قصة قصيرة بعنوان نور القدر

مجتمع رجيم / القصص الإخبارية
كتبت : همس الربيع
-
PIC-717-1352759725.g

عزيزاتى عضوات المنتدى الغاليات ، أقدم لكم اليوم ، رواية عجبتني كتير من احد المنتديات بعنوان" نور القدر"


ِ.~ نور القدر ~.

قصة تحكي عن فتاة ، تدعى حبيبة ، تعيش في الغربة ، وتواجهها مغامراتٌ عديدة ، سواء معنوية أو واقعية

جيم ؟ أحمد ؟ ادوارد ؟ حنان ؟.............. كلها شخصيات ، كونت هذه الرواية بكل أحداثها .

أتمنى أن تعيشوها معي كما عشت قرائتها بشغف









الفصل الأول


ـــــــــــــــــــــــــ
دَخَلَتْ إلى قاعة المحاضرة , وانْتَظَرَت بصبر انتهاء الطبيب من الحديث .. لتعود لمنزلها بعد ارهاق يومٍ طويل , تنقّلت فيه بين عدة محاضرات , وبعد خروجها


, استوقف الطبيب((طبيب الجامعة)) صديقتها حنان التي اشارت لها بتحية سريعة مودّعة , ذهبت حنان لترى ما يريد الطبيب منها , سألها :
-آنسة حنان , أريد أن أستفسر عن صديقتك "حبيبة" ,,؟؟ لماذا تغيبت طوال هذه الفترة ؟؟ وبعدها تعود متعبة هكذا وهبط مستواها بشكلٍ كبير ؟؟



ابتسمت حنان , ودائماً ما تبتسم عندما ينطق مواطني كاليفورنيا اسمائهم العربية بهذا الشكل "هنان" أو "هبيبة" .. طبعا حرف الحاء ينطقونه "هاء" ..
وأطلت من عينيها نظرات تأسف , وقالت للطبيب :
-انها حالة مؤقتة , أنا واثقة , فقد مرت بظروف صعبة قبل أيام .. لكنها مثابرة وقوية العزيمة وستتعدى الامر مع الوقت ..

-أتمر بأزمة عائلية أو ما شابه ذلك ؟

-بل الأزمة , هي انها فقدت عائلتها ,, أمها المطلقة تعيش في موطنها , ووالدها توفي قبل ايام , وتركها هنا , وأنت تعرف أننا في بلدٍ أجنبي , كلٌ منا تواجد هنا لظروفٍ مختلفة .. فهي وحيدة الآن ..
-نعم ... أقدر هذا ,, شكراً لك يا آنسة حنان على وقتك , كان الله في عونها , لكنها فتاة مجتهدة ,. أشعر بالأسى عند تراجع أي طالبٍ عندي .. أتمنى لكما التوفيق ,, عذراً... سأنصرف الآن ..

-شكراً لك أستاذ "ادوارد" ,, وداعاً ..
سارت حنان في ممرات الجامعة , وهي تأمل أن تعود "حبيبة " ,صديقتها الوحيدة والحبيبة, كما كانت , لكنها كانت واثقة من أنه لا شيء قد يقف أمام قوة ايمانها ومثابرتها .. فهي دائماً قدوتها و اقرب الناس لقلبها ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


أما عن "حبيبة " , فبعد وصولها لمنزلها الصغير , دلفت للمنزل بخطواتٍ بطيئة , وكأنها تترنح في مشيها , كانت مرهقة بحق ,, ومن كل النواحي , لم تعد تنام جيداً , بعد أن أصيبت بنوعٍ من الأرق , فصارت تدرس وتصلي ليلاً وتدعوا الله أن يطمئن قلبها ..

استلقت على فراشها وهي مازالت تفكر في حالها , وكم هي ممتنة لصديقتها الوفيّة حنان , التي لم تتركها في أصعب أوقاتها , ومن المؤسف أنها ستسافر في الغد مع أسرتها لحضور مناسبة عائلية في موطنها , وهذا مما يزيد الطين عندها بلة .. فستبقى وحيدة تماماً ..

كانت الايام الماضية صعبة , كان والدها قاسياً جداً , ويجبرها على فعل اشياء لم تكن ترغب بها , كدراستها الحالية , والتي ستكملها رغماً عن أنفها رغم وفاة والدها , لأنها لا تريد تضييع دراسة ثلاث سنواتٍ سُدى ,, قضتهم مجبرة , وستكملهم كذلك ., وكان والدها من القسوة حيثُ طلّق والدتها , فاضطرت الأخيرة ُ للسفر وترك ابنتها تحت رعاية والدها , ولكنها على اتصال بحبيبة على الدوام...

بعد وفاة والدها , اقترحت والدتها عليها ان تأتي لتعيش معها الى أن تكمل دراستها , لكنها رفضت بسبب ظروف والدتها الصحية المتدهورة , وأنها لن تتمكن من الاعتناء بها بشكل جيد بسبب الدراسة المكثفة , وبدلاً من ان تحيط الام ابنتها بالرعاية , سيصبح العكس ,, لذا قررت انهاء هذه السنة الأخيرة , والعودة إلى وطنها وأهلها ..

حبيبة فتاة مؤمنة وملتزمة , ومحتفظة بحجابها على عكس زميلاتها الذين يجدون في التغرّب فرصة للتحرر من قيود الشرع والوطن , وتستعين بالله دوماً , و لا تهتم ما دامت توكلت على ربّها ,,
مرّت الأيام .. وبدأت نفسيتها تتحسن , وبدأت حبيبة تعود إلى شخصيتها القديمة , المعروفة بين زميلاتها .. ولكن الامر الذي كان يضايقها هو سفر حنان الذي قد يطول لمدة شهرين على الأكثر .. فقد اعتادت وجودها بالقرب منها ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اليوم , أنهت حبيبة امتحاناتها لأول الشهر ,وعادت إلى منزلها وهي سعيدة , لأنها راضيةٌ عن تقديمها لامتحاناتها , وتشعر بأنها لم تقصر تجاه دراستها كالسابق
, صلّت العصر , ثم تناولت وجبةً خفيفة , وذهبت لتتصل بوالدتها التي تنتظر منها طمأنة ً على احوالها ..
نسيت أن أذكر لكم , دخل حبيبة المادي , يعود لوالدها الذي ترك لها إرثاً قيّماً ,وشركات خلّفها والدها يديرها اقاربها في الوطن, ولديها عملٌ جانبي يوم الخميس
من كل اسبوعضربت اناملها رقم والدتها , وانتظرت طويلاً
واتصلت مرةً أخرى , وأخرى , لكن لا مجيب , حطّم القلق قلبها , وفجأة شعرت بصوتٍ ما حولها , فأغلقت الهاتف , واستدارت بخوف وقلق لترى مصدره ,جزمت بأنه قادم من الخارج , فلا يمكن أن يحدث من داخل المنزل بتاتاً ,, فهي وحدها ..
استعادت شيئاً من هدوئها , ورفعت سماعة الهاتف الى أذنها وأعادت الاتصال , وهي تحدث نفسها " أين أنت يا أمي , أسأل الله أن لا تكوني أصبت بمكروه "
, وكادت تقع من الفرح , إذ سمعت صوت والدتها على الطرف الآخر , وهي تجيب بصوتها الوقور الحنون :
:السلام عليكم ..
- وعليكم السلام أمي الحبيبة ..
- أهلاً بنيتي غاليتي .. أخبارك حبيبتي حبيبة ؟؟"
- الحمد لله , بخير حالٍ يا أماه ..
- هاه ..ما فعلتِ بامتحاناتك ؟؟
- الحمد لله اجتزتها بسهولة ..
- أسأل الله أن يوفقك ويحفظك ويعيدك لنا سالمةً عزيزتي ..

بينما هي تحدث والدتها إذ تسمع صوتاً قوياً مدوياً ..فارتعدت أوصالها وشهقت في خوف , فقد كان يبدو واضحاً أنه صوت رصاصة اخترقت الاجواء خارج المنزل ..
أدركت أنه هناك معركة ما , ولم َالعجب؟؟ , فهي في بلدٍ تباع بها الاسلحة للأطفال , لكنها المرة الاولى التي تسمع شيئاً كهذا في منطقتها , ..انتبهت حبيبة لوالدتها التي تهتف في قلق

"حبيبة ..حبيبة .؟؟؟"
- نعم يا أماه .. آه ..لقد حدث شيء ما ..
- ماذا هناك , ما هذا الصوت؟؟
- لا عليكِ يا أمي يبدو انه قادم من بعيد
-حفظك الله .. أنا قلقة عليكِ كثيراً ..
- لا داعي لذلك أمي , أنا بخير , ولن يصيبني مكروه بإذن الله..
-بإذن الله عزيزتي ..

