحو حظر انتهاك جسد المرأة" في الأول والثاني من ذي القعدة 1427هـ الموافق 22-23/11/2006م في رحاب الأزهر، وأُلقِيَ فيه عدد من البحوث، وبعد مناقشات السادة العلماء والأطباء والمتخصصين والمهتمين من مؤسسات المجتمع المدني في مصر وأوربا وأفريقيا توصل المؤتمر إلى ما يلي:
1- كرم الله الإنسان فقال تعالى: ?وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ? فحرم الاعتداء عليه أيًّا كان وضعه الاجتماعي، ذكرًا كان أم أنثى.
2- ختان الإناث عادة قديمة ظهرت في بعض المجتمعات الإنسانية، ومارسها بعض المسلمين في عدة أقطار تقليدًا لهذه العادة دون استناد إلى نص قرآني أو حديث صحيح يُحتجُّ به.
3- الختان الذي يمارَس الآن يُلحق الضرر بالمرأة جسديًّا ونفسيًّا، ولذا يجب الامتناع عه امتثالاً لقيمة عليا من قيم الإسلام، وهي عدم إلحاق الضرر بالإنسان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ فِي الإِسلاَم»، بل يُعَدُّ عدوانًا يوجب العقاب.
4- يناشد المؤتمر المسلمين بأن يكفوا عن هذه العادة؛ تماشيًا مع تعاليم الإسلام التي تحرم إلحاق الأذى بالإنسان بكل صوره وألوانه.
5- كما يطالبون الهيئات الإقليمية والدولية بذل الجهد لتثقيف الناس وتعليمهم الأسس الصحية التي يجب أن يلتزموا بها إزاء المرأة، حتى يقلعوا عن هذه العادة السيئة.
6- يُذكِّر المؤتمر المؤسسات التعليمية والإعلامية بأن عليهم واجبًا محتَّمًا نحو بيان ضرر هذه العادة بالشكل الضار، والتركيز على آثارها السيئة في المجتمع، وذلك للإسهام في القضاء على هذه العادة.
7- يطلب المؤتمر من الهيئات التشريعية سن قانون يُحَرِّم ويُجَرِّم من يمارس عادة الختان بالشكل الضار فاعلاً كان أو متسببًا فيه.
8- كما يطلب من الهيئات والمؤسسات الدولية مد يد المساعدة بكافة أشكالها إلى الأقطار التي تُمارَس فيها هذه العادة كي تعينها على التخلص منها. انتهت توصيات المؤتمر.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في بحثه المقدم عن الحكم الشرعي في ختان الإناث: "والمباحات يمكن أن تُمنَع إذا ترتب على استعمالها ضرر؛ بناءً على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، ويُمنَع هذا المباح سدًّا للذريعة والفساد". ويقول أيضًا: "وبناءً على هذا الأصل المقرَّر المتفق عليه (يقصد إبقاء خلق الله تعالى على ما خلقه وعدم تغييره) يكون ختان المرأة أو خفاضها بقطع جزء من جسمها بغير مسوِّغ يوجبه: أمرًا غير مأذون به أو محظورًا شرعًا".
ويقول الدكتور/ محمد لطفي الصباغ في رسالته التي ألّفها في هذا الشأن: ص (8-14): "الأحاديث الواردة فيه لم يصح منها شيء يدل على الوجوب"، ثم يقول بعد أن سرد بعض الأضرار الصحية التي ذكرها الأطباء للختان: "إذا تحققت هذه الأخطار من جراء ختان الأنثى لم يَعُد هذا الختان مقبولاً شرعًا بالنسبة للفتاة؛ لأنه لم يصح فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه من الأخطار ما ذكرنا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرر فيما صح عنه أنه «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»، وهذا الحديث كليَّة من كليات هذا الدين الحنيف".
ويذهب الدكتور/ سليم العوا إلى أن حكم الشرع في ختان الأنثى أنه لا واجبٌ، ولا سنةٌ، ولا مكرمةٌ؛ لضعف جميع ما ورد في ذلك، بل هو عادة، وهو عادة ضارّة ضررًا محضًا، وقد أوجب الفقهاء إذا فاتت بسببه -على ما يجري الآن في بلادنا في جميع حالات الختان- متعة المرأة بلقاء الرجل أوجبوا فيه القصاص أو الدية، ويقول: "وهكذا يتبين أن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى، وأن ما يحتج به من أحاديث الختان كلها ضعيفة لا يستفاد منها حكم شرعي، وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلامُ للزمن ولتقدم العلم الطبي أمر تهذيبها أو إبطالها". السابق: ص (31). إلى غيرهم من العلماء والباحثين ممن يضيق المقام عن تتبعهم.
وعلى الذين يعاندون في هذا أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يعلموا أن الفتوى تتصل بحقيقة الواقع، وأن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضارُّ كثيرة: جسدية ونفسية؛ مما يستوجب معه القولَ بحرمته والاتفاق على ذلك، دون تفرق للكلمة واختلافٍ لا مبرر له، فيجب أن تُطبِق كلمة العلماء الشرعيين على تحريم هذه الفعلة؛ حيث إننا نصحنا الفقهاء بالبحث منذ أكثر من خمسين سنة، فبحثوا وأجمعوا، ونصحناهم بالمؤتمرات فاجتمعوا وقرروا، ونصحناهم بالاتفاق لا عن آراء ولا عن تقليد وإنما عن بحث وتتبع فبحثوا وتتبعوا واتفقوا، فوجب على العلماء حينئذ أن يزيلوا هذا الالتباس، وأن يجتمعوا على كلمة سواء؛ فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير اختلاف بعدما تبين الحال، والمطَّلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القولُ بالتحريم.

بيان أن القرار بحظر ختان الإناث لا يخالف القانون أو الدستور:
القرار الذي أصدرته وزارة الصحة والسكان المصرية بتاريخ 8/7/1996م بتجريم عمليات ختان الإناث والمعاقبة عليها، وهو القرار رقم 261 لسنة 1996م الذي يقول: "يحظر إجراء عمليات الختان للإناث سواء بالمستشفيات أو العيادات العامة أو الخاصة، ولا يسمح بإجرائها إلا في الحالات المرَضيّة فقط والتي يُقِرُّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناءً على اقتراح الطبيب المعالج".. هذا القرار ليس فيه أي انتهاك أو مخالفة للمادة (66) من الدستور التي تنص على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بناءً على قانون"؛ ذلك أن القانون المصري لا يعطي للأطباء الحق في التدخل الجراحي إلاّ في أربع حالات فقط، وهي: الكشف عن مرض، أو علاج مرض، أو منع ألم قائم أو تخفيفه، أو منع مضاعفات صحية متوقعة. وليس ختان الأنثى حالة من هذه الحالات، بل إنه -بعد أن تأكَّد ضررُه- يشمله عموم جريمة "الجرح"؛ سواءٌ شُفي الجرح أو خلَّف عاهة أو أدَّى إلى وفاة، كما أن ملامسة عورة الصبي أو الصبية اللَّذَيْنِ لم يتجاوزا الثامنة عشرة من غيرهما قوةً برضًا أو بغير رضًا يُعَدُّ "هتك عِرضٍ" أيضًا، وحينئذٍ فعلى الرغم من عدم وجود قانون بخصوص ختان الإناث بعينه، إلاّ أن توصيف هذه الممارسة بأحد الوصفين السابقين يجعل الحملة عليها غير مخالفة للدستور.
يقول المستشار/ صلاح عويس، نائب رئيس محكمة النقض في كتابه (ختان الأنثى في ضوء قواعد المسؤولية الجنائية والمدنية في القانون المصري) ص (9): "والمسؤولية الجنائية والمدنية عن هذا الفصل يستوي فيها الأطباء وغير الأطباء؛ لأن الجهاز التناسلي للأنثى في شكله الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه ليس مرضًا، ولا هو سبب لمرض، ولا يسبب ألَمًا من أي نوع يستدعي تدخلاً جراحيًّا، ومن هنا فإن المساس الجراحي بهذا الجهاز الفطري الحساس، على أية صورة كان الختان عليها، لا يُعَدّ -في صحيح القانون- علاجًا لمرض، أو كشفًا عن داء، أو تخفيفًا لألم قائم، أو منعًا لألم متوقع؛ مما تُباح الجراحة بسببه، فيكون الإجراء الجراحي المذكور غير مباح وواقعًا تحت طائلة التحريم".
وقد صدر حكم المحكمة الإدارية العليا سنة 1997م ردًّا على الدعوى التي أقيمت لإلغاء هذا القرار، وجاء نص الحكم كالتالي: "قضت المحكمة بتأييد هذا القرار ورفضت طلب إلغائه؛ تأسيسًا على أن ختان الإناث لا يُعتَبَر حقًّا شخصيًّا مقررًا طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية؛ إذ لم يَرِد به نص في القرآن الكريم أو حكم قاطع الثبوت أو الدلالة في السُّنّة الشريفة. وبذلك تخضع عملية ختان الإناث لأحكام قانون العقوبات التي تحظر المساس بجسم الإنسان إلا لضرورة طبية، وأن قرار وزير الصحة لم يخرج عن هذه القاعدة والتزم بها، ومِن ثَمّ لا حاجة لصدور قانون بهذه القواعد العامة المقررة.
وبهذا الحكم أصبح من المحظور على الجميع إجراءُ عملية الختان للإناث، حتى لو ثبت موافقة الأنثى أو أولياء أمورها على ذلك، إلا لو كانت هناك ضرورة طبية لإجراء هذه العملية بناءً على قرار من مدير قسم أمراض النساء بإحدى المستشفيات، وإلا تعرض المخالفون للعقوبات الجنائية والإدارية والتأديبية".
وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها ما نصه: "وخلصت محكمة القضاء الإداري إلى أن المستفاد من استعراض الآراء الفقهية المتقدمة أن الشريعة الإسلامية لم تتضمن حكمًا فاصلاً أو نصًّا قطعيًّا يوجب ختان الإناث أو يحظره، ومن ثَمّ فإن الأحكام التي وردت في هذا الشأن كلها ظنية، وحيث إن الطب أيضًا لم يُجمِع على رأي واحد؛ وإنما ذهب البعض إلى أن ختان الإناث يحقق مصلحة طبية، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه يلحق بهن أشد الأضرار النفسية والطبية، وحيث إن لولي الأمر أن ينظم الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي قطعي في كتاب الله أو سُنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يَرِد فيها إجماع، وكذلك المسائل الخلافية التي لم يستقر فيها الفقه على رأي واحد، وبصفة عامة جميع المسائل التي يجوز فيها الاجتهاد، وأن مسلك ولي الأمر في ذلك ليس مطلقًا، وإنما يجب أن يكون مستهدِفًا بتنظيمه تلك المسائل تحقيق مصلحة عامة للناس أو رفع ضرر عنهم بما لا يناهض نصًّا شرعيًّا ولا يعاند حكمًا قطعيًّا".
وجاء قرار المحكمة بأنه: لا يمكن اعتبار قرار الوزير مخالفًا للدستور، و"طالما أن الختان عمل جراحي خلت أحكام الشريعة الإسلامية من حُكم يوجبه، فالأصل ألاّ يتم بغير قصد العلاج؛ فالجراحة أيًّا كانت طبيعتُها وجسامتها التي تجري دون توافر سبب الإباحة بشروطه كاملة تُعتبَر فعلاً محرَّمًا شرعًا وقانونًا؛ التزامًا بالأصل العام الذي يقوم عليه حق الإنسان في سلامةِ جسمه وتجريم كل فعل لم يُبِحْه المشرِّع يؤدِّي إلى المساس بهذه السلامة".
وكان أول نص رسمي صدر في مصر حول ختان الإناث هو القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959م، ويتضمن هذا القرار في مادته الأولى كشفًا بأسماء لجنة مكوَّنة من 15 عضوًا من رجال الدين والطب المسلمين، من بينهم وكيل وزارة الصحة مصطفى عبد الخالق، ومفتي الديار المصرية حسن مأمون، ومفتي الديار المصرية سابقًا حسنين محمد مخلوف، وجاء في المادة الثانية أن تلك اللجنة قررت ما يلي:
- أنه يحرم بتاتًا على غير الأطباء القيام بعملية الختان، وأن يكون الختان جزئيًّا لا كليًّا، لمن أراد.
- منع عملية الختان بوحدات وزارة الصحة؛ لأسباب صحية واجتماعية ونفسية.
- غير مصرَّح للدايات المرخصات بالقيام بأي عمل جراحي، ومنها ختان الإناث.
- الختان بالطريقة المتَّبعة الآن له ضرر صحي ونفسي على الإناث سواء قبل الزواج أو بعده.

وأما ما يُزعَم من أن هذه الحملة لها منطلقات عدائية للإسلام أو أنها عميلة لجهات أجنبية فإن هذا الزعم لا حقيقة له إلا في وهم صاحبه، ولا يجوز للعاقل أن يتهم غيره بالعمالة أو يزايد على وطنيته لمجرد أنه يختلف معه في الرأي، فكيف إذا كان هذا الرأي قد ظهر صوابه للعام والخاص، وهذا من الأساليب المبتذلة التي ننأى بكل منصف عنها، والمنظمة التي رتبت لمؤتمر (حظر انتهاك جسد المرأة) لا صلة لها باليهودية. وقد علَّمَنا الإسلام العدل في الحكم على الناس ونهانا عن المجازفة أو رمي التهم من غير تثبت، وأمرنا بالإنصاف حتى مع خصومنا فقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ? [المائدة: 8].
وفي النهاية ننبه إلى أن هذا الدين هو كلمـة الله الأخيرة إلى العالمين، وليس هو لنـا وحدنا، ولا يقتصر على سقفنا المعرفي وحده، بل خاطب الله به عباده جميعًا، فهو صالح لكل زمان ولكل مكان ولكل الأشخاص وفي كل الأحوال، بل ولكل سقف معرفي يمكن أن يصل إليه البشر، ونحن مأمورون أن نبلغ الإسلام كما أنزله الله تعالى وأراده؛ ظنيًّا في ظنِّيِّه وقطعيًّا في قطعيِّه، وأن نعلم الناس كيف يحبون ربهم سبحانه وتعالى بما أنعم عليهم من صنوف العلم وفنون المعرفة التي تجلب لهم النفع وتدفع عنهم الضر، فالإسلام أوسع منا ومن مذاهبنا ومن بيئاتنا ومن تقاليدنا وعاداتنا، وما قد يصلح لنا قد لا يصلح بالضرورة لغيرنا، فكيف وقد أصبح الأمر لا يصلح لنا ولا لغيرنا، فلا يجوز لنا حينئذٍ أن نكون حجابًا بين الخلق والخالق، ولا أن نجعل أنفسنا سببًا في فتنة الناس عن قبول الإسلام ونشر تعاليمه، ولا أن نقف حجر عثرة أمام العلوم والمعارف التي يأذن بها الله تعالى للبشر حينًا بعد حين، إما بسوء الفهم أو سوء التصرف.

براءة الإسلام من ختان الإناث

محمد سليم العوَّا(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.)

المصدر / الدكتور محمد سليم العوا



من المسائل التي أثارت جدلاً كبيرًا ـ لاسيما في مصر ـ في السنوات القليلة الماضية مسألة «ختان الإناث». وقد بدأت إثارة هذه المسألة بسبب تقرير مصور أذاعته محطة تلفزيون CNN عن عملية ختان تجرى في مصر لطفلة صغيرة (أذيع هذا التقرير في أواسط شهر سبتمبر 1994).

وقد كتب كثيرون محاولين تقرير حكم الإسلام في هذا الختان، وكان أغلب ما كتب يدور حول إثبات صحة مشروعية الختان، وبالغ بعضهم فوصفه بأنه من السنة، وغالى بعض آخر من الكاتبين فقال إن مقتضى الفقه «لزوم الختان للذكر والأنثى».

وليس ختان الذكور موضع خلاف، فلا حاجة إلى بيان حكم الشرع فيه.

وحكم الشريعة الإسلامية يؤخذ من مصادرها الأصلية المتفق عليها: وهى القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة والإجماع بشروطه المقررة في علم أصول الفقه، والقياس المستوفي لشروط الصحة.

أما فقه الفقهاء فهو العمل البشرى الذي يقوم به المتخصصون في علوم الشرع لبيان أحكام الشريعة في كل ما يهم المسلمين ـ بل الناس أجمعين ـ أن يعرفوا حكم الشريعة فيه. ولا يعد كلام الفقهاء (شريعة) ولا يحتج به على أنه دين، بل يحتج به على أنه فهم للنصوص الشرعية، وإنزال لها على الواقع. وهو سبيل إلى فهم أفضل لهذه النصوص وكيفية إعمالها، لكنه ليس معصوما، ويقع فيه الخطأ كما يقع فيه الصواب، والمجتهد المؤهل من الفقهاء مأجور أجرين حين يصيب، ومأجور أجرا واحدا حين يخطئ.

فإذا أردنا أن نتعرف على حكم الشريعة الإسلامية في مسألة ختان الإناث، فإننا نبحث في القرآن الكريم ثم السنة النبوية ثم الإجماع ثم القياس، وقد نجد في الفقه ما يعيننا فنطمئن به إلى فهمنا ونؤكده، وقد لا نجد فيه ما ينفع في ضوء علم عصرنا وتقدم المعارف الطبية خاصة، فنتركه وشأنه ولا نعول على ما هو مدون في كتبه.

وقد خلا القرآن الكريم من أي نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث. وليس هناك إجماع على حكم شرعي فيه، ولا قياس يمكن أن يقبل في شأنه.

أما السنة النبوية فإنها مصدر ظن المشروعية، لما ورد في مدوناتها من مرويات منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. والحق أنه ليس في هذه المرويات دليل واحد صحيح السند يجوز أن يستفاد منه حكم شرعي في مسألة بالغة الخطورة على الحياة الإنسانية كهذه المسألة.

ولا حجة ـ عند أهل العلم ـ في الأحاديث التي لم يصح نقلها إذ الحجة فيما صح سنده دون سواه.

والروايات التي فيها ذكر ختان الإناث أشهرها حديث امرأة كانت تسمى: أم عطية، وكانت تقوم بختان الإناث في المدينة المنورة، زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «يا أم عطية: أشمى ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج»[1].

وقد عقب أبو داود ـ والنص المروي عنده مختلف لفظه عن النص السابق ـ على هذا الحديث بقوله «روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده، وليس هو بالقوي، وقد روي مرسلا، ومحمد بن حسان (راوي الحديث) مجهول، وهذا الحديث ضعيف»[2].

وعلق الإمام شمس الحق العظيم آبادي على كلام أبي داود بقوله:

«ليس الحديث بالقوي لأجل الاضطراب، ولضعف الراوي وهو محمد بن حسَّان الكوفي... وتبع أبا داود (في تجهيل محمد بن حسان) ابن عديّ والبيهقي، وخالفهم الحافظ عبد الغني بن سعيد فقال هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين»[3].

وهذا الراوي (محمد بن حسان أو محمد بن سعيد المصلوب) كذّاب، قال عنه العلماء إنه وضع أربعة آلاف حديث (أي نسبها كذباً إلى رسول الله r) وقال الإمام أحمد: قتله المنصور على الزندقة (أي بسبب الزندقة) وصلبه[4].

وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديث، وكلها طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة حتى قال أخونا العلامة الدكتور محمد الصباغ في رسالته عن ختان الإناث: «فانظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبى داود والعراقي وكيف حكما عليه بالضعف ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين[5]». ومن قبل قال شمس الحق العظيم آبادي: «وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت»[6].

