الاستعداد لرمضان ... الواقع والمأمول
مجتمع رجيم / ليكن رمضان بداية انطلاقتي
كتبت :
رجائي الجنه
-
الاستعداد لرمضان ... الواقع والمأمول
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالصوم مدرسة روحيّة عظيمة القدر ، ففيه تتجلى المشاركة التامة بين الغني والفقير ، وفيه فرصة لتربية ملكة الأمانة في شعور الصائم ، وفريضة الصيام تربي في نفسية الصائم ملكة النظام .
وبعبارة مختصرة : الصوم هو أحد دعائم الإسلام وأركانه الخمسة . جاء في الحديث القدسي : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) .
ومن جهة أخرى ، فإن من معاني الصوم أنه إمساك عن شهوة البطن ، وبالمعنى الاقتصادي : تخفيض الإنفاق أو ترشيده بمعنى أدق .
بيد أننا نرى في حياتنا المعاصرة علاقة طردية بين شهر الصوم والاستهلاك الشره .
والمرء يُدهش من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشهر دون مبرر منطقي .
فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك المفرط ، والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكراً مصحوبة بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ، ومن خلال أكثر من وسيلة .
فالزوجة تضغط باتجاه شراء المزيد ، والأولاد يُلحّون في مطالبهم الاستهلاكية ، والمرء نفسه لديه حالة شراهة لشراء أي شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم .
ومن المؤسف اعتياد بعض الناس على بعض العادات السيئة الدخيلة على شهر رمضان ، والتي تتمثل في طريقة الإنفاق الاستهلاكي وهي ليست من الإسلام .
فعندما يأتي شهر رمضان نرى أن ميزانية كثير من المسلمين تتضاعف في هذا الشهر عنها في الأشهر العادية ، ويتضاعف استهلاكهم ، فيكون النهار صوماً وكسلاً والليل طعاماً واستهلاكاً غير عادي .
ونسي هؤلاء أو تناسوا أن اختصار وجبات الطعام اليومية في رمضان من ثلاث وجبات إلى وجبتين اثنتين فرصة طيبة لخفض مستوى الاستهلاك ، وهي فرصة مواتية لإصلاح اقتصادنا خصوصاً ونحن أمة مستهلكة أشارت كل الإحصائيات إلى أن أقطارنا كافة تستهلك أكثر من إنتاجها ، وتستورد أكثر من تصديرها ، وما هذا الاستهلاك الزائد دائماً والاستيراد الزائد غالباً إلا عاملان اقتصاديان خطيران تشقى بويلاتهما الموازنات العامة وموازين المدفوعات . وغير جافٍ ، أن الإنفاق البذخي في رمضان أمر لا يمكن أن يتسق مع وضعية مجتمعاتنا الإسلامية التي هي في أغلبها مجتمعات نامية تتطلب المحافظة على كل جهد وكل إمكانية من الهدر ، وما نصنعه في رمضان هو بكل تأكيد هدر لإمكانات مادية ، وهدر لقيم سامية ، وهدر لسلوك منزلة القناعة .
ومن المعلوم أن الاستهلاك المتزايد باستمرار معناه المزيد من الاعتماد على الخارج ؛ ذلك لأننا لم نصل بعد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي أو مستوى معقول لتوفير احتياجاتنا الاستهلاكية اعتماداً على مواردنا وجهودنا الذاتية ، وهذا له بُعد أخطر يتمثل في وجود حالة تبعية غذائية للآخر الذي يمتلك هذه الموارد ، ويستطيع أن يتحكم في نوعيتها وجودتها ووقت إرسالها إلينا .
ومن ثم كان للاستهلاك أبعاد خطيرة كثيرة تهدد حياتنا الاقتصادية ، وتهدد أيضاً أمننا الوطني ، فهل يكون شهر رمضان فرصةً ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم ؟!!