حسناً امي .. سأتصل بك يوم السبت إن شاء الله ..
- حسناً حبيبتي , في حفظ الله ورعايته ..
انهت المحادثة وتوجهت للنافذة في قلق .. ونظرت خارجها , فرأت مجموعة من الرجال يحومون حول منزلها والمنازل القريبة, ما إن رأتهم حتى وضعت يدها
على فمها من الدهشة القلقة , فقد رأتهم مسلحين , وكلٌ منهم يجري في اتجاه , كما المطاردات في الأفلام ... تجاهلت الأمر , وجعلت تخاطب نفسها " لا علاقة لي بالامر , هذه البلد كريهة .. متى أعود للوطن؟؟" ..لكن ما أقلقها أن منزلها هو الوحيد الشاغر , فالمنازل حولها سافر أهلها وبعضها غير مستأجر , فقد أعدّت للطلاب والطالبات للدراسة أو للأسر الصغيرة , فكان منزلها يتوسط ثلاث منازل مهجورة .,.
توجهت لغرفتها و أحست بالملل الشديد , فقرأت بضع آياتٍ من القرآن , وصلت فرضها , وبعد ذلك استغرقت في النوم

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~



الفصل الثاني

~~جيم~~

في منتصف الليل , والقمر يتوسّطُ كبد السماء , وفي منطقة منزل حبيبة بالتحديد .. تحرك خمسة رجالٍ بملل , وشيّعهما خامسٌ ببصره من داخلِ سيارة ذو طرازٍ راقي ذات لونٍ أسود ,, ثم فتح بابها أخيراً وخرج منها هاتفاً :
" أريد أن أجده بأي طريقة ..!!"
هتف أحدهم ."لا أثر له يا سيدي "
" انه لم يغادر هذه المنطقة , لقد حاصرها سام و طوم وفريقهما , ولم يخرج منها بالتأكيد "
"اننا نبذل قصارى جهدنا يا سيد مات "
ثار مات بأعلى صوته وتحرك من جانب سيارته باتجاه الرجل في غضب :
"كم مرةً قلت لك أيها الحقير , لا تنطق اسمي على لسانك القذر مرةً أخرى .."
وأمسك الرجل من ياقته بعنف وأطاح به :
"اذكره مرةً أخرى و سأرسل فاتورة لأهلك بسعر رصاصة ،اخترقت دماغك الغبي .."
قال الرجل في ذعر :
"آسفٌ يا سيدي .. لن تتكرر ثانيةً ..أرجوك "
وانحنى أرضاً يطلب السماح من مات .. فرمقه الأخير بنظرة احتقارٍ بغيضة , وركب سيارته ,. وألقى ببعض الكلمات عبر نافذته التي فتحها قليلاً :
"لا أحد يغادر حتى ظهر الغد , وسأبلغكم حينها بالأوامر الجديدة , ابحثوا في كل شبر وكل سانتي متر , لا تتركوا أي شيء , حتى لو اضطررتم لاقتحام
المنازل .. افعلوا ذلك بلا تردد .."
تابعه الرجال بأنظارهم وهو يغادر المنطقة بسيارته .. وفور مغادرته , صاح الرجل الذي أخطأ بذكر اسم مات ,في غضب :
".تبــــاً....ذاك المتحذلق "
قال له أحدهم :
"هـــــــيه جاك .. لا تفقد أعصابك ,., الرجل الذي نبحث عنه مصابٌ وسنجده بسهولة "
جاك :
"ذاك الحقير , سأقتله فور رؤيته "
تابع جاك :
"كنت أظنه رجل أعمالٍ عادي ْ , يبدو أنه داهية ..كيف استطاع الفرار منا .. نحن رجال مات واطسون ..لو سمع رجال المافيا ذلك لاستهزءوا بنا "
قال رجل منهم :
"لو سمعك مات وأنت تذكر اسمه ثانيةً, لاضطرت عائلتك لدفع ثمن الرصاصة..."

" هاهاهاها , وتظنني أخشى منه ..ذلك الحقير ... لستُ خادماً عنده ليهينني بتلك الطريقة ..!!"

" ولماذا كنت ترتجف خوفاً أيها الذكي ؟؟؟ لدرجة انك جثوت تحت قدميه!!"

"هههههه ... ألم أخبرك أن لي تجربةً في التمثيل من قبل .. ثمّ إنني لم أشأ أن أفقد مصدر رزقي ..فقط"
وبينما هم في نقاشاتهم تلك ,, مرّ خيالٌ من خلفهم , لرجلٍ في أوائل الثلاثينات تقريباً , تسللّ من خلفهم في سرعةٍ وخفّة , دون أن ينتبه من هؤلاء المعتوهين أحد
, واتجه نحو أحد المنازل , ذات الشرفات المفتوحة من الخارج ، ذات السور القصير, حيث تسمح لمن بالخارج بالدخول إليها , بينما تكون مغلقةً من الداخل
بإحكام .. ...
وبمهارة حاول فتح الشرفة وحركها في قوة حتى لانت معه وانفتحت , فأسرع بالدخول إليها وأغلقها خلفه ليتنفّس الصعداء ..
كان يعلم ان هذه المنطقة لا يوجد بها الكثير من السكان , لذا لم يتوقع أن يتواجد أحدهم هنا .. لكنه ما أن رأى الأثاث , راوده الشك في وجود سكان بالمنزل ..

كان المنزل يغرق في سكونٍ وظلامٍ تامّيْن ,
تحرك في حذر , وهو يمسك ذراعه التي كان بها جرحٌ بسيط , جلس على الأريكة التي أمامه في بطىء , لم يكن يستطيع الرؤية بوضوح في الظلام الدامس الذي يغرق فيه المنزل , أراد أن يقوم من مكانه لكنه تعثّر فجأةً وبدون سابق انذار , ليُصدر صوتاً كفيلاً بإزعاج شخصٍ نائم ..
انتفض واقفاً , فقد سمع صوتاً يصدر من مكان مجاور .. يبدو أن المنزل لم يكن خالياً كما يعتقد .. ترى ماذا سيفعل الآن ..؟ وكيف سيكون موقفه ؟؟....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ِِ~~جيم~~
لم أكن أعرف كيف أتصرف في مثل هذا الموقف ..!! من المؤكد أنني سأكون في ورطةٍ الآن ,حين يراني ساكنو هذا المنزل , قد يصدر أحدهم صراخاً ,فينكشف أمري ,أو قد يعتقدونني لصاً , ويهاجمونني , وقد ...

"يا إلــــــهي ..!!!!!!!"

انطلقت هذه الكلمة من صوتٍ ملؤه الخــوف والرعب , التفتت في خوف وتوتر مماثل , لأراها ..
فتــاة .. يبدو أنها تعيش هنا بمفردها .. كانت تحدق فيّ برعبٍ وعينان متسعتان عن آخرهما , وفمٍ مفتوح من الصدمة , ووقفت أنا أحدق فيها بالمثل , لم أتوقع أن تعيش فتاة هنا .. لا أدري لماذا ؟ مع أنه شيء طبيعي لكنه ليس كذلك في مثل موقفي ..

عندما أفاقت قليلاً من الصدمة , تحسَّسَتْ رأسَها , >ربما ظنَّت أنها فقدت عقلها< ..و ركضت فزعةً ثم اغلقت عليها باب إحدى الغرف وعادت بعد قليل . لكنها لم تكن كما كانت قبل قليل... كان تضع عليها رداءا طويلا محتشما وتغطي شعرها بقطعةٍ ما ... تشبه ما تضعه النساء في القنوات العربية ..
صرخَت في غضب :

"من أنت ؟؟ "

حمدت الله أنني كنت أرتدي بذلة عملي , فمنذ أن حصل معي ذلك الحادث مع هؤلاء الاشرار , وأنا في مطاردة مستمرة معهم .. ولو كنت أرتدي شيئاً آخر لتأكدت أنني لص .. لكن يبدو أنها ذكية وشجاعة , بعكس ما توقعت , فها هي تواجهني بشجاعة .. لكن مهلاً , ذلك الشيء الذي وضعته فوق رأسها , .....صحيح
..يبدو أنها ....

" كيف دخلت إلى هنا أيها اللص ؟؟ من أنـــت ..؟؟ أنا أحدثك ؟؟ هذا منزلي , لا يحق لك اقتحام منازل الآخرين بهذا الشكل !!؟!"