فحديث أم عطية ـ إذن ـ بكل طرقه لا خير، فيه ولا حُجَّةَ تستفاد منه. ولو فرضنا صحته، جدلا، فإن التوجيه الوارد فيه لا يتضمن أمرا بختان البنات وإنما يتضمن تحديد كيفية هذا الختان إن وقع، وأنها (إشمام) وصفه العلماء بأنه كإشمام الطيب، يعنى أخذ جزء يسير لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمى «القلفة»، وهو كما قال الإمام الماوردى: «.....قطع هذه الجلدة المستعلية دون استئصالها»، وهو كما قال الإمام النووي: «قطع أدنى جزء منها» فالمسألة مسألة طبية دقيقة تحتاج إلى جراح متخصص يستطيع تحديد هذا «الجزء المستعلي» الذي هو «أدنى جزء منها»، ولا يمكن أن تتم ـ لو صح جوازها ـ على أيدي الأطباء العاديين فضلا عن غير المتخصصين في الجراحة من أمثال القابلات والدايات وحلاقي الصحة....إلخ، كما هو الواقع في بلادنا وغيرها من البلاد التي تجرى فيها هذه العملية الشنيعة للفتيات.

والحديث الثاني الذي يوازي في الشهرة حديث أم عطية هو ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الختان سنة للرجال مكرمة للنساء». وقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين على ضعفه، أيضا، وسبقه إلى تضعيفه الأئمة البيهقي وابن أبي حاتم وابن عبد البر. ومداره (أي جميع طرق روايته تدور على أو تلتقي عند) على الحجاج بن أرطاة وهو لا يحتج به لأنه مدلس. ولذلك ـ ولغيره ـ قال العلامة الشيخ سيد سابق في فقه السنة: «أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء»[7].

وقد نص الحافظ ابن حجر في كتابه: (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعى الكبير) على ضعف هذا الحديث، ونقل قول الإمام البيهقى فيه: إنه ضعيف منقطع. وقول ابن عبد البر في (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد): إنه يدور على رواية راو لا يحتج به[8].

وكلام الحافظ أبى عمر بن عبد البر في كتابه المذكور نصه: «واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبى المَليح هذا، وهو يدور على حجاج بن أرطاة، وليس ممن يحتج بما انفرد به، والذي أجمع المسلمون عليه: الختان في الرجال .... »[9].

وعلى ذلك فليس في هذا النص حجة، لأنه نص ضعيف مداره على راو لا يحتج بروايته، فكيف يؤخذ منها حكم شرعي بأن أمرا معينا من السنة أو من المكرمات وأقل أحوالها أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل صحيح.

ولا يرد على ذلك بأن لهذا الحديث شاهدا أو شواهد من حديث أم عطية السابق ذكره، فإن جميع الشواهد التي أوردها بعض من ذهب إلى صحته معلولة بعلل قادحة فيها مانعة من الاحتجاج بها.

وعلى الفرض الجدلي أن الحديث صحيح ـ وهو ليس كذلك ـ فإنه ليس فيه التسوية بين ختان الذكور وختان الإناث في الحكم. بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس بسنة، وإنما هو في مرتبة دونها. وكأن الإسلام ـ لو صح الحديث ـ حين جاء وبعض العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفية البالغة منتهى الدقة، الرقيقة غاية الرقة بلفظ (أشمى ولا تنهكي) الذي في الرواية الضعيفة الأولى، وأراد تبيين أنه ليس من أحكام الدين ولكنه من أعراف الناس بذكر أنه (سنة للرجال...) ـ وهى (أي السنة) هنا بمعنى العادة لا بالمعنى الأصولي للكلمة ـ في الرواية الضعيفة الثانية .

ثم إن بعض الفضليات نبهتني إلى أن حديث أم عطية يناقض آخره أوله. ففي أوله أمر بالختان وفي آخره بيان أن بعض ذلك الجزء المطلوب إزالته (أسرى للوجه وأحظى عند الزوج)! فلماذا لا يبقى أصل الخلقة كما خلقها الله تعالى فتكتمل نضارة الوجه والحظوة عند الزوج؟!

ولا تحتمل الروايتان، على الفرض الجدلي بصحتهما، تأويلا سائغا فوق هذا. و لو أراد النبي صلى الله عليه وسلم التسوية بين الرجال والنساء لقال: «إن الختان سنة للرجال والنساء»، أو لقال «الختان سنة» وسكت؛ فإنه عندئذ يكون تشريعًا عامًا ما لم يقم دليل على خصوصيته ببعض المكلفين دون بعض. أما وقد فرق بينهما في اللفظ ـ لو صحت الرواية ـ فإن الحكم يكون مختلفا، وكونه سنة ـ بالمعنى الأعم لهذه الكلمة أي معنى العادة المتبعة لا الحكم الشرعي ـ يكون في حق الرجال فحسب. وهذا هو ما فهمه الإمام ابن عبد البر القرطبي حين عَرَّضَ بالذين قالوا إنه «سنة» لاعتمادهم تلك الرواية الضعيفة وبين أن الإجماع منعقد على ختان الرجال.

ولمثل هذا الفهم قال الإمام ابن المنذر «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع»[10]. وهو ما احتج به ـ مقرًا له ـ العلامة الشيخ محمد رشيد رضا في جواب سؤال نشره في مجلة المنار[11].

وقال الإمام الشوكانى: «ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حجة فيه على المطلوب لأن لفظة السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين... ولم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة... وسائر خصال الفطرة ليست واجبة»[12].

وفى بعض ما نشر مؤخرا في مصر حول هذا الموضوع ذكر امرأة سموها (أم حبيبة) وذكر حديث لها في هذا الشأن مع النبي صلى الله عليه وسلم[13]. وهذا الحديث لا يوجد في كتب السنة وليس هناك ذكر فيها، ولا في كتب تراجم الصحابة، لامرأة بهذا الاسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجة فيه، بل لا أصل له.

وقد احتجوا بحديث روي عن عبد الله بن عمر فيه خطاب لنساء الأنصار يأمرهن بالختان. وهو حديث ضعيف كما في المصدر الذي نقلوه منه نفسه[14]. فلا حجة لأحد في هذا الأمر المزعوم كذلك.

وفى السنة الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها ـ مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقوفا على عائشة ـ حديث يروى بألفاظ متقاربة تفيد أنه: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»[15].

وموضع الشاهد هنا قوله صلى الله عليه وسلم: «الختانان» إذ فيه تصريح بموضع ختان الرجل والمرأة، مما قد يراه بعض الناس حجة على مشروعية ختان النساء.

ولا حجة في هذا الحديث الصحيح. لأن اللفظ هنا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهما، أو باسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن ذلك كلمات كثيرة في صحيح اللغة العربية منها العمران (أبو بكر وعمر)، والقمران (الشمس والقمر) والنيران (هما أيضا، وليس في القمر نور بل انعكاس نور الشمس عليه) والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر والعصر)، والعرب تغلب الأقوى والأقدر في التثنية عادة ولذلك قالوا للوالدين: (الأبوان) وهما أب وأم. وقد يغلبون الأخف نطقا كما في العمرين (لأبى بكر وعمر) أو الأعظم شأنا كما في قوله تعالى: «وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج» فالأول ال والثاني البحر الحقيقي، وقد يغلبون الأنثى في هذه التثنية ومن ذلك قولهم: (المروتان) يريدون جبلي الصفا والمروة في مكة المكرمة. وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان العرب[16].

فلفظ (الختانين) في هذا الحديث الصحيح لا دلالة فيه على مشروعية ختان الإناث، حيث إنه لم يرد إلا على سبيل التثنية التي تغلب الأقوى، أي الرجل، على المرأة. والحديث وارد في أمر الغسل وما يوجبه، وليس في شأن الختان أصلاً. والحديث، بعد ذلك، مؤول عند العلماء كافة، فهم لا يوجبون الغسل بمجرد التقاء الختانين، وإنما بالإيلاج[17].

وقد اعترض العلامة الشيخ القرضاوي على هذا التأويل بحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم في صحيحه وفيه: «.... ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل»، فقال: «فلم يجئ بلفظ التثنية»[18]. وهذا الاعتراض لا يغير من الأمر شيئًا فإن الحديث في موجب الغسل لا في وجوب الختان ولا جوازه. ومعنى «مس الختان الختان» وقوع الجماع التام كما في شرح النووي على صحيح مسلم[19]. والغسل يجب به ولو لم يكونا مختونين[20] والاستدلال بعدم التثنية يكون له وجه لو أننا تأكدنا أن الرواية؛ باللفظ النبوي لا بالمعنى، وهو أمر لا يمكن التيقن منه مع إجازة الأئمة الرواية بالمعنى.

ويحتج بعض مؤيدي ختان الإناث بحديث:

«الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط»[21]. وعن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها وغيرها من الصحابة ـ في خصال الفطرة أنها عشر خصال، منها قص الشارب، وإعفاء اللحية.


والصحيح أن هذا الحديث الصحيح لا حجة فيه على ختان الإناث، حيث إن قص الشارب وإعفاء اللحية خاص بالذكور دون الإناث، وأصل الحديث في شأن الفطرة هو ما رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن إبراهيم عليه السلام كان أول من اختتن، وعلى هذا إجماع العلماء، كما نقله ابن عبد البر في التمهيد، وقال: إنه من مؤكدات سنن المرسلين التي لا يسع تركها في الرجال وهو نفسه الذي أنكر صحة ختان الإناث، كما أسلفنا.

فلا يجوز أن يقال إن ختان الإناث من أمور الفطرة أو من خصالها وفقا لما جاء في بعض الأحاديث، ذلك أن الختان الذي يعد من قبيل خصال الفطرة إنما هو ختان الذكور وهو الذي يسمى ختاناً في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء، أما ختان الإناث فإنه يسمى ختاناً على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة، وأن حقيقة مسماه أنه «خفاض»[22].
ولا يحتج هنا ـ كما يفعل بعضهم ـ بقاعدة «الأصل في الأشياء الإباحة» لأن هذه القاعدة الفقهية الصحيحة يقصد بها إباحة استعمال الأشياء التي خلقها الله لنا مثل المياه والأشجار وموارد الأرض المختلفة. أما ما يمس جسد الإنسان وماله وعرضه وسمعته فالأصل فيها التحريم وليس الإباحة. ولذلك يعتبر الاعتداء على الأموال والتعرض لسمعة الناس بالتشويه والتجريح، وانتهاك الأجساد بالضرب أو الجرح أو القطع من الجرائم التي تعاقب عليها الشريعة الإسلامية عقابا شديداً رادعاً. وختان الإناث هو تعرض لجسد فتاة صغيرة بالجرح والقطع فلا يجوز أن نقول إنه من الأشياء المباحة بل هو من المحظور والمجرَّم شرعا وقانونا والقاعدة الشرعية المتفق عليها أن الأصل في الدماء والأموال والأعراض التحريم، لا الإباحة.

وهكذا يتبين أن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى. وأن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلها ضعيفة لا يستفاد منها حكم شرعي. والصحيح منها ليس نصًا في المسألة ولا يصلح دليلاً على المشروعية. وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات ترك الإسلام للزمن ولتقدم العلم الطبي أمر تهذيبها أو إبطالها.

وبقي أن نُذِّكرَ الداعين إلى ختان الإناث، والظانين أنه من الشرع، أن هذا الختان الذي نتحدث عنه ليس معنىً مجردًا نظريًا يجوز أن يتجادل فيه الناس حول الصحة والفساد العقليين، وإنما هو عادة سائدة تدل الإحصاءات المصرية المنشورة على أن 95% من الإناث المصريات تجرى لهن عملية الختان[23]. وهى تجرى بإحدى صور ثلاث كلها تخالف ما يدعو المؤيدون لختان الإناث إلى اتباعه فيها.

وبجميع الصور التي يجرى بها الختان للإناث في مصر فإنه يقع تحت مسمى «النهك» الذي ورد في نص الحديث الضعيف، أي إنه لا فائدة من الاحتجاج بما يحتجون به من هذا الحديث لأن العمل لا يجري على وفقه، بل يجري على خلافه.

والختان الذي يجري في مصر، بصوره الثلاث، عدوان على الجسم يقع تحت طائلة التجريم المقرر في قانون العقوبات[24].

والمسؤولية الجنائية والمدنية عن هذا الفعل يستوي فيها الأطباء وغير الأطباء لأن الجهاز التناسلي للأنثى في شكله الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه ليس مرضا، ولا هو سبب لمرض، ولا يسبب ألمًا من أي نوع يستدعي تدخلا جراحيا، ومن هنا فإن المساس الجراحي بهذا الجهاز الفطري الحساس على أية صورة كان الختان عليها لا يعد ـ في صحيح القانون ـ علاجا لمرض أو كشفًا عن داء أو تخفيفًا لألم قائم أو منعًا لألم متوقع، مما تباح الجراحة بسببه، فيكون الإجراء الجراحي المذكور غير مباح وواقعًا تحت طائلة التجريم[25].

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تغيير خلق الله، وصح عنه لعن «المغيِّرات خلق الله»[26]، والقرآن الكريم جعل من المعاصي قطع بعض الأعضاء ولو من الحيوان، بل هو مما توعد الشيطان أن يُضِلَّ به بني آدم في أنعامهم وقرنه بتغيير خلق الله، فقال تعالى عن الشيطان: {لعنه الله وقال لأتخذَّن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلَّنهم ولأمنَّيَنَهم ولآمرنَّهم فليُبَتَّكُن آذان الأنعام ولآمرنَّهم فليغيرُّن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا}. [النساء 118 ـ 119، والتبتيك: التقطيع].

والختان بصوره التي يجري بها في مصر، وفى أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، فيه من تغيير خلق الله ومن قطع بعض أعضاء الإنسان المعصومة ما لا يخفى. وإذا كان هذا في الحيوان من إضلال الشيطان فكيف يكون في حق الإنسان؟؟

ومن المعلوم للكافة أن هذا الموضع الذي يجرى فيه الختان هو أحد المواضع شديدة الحساسية للاستثارة الجنسية، وأنه يتوقف على كيفية ملامسته إرواء المرأة من متعة التواصل الواجب مع الزوج أو حرمانها منها، وعلى اكتمال الشعور بهذا الإرواء يتوقف إحساس المرأة بالإشباع العاطفي، وهو يكتمل باكتماله وينقص بقدر نقصانه، وكل مساس جراحي بهذا الجزء من الجسم ينتقص ـ بلا خلاف ـ من شعور المرأة بهذين الأمرين. وهذا عدوان صريح على حقها المشروع في المتعة بالصلة الحميمة بينها وبين زوجها، وفى السلام النفسي المترتب على استيفائها لهذا الحق. وقد خلق الله أعضاء كل إنسان على صورة خاصة به غير متكررة بتفصيلاتها في غيره، وهو أعلم بما خلق ومن خلق، ولم يكن صنعه في أحد من خلقه عبثا أو غفلة حتى تأتى الخافضة، برأي هؤلاء الداعين إلى ختان الإناث، فتصححه. إنما جعلت أعضاء كل إنسان لتؤدى وظائفها له على أكمل نحو وأمثله، وحرمانه من ثمرات بعض هذه الوظائف عدوان عليه بلا شك.

والذين يدعون إلى استمرار ختان الأنثى يتجاهلون هذه الحقيقة ويؤذون النساء بذلك أشد الإيذاء. وهو إيذاء غير مشروع، والضرر المترتب عليه لا يمكن جبره، والألم النفسي الواقع بالمرأة بسببه لا يستطيع أحد تعويضها عنه.

وإذا كان الختان ليس مطلوبا للأنثى، ولا يقوم دليل واحد من أدلة الشرع على وجوبه ولا على كونه سنة، فبقى أنه ضرر محض لا نفع فيه. وليس كما يزعم الداعون إليه أنه «يهذب كثيرًا من إثارة الجنس، لاسيما في سن المراهقة ....... » إلى أن قالوا «وهذا أمر قد يصوره لنا، ويحذر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة التي لا تخفى على أحد فلو لم تختن الفتيات .... لتعرضن لمثيرات عديدة تؤدي بهن مع موجبات أخرى تزخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه إلى الانحراف والفساد»[27]. انتهى كلامهم.

أقول إن الأمر ليس كما يزعمون، لأن موضع الختان لا تتحقق الإثارة الجنسية فيه إلا باللمس الخاص المباشر الذي لا يقع قطعا في حالات التداخل والتزاحم ومجالات الملاصقة (التي أظهرها وسائل المواصلات العامة) التي يتحدثون عنها. وهذه المجالات يجري فيها تلامس غير جائز بين الرجال والنساء في أجزاء شتى من الجسم البشرى، فهل نعالج هذه الحالات بقطع هذه الأجزاء من أجسام الناس جميعا؟؟

ومعلوم أن كل عفيف وكل صائنة نفسها يكونان في غاية الألم والأسى إذا وقع شيء من ذلك، وهو يقع عادة دون قصد أو تعمد. ومع هذه الحال النفسية ـ التي يكون فيها الأسوياء من الناس نساء ورجالا تعساء آسفين مستغرقين حياء وخجلا ـ لا تقع استثارة جنسية أصلا، لأن مراكز الإحساس في المخ تكون معنية بشأن آخر غير هذا الشأن الذي لا يكون إلا في طمأنينة تامة وراحة كاملة واستعداد راض، اللهم إلا عند المرضى والشواذ وهم لا حكم لهم.

إن العفة والصون المطلوبان للنساء والرجال على سواء هما العاصم مما لا يحمد من نتائج اللقاء المتقارب بين النساء والرجال. والتربية على الخلق القويم هي الحائل الحقيقي بين هذا اللقاء وبين إحداث آثار ممنوعة شرعا مستهجنة خلقا. أما ما يدعون إليه من ختان الإناث فلا فائدة فيه، بل هو ضار ضررا محضا كما بينا.

ومن واجب الدولة في مصر، وفى غيرها من البلاد الإسلامية التي تشيع فيها هذه العادة السيئة، إصدار التشريع المانع لممارستها، لاسيما على الوجه الذي تمارس به الآن، ولا يجوز أن يمنع من ذلك جمود بعض الجامدين على ما ورثوه من آراء السابقين، فقد نص الفقهاء على أن في قطع الشفرين (وهما اللحمان المحيطان بموضع الجماع) الدية الكاملة، والدية عقوبة لمن يدفعها وتعويض لمن يستحقها، وعللوا ذلك بأنه بهذين الشفرين «يقع الالتذاذ بالجماع». فكل فوات لهذا الالتذاذ أو بعض منه يوجب هذه العقوبة التعويضية ومنع سببه جائز قطعا، بل هو أولى من انتظار وقوعه ثم محاولة تعليله أو تحليله[28].

وهكذا يتبين حكم الشرع في ختان الأنثى: أنه لا واجب ولا سنة، ولم يدل على واحد منهما دليل، وليس مكرمة أيضا لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه. بل هو عادة، وهى عادة ليست عامة في كل بلاد الإسلام بل هي خاصة ببعضها دون بعض. وهى عادة ضارة ضررا محضا لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع، وهو ضرر لا يعوض لاسيما النفسي منه. وقد أوجب الفقهاء إذا فاتت بسببه ـ أو بسبب الحيف فيه على ما يجري الآن في بلادنا في جميع حالات الختان ـ متعة المرأة بلقاء الرجل، أوجب الفقهاء فيه القصاص أو الدية. ومثل هذا يدخل في باب الجرائم المحظورة لا في باب المباحات، فضلا عن السنن أو المندوبات.

