الناس والحياة - الشيخ على بن عمر بادحدح
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت :
~ عبير الزهور ~
-
الناس والحياة - الشيخ على بن عمر بادحدح
الناس والحياة - الشيخ على بن عمر بادحدح
الناس والحياة - الشيخ على بن عمر بادحدح
الناس والحياة - الشيخ على بن عمر بادحدح
الناس والحياة - الشيخ على بن عمر بادحدح
لعل هذا الموضوع أيها الأخوة له أهمية في فهمنا لحقائق وسنن الحياة وفي معرفتنا لأنماط للأقسام وتصرفات الناس في هذه الحياة وأن نعرف أيضاً ما ينبغي ما نكون عليه في إيماننا وإسلامنا وفهمنا لغايتنا وتحقيقنا لرسالتنا ووراثتنا لنبينا في هذه الحياة.
سنن الله في الحياة :
وأبدأ في سنة الله في الحياة ثم أثني في أقسام الناس في الحياة وأثلث بعد ذلك بومضات على طريق الحياة وكل ذلك في إيجاز واختصار والحق أن كثير من ذلك يستدعي الإفاضة.
سنة الله في الحياة جعل الحق سبحانه وتعالى في الحياة الإنسانية والمجتمعات البشرية سنن لا تتغير ولا تتبدل {ولن تجد لسنة الله تحويلاً }، { ولن تجد لسنة الله تبديلاً }، وهذه السنن تسير وفق قدر الله المرسوم، وحكمته البالغة، وعلمه السابق لكل ما هو موجود في هذا الوجود ثم هي أيضاً مبنية على نسب وقواعد ونضم وقوانين كما تسير الحياة في طبيعتها الكونية على سنن لا تتخلف إلا بأقدار الله عز وجل لحكم بالغة ولعبر ظاهرة فكذلك الأمر في سنن الحياة الإنسانية الاجتماعية البشرية.
ولسنا نريد أن نخوض فيما يتعلق في الصلاح والفساد والخير والشر ونوايا الناس وصلتهم بالله وما يتعلق بذلك من سنن الحياة فإن هذا يتعلق بنظرتنا الإيمانية واعتقاداتنا الإسلامية المرتبطة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وجل حديثنا هنا نتحدث فيه لعموم الناس حتى من كان منهم غير مسلم فإن هذه السنن في كل مناحي الحياة قد قال الحق جلا وعلا { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا }.
فأصل خلقة هذه الحياة لما فيه من الحياة والحركة والإيجاز والإحداث وما فيها من العناء والفداء والموت وانتفاء الحياة كل هذه الحياة خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون ميدان ابتلاء وساحة اختبار فليس فيها نوع هدوء ولا سكون بل هي حركة وتموج، وليس فيها نوع خمول ولا كسل بل هي جد وعمل، وليس فيها نوع راحة وطمأنينة بل فيها عناء وصعوبة هذه طبيعة الحياة طبيعة الابتلاء ليبلوكم.
والابتلاء هو استخراج مكنونات النفس وما يتعلق بها من تصرفات الحياة وكما قال سيد رحمه الله في تعليقه على هذه الآية ( ليست المسألة مصادفة بلا تدبير، وليست كذلك جزافاً بلا عناية إنما هو الابتلاء لإظهار مكنون المكنون في علم الله عز وجل من سلوك الأناسي على الأرض ) الله عز وجل يعلم النفوس وطبائعها وما فطرت عليه، وما سيكون منها من عمل، وما سيخالطها من شعور، وما سيتولد عنها من تصرفات في هذه الحياة لكنه قدر سنة الابتلاء ليظهر ذلك في واقع الحياة مع علم الله عز وجل السابق به حتى يكون ذلك ظاهر للناس ويكون سبباً بيناً لاستحقاق الجزاء على الأعمال { ليبلوكم أيكم أحسن عملا }.
واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يجعله ويدعه أبداً يقضاً حذراً متلفتاً واعياً للصغيرة والكبيرة في النية المستترة والعمل الظاهر ولا يدعه يغفل أو يلهو وكذلك لا يدعه يطمئن أو يستريح.