إن صفة استهلاك المسلم هي الكفاية لا التبذير ، وإن منفعته وإشباعه يتحقق ليس فقط بالإشباع المادي بل من خلال الإشباع الروحي بأداء الواجب نحو المسلمين من مال الله الذي رزقه إياه . وإن منفعته تتحقق حتى في قيامه بواجبه نحو المسلمين وقبل ذلك أهله وزوجته وولده .
ولذا ، يسعى المسلم إلى مرضاة الله تعالى ، فيشكر الله على نعمه ويحمده كلما وفقه إلى استهلاك شيء من رزق ربه . والمسلم ينفق ماله ليحقق منفعة بسد حاجته ، وبلوغ متعته والكفاية عن الحرام ، وتحقيق مرضاة الله ونيل ثوابه عز وجل .
إن شهر الصيام فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة بالمفهوم الاقتصادي ، وعلى قائمة الاستبعاد النفقي ، ثم فرصة لترتيب سُلم الأولويات ، ثم فرصة كذلك للتعرف على مستوى الفائض الممكن .
ثم إن شهر رمضان فرصة لتحقيق ترشيد أفضل ، ولتوسيع وعاء الفائض الممكن ، ولكن شريطة أن يرتبط بالقاعدة القرآنية الإرشادية المعروفة : (( وكُلُوا وَاشرَبُوا وَلاَ تُسرِفُوا ... )) [ الأعراف : 31 ] ، هذه القاعدة ولا شك هي ميدان الترشيد على مستوى الفردي والمستوى العام .
لقد أكّد الباحثون على حقيقة مهمة تنص على أن فوضى الاستهلاك تبرز بوضوح ، حينما تبدأ الزوجة بعرض احتياجاتها من السلع والمواد الغذائية التي تبتلع فعلاً الدخل الشهري حتى آخر قرش فيه .
وتنتقل عدوى التبذير إلى الأطفال فينمو معهم انعدام الحس بقيمة الأشياء ، فلا يحافظون بالتالي على ألعابهم أو كتبهم .
وفي ظل ذلك ، لا يعود التبذير والترف مسألة فردية بل مظهراً اجتماعياً ، ولا يعود قضية وقتية حالية ، بل مسألة تمتد إلى المستقبل ، ولا يعود التبذير والترف مقتصراً على الأسرة بل والوطن كذلك .
الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل سواء في ملبسها أو إنفاقها ، بيد أن هناك من الرجال من هم أكثر إسرافاً في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم ، فالأمر نسبي ويرتبط بحجم ما يتوافر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف .
ويبقى السؤال المهم : أيهما أكثر إسرافاً الرجل أم المرأة أم الاثنين معاً ؟!
والحقيقة أن كلاً من الرجل والمرأة مسؤول ، وإن كان الإسراف والتبذير أكثر في المجتمع النسوي نسبياً .
ومن ثم فإن الزوجة التي تُعد وتطبخ ، والزوج الذي يجلب وينفق ، كلاهما متهم في الشراهة الاستهلاكية التي تنتاب مجتمعنا في رمضان وغير رمضان .
وبلٌغَة الإحصاءات والأرقام فإنه في أحد الأعوام قدّر نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك السنوي في إحدى الدول العربية بما نسبته 20% ، أي أن هذه الدولة تستهلك في شهر واحد وهو شهر رمضان ، خُمس استهلاكها السنوي كله ، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية الأربعة أخماس 4/5 الباقية ، وقد كلّف رمضان في هذا العام الخزانة حوالي 720 مليون دولار . وتشير بعض الدراسات التي أجريت حديثاً أن ما يُلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد تبلغ نسبته في بعض الحالات 45% من حجم القمامة .
كما عملت دراسة ميدانية عن الإسراف والتبذير في المأكولات المرمية في مدينة واحدة في إحدى الدول ، فكانت النتيجة أن الإسراف اليومي نحو مليون ليرة والإسراف السنوي مليون ليرة .