فليتق الله أولئك الذين يسوغون ما لا يسوغ، وينسبون إلى الشرع ما ليس منه. وليذكروا وصية الرسول بالنساء: «استوصوا بالنساء خيرا»[29]. وليضعوا أنفسهم موضع هؤلاء المسكينات اللاتي حرمن بهذا الختان، الذي لم يرد به شرع، متعة لو حرمها هؤلاء الرجال ما عوضهم عنها شيء قط!!

والحق أن الختان شأن طبي بحت، حكمه الشرعي يتبع حكم الأطباء عليه، وما يقوله الأطباء فيه ملزم للناس جميعًا، ولا يرد عليهم بقولة فقيه ولا محدث ولا مفسر ولا داعية ولا طالب علم. فإذا تبين من قول الأطباء العدول الثقات أنه ضار ضررًا محضًا وجب منعه إنفاذًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»[30].

ولا يرد على ذلك بأن الختان عادة قديمة جرى بها العرف، والعرف من مصادر التشريع فيجب الأخذ به في إباحته، ذلك لأن العرف الذي يعتد به يجب ألا يكون مصادمًا لنص شرعي[31]. والختان مصادم لنصوص تحريم الجرح وقطع الأعضاء والإضرار بالناس، فلا يبيحه جريان العمل به مهما طال زمنه، لأن استعمال الناس
ـ أي عادتهم ـ ليس حجة فيما يخالف النصوص الشرعية[32]. ولا يجوز الاعتداد في مواجهة هذا كله برأي فقيه أو مذهب فقهي بعد ما تبين أنه ليس له من أصول الشريعة سند يقوم عليه.

وقد نشرت بعض الصحف المصرية مؤخرًا أن دار الإفتاء تبحث إصدار فتوى تتضمن تحريم ختان الإناث. ولو فعلت دار الإفتاء ذلك فإنها تكون قد أسدت خدمة عظيمة لصحيح الفقه، وأسهمت في الإعلام بالحكم الإسلامي الصحيح في هذه العادة القبيحة.

والله تعالى أعلم.

(*) الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

[1] وهذا الحديث رواه الحاكم والبيهقى وأبو داود بألفاظ متقاربة، وكلهم رووه بأسانيد ضعيفة كما بين ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي (1/148).

[2] سنن أبى داود مع شرحها عون المعبود، 14/125-126

[3] المرجع السابق.

[4] نقلا باختصار عن العلامة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ في: الحكم الشرعي في الختان، منظمة الصحة العالمية، الإسكندرية، 1994 ص9

[5] يعني الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله، الذي صححه في: صحيح الجامع الصغير برقم 7475.

[6] عون المعبود، ج14 ص 126

[7] 1/33 من طبعة دار الفكر بيروت 1977. وقد حذف الناشر المصري ـ سامحه الله ـ هذه العبارة من الطبعة الصادرة بعد وفاة المؤلف(!)

[8] ابن حجر، تلخيص الحبير، ط حسن عباس قطب، مؤسسة قرطبة بالقاهرة، الطبعة الثانية 2006، جـ4 ص 162.

[9] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 21/59.

[10] نقله عنه:شمس الحق العظيم آبادى في شرحه لسنن أبى داود، جـ14، ص126

[11] مجلة المنار، العدد رقم (7)، المحرم 1322هـ = مارس 1904 ص 617-618.

[12] نيل الأوطار، جـ 1، ص139.

[13] الختان، للشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر السابق رحمه الله، ملحق مجلة الأزهر عدد جمادى الأولى 1415هـ = 1994 ص 12 وص 16. وقد كان الشيخ رحمه الله من أعلام الرجال خلقًا وكرامة ومحافظة على هيبة الأزهر ورجاله ومكانة العلم والعلماء، رجاعًا إلى الحق، مؤثرًا له على هواه وعلى ما سواه من عرض الدنيا وزينتها.

[14] نيل الأوطار للشوكانى، ج1،ص139 حيث يقول: في إسناد أبى نعيم ـ أحد مخرَّجيه ـ مندل بن علي وهو ضعيف، وفى إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل!

[15] روى هذا الحديث مسلم في صحيحه ومالك في الموطأ، والترمذى وابن ماجة في سننهما وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث النبوي.

[16] من المراجع المشهورة بين أيدي الطلاب في هذا المعنى: النحو الوافي لعباس حسن، 1/118 ـ 119.

[17] ابن قدامة، المغني، جـ 1 ص 271 من طبعة التركي والحلو، القاهرة، 1986.

[18] ورقة قدمها إلى مؤتمر (حظر انتهاك جسد المرأة) الذي عقدته دار الإفتاء المصرية بالمشاركة مع الاتحاد العالمي في ألمانيا في ذي القعدة 1427هـ = نوفمبر 2006م، ص 6.

[19] النووي على مسلم، جـ 4 ص 42، المطبعة المصرية ومكتبتها، القاهرة (د.ت).

[20] ابن قدامة، المغني، الموضع السابق، وفيه: «ولو مس الختان الختان من غير إيلاج فلا غسل بالاتفاق».

[21] رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة؛ البخاري رقم 5889؛ ومسلم رقم 257

[22] ولعله لهذا لم يورده الدكتور القرضاوي، ضمن الأدلة التي يستند إليها القائلون بختان الإناث، في ورقته سالفة الذكر؛ وإن أشار إلى أنه من سنن الفطرة في الذكور والإناث في كتابه: فقه الطهارة ص 131، مكتبة وهبة بالقاهرة 2002. والصحيح ما قلناه في المبتدأ من أنه ليس من سنن الفطرة للنساء.

[23] حقائق علمية حول ختان الإناث، الجمعية المصرية للوقاية من الممارسات الضارة بصحة المرأة والطفل، ص 11، ط 1993.

[24] ختان الأنثى في ضوء قواعد المسؤولية الجنائية والمدنية في القانون المصري، للمستشار صلاح عويس، نائب رئيس محكمة النقض.

[25] المصدر السابق، ص9.

[26] متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر، البخاري برقم 4886، ومسلم برقم 2125.

[27] الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، رحمه الله، المصدر السابق ص 18. والغريب أن ينسب هذا الكلام إلى (الأطباء!) وهم يقولون بخلافه، انظر: ختان الذكور والإناث، منظمة الصحة العالمية 1995.

[28] انظر المحلى لابن حزم الظاهري، 10/458، حيث نقل آراء الفقهاء في ذلك وخالفهم إلى إيجاب القصاص على المتعمد، ونفى الدية عن المخطئ، والمغني لابن قدامه، 12/158 و 11/546 حيث نقل رأيين أحدهما يجيز القصاص في قطع الشفرين، والثاني يكتفي بالدية لاعتبارات فنية تتصل بإجراء القصاص.

[29] رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، البخاري برقم 5186 ومسلم برقم 1468.

[30] رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجه في سننه عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه أيضًا عن عبادة بن الصامت، وهو في صحيح الجامع برقم 7517.

[31] أستاذنا العلامة محمد مصطفى شلبي رحمه الله، أصول الفقه الإسلامي، بيروت 1974، ص 324. والفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية، له أيضاً، ص 99 من ط بيروت 1982.

[32] العلامة الشيخ أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، ط2، 1989، ص219


مؤتمر دار الأفتاء 2006 حول حظر أنتهاك جسد المرأة


أهتمت دار الإفتاء المصرية بمناقشة قضية ختان الإناث من كافة جوانبها الدينية والصحية والقانونية، وذلك من أجل الرد على تساؤلات الأسرة المصرية التى تريد معرفة الرأى الدينى السليم فى موضوع ختان الإناث.
فى هذا الإطار، وتحت رعاية فضيلة مفتى جمهورية مصر العربية أ.د على جمعة، نظمت دار الإفتاء المصرية "مؤتمر العلماء العالمى نحو حظر انتهاك جسد المرأة"، وذلك فى 22-23 نوفمبر 2006.
شارك فى هذا المؤتمر عدد كبير من كبار علماء المسلمين وأساتذة الطب والخبراء فى مصر وبعض الدول العربية والأفريقية والأوروبية، الذين ألقوا عدداً من البحوث والمحاضرات الهامة فى مجال ختان الإناث من كافة الزوايا.
أهم المشاركين فى المؤتمر

شيخ الجامع الأزهر، الأمام الأكبر الدكتور/ محمد سيد طنطاوى.
وزير الأوقاف، الدكتور/ محمد حمدى زقزوق.
مفتى جمهورية مصر العربية، الدكتور/ على جمعة.
مفتى جمهورية مصر العربية السابق، الشيخ/ محمد فريد واصل.
رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، الدكتور/ يوسف القرضاوى.
الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة السفيرة/ مشيرة خطاب
أستاذة الفلسفة الإسلامية بكلية البنات جامعة الأزهر، الدكتورة/ آمنه نصير.
رئيس الجمعية المصرية لأمراض النساء والتوليد ورئيس قسم النساء والتوليد الأسبق بجامعة المنصورة، الأستاذ الدكتور/ عز الدين عثمان
.

توصيات المؤتمر:

إنعقد مؤتمر العلماء العالمى نحو حظر إنتهاك جسد المرأة "فى الأول والثانى من ذى القعدة 1427هـ الموافق 22-23/11/2006م فى رحاب الأزهر وألقى فيه عدد من البحوث وبعد مناقشات السادة العلماء والأطباء والمتخصصين والمهتمين من مؤسسات المجتمع المدنى فى مصر وأوربا وأفريقيا توصل المؤتمر إلى ما يلى:

كرم الله الإنسان فقال تعالى "ولقد كرمنا بنى آدم " فحرم الإعتداء عليه أيا كان وضعه الإجتماعى، ذكراً كان أم أنثى.
ختان الإناث عادة قديمة ظهرت فى بعض المجتمعات الإنسانية ومارسها بعض المسلمين فى عدة أقطار تقليداً لهذه العادة دون إستناد إلى نص قرآنى أو حديث صحيح يحتج به.
الختان الذى يمارس الآن يلحق الضرر بالمرأة جسدياً ونفسياً، ولذا يجب الإمتناع عنه إمتثالاً لقيمة عليا من قيم الإسلام وهى عدم إلحاق الضرر بالإنسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام" بل يعد عدواناً يوجب العقاب.
يناشد المؤتمر المسلمين بأن يكفوا عن هذه العادة، تماشياً مع تعاليم الإسلام التى تحرم إلحاق الأذى بالإنسان بكل صوره وألوانه.
كما يطالبون الهيئات الإقليمية والدولية بذل الجهد لتثقيف الناس وتعليمهم الأسس الصحية التى يجب أن يلتزموا بها إزاء المرأة، حتى يقلعوا عن هذه العادة السيئة.
يذكر المؤتمر المؤسسات التعليمية والإعلامية بأن عليهم واجباً محتماً نحو بيان ضرر هذه العادة والتركيز على آثارها السيئة فى المجتمع، وذلك للإسهام فى القضاء على هذه العادة.
يطلب المؤتمر من الهيئات التشريعية سن قانون يحرم ويجرم من يمارس عادة الختان الضارة فاعلاً كان أو متسبباً فيه.
كما يطلب من الهيئات والمؤسسات الدولية مد يد المساعدة بكافة أشكالها إلى الأقطار التى تمارس فيها هذه العادة كى تعينها على التخلص منها.

من كلمة الشيخ يوسف القرضاوى رئيس الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين فى (مؤتمر العلماء العالمى نحو حظر انتهاك جسد المرأة) "منع ختان الإناث جائز شرعاً"
إن حكم الشريعة الإسلامية فى ختان الإناث يؤخذ من مصادرها الأصلية المتفق عليها وهى: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والإجماع بشروطه المقررة فى علم أصول الفقه والقياس المستوفى لشروط الصحة.
فإذا أردنا أن نتعرف على حكم الشريعة الإسلامية فى مسألة ختان الإناث، فإننا نبحث فى القرآن الكريم ثم فى السنة النبوية الصحيحة، ثم فى الإجماع ثم القياس بشروطه المقررة.
لا يوجد فى القرآن الكريم أن نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث. وليس هناك إجماع على حكم شرعى فيه، ولا قياس يمكن أن يقبل فى شأنه.
ولا يوجد دليل صحيح من الأحاديث النبوية الشريفة على الوجوب أو السنية بالنسبة لختان الإناث.
الحديث الأول:
حديث أم عطية" أن أمرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم "أشمى ولا تنهكى، فإنه أسرى للوجه. وأحب إلى البعل " ، قال أبو داود عن محمد بن حسان (أحد رواة هذا الحديث) أنه مجهول، والحديث ضعيف.
وقد روى هذا الحديث من طرق كلها ضعيفة، وإن صححه بتعددها الشيخ الألبانى، لكن أمر ختان الإناث يهم كل بيت مسلم، وهو مما تتوافر الدواعى على نقله فلماذا لم ينقل إلا بهذه الطريقة الضعيفة؟!
الحديث الثانى:
"الختان سنة للرجال مكرمة للنساء" وهو حديث ضعيف السند.
الحديث الثالث:
وهو صحيح "إذا التقى الختانان وجب الغسل" وهو يدل على أن النساء كن يختن فى هذا الزمن، ولا يدل على وجوب ختان الإناث.
إن ختان البنات ليس بواجب ولا سنة، وقد اختلف العلماء فى شأنه ولكن لم يقل أحد من العلماء أنه حرام، لذلك فيمكن القول بأن ختان الإناث أمر مباح يمكن عمله أو تركه. وفى نفس الوقت فإنه يمكن منع المباح شرعاً إذا ترتب عليه ضرراً، بناء على قاعدة :"لا ضرر ولا ضرار".
لذلك يجوز منع ختان الإناث استناداً لقاعدة "تقييد المباح إذا ترتب عليه ضرر أو مفسدة"، أو من باب " منع تغيير خلق الله".

[ ضعف أحاديث الختان في الميزان ]
الشيــخ
" سيد محمود زايد "


مدير مجمع الديرى الأسلامى "
ببني سويف
وعضو لجنة الفتوى




حديث أم عطية : ( أخفضي ولا تجوري ) . وروتى بصيغته ( اشمى ولاتنهكى فأنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج ) ضغفه صاحب المغنى عن الأسفار ( فقيه محمد بن حسان الذي قال عنة أبو داود مجهول ) ج ( ص 48 ، والنهك ـ المبالغة في القطع والإشمام ـ قطع القليل ) قال أبو داوود ( وأسناده ليس بالقوى ) وهذا الحديث ضعيف هكذا بينه العراقي في تخريجه لأحاديث ( علوم الدين للغزالى ) ج 1 ص 148 . وفى عون المعبود شرح سنن أبى داود . ( وعلق الأمام شمس الحق العظيم آبادى على كلام بن داود قائلا ( ليس الحديث بالقوى لأجل الاضطراب ولضعف الراوي ) ، ( روى من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لايصح الأحتجاج بها ) وقال الحافظ عبد الغنى بن سعيد ( هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين ) وقالوا وضع أربعة الآف حديثا أ.ه. فكيف نقبل حديثا رواه وضاع زنديق ؟!!! وقال عنه أحمد ( قتله المنصور على الزندقة ، وصلبه ) . لذا قال أ.د/ الصباغ ( ولاتلتفت إلى من صححه من المتأخرين ) ( ولاتزد طرقه لضعفه الأ ضعفا ) ثم هذا ،الحديث ( ناقض أخره أوله ) ففي أوله أمر بالختان وفى أخره بيان أن بقاء بعض ذلك الجزء المأمور أزالته ( أسرى للوجه أحظى عند الزوج ) فلماذا لايبقى أصل الخلقة كما خلقه الله فتكتمل نضارة الوجه والحظوة عند الزوج ؟!! " وبعيد أن يخاطب رسول الله (ص) امرأة بهذه الصراحة فيقول (أحظى للزوج ) 2. وقوله (ص) " أشمي " من الإشمام ( العلو والارتقاء ) ومن الجبل الأشم والنخلة الشماء ، كأن (ص) يقول " أذا وجدتي البظر أشما عاليا فأخفضيه والأ فلا ، أو كأنه يقول " خذي منه مايؤخذ من الوردة عند شمها فكأنها لاتأخذ منه شيئا " وكأنه (ص) شبهها بالوردة التي تشم فلم نقطفها بخفضها ؟


2ـ حديث ( الختان سنه للرجال مكرمة للنساء ) :


ضغفة البيهقى وأبن أبى حاتم وابن عبد البر لتدليس الحجاج بن ارطأه وكذا الحافظ بن حجر في تلخيص " الخبير في تخريج أحاديث الرافعى الكبير " ناقلا قول البيهقى ( أنه ضعيف ومنقطع ) وقال بن عبد البرى التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ( انه يدور على رواية راو لايحتج به ) ، واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبن المليح هذا ، وهو يدور على " حجاج بن ارطأ " وليس ممن يحتج به بما انفرد به ، والذي اجمع عليه المسلمون ( الختان في الرجال ) وقال الشوكانى ( مع كون الحديث لايصح للأحتجاج به فهو لاحجة فيه على المطلوب لأن لفظ السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين ولم يقم دليل على وجوب الختان في الرجال والمتيقن أنه سنة ) وسائر خصال الفطرة ليست واجبة ) 1 وفى السنة يقول الشيخ سيد سابق ( أحاديث الأمر بختان المرآة ضعيفة ولم يصح منها شيء ) 2 ولو أراد النبي (ص) التسوية بين الرجال والنساء لقال ( أن الختان سنة ) وسكت فيكون ذلك تشريعا عاما )3 .3.( الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الأختتان والأستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ) 4 وعن عائشة ( في خصال الفطرة : أنها عشرة خصال ) كما أخرجه أحمد ومسلم والنسائي ، والملاحظ أن قص الشارب وأعفاء اللحية خاص بالذكور دون الأناث وأما ختان الأناث فيسمى ختاناً على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة ، وحقيقة مسماه ( خفاض ) . فالختان هنا قاصر على الرجال كقوله (ص) (قص الشارب) فمعلوم انه ليس للمرأة شارب ولأذقن فهي للذكور لا للإناث

ماورد عن عبد الله بن عمر ( مرفوعا )ى انه (ص) أمر نساء الأنصار الختان " يانساء الأنصار اختضبن غمساً واختفضن ولاتنهكن فأنه أحظى عند أزواجكن ) قال الشوكانى ( في اسناد أبى نعيم ـ أحد مخرجيه ـ مندل بن على وهو ضعيف ) وفى إسناده ( خال بن عمرو والقرشى ) وهو اضعف من مندل 5 ولعل المقصود بنساء الأنصار هذا الأماء ولعل في ذلك إعلان لحرية الأمة أو عتقها بعد عبوديتها . أما الحرة فلا تحتاج لما يحفظ لها شرفها ـ أن زعموا أن الخفاض يحافظ على عفتها وهو ليس كذلك . ألم تقل هند بنت عتبة للنبي (ص) يوم بأيعهن أن لا يزنين قالت " أو تزنى الحرة ؟!" فالحرة عفيفة مخفضة كانت أم بظراء .

