الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت :
~ عبير الزهور ~
-
الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
• معرفةالمعاني والمقاصد وهو التعريف.الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
• معرفة المنافع والفوائد وهو الترغيب.
• معرفة الوسائل والطرائق وهو التعليم.
• معرفة المزالق والعوائق وهو التحذير.
ومن هنا من هذه العناصر الأربعة الرئيسة نستطيع أن نعرّف الهمة،وأن نتعلّق بها ونرغب فيها، وأن نعرف طريقها ووسائلها، وأن نحذر من عوائقها وقواطعها، نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا الهمم الصالحة النافعةالعالية، وأن يجعل همنا وهممنا متعلقة به وبمرضاته سبحانه وتعالى.
أولاً: معرفة المعاني والمقاصد
الهمة:" مشتقة من الهم، والهم هم ما يُهم به من أمر ليُفعل ".
قال أهل اللغة الهمة هي الباعث على الفعل وتُوصف بعلو وسفول أي فيقال همة عالية وهمة سافلة.
وفي بعض القواميس الهمة بالكسر هي أول العزم وقد تُلق وتُخص بالعزم القوي فيقال همة عاليةأي قوية.
ونرى أيضاً التعريف الذي يُوضح الصلة بين الهم والهمة وما يتعلق أيضاًبالعزم فيما ذكره ابن القيم - رحمه الله - حيث قال: " الهمة فعلة من الهم ".
وهو مبدأ الإرادة أي الهم مبدأ الإرادة ولكن خصوها أي الهمة بنهاية الإرادة فالهم مبدأها والهمة نهايتها والجامع بينهما أنهماأي الهم والهمة أمر نفسي يبعث على العمل فأوله وبدايته هم ونهايته أي التي تكون أعلى مراتبه وأسمى مقاصده هي الهمة.
ومن هنا نعرف أن الهم هو الابتداء وأن الهمة هي الانتهاء ومن هذه التعاريف اللغوية نقف على عدة أمور لابد من معرفتها:
أولها:أن الهمة أمر قلبيّ نفسيّ هي أمرٌ في النفس والقلب ليست شيئاً ملموساًمحسوساً وإنما الملموس هو آثارها وفعلها وما تدعو إليه وما تحضع له.
والثاني: هو أن هذه الهمة هي المحركوالدافع للقوة لأننا نعلم أنه ما من عمل يظهر في الوجود ويقع في الواقع إلاويسبقه تفكير بالعقل وعزم وهمة في القلب ثم حينئذٍ يكون الواقع ما من عمل إلا ولابدمن سابق تفكير ومشاعر نفس وقلب تتعلق به إما إقداماً عليه وإما إحجاماً عنه ولوتفكر الناس لوجدوا أن كل أعمالهم كذلك.
كل عمل من الأعمال لا يخرج ولا ينفك عن فكر العقل وهم القلب.
الأمر الثالث: أن هذه الهمة تتحول في الواقع بعد أن تكون أمراً قلبياً نفسياً وتكون سبباً من أسباب القوة تتحرك إلى فعل وعمل دائب مستمر يترقى في معارج الكمال ويسمو إلى ذُرى المعاني ويجمح بصاحبه إلى ألا ينتهي إلى حدٍ دون الكمال الذي ينشده بقدر الطاقة البشرية.
ونعود مرة أخرى في المعاني إلى التعريفات المعنوية أو الاصطلاحية التي ذُكرت عن بعض أهل العلم.
فقال بعضهم وهو الجورجاني في التعريفات: " الهمة توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره ".
توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية في أي مجال إلى جانب الحق لأي غرض لحصول الكمال له أو لغيره.
وسنرى في تحليل التعاريف ما يفيدنا أيضاً.
وقال بعضهم في علو الهمة على وجه الخصوص هي: " استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور ".
وهو كلام نفيس على وجازته يحمل المعاني العظيمة، هي استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور أيكل أمور هو دون الكمال ودون النهاية يكون صغيراً عند صاحب الهمة العالية يتجاوزهإلى غيره وينتهي منه ليبحث عن ما وراءه ويصعد فيه ليرقى إلى ما فوقه وهذا معنى عظيم.
وقيل أيضاً في هذا المعنى: " خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن في العلموالعمل ".
أي أن النفس ينقدح فيها من هذه الهمة ما يدفعها إلى رغبة حصول الكمالفي العلم والعمل معاً.
وقال صاحب المنازل شيخ الإسلام الهروي - رحمه الله - فيهذا المعنى عن الهمة: " هي ما يملك الانبعاث للمقصود صِرفاً لا يتمالك صاحبها ولايلتفت عنها ".
