الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح

الدكتور 85625.gif

الطريق إلى إعلاء الهمم .. الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح




معرفةالمعاني والمقاصد وهو التعريف.
معرفة المنافع والفوائد وهو الترغيب.
معرفة الوسائل والطرائق وهو التعليم.
معرفة المزالق والعوائق وهو التحذير.
ومن هنا من هذه العناصر الأربعة الرئيسة نستطيع أن نعرّف الهمة،وأن نتعلّق بها ونرغب فيها، وأن نعرف طريقها ووسائلها، وأن نحذر من عوائقها وقواطعها، نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا الهمم الصالحة النافعةالعالية، وأن يجعل همنا وهممنا متعلقة به وبمرضاته سبحانه وتعالى.

أولاً: معرفة المعاني والمقاصد
الهمة:
" مشتقة من الهم، والهم هم ما يُهم به من أمر ليُفعل ".
قال أهل اللغة الهمة هي الباعث على الفعل وتُوصف بعلو وسفول أي فيقال همة عالية وهمة سافلة.
وفي بعض القواميس الهمة بالكسر هي أول العزم وقد تُلق وتُخص بالعزم القوي فيقال همة عاليةأي قوية.
ونرى أيضاً التعريف الذي يُوضح الصلة بين الهم والهمة وما يتعلق أيضاًبالعزم فيما ذكره ابن القيم - رحمه الله - حيث قال: " الهمة فعلة من الهم ".

وهو مبدأ الإرادة أي الهم مبدأ الإرادة ولكن خصوها أي الهمة بنهاية الإرادة فالهم مبدأها والهمة نهايتها والجامع بينهما أنهماأي الهم والهمة أمر نفسي يبعث على العمل فأوله وبدايته هم ونهايته أي التي تكون أعلى مراتبه وأسمى مقاصده هي الهمة.

ومن هنا نعرف أن الهم هو الابتداء وأن الهمة هي الانتهاء ومن هذه التعاريف اللغوية نقف على عدة أمور لابد من معرفتها:
أولها:أن الهمة أمر قلبيّ نفسيّ
هي أمرٌ في النفس والقلب ليست شيئاً ملموساًمحسوساً وإنما الملموس هو آثارها وفعلها وما تدعو إليه وما تحضع له.

والثاني: هو أن هذه الهمة هي المحركوالدافع للقوة لأننا نعلم أنه ما من عمل يظهر في الوجود ويقع في الواقع إلاويسبقه تفكير بالعقل وعزم وهمة في القلب ثم حينئذٍ يكون الواقع ما من عمل إلا ولابدمن سابق تفكير ومشاعر نفس وقلب تتعلق به إما إقداماً عليه وإما إحجاماً عنه ولوتفكر الناس لوجدوا أن كل أعمالهم كذلك.
كل عمل من الأعمال لا يخرج ولا ينفك عن فكر العقل وهم القلب.


الأمر الثالث: أن هذه الهمة تتحول في الواقع بعد أن تكون أمراً قلبياً نفسياً وتكون سبباً من أسباب القوة تتحرك إلى فعل وعمل دائب مستمر يترقى في معارج الكمال ويسمو إلى ذُرى المعاني ويجمح بصاحبه إلى ألا ينتهي إلى حدٍ دون الكمال الذي ينشده بقدر الطاقة البشرية.
ونعود مرة أخرى في المعاني إلى التعريفات المعنوية أو الاصطلاحية التي ذُكرت عن بعض أهل العلم.
فقال بعضهم وهو الجورجاني في التعريفات: " الهمة توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره ".
توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية في أي مجال إلى جانب الحق لأي غرض لحصول الكمال له أو لغيره.
وسنرى في تحليل التعاريف ما يفيدنا أيضاً.
وقال بعضهم في علو الهمة على وجه الخصوص هي: " استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور ".
وهو كلام نفيس على وجازته يحمل المعاني العظيمة، هي استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور أيكل أمور هو دون الكمال ودون النهاية يكون صغيراً عند صاحب الهمة العالية يتجاوزهإلى غيره وينتهي منه ليبحث عن ما وراءه ويصعد فيه ليرقى إلى ما فوقه وهذا معنى عظيم.
وقيل أيضاً في هذا المعنى: " خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن في العلموالعمل ".
أي أن النفس ينقدح فيها من هذه الهمة ما يدفعها إلى رغبة حصول الكمالفي العلم والعمل معاً.

وقال صاحب المنازل شيخ الإسلام الهروي - رحمه الله - فيهذا المعنى عن الهمة: " هي ما يملك الانبعاث للمقصود صِرفاً لا يتمالك صاحبها ولايلتفت عنها ".
ما يملك الانبعاث للمقصود صِرفاً أي هو الأمر الذي يستولي على صاحبه استيلاءً عظيماً كاستيلاء المالك على المملوك ويكون صِرفاً خالصاً.
أيأنه يكون شعورٌ قلبيّ وتحرك نفسيّ يتملك صاحبه ويسيطر عليه ويكون له صِرفاً خالصاًلأي شيء قال لا يتمالك صاحبها يعني لا يستطيع صاحبه أن يملك نفسه إلا أن يمضيه وأنيعمله بمعنى أنه لا يقدر على المهلة والتأخير ولا يتمالك صبره بل يغلبه حتى يُوفده في الواقع ولا يلتفت عنها أي لا يلتفت عن هذه الهمة إلى ما سواها من الأمور.


وإذا وقفنا أيضاً مع هذه المعاني لنرى أهم دلالاتها نجد أنها:
أولاً: تؤكد على ما سبق بأن الهمة أمرٌ نفسي قلبي.

والمعنى الثاني المهم: معنى التركيز فنحن رأينا في كل التعريفات الأول توجهالقلب وقصده بجميع قواه الروحانية يعني تركيز كل القوى في الهمة والعزم في أمر من الأمور العظيمة وفي معالي الأمور بوجهٍ عام.
وأيضاً نرى ذلك في قول الهروي مايملك الانبعاث للمقصود صِرفاً.
وأيضاً معنى ثالث:هو أن هذه الهمة متفاعلة متحركة ؛ لأننا نرى أنها تملك صاحبها وتحثه وتحضه.

والأمر الرابع: وهو الأهمهنا هو أن هذا التحرك لا يرضى إلا بالأعلى والأتم والأكمل كما رأينا في كل التعريفات إلى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره.
وأخيراً المعنى الخامس المهم: أن يستصغر ما سواها ولا يلتفت إليه.
كما قال الهروي - رحمه الله - ولايلتفت عنها لا يلتفت عن مراد همته ؛ فإن كان همته في الطاعة وفي معالي الأمور فإنهلا يلتفت إلى الصغائر ولا تشغله ولا يفكر فيها ولا تأخذ شيئاً من وقته ولا يبذل لهاشيئاً من جهده مطلقاً.

إذا عرفنا المعنى اللغوي وعرفنا المعنى الاصطلاحي وبعض ما يُلحظ من ذلك.

بقي أن نعرف أن الهمة مولودة مع الإنسان فكل إنسان عنده همة ؛ لأن كل إنسان له قلب ونفس وعنده أشواق وآمال ولديه طموحات.
لكن ما الذي يفرق بين الناس كسائر الأمور كل الناس لهم عقول فما بال الناس بعضهم حفظة وبعضهم بلداء وبعضهم أذكياء وبعضهم أغبياء ؟
إن الذي ينشط أي طاقة من طاقاتهم ويحرص على رعايتها ويعمل على تنميتها تزداد عنده والذي يغفل عنها ويهملهالا يكون كذلك.
كلنا لنا أبدان ولنا عضلات وقوى ألا نرى بعضنا مترهلاً متكاسلاًلا يستطيع أن يرقى درجتين ولا أن يمشي خطوتين وبعضهم كما يُقال جسمه رياضي ماذا صنع إنه حرص على تقوية هذه الطاقة وتنميتها.



يقول ابن الجوزي رحمه الله: " وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي وإنما تقصر فيه تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات تفتر أو تقتر، فإذا حُثت سارت فمتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلاً فسل الموفق فلن تنال خيراً إلا بطاعته فمن الذي أقبل عليه ولم يرد كل مراد ".
هذاأمر مهم ؛ لأن بعض الناس يقول من أين سآتي بالهمة العالية ؟
فتش عنها بين جنبيك ابحث عنها في أعماق نفسك إنها في قلبك إنها أمر لا تستجلبه من خارجك بل تستنطقه وتستحثه من داخلك.