5ـ أما قوله (ص) ( اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )

وروى اذا جلس بين شعبيها الأربع ومس الختان ) فقد رواه مالك في الموطأ ومسلم في صحيحه والرمذى وابن ماجه في سنينهما باب الطهارة وابن حنبل فى باقى مسند النصار وعن الترمذي عن عائشة ( اذا جاوز الختان ) وقال صحيح وحسن و ( الختانان ) مثنى ولكن التثنية ترد لجمع الأمرين بأسم أحدهما على سبيل التغليب قال تعالى ( مرج البحرين يلتقيان هذا عذب فرأت وهذا ملح أجاج ) والقمران ( الشمس والقمر ) والعشاء أن

( المغرب والعشاء ) الظهران ( الظهر والعصر ) والعمران ( أبو بكر وعمر ) والأسودان ( التمر والماء ) ، الأبوان (لاب والأم ) من باب تغليب القوى ، وهناك تغليب الأنثى ( المروتان ) الصفا والمروة ، وتغليب اللون ( الأصفران ) الذهب والحرير 1 .والحديث مؤول عند العلماء فهم لايوجبون الغسل بمجرد التقاء الختانين وأنما بالايلاج ، فإذا ترك المعنى الحر في للفظ الحديث أي لمنطوقه ، فكيف يقبل القول بمفهومه ؟ 2 وقد غلب (ص) ختان الزوج على ختان الزوجة كما غلب القرأن الرجال على النساء كقوله تعالى لمريم ( وأركعي مع الراكعين ) وليس مع الراكعات . فهنا تغليب ختان الزوج الذي هو سنة وعبادة على ختان الزوجة الذي هو ( عادة ) وهذا فقه الواقع في الأسلام ومصداقيته (ص) فقد هناك نساء مختنات ( بحكم العادة لا العبادة ) ( فهذا ماجتاه أبى على وماجنيت على أحد ) أو لعل هذا من أدبه (ص) فلم يقل ( اذا التقى الفرجان ) أو ( التقت العورتان ) فهو القائل ( الكلمة الطيبة صدقة ) ولحيائه (ص) نعم القرأن ذكر كلمتي العورة والفرج ولكن الله يذكر ما يشاء كيفما يشاء ( لايسأل عما يفعل وهم يسئلون ) ألم يقل مولانا ( أن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحى منكم والله لايستحى من الحق ) . ثم هذا الحديث وارد في ( غسل الجنابة وليس أمر بخفاض الأناث ) وهذا قول الأمام بن حنبل فيه ـ هذا الحديث ـ بين أن النساء كن يختن ) لأنها عادة توارثها الأنباء عن الأباء لا لأنها أمر نبوي بذلك .

6ـ قوله (ص) ( من أسلم فليختن وأن كان كبيرا )

رواه الزهري وذكره ابن القيم في ( تحفة المودود ) قائلاً ( فهو يصلح للاعتضاد ) وقوله (ص) لمن أسلم ( ألق عنك شعر الكفر واختتن ) 3 حكم عليها الشوكانى بالضعف وقال ابن عبد البر في التمهيد ( الذي عليه المسلمون أن الختان للرجال ).


أثار الصحابة : ـ

واما الآثار الواردة في خفاض الأناث عن الصحابة فهي لاتوجبه ولاترقى به إلى درجة السنة ومنها :


1ـ ماورد أن عثمان بن أبى العاص دعي إلى الطعام فلما علم أنه لختان جاريه قال " هذا الشيء ما كنا نراه على عهد رسول الله (ص) فأنى أن يأكل " أخرجه البخاري ، نقول لعل عثمان أراد أن ختان الجارية أصلالم يكن على عهده ( ص) في آخر المر وفيه رد لمن يتساءل لماذا لم يمنعه النبي (ص) ؟!!
2ـ حديث المهاجر التي سبيت ( أسرت ) في جواري من الروم وأمرها عثمان بن عفان بالخفاض ( اذهبوا فخفضوها وطروها ) نعم ولكن لمن ؟ للجواري لعملن بلاحمل ولاولادة وهكذا تماما كما كانوا يخصون العبيد

3ـ حديث ختان بنات أخي عائشة "1" لعله في أول الأمر، وأنا أتساءل هل عائشة وأخوها بفعلهما هذا موافق لما فعله النبي (ص) مع بناته وهو عدم تخفيضهن ؟ لااللهم لا ، اذا فعله (ص) مقدم على فعل غيره وأن كانت عائشة (ر).

ثم أرادت عائشة أن تسليهما لتخفيف الألم عنهما ، بل ودعت لهما من يسليهما ، أليس هذا اعترافاً بما وقع عليهما من ألم بسبب الخفاض ؟


من فقه الأحاديث وبلاغتها :

ـ

أولا : قوله (ص) في أحاديث أم عطية ( أخفضي ) ليس دالا للوجوب ، فليس كل فعل أمر دالا للوجوب مطلقاً . قال أمام الحرمين ( الجوينى ) ( أن الأمر يدل على مطلق الطلب ولايتعين للوجوب الأ بقرنية الوعيد على تركه ) ، وقال الأمام الشاطبى ( وأيضاً فقد قام الدليل على اعتبار المصالح شرعا والأوامر والنواهي مشتملة عليها ( أي المصالح ) فلو تركنا اعتبارها ( مراعاة المصالح ) على الإطلاق لكنا خالفنا الشارع من حيث قصدنا موافقته ، فأن الفرض أن هذا لأمر واقع لهذه الأ لمصلحة ) . ويقول ( وأيضاً فأن النبي (ص) نهى عن أشياء وأمر بأشياء ، وأطلق القول فيها أطلاقا يعملها المكلف في نفسه وفى غيره على التوسط لاعلى مقتضى الإطلاق الذي يقتضيه لفظ الأمر والنهى عن مساوئ الأخلاق وسائر المناهى المطلقة وقد تقدم أن المكلف جعل له النظر فيها بحسب ما يقتضيه حاه ومنته ( مقدرته ) ومثل ذلك لايتأنى مع الحمل على الظاهر مجردا من الألتفات إلى المعاني ( اى المقاصد ) 1 ويقول ( فالأوامر والنواهي من جهة اللفظ على تساو في دلالة الأقتفاء والتفرقة بين ماهو أمر وجوب أو ندب وماهو نهى تحريم أو كراهة لاتعلم من المنصوص ، وأن علم منها بعض فالأكثر غير معلوم ، وما حصل لنا الفرق بينها الأ بأتباع المعاني ( أي النظر في المقاصد ) ى2 والنظر إلى المصالح ،

وفى أي مرتبة تقع ؟ ( اى هل من الضروريات ، أم من الحاجيات ، أم من التحسينات ) وبالاستقراء المعنوي ، ولم نستند فيها لمجرد الصيغة ، والالزم في الأمر لايكون في الشريعة الأ على قسم واحد لاعلى أقسام متعددة ) 1 ذلك لأن البعض يتوهم أن الكلمة ( أخفضي ) فعل الأمر للدلالة على وجوب الخفاض ، والأمر ليس كذلك . أما الأمر المجرد يفيد الوجوب ( عار ومجرد من قرينه تعرفه عن السنة الأستسحان ) كقول تعالى ( أقيموا الصلاة ) ولم يقل ( لمن شاء ) أو ( لمن أراد )



( افعل ) ترد لستة عشر معنى : ـ


1ـ الإيجاب : مثل ( أقيموا الصلاة ) .

2ـ الندب : ( فكابتوهم ) ( كل مما يليك ) ( صل من قطعك ) ( أعط من حرمك ) ( فليكرم ضيفه ) .

3ـ الإرشاد : مثل ( فاستشهدوا شهيدين ) .

4ـ الأباحة : قوله تعالى ( كلوا واشربوا )

5ـ التهديد : كقوله تعالى ( اعلموا ماشئتم ) .

6ـ الأمتنان : كقوله تعالى ( كلوا مما رزقناكم ) .

7ـ الإكرام : كقوله تعالى ( ادخلوها بسلام ) .

8ـ التسخير: مثل ( كونوا قردة خاسئين ) .

9ـ التعجيز: مثل ( فاتوا بسورة من مثله ) .

10ـ الأهانه : مثل ( ذق انك أنت العزيز الحكيم ) .

11ـ التسوية : مثل ( اصبروا أو لاتصبروا ) .

12ـ الدعاء: مثل ( أهدنا الصراط المستقيم ) .

13ـ التمنى : مثل ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلى .

14ـ الاحتقار : مثل أفعل مابدالك .

15ـ التكوين: مثل ( كن ) .

16ـ الخبر : مثل ( اذا لم تستح فافعل ماشئت ) .

أما الأمام الزركشى فقد ذكر ثلاثا وثلاثين وجها من أوجه دلالة الأمر عليها 2 ، أبعد هذا يقال أنه ( ص ) أمر بختان الأناث فى قوله ( اخفضي ) ؟!!! اللهم لا ، فهب أن الله تعالى قال ( واشهدوا اذا تبايعتم ) ولم نشهد فى بيوعنا أيكون البيع حراما ؟ لا لأنه من باب الاسترشاد لا الوجوب ، وكقوله تعالى ( فأذا حللتم فأصطادوا ) هب أنتي تحللت من الحج ولم أصطد شيئاً أيكون الحج باطلا أو ناقصا ؟ ولما أمرهم (ص) بصلاة العصر فى بني قريظة صلى بعضهم فى الطريق لما جائه الآذان وأخرها بعضهم واقر (ص) الفريقين مع اته قال ( لايصل أحد العصر الا فى بني قريظة ) ، فهل هذا للوجوب ؟ لا وأنما يحثهم على سرعة المسير ليصلوا سريعا إلى قبيلة بني قريظة يوم الأحزاب ، وقوله (ص) (اذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) فهل هذا أمر بتحية المسجد على سبيل الوجوب ؟ لا
.


ثانياً : ـ
لماذا لم يأمرها النبي (ص) بعدم الخفاض وتنتهي القضية ، لماذا لم يقل (ص) (لاتخفضى ؟ لو قال (ص) (لاتخفضى ) لعاندوه أول الأمر فتلك عاداتهم وتقاليدهم . قالت عائشة (ر) لو بدأنا النبي (ص) لاتشربوا الخمر لشربوها كنوع من العناد والتحدي وكذلك التدرج فى التشريع ، ودبلوماسية الدعوة ، والتفرغ لما هو أولى ( فقه الأولويات ) ألم تظل الأصنام حول الكعبة سنوات طوال من بعثته (ص) حتى فتح مكة إلى أن قاموا هم بتحطيمها يوم أقتنعوا ببطلانها وتمكنوا من تكسيرها بأيديهم


ثالثاً : ـ

قوله (ص) (ولاتجورى) ألا يشير الى الظلم ؟!! فالجور هو فكأنه (ص) يقول لها (لاتظلمى) البنت بتخفيضها وخفاضها وكأنه (ص) سمى الخفاض (ظلماً) و(جورا) ، نعم ظلم لها ولزوجها فيما بعد وحرمان لهما من نعمة التلذذ بالجسد أثناء الجماع بل وظلم للأبناء الذين يعيشون أحياناً فى تعاسة بسبب شجار الوالدين بسب عدم الارتواء الجنسى وان تظاهرا بأسباب كثيرا لنزاعهما


رابعاً : ـ
قوله (ص) (ولاتنهكى) أليس قيدا بمنع الخفاض ؟ سلوا الأطباء رغم مهارتهم أيستطيع أحدهم أن يخفض بنتاً دون أن يجوز أو ينهك ؟ لا لأن البظر ضئيل لايكاد يمسك فكيف يقطع جزء منه دون أن نخدش بقية الأعضاء ؟ فكأنه (ص) يقول لها (أن أردتي أن تخفضى فبشرطين وقيدين (لاتجورى ) و ( لاتنهكى ) فهل تستطيعين ؟ لا ، أذاً لاتفعل


خامساً : ـ

قوله (ص) (فأنه احظي ) : الهاء هنا ضمير عائد على البظر لا على الخفاض كما يعتقد البعض فليس خفاض الأنثى هو الذي يجعلها بتلك النضارة ليحظى بها زوجها ، لا ، أنما البظر هو ذلك العضو الذي يصل بها وبزوجها للمتعة والالتذاذ ، فلم نقطعه أو نقطع بعضه ؟ أليس هذا جورا وظلماًً ؟

سادساً: ـ

رواية الأحاديث بصيغة الخطاب لعدد من النساء كأم عطية وأم حبيبة وام أتمار أليس هذا تشكيكاً فيمن وجه اليه الخطاب ؟ من التي خاطبها النبي (ص) تحديداً ؟ أم كما يقولون لعله (ص) خاطب بهذا الخطاب عدداً فيهن نقول ولما ؟ وعادت (ص) انه يوجه لأمر لواحد فيسمعه الجميع ألم يقل ( بلغوا على ) ؟!! ثم لو طالبهن (ص) بهذا الخطاب لماذا لم يغير (ص) خطابه إليهن بدلاً من التكرار الذي يعتبر أحياناً نوعاً من الركاكة وعدم البلاغة وهو (ص) أبو البلاغة والبلغاء

سابعاً : ـ
قوله (ص) (مكرمة) فى حديث (مكرمة للنساء) أن صح الحديث وهو ليس صحيحاً ، أتعنى التكريم والتقديس بمعنى أن عدم الختان أهانة للمرأة وتحقيرا لها ، اللهم لا ، فهذا مايسميه الفقهاء (مفهوم المخالفة) فالأمر بالشىء لايفيد النهى عن ضده والعكس كقولك (أكرم جارك المسلم)

هل معناه ( أهن غير المسلم ) ؟ وقوله (ص) (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ليس معناه أن غير المسلم على المسلم حلال، وإذا قلنا (صل ليلاً) أمعناه (لاتصل نهاراً) ؟!! فالأمر بالشىء لايقتضى النهى عن ضده ، وهو مذهب الجوينى أمام الحرمين . ومن قوله تعالى ( لاتقتلوا أولادكم خشية املاق ) فهل معناه أننا نقتل أولادنا أن لم نخشى الفقر والأملاق ؟!! وقوله تعالى (لاتكرهوا فتياتكم على البغاء أن أردن تحصناً ) فهل نكرهن أن لم يردن الزواج وقوله تعالى (استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم) أيعنى عدم الأستجابة لله وللرسول أن لم يدعنا لما يحيينا؟!! وقولهم (اكرم المسلم ميتاً) أيعنى لاتكرمه حياً ، أو يجب أهانته فى حياته !! ثم (مكرمة) كقوله(ص) لمن دخل عليه ثائر الشعر (منكان له شعر فليكرمه) أي ينظفه ويعتنى به ، لاأن يقطعه ويحلقه فقد كان (ص) طويل الشعر جميلاً

ثامناً : ـ
قوله (ص) (فقد وجب الغسل) فى حديث (أذا التقى الختاتان) فهو فى باب الطهارة ، وذكره بعضهم فى باب (الحيض) ،

(وجب الغسل) وليس (وجب الخفاض)



تاسعاً : ـ

لماذا لم يحرم النبي (ص) هذا الخفاض اذا كان ضاراً ؟ ليس كل ماسكت عنه النبي (ص) أقرارا فهناك أمور سكت عنها النبي (ص) رغم خطأها وليس ذلك أقرارا لها أنما لمراعاة أحوال كثيرة تقتضيها الدعوة اقلها القاعدة الفقهية (لايزال الضرر بضرر أكبر) ، ألم يترك النبي (ص) الكعبة على أصولها الحالية رغم مخالفتها للأصول التي جددها عليها أبراهيم الخليل عليه السلام ولما سأله الرجل عن الحج أفى كل عام ؟ سكت النبي (ص) مرتين ثم قال فى الثالثة (لا) فهل معناه أن النبي (ص) فى الأولى والثانية أقر أن الحج كل عام لا ألم يقل لعائشة (ر) (لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة وبنيتها على أصول أبراهيم ) ؟ أبقاها النبى (ص) على ماهى عليه كيلا لاتثار فننة من تجديدها وتغييرها ، فليس كل ماسكت عنه النبى (ص) ولم يحرمه أقرار بصحته ، بدليل انه (ص) لم يفعله مع بناته الأربع ولاحفيدتيه الأثنتين (أمامة بنت زينب) أو (زينب بنت فاطمة) فأن قالوا (دلالة القول أقوى من دلالة الفعل) قلنا أين القول الصحيح هنا ؟


عاشراً : ـ
لفظ (سنة) فى قوله (ص) (الختان سنة) لايعنى السنة الشرعية بمفهومها لأنها ترد لمعان كثيرة ، فالسنة هي الطريقة والعادة وهكذا ثم لو كانت سنة ولم نفعلها أنعاقب ؟ لا فالسنة لايعاقب تاركها ، فلما سأل الأعرابي النبى (ص) أخبرنى عن الأسلام علمه الفرائض قال الرجل (لا أزيد) أي لا أفعل السنن فقال (ص) (افلح وأبيه أن صدق ) لم يقل (خاب وكفر وخسر) فالسنة غير الفريضة مع أجلالنا لها قال تعالى (أطيعوا الله أطيعوا الرسول) ويقول (ص) (تركت فيكم ما أن تمسكتم يهما لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتي) نعم السنة المؤكدة أنها السنة الدنيوية فأحيانا ما كان أصحابه ليفعلونها فهذه (بريدة) لما ذهب (ص) اليها شافعاً لترجع لزوجها (مغيث) قالت (اجئت امراً أم شافعا) قال (ص) (شافعا) قالت لا وما عادت اليه ولم يغضب (ص) ولم يكفرها أحد . والحباب ابن المنذر فى غزوة بدر ساعة أراد النبى أن ينزل قبل الماء قال : أرأيت هذا المنزل ، أمنزل أنزله الله ، فلا نتقدم ولانتأخر أم هو الرأي والحرب ؟ قال (ص) (بل الرأي) قال ذا ليس بمنزل ، أنما ننزل بعد الماء فنشرب ولايشربون ، فاستجاب (ص) لرأيه قائلاً (أشرت بالرأي) فالخفاض هنا سنة دنيوية يقول فيها النبى (ص) أنتم أعلم بشئون دنياكم


حادي عشر : ـ
كلمة (فطرة) فى حديثه (ص) (خمس من الفطرة) لاتعنى الدين والعقيدة فقط وأنما تعنى أمورا كثيرة فالفطرة بمعنى الهيئة فطرة الله الذي فطر الناس عليها أو الهيئة التي خلقها عليها والفطرة بمعنى الخلق والفاطر أى الخالق (فاطر السماوات والأرض) أى خالقهن أو بمعنى طريقة الأقدمين وعاداتهم وهكذا


ثانى عشر : ـ
(من) فى قوله (ص) (من أسلم فليختتن) لاتعنى الذكر والأنثى بمعنى الذي اسلم فواجب عليه الختان ذلك لأن أمورا كثيرة واجبة على الذكور وليست واجبة على الأناث فالقتال واجب على الرجال لا النساء والجمعة كذلك ، لأمور فى الخلق والتكوين ولطيعة الأنثى ولضعفها وما يعتريها من حيض ونفاث وغيره كذلك الختان واجب لمن أسلم من الرجال لفوائده الصحية الجمة عكس الأناث لما فيه من إضرار عليهن كالنزف والعقم والصدمان العصبية والنفسية وعدم الارتواء الجنسى وعدم التبول فى اتجاه واحد مما يصيبها بالنجاسة ، والنبى (ص) يقول (أكثر عذاب أمتي فى قبورهم من البول) ويقول عمن رآه فى قبره (أما أحدهما فكان لايستبرأ ـ لا يستنزه ـ من بوله


ثالث عشر : ـ
العرف يقولون خفاض الأناث عادة وعرف تعارفنا عليه والشرع لايصطدم بالعرف (فالمعروف عرفا كالمشروط شرطا) ، نقول أن لم يصطدم بالشرع والأ فلا فما أكثر الأعراف التي قضى عليها الأسلام لمخالفتها للشرع ثم العرف من المعروف وليس المنكر فهو مايتعارف الناس على حسنه ، قال (ص) (مارأه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) والقاعدة الفقهية (أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله) أما اذا كان العرف ضاراً فلا لقوله (ص) (لأضرر ولا ضرار) ، وكثيرا ماذم القرآن من يقلد أعرافاً بالية وتقاليد خاطئة ، قال تعالى رداً على من يقولون (هذا ماوجدنا عليه آباءنا) قال (أولو كان آباؤهم لايعقلون شيئاً ولايهتدون ) ؟


رابع عشر : ـ
الأباحة : ـ يقولون كان انخفاض مباحا فى عهده (ص) ، ربما ولكن المباح ربما يكون مكروها أحياناً لظروف معينة كأختلاف الزمان والمكان والبيئة وهكذا ، فالطعام مباح ولكن أن كان بكثرة فهو مكروه قال تعالى ( كلوا واشربوا ولاتسرفوا) والبصل والثوم مباحان وحلال ولكن كره النبى (ص) ريحهما فى المساجد ( من أكل ثوما أو بصلا فليعتزل مسجدنا وليصل فى بيته ) فأن كان مباحاً فهو من باب العادات المتوارثة التي أباحها السلام يوما ثم نفر منها وكرهها كنكاح المتعه كان مباحا ثم حرمه لنبي (ص) فى فتح مكة حيث قال (ص) ( لامتعة بعد الفتح

خامس عشر : ـ
الأحتجاج بآراء الفقهاء المؤيدين دون الأخذ بالرأي الآخر ، يؤخذ الدين من الدين لا من الرجال ويعرف الرجال بالدين ولا يعرف الدين بالرجال وأراء الفقهاء ليست نصوصاً شرعية مقدسة وأنما هي فهم للنصوص تقبل الخطأ ، قال الشافعى ( قولى صواب يحتمل الخطأ ) وقال مالك ( أذا تعارض قولى مع القرآن والسنة فأضربوا بقولي عرض الحائط ) فالعصمة لاتكون الا لنبي والشافعى نفسه غير بعض مذهبه القديم فى العراق لما وصل مصر لاختلاف الزمان والمكان فالفقه قابل للتجديد مالم يصطد بنص صحيح فالقاعدة ( لا اجتهاد مع النص



أزاء الفقهاء فى مسالة الخفاض : ـ


قال ابن المنذر ( ليس فى الختان خبر يرجع اليه ولا سنة تتبع ) .

