وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى

يُؤَخِّرْكُمْ مُّسَمًّى PIC-545-1354278139.g

وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى

د - خالد النجار


قال - تعالى - على لسان نوح - عليه السلام -: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [نوح: 3 - 4].

الأجل عبارة عن الوقت الذي ينقطع فيه فعل الحياة، كما أن أَجَل الدَّين عبارة عن الوقت الذي يحل فيه الدَّين، والمقتول والميت أَجَلُهما عند خروج روحهما.

وقوله: ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾؛ يعني: من الشرك.

﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾؛ يعني - والله أعلم -: بغير عقوبة[1].

﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾؛ أي: إلى نهاية آجالكم، فلا يعاجلكم بالعقوبة.

﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ ﴾؛ أي: بعذابكم إذا جاء لا يؤخَّر، ﴿ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: لو عَلِمتُم ذلك لأَنَبتُم إلى ربكم فتُبْتُم إليه واستغفرتُموه.


قال ابن عاشور: وأما قوله: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾؛ فهو وعدٌ بخير دنيوي يستوي الناس في رغبته، وهو طول البقاء، فإنه من النعم العظيمة؛ لأن في جبلَّة الإنسان حب البقاء في الحياة، على ما في الحياة من عوارض ومكدِّرات، وهذا ناموس جعله الله - تعالى - في جبلة الإنسان؛ لتجري أعمال الناس على ما يعين على حفظ النوع، قال المعرِّي:

وَكُلٌّ يُرِيدُ العَيْشَ وَالعَيْشُ حَتْفُهُ يُؤَخِّرْكُمْ مُّسَمًّى PIC-944-1354278139.g
وَيَسْتَعْذِبُ اللَّذَّاتِ وَهْيَ سِمَامُ يُؤَخِّرْكُمْ مُّسَمًّى PIC-944-1354278139.g


والتأخير: ضد التعجيل، وقد أُطلِق التأخير على التمديد والتوسيع من أجل الشيء، وقد أشعر وعدُه إيَّاهم بالتأخيرِ أنه تأخيرُ مجموعهم؛ أي: مجموع قومه؛ لأنه جُعِل جزاءً لكلِّ مَن عَبَد الله منهم واتَّقاه وأطاع الرسول، فدلَّ على أنه أنذرهم في خلال ذلك باستئصالِ القوم كلهم، وأنهم كانوا على علمٍ بذلك؛ كما أشار إليه قوله: ﴿ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [نوح: 1]
وكما يفسِّره قوله - تعالى - في سورة هود: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾ [هود: 38]؛ أي: سَخِروا من الأمر الذي يصنع الفلك للوقاية منه - وهو أمر الطوفان - فتعيَّن أن التأخير المرادَ هنا هو عدمُ استئصالهم والمعنى: ويؤخِّر القوم كلهم إلى أجل مسمى، وهو آجال إشخاصهم، وهي متفاوتة.

والأَجَل المسمى: هو الأجل المعيَّن بتقدير الله عند خلقةِ كلِّ أحد منهم؛ فالتنوين في ﴿ أَجَلٍ ﴾ للنوعية؛ أي: الجنس، وهو صادق على آجال متعدِّدة بعدد أصحابها، كما قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [الحج: 5]. ومعنى ﴿ مُسَمًّى ﴾: أنه محدَّد معيَّن، وهو ما في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ﴾ [الأنعام: 2]؛ فالأجل المسمى: هو عمر كل واحد المعيَّنُ له في ساعة خَلقِه، المشار إليه في الحديث ((أن المَلَك يُؤمَر بكَتْبِ أَجَل المخلوق عندما ينفخ فيه الروح))، واستعيرت التسمية للتعيين؛ لشَبَهِ عدم الاختلاط بين أصحاب الآجال.

والمعنى: ويؤخِّركم فلا يعجل بإهلاككم جميعًا، فيؤخر كلَّ أحد إلى أجله المعين له، على تفاوت آجالهم، فمعنى هذه الآية نظير معنى آية سورة هود: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [هود: 3]؛ وهي على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم.

﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: يحتمل أن تكون هذه الجملة تعليلاً لقوله: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾؛ أي: تعليلاً للربط الذي بين الأمر وجزائه، من قوله: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ ﴾ إلخ؛ لأن الربط بين الأمر وجوابه يُعطِي بمفهومه معنى: إِنْ لا تعبدوا الله ولا تتَّقوه ولا تطيعوني، لا يَغفِرْ لكم، ولا يؤخِّركم إلى أجل مسمى، فعلَّل هذا الربط والتلازم بين هذا الشرط المقدَّر وبين جزائه بجملة: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾؛ أي: إن الوقت الذي عيَّنه الله لحلول العذاب بكم إن لم تعبدوه ولم تطيعونِ إذا جاء إبَّانه باستمراركم على الشرك - لا ينفعكم الإيمان ساعتئذٍ؛ كما قال - تعالى -: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98]؛ فيكون هذا حثًّا على التعجيل بعبادة الله وتقواه. فالأجل الذي في قوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾ غيرُ الأجل الذي في قوله: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾، ويناسب ذلك قوله عقبه: ﴿ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ المقتضي أنهم لا يعلمون هذه الحقيقة المتعلِّقة بآجال الأمم المعيَّنة لاستئصالهم، وأما عدم تأخير آجال الأعمار عند حلولها، فمعلومٌ للناس، مشهورٌ في كلام الأوَّلين.

وفي إضافة ﴿ أَجَل ﴾ إلى اسم الجلالة في قوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾ إيماءٌ إلى أنه ليس الأجلَ المعتاد، بل هو أجلٌ عيَّنه الله إنذارًا لهم ليؤمنوا بالله، ويحتمل أن تكون الجملة استئنافًا بيانيًّا ناشئًا عن تحديد غاية تأخيرهم إلى أجل مسمى، فيسأل السامع في نفسه عن علة تنهية تأخيرهم بأجلٍ آخرَ، فيكون أجلُ اللهِ غيرَ الأجلِ الذي في قوله: ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾.

ويحتمل أن تكون الجملة تعليلاً لكلا الأجلين: الأجل المفاد من قوله: ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [نوح: 1]، فإن لفظ ﴿ قَبْل ﴾ يؤذن بأن العذاب موقَّت بوقت غيرِ بعيد، فله أجل مُبْهَم غير بعيد، والأجل المذكور بقوله: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾؛ فيكون أجلُ اللهِ صادقًا على الأجل المسمَّى، وهو أجل كل نفس من القوم.

وإضافته إلى الله إضافةُ كشفٍ؛ أي: الأجل الذي عيَّنه الله وقدَّره لكل أحد.

وبهذا تعلم أنه لا تعارضَ بين قوله: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ وبين قوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾؛ إما لاختلاف المراد بلَفْظَي "الأجل" في قوله: ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾، وإما لاختلافٍ مَعْنَيي التأخير في قوله: ﴿ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾، فانفكَّتْ جهة التعارض[2].

قد يشكل على بعض الناس مواضعُ في كتاب الله وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول بعضهم: إذا كان الله عَلِم ما هو كائنٌ، وكَتَب ذلك كلَّه عنده في كتابٍ، فما معنى قوله: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: 39]؟ وإذا كانتِ الأرزاق، والأعمال، والآجال مكتوبةً لا تزيد ولا تنقص، فما توجيهكم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، ويُنْسَأ له في أثره، فليَصِلْ رَحِمه))؟

وكيف تفسِّرون قول نوح لقومه: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [نوح:3 - 4]؟ وما قولكم في الحديث الذي فيه أن الله جعل عمر داود - عليه السلام - مائة سنة بعد أن كان أربعين سنة؟

والجواب: أن الأرزاق والأعمار نوعان: نوعٌ جرى به القدر، وكُتِب في أمِّ الكتاب، فهذا لا يتغيَّر ولا يتبدَّل. ونوعٌ أَعلَم الله به ملائكتَه، فهذا هو الذي يزيد وينقص؛ ولذلك قال الله - تعالى -: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]، وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ، الذي قدَّر الله فيه الأمور على ما هي عليه.

