شرف المؤمن قيام الليل

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
شرف المؤمن قيام الليل
شرف المؤمن قيام الليل
شرف المؤمن قيام الليل


PIC-954-1352407949.g

شرف المؤمن قيام الليل

الشيخ أحمد الزومان


إنَّ الحمدَ لله نَحْمَده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرورِ أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:
فأفضلُ صلاةٍ نتقرَّب بها إلى ربِّنا بعدَ الفريضة قيامُ الليل؛ فعن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضلُ الصيام بعدَ رمضان شهر الله المُحرَّم، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضة صلاةُ اللَّيْل)؛ رواه مسلم (1163).

وعن سَهْل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاءَ جبريلُ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا مُحمَّد، عِشْ ما شِئتَ فإنَّك ميِّت، واعملْ ما شئتَ فإنَّك مَجْزيٌّ به، وأحْبِبْ مَن شئتَ فإنَّك مُفارقُه، واعلمْ أنَّ شرفَ المؤمن قيامُ الليل، وعِزَّه استغناؤُه عن الناس))؛ رواه الطبراني في "الأوسط" (4278) وحسَّن إسنادَه المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (929).

فعُلوُّ منزلة المؤمِن ورِفْعته مداومتُه على قيامِ الليل، فنِعْمَ المنزلةُ منزلةُ أهل قيام اللَّيل، فهي منزلةٌ باقيةٌ لا تتحوَّل ولا تتغيَّر، فهي شرفٌ في الدنيا لمَا يضعه الله لعبدِه مِن القَبول في الأرض، وشرف في الآخِرة لِمَا لصاحبها مِن النعيم المقيم والدرجات العُلى، فلمَّا ذَكَر الله صفاتِ عباده بقوله - تعالى -: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16] ذَكَر جزاءَهم في الآخِرة: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].

وعن عبدِالله بن سَلاَم - رضي الله عنه - قال: لمَّا قَدِم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ، انجفَل الناسُ إليه، فجئتُ في الناس لأنظرَ إليه، فلمَّا استثبتُّ وجهَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عَرَفْتُ أنَّ وجهه ليس بوجْهِ كذَّاب، وكان أوَّل شيءٍ تَكلَّم به أن قال: ((أيُّها الناس، أفْشُوا السلام، وأطْعِموا الطعام، وصَلُّوا والناس نِيام، تَدْخلوا الجَنَّةَ بسلام))؛ رواه الترمذي (2485) وصحَّحه.

فقيامُ الليل من أخصِّ أعمال أولياء الله، ممَّن سبَقَنا من الأمم؛ فعَن أبي أُمامة الباهِليِّ - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكم بقيامِ اللَّيل، فإنَّه دأبُ الصالحين قبْلَكم، وهو قُرْبة لكم إلى ربِّكم، ومكفرة للسيِّئات، ومنهاةٌ عن الإثم)) رواه ابنُ خزيمة (1135).
الراوي:أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 1184
خلاصة حكم المحدث: حسن


كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقوم مِن كلِّ الليل، لكن الذي استقرَّ عليه فعْل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تأخيرُ القيام والوتر آخِر الليل، فعن عائشةَ - رضي الله عنها - قالتْ: مِن كلِّ الليل قد أوْتَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن أوَّل اللَّيْل وأوسطه وآخِره، فانْتَهى وترُه إلى السَّحَر))؛ رواه البخاري (996) ومسلم (745).

فالقِيام آخِرَ الليل أفضلُ، فله أثرٌ على النَّفْس، فتقلُّ الشواغِل، وتكون النَّفْس أخَذَتْ نصيبها مِن النوم، فينتفع القائم بصَلاته، ويتأثَّر بما يقرؤه لتواطُؤِ القلْب واللِّسان، وقدْ أشار ربُّنا إلى ذلك بقوله: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ [المزمل: 6].

آخِرُ الليل وقتُ النزول الإلهي؛ فعَنْ أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يَنزِل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدُّنيا حين يبقَى ثُلُث اللَّيْل الآخر، يقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يَسألُني فأُعطيَه؟ مَن يستغفرُني فأغْفِرَ له))؛ رواه البخاري (1145) ومسلم (758).

وإذا أردتَ أن تعرِفَ وقتَ دخولِ الثُّلُث الأخير مِن الليل، فانظر عددَ الساعات التي بيْن أذان المغرِب وأذان الفجْر، واقْسمها على ثلاثة، ثم أضِفْ ثُلُثي هذا الوقت إلى وقتِ أذان المغرب، وناتج الجَمْع هو وقت دُخول الثُّلُث الأخير مِنَ الليل.