أفتى بن قدامة الحنبلى برأيين فيه أحدهما ( يجيز القصاص فى قطع الشفرين ) والثاني بالدية لاعتبارات فنية تتصل بأجراء القصاص


3ـ نص الفقهاء على لنه فى قطع الشفرين الدية الكاملة لأن الالتذاذ بالجماع يقع يهما وخالفهم بن حرم الأندلسي الى وجوب القصاص على المتعمد ونفى الدية عن المحظى ) المحلى ج 10 ص 458 وهذه حضارة الأسلام القضائية فقد سبق التشريع الفقهي التشريع الوضعي فى تجريم هذه الفعلة وحكم بالقصاص على فاعلها أو دفع الدية حفاظا على حقوق الأنثى فى الحياة الجنسية والتلذذ بها مع زوجها فى نطاق ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) وقوله تعالى ( هن لباس لكم وانتن لباس لهن ) 4ـ ذهب الشيخ / رشيد رضا لمناهضة الخفاض فى مجلة المنار عام 1904 مسترشدا بآراء أبن المنذر

أفتى الشيخ / محمود شلتوت مفتى الديار المصرية سنة 1959 بأن الخفاض (يخضع لقاعدة لايجوز أيلام الحي الا لمصالح تعود عليه وتربو على الألم الذي يلحقه وليس أغرب من أن يستدل الذاهبون الى وجوبه بقوله تعالى ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة أبراهيم حنيفا ) وقوله تعالى ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال ابن عباس ( تلك الكلمات هي خصال الفطرة ) ( ليس فيها مايصح أن يكون دليلا على السنة الفقهية فضلا عن الوجود الفقهي ) وأن ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو اليه والى تحتمه لا شرعا ولا خلقا ولا طباً

أحقاً تنحرف الفتاة بدون الختان ؟!!



لست أدرى ماعلاقة الشرف والعفة بالخفاض ؟!! فكم من مخفضة منحرفة وكم من بظراء عفيفة !! أنربط شرفها وعفتها بمليمترات من بظرها ؟!!! اذا وجد البظر فهي المنحرفة وإذا خفضناه فهي العفيفة ؟!! ما هذا ؟! ( تلك اذا قسمة ضيزى ) لاتستثار المرأة من بظرها فقط وأنما هناك ثدياها وأردافها وعيناها وأذناها وعمودها الفقري وابطاها وسؤتها . ما أكثر الأعضاء التي تثيرها خلاف البظر فهل نختن كل هذه الأعضاء ؟!! هل نستأصل كيلا تستثار وتظل عفيفة ؟!! ماهذا ؟ أنقطعها حفاظا عليها ؟ ( مالكم كيف تحكمون ) ؟!!لماذا لاتفقاً عيناها حماية لها من النظر للأجنبي والنبى (ص) يقول ( النظرة سهم من سهام أبليس ) والله تعالى يقول ( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) نعم ( يغضضن ) ولم يقل ( يختن ) أو ( يخفضن ) من أبصارهن ، أنها تستثار من أذنيها فالأذن تعشق قبل العين أحياناً فلماذا لا نثقب لها أذنيها كيلا تسمع كلام العشق والغزل فتنحرف ؟ لماذا لانقطع سوءتها واليتها لماذا لانكسر فقرات عظامها ففيها الإحساس كله ؟ التربية والعفاف شيء والخافض شيء آخر نعم التربية قال تعالى ( وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) ولم يقل ( كما خفضانى صغيرا ) وقال مولانا مادحا مريم بشرفها وعفتها ( والتي أحصنت فرجها ولم يقل ( خفضت فرجها ) كانت قلفاء بظراء غير مخفضة ومع ذلك فهي العفيفة كابنتي شعيب ( فجاءته أحداهما تمشى على استحياء ) نريد الحياء لا الخفاض . وفى الحديث ( من كان له جارية ـ فتاة ـ فرباها وعلمها وهذبها وزوجها كانت له حجابا من النار ) نعم رباها وعلمها وبس خفضها وشوهها فالعبرة العقل والوجدان لا بالخفاض والختان

بعض الأسئلة التي وجهت إلي الشيخ؟

بعض الرجال يختلفون نساءهم ليلة الزفاف أن تكن مختنة فما رايكم ؟ نقول وهل هذا من الرجولة ؟ وهل هذا من المروءة ؟ كيف يفضح زوجته والله يقول ( هن لباس لكم وانتم لباس لهن ) فلماذا يمزق هذا اللباس بفضحها وخفاضها ؟!!

لا فلنتق الله فى أولادنا .ولنرجع الى الطب القائل بخطورة هذه العادة وأضرارها . وعليه لاتصادم بين العلم والدين . ولتتحول هذه العادات من ( مكرمة ) الى ( مذمة ) .فالأحكام الشرعية تتحول أحياناً من مباحة الى مكروهة وأحياناً ( محرمة ) مالم يرد فيها نص قاطع حيث أنه ( لا اجتهاد مع النص ) .

لذا أفتى ابن حزم بإيجاب القصاص على من تعمد أجراء هذه الفعلة وأفتى ابن قدامه بالاكتفاء بالدية 1 . وكلمة ( مكرمة ) فى الحديث خبر ثان للمبتدأ وهو ( ختان الرجل ) كأنة (ص) يقول ( الختان سنة للرجل وكذلك هو مكرمة للنساء ) فالزوج اذا تختن اكرم زوجته بعدم أصابتها بالأمراض التي ربما تتسرب إليها أثناء الجماع أن لم يكن مختناً .

أو لعله يكرمها فى الجماع للوصول الى ارتوائها جنسياً معه بالانتظار حتى تفرغ كما فرغ (ص) ( أذا جامع أحدكم امرأته فليصدقها ، فأن قضى حاجته قبل أن تقضى حاجتها ) 2 وبذلك تكن كلمة ( مكرمة ) لا علاقة لها بختان الأنثى أو خفاضها . وليس كما يقال ( المرأة غير المختونه مهانة ) . أو أنهم كانوا يعيرون غير المختونه وعيبونها ويسبونها وأبنها

( يا ابن المتكاء ) أى البظراء ( عظيمة البظر ) شديدة الشهوة ( يا ابن القلفاء ) ويستدلون بالحديث فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزء من اللذة ولكن القي الله عليهن الحياء 3 .نقول هنا العلاج . وهذا هو الدواء ( الحياء ) . لقولة (ص) الحياء شعبة من شعب الأيمان ، أما الختان ألم يصف القرآن عن العزراء مريم ( والتي أحصنت فرجها ) ولم يقل ( ختنت فرجها ) هذه هي العفة وتلكم هي الحصانة .تربية العقل والوجدان وليس الخفاض وتشويه الإنسان .

( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك فى أي صورة ماشاء ركبك ) الإنسان لماذا هذا التشوية بأسم الحفاظ على الشرف ؟ أهي عودة لحزام لدى الرومان ؟ لماذا هذا التقبيح بأسم التجميل ؟ لماذا هذا النقصان بأسم التكميل ؟ وأنى لأعجب وأتعجب من يجمل على من ؟ ومن يكمل لمن ؟ ( أن الله جميل يحب الجمال ) ، ( أن الله كامل منزة عن النقصان ) .وصدق الله إذ يقول ( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ) . التين .

ألم يقل مولانا : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) ؟!! المؤمنون .أن مايحدث للفتاة بحجة الحفاظ على شرفها لهو وأد لأنوثتها وقتل لرقتها . والعجب العجاب أن تفهم أحاديث الختان فهماً خاطئاً ثم تبنى عليه الأحكام الفقهية غير الصحيحة . فهناك من يزعم أنه (ص) أمر " أم عطية " ومنهم من قال " أم حبيبة " بالخفاض ، واعتبروا الأمر هنا للوجوب .نقول كيف وختان الرجال أصلاً سنة وليس بواجب عند كثير من العلماء .ثم لماذا لاتقرأ أحاديث الختان قراءة بلاغية لنفهم لطائفها ومغزاها ، يقول (ص) ( اخفضي ) والخفض لايكون الأ للشيء المرتفع ،والبظر منخفض بطبيعة الحال وليس بمرتفع . فكيف نخفض المنخفض أصلاً ؟!! فكأنه (ص) يقول لها أن وجدتيه ـ أي البظر ـ عالياً مرتفعاً فاخفضية . ولكن لن تجديه هكذا . وقولة (ص) ( أشمى ) أي اتركي الموضع أشم أي مرتفعاً ولا يستأصل البظر نهائياً . وكذلك ( أشمي ) من الشمام أي الخفض كذلك . أو مقدار مايؤخذ من شم الوردة . فهل اذا شممنا الورد أكلنا أو شربناه أو مزقناة وشوهناه ؟ لا ، كذلك فالبنت وردة لن نقطفها بخافضها ولا نمزقها بختانها فأذا أخذت فخذى ما يؤخذ أثناء الشم فما الذي تأخذه ؟ لاشيء . وأين نحن من قوله (ص) لأم عطية ( ولاتجورى ) أليس الجور بمعنى الظلم ؟ بلى ، هذا حكمه (ص) على ختان الأنثى بأنه أحياناً مايكون ظلماً لها ، وجوزاً عليها .فالمخفوضة المختونة اذا مظلومة والخافضة الخاتنه وكل من شارك فى هذه العادة ظالم ، والله يقول فى الحديث القدسي ( أنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تطالموا ) ولم لا والله يقول ( ولا يظلم ربك أحداً ) ؟!!


لماذا الآن ؟

لماذا الآن ؟ لقولة تعالى ( كل يوم هو فى شأن ) ولأن الشافعي رحمة الله لما وصل الى مصر غير مذهبه القديم فى العراق وأسس مذهبه الجديد تماشياً مع الوقت الحاضر وملائمة مع ظروف العصر ، ولأنه لم يصطدم مع نص قاطع كختان الذكور والذي بين فيه النبى (ص) حكماً شافياً بأنه ( سنه للرجال ) .

ولأن بعض الأحكام تغيرت وتبدلت كقوله (ص) ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ) ، أبعد ذلك نسأل لماذا الدعوة لعدم ختان الأناث الآن ؟!! وع ذلك فأنه ليس الآن وأنما منذ زمان ، قال الشوكانى ( والحق أنه لم يقم دليل على وجوب الختان ) ألم يتحدث الفقهاء قديماً عن بعض أضراره والتي توجب القصاص أو الدية .

كألامامين " ابن قدامه " من مئات السنين ؟!!

ومن الخمسينيات والمصلحون ينادون بالكف عن هذه العادة رحمة بالنساء وحفاظاً على الموده بينهن وبين أزواجهن فى الجماع " متى ثبت أن فى أمر ماضرراً صحياً أو فساداً خلقياً وجب منعه "


( فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها ) .

ألم يتخذ النبى (ص) " عبد الله ابن أريقط " دليلاً للهجرة رغم كونه يهودياً ؟!!

ألم يرهن النبى (ص) درعه عند يهودي حتى مات (ص) ودرعة مرهونة ؟!!

نسأل لماذا تعامل (ص) مع اليهود اذا ؟!!

لأن الأسلام عرف العالمية قبل أن يغرفها العالم ، ولأنه (ص) ( رحمة للعالمين ) . ولأن الأسلام لا يعرف الأنغلاق الفكري . ألم يقر النبى (ص) وصية الشيطان نفسه " لأبى هريرة " يوم أوصاه بقراءة آية الكرسي عند نومه قائلاً له ( لايصبك شيطان أبدا ) ؟!! ألم يقل النبى (ص) له ( أما أنه صدقك وهو كذوب ) ؟!! هب أنها دعوه وافدة الينا ، نعرضها على شرعنا فأن وافقته أخذنا بها والأ فلا . ألم يقل (ص) ( شرع من قبلنا شرع لنا ) ألم يصم النبى (ص) عاشوراء لما رأى اليهود يصومونه ؟!!

ويعد ، فالذين يوردون فتوى الأمام الأعظم " أبى حنيفة النعمان " ، والتي ختم بها الشيخ جاد الحق على شيخ الأزهر السابق كتابه عن ( الختان ) : ـ وهى [ لو اجتمع أهل بلد على ترك الختان قاتلهم الأمام ( أي ولى الأمر ) لأنهم من شعائر الأسلام وخصائصه ] 1 .

نقول وهل اجتمعنا على ترك الختان ليقلتلنا الأمام ؟!! خلافنا حول الخفاض للإناث وليس الختان للذكور " فختان الرجال سنه لا مساس بها فهي سنة أبينا أبراهيم عليه السلام " ماتركنا الختان ، وذكورنا يختنون بالليل قبل النهار ، يوم ميلادهم أو يوم أسبوعهم فكيف نتهم بتركه . مالكم كيف تحكمون ؟!! " أننا فى أمس الحاجه الى تفسيرات عصرية ، وشروح حديثة لأحاديث الختان .

بل ينقصنا الفهم الحقيقي لمراده (ص) فى هذه الأحاديث بعيداً عن التشدد والتعصب لمذهب دون بقية المذاهب فكلهم من رسول الله ملتمس .

ونريد الحوار الهادئ فالأختلاف فى الرأي لا يفسد للود قضية .

وكفانا تشنجاً والشافعي يقول ( رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب ) .



ختــامـاً: ـ


الختان سنه مؤكدة للرجال ، بل واجب عند بعض العلماء .

ولكنه عادة وليس عبادة للنساء " ولايجب على الأنثى وتركه لايستوجب الأثم " 1

ومن تركه لايعاقب على تركه . ومن فعله لن يثاب على فعله . بل أحياناً مايكون خفاض البنت ـ وهى العادة ـ سبباً فى حرمانها من ممارسة الجماع ـ وهى العبادة ـ ممارسة طبيعية .

فتكن هذه العادة سبباً فى الابتعاد عن العبادة .

الم يقل (ص) ( وفى بضع ـ شهوه ـ أحدكم صدقة ) ؟!!

ألم يأمر النبى (ص) الزوجة أن تلبى زوجها متى طلبها للجماع وأن كانت على التنور وألا باتت تلعنها الملائكة ، بل يلعنها الذي فى السماء وهو الله ؟!!

كيف تستجيب الزوجة لزوجها وختانها يمنعها ؟!!

وبعيداً عن حكم الشرع فى الختان أو الخفاض . ماذا عن حكمه فى الأضرار المترتبة عليه هكذا يكون الحكم " اذا ترتب على الختان ضرر " فلا يلزم الختان "

القاعدة الشرعية " لاضرراً ولاضرار "

وللقاعدة ( أيلام الحي لايجوز شرعاً الأ لمصلحة تعود عليه )


رأي أ.د.آمنة نصير / أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهرفي أن الختان عادة قديمة وأن الرسول لم يختن بناته
المصدر / كنانة اون لاين (يوم جديد)
· مقدمة

إن الختان عادة تمارسها جماعات عرقية كثيرة بدءاً من الساحل الشرقي الى الساحل الغربي لأفريقيا ،وفي المناطق الجنوبية من شبة الجزيرة العربية على امتداد الخليج الفارسي ،وفيما بين بعض المهاجرين من هذه المناطق في أوروبا واستراليا وأمريكا الشمالية ، ويحدث في بعض الجماعات التي تمثل أقلية في الهند وماليزيا وإندونيسيا .


ويعتبر الختان موروث بيئي عرف عند العرب واليهود ،كما ارتبط ختان الذكور بأبي الأنبياء إبراهيم علية السلام .أما بخصوص ختان الإناث والتي عندما تطلق كلمة ختان بشأنهن على سبيل التجاوز وليس على سبيل التجاوز وليس على سبيل الحقيقة ، وعند مفاهيم العامة من باب الالتباس والخلط في الأمر مما أعطى هذه العادة بعض التثبيت في عقول الكثير من الناس . فمصطلح الختان يطلق للرجل وانسحب على الأنثى من باب العموم ، أما التعبير الدقيق للأنثى فهو ( الخفاض ) ، وسوف نناقش في الصفحات التالية هذه القضية لبيان الموقف الشرعي منها.
يدور جدل كبير حول عادة الختان في مصر الفرعونية ، وهي التي صدرتها أم أنها انتقلت إليها من بلاد أفريقية تأصلت في المجتمع واستمرت حتى الآن بهذه القوة بين المسلمين والمسيحيين على السواء ، ونستطيع القول أن البحث حول نشأة الختان لا ينتهي عند رأي يرجح ، بل ما ورد في شانها على سبيل التأكيد أنها عادة مارستها بعض الشعوب وعلى وجه الخصوص بعض مناطق أفريقيا مثل السودان والصومال وجيبوتي وغيرها .
· الختان وارتباطه بأوضاع المرأة


من الصعوبة بمكان ان نناقش عادة ختان الإناث بمعزل عن الأوضاع العامة التي أحاطت بالمرأة من موروثات ثقافية في شكل عادات بيئية توارثت عبر الحضارات المختلفة من اليونان إلى الرومان والفرس وكذلك عند بني إسرائيل ، وفاقت هؤلاء عند العرب في الجاهلية ، ففي كل هذه الحضارات حوصرت المرأة بالظلم والهوان في كل مكان ، حتى جاء الإسلام وغير مسار فكر البشرية حيث جاء بنظرة شاملة للإنسان تليق بأصل خلقته وبحقيقة دورة رجلاً كان أو امرأة عربي كان أو امرأة ، عربي أو غير عربي ، أبيض كان أو أسود. أيضاً قدم الإسلام نظرة جديدة إلى المجتمع والعلاقات التي يجب وان تربط بين أفراده مؤمنين كانوا أو كفار ، كتابيين أو منافقين مذبذبين .. الخ .