قاطعتني بسيل الكلمات هذا .. بصراحة ، لا أدري ماذا أصابني وقتها , لقد كنت أقف كالــ >مسطول< .. وخرج مني السؤال هكذا بدون أي عقبات ..

"أنت مسلمة ؟؟"

طرحت سؤالي .. وانتظرت الجواب كالأبله ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~حبيبة~~~
لا أستطيع شرح موقفي , فقد كنت أكاد أموت قلقاً وخوفاً من ذاك الصوت الذي سمعته من داخل منزلي , وبعد أن استجمعت شجاعتي ,
انصدمت بوجود ذلك الشخص في ردهتي الصغيرة ...
, لم أكن أرتدي حجابي , إذ لم أتوقع أن يحدث ما يحدث أبداً
,, ولكن ذلك الشخص يبدو من مظهره أنه ليس لصاً,,

لكن كيف يجرؤ على اقتحام المنازل هكذا ؟؟ ... القانون يعاقب على هذا بالتأكيد ..
عندما دخلت غرفتي كنت أبحث عن وسيلة اتصال كي اتصل بالشرطة , لكنني تذكرت أن هاتفي المحمول في الردهة والهاتف الآخر كذلك ..!
كنت واثقة من قدرتي على مواجهته , فأنا بطبيعة الحال لست جبانة , فأنا لا أخشى أحداً مثله , لكن ماذا لو كان يحمل ....سلاحــاً؟؟!!!!!!!
واجهته بسيل كلماتي التهديدية , لكنني صعقت بسؤاله الغريب ، الذي ألقاه وكأنه سيّد الموقف , غير مبالٍ لما قلته صارخةً به قبل قليل ..
.................................................. ...................
~~جيم ~~
خرج سؤالي هكذا لا شعورياً , تعلمون .. قد يصدر من الانسان أحياناً أفعال وأقوال لا شعورياً ..
وقفت الفتاة برهةً تنظر باندهاش ٍ حيران ..تأمّلتها للحظات , وكأن المجال مفتوح لي ,, ..
كان وجهها صافياً ويشوبه بعض السمار , او بالاحرى ، قمحياً يميل الى البياض .. كانت من نوعية الناس الذي اذا نظرت الى وجوههم احسست بالراحة تجاههم , وشعرت بالهدوء والامان .. أتعرفون ذلك النوع من الناس؟؟
وأكبر دليلٍ هو هدوئي في ذلك الموقف واقوالي الغير مناسبة .. وإلا بم تفسرون ما فعلت , بدلا من أبدأ بشرح موقفي ؟؟؟؟؟؟

لا اعلم ..ولكن هؤلاء الناس تشعر نحوهم بجاذبية تجعلك تتمنى مرافقتهم ومصاحبتهم على الطوال..
لا تتوقعوا انني >فصفصت< شخصيتها وملامحها في هذه الثواني , لكنني اصف لكم انطباعاتي اول ما رأيتها .. وتلك المصادفة في الموقف الذي لا أحسد عليه ..
تنبهت إلى صوتها الذي يقول في هدوء :

" نعم , أنا مسلمة ..."

قلت بسرعة :

"أووه ..كما توقعت .."

عادت تقول بأسرع مما قلت :

"لكن من أنت .. لا أظن أنك لصٌ أو ماشابه ذلك !! , هل لك علاقة بالازعاج المستمر منذ الصباح في المنطقة ؟؟ وكيف تقتحم منزلي هكذا؟؟؟بل كيف دخلت إلى هنا ؟ ألا تعلم أن هذا مخالف للقانون ؟؟؟ ماذا تريد ؟؟؟؟"

قلت مترجيّاً:

" أنا لست لصاً , أرجوكِ .. أنا أطلب منك حمايتي لبعض الوقت , اسمحي لي بالمكوث لبعض الوقت..فقط ..وسأشرح لك كل شيء "

تطلعت حولها في تفكير وحيرة .. ثم عادت تنظر إليّ قائلةً :

"حسناً..."

جلست على الأريكة بارتياح ... وتنهدت في عمق ... قائلاً في امتنان :

"شكرا لك يا آنسة .."

قالت لي متسائلة :

"من أنت بالضبط ؟"

تنهدت ثانيةً .. ثمّ قلت في هدوء رغبةً في توضيح الصورة :

"أنا جيم واطسون , رجل أعمال , أدير شركة "فاست ديب" للاستيراد والتصدير .. .."

قبل أن أكمل حديثي ..لمحت أمارات الاستنكار والدهشة على وجهها , فأسرعت أكمل بدون ترتيب للكلام .:

" لقد تعرضت لمحاولة قتلٍ مدَبّرٍ هذا الصباح , لاكتشافي احداثاً رهيبة تحدث في المدينة .. لكن أولئك الأشرار لم يدعوا لي الفرصة حتى للتفكير , وأسرعوا بمحاولة التكتّم علي"

صمتتُ ولم أكمل حديثي , متأملاً أن يصدر منها أي تعقيبٍ أو تعليق ,, لكنها بقيت صامتةً .. فأكملت :

" ولحقوا بي صباح اليوم , من منزلي مطاردةٍ بالسيارات , إلى أن وصلت إلى هذا الحيّ المليء بالمنازل , فأخفيت سيارتي وخرجت سيراً على الأقدام , .. لكنهم لحقوا بي , وهكذا إلى أن وصلت لمنزلك هنا , .."

لم تنفرج شفتاها عن أي حرف .. تابعت :

"أنا آسفٌ حقاً لما فعلت ,, لكن لم يكن أمامي حلٌّ آخر .. أنا حقاً آسف .."

طأطأت برأسها متفهمة , وقالت في تساؤل :

"إذن فهؤلاء الرجال المسلحين كانوا يبحثون عنك ,؟؟"

أجبت :

"نعم .. وما اكتشفته بصدد أولئك الرجال , متعلّقٌ بعملي , وكأيّ شريفٍ و مخلصٍ لوطنه والقانون , كان يجب عليّ التبليغ عنهم .. ولذلك حاولوا اختطافي والتخلص مني "

قالت :

"نعم .. فهمت .."

قلت لها بارتياح :

"إذن ستسمحين ببقائي لبعض الوقت ..؟!"

هتفت في دهشة :

"ماذا ؟؟؟؟!!"

كررت في عجب :

"ماذا ماذا ؟؟"

تابعتُ :

"إنهم بالخارج ينتظرون لحظة ظهوري لينقضوا عليّ , أو يرموني بسيلٍ من رصاصاتهم .."

قالت في ارتباك :

"لا ......... ، أقصد نعم .. ولكن ... أه .. حسناً .. كم من الوقت ؟ ... أعني .."

قاطعتها :

"أنا آسفٌ حقاً , لكن... يمكنني المكوث حيث تشائين , حتى وإن بقيتُ جالساً عى هذه الأريكة إلى أن تمر الأزمة على خير , فهذا عائدٌ لكِ .."

قالت باعتذار :