ففي كتب الملائكة يزيد العمر وينقص - وكذلك الرزق - بحسب الأسباب، فإن الملائكة يكتبون له رزقًا وأجلاً، فإذا وَصَل رَحِمه، زِيدَ له في الرزق والأجل، وإلا فإنه ينقص له منهما.

والأجل أجلان: أجلٌ مُطلَق يعلمه الله، وأجلٌ مقيَّد، فإن الله يأمر المَلَك أن يكتب لعبده أجلاً، فإن وصل رَحِمه، فيأمره بأن يَزِيد في أجله ورزقه، والملك لا يعلم أَيُزَاد له في ذلك أم لا؟ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لم يتقدَّم ولم يتأخَّر". يقول ابن حجر العسقلاني: "الذي سبق في علم الله لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، والذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عملِ العامل، ولا يبعد أن يتعلَّق ذلك بما في علم الحفظة والموكَّلين بالآدمي، فيقع فيه المَحْوُ والإثبات؛ كالزيادةِ في العمر والنقص، وأما ما في علم الله، فلا مَحْوَ فيه ولا إثبات، والعلم عند الله"[3]. قال الزمخشري - تبعًا للمعتزلة -: "يؤخِّركم إن آمنتم إلى آجالِكم، وإن لم تؤمنوا عاجَلكم بالهلاكِ قبل ذلك الوقت"، وهذا على قولهم بالأجلين، وأهل السُّنة يَأبَون هذا، فإن الأجل عندهم واحدٌ محتوم، والله - تعالى - أعلم[4]. قال ابن عطية: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ مما تعلَّقت المعتزلة به في قولهم إن للإنسان أَجَلين، قالوا: لو كان واحدًا محددًا، لَمَا صحَّ التأخير إن كان الحد قد بلغ، ولا المعاجلة إن كان لم يبلغ. قال: وليس لهم في الآية تعلُّق؛ لأن المعنى: أن نوحًا - عليه الصلاة والسلام - لم يَعلَم هل هم ممن يؤخَّر أو ممن يعاجَل؟ ولا قال لهم: إنكم تؤخَّرون عن أجل قد حان لكم، لكن قد سبق في الأزل أنهم إما ممن قضي له بالإيمان والتأخير، وإما ممن قضي له بالكفر والمعاجلة. ثم تشدَّد هذا المعنى ولاح بقوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾، وجواب (لو) محذوفٌ تقديرُه: لو كنتم تعلمون، لبادرتُم إلى عبادته وتقواه، وطاعتي فيما جئتُكم به منه - تعالى. ولَمَّا لَمْ يُجِيبوه وآذَوه، شَكَا إلى ربه شكوى مَن يعلم أن الله - تعالى - عالِم بحاله مع قومه لَمَّا أُمِر بالإنذار فلم يجد فيهم[5]. قال ابن عاشور: أما مسألة تأخيرِ الآجال، والزيادة في الأعمار، والنقص منها، وتوحيد الأجل عندنا، واضطراب أقوال المعتزلة في هل للإنسان أجل واحد أو أجلان - فتلك قضيةٌ أخرى ترتبط بأصلين: أصل العلم الإلهي بما سيكون، وأصل تقدير الله للأسباب وترتب مسبباتها عليها. فأما ما في علم الله، فلا يتغير، قال - تعالى -: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾ [فاطر: 11]؛ أي: في علم الله، والناس لا يطَّلعون على ما في علم الله. وأما وجود الأسباب كلها؛ كأسباب الحياة، وترتب مسبباتها عليها، فيتغيَّر بإيجاد الله مغيِّرات لم تكن موجودة؛ إكرامًا لبعض عباده، أو إهانة لبعض آخر. وفي الحديث: ((صدقةُ المرءِ المسلم تزيد في العمر))؛ وهو حديث حسن مقبول، وعن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يُمَد في عمره، فليتَّقِ الله وليَصِلْ رَحِمه))؛ وسنده جيد.


الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2488
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره


فآجال الأعمار المحدَّدة بالزمان، أو بمقدار قوة الأعضاء وتناسب حركتها - قابلةٌ للزيادة والنقص، وآجال العقوبات الإلهية المحدَّدة بحصول الأعمال المعاقَب عليها بوقتٍ قصير، أو فيه مهلة - غيرُ قابلة للتأخير، وهي ما صدق قوله: ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ﴾، وقد قال الله - تعالى -: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39] على أظهر التأويلات فيه، وما في علم الله من ذلك لا يخالِف ما يحصل في الخارج.

فالذي رغَّب نوحٌ قومَه فيه هو سبب تأخير آجالهم عند الله، فلو فعلوه تأخَّرت آجالهم، وبتأخيرها يتبيَّن أن قد تقرَّر في علم الله أنهم يعملون ما يدعوهم إليه نوح، وأن آجالهم تطول، وإذ لم يفعلوه فقد كشف للناس أن الله عَلِم أنهم لا يفعلون ما دعاهم إليه نوح، وأن الله قاطعٌ آجالَهم، وقد أشار إلى هذا المعنى قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّر إلى ما خلق له))


الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2647
خلاصة حكم المحدث:
صحيح

وقد استعصى فهمُ هذا على كثيرٍ من الناس؛ فخَلَطوا بين ما هو مقرَّر في علم الله، وما أظهره قدرُ الله في الخارج الوجودي[6].
قال الشيخ مصطفى العدوي: قوله - تعالى -: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يَرِدُ عند هذه الآية مسألةٌ؛ وهي: هل عبادة الله - تعالى - وتقواه سببٌ في طول العمر؟ وهل يزيد العمر عن الحد الذي حدَّه الله - سبحانه وتعالى - بشيء من الأسباب؟

إن مسألة الزيادة في العمر قد ورد فيها نصوصٌ مختلفة، فقد وَرَدتْ نصوص تفيد أن العمر قد يطول ببعض الأعمال؛ فمن ذلك: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه))؛ أي: يوسَّع له في رزقه، ((ويُنْسَأ له في أثره))؛ أي: يؤخَّر له في عمره، ((فليَصِلْ رَحِمه))، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صِلَة الرحم، وحُسْن الخلق، وحُسْن الجوار، يعمران الديارَ، ويزيدان في الأعمار)).

ووردتْ أدلَّة أخرى في كتاب الله - تعالى - وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهرُها يفيد معنًى آخر، فقد قال الله - سبحانه -: ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38]، وقال الله - سبحانه -: ﴿ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس: 49]، وفي الصحيح أن أمَّ المؤمنين أمَّ حبيبةَ - رضي الله تعالى عنها - قالتْ: اللهم أمتعني بزوجي رسولِ الله، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاويةَ، فقال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد سألتِ الله آجالاً مضروبة، وأرزاقًا مقسومة، لن يقدَّم شيءٌ منها ولن يؤخَّر))، أو بنحوه.


الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2663
خلاصة حكم المحدث: صحيح



وفي حديث التخلق قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم يُرسَل إليه المَلَك فيُؤمَر بأربع كلمات: بكتبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)).


الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2643
خلاصة حكم المحدث: صحيح



فاختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: القول الأول: أن لكل أجل كتابًا، ولكل شخص عمرًا قدِّر له، ولكن إذا عمل الشخص الأعمال الواردة في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - زِيدَ له في عمره، فالجمع بين النصوص أن معنى قوله - تعالى -: ﴿ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ﴾ [يونس: 49]؛ أي: إذا جاء أجلهم الذي قدِّر لهم لو لم يصلوا الرحم، فإذا وَصَلوها زِيدَ في أعمارهم؛ لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشار إلى هذا المعنى الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى - ولم يُطِلْ في هذا المقام؛ فهذا قولٌ مبني على ظاهر الأدلة، وهو أن الشخص له عمر مكتوب، لكن إذا وصل الرحم زيد له في عمره.

القول الثاني: أن المراد بطول العمر هو البركة في العمر، فيُذكَر بخيرٍ بعد مماته.