وكما قال القائل: " المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت وإن قصّر بها اتضعت ".
فأنت إن نشطت همتك ارتفعت وإن فكرت في السفاسف وانشغلت بالتوافه ؛ فإن همتك تدنو وتسفل.
وهذا أمر مُشاهَد ومن هنا كان بين الناس تفاوت في الهمم كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال: " ولله الهمم ما أعجبشأنها وما أشد تفاوتها فهمم متعلقة بالعرش وهمم حائمة حول الأنتان والحُش ".


همم متعلقة بالعرش بطاعة الله - عز وجل - والأنتان والحُش أجلكم الله مكان قضاء الحاجات فبعضها سامية وبعضها دانية وبعضها عالية وبعضها سافلة من هذا التفاوت.


والذي يتأمل يجد هذا ويعرفه ولعلي أذكرللتوضيح مثالاً عارضاً رُوي عن عبدالله بن قيس أبي أمية الغفاري أنه قال: " كنا في غزاة فحضر عدوهم فصيحَ فيهم أي بما يكون من هذا فصيحَ بالناس فهم يثوبون إلى مصافهم قال فإذا رجلٌ أمامي آخر أو أول خيري عند آخر خيره وأنا أسمعه فإذا به يُخاطب نفسه ويقول أي نفسي ألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلتي لي أهلك وعيالك فأطعت ورجعت والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك أو تركك، فقلت: لأرمقنه اليوم فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في حُماتهم ثم إن الناس حملوا فكان في أوائلهم ثم حمل العدو فانكشفوا وكان في حُماتهم، قال: والله ما زال ذلك دأبه حتى رأيته صريعاً فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة ".


هذا يبيّن لنا التفاوت مرة استجاب لضعف نفسه وانشغاله بأهله وركونه إلى دنياه فسفلت همته ومرة رقّاها وشجعها فعلت همته.
كماقال أيضاً صاحب المدارج ابن القيم قال: " علو الهمة ألا تقف دون الله ولا تتعوض عنه بشيءٍ سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع النفس حضها من الله وقربه والأنسبه والفرح والسرور والابتهاج به بشيءٍ من الحظوظ الخسيسة الفانية ".



فالهمة العالية على الهمم كالطائر العاليعلى الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليه ؛ فإن الهمةكلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان ؛ فإن الآفات قواطع وجواذب وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه وإنما تجتذب من المكان السافل فعلو همة المرء عنوان فلاحه وسفول همته عنوان حرمانه نسأل الله - سبحانه وتعالى - السلامة.
إذن عرفنا أن الهمة موجودة وأنها تترقى وأنها تتسفل وأن لذلك مراتب ومنازل بقدر ما يُعامل الإنسان نفسه وبقدر ما يسعى إلى الحرص على ذلك.
وبقي أيضاً أن نعرف مفتاح المعرفة للمعاني والمقاصد والكشف عن هذه الحقائق، إنه يتلخص في أمرين ذكرهما ابن القيم أيضاً رحمه الله قال: " كمال الإنسان مداره على أصلين معرفة الحق من الباطل وإيثار الحق علىالباطل ".

معرفة الحق على الباطل أي بالعلم وإيثار الحق على الباطل أي بالعزم والعمل ؛ فإنه كما قال الله عز وجل:

{ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أُولي الأيدي والأبصار}.
قال فالأيدي القوة في تنفيذ الحق وكمال تنفيذه،والأبصار البصائر في الدين.
فلابد من علم يُبصّر، ولابد من همة تُنفذ، فنحن إذا فقدنا الهمة فقد فقدنا شطر أسباب النجاح..
فكم من الناس يعرفون الأمورو الأحكام يعرفون الصلاة وفرضيتها، ويعرفون الجماعة وأهميتها..
لكنه يسمع الآذان ويعرف الحق فتسفل به همته وليس عنده همة تنبعث، لذلك فلا يقع العمل منه على مرادالعلم وهذا مما ينبغي الانتباه إليه لأن مراتب السعادة والنجاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما.
إما ألا يكون له علماً بها فلا يتحرك الذي لايعرف أن هذا الأمر واجب لا ينبعث له إذا لم يعرف أن هذا العمل فيه فائدة لا يذهب إليه إما ألا يكون له علماً بها فلا يتحرك طلبها، أو يكون عالماً بها ولا تنهض همته إليها، فلا تزال نفسه وهمته في حضيض طبعه محبوسة، وقلبه عن الكمال مطروداًمنكوساً نسأل الله عز وجل السلامة.

وإذا عرفنا ذلك عرفنا أن الناس يتفاوتون في الهمم ولهم أقسام بهذه الاعتبارات إما عرفٌ بالحق وهمته ضعيفة وإما عرفٌ بالحق وهمته عالية فهو الذي ينال المرتبة العليا وإما جاهلٌ بالحق وهمته عالية، فهي تنصرف إلى الباطل كما سنرى وإما جاهلٌ بالحق وليست له همة فهذا شأنه أدنى من البهائم أجلّنا وأجلّكم الله.
فهذا أمر معرفة المعاني والمقاصد.

وأما الجانب الثاني:
فهو معرفة المنافع والفوائد:
حتى نرغب في الهمة العالية فلننظر إلى ما نجنيه منها وإلى ما نحصل عليه في دنيانا وأخرانا من وراءها فإن ذلك فيه خيرٌ كثير وفضلٌ عميم بإذن الله سبحانه وتعالى.
والفوائد شتى نذكر منها أطرافاً وقد يكون وراء ذلك من الفوائدالكثير والكثير منها:
أولاً: التقدم والمثوبة صاحب الهمة العالية يتقدم غيره وينال من الأجر والثواب حتى وإن قصّر في العمل ما لا يناله غيره.
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :(من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةكاملة).

الراوي: عبدالله بن عباسالمحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 131
خلاصة حكم المحدث: صحيح



فهو همَّ هم صدقٍ وإنما حيل بينه وبين العمل لعارض وعذر مشروع فنال بهمته ما لا يناله غيره.
وفي الصحيح عند البخاري أيضاً عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).. عنده همة عالية طارت به إلى المعارك، وخاضت به في ميادين الوغى وأرادالله سبحانه وتعالى له أن يموت على فراشه كما مات ابن الوليد سيف الله ورسوله وهويقول كما نعلم في مقالته المشهورة أنه قال: " خضت كذا وكذا من المعارك ولقيت الموت في كذا وكذا من المظان وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء ".
والمتخلفون والمخلفون في غزوة تبوك منهم الفئة الذين جاءوا إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقد احترقت قلوبهم شوقاً إلى الجهاد وقد غلت نفوسهم طموحاً إلى التضحية والقتال وبذل الأموال والأرواح في سبيل الله وجاءوا وفي جوانح هم هذا العزم وذاك المضاء وتلك الهمة العالية فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام:(لا أجد ما أحملكم عليه).. ليس هناك دابة ورواحل، وليس هناك زاد وتجهيز فما قالواالحمد لله صُرف عنا العناء وذهب عنا الشقاء وجانبنا البلاء ! بل كما قال الله عزوجل: { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقوه }.

يبكون بكاء الإنسان الذي فاته أغلى شيء كان يحبه وأعظم شيء كان يتمناه، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام: (إن بالمدينةرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم بالأجر حبسهم العذر).


الراوي: أنس بن مالكالمحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4423
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]





نالوا وهم قعود الأجر الذي ناله السائرون لأنهم صدقوا في همتهم وعزمهم فكيف من يمضي همته وعزمه بالعمل.
هذه أمثلة
لمن كانت له همة ولم يتيسر له العمل كما وردأيضاً في سنن الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(ما من امرئٍ تكون له صلاة بالليل فغلبه عليها نومٌ - أي لتعب أو عارض - إلا كُتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه).
فضلٌ من الله عز وجل وأيضاً بيان لعظمة أهمية تلك النية.
والتقدم والسبق إلى الله - سبحانه وتعالى - إنما هو كما قال أهل العلم بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل وإنساواه بعمله فاق عليه بعمله.
فهذه فائدة عظيمة.. وكما قلت كيف بمن عمل العمل هذا إن عرض له عارض فمنعه عذرٌ نال هذا الأجر وتلك المنزلة فكيف بمن أنفذ العمل.

الفائدة الثانية: فائدة عظيمة وهي التعلق بالمعالي والوصول إلى الذُرى
فإن صاحب الهمة العالية ما تزال همته تنخسه، وماتزال تحثه حتى لا تُبقي له وقتاً ولا راحة إلا في السعي إلى المراد الأعظم من الكمال الذي يطمح إليه بهذه الهمة العالية.

