الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج

مجتمع رجيم / منتدى الحج و العمرة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج
الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج
الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج

الكويتية PIC-608-1350061419.g

الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج

الكويتية PIC-883-1350061419.g


الحجّ‏:‏ بفتح الحاء ويجوز كسرها، هو لغة القصد، حجّ إلينا فلان‏:‏
أي قدم، وحجّه يحجّه حجّا‏:‏ قصده‏.‏
ورجل محجوج، أي مقصود‏.
‏ هذا هو المشهور‏.‏
وقال جماعة من أهل اللّغة‏:‏ الحجّ‏:‏ القصد لمعظّم‏.
‏ والحجّ بالكسر‏:‏ الاسم‏.
‏ والحجّة‏:‏ المرّة الواحدة، وهو من الشّواذّ، لأنّ القياس بالفتح‏.‏

تعريف الحجّ اصطلاحا‏:‏


2 - الحجّ في اصطلاح الشّرع‏:‏ هو قصد موضع مخصوص ‏(‏وهو البيت الحرام وعرفة‏)‏ في وقت مخصوص ‏(‏وهو أشهر الحجّ‏)‏ للقيام بأعمال مخصوصة وهي الوقوف بعرفة، والطّواف، والسّعي عند جمهور العلماء، بشرائط مخصوصة يأتي بيانها‏.‏

الكويتية PIC-883-1350061419.g


العمرة‏:‏
3 - وهي قصد البيت الحرام للطّواف والسّعي



الحكم التّكليفيّ للحجّ

4 - الحجّ فرض عين على كلّ مكلّف مستطيع في العمر مرّة، وهو ركن من أركان الإسلام، ثبتت فرضيّته بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏
أ - أمّا الكتاب‏:‏ فقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين‏}‏‏.‏

فهذه الآية نصّ في إثبات الفرضيّة، حيث عبّر القرآن بصيغة ‏{‏وللّه على النّاس‏}‏
وهي صيغة إلزام وإيجاب، وذلك دليل الفرضيّة، بل إنّنا نجد القرآن يؤكّد تلك الفرضيّة تأكيدا قويّا في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين‏}‏
فإنّه جعل مقابل الفرض الكفر، فأشعر بهذا السّياق أنّ ترك الحجّ ليس من شأن المسلم، وإنّما هو شأن غير المسلم‏.‏



ب - وأمّا السّنّة فمنها حديث ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، والحجّ‏}‏‏.


الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2840
خلاصة حكم المحدث: صحيح


‏ وقد عبّر بقوله‏:‏ ‏{‏بني الإسلام‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فدلّ على أنّ الحجّ ركن من أركان الإسلام‏.
‏ وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏{‏خطبنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أيّها النّاس قد فرض اللّه عليكم الحجّ فحجّوا فقال رجل‏:‏ أكلّ عام يا رسول اللّه ‏؟‏
فسكت حتّى قالها ثلاثا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.

‏ وقد وردت الأحاديث في ذلك كثيرة جدّا حتّى بلغت مبلع التّواتر الّذي يفيد اليقين والعلم القطعيّ اليقينيّ الجازم بثبوت هذه الفريضة‏.‏


ج - وأمّا الإجماع‏:‏ فقد أجمعت الأمّة على وجوب الحجّ في العمر مرّة على المستطيع، وهو من الأمور المعلومة من الدّين بالضّرورة يكفر جاحده‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


وجوب الحجّ على الفور أو التّراخي

5 - اختلفوا في وجوب الحجّ عند تحقّق الشّروط هل هو على الفور أو على التّراخي ‏؟‏‏.‏

ذهب أبو حنيفة في أصحّ الرّوايتين عنه وأبو يوسف ومالك في الرّاجح عنه وأحمد إلى أنّه يجب على الفور، فمن تحقّق فرض الحجّ عليه في عام فأخّره يكون آثما، وإذا أدّاه بعد ذلك كان أداء لا قضاء، وارتفع الإثم‏.‏

وذهب الشّافعيّ والإمام محمّد بن الحسن إلى أنّه يجب على التّراخي، فلا يأثم المستطيع بتأخيره‏.‏

والتّأخير إنّما يجوز بشرط العزم على الفعل في المستقبل، فلو خشي العجز أو خشي هلاك ماله حرم التّأخير، أمّا التّعجيل بالحجّ لمن وجب عليه فهو سنّة عند الشّافعيّ ما لم يمت، فإذا مات تبيّن أنّه كان عاصيا من آخر سنوات الاستطاعة‏.‏

استدلّ الجمهور على الوجوب الفوريّ بالآتي‏:‏


أ - الحديث‏:‏ ‏{‏من ملك زادا‏.‏ وراحلة تبلّغه إلى بيت اللّه، ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا‏}‏‏.‏

ب - المعقول‏:‏ وذلك أنّ الاحتياط في أداء الفرائض واجب، ولو أخّر الحجّ عن السّنة الأولى فقد يمتدّ به العمر وقد يموت فيفوت الفرض، وتفويت الفرض حرام، فيجب الحجّ على الفور احتياطا‏.‏

واستدلّ الشّافعيّة ومن معهم بما يلي‏:‏


أ - أنّ الأمر بالحجّ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت‏}‏
مطلق عن تعيين الوقت، فيصحّ أداؤه في أيّ وقت، فلا يثبت الإلزام بالفور، لأنّ هذا تقييد للنّصّ، ولا يجوز تقييده إلاّ بدليل، ولا دليل على ذلك‏.‏
وهذا بناء على الخلاف أنّ الأمر على الفور أو للتّراخي ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ أمر‏)‏‏.‏


ب - ‏(‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فتح مكّة عام ثمان من الهجرة، ولم يحجّ إلاّ في السّنة العاشرة ولو كان واجبا على الفوريّة لم يتخلّف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه‏)‏‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


فضل الحجّ

6 - تضافرت النّصوص الشّرعيّة الكثيرة على الإشادة بفضل الحجّ، وعظمة ثوابه وجزيل أجره العظيم عند اللّه تعالى‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.