ما يملك الانبعاث للمقصود صِرفاً أي هو الأمر الذي يستولي على صاحبه استيلاءً عظيماً كاستيلاء المالك على المملوك ويكون صِرفاً خالصاً.
أيأنه يكون شعورٌ قلبيّ وتحرك نفسيّ يتملك صاحبه ويسيطر عليه ويكون له صِرفاً خالصاًلأي شيء قال لا يتمالك صاحبها يعني لا يستطيع صاحبه أن يملك نفسه إلا أن يمضيه وأنيعمله بمعنى أنه لا يقدر على المهلة والتأخير ولا يتمالك صبره بل يغلبه حتى يُوفده في الواقع ولا يلتفت عنها أي لا يلتفت عن هذه الهمة إلى ما سواها من الأمور.
وإذا وقفنا أيضاً مع هذه المعاني لنرى أهم دلالاتها نجد أنها:
أولاً: تؤكد على ما سبق بأن الهمة أمرٌ نفسي قلبي.
والمعنى الثاني المهم: معنى التركيز فنحن رأينا في كل التعريفات الأول توجهالقلب وقصده بجميع قواه الروحانية يعني تركيز كل القوى في الهمة والعزم في أمر من الأمور العظيمة وفي معالي الأمور بوجهٍ عام.
وأيضاً نرى ذلك في قول الهروي مايملك الانبعاث للمقصود صِرفاً.
وأيضاً معنى ثالث:هو أن هذه الهمة متفاعلة متحركة ؛ لأننا نرى أنها تملك صاحبها وتحثه وتحضه.
والأمر الرابع: وهو الأهمهنا هو أن هذا التحرك لا يرضى إلا بالأعلى والأتم والأكمل كما رأينا في كل التعريفات إلى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره.
وأخيراً المعنى الخامس المهم: أن يستصغر ما سواها ولا يلتفت إليه.
كما قال الهروي - رحمه الله - ولايلتفت عنها لا يلتفت عن مراد همته ؛ فإن كان همته في الطاعة وفي معالي الأمور فإنهلا يلتفت إلى الصغائر ولا تشغله ولا يفكر فيها ولا تأخذ شيئاً من وقته ولا يبذل لهاشيئاً من جهده مطلقاً.
إذا عرفنا المعنى اللغوي وعرفنا المعنى الاصطلاحي وبعض ما يُلحظ من ذلك.
بقي أن نعرف أن الهمة مولودة مع الإنسان فكل إنسان عنده همة ؛ لأن كل إنسان له قلب ونفس وعنده أشواق وآمال ولديه طموحات.
لكن ما الذي يفرق بين الناس كسائر الأمور كل الناس لهم عقول فما بال الناس بعضهم حفظة وبعضهم بلداء وبعضهم أذكياء وبعضهم أغبياء ؟
إن الذي ينشط أي طاقة من طاقاتهم ويحرص على رعايتها ويعمل على تنميتها تزداد عنده والذي يغفل عنها ويهملهالا يكون كذلك.
كلنا لنا أبدان ولنا عضلات وقوى ألا نرى بعضنا مترهلاً متكاسلاًلا يستطيع أن يرقى درجتين ولا أن يمشي خطوتين وبعضهم كما يُقال جسمه رياضي ماذا صنع إنه حرص على تقوية هذه الطاقة وتنميتها.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: " وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي وإنما تقصر فيه تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات تفتر أو تقتر، فإذا حُثت سارت فمتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلاً فسل الموفق فلن تنال خيراً إلا بطاعته فمن الذي أقبل عليه ولم يرد كل مراد ".
هذاأمر مهم ؛ لأن بعض الناس يقول من أين سآتي بالهمة العالية ؟
فتش عنها بين جنبيك ابحث عنها في أعماق نفسك إنها في قلبك إنها أمر لا تستجلبه من خارجك بل تستنطقه وتستحثه من داخلك.
وكما قال القائل: " المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت وإن قصّر بها اتضعت ".
فأنت إن نشطت همتك ارتفعت وإن فكرت في السفاسف وانشغلت بالتوافه ؛ فإن همتك تدنو وتسفل.
وهذا أمر مُشاهَد ومن هنا كان بين الناس تفاوت في الهمم كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال: " ولله الهمم ما أعجبشأنها وما أشد تفاوتها فهمم متعلقة بالعرش وهمم حائمة حول الأنتان والحُش ".
همم متعلقة بالعرش بطاعة الله - عز وجل - والأنتان والحُش أجلكم الله مكان قضاء الحاجات فبعضها سامية وبعضها دانية وبعضها عالية وبعضها سافلة من هذا التفاوت.
