إن عالمنا يشهد اليوم وهو يواجه الأبعاد الخطيرة لظاهرة الصراع محاولات جادة لمحاصرة هذه الظاهرة ويشارك المسلمون مع غيرهم من المؤمنين ومحبى السلام القائم على العدل بجهودهم فى هذه المحاولات ويمكننا ونحن نتابع الاستجابة لتحدى الحملة المنظمة لتشويه الإسلام وإثارة الإحن بين الحضارتين أن نلاحظ أمرين: أولهما حرص تيار قوى بين المسلمين على الدعوة إلى الحوار والدخول فيه مع كل القوى فى عالمنا، رافعا شعار التعارف وصولا إلى التعاون على البر والتقوى، وهكذا رأينا أنواعا من الحوار تجرى منها حوار دينى واخر سياسى اقتصادى اجتماعى، والأمر الآخر أن أصواتا قوية غربية بدأت تنطق فى مواجهة هذه الحملة داعية إلى الحوار وللتعرف على صورة الإسلام الصحيحة وتاريخ الحضارة العربية الاسلامية، مفندة المزاعم التى ترددها حملة التشويه- والأمران معا يحثان على تكثيف الجهود لطرح حقائق الإسلام وشرح موقف الإسلام من الصراع.
يتحدد موقف الإسلام من الصراع تبعا للتصور الإسلامى للكون والحياة والاجتماع الإنسانى. فالله سبحانه عالم كل شئ . وقد شاءت إرادته أن يجعل فى الأرض خليفة، فأنشأ الإنسان من الأرض واستعمره فيها وزوده بالسمع والبصر والفؤاد، وهداه النجدين، وأعطاه حرية الإرادة، وحمله الأمانة، وجعله مسئولا، بعد أن تبين له الطريق المستقيم، وسخر له أشياء كثيرة فى الكون، ودعاه إلى الإيمان وعمل الصالحات واستباق الخيرات ، الإنسان فى هذا التصور ذو نفس وروح وعقل، وقد سوى الله سبحانه النفس الإنسانية فألهمها فجورها وتقواها، وطلب من الإنسان أن يزكيها ليفلح، وحكم بالخيبة على من يدسها. وهكذا فإن هناك صراعا يجرى على مستوى النفس الإنسانية بين الخير والشر والتقوى والإثم والحلال والحرام والحق والباطل، وهو صراع مرتبط بالقيم، ومرجعية القيم فى التصور الإسلامى هى الوحى الإلهى الذى أنزله الله على أنبيائه ورسله. والإنسان مدعو إزاء هذا الصراع إلى الارتقاء بنفسه الأمارة بالسوء فى مدارج السالكين لتصبح لوامة إذا أخل صاحبها بالقيم ولتصل إلى منزلة النفس المطمئنة بالمجاهدة والنهى عن الهوى، وقد ورد فى الأثر وصف جهاد النفس بأنه جهاد أكبر. وهنا يبرز أول معنى من معانى الجهاد، وهذا المعنى يستهدف تحقيق السلام فى النفس الإنسانية بحيث تصبح راضية مرضية من خلال تحقيق التوازن بين الإشراق والضرورات. والإسلام كما أوضح سيد قطب فى كتابه السلام العالمى يبدأ بناء السلام فى العالم بتحقيق سلام نفس الفرد، ومن ثم سلام الأسرة، فسلام المجتمع وصولا إلى السلام العالمى.