‏ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏من حجّ للّه فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه‏}‏‏.‏


الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1521
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


وعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏ما من يوم أكثر أن يعتق اللّه فيه عبدا من النّار من يوم عرفة، وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏
ومعنى يدنو‏:‏ يتجلّى عليهم برحمته وإكرامه‏.‏


الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2458
خلاصة حكم المحدث: صحيح



وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذّهب والفضّة، وليس للحجّة المبرورة ثواب إلاّ الجنّة‏}‏‏.


الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3/197
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن



‏ وعن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏الحجّاج والعمّار وفد اللّه، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم‏}‏‏.‏


الراوي: أبوهريرة المحدث: ابن عثيمين - المصدر: مجموع فتاوى ابن عثيمين - الصفحة أو الرقم: 240/24
خلاصة حكم المحدث: صحيح



‏{‏وعن عائشة رضي الله عنها، قلت يا رسول اللّه‏:‏ نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ‏؟‏
قال‏:‏ لا، لكنّ أفضل الجهاد حجّ مبرور‏}‏‏.‏


الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1520
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


وعن أبي هريرة ‏{‏رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل‏:‏ أيّ الأعمال أفضل ‏؟‏ فقال‏:‏ إيمان باللّه ورسوله، قيل ثمّ ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ جهاد في سبيل اللّه، قيل‏:‏ ثمّ ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ حجّ مبرور‏}‏‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


حكمة مشروعيّة الحجّ

7 - شرعت العبادات لإظهار عبوديّة العبد لربّه ومدى امتثاله لأمره، ولكن من رحمة اللّه تعالى أنّ أكثر هذه العبادات لها فوائد تدركها العقول الصّحيحة وأظهر ما يكون ذلك في فريضة الحجّ‏.‏

وتشتمل هذه الفريضة على حكم جليلة كثيرة تمتدّ في ثنايا حياة المؤمن الرّوحيّة، ومصالح المسلمين جميعهم في الدّين والدّنيا، منها‏:‏


أ - أنّ في الحجّ إظهار التّذلّل للّه تعالى، وذلك لأنّ الحاجّ يرفض أسباب التّرف والتّزيّن، ويلبس ثياب الإحرام مظهرا فقره لربّه، ويتجرّد عن الدّنيا وشواغلها الّتي تصرفه عن الخلوص لمولاه، فيتعرّض بذلك لمغفرته ورحماه، ثمّ يقف في عرفة ضارعا لربّه حامدا شاكرا نعماءه وفضله، ومستغفرا لذنوبه وعثراته، وفي الطّواف حول الكعبة البيت الحرام يلوذ بجناب ربّه ويلجأ إليه من ذنوبه، ومن هوى نفسه، ووسواس الشّيطان‏.‏


ب - أنّ أداء فريضة الحجّ يؤدّي شكر نعمة المال، وسلامة البدن، وهما أعظم ما يتمتّع به الإنسان من نعم الدّنيا، ففي الحجّ شكر هاتين النّعمتين العظيمتين، حيث يجهد الإنسان نفسه ‏"‏ وينفق ماله في طاعة ربّه والتّقرّب إليه سبحانه، ولا شكّ أنّ شكر النّعماء واجب تقرّره بداهة العقول، وتفرضه شريعة الدّين‏.‏


ج - يجتمع المسلمون من أقطار الأرض في مركز اتّجاه أرواحهم، ومهوى أفئدتهم، فيتعرّف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضا، هناك حيث تذوب الفوارق بين النّاس، فوارق الغنى والفقر، فوارق الجنس واللّون، فوارق اللّسان واللّغة، تتّحد كلمة الإنسان في أعظم مؤتمر بشريّ اجتمعت كلمة أصحابه على البرّ والتّقوى وعلى التّواصي بالحقّ والتّواصي بالصّبر، هدفه العظيم ربط أسباب الحياة بأسباب السّماء‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


شروط فرضيّة الحجّ

8 - شروط الحجّ صفات يجب توفّرها في الإنسان لكي يكون مطالبا بأداء الحجّ، مفروضا عليه، فمن فقد أحد هذه الشّروط لا يجب عليه الحجّ ولا يكون مطالبا به، وهذا الشّروط خمسة هي‏:‏ الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرّيّة، والاستطاعة، وهي متّفق عليها بين العلماء، قال الإمام ابن قدامة في المغني‏:‏ لا نعلم في هذا كلّه اختلافا»‏.‏ الشّرط

الأوّل‏:‏ الإسلام‏:‏


9 - أ - لو حجّ الكافر ثمّ أسلم بعد ذلك تجب عليه حجّة الإسلام، لأنّ الحجّ عبادة، بل هو من أعظم العبادات والقربات، والكافر ليس من أهل العبادة‏.‏


ب - ولو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر، فإنّه لا أثر لها‏.‏