السبب الذي يجعل كثيرٌ من الناس يطلبون الأدنى من الأمور ويقصدون ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعا إنما هو فساد العلم أو ضعف الهمة، فكم نرى كثيراً من الناس وهو على هذا النهج، حتى إن كثيراً من الناس أعظم ما يشغله هو الصغائر والتوافه وأكثر ما يستنفذ جهده ويضيّع فيه وقته هو هذه الأمورلِما ؟
لأنه ليست له همة عالية فيفوته حينئذٍ المراتب العالية.
انظر إلى الكسول من الطلاب - على سبيل المثال - ماذا يقصد ؟

ما مراده ؟

ما أعلى مطلوبه ؟
هو النجاح.. إن وجد درجة النجاح فرح بها فرحاً عظيماً فهو حينئذٍ يقنع بهذا ولا يطلب غيره،أما عالي الهمة فإنه يطلب أن يحصل على الدرجة الكاملة ؛ فإن فاتته نصف درجة حزن عليها حزناً عظيماً وعزم على ألا يفرط في ذلك في مرة قادمة.
فمن أعظم فوائد هذه الهمة العالية التي تجعلنا نتعلق بها أن صاحبها دائماً ينال كما يقولون المكاسب والمغانم والمراتب العالية والأوسمة والشرف لأنه باستمرار يسعى إلى ذلك ويطمح إليه كما سنذكر في أمثلة كثيرة مما سيأتي ذكره.


فائدة أيضاً ثالثة: وهي مهمة جداً وهي العزم والجزم كثيرٌ من الناس أكثر عيوبهم وأعظم ما يفوت عليه المصالح والمنافع هو التردد يفكر في الأمر فيخشى وتتردد عزيمته وتتردى همته ومن يستطيع ذلك وكيف سأصنع هذا وكيف سأصل إلى تلك المرتبة فإذا به يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وربما فاتت الفرصة وربما تردد ورجع ففاته ذلك.

أما صاحب الهمة العالية ؛ فإنه صاحب عزم وجزم لا يتردد وذلك أمره بيّن ظاهر والله عز وجل بيّنه لنا حثنا عليه كما قال سبحانه وتعالى: { فإذا عزمت فتوكل على الله }.
إذا هممت بالأمر من الخير والمعالي من الأمور فما بالك تتردد ! وما بالك ترجع أو تنكص.. إذا عزمت فتوكل على الله.والله - جل وعلا - وصف أهل الإيمان فقال:{ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق }.
ليس هناك نكوص بعد التقدم ولا رجوع بعد السبق، فقال الله - جل وعلا - أيضاً: { من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم أُحد كان يرى البقاء في المدينة، فجاء بعض الشباب وبعض من لم يشهد بدراً من الذين تحمسوا يريدون الأجر والمثوبة، فأشاروا ورغبوا وألحوا في الخروج فعزم النبي صلى الله عليه وسلم واتخذ أهبته ولبس عدته وارتدى لامته فقالوا: يا رسول الله كأنا استكرهناك فافعل ما بدا لك ! ولو أنه - عليه الصلاة والسلام - رجع لكان ذلك أعظم التردد الذي يثير البلبلة والاضطراب ويكون فيه ما يكون.

ولعل من أعظم أمثلة الهمة العالية التي تبيّن لنا هذه الفائدة موقف الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - الذي هو من أعلى أعلى أهل الإيمان علواً في مرتبة الإيمان وأعظمهم في اليقين حتى لُقب بالصديق - رضي الله عنه - نعلم أنه بعد وفاة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -كان هناك أمران عظيمان واجها أبا بكر رضي الله عنه:
أولهما وأخطرهما: ردة المرتدين إما عن الإسلام بالكلية أو امتناع عن أداء الزكاة.
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته كان قد جهز جيشاً وعقد لأسامة بن زيد اللواء فرأى بعض المسلمين أن الأمرخطير وأن الحالة والظروف عصيبة وأن إمضاء الجيش قد يكون فيه وله تبعات، وأن هؤلاءالمرتدين كُثر والصحابة في المدينة وما حولها من مكة كلٌ وليست عندهم تلك القدرة أوالقوة، التي ربما يواجهون بها كل ذلك فجاء عمر إلى الصديق - رضي الله عنه - يقول له في شأن أسامة إن بعض الأنصار قالوا: " أرجأ بعث أسامة ".
وقال له أيضاً في شأن حرب المرتدين: تألف الناس وأرفق بهم !.فماذا قال أبي بكر عالي الهمة - رضي الله عنه - ضرب على صدر عمر ويقول له: " رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك، أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام يا عمر إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدين أو يُنتقص الدين وأنا حي ".

وأنفذ جيش أسامة من وقته وسيّر أحد عشرة لواءً وجيشاً لقتال المرتدين فلم ينتهي العام بل قبل نهايته حتى استتب الأمر بعزم أبي بكر وحزمه وجزمه رضي الله عنه.
وهكذا تفعل الهمة العالية صاحبها لا يضيع الفرصة ولا يرتبك في المواطن العصيبة ولا يتردد أو يختل فكره أو يتشوش تدبيره عندما تحيط به المخاطر لأن له من همته عزيمة ماضية وحزم يبت الأمور ولا يرجئها.
وكبير الهمة كما قيل يتحسرعلى ساعة مرت به في الدنيا لا لأنه كان يعصي الله فيها وإنما لأنه لم يعمرها بطاعةالله سبحانه وتعالى.
ومن الأمثلة على ذلك أمثلة كثيرة كما فعل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله ورضي الله عنه - كان المتوقع أو المنطقي أن ينظرالخليفة عمر - رضي الله عنه - إلى الأوضاع التي تغيرت بسبب كثير مما سلف قبله من الخلفاء وما انتقض من أمر الأمة بوجود الخوارج وغير ذلك وكان الأمر عظيماً والفرق متسعاً ومع ذلك قادته همته إلى أن يحسم الأمور وأن يعزم ورغم أنه لم يمضي إلا نحومن عامين في خلافته إلا أنها كانت الفترة التي استتب فيها الأمن وازداد الرخاء وعظم العلم وانتشرت البركة وكان فيها ما فيها من الخير الذي نعرفه.
الفائدة الرابعة: العزة والأنفة
فإن صاحب الهمة عزيز لا يرضى بالذل والذل هو أرذل الصفات وأقبحها هذا الإنسان خلقه اللهعز وجل حتى في خلقته:
{
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}.
إنه المخلوق المنتصب قامة المرتفع جبهة الذي لا يذل إن كان على المنهج الحق إلا لله لا يطأطأرقبته ولا يحني جبهته ولا يثني صلبه إلا في طاعة الله والخضوع والصلاة له.
أماإذا خلا القلب من الإيمان وخوى من العزيمة والهمة ؛ فإنه يكون ذليلاً لأي شيء يُذله للدرهم والدينار ويُذله الخوف على الحياة ويُذله طلبه للرفعة والجاه وكم نرى من الناس يمرغون وجوههم ويُذهبون ماءها وراء هذه اللعاعات من الدنيا والتفاهات من مطالبها.
فذاك يبيع شرفه ويضيع مكانته وربما يعق نسبه لأجل مكانة أو منصب وهكذاوهذا كما نرى.

وأما أصحاب الهمم العالية فيأنفون حتى من المهمات الحسنة إن كانت صغيرة حتى إن كان هناك عملٌ صالحٌ لكنه صغير فإنهم يرون أن عزتهم وأنفتهم وطموحهم وهمتهم تطلب ما هو أعلى.

وكما نعلم قيل لبعض ذوي الهمم العالية جاءه رجل وقال لي: عندك حويجة !
فقال له: " اطلب لها رجيلاً "، إن كانت حاجتك صغيرة فاذهب صغير يقضيها لك وأما أنا فلا أنظر إلا إلى معالي الأمور وكبارها.
وقيل لبعض العلماء لي سؤال صغير قال اطلب له رجل صغير.
ولا يعني ذلك أن لايُجاب عن السؤال ولكن نحن نلفت النظر إلى ما يُنظر إليه بل إن الإنسان ليعجب من المواقف التي ينتبه إليها بعض الناس.
جاءهم في رجل من الكرام قومٌ قالوا:جئناك في حاجة لا ترزأك - يعني لا تُنقص منك شيء - فقال: " هلاّ طلبتم لها سفاسف الناس ".
وعن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب أنه جاءته امرأة فسألته مالاًفأعطاها شيئاً عظيماً فقيل له: إنها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير !
قال: " إن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي ".
وتُروى هذه المنقبة أيضاً عن يزيد المهلبي الذي كان من الأمراء المشهورين بالكرم إذ مرّ ببادية من الأعراب فسألوه فأعطاهم شيئاً كثيراً فقيل له: إنهم لايعرفونك !
قال: ولكني أعرف نفسي.
ومن لطائف ما يُذكر في ذلك أن رجل رأى ابنالمبارك يعضُّ يد خادمه فقال له: أتعض يد خادمك ؟!
قال: كم آمره ألا يعد الدراهم على السّؤال وأقول له أحث حثواً ولا سمعني.
يعد وأقول له لا تعد خذ وأعطي فكان يعض يده حتى يستجيب لأمره بألا يعد.