والذي يتأمل يجد هذا ويعرفه ولعلي أذكرللتوضيح مثالاً عارضاً رُوي عن عبدالله بن قيس أبي أمية الغفاري أنه قال: " كنا في غزاة فحضر عدوهم فصيحَ فيهم أي بما يكون من هذا فصيحَ بالناس فهم يثوبون إلى مصافهم قال فإذا رجلٌ أمامي آخر أو أول خيري عند آخر خيره وأنا أسمعه فإذا به يُخاطب نفسه ويقول أي نفسي ألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلتي لي أهلك وعيالك فأطعت ورجعت والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك أو تركك، فقلت: لأرمقنه اليوم فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في حُماتهم ثم إن الناس حملوا فكان في أوائلهم ثم حمل العدو فانكشفوا وكان في حُماتهم، قال: والله ما زال ذلك دأبه حتى رأيته صريعاً فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة ".
هذا يبيّن لنا التفاوت مرة استجاب لضعف نفسه وانشغاله بأهله وركونه إلى دنياه فسفلت همته ومرة رقّاها وشجعها فعلت همته.
كماقال أيضاً صاحب المدارج ابن القيم قال: " علو الهمة ألا تقف دون الله ولا تتعوض عنه بشيءٍ سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع النفس حضها من الله وقربه والأنسبه والفرح والسرور والابتهاج به بشيءٍ من الحظوظ الخسيسة الفانية ".
فالهمة العالية على الهمم كالطائر العاليعلى الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليه ؛ فإن الهمةكلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان ؛ فإن الآفات قواطع وجواذب وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه وإنما تجتذب من المكان السافل فعلو همة المرء عنوان فلاحه وسفول همته عنوان حرمانه نسأل الله - سبحانه وتعالى - السلامة.
إذن عرفنا أن الهمة موجودة وأنها تترقى وأنها تتسفل وأن لذلك مراتب ومنازل بقدر ما يُعامل الإنسان نفسه وبقدر ما يسعى إلى الحرص على ذلك.
وبقي أيضاً أن نعرف مفتاح المعرفة للمعاني والمقاصد والكشف عن هذه الحقائق، إنه يتلخص في أمرين ذكرهما ابن القيم أيضاً رحمه الله قال: " كمال الإنسان مداره على أصلين معرفة الحق من الباطل وإيثار الحق علىالباطل ".
معرفة الحق على الباطل أي بالعلم وإيثار الحق على الباطل أي بالعزم والعمل ؛ فإنه كما قال الله عز وجل:
{ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أُولي الأيدي والأبصار}.
قال فالأيدي القوة في تنفيذ الحق وكمال تنفيذه،والأبصار البصائر في الدين.
فلابد من علم يُبصّر، ولابد من همة تُنفذ، فنحن إذا فقدنا الهمة فقد فقدنا شطر أسباب النجاح..
فكم من الناس يعرفون الأمورو الأحكام يعرفون الصلاة وفرضيتها، ويعرفون الجماعة وأهميتها..
لكنه يسمع الآذان ويعرف الحق فتسفل به همته وليس عنده همة تنبعث، لذلك فلا يقع العمل منه على مرادالعلم وهذا مما ينبغي الانتباه إليه لأن مراتب السعادة والنجاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما.
إما ألا يكون له علماً بها فلا يتحرك الذي لايعرف أن هذا الأمر واجب لا ينبعث له إذا لم يعرف أن هذا العمل فيه فائدة لا يذهب إليه إما ألا يكون له علماً بها فلا يتحرك طلبها، أو يكون عالماً بها ولا تنهض همته إليها، فلا تزال نفسه وهمته في حضيض طبعه محبوسة، وقلبه عن الكمال مطروداًمنكوساً نسأل الله عز وجل السلامة.
وإذا عرفنا ذلك عرفنا أن الناس يتفاوتون في الهمم ولهم أقسام بهذه الاعتبارات إما عرفٌ بالحق وهمته ضعيفة وإما عرفٌ بالحق وهمته عالية فهو الذي ينال المرتبة العليا وإما جاهلٌ بالحق وهمته عالية، فهي تنصرف إلى الباطل كما سنرى وإما جاهلٌ بالحق وليست له همة فهذا شأنه أدنى من البهائم أجلّنا وأجلّكم الله.
فهذا أمر معرفة المعاني والمقاصد.
وأما الجانب الثاني:
فهو معرفة المنافع والفوائد:حتى نرغب في الهمة العالية فلننظر إلى ما نجنيه منها وإلى ما نحصل عليه في دنيانا وأخرانا من وراءها فإن ذلك فيه خيرٌ كثير وفضلٌ عميم بإذن الله سبحانه وتعالى.
والفوائد شتى نذكر منها أطرافاً وقد يكون وراء ذلك من الفوائدالكثير والكثير منها:
أولاً: التقدم والمثوبة صاحب الهمة العالية يتقدم غيره وينال من الأجر والثواب حتى وإن قصّر في العمل ما لا يناله غيره.