لذا ، يمكن القول بصفة عامة أن الإسراف في هذا الشهر ( رمضان ) وفي غيره ، سمه من سمات منطقتنا العربية .
بل وللأسف ، فقد امتدت ظاهرة العولمة إلى جوانب عبادية واجتماعية واقتصادية ، أخطرها الجوانب الإيمانية .
فشهر رمضان يجري تحويله عاماً بعد عام إلى مناسبة للترويج الكثيف والحادّ لمختلف السلع ، وتسهم في ذلك بقوة مختلف وسائل الإعلام وفنون الدعاية ووكالات الإعلانات .
وهكذا ، يتزايد إخضاع المشاعر الدينية للاستغلال كوسيلة من وسائل توسيع السوق ، بل وأحياناً لترويج أكثر السلع بُعداً عن الدين .
وعليه ، فإننا نؤكد على أن مفتاح حل الأزمات الحقيقي إنما يكمن في التربية الاستهلاكية .
إن رمضان هو محاولة لصياغة نمط استهلاكي رشيد وعملية تدريب مكثف تستغرق شهراً واحداً تُفهم الإنسان أن بإمكانه أن يعيش بإلغاء الاستهلاك ، استهلاك بعض المفردات في حياته اليومية لساعات طويلة كل يوم .
إنه محاولة تربوية لكسر النهم الاستهلاكي الذي أجمع العلماء الاجتماعيون والنفسيون على أنه حالة مَرَضية .
وختاماً فإن أهم المعالجات التي يمكن من خلالها التصدي للشراهة الاستهلاكية أو التخفيف من حدتها تتلخص فيما يلي :
أولاً : ينبغي التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في وجود الفقر وسط الرخاء ، إذ باستمراره قد تضيع موارد الأسرة .
ثانياً : يجب تقدير الكميات المطلوبة والجودة والنوعية والفترة الزمنية لاستهلاك السلع والمنتجات .
ثالثاً : لابدّ من كبح انفعالاتنا العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوبة شرائها واستهلاكها على مستوى الأطفال والنساء والأسَر .
رابعاً : الحذر من تقليد المجتمعات المترفة ذات النمط الاستهلاكي الشره المترف المتلاف .
* ذات يوم أوقف عمر بن الخطاب ابنه عبد الله رضي الله عنهما وسأله : إلى أين أنت ذاهب ؟!
فقال عبد الله : للسوق ، وبرر ذلك بقوله : لأشتري لحماً اشتهيته .
فقال له الفاروق : أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته .
إنها حكمة اقتصادية خالدة ، وقاعدة استهلاكية رشيدة . خصوصاً ونحن نشهد في أيامنا هذه سباقاً محموماً يترافق معه أساليب تسويقية جديدة ، وأساليب إعلانية مثيرة ، ووسائل إعلامية جذابة .
وأقول لأختي المسلمة : ينبغي عليك عندما تشعرين بأن حافز الإنفاق يدفعك إلى مزيد من الإسراف والتبذير والتسوق والشراء والشراهة الاستهلاكية ، اتباع الخطوات التالية :
1- تمهلي قليلاً قبل أن تخرجي نقودك ، واسألي نفسك إن كان هذا الشعور حقيقياً أم انفعالياً .
2- احرصي على ألا تشتري محبة الآخرين بالهدايا أو تقليدهم ومحاكاتهم بالإنفاق المفرط .
3- اسألي نفسك قبل الشراء إذا كان بالإمكان شراء ما هو أفضل من هذا الشيء إذا أتيحت فرصة عرض سعري أفضل .
وختام القول : فإننا لو جمعنا كل ما ينفق على الأمور التافهة في صندوق موحد ، ثم أنفق على إزالة أسباب المأساة من حياة الناس ، لصلحت الأرض وطاب العيش فيها ...