وهذا يدلنا على أن صاحب الهمة العالية كماقلنا عنده من أنفته ما لا يجعله يرضى بالقليل والدون حتى من صالح الأعمال.
والشافعي رحمه الله يقول:
عليّ ثياب لو يُباع جميعها **** بفلس لكانالفلس منهن أكثرا
وفيهن نفسٌ لو تُقاس بها **** نفوس الورى كانت أعز وأكثرا
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده **** إذا كان غضباً حيث وجهته فرى

وهكذا ينبغي أن يكون أصحاب الهمم العاليةوهذا أمرٌ كثيف ويجعل المرء لا يقبل الذل.
جاء في ترجمة الخطيب البغدادي - رحمه
الله - أنه دخل عليه بعض العلوية ومعه دنانير فقال للخطيب: فلان يُسلم عليك ويقول اصرف هذا في بعض مهماتك "يعطيه شيئاً من المال" فقال لا حاجة لي فيه وقطّب وجهه،فقال له الرجل: كأنك تستقله ونفض ما معه على سجادة الخطيب ؛ ليُريه أنه مالٌ كثيرفقال هذه ثلاثمائة دينار فقام الخطيب - رحمه الله - محمّر الوجه وأخذ طريقه وخرج وسحب سجادته، وظلّ الرجل يلتقط الدنانير ويجمعها من وراءه.
قال أحد تلاميذالخطيب وهذا يبيّن لنا أثر الهمة العالية قال: ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذاك العلوي الذي يجلس في الأرض يلتقط الدنانير وذاك قد مضى لحاله.
كما قال القائل والأبيات منسوبة للشافعي أيضاً:
يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا **** رجل عن موضع الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ***** ومن أكرمته عزة النفس أُكرما

وهذا أمر كما قلنا مهم والأمثلة عليه كثيرةلعلنا نذكر أيضاً بعضاً منها لأهميتها.

سعيد الحلبي شيخ من أهل وعلماء الشام كان في الدرس يجلس ماداً رجله لكبر سنه ودخل عليه جبار الشام إذ ذاك إبراهيم باشا ابن محمدعلي باشا وهذا عهدٌ قريب منا ليس ببعيد فظلّ في درسه ولم يلتفت إليه ورجله ممدودة نحوه فامتعض هذا الرجل، وكتم أمره، ولما خرج بعث إليه بصرة من المال فيها ذهب فردّها الشيخ وقال للرسول: " قل للباشا إن الذي يمد رجليه لا يمد يديه ".
وهذاأمرٌ عظيم وانظر إلى أعظم من ذلك في سيرة الصحابي الجليل خبيب ابن عدي رضي الله عنه
خبيب الذي جيء به ليُصلب ويُقتل والأمر محسومٌ والموت رأي العين أمامه قيل له: أتحب أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يكون مكانك وتكون آمناً في أهلك وولدك ؟!
فقال:والله ما أحب أن محمداً آمنٌ في بيته وأهله يُشاك بشوكة وأنا في مكاني هذا.
وهكذا يكون أهل الهمم العالية.

وخامس فوائد الهمة التي تجعل المرء يتعلق بها ويرغب فيها: حصوله على مراتب المدح والنفع والثناءعند أهل الحق والخيروعند الله - سبحانه وتعالى - لأننا نجد أن أصحاب الهمم العالية إنما هم المذكورون بالخير والثناء وإنما هم أصحاب المراتب العالية والشرف الرفيع عند الله سبحانه وتعالى الله - جل وعلا - يقول:{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل }.
فأصحاب الهمم العالية أولهم هم الرسل والأنبياء فإن كنت ذا همة فأنت لاحقٌ بهم وسائرٌ في طريقهم ومنتسبٌ إليهم وآخذ من شرفهم ومستنير بنورهم فما أعظم هذا وما أجله ومنتفعٌ بإذن الله سبحانه وتعالى بسيرتهم.
واستمع إلى القرآن وهو يقص علينا قصة أصحاب موسى:{ لما دعاهم ليدخلوا الأرض المقدسة قالوا يا موسى إن فيها قومٌ جبارين وإنالن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون }.
فما فائدة دخولهم بعد خروج أولئك ؟

لكن انظر:
{
قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهمادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }.
رجلان اثنان قالا هذه المقالة سطر الله - عز وجل - ثناءهما ومدح موقفهما بآيات تتلى إلى قيام الساعة.
وما قصة مؤمن آل فرعون وثناء القرآن عليه وقصة الرجل الذي جاء يسعى في قصة سورة ياسين عنا ببعيد !
وهذا كله من الثناء.

والله - عز وجل - يدعونا فيقول:{ سارعواإلى مغفرة من ربكم}.
وقال في شأن أهل الخير والصلاح:{ يسارعون في الخيرات وهملها سابقون}.
وبيّن الله - عز وجل - أنه لا استواء في المقام والرفعة والمدح والثناء عند الله وعند خيار الناس بين من هو صاحب همة عالية وعمل صالح وبين غيره: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين }.
هم مؤمنون لكنهم قاعدون ذوو همم دانيةسافلة:{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللهبأموالهم وأنفسهم }.
فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلٌ وعد الله الحسنى وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما.
والمثوبة والأجر فيما يؤدي إليه العمل الصالح الناشئ عن الهمة العالية أيضاً فيه من الفوائدما نعلق قلوبنا بالهمة العالية.

استمع إلى بعض النصوص التي خُصصت لذوي الهمم العالية: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهمواعليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا).
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 652
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]





إذن الأمور والأعمال التي فيها الفضائل والأجر العظيم من ينالها ؟
أصحاب الهمم العالية من الذي يأتي في الصف الأول من الذي يُبكر إلى الصلاة من الذي يمشي بالليل إلى الفجر وصلاة الفجر يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة:(اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها).
ومن يزيد من الخير إلا صاحب الهمة العالية.
وأما صاحب الهمة الوضيعة فإن يقول تكفي الفاتحة وسورة من ثلاث آيات تصح بها الصلاة الحمد لله.


نعم هذه مراتب دانية لكننا نقول إن أعظم المثوبة وأكبر الأجر لا يكون إلا ممن يكون صاحب همة فيكون صاحب سبق.
في الحديث أيضاً: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر فيالجنة وإن دخلها) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي والإمام أحمد.
كلما قربك لما سبق كلما كان أعظم في الأجر وأبلغ في المثوبة وكلما تأخر ودنى كلما كان متأخرحتى يؤخر في الجنة وإن دخلها.
حتى الهمة في الدعاء إذا كان الرجل همة سأل مايكون له به أعظم المثوبة والأجر.. (إذا سأل أحدكم فليُكثر ؛ فإنما يسأل ربه) وفيلفظٍ آخر:(إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه عز وجل).
وفي حديث العرباض: (إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس الأعلى في الجنة).وهذاأمره واضح وبيّن.


وسادس الفوائد التي نود أن نوجز فيها أيضاً:الطموح والشموخ الذي دائماً يبقى مع الإنسان ليجعله لا يفكر إلا في الأمرالذي يكون له مبلغٌ عظيم فكل ما فكر فيه وسأل عنه انشغل به وسعى إليه فكان له بذلك نفع عظيم.
نضرب لذلك أمثلة سريعة أبو هريرة رضي الله عنه صحابيٌ جليل يقول:إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون:ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبو هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول.
فبسطت نمرة علي، حتى إذاقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء

وهنا لما كان عنده طموحٌ سأل عما فيه خيره في الدنيا والآخرة، ونحن نعلم ما في قصة ربيعة ابن كعب لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : سلني ما شئت !
قال: أسألك مرافقتك في الجنة.