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :(من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةكاملة).
الراوي: عبدالله بن عباسالمحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 131
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فهو همَّ هم صدقٍ وإنما حيل بينه وبين العمل لعارض وعذر مشروع فنال بهمته ما لا يناله غيره.
وفي الصحيح عند البخاري أيضاً عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).. عنده همة عالية طارت به إلى المعارك، وخاضت به في ميادين الوغى وأرادالله سبحانه وتعالى له أن يموت على فراشه كما مات ابن الوليد سيف الله ورسوله وهويقول كما نعلم في مقالته المشهورة أنه قال: " خضت كذا وكذا من المعارك ولقيت الموت في كذا وكذا من المظان وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء ".
والمتخلفون والمخلفون في غزوة تبوك منهم الفئة الذين جاءوا إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقد احترقت قلوبهم شوقاً إلى الجهاد وقد غلت نفوسهم طموحاً إلى التضحية والقتال وبذل الأموال والأرواح في سبيل الله وجاءوا وفي جوانح هم هذا العزم وذاك المضاء وتلك الهمة العالية فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام:(لا أجد ما أحملكم عليه).. ليس هناك دابة ورواحل، وليس هناك زاد وتجهيز فما قالواالحمد لله صُرف عنا العناء وذهب عنا الشقاء وجانبنا البلاء ! بل كما قال الله عزوجل: { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقوه }.
يبكون بكاء الإنسان الذي فاته أغلى شيء كان يحبه وأعظم شيء كان يتمناه، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام: (إن بالمدينةرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم بالأجر حبسهم العذر).
الراوي: أنس بن مالكالمحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4423
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
نالوا وهم قعود الأجر الذي ناله السائرون لأنهم صدقوا في همتهم وعزمهم فكيف من يمضي همته وعزمه بالعمل.
هذه أمثلة
لمن كانت له همة ولم يتيسر له العمل كما وردأيضاً في سنن الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(ما من امرئٍ تكون له صلاة بالليل فغلبه عليها نومٌ - أي لتعب أو عارض - إلا كُتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه).
فضلٌ من الله عز وجل وأيضاً بيان لعظمة أهمية تلك النية.
والتقدم والسبق إلى الله - سبحانه وتعالى - إنما هو كما قال أهل العلم بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل وإنساواه بعمله فاق عليه بعمله.
فهذه فائدة عظيمة.. وكما قلت كيف بمن عمل العمل هذا إن عرض له عارض فمنعه عذرٌ نال هذا الأجر وتلك المنزلة فكيف بمن أنفذ العمل.
الفائدة الثانية: فائدة عظيمة وهي التعلق بالمعالي والوصول إلى الذُرى
فإن صاحب الهمة العالية ما تزال همته تنخسه، وماتزال تحثه حتى لا تُبقي له وقتاً ولا راحة إلا في السعي إلى المراد الأعظم من الكمال الذي يطمح إليه بهذه الهمة العالية.
السبب الذي يجعل كثيرٌ من الناس يطلبون الأدنى من الأمور ويقصدون ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعا إنما هو فساد العلم أو ضعف الهمة، فكم نرى كثيراً من الناس وهو على هذا النهج، حتى إن كثيراً من الناس أعظم ما يشغله هو الصغائر والتوافه وأكثر ما يستنفذ جهده ويضيّع فيه وقته هو هذه الأمورلِما ؟
لأنه ليست له همة عالية فيفوته حينئذٍ المراتب العالية.
انظر إلى الكسول من الطلاب - على سبيل المثال - ماذا يقصد ؟
ما مراده ؟
ما أعلى مطلوبه ؟
هو النجاح.. إن وجد درجة النجاح فرح بها فرحاً عظيماً فهو حينئذٍ يقنع بهذا ولا يطلب غيره،أما عالي الهمة فإنه يطلب أن يحصل على الدرجة الكاملة ؛ فإن فاتته نصف درجة حزن عليها حزناً عظيماً وعزم على ألا يفرط في ذلك في مرة قادمة.
فمن أعظم فوائد هذه الهمة العالية التي تجعلنا نتعلق بها أن صاحبها دائماً ينال كما يقولون المكاسب والمغانم والمراتب العالية والأوسمة والشرف لأنه باستمرار يسعى إلى ذلك ويطمح إليه كما سنذكر في أمثلة كثيرة مما سيأتي ذكره.
فائدة أيضاً ثالثة: وهي مهمة جداً وهي العزم والجزم كثيرٌ من الناس أكثر عيوبهم وأعظم ما يفوت عليه المصالح والمنافع هو التردد يفكر في الأمر فيخشى وتتردد عزيمته وتتردى همته ومن يستطيع ذلك وكيف سأصنع هذا وكيف سأصل إلى تلك المرتبة فإذا به يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وربما فاتت الفرصة وربما تردد ورجع ففاته ذلك.