" حسناً ... أنا آسفة , لكنني مسلمة , وهذا أمرٌ غير معتادٍ لدينا وغير مسموح ..انتظر قليلاً .."
قبل أن أنطق بحرف , قامت من مكانها ودخلت إلى تلك الحجرة -نفسها- ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

~~~حبيبة ~~~

كيف اصف لكم حالي ..
تخيلوا حال فتاة ملتزمة , يقتحم منزلها رجل أجنبي , و.. ويطلب منها حمايته ..!!
ماذا عليّ أن أفعل ...؟؟ لكنه مسكينٌ حقاً ,, ويبدو أنه شخصٌ محترم .. "رجل أعمال"؟؟!! ... شيٌ غير متوقع ..
شعرت ببعض الاندهاش من تلك المواقف التي يضعني بها القدر ..

ترددت كثيراً .. كيف أفعل هذا يا إلهي ؟؟ هل يجوز لي ابقاءه هنا ؟؟؟ لم أجرؤ على التعامل مع أي رجل كان في حياتي ... لكن هذه المرة .. فأنا مضطرة لكل شيء ..
آه .. يا إلهي أرشدني ..
أخرجت ملائةً وفراشاً إضافياً ومعه غطاء سميك , وعدت للردهة , ووضعتها على الأريكة بجانبه .."جيم " ..
قلت في تردد :
" أه .. هذا فراشٌ إضافيّ كنت أحتفظ به , يمكنك استخدامه , فأرض الردهة باردة جداً , والأريكة غير مناسبة للنوم .."

أجاب في امتنان واضح :

"لا أعرف كيف أشكرك آنسة ...!!"

قلت ببعض الارتباك :

"اسمي حبيبة .. "

كرر في استغراب :
"حبيبة ؟؟ أنت عربية ؟"

منعت نفسي من الابتسام كالعادة , ..ولطالما فعلت أنا وحنان, حين ينطق الأجانب اسمنا بهذه الطريقة "هنان/هبيبة" مع أننا اعتدناها , لكن بكل مرةٍ نبتسم وكأنها المرة الأولى .,,

قلت :

"نعم أنا عربية .. وأدرس هنا"

قال في تفهم ..:

"هكذا إذن .. لكن لهجتك صحيحة تماماً , حتى ظننت أنك مواطنةٌ من المدينة"

قلت:
" هذا يعود لنشأتي هنا , واتقاني للإنجليزية منذ الصغر .."

أومأ برأسه قائلاً :
"هذا رائــع .."

لم أملك سوى الابتسام .. ونهضت قائلةً :
"حسناً , سأترك المكان لك , أتمنى أن تمر هذه الأزمة على خير .."

قال :
"حقاً أنا مدينٌ لكِ بالشكر ،آنسة حبيبة ..وسأغادر حالما أجد المفرّ .. تقبلي اعتذاري "

قلت مغادرةً الردهة :
"لا بــأس "

توجهت لغرفتي , واغلقت الباب من خلفي ,, لم أستوعب بعد ما حدث ..!!
ماذا سيفعل أولئك الرجالُ بالخارج يا ترى ؟؟ لو علموا بأمري أنا أيضاً ؟!!
أما "جيم", أسلوبه أنيق ومحترمٌ جداً في حديثه وتعامله .. على عكس غيره من مواطني هذه البلدة , فجميع من صادفتُ منهم يملك بعض الطباع الخشنة والمائلة للسيئة , كفظاظة ألفاظهم .. و>شوارعيتها< بعض الشيء ,, مسكين حقاً. .

أتمنى أن تزول عنه أزمته , كدت أدعو الله له ,, لكنني تذكرت أنه مشركٌ أجنبي , فدعوت الله أن ينصر الحق حيثما كان .. لكنّ ما أدهشني حقاً ., هو ردةُ فعله على كوني مسلمةً محجبة وعربية ..فلم يعلّق مطلقاً على هذا الجانب , وحتى لم يظهر أي تعبيرٍ على وجهه من حيث هذه الناحية ..ففي الواقع ،يكون لدى الأجانب فكرة محدودة عن العرب ,,
استسلمت لشبح النوم .. والافكار تطوف برأسي مجيئاً وذهاباً .




الفصل الثالث............................................ ...... .
~~جيم ~~
لا أدري كيف استسلمت للنوم وأنا في هذا الموقف المعقّد .. لكنني استيقظت على صوتٍ ما يناديني ..
"سيد جيــم ... سيد جيــم "
فتحت عيني واعتدلت جالساً , حين رأيت شبح فتاةٍ واقفة على مقربة مني .. , كانت تفصل بيننا حوالي مسافة متر كامل ..
حين وقعت عيني على رأسها , ورأيت قطعةً بلونٍ آخر تغطيه , استوعبت الأمر .. وعادت إلي الذاكرة , بعد أن استفقت من النوم , الذي لم أذق طعمه سوى لساعتان سابقتان فقط ..رفعت رأسي , وتنبهت لقولها :
"صباح الخير "
أجبت مع ابتسامة خافتة :
"صباح الخير...أه .. آنسة حبيبة .. "
قالت بحرج:
" آسفة لايقاظك , لكنني مضطرةٌ للذهاب لبعض الوقت .. فلدي بعض الأعمال .."
سألت بتهوّر :
"أعمال ؟؟ "
لم اعرف لم نطقت هذا السؤال .. أظنه من داعي فضولي الغبيّ .. اعتذرت مسرعاً :
"أسف .. ليس هذا من حقي .."
قالت بحرج أكبر :
"لا بأس , لدي بعض الدروس , والأعمال الجانبية , لذا لم أشأ أن تصدم باختفائي .."
قلت :
"شكراً لك .. لقد أمضيت ليلةً هادئة , أستطيع تولي الأمر ., سأرحل فور ذهابهم .."
توقفتُ فجأةً حين تذكرت أولئك الرجال .. توجهت للنافذة في سرعة , وأطللت منها , أحاول مدّ بصري إلى حيث يمكنني الجزم بوجودهم أو عدمه ., التفتت إلى حبيبة حين سألتني في قلق :
"لم يرحلوا بعد !!؟؟ "
قلت في توتر و خوف :
"لا أظنهم ينوون ذلك .."
قالت :
"ولم لا تبلغ الشرطة عنهم ...؟؟"
قلت متنهداً :
"إنها منظمة أو مؤسسة غير قانونية أو ماشابه ذلك , وأخشى أن يلاقطوا أي ذبذبات قريبة ثم يكتشفوا مكان تواجدي بعدها ,,"
أومأت برأسها متفهمة .. واستأذنت للذهاب لغرفتها بعض الوقت ... عادت بعدها وقد أبدلت ردائها و غطاء رأسها.. بصراحة .. كانت مشرقة.. بالرغم من غطاء رأسها , لكن هذا مجرد شعور..!
قالت :
"أتريد أي مساعدة من الخارج ؟؟ هل تحتاج شيئاً ما ؟؟ ..فقد تظل حبيس المنزل لفترة"
قلت بلطف امتناناً لسؤالها :
" شكراً لكِ .. "
فكّرَت قليلاً ثم قالت :
"أه , يمكنك استخدام المطبخ أو أي شيءٍ تريده , قد أتأخر قليلاً .."
قلت خجلاً من لطفها :
" شكراً جزيلاً آنسة حبيبة . أنا ممتن لك , لا تقلقي نفسك , أرجو أن لا أسبب المزيد من الازعاج بتواجدي .."
قالت مبتسمة :
" مادام هذا في سبيل الحق , فلا داعي للقلق .. أتمنى أن تسير الأمور على مايرام ..."
أعقبت :
"إلى اللقاء .."
وخرجت من المنزل , فتنفست أنا الصعداء , وأطللت بنظري من النافذة , لأطمئن لخروجها من دون أي متاعب أو إثارة لشك هؤلاء الأسود بالخارج .. تنهدت بارتياح حين رأيتها تغادر في أمان ,, .. ثم انصرفت أبحث عن شيء آكله في منزل هذه الآنسة المسلمة ..


..........................................
~~حبيبة~~
جلست في تعبٍ على مقاعد المتنزه الصغير الواقع قرب مركز شؤون الطلبة , .. لقد أنهكني طول انتظاري بذلك الطابور الطويل , فقد كنت أنهي أحد أوراق زميلتي حنان ,التي سافرت مضطرة , وها أنا أرتاح في هذا المتنزه قليلاً .. فجأة , تذكرت ذلك الرجل الذي اقتحم منزلي أمس , وتلك الحادثة الغريبة التي مازالت آثارها حيةً في منزلي , ترى ماذا يفعل الأن ؟؟ ... يجب أن أجلب بعض الطعام معي , فلن أستطيع طهي أي شيءٍ وأنا مرهقة هكذا ,, ولكن ألا يجب عليّ إبلاغ الشرطة , ؟؟؟ هل أثق به ؟؟؟ ..

يا إلهي , أرشدني إلى الصواب , لا يجوز لي أن أبقي على رجلٍ بمنزلي ... لكنني مضطرةٌ لذلك , والضرورات تبيح المحظورات .. أليس كذلك ؟؟؟ ... والحمد لله , يبدو أنه شابٌ محافظ ومحترم , لن يقدم على أي شيءٍ سيء , يبدو صادقاً في رجاءه وحديثه .. و .. ماذا كنتم ستفعلون لو كنتم مكاني ..!!
أووه , نظرتُ لساعتي , فإذا الوقت قد مرّ من دون أن أنتبه له , يا لهذه الافكار التي تأخذك لعالمٍ آخر .. أو لآخر ِ العالم كما يقولون ..

قمت لأبحث عن محلٍ مناسب لشراء بعض الأطعمة ,, والحمد لله أن وجدت واحداً في طريقي .. وصلت للمنطقة بسيارتي , نسيت أن أذكر أمراً , فأنا أقود سيارةً هنا , وإلا لما سكنت بهذه المنطقة البعيدة , ولما عرفت التحرك في هذه البلدة ..
دب شعورٌ غريبٌ في أوصالي حين رأيتُ هؤلاء الرجال المسلحين ,وأنا أجتاز المنطقة المؤدية لمنزلي , .... فقد تفرقوا في المنطقة وحاصروها , حيث لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج منها إلا تحت أنظارهم .. هل العثور على جيم مهم بالنسبة إليهم هكذا ؟؟؟ ..بالطبع ,فقد اكتشف أمراً يبدو أنه سيفضح تاريخهم كاملاً..!!
ويبدو أن إقامة "جيم" ستطول في منزلي .. يجب أن نجد حلاً .. فلن أستطيع إيجاد مكان آخر لأبقى فيه !
دلفت إلى المنزل في تردد , بعد أن أحدثت جلبةً بسيطة بالمفتاح , لينتبه لوصولي , .. قلت :
“مرحباً .. لقد عدت سيد جيم "
دلفت إلى الردهة الصغيرة وأنا أسمعه يقول :
"مرحباً آنسة حبيبة .. يوماً موفقاً .."
رددت ببعض الاختصار :
"نعم ,لقد كان كذلك والحمد لله "
تابعت :
"وأنت ,كيف كان يومك ؟"
اجاب ببعض الحرج :
"لا بأس به , رغم أنه كان مملاً , فلقد اعتدت الانشغال بالاعمال الطائلة في عملي ,.. "
لمحتُ علبة اسعافاتي الأولية , موضوعةً بجانبه , ونَمَتْ ملامحي عن التساؤل :
فقال :
"أه , إنه جرحٌ بسيط , حين طاردني أولئك الأوغاد ,, ورأيت علبة الاسعاف , فاستعملتها .."
قلت :
"لا بأس .. لقد أحضرت بعض الطعام ., هل تريد بعضاً منه ؟"
قال بامتنان :
" لا أعرف حقاً كيف أشكرك على حسن استضافتك , رغم المصادفة السخيفة تلك "
قلت مهدئةً شعوره بالذنب :
" لا بأس سيد جيم .. فقد يقع من الظروف ما هو غير متوقع اطلاقاً . ثم إنك مضطر لهذا , وأحب أن أساعدك , نصرةً للحق . فهكذا يأمرنا ديننا "
قال :
" شكراً لك يا آنسة .. أنا مدين لك .."
ابتسمتُ ..
قال في استفسار :
" أه , وهل يتوجب عليكم أن ترتدوا غطاء الرأس هذا ؟؟"
قلت في ثقة :
" نعم , وهو ما نسميه الحجاب .. وهو فرضٌ على كل مسلمة .."
قال :
" لقد قابلت الكثير من المسلمين , وأراهم كثيراً على شاشات التلفاز , لكني لم أعرفهم يوماً .. ولم اقتنع ابداً بصورة الاعلام عن أي بلد .. "
قلت :
" نعم , فالاعلام دائماً يشوه صورتنا أمام العالم , ونادراً ما تجد مدحاً أو خبراً صحيحاً عن الاسلام "
قال :
".. كنت سأسألك عن بعض الأشياء التي طالما حيرتني عنكم .. وطالما أنك عربية فستعرفينها جيداً .. لكن .. هل تسمحين ببعضٍ من وقتك ؟؟"
قلت :
"لا مشكلة أبداً.. فقط سأحضر بعض الطعام .. واسأل بعدها ما شئت "
ابتسم قائلاً :

" حسناً .."
قمت بعدها لأضع الوجبة التي أحضرتها .. واستأذنت من... "جيم " ..
يبدو أنه فعلاً كغيره , ممن يعتقدون بعض الأفكار السيئة عنّا , ليس عن المسلمين فقط .. بل عن العرب أيضاً .. أووووه .. لا أحب هذه المناقشات .. فهي تمسي باختلاف الرأي احياناً .. لكن الحمد لله أن لدي اسلوبٌ منسق في الحديث .. يارب وفقني في الاجابة عليه ..!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