زمن أعظم الفوائدالتي نختم بها: أن الذي ينظر إلى الهمة يجد أنها تسوقه إلى أمرين عظيمين:
الاستشعار بالمسئولية
والمبادرة بالعمل.
الهمة من أعظم فوائدها أنها تجعل الإنسان يدرك حجم المسئولية ويعتبر نفسه كأنما هو الوحيد المسئول عنها فإذا كان كذلك كان هو السابق والمبادر للعمل.
كم نرى كثيراً من الأخطاء كم نرى كثيراً من صور التخلف ماذا يقول الناس يقول الواحد ماذا سأعمل ولست أنا المسئول وهذا أمرالعلماء وهذا أمر الأمراء وهذا أمر كذا فما يزال يبرر لنفسه.
أما صاحب الهمةفيقول هذا هو الخلل وأنا لها إذا القوم قالوا من فتن خلت أني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد.
وأحد الدعاة كان مريضاً بالقلب ومطلوبٌ منه الراحة وأنى له أن يرتاح وهويحمل هموم الأمة ويرى أن واجبه ينبغي ألا يبقي معه ولا له شيئاً من الوقت والجهدإلا في هذه المهمات العظيمة فجاء الطبيب يعاتبه:كيف تصنع هذا وأنت مريضٌ بالقلب كأنما تبغي الهلاك !
فقال رحمه الله: كلا !
رويدك يا طبيب وقد سألت أمااستراح هل يستريح الحر يوقد صدره العبء الرزاح.
فإن من في قلبه ذلك لا يمكن أن يرتاح والهمة تدفع إلى الحركة كما قال القائل:

إني رأيت وقوف الماءيفسده إن **** ساح طاب وإن لم يجري لم يطبِ
والأُسد لولا فراق الأرضما افترست **** والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ
والشمس لو وقفت فيالفلك دائمة **** لملّها الناس من عُجم ومن عربِ.

وكما حث من يحث فقال:
كن مشعلاً في جنح ليلٍ حالكٍ **** يهدي الأنام إلى الهدى ويبينُ
وانشط لدينك لا تكن متكاسلاً **** واعمل على تحريك ما هو ساكنُ.


هناك أمور ساكنة لا يحرك فيها أحدٌ شيئاً لايحركها إلا صاحب الهمة ولا يكون المؤمن العامر القلب إلا متحركاً محركاً.
أماالمتباطئ الذي يعد بالالتحاق بعد ما تظهر بوادر النجاح يقول انتظروا حتى إذا تقدم الناس كلهم فكر هو أن يلحق وأن يشارك مع الناس هذا ليس بصاحب همة عالية ولم ينال تلك المنقبة العظيمة.


في الحديث كما نعلم، وهو حديث سعد بن سهل رضي الله عنه قال: استيقظ الناس على صوت صارخٍ أي في المدينة سمعوا صوتاً فخرجوا، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سبقهم على فرس عُري لأبي طلحة قد استجدى الخبر ورجع وهو يقول لهم: لن تراعوا لن تراعوا.


الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2254
خلاصة حكم المحدث: صحيح


هذا هو المقدام - عليه الصلاة والسلام - همته هو صاحب المسئولية الأولى وهو صاحب المبادرة الأولى أما الذي ينتظر حتى يكون بعد أن يتقدم الناس فهذا كما قال القائل:

" إنما يعد وعد الضعاف صاحب الحر من يثور على الظلم وقد ثارت لِحقها الأقوام "..
" إنما الحر من يسير إلى الظلم فيصميه والأنام نيام ".

الوقت الذي الناس في غفلة وفي ترف العمل هكذا يقع منه هذا.

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

وثامناً وأخيراً: الاستمرار والثبات فهوإذا عمل عملاً لا يتركه وإذا نال منقبة لا يدنو عنها وإذا حاز خيراً لا يُفرط فيه أما أحياناً بعض الناس تأتيه همة مرة من المرات ثم يترك بعد ذلك ويرجع إلى الوراءأما صاحب الهمة ؛ فإنه يستمر حتى وإن وجد صعوبة.

عمر بن عبد العزيز - رحمه الله ورضي الله عنه - يقول: " لو كان كل بدعة يميتها الله على يدي، وكل سنة ينقشها أو يحيها الله على يدي ببضعة من لحمي - يعني تُقطع - حتى يأتي آخر ذلك على نفسي كان ذلك في الله يسيرا ".
الهمة هي التي تدفع إلى الثبات والصبر والاستمرار حتى آخر الطريق.

قصة جالوت كان معه قومٌ كثيرون ثم جاءالابتلاء الأول: { من شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني }.
فشرب منهأكثرهم إلا القليل، ثم مضوا وبعد ذلك ماذا حصل قال: { لا طاقة لنا بجالوت وجنوده }.ما بقي إلا القليل وهكذا من الذي يستمر إلى آخر الطريق هو صاحب الهمةالعالية وهذه بعض الفوائد.
الجانب الثالث أيها الأحبة الكرام: معرفةالوسائل والطرائق كيف نصل إلى هذه الهمة لنجني هذه الفوائد والأمر عظيم والأبواب كثيرة ؟
أولها: الإخلاص والصدق الإخلاص لله - عز وجل - والصدق في التوجه له والرغبة في أن يكون ذلك لمرضاة الله لا للشرف عند الناس لماذا ؟

لأنه إذاأراد الشرف عند الناس ربما يكون الشرف عندهم في وقت من الأوقات أن يكون صاحب مال فسينصرف إلى المال وربما يكون أحياناً أن يكون لاعباً محترفاً أو فناناً متميزاً - كما يقولون - ما الذي سيجعله إذا كان لا قصد له إلا وجه الله - سبحانه وتعالى - والإخلاص هذا هو الذي سيقوده إلى الطريق الصحيح.

وإن قال الناس عنه إنه درويش أو إنه مغفل أو إنه ساذج يعلم أنه ما دام في طريق الله ومخلص لله وصادق في توجهه إلى الله فهو الذي يعينه بإذن الله على أن يأخذ بالأسباب.
قال ابن القيم رحمه الله: " لقاح الهمة العالية النية الصالحة لقاح الهمة العالية النية الصحيحة فإذااجتمعا يعني الهمة العالية والنية الخالصة إذا اجتمعا بلغا بالعبد غاية المرادونسيان النظر إلى الخلق يحث على الأخذ بمعالي الأمور لأن الناقد بصير "
كما قال ابن القيم رحمه الله.
والله - جل وعلا - يقول: { فإذا عزم الأمر فلو صدقواالله لكان خيراً لهم }.

والطريق الثاني مهم جداً وهو: مطالعةالنصوص الشرعية وتدبرها القرآن والسنةانظر إلى نصوص كثيرة فيها معاني كثيرةتدلنا وتحثنا وتشجعنا وتقودنا إلى ذلك انظر إلى القوة والعزم والمضاء والعلو في شأن الأخذ بالدين والتوجه إلى الله - عز وجل - يقول الحق جل وعلا: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة }.
ليس بكسل ولا بتراخي ولا بهمة دانية ولا بتردد وتأخر بل بقوة، والله سبحانه وتعالى أيضاً يقول: { يا يحي خذالكتاب بقوة }.
وأيضاً:{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظُلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما أتيناكم بقوة}.
والله سبحانه وتعالى يقول:{ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير}.
من تأمل في هذا لا شك أن هذا يحثه ويحضه ويعينه إلى أن يمضي في طريق الهمة العالية ويحرص عليها.
والحق - جل وعلا - في القرآن يخاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول:{ فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب }.
قال ابن مسعود: " إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل ".
وقال ابن عباس: " إذا فرغت من الصلاة فانصب إلى الدعاء ".
وقال مجاهد: " إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل أخرتك ".
وقال علي ابن أبي طلحة: " إذا صح بدنك فاجعل صحتك نصباًفي العبادة ".
وقال ابن كثير: " إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطاً فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة ".
إذن ليس هناك فراغ إذا فرغت فانصب يعني عند الفراغ المطلوب غاية التعب إذن فكيف يكون في غير وقت الفراغ لا شك أنه يكون أكثر وأكثر، والله - جل وعلا - يقول: { والذين يُمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نُضيع أجر المصلحين }.
صيغة { يُمسّكون } تصوير على القوة والحرص والعزم والجزم والهمة في الأخذ بالكتاب، وإقامةالصلاة ليس أمر رِخواً وإنما أمر جد وعزم، والله سبحانه وتعالى يقول: { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيهالقلوب والأبصار *ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب}.
تأمل هذا المعنى لترى من هو المرشح لهذه المعالي والمعاني: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر }.
هذه الصفات والمناقب عندمانقرأها في القرآن ننتبه إلى هذه المعاني نتدبر قوله جل وعلا:{ ولربك فاصبر }.
وقوله:{ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها }، و { يا أيها المزمل قم الليل إلاقليلاً }.
إلى غير ذلك.
والأحاديث أيضاً كثيرة عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها)، حديث صحيح رواه الطبراني في الكبير وغيره أيضاً.
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح ومشهور:(نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس:الصحة والفراغ).
وحديثه: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير).
والأحاديث - كما قلت - أيضاً كثيرة والنصوص عظيمة ومن أهم الأمور التي تقود إلى الأخذ بهذه الهمة العالية.