أما صاحب الهمة العالية ؛ فإنه صاحب عزم وجزم لا يتردد وذلك أمره بيّن ظاهر والله عز وجل بيّنه لنا حثنا عليه كما قال سبحانه وتعالى: { فإذا عزمت فتوكل على الله }.
إذا هممت بالأمر من الخير والمعالي من الأمور فما بالك تتردد ! وما بالك ترجع أو تنكص.. إذا عزمت فتوكل على الله.والله - جل وعلا - وصف أهل الإيمان فقال:{ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق }.
ليس هناك نكوص بعد التقدم ولا رجوع بعد السبق، فقال الله - جل وعلا - أيضاً: { من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم أُحد كان يرى البقاء في المدينة، فجاء بعض الشباب وبعض من لم يشهد بدراً من الذين تحمسوا يريدون الأجر والمثوبة، فأشاروا ورغبوا وألحوا في الخروج فعزم النبي صلى الله عليه وسلم واتخذ أهبته ولبس عدته وارتدى لامته فقالوا: يا رسول الله كأنا استكرهناك فافعل ما بدا لك ! ولو أنه - عليه الصلاة والسلام - رجع لكان ذلك أعظم التردد الذي يثير البلبلة والاضطراب ويكون فيه ما يكون.
ولعل من أعظم أمثلة الهمة العالية التي تبيّن لنا هذه الفائدة موقف الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - الذي هو من أعلى أعلى أهل الإيمان علواً في مرتبة الإيمان وأعظمهم في اليقين حتى لُقب بالصديق - رضي الله عنه - نعلم أنه بعد وفاة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -كان هناك أمران عظيمان واجها أبا بكر رضي الله عنه:
أولهما وأخطرهما: ردة المرتدين إما عن الإسلام بالكلية أو امتناع عن أداء الزكاة.
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته كان قد جهز جيشاً وعقد لأسامة بن زيد اللواء فرأى بعض المسلمين أن الأمرخطير وأن الحالة والظروف عصيبة وأن إمضاء الجيش قد يكون فيه وله تبعات، وأن هؤلاءالمرتدين كُثر والصحابة في المدينة وما حولها من مكة كلٌ وليست عندهم تلك القدرة أوالقوة، التي ربما يواجهون بها كل ذلك فجاء عمر إلى الصديق - رضي الله عنه - يقول له في شأن أسامة إن بعض الأنصار قالوا: " أرجأ بعث أسامة ".
وقال له أيضاً في شأن حرب المرتدين: تألف الناس وأرفق بهم !.فماذا قال أبي بكر عالي الهمة - رضي الله عنه - ضرب على صدر عمر ويقول له: " رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك، أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام يا عمر إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدين أو يُنتقص الدين وأنا حي ".
وأنفذ جيش أسامة من وقته وسيّر أحد عشرة لواءً وجيشاً لقتال المرتدين فلم ينتهي العام بل قبل نهايته حتى استتب الأمر بعزم أبي بكر وحزمه وجزمه رضي الله عنه.
وهكذا تفعل الهمة العالية صاحبها لا يضيع الفرصة ولا يرتبك في المواطن العصيبة ولا يتردد أو يختل فكره أو يتشوش تدبيره عندما تحيط به المخاطر لأن له من همته عزيمة ماضية وحزم يبت الأمور ولا يرجئها.
وكبير الهمة كما قيل يتحسرعلى ساعة مرت به في الدنيا لا لأنه كان يعصي الله فيها وإنما لأنه لم يعمرها بطاعةالله سبحانه وتعالى.
ومن الأمثلة على ذلك أمثلة كثيرة كما فعل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله ورضي الله عنه - كان المتوقع أو المنطقي أن ينظرالخليفة عمر - رضي الله عنه - إلى الأوضاع التي تغيرت بسبب كثير مما سلف قبله من الخلفاء وما انتقض من أمر الأمة بوجود الخوارج وغير ذلك وكان الأمر عظيماً والفرق متسعاً ومع ذلك قادته همته إلى أن يحسم الأمور وأن يعزم ورغم أنه لم يمضي إلا نحومن عامين في خلافته إلا أنها كانت الفترة التي استتب فيها الأمن وازداد الرخاء وعظم العلم وانتشرت البركة وكان فيها ما فيها من الخير الذي نعرفه.
الفائدة الرابعة: العزة والأنفة
فإن صاحب الهمة عزيز لا يرضى بالذل والذل هو أرذل الصفات وأقبحها هذا الإنسان خلقه اللهعز وجل حتى في خلقته:
{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}.
