الحكم بعد المداولة

مجتمع رجيم / القصص والروايات الادبية
كتبت : عيوشــآ
-
بسم الله الرحمن الرحيم

جاء من احدى قرى مصر الطيبة الى القاهرة لحضور محاكمة رأس الفساد في مصر

الوقت مازال مبكرا لبدء الجلسة

فمازالت الساعة الخامسة صباحا ويتبقى ثلاث ساعات او اكثر لتبدء المحاكمة

تلفت يمينا ويسارا فلم يجد سوى عربات الشرطة وناقلات جنود الامن المركزي

ومدرعات الجيش

جلس على الرصيف بالقرب من احدى المدرعات وضع رأسه بين يديه

استقر لفترة على هذا الوضع

ثم رفع رأسه وتنهد

واخذ يتحسس ذقنة التي قد طالت

يذكر جيدا متى اخر مرة قد قام فيها بحلاقتها .. ربما في شتاء هذا العام

عندما أرسل ابنه لشراء بعض الاغراض ومن ضمنها شفرة حلاقة

اتاه الابن بالاغراض وانطلق .. ومرت سبعة شهور ولم يعد الى الان !!

دمعت عيناه وتساقطت على لحيته وهو يتذكر ذلك اليوم

الذي عاد فيه اصدقاء ابنه يخبرونه بان ابنه قد استشهد !!!

وان جثمانه ملقى الان في احدى مستشفيات القاهرة

يتمتم بكلمات الحمد لله ويضع يده على لحيته ليمسح مااستقر بها من دمعات



يخرج علبه سجائرة من جلبابه ويشعل سيجارة ينفث دخانها وهو ينظر الى اسفل

حاول كثيرا ان يقلع عن التدخين ولكن محاولاته باءت بالفشل

يتذكر اول خطاياه في التدخين

كان ذاهبا بوجبة الغداء متوجها الى ابيه في الحقل

وجد سيجارة مشتعلة ملقاة على جانب الطريق التقطها والشيطان يسير بجواره

فشربها ...!!

اخد يسعل بشدة وعندما وصل الى اباه كان مازال يسعل

اقترب منه اباه ليعطيه بعض الماء واثناء اقترابه منه اشتم رائحة السجائر تنبث من بين طيات جلبابه !



احضر اباه عصا غليظة ولقنه درسا ظل منهجه تاركا اثرا على جسده لفترة طويلة

ولكنه عاد للتدخين عندما اصبح بلا اب !!

تغوص ذاكرته في اعماق الماضي ويتذكر جنازة ابيه عندما جاء جثمانه من سيناء ملفوفا بعلم مصر

مازال يحتفظ بالعلم حتى الان

بجوار العلم الذي احتفظ به اباه وكان علما لمصر ايضا عاد به جثمان اخيه في نكسة يونيو 67

دعى لابيه ولعمه بالرحمة واكثر الدعاء لابنه

ثم ابتسم عندما تذكر حكايات والده وقد حكى له يوما ان احد اجداده قد استشهد اثناء حفر قناة السويس

استيقظ من شروده على صوت بعض الضوضاء فالتفت ليجد ان اناسا كثيرة من اسر الشهداء

قد افترشت الرصيف فأحس ببعض الراحة واحس بالدفء

قد يكون دفئا نابعا من حرارة الجو وتلك الشمس التي غطت المكان ولم يشعر بها سوى الان

وقد يكون دفء الاحساس بعدم الوحدة

يقترب منه احد الاهالي ويجلس بجواره بعد السلام والمصافحة

اليس انت من رأيته في ميناء سفاجا منذ بضعه سنوات اثناء حادث غرق العبارة ؟!!

ابتسم ابتسامة خفيفة وهز رأسه .. نعم

قال له وماذا اتى بك اليوم الى هنا

اجابه بمرارة .. عندما قابلت اول مرة كنت قد فقدت ابني الاكبر في حادث العبارة اثناء عودته من الخليج

واليوم اعود لارى محاكمة من قتل ابني الثاني اثناء الثورة !!!!

يضع الرجل يده على كتفه ويقول له .. البقاء لله

ثم يسأله اليس لديك ابناء الان؟

يجيبه .. لدي ابن اخير نجا من حريق قطار الصعيد عندما كان عائدا مع خاله من القاهرة !!



يبتسم صاحبه ويقول حمدا لله على كل شيئ !

ويتبادلان الحوار ويقطع تحاورهما تدافع الناس لدخول قاعة المحكمة

فينطلق صاحبنا للدخول

ويأخذ مكانه داخل المحكمة ويعم الصمت عند سماع كلمة محكمة

فيقف الجميع ويجلس القاضي ومستشاريه

ثم يجلس كل من في القاعة

ويبدأ القاضي في افتتاح الجلسة

ويتحدث محاموا المتهمين ويتدخل محاموا الشهداء

وتعم الفوضى !!!

فيصيح الرجل باعلى صوته ياسياة القاضي

فيلتفت اليه الجميع ويعم الصمت

ويقطع حاجز الصمت صوت القاضي وهو يسأله من انت ..؟

وماذا تريد؟



فيجيب



انا اللي جدي دخل مصر مع الفاتحين

ينشر دين ربنا وينصر المظلومين

انا اللي جدي يوم ما الاقصى ناداه

لبى الندى واستشهد في حطين



انا اللي جدي لا كان ملك ولا شاه

كان ثروته الستر بس في دنياه

وجم عساكر الخديوي وراح جدي ماجاش

لكن ماراحش بلاش

سألنا . قالوا .. مات في حفر القناة



انا اللي عمي صدق كلام ناصر

زعق بعلو الصوت .. راجل انا مش قاصر

وشال سلاحه سافر الى سينا

ومات هناك جوة اراضينا

عمي شهيد.. كسبان اكيد مش خاسر



انا اللي ابويا ماسابش تار عمي

عدى القناة بيكبر وبيسمي

ومات راجل سلاحه في ايده

بقى اسمه شهيد واترملت امي



انا اللي ابني شبابه كان حاير

رفض يكون عبد للظالم الجاير

ولما نطق بالصوت استقبلوه بالموت

واستشهد في يناير



انا مش هاسيب تاري

والارض دي بلادي

كاتم بغيظ ناري

ياسيادة القاضي



صابر سنين وسنين

متحمل كل مافيها

لكن ورب الدين

لو تاني لينا ظالمين

لأجيب عاليها واطيها ..!!



وهنا يتحدث القاضي ......

الحكم بعد المداولة