والثالث: مطالعة السير وأخبار أهل الصلاح وذويهم
فإنها من أكثر الأسباب المعينة على الهمة العالية والمُفضية إليهاوالمؤدية إلى طريقها فإنها تشعل في القلب نار الحماسة وتذكي فيها العزيمة والجد بحيث لا يتوانى ولا يتكاسل ولا يتأخر وقد قال ابن الجوزي رحمه الله إن النظر في سيرالقوم حياة للقلوب وإعلاء للهمم.
ونعلم أن من سير الصحابة والتابعين والسلف الصالح - رضوان الله عليهم - ما لو تدبره وتعلق به المرء لكان خيراً له وسبباً من الأسباب التي تعينه بإذن الله عز وجل.


والرابع: التركيز في المعالي والبذل لها
فإن كثيرٌ من الناس يشتت فكره ويوزع همومه وتعرض له العوارض التي سيأتي ذكربعضها فلا ينصرف همه إلى شيء عظيم وإلى مقصدٍ واضح وإلى هدفٍ سامي فلا يكون حينئذٍله أثر وقد قلنا: إن الهمة مولودة مع الإنسان وأن كل الناس لهم همم لكننا نرى أن بعض الناس هممهم تنصرف إلى غير الخير من أين ذلك ؛ لأنهم لا يركزون في الأمر الصحيح أو المطلوب وحتى علماء النفس والذين يتحدثون عن ملكات الإنسان يقولون ذلك.
إنالفرق بين العباقرة وغيرهم من الناس العاديين ليس مرجعه إلى صفة أو موهبة فطريةللعقل بل إلى الموضوعات والغايات التي يوجهون إليها هممهم وإلى التركيز الذي يسعهم أن يبلغوا هذه المنازل.
نحن مثلاً نرى من علماء الحديث من يقولون أنه كان يحفظ كذا وكذا ألفاً من الحديث أو يعرفوا عن رجال الحديث ورواتهم كذا وكذا ألفاً وبعض الناس يقول كيف هذا أي عقل يستوعب هذا.
فنحن نقول انظر إلى ما يحفظه كثيرٌ من الناس أو ما نحفظه نحن بمجموع ما عندنا كم يحفظ كثيرٌ من الناس من أسماء المغنيين والمغنيات والفنانين والفنانات واللاعبين واللاعبات، وأسماء المجلات وأسماءالاسطوانات، وكذا تجد أنه كمٌ هائل ربما يعدل شيئاً من ذلك.

لكنه كان في غيرالطريق الصحيح وكان مشتتاً مفرقاً في أودية شتى ولم يُركز في جانب واحد ولذلك قال بعضهم أيضاً إن العقل الإنساني يُصبح أداة مدهشة إذا رُكز تركيزاً قوياً حاداً وهذاأمرٌ واضح.

مثلٌ يسير.. الإمام البخاري - رحمه الله - كان جُل اهتمامه وتركيزه في الحديث وبلغ فيه مبلغاً عظيماً حتى لُقّب بأميرالمؤمنين في الحديث.
انظر إلى عظمة التركيز في قصة واحدة قالها بعض أصحابه قال:نمت مع البخاري ليلة وإذا بي أُحصي له ستة عشرة مرة يقوم فينظر في أوراقه فيدون شيئاً أو يُطالع شيئاً.
لماذا فكره مرّكز وهمه منحصر في ذلك إذا نام حتى إذااستيقظ تذكر شيئاً فقام.

أبو عبيد القاسم بن سلاّم - رحمه الله - له قصة طريفة أيضاً ذكرها مؤلف وفيات الأعيان يقول:كان يفكر في المسألة ولا يصل فيها إلى حل فجاء لينام وغلبته عيناه، ثم إذا به يستيقظ وظل طول ليله يفكر حتى الصبح ولكنه وصل فيها إلى نتيجة، قال: فما رأيت ليلة أبرك عندي منها ".
إذاشغله شيء لا يلتفت إليه وحتى في مجال آخر.

زين العابدين - رحمه الله - كان يصلي في بيته واشتعلت النار في البيت، وجعل بعض الناس يصيح: يا ابن رسول الله النار.. النار !
فما شعر إلا بعد أن أطُفئت النار وخلصت الصلاة، قالوا: أما شعرت ؟!
قال:ألهاني عن النار النار الأخرى.

وعروة بن الزبير نعرف قصته لما سرى الداء إلى رِجله قالوا: نسقيك شيئاً من الخمر فنقطعها حتى لا تشعر !
قال: لا !
ما كنت لأستعين بمعصية الله، ولكن إذا دخلت في الصلاة فافعلوا ما شئتم، فقطعوها وغمسوهافي الزيت المغلي حتى يلتئم جرحها..

وفي بعض الروايات التاريخية أن الوليد وهوالخليفة قال وإني لأشم رائحة الشواء وهو في صلاته حتى أُغمي عليه رضي الله عنه ورحمه الله.

هكذا يكون التركيز وهذه قضية بشرية انظر إلى الذين يركزون في بعض الأمور والأعمال أو المهمات الذي يلتفتون إليها بعض الناس من العباقرة، حتى في العلم تجده لا يعرف كيف يلبس الملابس !
ولا يعرف كيف يأكل الطعام !
ينشغل بشيء حتى إن الإمام مسلم - رحمه الله - وقصة وفاته فيها عبرة كانت عنده مسألة من الحديث فدخل إلى بيته ورجع - بعد أن راجعه بعض الناس في الدرس - يبحث فقال لأهله: لا يدخل أحد عليّ، فقالوا: أُهدينا تمراً، قال: قربوه لي، فجعل يأكل ويقرأ، يأكل ويطالع وهو لا ينتبه حتى أكل التمر كله، قالوا: فمرض بسبب ذلك فكان منه موته بقدر الله سبحانه وتعالى.
والأمر في هذا يطول.

خامساً: اغتنام الفرص واستغلال الطاقات
فإن بعض الناس يقول: لا أُنجز الشيء حتى أتفرغ له !
وينسى أن القليل من الكثيركثير مثلاً أمر يحتاج إلى ساعتين من الزمان، ربما لا تجد ساعتين متصلتين !
فمايزال يؤجل ويسوف.. لن تأتيه الساعتين إلا بعد عامين، وربما الله أعلم بعد كم !
لكن هاتين الساعتين ربما جعلها دقائق خمس من هنا وخمس من هنا يقضي فيها هذا العمل أكثر منه.
وتجارب هذا كثيرة أحد علماء الهند عزم أن يتعلم اللغة الإنجليزية،وكان الإنجليز يحتلون الهند، وكان هو يعيش معهم، فعزم ألا يفوته يوم حتى يتعلم عشر كلمات من اللغة الإنجليزية وظل على ذلك - كما أظن إذا لم أنسى - سبع أو تسع سنوات، فصار ضليعاً في اللغة وصار يترجم منها إلى غيرها ومن غيرها إليها وهو لم يذهب إلى مدرسة ولا إلى معهد.


والسرخسي الإمام - رحمه الله - وُضع في الجب في البئر من بعض الظلمة، وكان هذا يكفيه أن هذا عائقٌ له عن أن يبذل عملاً أو أن يستطيع استغلال الوقت.. ظل يُملي طلابه المسائل والعلوم حتى أملى كتابه [ المبسوط ]، وهو كتاب عظيم وهو في قاع الجب وطلبته من أعلى يكتبون ما قالوا حتى يخرج.
وهذا من روائع أمثلة أسلافنا رضوان الله عليهم.
وفي هذا السياق أيضاً نذكر أن ابن القيم ألفّ كتابه العظيم [ زاد المعاد ] وهو في السفر في أثناء السفر والانتقال من بلد إلى بلد.. ألفّ هذا الكتاب العظيم من ذاكرته دون كتاب ولا مرجع.
وابن تيميه - رحمه الله - وهو محبوس كانت تُرسل إليه الفتاوى ويكتب ويرسل لأصحابها..

ما قالوا هذه ظروف حتى تنتهي !
وإنمايغتنمون لأن صاحب الهمة لا يفوّت.
بل حتى بعض الغربيين يقول: " إن كثيراً من العباقرة والذين نالوا مراتب عالية كانوا يستغلون الجذاذات من الأوقات التي يكنسهاالناس في المهملات فنالوا بذلك أعلى المراتب ".

سادس الوسائل ولابد منه: العمل والكدحلا يمكن أن تنال المعالي بالراحة والسكون بل كما قال الفاروق رضي الله عنه: " طلب الراحة للرجال غفلة ".
وقيل لابن الجوزي: هل يسوغ لي أن ألهو وأرفه عن نفسي بشيءٍ من المباحات ؟
قال: عند نفسك من الواجبات ما يشغلها.
فلابد من كدح كما قال القائل:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها **** تنال إلا على جسرٍ من التعب.