[MEDIA]http://saaid.net/mktarat/ramadan/flash/10.swf[/MEDIA]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالصوم مدرسة روحيّة عظيمة القدر ، ففيه تتجلى المشاركة التامة بين الغني والفقير ، وفيه فرصة لتربية ملكة الأمانة في شعور الصائم ، وفريضة الصيام تربي في نفسية الصائم ملكة النظام .
وبعبارة مختصرة : الصوم هو أحد دعائم الإسلام وأركانه الخمسة . جاء في الحديث القدسي : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) .
ومن جهة أخرى ، فإن من معاني الصوم أنه إمساك عن شهوة البطن ، وبالمعنى الاقتصادي : تخفيض الإنفاق أو ترشيده بمعنى أدق .
بيد أننا نرى في حياتنا المعاصرة علاقة طردية بين شهر الصوم والاستهلاك الشره .
والمرء يُدهش من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشهر دون مبرر منطقي .
فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك المفرط ، والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكراً مصحوبة بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ، ومن خلال أكثر من وسيلة .
فالزوجة تضغط باتجاه شراء المزيد ، والأولاد يُلحّون في مطالبهم الاستهلاكية ، والمرء نفسه لديه حالة شراهة لشراء أي شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم .
ومن المؤسف اعتياد بعض الناس على بعض العادات السيئة الدخيلة على شهر رمضان ، والتي تتمثل في طريقة الإنفاق الاستهلاكي وهي ليست من الإسلام .
فعندما يأتي شهر رمضان نرى أن ميزانية كثير من المسلمين تتضاعف في هذا الشهر عنها في الأشهر العادية ، ويتضاعف استهلاكهم ، فيكون النهار صوماً وكسلاً والليل طعاماً واستهلاكاً غير عادي .
ونسي هؤلاء أو تناسوا أن اختصار وجبات الطعام اليومية في رمضان من ثلاث وجبات إلى وجبتين اثنتين فرصة طيبة لخفض مستوى الاستهلاك ، وهي فرصة مواتية لإصلاح اقتصادنا خصوصاً ونحن أمة مستهلكة أشارت كل الإحصائيات إلى أن أقطارنا كافة تستهلك أكثر من إنتاجها ، وتستورد أكثر من تصديرها ، وما هذا الاستهلاك الزائد دائماً والاستيراد الزائد غالباً إلا عاملان اقتصاديان خطيران تشقى بويلاتهما الموازنات العامة وموازين المدفوعات . وغير جافٍ ، أن الإنفاق البذخي في رمضان أمر لا يمكن أن يتسق مع وضعية مجتمعاتنا الإسلامية التي هي في أغلبها مجتمعات نامية تتطلب المحافظة على كل جهد وكل إمكانية من الهدر ، وما نصنعه في رمضان هو بكل تأكيد هدر لإمكانات مادية ، وهدر لقيم سامية ، وهدر لسلوك منزلة القناعة .
ومن المعلوم أن الاستهلاك المتزايد باستمرار معناه المزيد من الاعتماد على الخارج ؛ ذلك لأننا لم نصل بعد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي أو مستوى معقول لتوفير احتياجاتنا الاستهلاكية اعتماداً على مواردنا وجهودنا الذاتية ، وهذا له بُعد أخطر يتمثل في وجود حالة تبعية غذائية للآخر الذي يمتلك هذه الموارد ، ويستطيع أن يتحكم في نوعيتها وجودتها ووقت إرسالها إلينا .
ومن ثم كان للاستهلاك أبعاد خطيرة كثيرة تهدد حياتنا الاقتصادية ، وتهدد أيضاً أمننا الوطني ، فهل يكون شهر رمضان فرصةً ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم ؟!!
إن صفة استهلاك المسلم هي الكفاية لا التبذير ، وإن منفعته وإشباعه يتحقق ليس فقط بالإشباع المادي بل من خلال الإشباع الروحي بأداء الواجب نحو المسلمين من مال الله الذي رزقه إياه . وإن منفعته تتحقق حتى في قيامه بواجبه نحو المسلمين وقبل ذلك أهله وزوجته وولده .