ج - وقد أجمع العلماء على أنّ الكافر لا يطالب بالحجّ بالنّسبة لأحكام الدّنيا، أمّا بالنّسبة للآخرة فقد اختلفوا في حكمه، هل يؤاخذ بتركه أو لا يؤاخذ‏.‏ وبيان ذلك في المصطلح الأصوليّ‏.‏


الشّرط الثّاني‏:‏ العقل‏:‏

10 - يشترط لفرضيّة الحجّ العقل، لأنّ العقل شرط للتّكليف والمجنون ليس مكلّفا بفروض الدّين، بل لا تصحّ منه إجماعا، لأنّه ليس أهلا للعبادة، فلو حجّ المجنون فحجّه غير صحيح، فإذا شفي من مرضه وأفاق إلى رشده تجب عليه حجّة الإسلام‏.‏ روى عليّ بن أبي طالب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يفيق، وعن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم‏}‏‏.‏

الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4401
خلاصة حكم المحدث: صحيح


الشّرط الثّالث‏:‏ البلوغ‏:‏

11 - يشترط البلوغ، لأنّ الصّبيّ ليس بمكلّف، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏{‏رفعت امرأة صبيّا لها فقالت‏:‏ يا رسول اللّه ألهذا حجّ ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ولك أجر‏}‏‏.


الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1336
خلاصة حكم المحدث: صحيح

‏ فلو حجّ الصّبيّ صحّ حجّه وكان تطوّعا، فإذا بلغ الصّبيّ وجب عليه حجّة الفريضة، بإجماع العلماء، لأنّه أدّى ما لم يجب عليه، فلا يكفيه عن الحجّ الواجب بعد البلوغ، لما روى ابن عبّاس قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا حجّ الصّبيّ فهي له حجّة حتّى يعقل، وإذا عقل فعليه حجّة أخرى، وإذا حجّ الأعرابيّ فهي له حجّة، فإذا هاجر فعليه حجّة أخرى‏}‏‏.‏



الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن خزيمة - الصفحة أو الرقم: 3050
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح




الشّرط الرّابع‏:‏ الحرّيّة‏:‏

12 - العبد المملوك لا يجب عليه الحجّ، لأنّه مستغرق في خدمة سيّده، ولأنّ الاستطاعة شرط ولا تتحقّق إلاّ بملك الزّاد والرّاحلة، والعبد لا يتملّك شيئا، فلو حجّ المملوك ولو بإذن سيّده صحّ حجّه وكان تطوّعا لا يسقط به الفرض، ويأثم إذا لم يأذن له سيّده بذلك‏.‏ ويجب عليه أن يؤدّي حجّة الإسلام عندما يعتق، للحديث السّابق‏.‏


الشّرط الخامس‏:‏ الاستطاعة‏:‏

13 - لا يجب الحجّ على من لم تتوفّر فيه خصال الاستطاعة لأنّ القرآن خصّ الخطاب بهذه الصّفة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا‏}‏‏.‏

وخصال الاستطاعة الّتي تشترط لوجوب الحجّ قسمان‏:‏ شروط عامّة للرّجال والنّساء، وشروط تخصّ النّساء‏.‏



القسم الأوّل‏:‏ شروط عامّة للرّجال والنّساء

شروط الاستطاعة العامّة أربع خصال‏:‏ القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب، وصحّة البدن، وأمن الطّريق، وإمكان السّير‏.‏

الخصلة الأولى

14 - تشترط لوجوب الحجّ القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب، والنّفقة ذهابا وإيابا عند الجمهور ومنهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، ويختصّ اشتراط القدرة على آلة الرّكوب بمن كان بعيدا عن مكّة‏.‏

قال في ‏"‏ الهداية ‏"‏‏:‏ وليس من شرط الوجوب على أهل مكّة ومن حولها الرّاحلة لأنّه لا تلحقهم مشقّة زائدة في الأداء، فأشبه السّعي إلى الجمعة»‏.‏

والأظهر أنّ الّذي يكون عند الحنفيّة بعيدا عن مكّة هو‏:‏ من بينه وبين مكّة ثلاثة أيّام فصاعدا، أمّا ما دونه فلا، إذا كان قادرا على المشي ‏"‏ يعني مسافة القصر في السّفر‏.

‏ وتقدّر ب ‏(‏81‏)‏ كيلو متر تقريبا‏.

‏ أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فهو من كان بينه وبين مكّة مرحلتان، وهي مسافة القصر عندهم‏.
‏ وتقدّر عندهم بنحو المسافة السّابقة‏.‏




15 - وقد وقع الخلاف بين العلماء في شرطيّة الزّاد وآلة الرّكوب لوجوب الحجّ، وكانوا يركبون الدّوابّ‏.‏

لذلك عبّروا بقولهم‏:‏ الزّاد والرّاحلة ‏"‏ وهي الجمل المعدّ للرّكوب لأنّه المعروف في زمانهم‏.