~~~جيم~~~

يالها من فتاة طيبة ..

كنت أعتقد أنها ستعاملني بجفاء بكون أنها مسلمة , مع أن المسلمين هنا يبدو أنهم لا يهتمون بدينهم .. لكن هذه الفتاة مختلفة .. فهذا أول مرة أرى "محجبةً" في وطني على الحقيقة ..>بالنسبة لي <..ربما لأنني لا أختلط بالمجتمع خارج إطار عملي كثيراً ..

لقد أحضرَت بعض الطعام , وها هي ذهبت لتعدّه .. حمداً للرب .. لقد كنت جائعاً بحق ..
حقاً أنا مدين لها بمعروف كبير .. سأحاول رده إليها حال خروجي وعودتي لحياتي الطبيعية >إن خرجت من هذا المأزق!!!< ..

يبدو أن هؤلاء الرجال لا ينوون التزحزح من أماكنهم .. يجب أن أجد حلاً ..

أه .. لو تكمل حبيبة معروفها , وتساعدني في ايجاد حلّ ,,

لكنني أخشى عليها من هؤلاء الاشرار , لا أريد توريطها بالأمر ..

اووه .. يا لهذا المأزق .. لـو

"تفضل , وجبتك .."

قاطعني صوت حبيبة وهي تمد لي صينية صغيرة , عليها وجبةٌ صغيرة مصحوبةً بالعصير ..

قلت شاكراً:
"شكراً جزيلاً لك.."

قالت :

"لا شكر على واجب .. "

أردفت :

"سأعود بعد قليل إن أردت الحديث بذلك الموضوع.."

قلت :

"بالطبع ، على ألا أشغلك...."

قامت من مكانها . . وبقيت أنا أتناول وجبتي بصمت ..

مهما كانت ديانة الإنسان , فمجرد خاصيته الرزينة المحترمة ، تجعلني أكن له المزيد من الاحترام والتقدير،حقيقةً أنا لا ألتزم بديني ولا أذهب للـ(كنيسة) بالتزام..... يمكنكم أن تقولوا .. إن ديننا لدى الأغلبية مجرد مفاهيم نسير عليها هكذا .. ولايهم الاقتناع .. المهم أننا نتحرر من القيود الدينية .. مع وجود أشياء لا نكلف أنفسنا بالاقتناع بها ، بل بأخذ ما نحب منها .. والباقي .. لن يحصل شيءٌ إذا تركناه!! ..مع أننا نصدق ونستعين بديننا كثيراً .. لكن .. القليل من يلتزم بجد!

قد نتحدث عنه بشكل جيد ,ظاهراً , لكننا من الداخل لا نهتم .. عجيبون أولئك المسلمون .. فهم مقتنعون تماماً بما يفعلون ! .. ما هو السرُّ ياترى ؟؟ .. فشخصٌ مثل ما رأيت حبيبة عليه من حديثها ، لا يمكن أن يقتنع بشيءٍ خاطىء ...

لدي فعلاً الكثير من الفضول عن الاسلام .. والعرب .. فضولي دائماً يسبقني ويجعلني متلهفاً لمعرفة بعض الأمور .. لكنه فضولٌ عاديٌ، عن أناسٍ آخرين يعيشون معنا على نفس الكوكب ولهم عالمٌ خاص , لا زلت أجهل عنهم كل شيء ..

لكن مع رؤية حبيبة , والاعجاب الذي صاحب ذلك في نفسي , جعلني أتوق أكثر لمعرفة هذا الدين الذي تتبعه فتاةٌ مثلها ,, رغم حريتها في الحياة .. فلا رقيب عليها هنا , لكنها مع ذلك تحافظ عليه ..