رغم وضوح موقف الشريعة الإسلامية من المرأة إلا أن الموروثات البيئية في عدم إنصاف المرأة بقيت تتحكم في أمورها سواء في المجال الاجتماعي أو الثقافي أو في مجال السياسة، واستخدم المنظور الديني في تغذية كثير من الأمور التي ورثناها من العادات البيئية وعلى رأسها عادة ختان البنات خاصة في ارتباطها بطهارة ونقاء الفتاة ، وهي أمور ورثناها عبر الآباء والأجداد من زمن سحيق مما جعل خذه العادة السيئة تصل الى هذا العمق في تاريخنا وفي نفوسنا والتي لا نجد لها هذا الصدى وهذا الضجيج الذي انبرت له الخطب الرنانه والكلمات العنيفة ، لا نجدها مشكلة اصلاً في بلاد الشام والسعودية والمغرب والعراق ، والحق أن الموضوعية غابت في الحوار والنقاش بين الفرقاء ، ونسي أصحاب هذا الرأي المعارض لوقف عملية الختان الحقائق العلمية وغلبوا نصوصاً ضعيفة .




· نظرة الإسلام للرجل والمرأة


ينظر الإسلام إلى الرجل والمرأة على انهما متساويان في عمارة الأرض بالتناسل مع المشاركة التامة ، لا امتياز فيه لأحدهما على الآخر ،يقول الله تعالى " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ،إن أكرمكم عند الله اتقاكم ، إن الله عليم خبير "
( الحجرات /13 ) فلفظ الناس في هذا النداء الإلهي يشمل أفراد الإنسان كافة رجالاً ونساءاً . وكذلك يقول الله تعالى " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " ( البقرة / 228 ) ." سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون " ( يس / 36 )لابد أن نؤكد على حقيقة المنهج الإسلامي في نظرته للإنسان فيما له من حقوق وما علية من واجبات ،إنها نظرة واحده الى جنسية من الرجال والنساء ، دون تحامل ولا تفاضل بينهما ، وذلك على النحو التالي :-1. استخلاف الله للإنسان بجنسية من رجال ونساء على الأرض ،ومطالبته لهما ( أي الرجل والمرأة ) بواجب القيام بعمارة الأرض وتحمل المسئولية في ذلك أمام الله على السواء .2. واجب عبادة الله عليهما من غير تمايز بين الجنسين في الوجوب وفي الثواب والعقاب .· قضية ختان الإناث ( الخفاض ) من منظور إسلامي أولاً : لقد خلا القرآن الكريم من أي نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث ، كما أنه ليس هناك إجماع على حكم شرعي فيه ، ولا يمكن أن يقبل في شأنه .ثانياً : أما ما ورد في السنة النبوية الشريفة فسوف نذكره بطرقه المختلفة ثم نبين الحكم فيه من مصادر أهل الاختصاص سواء من القدامى أو المعاصرين حتى يتبين الأمر ويستقيم في إطار موضوعي بعيداً عن المغالاة أو المزايدة في ربطها بالشريعة الإسلامية كأنها اصل من أصولها او أمر أتفق علية أهل الدين .لقد اخذ الحوار شكل من الحماس أو الانتصار لأشخاص دون النظر إلى أن القضية تمس بناتنا ومستقبلهن في حياتهن الزوجية واستقرار أمورهن النفسية في كنف أزواجهن .1. أشهر الروايات التي ذكر فيها ختان الإناث هي الرواية التي ارتبطت باسم أم عطية وهي امرأة كانت تقوم بختان الإناث في المدينة المنورة ،أن النبي (ص) قال لها " يا أم عطية أشمي ولا تنهكي فإنه أسري واحظي عند الزوج " . وهذا الحديث رواه الحاكم والبيهقي وأبو داوود بألفاظ متقاربة ،وجميعهن رووه بأسانيد ضعيفة كما بين الحافظ زين الدين العراقي في تعليقة على إحياء علوم الدين للغزالي ج1 ص 148. وقد عقب أبو داوود على هذا الحديث بقوله" روي عن عبيد الله ابن عمر عن عبد الملك بمعناه وإسناده وليس بالقوى ، وقد روي عنه مرسلاً ،وهذا الحديث ضعيف " سنن أبي داوود مع شرحها –عون المعبود 13/125-126 . ويعقب من العلماء المعاصرين على هذا الحديث نقلاً أ.د.سليم العوا قول العامة الدكتور محمد الصباغ في رسالته عن ختان الإناث " فانظر – رعاك الله – أما هذين الإمامين الجليلين أبي داوود والعراقي وكيف حكم عليه بالضعف ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين" .2. الحديث الثاني الذي يردد ويستند إليه أن النبي (ص) قال " الختان سنه للرجال ومكرمة للإناث " . وقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين على هذا الحديث أيضاً ،ويؤكد على ضعف هذا الحديث الحافظ بن حجر في كتابه (تلخيص الخبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير) ونقل قول الإمام البيهقي فيه: بأنه ضعيف منقطع وكذلك قول ابن عبد البر ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ) أنظر عن العون المعبود في شرح سنن أبي داوود لشمس الحق آبادي/14 – انه يدور على رواية راو لايُحتج به.ويوجز ابن عبد البر رأيه في مسألة ختان الإناث ودعواهم بأنه ( سنة ) وذلك في اعتمادهم على تلك الرواية الضعيفة وبيَن على أن الاجتماع منعقد على ختان الرجال .وبنفس هذا الفهم والإدراك قال الإمام ابن المنذر " ليس الختان خير يرجع إليه ولا سنه تتبع " . أنظر شمس الحق العظيم آبادي في شرحه أبي داوود 14/126 .ويدلي الإمام الشوكاني في شرحه بدلوه في هذه القضية " ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به ،فهو لا حجة فيه الى المطلوب " ( نيل الأوطار 1/119 ).3. النص الثالث في السنة عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعاً إلى رسول الله (ص) وموقوفاً على عائشة ،حديث يروى بألفاظ متقاربة تفيد أنه " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " . روي هذا الحديث مالك في الموطأ ،ومسلم في صحيحه والترمذي وابن ماجه في سننهما وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث .وهذا الحديث يستخدم في التدليل على من يذهب إلى مشروعية الختان للنساء ونسي هؤلاء خصوصية لغة العرب وما بها من أبعاد ،فإن اللفظ هذا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهما أو باسم أحدهما على سبيل التغليب ،ويوجد الكثير من هذه النماذج والأمثلة منها العمران ( أبو بكر وعمر) والقمران ( الشمس والقمر ) العشاءان ( المغرب والعشاء ) والظهران ( الظهر والعصر ). والعرب تغلب الأقوى والأقدر في التثنية عادة ،ولذلك قالوا للوادين ( الأبوان ) وهما أب وأم والسودان ( التمر والماء ) ،والأصفران ( الذهب والحرير ). أنظر النحو الوافي – عباس حسن 1/118-119.4. ما جاء في الحديث الصحيح عند النسائي وغيره عن عائشة- رضي الله عنها- وغيرها الصحابة في خصال الفطرة أنها عشر خصال : منها قص الشارب وإعفاء اللحية ، ولا شك أن إعفاء اللحية وقص الشارب خاص بالذكور دون الإناث ،وأصل الحديث في شأن الفطرة هو ما رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد ج12ص59 أن إبراهيم علية السلام كان أول من أختتن . وعلى هذا أصر العلماء ، كما نقله ابن عبد البر في التمهيد وقال"إنه من مؤكدات سنن المرسلين ومن فطرة الآباء التي لا يسع تركها للرجال "
.· حقائق دينية هامة حول ختان الإناث


1. الحقيقة الواضحة من الأحاديث السالفة الذكر والمنسوبة للنبي الكريم (ص) بآراء بعض العلماء القدامى والمعاصرين ، وأهل الاختصاص في هذا المجال انتهوا إلى أن هذه المرويات ليس فيها دليل واحد صحيح السند كما استقاها من أمهات الكتب ومصادر السنة. فحديث (أم عطية) بكل طرقه لا خير فيه ، ولا حجة تستفاد منه ، ولو فرضت صحته جدلاً، فإن التوجيه فيه لا يتضمن أمراً بختان البنات ، وإنما يتضمن تحديد كيفية هذا الختان إن وقع وإنها (إشمام) يعني أخذ جزء بسيط لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمى (الغلفة) وهو كما قال الإمام الماوردي (قطع هذه الجلدة المستعيلة دون استئصالها ) إذن فالمسألة طبية دقيقة وفي مواضع شديدة الحساسية والتعقيد ، هذا ما أكد عليه أطباء أمراض النساء والتوليد في المؤتمر الدولي الذي أقامه المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية بجامعة الأزهر سنة 1998 ، حيث ثبت عند أهل الاختصاص على أيدي الأطباء وهذا ما أكد عجزهم عن إتيانه عند أهل الاختصاص من الأطباء.2. لو نفترض جدلاً صحة الأحاديث التي أوردناها ، فلو أراد النبي (ص) التسوية بين الرجال والنساء في الختان لقال : "الختان سنة" وسكت عندئذ يكون تشريعاً عاماً يلتزم به المسلمون.3. بعد أن اتضح الضرر الصحي الذي يترتب على هذه العملية من قبل أهل الاختصاص وهم الأطباء ، أو الضرر النفسي الذي يقع على الفتاة من جراء هذه العملية ، وقبل وبعد كل ذلك ضعف الأحاديث الواردة في شأن ختان الإناث وهذا ما أكده أهل الاختصاص من علماء الحديث ومن المصادر الصحيحة وعملا بالقاعدة الفقهية التي تقضي بأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، فالقضاء على هذه العادة السيئة والتي ثبت عدم الجدوى أو الفائدة من عملها فإنني أنتهي بضمير يرتاح للسند الديني وشهادة الأطباء أن القضاء عليها واجب ديني يجب أن يضطلع به كل قادر عليه.4. لقد نهى رسول الله (ص) عن تغيير خلق الله ، وصح عنه لعن (المغيرات خلق الله).والقرآن الكريم جعل من المعاصي قطع بعض الأعضاء ولو من الحيوان ، بل هو مما توعد الشيطان أن يضل به بني أدم في إنعامهم وقته بتغيير خلق الله فقال تعالى عن الشيطان " لا تتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ، ولا ضلنهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ، ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبينا ً" (سورة النساء آية 118 ، 119)والختان بالصورة التي يجرى بها في مصر وفي أجزاء أخرى من العالم فيه تغيير لخلق جاء النهى عنه واعتبره الحق تبارك وتعالى من عمل الشيطان ، فكيف وإن كان هذا التغيير يحدث في الإنسان الذي كرمه الله وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه ، ثم نأتي ونهين أنفاسنا تحت وهم الموروثات والخالي تماماً من السند الديني الصحيح.5. الختان بأنواعه المختلفة ليس له علاقة بصحيح الدين ، وأنه مرفوض تماما ما يطلقه البعض بختان السنة على أحد أنواع الختان وقد اتضح مما تقدم في هذه الدراسة وغيرها من البحوث التي جاءت في هذا الشأن أن القرآن الكريم خلا من أي نص يطالب بهذه العملية الغير إنسانية ، وما نسب من أحاديث للنبي الكريم (ص) فهي ضعيفة ومعلولة ، وإطلاق وصف ختان السنة هو نوع من الخداع حتى يضفى هالة قدسية لتضليل الناس على أنها من الإسلام ، فالاحتكام إلى صحيح الشريعة في هذه القضية التي اندفعت لها الأقلام لكي تثبت إسلاميتها : فأنه لا يمكن القطع بأن ختان الإناث مذكور عند جميع الأئمة أو أنه من الأحكام المتفق عليها عندهم ، ولكنه من قبيل الأحكام الخلافية التي تترواح بين الوجوب وفوق المندوب ، ولئن كانت تلك الأقوال متفقة أنه مشروع إلا أن وصف المشروعية مختلف فيه اختلافا يؤثر على حصوله في الواقع العملي، وبصفة خاصة فأنه في هذا الحصول سيكون خاضعاً للقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه (لا ينكر المختلف فيه ، وإنما ينكر المتفق عليه كما يدع مجالاً لإعمال مبدأ:- أن رأي الإمام في المسائل الخلافية مما يرفع النزاع ويرجح الرأي) .وطالما كان حكم ختان الإناث من الأمور المختلف فيها ، فإنه لن يكون ثمة خطر على
المكلف إذا ما اختار القول الذي يرى عدم وجوب الختان ، ولن يكون آثماً بتركه إذا ما قلد رأي الأئمة القائلين بذلك ،وأني أرى أن ختان الإناث محظور بحسب أصله ،أو انه يخضع لأصل الحظر وذلك من جهة اتصاله بالنفس أو بالدم أو بسلامة الحياة . والأصل فيها كما هو معروف التحريم ،وذلك من منطلق ما هو مقرر في قواعد الفقه الكلية أن الأصل في الدماء التحريم ، ووجه انطباق هذا الأصل على ختان الإناث أنه يمثل مساساً بسلامة البدن وجرحاً له ، وكل عمل على هذا النحو يخضع لأصل التحريم ، ولا يجوز أن يقال : أنه م أمور الفطرة أو من خصالها وفقاً لما جاء في بعض الأحاديث ، ذلك أن الختان الذي يعد من قبيل خصال الفطرة إنما هو ختان الذكور وهو الذي يسمى ختاناً في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء ، أما ختان الإناث فإنه يسمى ختاناً على سبيل التجاوز وليس الحقيقة ، وأن حقيقة مسماه هي الخفاض .6. لا يجوز شرعاً أن يستفاد من عملية الختان في حكم شرعي في مسالة بالغة الخطورة على حياة الرجل والمرأة ، وتمس أقدس علاقة اعتنى بها الإسلام ووضع لها رعاية نفسية وأخلاقية لمشاعر المرأة واحترام إشباع الغريزة الجنسية لها شأنها شأن الرجل ، بل ذهب الإسلام إلى أكثر من هذا في الدعوة إلى الزيادة والتفنن في الاستمتاع ، وأن ميل الإنسان الرجل والمرأة للمتعة الجنسية من أمور الفطرة ، ومهمة الدين ليست مقاومة هذه الفطرة بل تنظيم إشباعها لتكون في دائرة الحلال الطيب بل ويؤجر الإنسان على هذه المتعة ، ففي التوجيه النبوي عن أبي ذر أن رسول الله (ص) قال:" وفي بضع أحدكم صدقه ،قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون فيها اجر؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر .( البضع كناية عن الجماع ) رواه مسلم ... ،ويقول الحق تبارك وتعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ". ويحرص القرآن الكريم على حصول المرأة على حقها لاشرعي في الاستمتاع واللذة الارتواء مثلما يحصل الرجل .." نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ". والتقديم للنفس إشارة إلى التهيئة والملاطفة حتى تتمكن من حصولها على لذتها .. وفي السنة : " إذا أتى أحدكم أهله ، فليغمزها ويلمزها حتى إذا رأى منها ما رآه من نفسه أولج " .. و" إذا جامع الرجل أهله ، فليصدقها، ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها " . هذا هو الإسلام في احترام مشاعر النساء ،ولكن العادات السيئة التي ورثناها من عهود بالية لم تحترم مشاعر المرأة وذلك بتحجيم هذه الرغبة الجنسية بقطع هذه الأعضاء من جسدها والتي ليست لها علاقة بالرغبة على الإطلاق ، وقطعها يعتبر بكل المعايير من باب المفسدة التي يحرمها القانون السماوي والرضي. إننا في أمس الحاجة أن نفهم حقيقة الشريعة الإسلامية فهماً جيداً خاصة في المسائل التي بأوضاع المرأة ، وان نفرق بين ما جاء عبر التقاليد الظالمة للمرأة وبين ما به عدل الله تعالى في تشريعاته للمرأة حتى نبتعد عن الخلط وسوء التطبيق باسم الشرع... والشرع برئ منه.7. من القواعد الفقهية : جواز تقييد المباح أو منعه إذا أن هناك ضرر يترتب عليه ،وجواز ذلك إذا غلب الظن بحدوث الضرر،وقد أثبت الطب حدوث الضرر المتعدد الجوانب للمرأة من بتر أو قطع هذه الأجزاء الحساسة فهو ضرر لا يمكن منعه ويؤثر على الفتاة طوال حياتها كما أنه أمر ليس له ضرورة شرعية ولا إثم على تاركه.8. أما أصحاب مقولة ربط الختان بالعفة والطهارة والحرص على أخلاق الفتيات خاصة في مرحلة المراهقة ، أو تجنب ما يسببه التداخل والتزاحم والتلاحم بين الرجال والنساء في المواصلات العامة، والأماكن التي يوجد فيها الزحام ، للرد على أصحاب هذه المقولة ، أن الأمر ليس كما يزعمون لأن موضع الختان لا تتحقق منه تقليل الإثارة الجنسية لأنها لا تتحقق إلا باللمس المباشر الذي لا يقع قطعاً في حالات التداخل والتزاحم ، ومجالات الملاصقة التي يتحدثون عنها ، وهذه المجالات يجري فيها التلامس بين الرجال والنساء في أجزاء شتى من الجسم البشري ، فهل تكون المعالجة بقطع هذه الأجزاء من أجسام الناس جميعاً...إن المسألة مختلفة تماماً فالعفة والصون واتقاء ما حرم الله بين الناس لا تكون باستئصال أعضاء الناس بل تتأكد وتتعمق بتربية الخلق القويم وبغض البصر وبالتمسك بكرامة الإنسان مع أخيه الإنسان في الشارع وفي المواصلات وأماكن الزحام وأما الذين يركزون على هذا الجزء من المرأة ما هو إلا عدوان صارخ عليها وجهل مطبق بأصول التربية ومقومات الأخلاق التي يجب أن تغرس في الناس ، هذا هو المنهج الصحيح في مقاومة أمراض النفوس وليس في الاعتداء على الأنثى بهذه الصورة التي تهدر كرامة المرأة ، فعادة ختان الإناث لا تحمي الأعراض ولا تصون عفة المرأة
.
بحث عدم وجوب أو سنية ختان الأناث
لفضيلة الشيخ محمد عرفة
عضو جماعة كبار العلماء


الموضوع:الخــــــــــــــتان لفضيلة الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء
مصدرها:مجلة الأزهر، الجزء العاشر، في غرة شوال 1372، 11 يونيه 1953، المجلد الرابع والعشرون


نريد عرض بعض المشكلات الجنسية التي تهم الشباب والتي لها ولتوجيهها الوجهة الطيبة أثر حسن، ولكن يمنعنا الحياء؛ لأننا لم نَعتَدْ عرض هذه المشكلات على صفحات الصحف والمجلات، وإن كنا قد اعتدنا معالجتها في الكتب. وقد كدنا نساير هذا الحياء فينا ونمشي على مقتضاه لولا إلحاح بعض القراء في أن نعالج هذه المشكلات، وقد رأينا الحاجة ماسَّة والفائدة مرجوة. وقد استشرنا الدين فرأيناه يقول لا حياء في الدين، ورأينا من نساء الصحابة من تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور قد يستحى منها. عن خولة بنت حكيم أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة تحتلم في منامها، فقال: ((إذا رأت الماء فلتغتسل)).
فاعتزمنا أن نعرض هذه المشكلات: كالعادة السرية وموقف الدين منها، وكالختان في الذكر والأنثى وموقف الدين والعلم منها، وسنبدأ بالكلام على الختان.