وهذا الخلاف في أمرين‏:

الأمر الأوّل‏:‏ خالف المالكيّة الجمهور في اشتراط القدرة على الرّاحلة وإن كانت المسافة بعيدة فقالوا‏:‏ يجب عليه الحجّ إذا كان صحيح البنية يقدر على المشي بلا مشقّة عظيمة، وهو يملك الزّاد‏.‏

واستدلّ المالكيّة بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا‏}‏‏.‏

وجه الاستدلال أنّ ‏"‏ من كان صحيح البدن قادرا على المشي وله زاد فقد استطاع إليه سبيلا فيلزمه فرض الحجّ»‏.‏

واستدلّ الجمهور بما ورد من الأحاديث الكثيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه فسّر السّبيل باستطاعة الزّاد والرّاحلة، مثل حديث أنس‏:‏ ‏{‏قيل يا رسول اللّه ما السّبيل ‏؟‏ قال‏:‏ الزّاد والرّاحلة‏}‏‏.

‏ فقد فسّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الاستطاعة المشروطة ‏"‏ بالزّاد والرّاحلة جميعا ‏"‏ وبه تبيّن أنّ القدرة على المشي لا تكفي لاستطاعة الحجّ»‏.‏



الأمر الثّاني‏:‏ اختلف العلماء في الزّاد ووسائل المواصلة هل يشترط ملكيّة المكلّف لما يحصّلها به أو لا يشترط ‏؟

‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ ملك ما يحصّل به الزّاد ووسيلة النّقل ‏(‏مع ملاحظة ما ذكرنا عند المالكيّة‏)‏ شرط لتحقّق وجوب الحجّ، وفي هذا يقول ابن قدامة‏:‏ ولا يلزمه الحجّ ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعا بذلك، سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيّا، وسواء بذل له الرّكوب والزّاد، أو بذل له مالا»‏.

‏ وذهب الشّافعيّ فيما يروى عنه إلى أنّه يجب الحجّ بإباحة الزّاد والرّاحلة إذا كانت الإباحة ممّن لا منّة له على المباح له، كالوالد إذا بذل الزّاد والرّاحلة لابنه‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g
شروط الزّاد وآلة الرّكوب

16 - ذكر العلماء شروطا في الزّاد وآلة الرّكوب المطلوبين لاستطاعة الحجّ، هي تفسير وبيان لهذا الشّرط، نذكرها فيما يلي‏:‏


أ - أنّ الزّاد الّذي يشترط ملكه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وإيابه من مأكول ومشروب وكسوة بنفقة وسط لا إسراف فيها ولا تقتير، فلو كان يستطيع زادا أدنى من الوسط الّذي اعتاده لا يعتبر مستطيعا للحجّ، ويتضمّن اشتراط الزّاد أيضا ما يحتاج إليه من آلات للطّعام والزّاد ممّا لا يستغني عنه‏.‏

واعتبر المالكيّة القدرة على الوصول إلى مكّة، ولو بلا زاد وراحلة لذي صنعة تقوم به، ولا تزري بمثله، أمّا الإياب فلا يشترط القدرة على نفقته عندهم إلاّ أن يعلم أنّه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه ولو شكّا، فيراعى ما يبلّغه ويرجع به إلى أقرب المواضع لمكّة، ممّا يمكنه أن يعيش به بما لا يزري به من الحرف‏.‏



ب - صرّح الفقهاء بأنّه يشترط في الرّاحلة أن تكون ممّا يصلح لمثله إمّا بشراء أو بكراء‏.
‏ وعند المالكيّة ‏"‏ لا يعتبر إلاّ ما يوصّله فقط ‏"‏، إلاّ أن يكون عليه مشقّة فادحة فيخفّف عنه بما تزول به المشقّة الفادحة‏.‏ وهذا المعنى ملحوظ عند غيرهم فيما يصلح لمثلة إذا كان يشقّ عليه مشقّة شديدة فيخفّف عنه بما يزيلها‏.



ج - إن ملك الزّاد ووسيلة النّقل يشترط أن يكون فاضلا عمّا تمسّ إليه الحاجة الأصليّة مدّة ذهابه وإيابه، عند الجمهور‏.‏ أمّا المالكيّة فاعتبروا ما يوصّله فقط، إلاّ أن يخشى الضّياع، وهو بناء على وجوب الحجّ على الفور عندهم‏.‏ وفي هذا تفصيل نوضّحه في الأمور الّتي تشملها الحاجة الأصليّة‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


خصال الحاجة الأصليّة

17 - خصال الحاجة الأصليّة ثلاث‏:‏

أ - نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدّة ذهابه وإيابه عند الجمهور ‏(‏خلافا للمالكيّة كما نوضّح في الخصلة التّالية‏)‏، لأنّ النّفقة حقّ للآدميّين، وحقّ العبد مقدّم على حقّ الشّرع‏.

‏ لما روى عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ ‏{‏كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت‏}‏‏.‏



الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 989
خلاصة حكم المحدث: صحيح



ب - ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، وممّا لا بدّ لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الاعتدال المناسب له في ذلك كلّه، عند الجمهور خلافا للمالكيّة أيضا‏.‏

وقال المالكيّة في هاتين الخصلتين‏:‏
يبيع في زاده داره الّتي تباع على المفلس وغيرها ممّا يباع على المفلس من ماشية وثياب ولو لجمعته إن كثرت قيمتها، وخادمه، وكتب العلم ولو محتاجا إليها‏.‏

وإن كان يترك ولده وزوجته لا مال لهم، فلا يراعي ما يؤول إليه أمره وأمر أهله وأولاده في المستقبل، وإن كان يصير فقيرا لا يملك شيئا، أو يترك أولاده ونحوهم للصّدقة، إن لم يخش هلاكا فيما ذكر أو شديد أذى»‏.