وقيل لأبي موسى الأشعري - وهو من الصحابة رضوان الله عليهم - وقد كان يكثر من العبادة حتى أصبح - كما قالوا - كعود الخِلال يعني من شدة نحوله، فقيل له: لو أجممت نفسك !
فقال: هيهات !
إنما يسبق الخيل المضمرة.
يعني النحيفة هي التي تسبق خفيفة يمكن أن تنطلق إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى وكم رأينا من العلماء والفضلاء والعبّاد رأينا كم يكدون ويعملون ويحتملون من العناءوالمشقة شيئاً كثيرا وسيدهم ومقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه فيقال له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!

فيقول: أفلا أكون عبداً شكورا.


ويقول الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله: " كبير الهمة دوماً في علاء وهو أبداً في نصب لا ينقضي وتعب لا يفرغ ؛ لأن من علت همته وكبرت طلب العلوم كلها، ولم تقتصر همته على بعضها وطلب من كل علم نهايته،وهذا لا يحتمله البدن، ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل وصيام النهار، والجمع بين ذلك وبين العلم صعب، ثم يرى ترك الدنيا ويحتاج إلى ما لابد منه ويحب الإيثار ولا يقدر على البخل ويتقاضاه الكرم والبذل وتمنعه عزة النفس من الكسب من وجوه التبذل ؛ فإن جرى على طبعه أي من الكرم احتاج وافتقر وتأثر بدنه وعائلته وإن أمسك فطبعه يأبى ذلك ولكن تعب عالي الهمة راحة في المعنى وراحة قصير الهمة تعب إن كان ثمّ فهم ".

وهكذا فالإمام أحمد رحمه الله لما كان في الحبس وسينقل إلى الخلافة ونُقل بعد ذلك وعُذب جاءه أحمد ابن داود الواسطي يقول وهويروي الرواية يقول:دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب فقلت له في بعض كلامي: ياأبا عبدالله عليك عيال وأنت معذور كأني أُسهل عليه الإجابة، فقال لي رحمه الله: " إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت ".
أما من الأنباري رحمه الله لما جاءإلى الإمام أحمد قال: يا هذا إنك رأس الناس وإمامهم فإن أجبت أجابوا وإن امتنعت امتنعوا فانظر ما تفعل !
فجعل ابن حنبل يبكي رحمه الله ويقول: أعد عليّ ما شاءالله..
أعد عليّ وهو يعيد عليه ثلاثة.
وفي بعض السير أيضاً أن إعرابياً جاءه وهو موثق ومحمول ليُنقل إلى دار الخلافة قال:

يا هذا إن الرجل إن لم يقتلك ؛فإنك تموت، قال الإمام أحمد: فثبتني الله بقولة الأعرابي ما شاء الله أن يثبتني.


والأسباب كثيرة منها أيضاً
سابعاً:قِصر الأمل وذكر الموت فإن الذي يقصر أمله يرى أن الوقت أقل من أن يُسوّف، وأن المسألة أعجل من أن ينشغل عن المقصد الأعظم والمهمة الأكبر.
ومن هنا نعرف أقوال السلف وأحوالهم في هذا الباب والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كن في الدنياكأنك غريب أو عابر سبيل).
وابن عمر يفقه من النبي عليه الصلاة والسلام فيقول: " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ".
وأما المفرطون فقد قيل فيهم بسطوا الآمال فأضاعوا آمالهم ولو نصبوا الآجال وطردوا الآمال خفّت عليهم الأعمال بإذن الله عز وجل.


ثامناً: صحبة ذوي الهمم العاليةالذين كلما كنت معهم لا تسمع إلا عملاً ولا ترى إلا بذلاً ولا تقف إلا على منجزات أما غيرذلك مما سنراه من العوائق تقرأ كتاباً يقول ما شاء الله قرأت كتاب مائة صفحة ماذاعندك من طاقة وكذا ماذا ستُذهب نظرك ستضيع نفسك ستُمرض بدنك.
أما إذا كنت مع ذوي الهمة تقول قرأت مائة صفحة يقول ماذا أنت تلعب ماذا مائة صفحة ماذا تصنع بها.

الشيخ الطنطاوي - رحمه الله - كان يقول: إنه كان في اليوم والليلة يقرأ أكثرمن عشرة ساعات ما بين قراءة وكتابة، ويُخبر أنه كتب من الصفحات في الجرائدوالمجلات والكتب ما لو قُسم على عمره لكان قابلاً للقسمة رحمه الله.
وأحدالأساتذة سمعته في محاضرة يقول لابد أن تقرءوا على الأقل في كل يوم عشر ساعات وكان هو يقرأ ذلك فيما أعرفه عنه ومنه.
وهذا يحث الإنسان ويحضه كثيراً وكما قلناالطرق والوسائل كثيرة.

ننتقل إلى النقطة الأخيرة: عن العوائق لأنها مهمة أيضاً وأهم العوائق:
الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن.
قالوا: وما الوهن يا رسول الله ؟

قال: حب الدنياوكراهية الموت.

{يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى أرض }.

والله سبحانه وتعالى قال: { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلا }.


والذي يتأمل يجد أن حب الدنيا والركون إليهاهو أعظم ما قعد بالهمم، وأعظم ما قطع العزائم وأعظم ما شغل عن المعالي، وأكثرالناس اليوم مشغولٌ بلقمة يأكلها، أو بيتٍ يسكنه، أو سيارة يركبها، فدارت الهمم والأفكار حول هذه الأمور.
وكما قال القائل:" إن حب الدنيا وكراهية الموت صنوان لا يفترقان وإن الهمة العالية لا تسكن القلب الجبان ".
والله - عز وجل - قال فيشأن اليهود ذم وقدح لهم وبياناً لسفولهم ودنوهم: { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}.وحرصه على الحياة يجعله لا ينظر إلا إليها ولا يحرص إلا عليها:
أضحت تشجعني هند فقلت لها **** إن الشجاعة مقرون بها العطبُ
لا والذي حجت الأنصار كعبته **** ما يشتهي الموت عندي من له أربُ
للحرب قومٌ أضل الله سعيهم لأنه بالنسبة له يخاف على حياته يقول:
للحرب قومٌ أضل الله سعيهم **** إذا دعتهم إلى ساحاتها وثبُ
ولست منهم ولا أهوى فعالهم **** لاالقتل يعجبني منهم ولا السلبُ.
يريد أن يرتاح ويبقى في حياته يأكل يشرب كما يحب وكما يرغب، فهذا لا شك أنه لن تكون له همة عالية بحال من الأحوال.


والأمر الثاني: الأماني الأمنيات والأحلام والخيالات التي لا يسندها عمل وكثيرٌ من الناس سأفعل وأريد وكذا وليس عنده أدنى شيء يدل على أنه يسعى لتحقيق هذه الأمنيات.
وبعض الناس يفرح بالأماني يتمنى أنه إن شاء الله بعد عام سيفعل كذا وأنه خلال عشرة أعوام سيُجز كذا وكلها كما قيل يبني الرجاء على شفيرٍ هارٍ.
وبعضهم يفرح كما قلت بالأمنيات كما قال القائل:
إذا تمنيت بت الليل مغتبطاً **** إن المنى رأس أموال المفاليس

ومن العوائق أيضاً: اليأس من الواقع وهذا يعرض لكثير من الناس اليأس من الواقع يقول لك: ماذا ستصنع ؟

حتى لو كنت صاحب همة حتى لو كنت تريد أن تفعل ؟

ماذا تغير في الواقع ؟
المسلمون متفرقون والعلم قليل والجهل كثير والبدعة فاشية والسنة غريبة.. ماذا سنصنع ؟

كل واشرب ونام وأعبدربك بما تستطيع وانتهى الأمر.
هذا اليأس هو الذي استبد بكثير من الناس واستبدبهم العجز لأجله وهذا خطير.. وإنما المؤمن على ثقة من ربه، وعلى أمل في وعده،وهو قبل ذلك كله يؤدي واجبه، ويحاول أن يبرئ ذمته وليكن ما يكون والله عز وجل هوالذي يقضي ما يقضي ويقدّر ما يقدّر..
ليست مهمتنا أن نحصل على النتائج ولكن مهمتنا وواجبنا أن نؤدي المهمات، وأن نقوم بالواجبات، وأن نسعى إلى أعلى وأسمى الغايات، ثم بعد ذلك يقضي الله سبحانه وتعالى ما يشاء.

والذي ينتظر ذلك لا يمكن أن يتحرك لا هو ولاغيره، وكل واقع سيئ لو نظرت إلى تغييره لرأيت أن الذي غيره إنما هو الهمة العاليةوأصحابها الذين يبدءون بالقليل فيعظم مع الزمان ويتسابقون إلى الخير فيكثر بهمالخير ؛ حتى يغلب الشر بإذن الله سبحانه وتعالى.
وفي يوم أُحد لما شاع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم دبّ اليأس إلى بعض الصحابة كما في بعض الروايات وقعدواوقالوا: إذا قُتل - عليه الصلاة والسلام - فعلاما الحياة بعده ؟
فمرّ بهم بعضهم وقالوا: إذا مات رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فموتوا على ما مات عليه،فاستنهضوا الهمم، وأحيوا العزائم، فانطلق الصحابة وأحاطوا بالنبي - عليه الصلاةوالسلام - ووقفوا وقفتهم العظيمة حتى انسحبت قريش وقنعوا بالنصر بما نالوه من هذه الجولة.
فإذن اليأس هذا أمره خطير.