يقول ربُّنا - تبارك وتعالى - مخاطبًا نبيَّه محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

فامْتَثَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الأمر، فأَمَر أزواجَه وبناتِه؛ فعن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - استيقظ ليلةً فقال: ((سبحانَ اللهِ! ماذا أُنزل الليلةَ مِن الفِتنة؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ مَن يُوقِظ صواحِبَ الحُجرات؟ يا رُبَّ كاسية في الدُّنيا عارية في الآخِرة))؛ رواه البخاري (1126).

فإذا قام أحدُنا من آخِرِ الليل فلْيوقظْ أهلَه، ولْنُذكِّرهم بفضلِ قيامِ اللَّيل، وسنجد أثرَه ولو بعدَ حين، ولا يأتي الشيطانُ أحدَنا ويقول له: أولادك تشقُّ عليهم صلاةُ الفجر، فكيف تأمرُهم بقِيامِ الليل؟! فعن أبي سعيدٍ الخُدري وأبي هُريرَةَ - رضي الله عنهما - قالا: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن استيقظ مِنَ اللَّيْل وأيقَظَ امرأتَه، فصلَّيَا ركعتَين جميعًا، كُتِبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات))؛ رواه أبو داود (1451)، ورُواتُه ثِقات.

وفي الحديث: أنَّ صلاة الليل وإنْ كانتْ قليلةً فهي محبوبةٌ إلى الله، فلْنُداوم على القِيام ولو كان شيئًا يسيرًا، فأحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ.

البعضُ يستعدُّ لقِيام الليل، ثم لا يستيقظ إلا بعدَ طلوع الفجْر فيُستحبُّ له القضاءُ؛ فعن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا عمِل عملا أثْبَته، وكان إذا نام مِنَ الليل أو مَرِض صلَّى مِن النَّهار ثِنتي عشرة ركعة))؛ رواه مسلم (746).

فتُقضَى صلاة اللَّيْل في النهار شفعًا إذا فاتتْ بعُذر، فكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي في الليل إحدى عشرةَ رَكعةً، وإذا قضَى صلاةَ اللَّيل بالنهار جعَلَها ثِنتي عشرةَ رَكعة، فمثلاً مَن عادتُه خمس ركعات يُقال له: صلِّ ستَّ ركعات، وهكذا.




PIC-831-1352407949.g


الخطبة الثانية


البعضُ ربَّما يستثقل قيامَ الليل، ويرى أنَّه شاقٌّ على النفس، وقد يكون ذلك في بدايةِ الأمر، وما أن تمرَّ فترةٌ حتى تفرحَ النفس به، وتشعر بالراحةِ والطُّمأنينة أثناءَ القيام، ولا يشعر المصلِّي بالوقت أثناءَ القيام فيمر سريعًا، كيف لا يأنس مَن ينطرح بين يدي ربِّه يُناجيه، ويثني عليه، ويسأله مِن فضله؟! كيف يسأم مَن خلاَ بمحبوبه في وقتِ قُرْبه منه؟!
تُرِيدِينَ لُقْيَانَ الْمَعَالِي رَخِيصَةً 69851.gif
وَلاَ بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ 69851.gif



فمِن أعظمِ المعوقات عن قيامِ اللَّيل كثرةُ المعاصي، فكثرةُ المعاصي تنفر مِن الطاعات حيثُ يستولي الشيطانُ على العبدِ، فيُظلم قلْبُه فتَميل نفسُه للشهوات، وتشقُّ عليها الطاعات، فعن حُذيفةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تُعرَض الفِتن على القلوبِ كالحَصيرِ عُودًا عودًا، فأي قَلْبٍ أُشْرِبها نُكت فيه نُكتةٌ سوداءُ، وأي قلْب أنْكَرها نُكِت فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى تصيرَ على قلبَيْن: على أبيضَ مثل الصَّفَا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامتِ السماوات والأرض، والآخَر أسود مُرْبادًّا - مسوادًّا قد أظْلَم بسببِ كثرة المعاصي - كالكُوز مُجَخِّيًا - مائلاً فلا يستقرُّ فيه الماء - لا يَعْرِف معروفًا، ولا يُنكر مُنكرًا، إلا ما أُشْرِبَ مِنْ هَواه))؛ رواه مسلم (144).