وهذا لأنّ الحجّ عندهم واجب على الفور كما قدّمنا‏.‏




ج - قضاء الدّين الّذي عليه، لأنّ الدّين من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصليّة، فهو آكد، وسواء كان الدّين لآدميّ أو لحقّ اللّه تعالى كزكاة في ذمّته أو كفّارات ونحوها‏.
‏ فإذا ملك الزّاد والحمولة زائدا عمّا تقدّم - على التّفصيل المذكور - فقد تحقّق فيه الشّرط، وإلاّ بأن اختلّ شيء ممّا ذكر لم يجب عليه الحجّ‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


18 - ويتعلّق بذلك فروع نذكر منها‏:‏


أ - من كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته، بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته من الدّار الواسعة لوفّى ثمنه للحجّ يجب عليه البيع عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.
‏ ولا يجب عليه بيع الجزء الفاضل عند الحنفيّة‏.‏


ب - كذلك لو كان مسكنه نفيسا يفوق على مثله لو أبدل دارا أدنى لو في تكاليف الحجّ يجب عليه عند الثّلاثة، ولا يجب عند الحنفيّة‏.‏


ج - من ملك بضاعة لتجارته هل يلزمه صرف مال تجارته للحجّ ‏؟
‏ ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط لوجوب الحجّ بقاء رأس مال لحرفته زائدا على نفقة الحجّ، ورأس المال يختلف باختلاف النّاس، والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر، لأنّه لا نهاية له‏.
‏ وعند الشّافعيّة قولان‏:‏ الأصحّ أنّه يلزمه صرف مال تجارته لنفقة الحجّ ولو لم يبق له رأس مال لتجارته‏.‏
وهو مذهب المالكيّة كما سبق نقل كلامهم‏.‏




د - إذا ملك نقودا لشراء دار يحتاج إليها وجب عليه الحجّ إن حصلت له النّقود وقت خروج النّاس للحجّ، وإن جعلها في غيره أثم‏.‏
أمّا قبل خروج النّاس للحجّ فيشتري بالمال ما شاء، لأنّه ملكه قبل الوجوب على ما اختاره ابن عابدين‏.‏




هـ - من وجب عليه الحجّ وأراد أن يتزوّج وليس عنده من المال إلاّ ما يكفي لأحدهما، ففيها التّفصيل الآتي‏:‏
1 - أن يكون في حالة اعتدال الشّهوة، فهذا يجب عليه تقديم الحجّ على الزّواج عند الجمهور، إذا ملك النّفقة في أشهر الحجّ، أمّا إن ملكها في غيرها فله صرفها حيث شاء‏.‏
أمّا الشّافعيّة فالصّحيح عندهم أنّه يلزمه الحجّ ويستقرّ في ذمّته، وله صرف المال إلى النّكاح وهو أفضل‏.‏




2 - أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزّنى، فهذا يكون الزّواج في حقّه مقدّما على الحجّ اتّفاقا‏.

و - قال ابن عابدين في حاشيته‏:‏ تنبيه‏:‏ ليس من الحوائج الأصليّة ما جرت به العادة المحدثة لرسم الهديّة للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحجّ لعجزه عن ذلك‏.‏‏.‏‏.‏»‏.
‏ وهذا لا يتصوّر فيه خلاف بعد ما ذكرناه، وهو يدلّ على إثم من أخّر الحجّ بسبب هذه التّقاليد الفاسدة‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


الخصلة الثّانية للاستطاعة‏:‏ صحّة البدن


19 - إنّ سلامة البدن من الأمراض والعاهات الّتي تعوق عن الحجّ شرط لوجوب الحجّ‏.
‏ فلو وجدت سائر شروط وجوب الحجّ في شخص وهو مريض زمن أو مصاب بعاهة دائمة، أو مقعد أو شيخ كبير لا يثبت على آلة الرّكوب بنفسه فلا يجب عليه أن يؤدّي بنفسه فريضة اتّفاقا‏.
لكن اختلفوا هل صحّة البدن شرط لأصل الوجوب

أو هي شرط للأداء بالنّفس‏:‏ ذهب الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أنّ صحّة البدن ليست شرطا للوجوب، بل هي شرط للّزوم الأداء بالنّفس، فمن كان هذا حاله يجب عليه الحجّ، بإرسال من ينوب عنه‏.‏

وقال الإمامان أبو حنيفة ومالك‏:
‏ إنّها شرط للوجوب، وبناء على ذلك لا يجب على فاقد صحّة البدن أن يحجّ بنفسه ولا بإنابة غيره، ولا الإيصاء بالحجّ عنه في المرض‏.‏
استدلّ الأوّلون‏:‏ بأنّه صلى الله عليه وسلم فسّر الاستطاعة بالزّاد والرّاحلة، وهذا له زاد وراحلة فيجب عليه الحجّ‏.‏

واستدلّ أبو حنيفة ومالك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من استطاع إليه سبيلا‏}‏ وهذا غير مستطيع بنفسه فلا يجب عليه الحجّ‏.


الكويتية PIC-883-1350061419.g
20 - وتفرّع على ذلك مسائل، نذكر منها‏:‏


أ - من كان قادرا على الحجّ بمساعدة غيره كالأعمى، وجب عليه الحجّ بنفسه إذا تيسّر له من يعينه، تبرّعا أو بأجرة، إن كان قادرا على أجرته، إذا كانت أجرة المثل، ولا يكفيه حجّ الغير عنه إلاّ بعد أن يموت‏.‏
ومن لم يستطع الحجّ بنفسه بمساعدة غيره وجب عليه أن يرسل غيره، ليحجّ عنه‏.‏

ويجب على المريض أن يوصي بالحجّ عنه بعد موته‏.‏ هذا على مذهب الصّاحبين والجمهور‏.