إنه المخلوق المنتصب قامة المرتفع جبهة الذي لا يذل إن كان على المنهج الحق إلا لله لا يطأطأرقبته ولا يحني جبهته ولا يثني صلبه إلا في طاعة الله والخضوع والصلاة له.
أماإذا خلا القلب من الإيمان وخوى من العزيمة والهمة ؛ فإنه يكون ذليلاً لأي شيء يُذله للدرهم والدينار ويُذله الخوف على الحياة ويُذله طلبه للرفعة والجاه وكم نرى من الناس يمرغون وجوههم ويُذهبون ماءها وراء هذه اللعاعات من الدنيا والتفاهات من مطالبها.
فذاك يبيع شرفه ويضيع مكانته وربما يعق نسبه لأجل مكانة أو منصب وهكذاوهذا كما نرى.
وأما أصحاب الهمم العالية فيأنفون حتى من المهمات الحسنة إن كانت صغيرة حتى إن كان هناك عملٌ صالحٌ لكنه صغير فإنهم يرون أن عزتهم وأنفتهم وطموحهم وهمتهم تطلب ما هو أعلى.
وكما نعلم قيل لبعض ذوي الهمم العالية جاءه رجل وقال لي: عندك حويجة !
فقال له: " اطلب لها رجيلاً "، إن كانت حاجتك صغيرة فاذهب صغير يقضيها لك وأما أنا فلا أنظر إلا إلى معالي الأمور وكبارها.
وقيل لبعض العلماء لي سؤال صغير قال اطلب له رجل صغير.
ولا يعني ذلك أن لايُجاب عن السؤال ولكن نحن نلفت النظر إلى ما يُنظر إليه بل إن الإنسان ليعجب من المواقف التي ينتبه إليها بعض الناس.
جاءهم في رجل من الكرام قومٌ قالوا:جئناك في حاجة لا ترزأك - يعني لا تُنقص منك شيء - فقال: " هلاّ طلبتم لها سفاسف الناس ".
وعن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب أنه جاءته امرأة فسألته مالاًفأعطاها شيئاً عظيماً فقيل له: إنها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير !
قال: " إن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي ".
وتُروى هذه المنقبة أيضاً عن يزيد المهلبي الذي كان من الأمراء المشهورين بالكرم إذ مرّ ببادية من الأعراب فسألوه فأعطاهم شيئاً كثيراً فقيل له: إنهم لايعرفونك !
قال: ولكني أعرف نفسي.
ومن لطائف ما يُذكر في ذلك أن رجل رأى ابنالمبارك يعضُّ يد خادمه فقال له: أتعض يد خادمك ؟!
قال: كم آمره ألا يعد الدراهم على السّؤال وأقول له أحث حثواً ولا سمعني.
يعد وأقول له لا تعد خذ وأعطي فكان يعض يده حتى يستجيب لأمره بألا يعد.
وهذا يدلنا على أن صاحب الهمة العالية كماقلنا عنده من أنفته ما لا يجعله يرضى بالقليل والدون حتى من صالح الأعمال.
والشافعي رحمه الله يقول:
عليّ ثياب لو يُباع جميعها **** بفلس لكانالفلس منهن أكثرا
وفيهن نفسٌ لو تُقاس بها **** نفوس الورى كانت أعز وأكثرا
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده **** إذا كان غضباً حيث وجهته فرى
وهكذا ينبغي أن يكون أصحاب الهمم العاليةوهذا أمرٌ كثيف ويجعل المرء لا يقبل الذل.
جاء في ترجمة الخطيب البغدادي - رحمه
الله - أنه دخل عليه بعض العلوية ومعه دنانير فقال للخطيب: فلان يُسلم عليك ويقول اصرف هذا في بعض مهماتك "يعطيه شيئاً من المال" فقال لا حاجة لي فيه وقطّب وجهه،فقال له الرجل: كأنك تستقله ونفض ما معه على سجادة الخطيب ؛ ليُريه أنه مالٌ كثيرفقال هذه ثلاثمائة دينار فقام الخطيب - رحمه الله - محمّر الوجه وأخذ طريقه وخرج وسحب سجادته، وظلّ الرجل يلتقط الدنانير ويجمعها من وراءه.
قال أحد تلاميذالخطيب وهذا يبيّن لنا أثر الهمة العالية قال: ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذاك العلوي الذي يجلس في الأرض يلتقط الدنانير وذاك قد مضى لحاله.
كما قال القائل والأبيات منسوبة للشافعي أيضاً:
يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا **** رجل عن موضع الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ***** ومن أكرمته عزة النفس أُكرما
وهذا أمر كما قلنا مهم والأمثلة عليه كثيرةلعلنا نذكر أيضاً بعضاً منها لأهميتها.