أنهيت وجبتي , وأنا أفكر في شتّى الأمور .. وأهمها ,. الخطة التي أريد بها الفرار من هنا .. فلن أجلس هكذا للأبد .. فماذا لو استمروا بمراقبة المكان ليومين مثلا ..؟؟ أو فتشوا المنازل ؟؟؟ لا أحد يتوقع أعمال أولئك الاشرار ... يكفي أنهم كانوا يخدعوننا طوال الوقت في تعاملاتهم بالشركة.. بقيت شارداً ببصري للحظات إلى أن سمعت صوتها ..


~~~~~~~~~~~~~~~~~

~~ حبيبة ~~

تناولت شيئاً بسيطاً من طعامي , ثم صليت فرضي واستخدمت بعدها حاسوبي "المحمول" لبعض الوقت .. يجب علي الاستعداد للعودة للجامعة , فسأستأنف دوامي الاسبوع القادم , رغم انني انهيت اختباراتي قبل ايام .. إلا أنها الجامعة .. وليست كالدراسات الأخرى .. كما أن اختصاصي يتوجب علينا تكريس العمل والدراسة فيه. وإذا أجلت شيئاً ما بها , فستكون كارثة , فسأتعذب لتراكم جبال ٍ من الواجبات والاعمال فوق رأسي ..
أنهيت عملي , وحملت أطباقي وخرجت بها إلى المطبخ , توجهت قبل ذلك للردهة , فإذ بـ "جيم" قد أنهى وجبته , شكرني كثيراً , يبدو أنه محرجٌ جداً ,,, سأموت من الاحراج لو كنت مكانه ,, لكنني لا اشعر بداعٍ لذلك في تقديم هذه الخدمة له , مع أنني أشعر بخطرٍ شديد , وخوف يلازمني وقلق فائق لتجاوزي الحدود بابقاءه هنا .. لكن مع ذلك , فأشعر أن حياتي المللة , قد تجددت بكسر" روتينها" ..

رجعت للردهة بعد أن أنهيت تنظيف الاطباق .. وقلت لـ "جيم " :

" لو كنت تريد بعضاً من وقتي , فأنا متفرغةٌ الآن .."

قال مبتسماً :

"حسناً .. الأمر ليس بتلك الأهمية .. لكنها فرصةٌ للتعرف قليلاً على شعبكم .. فلدي الكثير من الفضول نحوكم ، خصوصاً مع صورتكم المهتزة في أذهاننا "

أصغيت باهتمام , وصمتتُ ليقول ما عنده ,,

تابع قائلاً :

" بالنسبة لي . فأنا لا أحكم على شخصٍ إلا عند رؤيته , والتعامل معه , وهكذا أيضاً عوّدني عملي .. فأضطر فيه لمقابلة الكثير من الناس والأصناف . والديانات أيضاً ..لكن السبيل الوحيد لمعرفتكم جيداً لا نجده سوى في الاعلام"

أشعر أن "جيم" إنسانٌ عاقل وواعي ، يفهم ما يقول ، .. شخصٌ كهذا ، يمكنه اختيار قراراته بحكمة تتضح من حديثه .. لكن إلى أين سيصل الحديث !!؟

تابع جيم :

"لكنني حتى الآن, لم أر مسلماً على الحقيقة هنا .. أو بمعنى أصح .. مسلمة , أعني أنه حين تراها تعرف بذلك أنها مسلمة من تقيدها بدينها .."

قلت :

"مع أنه يوجد الكثير هنا ."

قال :

"يبدو أن أغلبيتهن من الطالبات اللاتي تأتين للدراسة هنا , أما لرؤيتهن في المجتمع الغربي وأوساطه الاقتصادية والتعاملات الخاصة بها .. يندر تواجد المسلمون بهذه الطبقات .."

قلت :

"نعم "

قال :

" ماذا تدرسين ..حبيبة ؟؟"

احسست ببعض الحرج , لم أعتد على هذه المحادثات ، التي ينطق بها اسمي جافاً ...!

قلت :

" أدرس في مجال الأحياء وعلومها.."

قال :

" يالها من دراسة .... ولماذا اخترت هذا المجال بالذات ؟؟ الا تجدين به صعوبة ؟"

قلت :

"بالتأكيد , لكنني ... "

قطعت جملتي ,, كنت سأذكر له أمر اجباري على الدراسة من قبل والدي , لكنني خشيت أن يعتقد أن هذه طباع المسلمين .. وأنهم يجبرون أبنائهم دائماً...

عدت أقول :

" لكنني , تخرجت بشهادة متميزة والحمد لله من دراستي "الثانوية" , فأحببت دخول مجالٍ تستحقه شهادتي ..فكنت مخيرة بين مجموعة من العلوم ..وهذا ما فضلته .."


قال :

"أتمنى لك التوفيق .. فهو مجالٌ ليس بهيّن .."

قلت :

"شكراً لك .... لقد أوشكت على انهاء فترة دراستي .."

سأل:

"بالسنة الأخيرة ؟؟"

اجبت :

"نعم .. لكن بقي على انتهائها الكثير .,,"

ابتسم قائلاً:

"الوقت يمر بسرعة هذه الأيام .. لن تشعري بمروره ثقيلاً ..مادام هناك هدفٌ تسعين لتحقيقه .."

فكرت في نفسي .. هل هناك هدفٌ حقاً أسعى لتحقيقه من دراستي ؟؟؟ ... سآخذ شهادةً قيمة .. وماذا بعد ذلك ؟؟ ..ما الهدف من حياتي بأكملها ..إن لم أنفع نفسي أو وطني ..أو ..... ديني ..

قلت :

"أرجو ذلك .."

سألني :

"ولماذا تعيشين هنا ..؟؟"

قلت :

"لقد أتيت مع والديّ إلى هنا , بسبب أعمال والدي , ولكنه انفصل عن والدتي فرحلت والدتي ,وبقيت أنا .. وبعدها مات والدي .. وتركني هنا .. لكنني فضلت إنهاء دراستي ثم العودة بعدها .."

قال وقد ارتسمت على وجهه بعض علامات التعجب التي لم أعرف لها معنى :

"حقاً ؟؟ ....أنا آسفٌ بشأن والدك .. "

تابع :

"لكنك فتاةٌ قوية .. حتى أنك واجهتني حين اقتحمت منزلك .."

ابتسمت للذكرى.. لا أدري لم أصبحت ذكرى ,مع أنها حدثت بالأمس .. قلت :

" الشيء الوحيد المخيف في الحياة , هو حوادث القدر ومفاجآته.... "

قال :


"هذا صحيح ...."

شعرت ببعض الندم على أنني ذكرت الكثير عن نفسي وتحدثت كثيراً بلا معنى .. إنني لم أعرفه ,فقط لأنه يبدو جيدا ..لا أدري لم .. ولماذا ..؟

قال :
"لقد توفي والدي أيضاً .. وترك لي شركته بأكملها لأديرها .. لقد جعلني أقصد دراسة الاعمال والادارة لكي أساعده في ادارته للشركة .. لكنه توفي وتركها لأديرها أنا .."

قلت في أسف :

" .. آسفة .. "

قال :

"لا بأس .. لكلٌ مصائبه .. لكن الحياة تسير .. "

وافقته :

"نعم "

قال فجأةً :

"عجيــب .."

استفسرتُ بنظرة مندهشة ,

فقال مفسراً :

أقصد .. العجيب هو أنك لا تمتلكين تلفازاً .."

قلت:

"نعم .. فأنا لست متعلقةً به كثيراُ .,. من لديه الوقت ليشاهده ؟؟ .. ثم إنني أستعمل جهاز الكمبيوتر ... فقد أصبح الحاسوب بديلاً للتلفاز في هذا العصر لدى البعض .."

قال :

"هكذا إذاً ..."

كنت أعلق على حديثه ، لكنه لم يتطرق لأي موضوع عن المسلمين .. , انتظرت سؤاله عن تلك الامور التي كان يريد التحدث بشأنها .. لكنه لم يسأل حتى الآن ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~




الفصل الرابع.................................



~~جيــم~~

كنت متشوقاً لمعرفة كلّ شيءٍ ... لكن ذهني كان مشتتاً .. لم أكن أستطيع منع نفسي من التفكير في مأزقي الذي تناسيته بانتظار رحيل أولئك الرجال .. هل سأجلس هكذا منتظراً رحيلهم كالجبناء ,,, إنني خائفٌ حقاً .. لو كان والدي من تعرض لهذا الموقف .. لحطم أنوفهم وخرج وتحداهم ..فهو معتاد على مقابلة المخاطر .. أما أنا .. فبالكاد أستطيع الدفاع عن نفسي .....