ولذا ، يسعى المسلم إلى مرضاة الله تعالى ، فيشكر الله على نعمه ويحمده كلما وفقه إلى استهلاك شيء من رزق ربه . والمسلم ينفق ماله ليحقق منفعة بسد حاجته ، وبلوغ متعته والكفاية عن الحرام ، وتحقيق مرضاة الله ونيل ثوابه عز وجل .
إن شهر الصيام فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة بالمفهوم الاقتصادي ، وعلى قائمة الاستبعاد النفقي ، ثم فرصة لترتيب سُلم الأولويات ، ثم فرصة كذلك للتعرف على مستوى الفائض الممكن .
ثم إن شهر رمضان فرصة لتحقيق ترشيد أفضل ، ولتوسيع وعاء الفائض الممكن ، ولكن شريطة أن يرتبط بالقاعدة القرآنية الإرشادية المعروفة : (( وكُلُوا وَاشرَبُوا وَلاَ تُسرِفُوا ... )) [ الأعراف : 31 ] ، هذه القاعدة ولا شك هي ميدان الترشيد على مستوى الفردي والمستوى العام .
لقد أكّد الباحثون على حقيقة مهمة تنص على أن فوضى الاستهلاك تبرز بوضوح ، حينما تبدأ الزوجة بعرض احتياجاتها من السلع والمواد الغذائية التي تبتلع فعلاً الدخل الشهري حتى آخر قرش فيه .
وتنتقل عدوى التبذير إلى الأطفال فينمو معهم انعدام الحس بقيمة الأشياء ، فلا يحافظون بالتالي على ألعابهم أو كتبهم .
وفي ظل ذلك ، لا يعود التبذير والترف مسألة فردية بل مظهراً اجتماعياً ، ولا يعود قضية وقتية حالية ، بل مسألة تمتد إلى المستقبل ، ولا يعود التبذير والترف مقتصراً على الأسرة بل والوطن كذلك .
الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل سواء في ملبسها أو إنفاقها ، بيد أن هناك من الرجال من هم أكثر إسرافاً في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم ، فالأمر نسبي ويرتبط بحجم ما يتوافر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف .
ويبقى السؤال المهم : أيهما أكثر إسرافاً الرجل أم المرأة أم الاثنين معاً ؟!
والحقيقة أن كلاً من الرجل والمرأة مسؤول ، وإن كان الإسراف والتبذير أكثر في المجتمع النسوي نسبياً .
ومن ثم فإن الزوجة التي تُعد وتطبخ ، والزوج الذي يجلب وينفق ، كلاهما متهم في الشراهة الاستهلاكية التي تنتاب مجتمعنا في رمضان وغير رمضان .
وبلٌغَة الإحصاءات والأرقام فإنه في أحد الأعوام قدّر نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك السنوي في إحدى الدول العربية بما نسبته 20% ، أي أن هذه الدولة تستهلك في شهر واحد وهو شهر رمضان ، خُمس استهلاكها السنوي كله ، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية الأربعة أخماس 4/5 الباقية ، وقد كلّف رمضان في هذا العام الخزانة حوالي 720 مليون دولار . وتشير بعض الدراسات التي أجريت حديثاً أن ما يُلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد تبلغ نسبته في بعض الحالات 45% من حجم القمامة .
كما عملت دراسة ميدانية عن الإسراف والتبذير في المأكولات المرمية في مدينة واحدة في إحدى الدول ، فكانت النتيجة أن الإسراف اليومي نحو مليون ليرة والإسراف السنوي مليون ليرة .
لذا ، يمكن القول بصفة عامة أن الإسراف في هذا الشهر ( رمضان ) وفي غيره ، سمه من سمات منطقتنا العربية .
بل وللأسف ، فقد امتدت ظاهرة العولمة إلى جوانب عبادية واجتماعية واقتصادية ، أخطرها الجوانب الإيمانية .