سعيد الحلبي شيخ من أهل وعلماء الشام كان في الدرس يجلس ماداً رجله لكبر سنه ودخل عليه جبار الشام إذ ذاك إبراهيم باشا ابن محمدعلي باشا وهذا عهدٌ قريب منا ليس ببعيد فظلّ في درسه ولم يلتفت إليه ورجله ممدودة نحوه فامتعض هذا الرجل، وكتم أمره، ولما خرج بعث إليه بصرة من المال فيها ذهب فردّها الشيخ وقال للرسول: " قل للباشا إن الذي يمد رجليه لا يمد يديه ".
وهذاأمرٌ عظيم وانظر إلى أعظم من ذلك في سيرة الصحابي الجليل خبيب ابن عدي رضي الله عنه
خبيب الذي جيء به ليُصلب ويُقتل والأمر محسومٌ والموت رأي العين أمامه قيل له: أتحب أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يكون مكانك وتكون آمناً في أهلك وولدك ؟!
فقال:والله ما أحب أن محمداً آمنٌ في بيته وأهله يُشاك بشوكة وأنا في مكاني هذا.
وهكذا يكون أهل الهمم العالية.
وخامس فوائد الهمة التي تجعل المرء يتعلق بها ويرغب فيها: حصوله على مراتب المدح والنفع والثناءعند أهل الحق والخيروعند الله - سبحانه وتعالى - لأننا نجد أن أصحاب الهمم العالية إنما هم المذكورون بالخير والثناء وإنما هم أصحاب المراتب العالية والشرف الرفيع عند الله سبحانه وتعالى الله - جل وعلا - يقول:{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل }.
فأصحاب الهمم العالية أولهم هم الرسل والأنبياء فإن كنت ذا همة فأنت لاحقٌ بهم وسائرٌ في طريقهم ومنتسبٌ إليهم وآخذ من شرفهم ومستنير بنورهم فما أعظم هذا وما أجله ومنتفعٌ بإذن الله سبحانه وتعالى بسيرتهم.
واستمع إلى القرآن وهو يقص علينا قصة أصحاب موسى:{ لما دعاهم ليدخلوا الأرض المقدسة قالوا يا موسى إن فيها قومٌ جبارين وإنالن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون }.
فما فائدة دخولهم بعد خروج أولئك ؟
لكن انظر:
{ قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهمادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }.
رجلان اثنان قالا هذه المقالة سطر الله - عز وجل - ثناءهما ومدح موقفهما بآيات تتلى إلى قيام الساعة.
وما قصة مؤمن آل فرعون وثناء القرآن عليه وقصة الرجل الذي جاء يسعى في قصة سورة ياسين عنا ببعيد !
وهذا كله من الثناء.
والله - عز وجل - يدعونا فيقول:{ سارعواإلى مغفرة من ربكم}.
وقال في شأن أهل الخير والصلاح:{ يسارعون في الخيرات وهملها سابقون}.
وبيّن الله - عز وجل - أنه لا استواء في المقام والرفعة والمدح والثناء عند الله وعند خيار الناس بين من هو صاحب همة عالية وعمل صالح وبين غيره: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين }.
هم مؤمنون لكنهم قاعدون ذوو همم دانيةسافلة:{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللهبأموالهم وأنفسهم }.
فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلٌ وعد الله الحسنى وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما.
والمثوبة والأجر فيما يؤدي إليه العمل الصالح الناشئ عن الهمة العالية أيضاً فيه من الفوائدما نعلق قلوبنا بالهمة العالية.
استمع إلى بعض النصوص التي خُصصت لذوي الهمم العالية: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهمواعليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا).
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 652
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
إذن الأمور والأعمال التي فيها الفضائل والأجر العظيم من ينالها ؟
أصحاب الهمم العالية من الذي يأتي في الصف الأول من الذي يُبكر إلى الصلاة من الذي يمشي بالليل إلى الفجر وصلاة الفجر يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة:(اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها).
ومن يزيد من الخير إلا صاحب الهمة العالية.
وأما صاحب الهمة الوضيعة فإن يقول تكفي الفاتحة وسورة من ثلاث آيات تصح بها الصلاة الحمد لله.
نعم هذه مراتب دانية لكننا نقول إن أعظم المثوبة وأكبر الأجر لا يكون إلا ممن يكون صاحب همة فيكون صاحب سبق.
في الحديث أيضاً: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر فيالجنة وإن دخلها) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي والإمام أحمد.
كلما قربك لما سبق كلما كان أعظم في الأجر وأبلغ في المثوبة وكلما تأخر ودنى كلما كان متأخرحتى يؤخر في الجنة وإن دخلها.