‏ أمّا على مذهب أبي حنيفة فلا يجب عليه شيء، لأنّ الحجّ غير واجب عليه‏.‏ أمّا المالكيّة فقد وافقوا الجمهور في هذه المسألة، لكن على أساس مذهبهم في مسألة الرّكوب السّابقة ‏(‏فقرة 15‏)‏ وأوجبوا عليه المشي إن كان يقدر على المشي‏.‏



ب - إذا وجدت شروط الحجّ مع صحّة البدن فتأخّر حتّى أصيب بعاهة تمنعه من الحجّ ولا يرجى زوالها فالحجّ واجب عليه اتّفاقا، ويجب عليه أن يرسل شخصا يحجّ عنه باتّفاق العلماء‏.

‏ أمّا إذا أصيب بعاهة يرجى زوالها فلا تجوز الإنابة، بل يجب عليه الحجّ بنفسه عند زوالها عنه‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g
الخصلة الثّالثة‏:‏ أمن الطّريق


21 - أمن الطّريق يشمل الأمن على النّفس والمال، وذلك وقت خروج النّاس للحجّ، لأنّ الاستطاعة لا تثبت دونه‏.‏

ووقع الخلاف في أمن الطّريق كما في صحّة البدن‏:
‏ فمذهب المالكيّة والشّافعيّة ورواية أبي شجاع عن أبي حنيفة ورواية عن أحمد أنّه شرط الوجوب‏.‏
لأنّ الاستطاعة لا تتحقّق بدون أمن الطّريق‏.‏
وفي رواية أخرى عند أبي حنيفة وأحمد، وهو الأصحّ عند الحنفيّة ورجّحه المتأخّرون من الحنفيّة والحنابلة أنّ أمن الطّريق شرط للأداء بالنّفس لا لأصل الوجوب‏.‏
واستدلّوا بنحو أدلّتهم في إيجاب الحجّ على من فقد شرط صحّة البدن‏.‏ وعلى هذا المذهب الأخير من استوفى شروط الحجّ عند خوف الطّريق فمات قبل أمنه يجب عليه أن يوصي بالحجّ‏.‏

أمّا إذا مات بعد أمن الطّريق فتجب عليه الوصيّة بالحجّ عنه اتّفاقا‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g
الخصلة الرّابعة‏:‏ إمكان السّير

22 - إمكان السّير أن تكمل شرائط الحجّ في المكلّف والوقت متّسع يمكنه الذّهاب للحجّ‏.

‏ وهذا شرط لأصل الوجوب عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، وشرط للأداء عند الحنابلة‏.‏
وعبّر الحنفيّة عن هذا الشّرط بالوقت‏.‏ وجعله بعضهم شرطا مفردا من شرائط وجوب الحجّ‏.‏
وفسّروا هذا الشّرط بأنّه أشهر الحجّ، أو وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبلها، فلا يجب الحجّ إلاّ على القادر فيها، أو في وقت خروجهم‏.‏
وفسّر غيرهم إمكان السّير بوقت الخروج للحجّ‏.‏

الكويتية PIC-883-1350061419.g

23 - واستدلّ الجمهور على أنّ إمكان السّير شرط لوجوب الحجّ بالآتي‏:‏

أ - أنّ إمكان السّير من لواحق الاستطاعة وهي شرط لوجوب الحجّ‏.‏

ب - أنّ ذلك بمنزلة دخول وقت الوجوب، كدخول وقت الصّلاة، فإنّها لا تجب قبل وقتها، إلاّ أنّ ذلك يختلف باختلاف البلدان، فيعتبر وقت الوجوب في حقّ كلّ شخص عند خروج أهل بلده، فالتّقييد بأشهر الحجّ في الآية إنّما هو بالنّسبة إلى أهل أمّ القرى ومن حولها، وللإشعار بأنّ الأفضل أن لا يقع الإحرام فيما قبلها على مقتضى قواعد الحنفيّة من أنّ الإحرام شرط، خلافا للشّافعيّة من أنّه لا يجوز الإحرام قبل الأشهر لكونه ركنا»‏.

‏ واستدلّ الحنابلة على أنّ إمكان السّير شرط للّزوم أداء الحجّ بنفسه بأنّه يتعذّر الأداء دون القضاء، كالمرض المرجوّ برؤه، وعدم الزّاد والرّاحلة يتعذّر معه الجميع‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g
القسم الثّاني‏:‏ الشّروط الخاصّة بالنّساء

24 - ما يخصّ النّساء من شروط الاستطاعة شرطان لا بدّ منهما لكي يجب الحجّ على المرأة يضافان إلى خصال شرط الاستطاعة الّتي ذكرناها‏.