لكنني وجدت في جلوسي فرصةٍ لمعرفة تلك الفتاة .. التي بدأت أود معرفة الكثير عنها .. دائماً ما يقابلك الكثير من الناس الذين ترتاح لهم . وتتمنى معرفتهم , لكنك نادراً ما تأتيك فرصة معرفتهم ..
سألتها لأدخل في قلب موضوعي الاساسي :

"لماذا تساعدينني حبيبة ؟"

اعتلتها الدهشة قائلة :

"ماذا تعني ؟ "

قلت :

" في الحقيقة ، في البداية ، وعند رؤيتي لك كمسلمة عربية ، خشيت أن ترفضي مساعدتي وتقبل الفكرة .. ولم أتوقع أن تعاملينني هكذا .."

قالت :

" كيف أعاملك سيد جيم ؟"

" أقصد تفهمك للأمر والسماح لي بالبقاء .."

" ولماذا لم تتوقع ذلك ..؟؟ ألفكرتك عنا ؟؟"

قلت :

" صحيح أنني لم اقتنع تماماً بفكرة الاعلام , لكن كل معلوماتي عنكم هي أنكم شعبٌ جاف وعدائي .. كما هناك أمثلةٌ كثيرة نراها في الأخبار ، و التعاملات اليومية مع بعض المسلمين .."

" انظر يا سيد جيم .. في كلّ بلدٍ وكل قوم ، هناك الصالح والفاسد ، فالأخلاق تختلف من شخصٍ لآخر ، وليس من دينٍ لدين أو شعبٍ لشعب .."

لم أنطق ، إذ كانت ستقول المزيد ..:

" فلا تقل لي أن بشعبكم لا يوجد عدائيٌ او جافٌ ؟؟"

صمتٌ

تابعت :


" وهكذا ، فيوجد بالمسلمين من يتمسك بدينه ، ومن يخالفه ، ومن تمسك بدينه فأخلاقه ستكون حميدةً بالتأكيد .."

قلت :

" نعم معك حق .. ولكن .."

صمتتُ ثانيةً ، أيعقل أن تكون أنهت تساؤلاتي برد واحد !

عندما وجدتني تراجعت ، أكملت :

" مثلاً .. سأسألك .. إذا اعتدي مواطنٌ هنا على مواطنٍ آخر .. وانتشرت مقولةٌ بالعالم تقول : إن مواطني بلدتكم يا سيد جيم ، عدائيون ! .. ويقع اللوم لما فعله ذلك المعتدي عليكم أجمع .. ! ... هل ترى ذلك صواباً؟؟؟"

قلت وقد وصلت لمغزى الموضوع سريعاً :

" كلا بالطبع !"

قالت :

" إذن مالفرق بيننا وبينكم ؟؟ أليس عدائكم أنتم لنا ، غير منطقي ؟؟ "

لم أجب !! .. وبماذا أجيب؟؟؟ .. قلت في النهاية :

" أنا عاجزٌ عن إجابتك .. .. أنا مقتنعٌ تماماً بما ذكرت .. هذا يعني أنكم شعبٌ متميز .. لكن لا أحد أصبح ينظرللجواهر .. بل انشغلنا بالمظاهر فقط .. أنا آسفٌ لحمل تلك الفكرة عنكم .."

قالت :

" اعلم سيد جيم ، أن الاسلام دينٌ عظيم .. تعاليمه منطقية حكيمة .. شرعه وأحكامه سهلةٌ و قيمة مفيدة .. وكل أمرٍ من الله ورسوله إلينا يعم بفائدةٍ على المجتمع .."

أصغيتُ بانتباه .. لقد جذبني الحديث .. لدرجة أنني نسيت الأزمة التي أمرُّ بها .. أو تناسيتها أكثر ..

" انه دين الرحمة والعدالة للبشرية كلها .. وبمعرفتك له فقط ، ستجد الكثير من الأمور الرائعة فيه ، والتي تدعوك لمعرفة المزيد .. "

حقاً أجد نفسي مهتماً بالأمر .. لقد لفتت انتباهي له .. وأقنعتني ببضع كلمات .. ياله من أسلوب !

قالت منهيةً للحديث :

" صدقني سيد جيم .. مهما سمعت عن الاسلام من صور مشوَّهة ، أو اعلامٍ رخيص ، أو ارهابٍ مجرّد .. فهو مخالفٌ لتعاليم ديننا نفسه .. وذلك مذكورٌ بكتابنا .. كلام الله "

قلت :

" هذا يتضح من حديثك .. شكراً لك على هذا التوضيح .. لقد اقتنعت بأقوالك .. الآن سيمكنني المضي بفكرةٍ صحيحة عنكم .. "

قالت :


"يسعدني أن أتحدث عن ديني .. وأغير وجهة النظر الخاطئة عنًا .. "

تابعت بابتسامة :

" وخصوصاً إذا كان الحديث مع شخصٍ عاقلٍ مثلك سيد ~جيم~ "

شعرت وكأنه كان مديحاً .. لكنه ليس كمثله .. إنه من حبيبة ..

قلت :

"شكراً لك .."

يبدو أن حبيبة كانت تنتظر مني أن أسأل المزيد .. لكنني لم أشأ أن أتعمق بالموضوع..
عدت بتفكيري لمأزقي الراقي !

أردتُ قول شيءٍ ما :

"ومـــ ..,,,"

قطع كلماتي صوت جرس الباب .. انتفضت دمائي بعروقي , وقلت في قلق هلع :

" أيأتيكِ زوارٌ هنا ؟؟؟؟"

قالت في توتر واضح :

"لا .. لا أعرف .. أرجو أن تدخل إلى تلك الغرفة إلى أن أنظر ما الأمر ..!"

أشارت بيدها نحو غرفةٍ ما .. توجهت إليها بحركة سريعة , وأنا أتمنى أن لا يحدث مكروه ..

دلفت للغرفة وأغلقت الباب ,,




~~حبيبة~~

كنت أرتعد خوفاً ,,, والغريب أنني هذه المرة أكثر خوفاً من الأولى ... مع أنه يجب أن تكون الحالتين معكوستين .. توجهت للباب وأنا أسمي الله كعادتي ..

قلت بصوت مرتفع نسبياً ليصل لمن خلف الباب:

"من ...؟"

سمعت صوت أحدهم :

"افتحي الباب سيدتي .."

فتحت فتحة صغيرة , وأطللت منها بمساحة أستطيع معها الرؤية بوضوح بينما لا يستطيع من بالخارج ذلك ..

قلت :

"من أنت ؟ "

قال وهو يناولني بطاقةً ما :

"جيمس بيتر .... شرطي .."

لاحظت أنه ناولني شارةً تشبه تلك التي تظهر بالافلام ... ارجعتها إليه , وشعورٌ غريب يمتزج بنفسي .. لا أدري إن كان خوفاً أم طمأنينة , أم كلاهما ... أم هو الشــك ؟؟

قلت :

"وماذا تريد يا سيدي ؟؟؟"

قال :

"عندي أوامرٌ بتفتيش المنطقة .. "

كدت أتيقن أن هذا شرطيٌ حقاً.. فكرت في نفسي .. كيف وصل الى هنا , وبيتي يقع وسط المنطقة .. فكيف تجاوز أولئك الرجال , إن لم يغادروا لثانيةٍ حتى ؟؟ ... أخشى أنه أحدهم ...!

قلت :

"ولماذا تفعلون شيئاً مماثلاً ... فأنا أعيش هنا منذ ثلاث سنوات ولم يحدث شيءٌ مماثل .."

قال :

"لقد حدثت سرقةٌ مؤخراً في المنزل المجاور لك .. وأبغلنا أصحابه بالقدوم , فيتوجب علينا تفتيش كل المنازل المحيطة .."

يالذكائهم .. لقد كشفوا أنفسهم .. أعتقد أن المنازل المجاورة بنا مهجورة منذ عام .. فهل ياترى يلقي هذه المحاضرة عن كل من يلتقيه!.. أم أنه يعلم بوجود جيم هنا ؟؟ أم أنه .....حقاً شرطي ..؟؟!!!

قلت :

" وهل ستفتش المنزل وحدك سيدي .. ؟؟ "

قال في لهجة ضيق :

" لم آتي لكي تفتحي معي هذا التحقيق ؟؟ يتوجب علي أنا أن أحقق معك !"

قلت :

"أنا آسفة .. لكن لا يمكنني أن أسمح لك بتفتيش منزلي ..."

قال في استنكار :

"ولماذا ؟؟"

قلت في لهجةٍ مماثلة :

"أولاً أنا لست سارقة , وإن أردت تفتيش منزلي فبه خصوصياتي , ولن أسمح بذلك إلا مع تصريح ٍ رسمي , و أن يرافقك أحدٌ يؤيد كلامك هذا ..ثم قد يكون السارق من الخارج ، كيف علمتم بعدم هروبه؟؟"

قال في عصبية :

" اسمعي يا امرأة .. لست مستعداً لتضييع الوقت في هذه التفاهات .. افسحي الطريق ولا تقفي بوجهي , وإلا فتشت المنزل بالقوة .. هذه أوامر .."