الختان في التاريخ:
قال هيرودت المؤرخ اليوناني القديم: إن الختان معروف منذ زمن بعيد في مصر والحبشة. ومنه يعلم أن المصريين والحبشة كانوا يمارسون الختان منذ زمن متقدم، ويقال إن السوريين والفينيقيين أخذوا عادة الختان عن قدماء المصريين.
وفي سفر التكوين الإصحاح السابع عشر الآية التاسعة وما بعدها إلى الآية الرابعة عشرة: أن الله فرضه على إبراهيم وعلى جميع ذريته، وجعله علامة الاتفاق والعهد بينه وبينهم.
وهو مذكور أيضا في قوانين موسى سفر اللاويين الإصحاح الثاني عشر الآية الثالثة، وسفر الخروج الثاني عشر الآية 45 و48، وقد حرص عليه اليهود، فهم يختنون أطفالهم الذكور في اليوم الثامن بعد ميلادهم.
وكان الختان متبعا في أول عهود المسيحية ثم نبذه الرسل ولم تأخذ به الكنيسة فلم يبق إلا في الحبشة.
وللختان عند اليهود قيمة رمزية؛ إذ إنه عبارة عن عهد مبرم بين الله وإسرائيل يزكيه الدم، وهو تعبير عن طهارة النفس، وكان أنبياء إسرائيل يسمونه طهارة القلب، ووجد الرحالون عادة الختان متبعة في جميع أنحاء إفريقية السوداء، ويظهر أن شعوب الأزيتكبين في أمريكا القديمة كانوا يعرفونها، كما أنها مألوفة بين الشعوب الأسترالية الأصلية.
والمسلمون يؤدون عملية الختان بناء عن أمر الرسول بها، وهم يختتنون في سن الثامنة وما بعدها من العمر.
وللختان فوائد صحية وهو وقاية من أمراض تنشأ عن الالتهاب الجلدي.
والخفاض وختان الأنثى غير منتشر انتشار ختان الذكور، وهو معروف بين الساميين والحاميين في جنوب غرب آسيا وفي إفريقية، وبين الزنوج في جنوب إفريقية وشرقها، وفي غرب السودان، وعند قبائل أخرى ممن تسمى بالشعوب البدائية في وسط إفريقيا وفي أستراليا وفي أمريكا، ويلاحظ أن الآلات التي تستعمل في الخفاض عند هذه الشعوب الأخيرة هي آلات بدائية، مما يدل على أن هذه العادة ترجع إلى أقدم العصور.

الختان عند المسلمين:
هو قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص، قال الماوردي: ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة، وأقل ما يجزئ ألا يبقى منها ما يتغشى به، وقال إمام الحرمين: المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء يتدلى، ونقل عن الرافعي أنه يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قّلَّ، بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها، قال النووي: وهو شاذ والأول هو المعتمد، والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم، وقال الماوردي: ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها كالنواة أو كعرف الديك، ويطلب ألا تستأصل.

مذاهب فقهاء الإسلام في الختان وأقوالهم:

وأقوال علماء الفقه في الختان ثلاثة: الأول أنه واجب في حق الرجال والنساء، والثاني أنه سنة فيهما، والثالث أنه واجب في الرجال دون النساء.
حجة أصحاب القول الأول قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أسلم فليختتن)) وقوله لأم عطية -وكانت خافضة-: ((أشمِّي ولا تنهكي))، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واختفضن ولا تنهكن، وإياكن وكفران النعم)).
وهذه الأحاديث طُعِنَ في رجالها حتى قال ابن المنذر: ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع. وحجة أصحاب القول الثاني قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء))، وقد طعن أيضا في رجاله ومع كونه لا يحتج به ليس فيه ما يدل على المطلوب؛ لأن السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين، والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب في النساء.
وخفاض المرأة موضوع يبحث فيه العالم الشرعي لبيان حكمه في الشرع، والعالم بوظائف الأعضاء ليبين وظيفة هذا العضو الذي يقع عليه الخفاض، والعالم الاجتماعي لِيُبَيِّنَ آثار الخفاض الاجتماعية: أهي آثار حسنة أم آثار سيئة.
وعلم وظائف الأعضاء يرى أن هذا العضو حساس وأنه معين على إتمام عملية التخصيب، وأن قطعه وإنهاكه يبعد الشهوة، وإتمام العملية من المرأة الذي به تتم عملية الإخصاب، ومن ذلك يرى بعض علماء الاجتماع أن الخفاض سبب في انتشار المخدرات في البلاد التي تزاوله -ومنها مصر- لأن الزوج يجد شهوته أقرب من شهوتها، وأنه ينتهي قبل انتهائها، ويشعر أن هذا يجعل العملية ناقصة تسبب ألمًا للزوجة وذلك يدعو إلى بغضها فيريد أن يكمل هذا النقص فيه ويجعل موافاة الشهوتين على قدر، فيستعين ببعض العقاقير التي شاع خطأ أنها تبطئ موافاة الماء من الرجل ومن ذلك الحشيش والأفيون والمعاجين التي يدخلان في عناصرها. ويزيدون فيقولون: إذا أريد القضاء على آفة استعمال الحشيش والأفيون والمواد المخدرة فينبغي القضاء على أسبابها وهو خفاض المرأة لتكون المرأة طبيعية ويكون الرجل طبيعيا فلا يحتاج إلى هذه المواد كعنصر مساعد. وأن على العَالِم الشرعي بعد ذلك أن يبحث في نصوص الشرع ويرى هل هذه النصوص ملزمة حتما للخفاض فلا مندوحة عنه، أم ليست كذلك ففيه مندوحة عنه.
قد علمنا أقوال الفقهاء وأقوال رجال العلم في ختان المرأة، وعلمنا أن من الفقهاء من قال بأنه مكرمة وليس بواجب، ومنهم من قال: ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع.
والعلم يرى أنه يضر بالحياة الزوجية ويؤدي إلى انتشار المخدرات بين الرجال، فإذا ثبت كل ذلك فأمره سهل جدا فليس على من لم تختتن من النساء من بأس، ومن اختتنت فيجب ألا ينهك هذا العضو منها، وإذا منع في مصر كما منع في بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس، والله الموفق للصواب.

المصدر : دار الإفتاء المصرية - منتخبات صحفية





كتبت : غيداء محمود
-
[راي الدكتور يوسف القرضاوي
رئيس أتحاد علماء المسلمين في ختان ألأناث


المصدر / الدكتور يوسف القرضاوي

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتَّبع هداه.
(وبعد)

فمنذ كنتُ طالبا في الأزهر الشريف، وأنا أرى الناس يختلفون في أمر ختان البنات: علماء الشرع يختلفون، وعلماء الطب يختلفون. ولا زلتُ أذكر كلمات الدكتور حامد الغوابي، وقد كان من أشدِّ الأطباء حماسا لختان البنات، وكان يجادل المخالفين ويقاومهم بقوة، ويجلب بخيله ورجِله، ويجمع من الأدلَّة والقرائن والمؤيِّدات الدينية والطبية والاجتماعية، ما يؤيِّد رأيه، ويؤكِّد حجَّته.
على حين يخالفه أطباء آخرون كثيرون، يردُّون عليه، ويفنِّدون أدلَّته.
وعلماء الفقه لم يحسموا الأمر في ذلك الزمان، لأن المذاهب مختلفة في حكم الختان - ويسمُّونه بالنسبة للإناث: الخفاض - ما بين مَن يوجبه ومَن يستحبه، ومَن يقول: إنه مجرَّد مَكرُمة للمرأة.
والذي جعلهم يبْقون على اختلافهم: شيوع التقليد للمذاهب، وتقديس ما جاء في كتب القدماء، وتهيُّب مخالفتهم، واعتقادهم: أن في الموضوع أحاديث صحيحة أو حسنة يجب العمل بها، ولا يجوز إغفالها. ولا سيما مع عدم المعرفة بعلوم الحديث ورجاله وتخريجه.
ولا يزال الأمر إلى اليوم، لم يحسم تماما، وخصوصا في مصر، فإن كثيرا من أقطار العروبة والإسلام، لم تثُر فيها هذه القضية على الإطلاق، لأن نساءها توارثن من قرون عدم الختان.
واليوم تعقد (دار الإفتاء) المصرية بالاشتراك مع الاتحاد العالمي في ألمانيا لمكافحة تشويه الجهاز التناسلي للمرأة: (مؤتمر العلماء العالمي نحو حظر انتهاك جسد المرأة) في القاهرة، تحت رعاية فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، بُغية إظهار الموقف الإسلامي الصحيح من حماية الإنسان، وتحريم العدوان عليه، في نفسه أو جسده أو عقله، أو كرامته وعِرضه، أو غير ذلك من حرماته، وخصوصا المرأة، التي اتَّهم كثير من الغربيين الإسلام بانتقاص حقوقها، مع أن الإسلام كرَّمها إنسانا، وكرَّمها أنثى، وكرَّمها بنتا، وكرَّمها زوجة، وكرَّمها أما، وكرَّمها عضوا في المجتمع.
وأرجو أن ينتهي هذا المؤتمر إلى قرار حاسم حول هذا الموضوع الذي يهمُّ نصف المجتمعات الإسلامية، إذ قالوا: إن المرأة نصف المجتمع. وربما كانت في بعض البلدان أزيد من النصف. هل يكون القرار بالمنع الكلي، أو بالمنع الجزئي، أو بتشديد القيود والشروط في الإجازة؟
هذا هو ما يبحث فيه المؤتمر، الذي نسأل الله له التوفيق والسداد في اجتهاده الترجيحي.
والحمد لله رب العالمين.
الفقير إلى عفو ربه
يوسف القرضاوي
الدوحة في: شوال 1427هـ = نوفمبر 2006م
أدلة معرفة الحكم الشرعي في ختان الإناث
إذا كان المطلوب منا اليوم هو حسم القضية في هذا الأمر المختلَف فيه (ختان الإناث)، ببيان الحكم الشرعي القاطع أو الراجح فيه، وفق الأدلة الشرعية المعتبرة، فالواجب علينا: أن نراجع الأمر من جذوره، لننظر في الأدلة التي اعتمدتها الأطراف المختلفة، لنعرف أهي أدلة صحيحة الثبوت. أم هي أدلة مشكوك في ثبوتها؟ وإذا صحَّت هذه الأدلة من جهة ثبوتها، فهل هي صريحة الدلالة على الحكم أو لا؟
ومن المعلوم لكل دارس أو طالب علم: أن الأدلة الشرعية التي تؤخذ منها الأحكام، هي - أولا - القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، ولا خلاف فيهما، ويأتي بعدهما: الإجماع والقياس.
فلننظر ما في هذه المصادر أو الأدلة الأربعة حول ختان الإناث. وهل يوجد في كل منها ما يستدَلُّ به أو لا يوجد. وما قيمته العلمية لدى الراسخين في العلم؟
دليل القرآن الكريم
مَن نظر في القرآن الكريم لم يجده تعرَّض لقضية الختان تعرُّضا مباشرا في أي سورة من سوره المكية أو المدنية.
ولكن فقهاء الشافعية الذين قالوا بوجوب الختان على الذكور والإناث، استدلُّوا - فيما استدلوا - بقوله تعالى في سورة النحل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل3].
وقالوا: إن الختان من مِلَّة إبراهيم، وقد ثبت في الصحيحين: أن إبراهيم اختتن وهو ابن ثمانين سنة[1].
والحق أن الاستدلال بالآية استدلال متكلَّف، فالأمر باتباع مِلَّة إبراهيم: أكبر وأعمق من مجرَّد عملية الختان، بل المراد اتباع منهجه في إقامة التوحيد، واجتناب الطاغوت، والدعوة إلى وحدانية الله بالحكمة والحُجَّة، كما رأينا ذلك في دعوة إبراهيم لأبيه وقومه. فكل محاجَّته معهم كانت حول التوحيد، ولم تكن حول شيء من جزئيات الأحكام، ولهذا لم يذكر في القرآن أي شيء من هذه الفرعيات. قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:161].
وقال الله سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4].
على أن الذين يستدلُّون باتباع مِلَّة إبراهيم عليه السلام، على وجوب الختان، إنما يستدلُّون به في شأن ختان الذكور، فلا مدخل للاستدلال بالآية في شأن الإناث.
دليل السنة النبوية
إذا لم يكن في القرآن الكريم ما يشير إلى حكم الختان الإناث كما رأينا، فلم يبقَ إلا السُّنَّة، فهي مَظِنَّة أن يوجد فيها من الأحاديث ما استدلَّ به أصحاب الأقوال المختلفة. وهذا هو الواقع، فقد رأينا عامَّة الفقهاء يستدلُّون بالأحاديث في هذه القضية.
وأهم الأحاديث التي يُستدلُّ بها في هذا الموضوع (ختان الإناث) ثلاثة:
الحديث الأول: "إذا التقى الختانان وجب الغسل". ومعنى التقاء الختانين، أي التقاء موضع ختان الرجل بموضع ختان المرأة عند الجماع، وهذا يفترض أن المرأة مختونة مثل الرجل. والحديث مروي عن عائشة.
الحديث الثاني: حديث أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للخاتنة: "أَشِمِّي ولا تَنهَكِي، فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج". وقد روي بألفاظ عدَّة، متقاربة في المعنى.
ومعنى "أَشِمِّي": مأخوذ من إشمام الرائحة، أي الاكتفاء بأدنى شيء.
ومعنى "لا تَنهَكِي": من النَّهك، وهو المبالغة في كلِّ شيء. ينهاها عن التجاوز والإسراف في القطع. قال في (النهاية) في تفسير "لا تَنهَكِي": أي لا تأخذي من البظر كثيرا، شبَّه القطع اليسير بإشمام الرائحة، والنَّهك بالمبالغة فيه[2].
الحديث الثالث: هو حديث: "الختان سُنَّة للرجال، مكرُمة للنساء".
وسنتحدَّث عن كلِّ حديث منها بما يبيِّن قصورها عن الاستدلال بها على هذا الحكم. ونبادر هنا فنقول: إن ما ورد من أحاديث حول ختان الإناث في السنة المشرَّفة، لم يصحَّ منها حديث واحد، صريح الدلالة على الحكم، أجمع على تصحيحه أئمة هذا الشأن الذين يُرجع إليهم فيه: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14]، {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان:59].
ومن المعلوم المجمَع عليه عند أهل العلم جميعا، محدِّثين وفقهاء وأصوليين: أن الحديث الضعيف لا يُؤخذ به في الأحكام، وإنما تساهل مَن تساهل في روايته والاستفادة منه في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال ونحوها، أما الأحكام وما يتعلَّق بالحلال والحرام، والإيجاب والاستحباب، فلا. وهو حكم مجمَع عليه بيقين.
ولكن قد وجد حديث واحد صحيح، ولكن لا دلالة فيه على المطلوب.

مناقشة الأحاديث المستدل بها:


ويجدر بنا أن نناقش الأحاديث التي استدلَّ بها أهل الفقه، حديثا حديثا، في صحتها، وفي دلالتها.
1- أما حديث: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"[3]، فهو يدلُّ على أن النساء كن يختنن، أي يدلُّ على جواز الختان، وهو ما لا نجادل فيه، إنما نجادل في الوجوب أو الاستحباب.
وما ذكره بعض العلماء من تأويل "إذا التقى الختانان": بأن المراد ختان الرجل، وإنما ثُنِّي على التغليب المعروف في اللغة مثل: الأبوين (للأب والأم)، والعمرين (لأبي بكر وعمر)، ونحوهما ليس بظاهر، ويردُّه رواية مسلم في صحيحه: "ومسَّ الختانُ الختانَ"[4] فلم يجئ بلفظ التثنية.
2- وأما حديث أم عطية عند أبي داود: أن امرأة كانت تختِّن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَنهَكي، فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل" فإن أبا داود قال عن محمد بن حسان - أحد رواته -: مجهول، وهذا الحديث ضعيف[5]. وذهب الحافظ عبد الغني بن سعيد إلى أنه محمد بن سعيد المصلوب! فهو محمد بن سعيد بن حسان، الذي قتله المنصور صلبا على زندقته، قالوا: وضع أربعة آلاف حديث، ليضلَّ بها المسلمين. فهو متروك هالك.
وقد رُوي هذا الحديث من طرق كلُّها ضعيفة، وإن صحَّحه بتعدُّدها الشيخ الألباني، ولكن في النفس شيء من هذا التصحيح، فإن هذا أمر يهمُّ كل بيت مسلم، وهو مما تتوافر الدواعي على نقله، فلماذا لم ينقل إلا بهذه الطريق الضعيفة؟
دلالة الأمر في حديث (أشمِّي ولا تنهَكي)
على أننا لو سلَّمنا بصحَّة الحديث، فما الذي يفيده هذا الأمر النبوي: أهو أمر إيجاب؟ أم أمر استحباب؟ أم أمر إرشاد؟ الأرجح عندي: أن الأمر في مثل هذه الأمور للإرشاد، فلا يدلُّ على الوجوب أو الاستحباب، لأنه يتعلَّق بتدبير أمر دنيوي، وتحقيق مصلحة بشرية للناس، حدَّدها الحديث بأنها: نضارة الوجه للمرأة، والحظوة عند الزوج. فهو يرشد - عند وقوع الختان - إلى عدم النَّهك والمبالغة في القطع، لما وراء ذلك من فائدة ترتجى، وهو أنه أحظى للمرأة عند الجماع، وأحبُّ إلى زوجها أيضا. ولكنه يدلُّ - من جهة أخرى - على إقرار الخاتنة على هذا الختان أو الخِفاض - كما يسمَّى- وأنه أمر جائز، وهو ما لا ننكره.
3- وأما حديث: "الختان سنة للرجال، مكرُمة للنساء": فقد رواه أحمد (20719) عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وقال مخرِّجوه: إسناده ضعيف. حجاج - وهو ابن أرطأة - مدلس، وقد عنعن، وقد اضطرب فيه. ورواه البيهقي في السنن الكيرى (8/325) من طريق حفص بن غياث، عنه بهذا الإسناد، والطبراني في الكبير (7/273). وله طريق أخرى من غير رواية حجاج، أخرجه الطبراني في الكبير (11/233)، والبيهقي في الكبرى (8/324)، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقال: هذا إسناد ضعيف، والمحفوظ موقوف، وضعَّفه الألباني في الضعيفة (1935).
وحتى لو ثبت هذا الحديث فماذا يدلُّ عليه؟
إن معنى أنه مكرمة للنساء: أنه شيء مستحسن عُرفا لهنَّ، وأنه لم يجئ نصٌّ من الشارع بإيجابه ولا استحبابه. وهذا أمر قابل للتغير، فما يعتبر مكرُمة في عصر أو قطر، قد لا يعتبر كذلك في عصر أو في قطر آخر ... ولهذا رأينا عددا من أقطار المسلمين لا تختَّن نساؤهم، مثل بلاد الخليج العربي، وبلاد الشمال الأفريقي كلِّها.
ورأينا كثيرا من الأطباء في عصرنا يشنُّون الغارة على ختان الإناث، ويعتبرونه عدوانا على جسد المرأة. والمؤثرات الثقافية على الإنسان تتغيَّر من عصر إلى آخر، نتيجة التقدم العلمي، والتقارب العالمي، وثورة المعلومات وغيرها.
دليل الإجماع
وإذا لم يكن هناك دليل من السنة بالإيجاب أو الاستحباب، فهل يوجد دليل من الإجماع؟
إن الذي يقرأ أقوال الفقهاء في ذلك، داخل المذاهب وخارجها، يتبيَّن له: أنه لا يوجد بينها اتفاق على حكم محدَّد بالنسبة لخفاض الأنثى أو ختانها.
فهناك مَن قال بالوجوب.
وهناك مَن قال بالاستحباب.
وهناك مَن قال بأنه سنة للرجال مكرُمة للنساء.
فلا إجماع في المسألة إذن.
ولكن يمكن أن نخرج من هذا الخلاف بإجماع الكلِّ على الجواز. إذ الجواز دون الاستحباب، ودون الوجوب، أعني أن مَن يقول بالوجوب أو بالاستحباب لا ينفي الجواز. والقول بأنه "مكرُمة" قريب من الجواز، لأن معنى المكرُمة: أنه أمر كريم مستحسَن عُرفا. فمَن قال به قال بالجواز.
والخلاصة: أن أحدا من الفقهاء لم يقُل: إنه حرام أو مكروه تحريما أو تنزيها. وهذا يدلُّ على المشروعية والجواز في الجملة عند الجميع.
وأن هذا الإجماع الضمني من الفقهاء من جميع المذاهب والمدارس الفقهية وخارجها: دليل على أن مَن فعل هذا الختان، على ما جاء به الحديث، (الذي حسَّنه قوم وضعَّفه آخرون)، الذي نصح الخاتنة بالإشمام وعدم النَّهك والإسراف: لا جُناح عليه، ولم يقترف عملا محرَّما.
فلا ينبغي إذن التشنيع على كل مَن قام بختان بناته (أو خفاضهن) على الوجه الشرعي، الذي جاء به الحديث، ولا يجوز تسمية ذلك بأنه (جريمة وحشية) تُرتكب في القرن الحادي العشرين! إلا ما كان منها متجاوزا للحدود الشرعية المتَّفق عليها، وهي تتمثَّل في ثلاثة أشياء:
الأول: تجاوز الإشمام إلى النَّهك، أي الاستئصال والمبالغة في القطع، التي تحرِم المرأة من لذَّة مشروعة بغير مبرِّر. وهو ما يتمثَّل فيما يسمونه (الخفاض الفرعوني).
الثاني: أن يباشر هذا الختان الجاهلات من القابلات وأمثالهن، وإنما يجب أن يقوم بذلك الطبيبات المختصَّات الثقات، فإن عُدمن قام بذلك الطبيب المسلم الثقة عند الضرورة.
الثالث: أن تكون الأدوات المستخدمة مُعقَّمة وسليمة، وملائمة للعملية المطلوبة، وأن يكون المكان ملائما، كالعيادات والمستشفيات والمراكز الصحية. فلا يجوز استخدام الأدوات البدائية، وبطريقة بدائية، كما يحدث في الأرياف ونحوها.
فإذا روعيت هذه الأمور الثلاثة: لم نستطع أن نصف ختان الإناث بأنه حرام، ولا بأنه جريمة وحشية، ولا سيما إذا اقتضته حاجة قرَّرها الطبيب المختصُّ الذي يُرجع إليه في مثل هذا الأمر.
دليل القياس
هل يمكن أن يستدلَّ بالقياس على وجوب ختان الإناث أو استحبابه؟ قد يخطر هذا في بال بعضهم، فيقيس ختان الإناث على ختان الذكور، باعتبار أن الأصل في خطاب الشارع أنه للجنسين معا، فإذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: فإنها تخاطب الرجل والمرأة جميعا. والجنسان يشتركان في أن أحكام الشرع في العبادات والمعاملات شاملة لهما معا، إلا ما استُثني، وهو قليل جدا، ولا يخرق أصل القاعدة.
فمن هنا قد يقول بعض المتعجِّلين: نقيس الإناث على الذكور في حكم الختان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال"[6]، وقال الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران:195]. ومعنى الآية: أن الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، هي تكمِّله وهو يكمِّلها، لا تستغني عنه، ولا يستغني عنها، فلماذا لا يُقاس أحدهما على الآخر؟
ونقول: إن للقياس أركانا وشروطا يجب أن تُراعى.
منها: أن تكون هناك عِلَّة جامعة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه، فأين هي العِلَّة هنا؟
ومنها: ألاَّ يكون هناك فارق معتبَر بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه، وإلا رُدَّ القياس، وقيل: هذا قياس مع الفارق. ولا شكَّ أن هناك فارقا كبيرا في هذه القضية بين الذكر والأنثى، حيث ينتفع الذكر بالختان، وتتضرَّر الأنثى به أضرارا شتَّى.
ومنها: أن الأصل هو منع تغيير خلق الله، وقطع جزء من الجسم الذي خلقه الله، وقد استُثني هذا الأصل في ختان الذكور، وبقي ما عداه على أصل المنع. وِفقا للقاعدة الأصولية: ما جاء على سبيل الاستثناء: يُحفظ ولا يُقاس عليه.
نظرتان تأصيليتان
بعد أن نظرنا في الأدلَّة العامة: من القرآن الكريم، والسنة المشرَّفة، والإجماع والقياس، وما يمكن أن يستفاد منها حول موضوع ختان الإناث.
بقي أمامنا نظرتان أساسيتان، يلزم الفقيه أن يضعهما في اعتباره عند النظر إلى هذه الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر عادة بين أهل الاجتهاد في الفقه.
وهاتان النظرتان الأساسيتان متعلِّقان بالرجوع إلى القواعد الفقهية التي أصَّلها المحقِّقون من علماء المذاهب المختلفة، أو إلى مقاصد الشريعة الكلية المأخوذة من مُحكمات القرآن والسنة.
النظرة الأولى: شرعية منع المباحات للمصلحة
لا شكَّ أننا عندما نظرنا إلى الأدلَّة من القرآن والسنة والإجماع والقياس، لم نجد فيها دليلا على وجوب ختان الإناث ولا على استحبابه. كما أننا لم نجد فيها دليلا على تحريمه أو كراهيته. فهم يقولون: إنه واجب أو مستحب أو مكرمة. وهذا دليل على أنهم متَّفقون على الجواز.
ولكن من المعلوم فقها: أن من الأمور الجائزة والمباحة ما يجوز منعها بصفة كلية أو جزئية، إذا ثبت أن من ورائها مفسدة أو ضررا، فإنما أباح الله ما أباح لعباده لييسِّر عليهم ويخفِّف عنهم، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28].
فإذا ثبت بالتطبيق أن في استعمال المباح ضررا على الناس أو أكثرهم: وجب منعه، بناء على قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار"[7]. كما يمكن أن يبقى ويطوَّر ويحسَّن أداؤه، وهو ما أشار إليه حديث: "أشمِّي ولا تَنهَكي"[8]. كما منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض الصحابة من زواج اليهوديات أو المجوسيات، لما فيه من فتنة على نساء المسلمين.

وهذا أمر يجب أن يخضع للبحث والدراسة، فإذا أثبتت الدراسة الموضوعية من قبل الخبراء والمتخصصين المحايدين، الذين لا يتبعون هواهم، ولا أهواء غيرهم: أن الختان يضرُّ بالإناث، ضررا مؤكَّدا أو مرجَّحا: وجب إيقاف هذا الأمر، ومنع هذا المباح، سدًّا للذريعة إلى الفساد، ومنعا للضرر والضرار. وقد يكون لنا العذر في مخالفة مَن سبقنا من العلماء، لأن عصرهم لم يعطهم من المعلومات والإحصاءات ما أعطانا عصرنا. من أجل هذا قالوا: إن الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والحال. ولو أن مَن قبلنا ظهر لهم ما ظهر لنا، لغيَّروا رأيهم، فقد كانوا يدورون مع الحقِّ حيث دار.
وإذا ثبتت الحاجة إليه لبعض الإناث، وفق تشخيص الطبيب المختصِّ: وجب أن تستثنى تحقيقا للمصلحة ودرءا للمفسدة. وإذا كان بعض الفقهاء - ومعهم بعض الأطباء - يحبِّذون ختان البنات، خوفا عليهن من استثارة الشهوة الجنسية في فترة المراهقة أو البلوغ، وخشية أن يؤدِّي ذلك إلى وقوعهن في الحرام، أو اقترابهن منه، فإن من المقرَّر شرعا لدى الراسخين من العلماء: أنه لا يجوز المبالغة في سدِّ الذريعة، كما لا يجوز المبالغة في فتحها. فإن المبالغة في السدِّ تفوِّت على الناس مصالح كثيرة بغير حقٍّ. وقد رأينا بلادا كثيرة من بلاد المسلمين لا يختتن نساؤها، ولم نجد فيها آثارا سلبية ظاهرة لدى الفتيات، من أجل ترك الختان. قد توجد انحرافات أخرى تشترك فيها المختونات وغير المختونات.
النظرة الثانية: قواعد تحكم منطق الفقيه في المسألة
والنظرة الثانية هنا: أن الرأي الذي تبيَّنته في هذا الأمر الذي اتَّسع فيه الجدال وكثر فيه القيل والقال: مبنيٌّ على عدة قواعد، أعتقد أنها عند التأمُّل لا ينبغي الاختلاف عليها.
أولا: الأصل إبقاء خلق الله سبحانه على ما خلقه، وعدم تغييره، لأن الله تعالى: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة:7]، بنصِّ القرآن : {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل8]، وهو جلَّ شأنه لا يخلق شيئا باطلاً ولا عبثا، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَاَنكَ} [آل عمران:191].
ولهذا كان تغيير خلق الله من عمل الشيطان وكيده للإنسان، {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء9].
وكان من الأحاديث النبوية الصحيحة : لعن كلِّ مَن غيَّر خلق الله من النساء، من الواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمِّصة، والواصلة والمستوصلة، والمتفلِّجات للحُسن المغيِّرات خلق الله[9]، والرجال يشاركونهم في هذا الحكم. وقد استأذن بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أن يخصوا أنفسهم ليحصِّنوا فروجهم، ويضمنوا ألا تهيج عليهم شهواتهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم[10].
وبناء على هذا الأصل المقرَّر المتَّفق عليه: يكون ختان المرأة أو خفاضها بقطع جزء من جسمها بغير مسوِّغ يوجبه: أمرا غير مأذون به أو محظورا شرعًا.
ثانيا:إذا كان قطع هذا الجزء من جسم المرأة، يترتَّب عليه أذى أو ض0رر معيَّن لها، في بدنها أو نفسها، أو يحرمها من حقٍّ فطري لها، مثل حقِّ المتعة الجنسية مع زوجها, وحقِّ (الارتواء الجنسي)، الذي جعله الله لبنات حواء بمقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها: كان ذلك محظورا شرعا، لأنه ضرر على المرأة أو الأنثى، فرض عليها بغير إرادتها، والإسلام يُحرِّم الضرر والضرار، لهذا كان من القواعد الفقهية المتفق عليها بين جميع الفقهاء : لا ضرر ولا ضرار، وهي نص حديث صحَّحه العلماء بمجموع طرقه، وهو تطبيق لمجموع نصوص قرآنية تمنع الضرر والضرار.
حتى وجدنا من الفقهاء مَن يمنع ثقب أذن الصبية، من أجل تحلِّيها بالقرط، مستدلا بأنه إيلام لها لم يأمر به الشرع، وخالفهم آخرون لأدلَّة قدَّموها .
ثالثا: خرج ختان الذكور من هذا الحكم، لما ورد فيه من أدلَّة شرعية ظاهرة، صحيحة الثبوت صريحة الدلالة، باعتباره من سنن الفطرة، ومن مواريث المِلَّة الإبراهيمية، واعتباره كذلك من شعائر الإسلام، كالأذان، وصلاة العيدين ونحوهما، ولإجماع المسلمين على هذه السُّنَّة منذ بدء الإسلام إلي اليوم، لم يُعرف شعب ولا قطر ولا قبيلة بالشذوذ عن هذه القاعدة. وقد أكَّد الحكم الشرعي هنا: إجماع أطباء العصر على ما في ختان الذكور من فوائد صحية وطبية جسيمة، ووقاية من أمراض شتَّى من السرطان وغيره، حتى ذكروا أن في أمريكا اليوم نسبة من المواليد (من 61 إلى 85%) يختتنون بعد الولادة، كما نشرت ذلك أشهر المجلات الأمريكية[11]، ومن المؤكَّد أن نسبة اليهود والمسلمين المعروفين بالختان لا تبلغ هذا القدر، ومعنى هذا أن المسيحين أنفسهم بدأوا يتَّجهون إلي الختان من تلقاء أنفسهم، لما رأوا فيه من مصلحة لأولادهم.
ولهذا لا حديث لنا عن ختان الذكور، فهو أمر مُجمَع علي شرعيته وعلى نفعه، اتَّفق على ذلك الفقهاء والأطباء. كلُّ ما يوصَى به في ذلك: أن يزاوله الأطباء المختصُّون، بأجهزتهم الحديثة، في الأماكن المهيَّئة لذلك، بعيدا عن الممارسات التي لا تزال تقع إلي الآن في كثير من بلاد المسلمين، لا تتوافر فيها الشروط الصحية.
رابعا: إذا كان ختان الذكور مستثنًى من الأصل العام الناهي عن تغيير خلق الله، لما ورد فيه من نصوص صحيحة صريحة، قوَّاها وثبَّتها الإجماع النظري والعملي، فلا يوجد في ختان الإناث مثل ذلك ولا قريب منه. فيبقى على الأصل في منع إيلام الإنسان في بدنه لغير حاجة، فكيف إذا كان من وراء هذا الإيلام ضرر مؤكَّد، وفق ما يقوله أهل العلم والطب في عصرنا؟

رأي الطب والعلم في ختان النساء

يؤكَّد الاتجاه إلى المنع: ما نبَّه الأطباء المعاصرون - المختصون بأمراض النساء والجنس ونحوها - بأن ختان النساء يضرُّ بالمرأة في الغالب، ويحرمها من لذَّة مشروعة، وهي كمال الاستمتاع بزوجها.
بل أثبت بعض الأطباء: أن من وراء هذا الختان أضرارا صحية ونفسية وجنسية واجتماعية لا يجوز إغفالها. يقول د. أحمد شوقي الفنجري:
(من المعروف طبيا أن الأعصاب الجنسية في المرأة: تكون مركزة في البظر (Clitoris) كما أن الأعصاب الجنسية للرجل تكون مركزة في رأس الذكر. فالختان كما تمارسه القابلة: يعني قطع البظر ... وفي بعض الأحيان قطع جزء من الشفرة.
وهذا يعني عمليا حرمان المرأة من جميع أعصاب الحسِّ الجنسي، فهو في تأثيره على أنوثة المرأة وعلى رغبتها في الجنس واستجابتها له (orgasm) يشبه إلى حد كبير تأثير الخصي على الرجل[12] ... فهو نوع من إهدار آدميتها والقضاء على مشاعرها وأحاسيسها ... ويصيبها بالبرود الجنسي، وهو أحد أسباب الطلاق وتفكُّك الأسر في الإسلام.
بقي أن نضيف إلى ذلك: ظاهرة خطيرة منتشرة في البلاد التي تمارس عادة ختان البنات ... وهي اضطرار الرجال إلى تعاطي المخدرات كالأفيون والحشيش بقصد إطالة الجماع، حتى يستطيع إشباع زوجته جنسيا.
وقد أجمع علماء الاجتماع على أنه لا أمل في القضاء على ظاهرة المخدرات في العالم الإسلامي، إلا بعد القضاء نهائيا على ظاهرة ختان البنات.
ولا ننسى أن طهارة (ختان) البنات لها مضاعفات صحية وطبية أخرى غير التأثير الجنسي، فالذي يمارسها قابلات جاهلات. وقد يلتهب الجرح ويتلوَّث ... ويصل التلوث إلى الرحم وقنوات المبيض، وقد يسبب عقما دائما للبنت ... وكثير من القابلات بعد قطع الشفرة يأمرن الفتاة: بضم رجليها بشدة، مما ينجم عنه التصاقات وضيق في باب المهبل، وهذا بدوره يسبب عسر الولادة، بحيث تحتاج الفتاة إلى عملية شق المهبل حتى لا يختنق الجنين أثناء الولادة.
وهذا قليل من كثير من أضرار هذا العادة البغيضة)[13].
قد يقال: إن الآفات التي ذكرها الأطباء والاجتماعيون وغيرهم لم تكن نتيجة الختان الشرعي، كما جاء في حديث: "أشمِّي ولا تَنهَكي"، بل جاء نتيجة المبالغة في الختان، بحيث يجور على حقِّ الأنثى في التمتع باللذَّة الجنسية المشروعة عندما تتزوج، وهو ما جرى عليه كثير من الناس في مصر والسودان من إجراء ما عرف باسم (الختان الفرعوني)، الذي يشوِّه الأماكن الحساسة من جسد الأنثى، وفيه تنهك الخافضة أو الخاتنة نهكا شديدا - على خلاف توجيه الحديث النبوي - فتزيل البظر بكامله، والشفرين، إزالة شبه تامة، مما ينتج عنه ما يسمى بالرتق، وهو التصاق الشفرين بعضهما ببعض.
قد يقال هذا، أو نحوه في هذا المقام، ولكن التشريعات تصدر تبعا لحاجة القاعدة العريضة من الناس، وإذا ثبت أن هناك ضررا على الأكثرية فلا حرج في المنع، إلا ما ثبتت الحاجة إليه عن طريق الطبيب المختص، فالضرورات والحاجات لها أحكامها، وشريعتنا لا تغفل الواقع أبدا.
وقد رأيت معظم بلاد العرب لا يختَّن فيها الإناث، ما عدا مصر والسودان، وكأنَّ الختان يتوارث عندهم من عصر الفراعنة. أما بلاد الخليج، وبلاد المغرب العربي كلها وبلاد الشام: فلا ختان فيها، فكيف سكت علماؤهم على ذلك طوال العصور الماضية؟ مع قول الفقهاء: إن الختان لو تركه أهل بلدة أو قرية - بالنسبة للذكور - لوجب على الإمام أن يقاتلهم، حتى يقيموا هذه السُّنَّة التي تعدُّ من شعائر الإسلام؟

إن في الأمر سَعَة إذن، وينبغي توعية الناس في هذا الموضوع توعية دينية، وتوعية طبية، تسيران جنبا إلى جنب، وقد يغني التوجيه والتثقيف الشرعي والصحي عن التشريع والإلزام بالقانون.
ولا أدري: هل هناك قانون يمنع الختان في البلاد العربية الإسلامية التي لا يختَّن فيها النساء؟ أو إن هذا متروك لوعي المجتمع وثقافته؟
هذا ما استبان لي في هذه القضية. والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل
الصفحات 1  2