‏ هذان الشّرطان هما‏:‏ الزّوج أو المحرم، وعدم العدّة‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


أوّلا‏:‏ الزّوج أو المحرم الأمين

25 - يشترط أن يصحب المرأة في سفر الحجّ زوجها أو محرم منها، إذا كانت المسافة بينها وبين مكّة ثلاثة أيّام، وهي مسيرة القصر في السّفر، وإلى هذا ذهب الحنفيّة والحنابلة‏.‏

واستدلّوا بحديث ابن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏لا تسافر المرأة ثلاثا إلاّ ومعها ذو محرم‏}‏‏.‏


الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1338
خلاصة حكم المحدث: صحيح




وتوسّع الشّافعيّة والمالكيّة فسوّغوا الاستبدال بالمحرم‏:
‏ ذهب الشّافعيّة إلى أنّها إن وجدت نسوة ثقات‏:‏ اثنتين فأكثر تأمن معهنّ على نفسها كفى ذلك بدلا عن المحرم أو الزّوج بالنّسبة لوجوب حجّة الإسلام على المرأة‏.‏

وعندهم ‏"‏ الأصحّ أنّه لا يشترط وجود محرم لإحداهنّ، لأنّ الأطماع تنقطع بجماعتهنّ‏.

‏ فإن وجدت امرأة واحدة ثقة فلا يجب عليها الحجّ، لكن يجوز لها أن تحجّ معها حجّة الفريضة أو النّذر، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفرض أو النّذر إذا أمنت‏.‏

وزاد المالكيّة توسّعا فقالوا‏:‏ المرأة إذا لم تجد المحرم أو الزّوج ولو بأجرة تسافر لحجّ الفرض أو النّذر مع الرّفقة المأمونة، بشرط أن تكون المرأة بنفسها هي مأمونة أيضا‏.

‏ والرّفقة المأمونة جماعة مأمونة من النّساء، أو الرّجال الصّالحين‏.‏ قال الدّسوقيّ‏:‏ وأكثر ما نقله أصحابنا اشتراط النّساء»‏.

‏ أمّا حجّ النّفل فلا يجوز للمرأة السّفر له إلاّ مع الزّوج أو المحرم فقط اتّفاقا، ولا يجوز لها السّفر بغيرهما، بل تأثم به‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


نوع الاشتراط للمحرم
26 - اختلفوا في الزّوج أو المحرم هل هو شرط وجوب أو شرط للزوم الأداء بالنّفس‏:‏ ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم وهو رواية عن أبي حنيفة إلى أنّ المحرم شرط لوجوب الحجّ، ويحلّ محلّه عند فقده الرّفقة المأمونة عند الشّافعيّة والمالكيّة على الوجه الّذي ذكرناه‏.
‏ والرّاجح عند الحنفيّة أنّ الزّوج أو المحرم شرط للّزوم الأداء بالنّفس‏.‏ وأدلّة الفريقين هي ما سبق الاستدلال به في صحّة البدن وأمن الطّريق ‏(‏ف 19 و 21‏)‏‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


المحرم المشروط للسّفر

27 - المحرم الأمين المشروط في استطاعة المرأة للحجّ هو كلّ رجل مأمون عاقل بالغ يحرم عليه بالتّأبيد التّزوّج منها سواء كان التّحريم بالقرابة أو الرّضاعة أو الصّهريّة‏.‏‏.‏‏.
‏ ونحو ذلك يشترط في الزّوج عند الحنفيّة والحنابلة بزيادة شرط الإسلام في المحرم‏.
‏ وقال المالكيّة بذلك في حقيقة المحرم لكن لا يشترط في المحرم البلوغ بل التّمييز والكفاية‏.
‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ يكفي المحرم الذّكر، وإن لم يكن ثقة فيما يظهر، لأنّ الوازع الطّبيعيّ أقوى من الشّرعيّ، إذا كان له غيرة تمنعه أن يرضى بالزّنى»‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g
فروع تتعلّق بالمسألة

28 - أ - يشترط لوجوب الحجّ على المرأة أن تكون قادرة على نفقة نفسها ونفقة المحرم إن طلب منها النّفقة، لأنّه يستحقّها عليها عند الحنفيّة‏.‏
وكذلك عبّر بالنّفقة ابن قدامة من الحنابلة‏.‏ وعبّر المالكيّة والشّافعيّة وابن مفلح من الحنابلة بالأجرة‏.‏
والمراد أجرة المثل‏.‏
ولو امتنع المحرم عن الخروج إلاّ بأجرة لزمتها إن قدرت عليها، وحرم عليها الخروج مع الرّفقة المأمونة وهذا عند المالكيّة‏.‏
وأمّا عند الشّافعيّة فهي مخيّرة بين أن تكون في صحبة زوج أو محرم أو رفقة مأمونة‏.‏




ب - الزّوج إذا حجّ مع امرأته فلها عليه النّفقة، نفقة الحضر لا السّفر، وليس له أن يأخذ منها أجرا مقابل الخروج معها عند الحنفيّة، وهو ظاهر كلام الحنابلة، لأنّهم خصّوا المحرم بأخذ الأجرة‏.‏

وعند المالكيّة والشّافعيّة له أخذ الأجرة إذا كانت أجرة المثل‏.‏




ج - إذا وجدت محرما لم يكن للزّوج منعها من الذّهاب معه لحجّ الفرض، ويجوز أن يمنعها من النّفل عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.

‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ ليس للمرأة الحجّ إلاّ بإذن الزّوج فرضا كان أو غيره ‏"‏ لأنّ في ذهابها تفويت حقّ الزّوج، وحقّ العبد مقدّم، لأنّه فرض بغير وقت إلاّ في العمر كلّه، ‏"‏ فإن خافت العجز البدنيّ بقول طبيبين عدلين لم يشترط إذن الزّوج»‏.