فشهر رمضان يجري تحويله عاماً بعد عام إلى مناسبة للترويج الكثيف والحادّ لمختلف السلع ، وتسهم في ذلك بقوة مختلف وسائل الإعلام وفنون الدعاية ووكالات الإعلانات .
وهكذا ، يتزايد إخضاع المشاعر الدينية للاستغلال كوسيلة من وسائل توسيع السوق ، بل وأحياناً لترويج أكثر السلع بُعداً عن الدين .
وعليه ، فإننا نؤكد على أن مفتاح حل الأزمات الحقيقي إنما يكمن في التربية الاستهلاكية .
إن رمضان هو محاولة لصياغة نمط استهلاكي رشيد وعملية تدريب مكثف تستغرق شهراً واحداً تُفهم الإنسان أن بإمكانه أن يعيش بإلغاء الاستهلاك ، استهلاك بعض المفردات في حياته اليومية لساعات طويلة كل يوم .
إنه محاولة تربوية لكسر النهم الاستهلاكي الذي أجمع العلماء الاجتماعيون والنفسيون على أنه حالة مَرَضية .
وختاماً فإن أهم المعالجات التي يمكن من خلالها التصدي للشراهة الاستهلاكية أو التخفيف من حدتها تتلخص فيما يلي :
أولاً : ينبغي التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في وجود الفقر وسط الرخاء ، إذ باستمراره قد تضيع موارد الأسرة .
ثانياً : يجب تقدير الكميات المطلوبة والجودة والنوعية والفترة الزمنية لاستهلاك السلع والمنتجات .
ثالثاً : لابدّ من كبح انفعالاتنا العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوبة شرائها واستهلاكها على مستوى الأطفال والنساء والأسَر .
رابعاً : الحذر من تقليد المجتمعات المترفة ذات النمط الاستهلاكي الشره المترف المتلاف .
* ذات يوم أوقف عمر بن الخطاب ابنه عبد الله رضي الله عنهما وسأله : إلى أين أنت ذاهب ؟!
فقال عبد الله : للسوق ، وبرر ذلك بقوله : لأشتري لحماً اشتهيته .
فقال له الفاروق : أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته .
إنها حكمة اقتصادية خالدة ، وقاعدة استهلاكية رشيدة . خصوصاً ونحن نشهد في أيامنا هذه سباقاً محموماً يترافق معه أساليب تسويقية جديدة ، وأساليب إعلانية مثيرة ، ووسائل إعلامية جذابة .
وأقول لأختي المسلمة : ينبغي عليك عندما تشعرين بأن حافز الإنفاق يدفعك إلى مزيد من الإسراف والتبذير والتسوق والشراء والشراهة الاستهلاكية ، اتباع الخطوات التالية :
1- تمهلي قليلاً قبل أن تخرجي نقودك ، واسألي نفسك إن كان هذا الشعور حقيقياً أم انفعالياً .
2- احرصي على ألا تشتري محبة الآخرين بالهدايا أو تقليدهم ومحاكاتهم بالإنفاق المفرط .
3- اسألي نفسك قبل الشراء إذا كان بالإمكان شراء ما هو أفضل من هذا الشيء إذا أتيحت فرصة عرض سعري أفضل .
وختام القول : فإننا لو جمعنا كل ما ينفق على الأمور التافهة في صندوق موحد ، ثم أنفق على إزالة أسباب المأساة من حياة الناس ، لصلحت الأرض وطاب العيش فيها ...
[MEDIA]http://saaid.net/mktarat/ramadan/flash/10.swf[/MEDIA]
فٌٍحٌٍ ـرٍوٍفٌٍـيٌٍ تٌٍـآآئٌٍههٌٍ وٍكَلٌٍمـٌٍآآتٌٍـيٌٍ ضٌٍـآآئٌٍعٍ ــهٌٍ