حتى الهمة في الدعاء إذا كان الرجل همة سأل مايكون له به أعظم المثوبة والأجر.. (إذا سأل أحدكم فليُكثر ؛ فإنما يسأل ربه) وفيلفظٍ آخر:(إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه عز وجل).
وفي حديث العرباض: (إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس الأعلى في الجنة).وهذاأمره واضح وبيّن.
وسادس الفوائد التي نود أن نوجز فيها أيضاً:الطموح والشموخ الذي دائماً يبقى مع الإنسان ليجعله لا يفكر إلا في الأمرالذي يكون له مبلغٌ عظيم فكل ما فكر فيه وسأل عنه انشغل به وسعى إليه فكان له بذلك نفع عظيم.
نضرب لذلك أمثلة سريعة أبو هريرة رضي الله عنه صحابيٌ جليل يقول:إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون:ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبو هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول.
فبسطت نمرة علي، حتى إذاقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء
وهنا لما كان عنده طموحٌ سأل عما فيه خيره في الدنيا والآخرة، ونحن نعلم ما في قصة ربيعة ابن كعب لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : سلني ما شئت !
قال: أسألك مرافقتك في الجنة.
زمن أعظم الفوائدالتي نختم بها: أن الذي ينظر إلى الهمة يجد أنها تسوقه إلى أمرين عظيمين:
الاستشعار بالمسئولية
والمبادرة بالعمل.
الهمة من أعظم فوائدها أنها تجعل الإنسان يدرك حجم المسئولية ويعتبر نفسه كأنما هو الوحيد المسئول عنها فإذا كان كذلك كان هو السابق والمبادر للعمل.
كم نرى كثيراً من الأخطاء كم نرى كثيراً من صور التخلف ماذا يقول الناس يقول الواحد ماذا سأعمل ولست أنا المسئول وهذا أمرالعلماء وهذا أمر الأمراء وهذا أمر كذا فما يزال يبرر لنفسه.
أما صاحب الهمةفيقول هذا هو الخلل وأنا لها إذا القوم قالوا من فتن خلت أني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد.
وأحد الدعاة كان مريضاً بالقلب ومطلوبٌ منه الراحة وأنى له أن يرتاح وهويحمل هموم الأمة ويرى أن واجبه ينبغي ألا يبقي معه ولا له شيئاً من الوقت والجهدإلا في هذه المهمات العظيمة فجاء الطبيب يعاتبه:كيف تصنع هذا وأنت مريضٌ بالقلب كأنما تبغي الهلاك !
فقال رحمه الله: كلا !
رويدك يا طبيب وقد سألت أمااستراح هل يستريح الحر يوقد صدره العبء الرزاح.
فإن من في قلبه ذلك لا يمكن أن يرتاح والهمة تدفع إلى الحركة كما قال القائل:
إني رأيت وقوف الماءيفسده إن **** ساح طاب وإن لم يجري لم يطبِ
والأُسد لولا فراق الأرضما افترست **** والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ
والشمس لو وقفت فيالفلك دائمة **** لملّها الناس من عُجم ومن عربِ.
وكما حث من يحث فقال:
كن مشعلاً في جنح ليلٍ حالكٍ **** يهدي الأنام إلى الهدى ويبينُ
وانشط لدينك لا تكن متكاسلاً **** واعمل على تحريك ما هو ساكنُ.
هناك أمور ساكنة لا يحرك فيها أحدٌ شيئاً لايحركها إلا صاحب الهمة ولا يكون المؤمن العامر القلب إلا متحركاً محركاً.
أماالمتباطئ الذي يعد بالالتحاق بعد ما تظهر بوادر النجاح يقول انتظروا حتى إذا تقدم الناس كلهم فكر هو أن يلحق وأن يشارك مع الناس هذا ليس بصاحب همة عالية ولم ينال تلك المنقبة العظيمة.
في الحديث كما نعلم، وهو حديث سعد بن سهل رضي الله عنه قال: استيقظ الناس على صوت صارخٍ أي في المدينة سمعوا صوتاً فخرجوا، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سبقهم على فرس عُري لأبي طلحة قد استجدى الخبر ورجع وهو يقول لهم: لن تراعوا لن تراعوا.
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2254
خلاصة حكم المحدث: صحيح
هذا هو المقدام - عليه الصلاة والسلام - همته هو صاحب المسئولية الأولى وهو صاحب المبادرة الأولى أما الذي ينتظر حتى يكون بعد أن يتقدم الناس فهذا كما قال القائل:
" إنما يعد وعد الضعاف صاحب الحر من يثور على الظلم وقد ثارت لِحقها الأقوام "..
" إنما الحر من يسير إلى الظلم فيصميه والأنام نيام ".
الوقت الذي الناس في غفلة وفي ترف العمل هكذا يقع منه هذا.