‏ واستدلّ الجمهور بأنّ حقّ الزّوج لا يقدّم على فرائض العين كصوم رمضان، فليس للزّوج منع زوجته منه، لأنّه فرض عين عليها‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g
ثانيا‏:‏ عدم العدّة

29 - يشترط ألا تكون المرأة معتدّة عن طلاق أو وفاة مدّة إمكان السّير للحجّ، وهو شرط متّفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه‏.

‏ والدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى نهى المعتدّات عن الخروج من بيوتهنّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة‏}‏

[الطلاق: من الآية1]


والحجّ يمكن أداؤه في وقت آخر، فلا تلزم بأدائه وهي في العدّة‏.‏ وقد عمّم الحنفيّة هذا الشّرط لكلّ معتدّة سواء كانت عدّتها من طلاق بائن أو رجعيّ، أو وفاة، أو فسخ نكاح‏.‏

ونحو ذلك عند المالكيّة‏.‏

وفصّل الحنابلة فقالوا‏:‏ لا تخرج المرأة إلى الحجّ في عدّة الوفاة، ولها أن تخرج إليه في عدّة الطّلاق المبتوت، وذلك لأنّ لزوم البيت فيه واجب في عدّة الوفاة، وقدّم على الحجّ لأنّه يفوت، والطّلاق المبتوت لا يجب فيه ذلك‏.‏

وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النّكاح، لأنّها زوجة‏.

‏ ونحو ذلك عند الشّافعيّة، فقد صرّحوا بأنّ للزّوج أن يمنع المطلّقة الرّجعيّة للعدّة، وذلك لأنّه يحقّ للزّوج عندهم منعها عن حجّة الفرض في مذهبهم‏.‏



30 - ثمّ اختلف الحنفيّة في عدم العدّة‏:‏ هل هو شرط وجوب أو شرط أداء، والأظهر أنّه شرط للزوم الأداء بالنّفس‏.‏
أمّا عند الجمهور فهو شرط للوجوب‏.‏


الكويتية PIC-883-1350061419.g


فروع

31 - لو خالفت المرأة وخرجت للحجّ في العدّة صحّ حجّها، وكانت آثمة‏.‏

ب - إن خرجت من بلدها للحجّ وطرأت عليها العدّة ففيها تفصيل عند الحنفيّة‏:‏ إن طلّقها زوجها طلاقا رجعيّا تبعت زوجها، رجع أو مضى، لم تفارقه، والأفضل أن يراجعها‏.‏
وإن كان بائنا أو مات عنها فإن كان إلى منزلها أقلّ من مدّة السّفر وإلى مكّة مدّة سفر فإنّه يجب أن تعود إلى منزلها، وإن كانت إلى مكّة أقلّ مضت إلى مكّة، وإن كانت إلى الجانبين أقلّ من مدّة السّفر فهي بالخيار إن شاءت مضت، وإن شاءت رجعت إلى منزلها سواء كانت في المصر أو غيره، وسواء كان معها محرم أو لا، إلاّ أنّ الرّجوع أولى‏.‏
وإن كان من الجانبين مدّة سفر فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج بغير محرم بلا خلاف، وإن كان ذلك في مفازة أو قرية لا تأمن على نفسها ومالها فلها أن تمضي إلى موضع الأمن ثمّ لا تخرج منه حتّى تمضي عدّتها‏.
‏ ونحوه عند الحنابلة‏:‏ قال في المغني‏:‏ وإذا خرجت للحجّ فتوفّي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتدّ في منزلها، وإن تباعدت مضت في سفرها»‏.
‏ وقال المالكيّة‏:‏ إذا خرجت مع زوجها لحجّ الفريضة فمات أو طلّقها في ثلاثة أيّام أو نحوها أنّها ترجع إذا وجدت ثقة ذا محرم، أو ناسا لا بأس بهم‏.
‏ وإن بعدت أو كانت أحرمت أو أحرمت بعد الطّلاق أو الموت، وسواء أحرمت بفرض أو نفل أو لم تجد رفقة ترجع معهم فإنّها تمضي‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏
وفي حجّ التّطوّع‏:‏ ترجع لتتمّ عدّتها في بيتها إن علمت أنّها تصل قبل انقضاء عدّتها، إن وجدت ذا محرم أو رفقة مأمونة‏.‏
وإلاّ تمادت مع رفقتها‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ أمّا الشّافعيّة فعندهم تفصيل في المسألة كقولهم في مسألة إذن الزّوج في خروج الزّوجة للحجّ حتّى لو طرأت العدّة بعد الإحرام‏:‏ إذا خرجت بغير إذنه فله منعها وتحليلها، وإن خرجت بإذنه فليس له منعها ولا تحليلها‏.‏




الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج
الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج
الموسوعة الفقهية الكويتية - آداب السفر للحج

كتبت : * أم أحمد *
-
أثابكِ الله أعالي الجنان
وجعلكِ في جنة عرضها السموات والأرض
ما شاء الله موضوع شامل ووافي
ونافع للحجاج الوافدين للديار المقدسه
أختي كما تنورين أقسامنا بمواضيعكِ النافعه
نوّر الله قلبكِ بنور الطاعات
وتقبلي كل ودي مع عبير الورود ...~
كتبت : سنبلة الخير .
-
طرح مميز
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
جعل الله ما قدمتي في موازين حسناتك
لاحرمت الاجر

التالي

شروط صحّة الحجّ

السابق

التكبير المقيد والتكبير المطلق

كلمات ذات علاقة
لأخي , آداب , الموسوعة , السفر , الفقهية , الكويتية