لم آبه لحديثه , لأنه لو كان شرطياً حقاً , من المؤكد أنه سيفعل شيئاً آخر .. على الاقل سيحاول أن يثبت لي قصته المزعومة ، أو يرافقه زميلٌ ما.. فالدولة هنا تهتم بعدم ازعاج الناس بدون سبب .. ويتعامل الشرطة بأسلوب أكثر هدوئاً ..

كدت أغلق الباب في وجهه علامة الاعتراض والثبات على موقفي .. حين منعني شيءٌ ما , وُضِع بين الباب و مكان ارتكازه , شهقت شهقة رعبٍ حين رأيته .. لقد كان بكل جرأة .. "مسدس .."

صحت به :

"ماذا تفعل أيها المجنون .."

قال :

"لقد طلبت منك بالبداية التخلي عن عنادك , ليس امامي الا استعمال القوة .."

قلت له ::

"هل يفعل رجال الشرطة ذلك ..؟؟"

قصدت من حديثي أن أوضح له أن لعبته في التنكر بشخصية شرطي واضحة الخسارة , لكن يبدو أنه فهم شيئاً آخر ..

قال في عصبية :

"نعم يفعلون ذلك عندما تقف مسلمة حقيرة مثلك في وجههم وتمنعهم من أداء عملهم .."

فار دمي في عروقي .. لكنني تمالكت نفسي , إذ كان مسدسٌ موجه لرأسي .. مع ازدياد خوفي عند علمي أنه من أولئك الاشرار ..

وقبل أن أتكلم .. سمعت أحداً ينادي من خلف ذلك الشرطي المزيف :

"هيث .. انتظر يا هيث .. دعك من هذا الآن .. لقد طلبوك لأمر مهم .."

التفت .ذلك المدعو "هيث " .. إلى الذي يبدو أنه رفيقه ..وقال :

"ماذا بحق الجحيم ؟؟"

قال الآخر :

"عذراً سيدتي .. لقد حدث خطأٌ ما .. أعتذر لك .."

قال "هيث" :

"ماذا تقول أيها الأحمق .. "

خطا رفيقه خطوة واحدة داخل الشقة , وانتفض قلبي .. لكنه عاد يرجع بخطواته , فقد اقترب للداخل ليسحب الباب , وقبل أن يغلقه تماماً , كرر :

"أعتذر مجدداً ... تعرفين أن عمل رجال الشرطة يحتمل الكثير من الضغوطات .. سنسيطر على الأمر قريباً ..عذراً سيدتي"

قبل أن أنطق بحرف , كان قد أغلق الباب ..

وقفت خلف الباب أتنهد بعمق .. وبراحة , بينما أنا كذلك إذ بي أسمع حديثهما ,, لقد كان باب منزلي مصنوعاً من الخشب الخفيف .. فكان سهلاً وصول الصوت للداخل .. كما دويّ تلك الرصاصة أمس ..

سمعت ذلك الفظ هيث يقول :
" أيها الأبله , كدت أفتش المنزل .."

خفت .. انتفضت ..إذاً لقد كان يعرف بوجود جيم ..؟!

لكنني ارتحت بشكل عجيب حين أكملا حديثهما ..

"لا أبله سواك .. ألم تنتبه أنها مسلمة ؟؟ كيف تظن أنه دخل بيتاً مسكوناً ..؟؟ حتى لو فعل .. فقد رأيت منزلها من الداخل .. ولم يكن به أحد .."

رآه .. متى ؟؟؟

هيث :

"قد يكون احتمى بشخصٍ ما .. وحكى له ما حدث ..و.."

"أووه , كف عن هذا. . لقد اتصل السيد الكبير وأرسل مات ليعطينا أوامر أخرى جديدة .."

سمعت بقية الحديث هذه بصعوبة ، فقد كان صوتهما ينخفض تدريجياً وهما يبتعدان ، حمدت الله أن لم يتطور الأمر ، كنت سأذهب أنا وجيم في "خبر كان " ...

توجهت إلى الغرفة التي لجأ إليها جيم .. ودققت على الباب .. ففتح ببطىء قائلاً بصوت منخفض :

" حبيبة ؟؟؟"

قلت :

" لا بأس لقد ذهبوا .."

قال في توتر :

" ماذا حدث ؟؟؟"

حكيتُ له ما حدث .. فقال لي بعدها:

" يجب أن أتصرف .. "

قلت في قلق :

" ماذا ستفعل

قال مطمئناً :

" لن أخرج بالطبع .. فلا يوجد لديهم أي مجالٍ للتفاهم .. ثم إنني لن أكتم أمرهم .."

تردد جيم في إكمال حديثه ... فبقيت صامتة ..


" ماذا لو أديتِ لي خدمةً صغيرة ..؟"

قلت في عجب :

"ماذا ؟"

" أعلم أنني أثقلتُ عليك , لكن طرأت لي فكرة ، بإمكانها تخليصي من هذه الورطة ، وبذلك سأكون ممتناً لكِ "

قلت :

"ماهي ؟"

قال :

" سأعطيك عنوان الشركة .. وهناك يعملُ صديقٌ لي .. سأطلب منك إخباره .. فهو مقربٌ مني جداً .. يستطيع تخليصي مؤقتاً بإخراجي من هنا .. "

قلت :

"حسناً لا بأس .. لكن ماذا سيفعل صديقك ؟؟"

قال :

"سيفعل الكثير .. فأنت لا تعرفين هذا الصديق .. !!"

لم أفهم .. لكنني تجاهلت الأمر منتظرةً منه التوضيح ..

قال :

" أعتقد أنني أستطيع الاعتماد عليه في مثل هذا الأمر .. فقط سيكون عليكِ إخباره بالورطة التي وقعت فيها .. وسبب اختفائي .. وأخبريه عن مكان تواجدي .. وإن استطاع إخراجي من هنا .. "

قلت :

" حسناً .. يبدو الأمر سهلاً .."

قال :


" صحيحٌ أنه يحمل الكثير من المخاطرة .. لكنني لا أعلم شيئاً عن هذه العصابة .. لذا فنفعل ما يمكننا عمله بالتحرك بسرعة .."

يا للفكرة .. أعتقد أنها ستفشل ... و .. قد أتعرض للكثير من المخاطرة ... لكن ماذا يجب أن أفعل .. هل سيبقى هنا طوال الوقت ؟؟ لا أستطيع احتمال ذلك القلق طويلاً .. استحسنتُ الفكرة كثيراً ... وقلت :

" إذن فلأذهب لتنفيذ الفكرة .الآن .."

قال :

" الآن ؟؟ .. ماذا لو شكوا بالأمر .."

قلت :

" حقاً .. إذن سأذهب بعد فترةٍ قصيرة .."

وأمضيت بعض الوقت مابين حاسوبي ، وبعض الترتيبات على أوراق الجامعة ومستنداتي.. ولم أستطع منع تفكيري من الخوض في موضوع جيم وتلك المهمة ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

من ناحية أخرى ... وفي تلك المنطقة ... اجتمع مات برجاله في زاويةٍ مهجورة .. وقال بعصبية :

"أستطيع أن أوقع مئة ورقةٍ على فشلكم .الآن .."

تلعثم الرجال .. واضطربوا .. فمنظر زعيمهم الغاضب طالما جعل حلوقهم تجف خوفاً ، و عروقهم تنتفض دمائها هلعاً .كالجاني ينتظر الحكم بالاعدام !

قال مات :

" ماذا سيقول السيد الكبير عنا الآن ؟؟؟ لقد أوكل إلينا مهمة أخرى , تبعد عن هنا بحوالي خمسين كيلو متر .. "

ارتسمت علامات التعجب والدهشة الممزوجة بالتوتر على وجوه الرجال ..بينما أكمل مات :

" وهذا يعني أنه قد استغنى عنا في هذه المهمة .. وهذا توقيعه بفشلكم في الأمر ..."

تابع :

" والآن سنتجه لتنفيذ الأوامر الجديدة وسننسى أمر ذلك الأخرق "رجل الأعمال " الآن .. "

قال :

" وإن غضب السيد الكبير .. فسيتلقى كلٌ منكم رصاصةً محترمةً في جبهته الحمقاء .... هذا كل ما في الأمر...."

امتلأت نفوس الرجال بالحنق والغضب .. لكن السبيل إلى تنفيسه كان كتمانه بالنهاية ..

وتحركوا جميعاً مع مات في سياراتهم لتنفيذ المهمة الجديدة ...

.......................................


أتمنى أن تكون عجبتكم































كتبت : أمواج رجيم
-

التالي

قصة حب حقيقية فرقتهم الاديان وجمعهم الاسلام فوق عرفات

السابق

عامل نظافة يتحول الى مليونير في دقائق ...

كلمات ذات علاقة
القدر , بعنوان , نور , قصة , قصيرة