القول الثالث: أن الأجل أجلان: أجل أعلمه الله - تعالى - لملائكته: أَنْ إذا عَمِل عبدي كذا وكذا، فاكتُبُوا له من العمر كذا وكذا، وإذا عَمِل كذا وكذا، فاكتبوا له من العمر كذا وكذا، والله - تعالى - يعلم بالذي سيختاره العبد، وأثبت في اللوح المحفوظ ما سيختاره العبد، وهذا المثبَت في اللوح المحفوظ هو الأَجَل الذي عند الله - تعالى - في أم الكتاب، والمحو والإثبات يكون في الكتاب الذي بين أيدي الملائكة.

ومن هذا ما ورد في شأن موسى - عليه السلام - حين جاءه ملك الموت فلَطَمه ففقأ عينه - كما في صحيح البخاري رحمه الله - فرجع إلى الله - تعالى - ثم بعد ذلك قبض روح موسى - صلى الله عليه وسلم. فالله يعلم بالذي دار كله، وأثبتَ عنده منتهى الأمر الذي سيصدر من موسى، والوقت الذي ستقبض فيه روح موسى، فأثبتَ هذا في أمِّ الكتاب، وأما الذي تغيَّر فهو الذي بيدِ المَلَك.

وإلى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في بعض اختياراته، وثَمَّ أقوال أُخَر. وهذه المسألة وصفها العلماء بأنها من المسائل الشائكة التي ينبغي أن تُجرَى على ظاهرها كسائر الأمور مثلها؛ فهي كمسألة الرزق، إذِ الأجل والرزق مكتوبان، فمكتوبٌ لك وأنت في بطن أمِّك كم سترزق، فإذا سعيتَ والتمستَ الأسباب الصحيحة لطلب الرزق في الظاهر، فإنك سترزق، وإذا نمتَ وتركتَ العمل، فلن يأتيَك رزقُ ذلك اليوم، فإن آمنتَ بأن الرزق مقدَّر ومع ذلك تسعى في الأخذ بالأسباب، فكذلك تؤمِن بأن الأجل مكتوبٌ، وعليك أن تسعى بما يزيد في أجلِك كما تَسعَى بما يزيد في رزقِك.

فالإيمان قائمٌ أن الأجل مقدَّر، وعلمه عند الله - تعالى - مع التدين بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسَأ له في عمره، فليَصِل رَحِمه))، فعليك أن تَصِل الرحم، كما أن عليك أن تَخرُج لطلب الرزق، ومع ذلك تترك الباقي إلى المولى - سبحانه وتعالى - كسائر المسائل المتعلِّقة بالقدر، والله أعلم.

ومن العلماء مَن قال: إن قوله - تعالى -: ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾؛ المراد بها: يدفع عنكم العذابَ، فلا تعذَّبون في الحياة الدنيا، وهذا كالأول، فإن العذاب مقدَّر، فإن أطعتَ الله رفع عنك العذاب، كما إذا وصلتَ الرَّحِم طالتِ الأعمار[7].

يُؤَخِّرْكُمْ مُّسَمًّى PIC-917-1354278139.g

[1] الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد؛ البيهقي: 1/171.

[2] التحرير والتنوير: 29/178.

[3] القضاء والقدر: 1/39.

[4] البحر المديد: 3/18.

[5] تفسير البحر المحيط:10/355.

[6] التحرير والتنوير: 29/179.

[7] سلسلة التفسير، مصطفى العدوي: 75/7.



وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
كتبت : دندوونه
-
مشكووووووره والله يعطيك الف عافيه
كتبت : صفاء العمر
-
كتبت : قره العين
-
كتبت : سماء ميرال
-
يعطيك العافية
كتبت : منتهى اللذة
-
جزاكِ الله خيـر ا
بارك الله في جهودك
وأسال الله لكِ التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة

الصفحات 1 2 

التالي

عمل الدنيا لا ينافي عمل الآخرة للشيخ المنجد

السابق

يا اسفي

كلمات ذات علاقة
أَجَلَ , مُّسَمًّى , يُؤَخِّرْكُمْ , إِلَى