فمَن رَغِب في قيامِ اللَّيل، فليحفظْ جوارحَه عن الحرام.

ومِن أعظمِ المعوقات عن قِيامِ الليل إطالةُ السَّهَر بالليل، فلا يستطيع الشخصُ القيامَ ولو قام قامَ متثاقلاً لا يَعْقِل صلاتَه.

البعضُ يقوم آخِر اللَّيل، لكن ربَّما حدثتْه نفسُه بغفوة قبلَ أذان الفجر، ثم تفوته الصلاةُ؛ فعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَة: أنَّ عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - فقَدَ سليمان بن أبي حَثْمة في صلاةِ الصبح، وأنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غدا إلى السوق ومَسْكَن سليمان بيْن السوق والمسجد النبويِّ، فمرَّ على الشفاء أمِّ سليمان، فقال لها: لَمْ أَرَ سليمانَ في الصبح، فقالت: إنَّه بات يُصلِّي فغلبتْه عيناه، فقال عمرُ - رضي الله عنه -: "لأنْ أشهدَ صلاةَ الصبح في الجماعة أحبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلة"؛ رواه مالك (296) بإسناد صحيح.

فكم مِن سليمانَ تَفْقِده مساجدُنا في صلاة الصبح، ولو كان ذلك التخلُّف بسببِ القيام، لكان الأمر أخفَّ.

أخي: لماذا تُزهِّد الناسَ في قيام الليل؟
أخي، لماذا تدعوهم إلى التكاسُل عن القِيام؟
عجبًا هل يصدُر هذا من مُسلِم، فضلاً أن يصدر مِن طالب عِلم، مِن داعية، مِن إمام مسجد، مِن حافظ للقرآن، مِن شخص ظاهرُه الصلاح؟!


نعم البعضُ منَّا يُزهِّد الناس في القيام مِن حيث لا يشعُر، فمَن يُخالطه مِن أهل بيته ومِن أصحابه والناس في الحَضَر والسَّفَر لا يَجِدونه يُصلِّي في الليل، يرونه إذا فرَغ مِن صلاة العشاء أوْتَر، فيزهدون في قِيام الليل، ولسان حالهم يقول: إذا كان فلانٌ لا يقوم الليلَ، فأنا مِن باب أَوْلى.

قد تقول أخي: لم أفعلْ أمرًا مكروهًا فضلاً عن كونِه معصيةً، وأنت مصيبٌ في قولك، لكن أنت ممَّن يُقْتدَى به، فعليك مِن التَّبِعة ما ليس على غيرِك، أنت تدعو الناسَ إلى الخير بِحَالك قبلَ مقالِك، فتفَطَّن لذلك.


شرف المؤمن قيام الليل
شرف المؤمن قيام الليل
شرف المؤمن قيام الليل
كتبت : دكتورة سامية
-
بارك الله بكِ أخيتي
اللهم اشغلها بك وهب لها هبة
لا سعة فيها لغيرك إنك أنت العزيز الوهاب
اللهم اقطع عها كل قاطع يقطعها عنك
اللهم تَوَلَّها ولا تُوَّلِ عليها غيرك
اللهم إنها ترجو رحمتك وتخشى غذابك
align="left"> اللهم اجعلها من المرحومين ولاتجعلها من المطرودين وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه
كتبت : فراشة حواء
-

بسم الله الرحمن الرحيم
((ياأيها ألذين أمنو أتقو الله حق تقاته ولإ تموتن إلآ وأنتم مسلمون ))
((صدق ألله ألعظيم )) [
102] من سورة ال عمران بارك الله فيك اختي الغالية على الموضوع الشيق والاروع
كتبت : أمواج رجيم
-
موضوع مميز
بارك الله فيك
كتبت : صفاء العمر
-
جزاك الله خير عبير
تقبلي تقديري واحترامي
لموضوعك الرائع
كتبت : سنبلة الخير .
-
بارك الله فيك وجعله في موازين حسناتك
ما شاء الله لنشاطك المميز ومواضيعك الهادفة
جعل الله ماتقدمين شاهدا لك يوم القيامة
لاعدمناك

التالي

سهام المعاصي والدواء الشافي .. الشيخ على بن عمر بادحدح

السابق

جملة من بعض أخطاء المصلين

كلمات ذات علاقة
الليل , اللؤلؤ , شرف , قيام