ومن العوارض - أيها الأحبة الكرام -
والعوائق: التقليد والتبعية التي جعلت الناس يفكرون في كثير من الأموروينشغلون بها ؛ ليُشابهوا فلان أو فلان، أو ليكونوا - كما يقولون - حسب العُرف الجاري ؛ فإن كان عُرف الناس أن يتباهوا بالمظاهر حرصوا عليه وانشغلوا به، وكدحوالأجله، وإن كان كلام الناس عن التفيهق أو الاتباع للشرق أو للغرب فكم ترى من ذلك كثيرٌ وكثير من المظاهر الفارغة، وهذا يربي قطة !
وذاك يربي كلباً !
وهذا يصنع كذا.. وينشغلون بمثل هذه الأمور الرديئة.


ومن أعظم العوائق: استشعار الندرة والضعف عند التفرد
لأنه ما إذا صنع شيئاً وبدأت همته تطالبه، يقول: لماذا أنا وحدي والناس كلهم لا يفعلون ذلك ؟!
فإن بعض الناس يقعده هذا التفرد عن العمل وعن المُضي مع الهمة العالية.
والسلف - رضوان الله عليهم - كانوا يحذرون من هذاوينبهون فقال سفيان رحمه الله: " اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها ".
إذا كنت على الحق ولو كنت وحدك فأنت الذي ينبغي أن تبقى على ما أنت عليه، وأن يتبعك الناس لا أن ترجع عما أنت عليه.

وسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول : " اللهم اجعلني من الأقلين فتعجب عمر من هذا الدعاء قال يا عبدالله وما الأقلون ؟!


قال سمعت الله يقول:{ وما آمن معه إلا قليل }، وقال: { وقليل من عبادي الشكور }، فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أفقه من عمر.
يعني ما انتبه عمر لهذاالمعنى رضي الله عنه.
وقال سلمان الداراني: " لو شك الناس كلهم في الحق ماشككت فيه وإن كنت وحدي ".
فالوحدة والتفرد يعني أحياناً تقعد الإنسان عن مقتضى الهمة.
والله عز وجل قال: { إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا }.
قالبعض أهل التفسير: كان وحده على التوحيد وقومه كلهم على الشرك.
وهكذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند مبدأ الدعوة.. كان الوحيد الذي يعرف الإسلام والإيمان، ثم كان معه نفر قليل.. ما قالوا نحن قلة في وسط كثرة فماذا نصنع !
وإنما مضوا إلى أمرهم.


ومن الأمور العائقة: انشغال الناس بكثرة م نالأمور العارضة والتافهةمن التي غلبت على الناس في أمورٌ اجتماعية.
فإذا ذهب ليزور إنسان ويسلّم عليه تظل هذه الزيارة في السلام والكلام والتحيات والمباركات ثلاث ساعات أو أربع ساعات، ويذهب ليأكل الطعام فإذا بوجبة الطعام تأخذثلاث ساعات !

وكل هذا من ضياع الأوقات وتفويت مبتغى ومتعلق الهمة العالية.

ومن أشد ذلك: صحبة البطّالين المتقاعسين إذا أردت أن تفعل شيئاً يقول لك: يا أخي ولماذا التعب ؟

سبحان الله بعض الناس يحب النكد !

لماذا يا أخي تسهر الليل ؟!

سبحان الله !
لماذا يا أخي تكدح من أول النهار ؟

يا أخي نام وارتاح.. إن لبدنك عليك حقاً - نصائح تأتيك - إن لبدنك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً.. وتأتيك أمور والبيئة المحيطة يا أخي لماذا كل الناس في بيوتهم وأنت خارج بيتك ؟

لماذا كل الناس يفعلون كذا وأنت لا تفعل كذا.. هذا التثبيط خطيرٌ جداً.
وكما قال المنامي في فيض القضيض: " والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقاً مناسبة لخُلق المنظور إليه ومن المشاهَد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفا فما الظن بالنفوس البشرية ".
وهذا شيءٌ كثير وعظيم.

ومن ذلك طبعاً: مخالفة البيئة يتبع لذلك وخاصة الزوجة والأبناءوالله عز وجل قال: { إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فأحذروهم... }.. { إنما أموالكم وأولادكم فتنة }.
وهذه أمور كثيرة.

ومن العوائق الخطيرة: العشق والحب الذي أثاره الناس في هذه الأيام، فتجد العقول سارحة، والأوقات مقضية، والأجسام ناحلة، والأموال مبذولة، والوسائل مطروقة كلها لأجل الحب والغرام والعشق والهيام، وهذافي تاريخ الناس كثير وإلى يوم الناس هذا.
وكما ذكر أيضاً عن ابن القيم في روضةالمحبين قال: " العشق من أغراض البطّالين، وأمراض الفارغين، ينحل الأشباح النحول، وينحل الأرواح بالذبول، فالدمع هاطل، والرأي عاطل، والحسرات تتتابع، والزفرات تتتابع والأنفاس لا تمتد، والوسواس يشتد، والعيون طول الليل ساهرة، والقلوب نسيت الآخرة ".

وهذا نراه ويسري بين بعض الناس والشباب على وجه الخصوص.
ونعرف أقوال الشعّار والعشاق:

أتاني منكِ سبك لي فسُبي **** أليس جرى بفيكِ اسمي فحسبي.

ما دام اسمي يجري على لسانك حتى ولو بالسب ؛ فإنه عنده وعند هذا العاشق محبوب.
وقال الثاني منهم:
لو كان لي قلبانعشت بواحدٍ **** وتركت قلباً في هواكِ يُعذب.
إلى آخر ما يقول هؤلاء.

والمجنون له قصص كثيرة منها ما ذكر أنه مرّ بزوج ليلى وهو يصلي، وهو يصطلي بجمرٍ عنده جمر موقده فقال له أبيات جاء فيها:بربك هل ضممت إليك ليلى ؟
فقال: نعم، فقبض الجمر الذي بين يديه وهو لا يشعر حتى ذابت يده من شدة حرارة النار نسأل الله عز وجل السلامة.
حتى قال القائل منهم:
إذا صليت يممت نحوها بوجهي **** وإن كان المُصلي وراءيا.


إلى غير ما يقال في هذا وهو من الأمورالواضحة الظاهرة والأمر في هذا الموضوع أحبتي الكرام عظيم.
ونحن نعلم أن من أدوى الأدواء، وأقسى وأشد العلل وأفتك الأمراض في أهل الإسلام والإيمان اليوم ضعف الهمم، وخور العزائم، ودناءة الاهتمامات، وسفالة الانشغالات التي صرفت عن معالي الأمور وشغلت عما يؤدي إلى الأخذ بالعمل والجد والبذل.


فنسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يحيي الإيمان في قلوبنا، وأن يُعلي الهمم في نفوسنا، وأن يشحذ عزائمنا، وأن يمضي على طريق الحق أعمالنا، وأن يُذكي إلى مرضاة الله - عز وجل - آمالنا، وأن يحسن خاتمتنا، وأن يُجري الخير على أيدينا.. إنه وليُّ ذلك والقادر عليه



كتبت : أمواج رجيم
-
جزاكِ الله خير
تقبلي مروري
كتبت : اسيرة الاحزان2002
-
كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاك الله خير الجزاء
سلمت يمنياك لانتقائك الهادف
جعله الله في موازين حسناتك
كتبت : دكتورة سامية
-
أختي الغالية

أحسن الله إليكِ

اللهم الطف بها فيما جرت به المقادير

اللهم أعنها على ما ينجيها مما خوفتها منه
وارزقها شوقَ الصالحين إلى ما شوقتهم إليه
اللهم لا تحجبها بدنياها عنك
واجعل بُغيتها من الدنيا بغيةَ الراكب المـُجِدِّ للآخرة ،
واجعل همومها همًا واحدًا هو لقائك يا أرحم الراحمين
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

التالي

الإيمان مفهوماً وتأثيراً .. الشيخ على بن عمر بادحدح

السابق

نجاة الأمة في التمسك بالسنة .. الشيخ عبد الرحمن السديس

كلمات ذات علاقة
الدكتور , الصحى , الهمم , الطريق , بادحدح , على , عمر , إلى , إعلاء