والطالب على سبيل المثال عندما يتهيأ للاختبار وتحل أيامه ولياليه فإنه يكون على أهبة الاستعداد ويعرف المدرس الطالب المتميز المتفوق من الطالب البليد الكسول لكنه يجعل الفرصة للجميع في ميدان الاختبار ليخرج مكنونات علمه بهؤلاء فيما يظهر من أعمالهم حتى يستحق عليها الجزاء والطالب في هذه الفترة يكون يقظاً حذراً يراعي الصغيرة والكبيرة ويفكر في كل دقيق وجليل حتى يكون دائماً على أهبة الاستعداد وفي غير ذلك يكون أحياناً مفرطاً ومقصراً، وهادئاً ساكناً، ومتراخياً متكاسلاً لكن لو افترضنا أن حياة الطالب في كل يوم من أيام دراسته اختبار فكيف سيكون حال هذا الطالب لا شك أنه سيكون متغيراً .
فإذا أدركنا أن الحياة كلها لكل إنسان من مبدأ خلقه إلى حين وفاته ولكل الناس وفي كل الأزمنة وفي كل الأمكنة وعلى اختلاف عقولهم ومداركهم وأحاسيسهم ومشاعرهم كلها اختبار علمنا حينئذً لا بد أن يكون في هذه الحياة تلك المباغتة وذلك الاستخراج لما في النفس من مشاعر ولما في العقل من خواطر ولما في السلوك من ممارسات .
لأدركنا حينئذً أن الحياة في كل لحظة من لحظاتها ينبغي أن تكون تماماً وأعظم كما هو الحال بالنسبة للطالب في يوم اختباره وفي ساعة تأديته لهذا الاختبار والله سبحانه وتعالى أيضاً يقول { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإن إليه راجعون }
ولنسأل أنفسنا هذه الأنواع والابتلاءات بعيداً عن معانيها الإيمانية أليست تمر على كل أحد، أليست تطوف بالناس مؤمنين وكافرين، أقوياء وضعفاء، أغنياء وفقراء، أذكياء وبلداء، أليس يمر بكل أحد في غالب الأحوال أو على الأقل بكل صنف من صنوف الناس وفي كل بقعة من بقاع الأرض هذه الفتن والابتلاءات { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات }، أليس يمر في كل مجتمع وعلى كل إنسان حالة خوف وضغط جوع وكذلك تغير فيما يملك بين يديه بأمور هذه الحياة الدنيا زيادة ونقص كل ذلك يمر وهذا أيضاً من سنة الله عز وجل في الحياة لا يتعلق ذلك بإيمان مؤمن ولا بكفر كافر بل هو سنة ماضية وطبيعة دائمة في مثل هذه الحياة.
بل قد قال الله جلا وعلا ما يبين ذلك في سنة التدافع التي هي طبيعة الحياة، بل هي رغم صعوبتها حلاوة الحياة { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }، وجاءت هذه الآية في أعقاب قصة داود وجالوت وقال أهل التفسير ( ولولا دفع الله أهل الفساد والشر بأهل الخير والصلاح لفسدت الأرض بغلبة أهل الشر واستيلائهم على أمور الحياة فحينئذً تتمخض الحياة كلها للشر لكن الله عز وجل جعل سنة الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والصلاح والفساد سنة يقع بها التمييز بين الخير والشر وإدراك أثار الخير الطيبة واستشعار أثار الشر السيئة ولو لم يكن ذلك كذلك لما رأى الناس هذا ولما قامت عليهم الحجة ببيان الخير والشر بطبيعة الحياة فضلاً عما أنزل الله عز وجل من الوحي والرسالة والله سبحانه وتعالى جعل ذلك سبباً للخير لوجوده وظهوره وعلوه ).
والماء إذا كان راكداً غير متحرك يفسد وتكون حركته وتدافعه سبباً لتجدده وحركته وقوته وظهور ما فيه من خير وشر فإنك لو قلبته لأظهرت بعض الشوائب لكنها تظهر لك حتى تنحيها وحتى تخلصها والله عز وجل قد ضرب مثلاً متعدد الجوانب في صور الشبه عندما بين سنة تدافع الخير والشر واستخلاص الله للخير ومكوثه ودوامه { فأما الزبد فيذهب جفاً، وأما ما ينفع الناس فمكث في الأرض }، زبد السيول الذي يطغى على سطح الماء ماذا يصنع به الماء الجاري إنه يمضي به حتى تحجزه حواجز طبيعية ثم مع تدافع الماء يكون متجنباً حتى يندفع الماء المتجدد بالحركة الصافي النقي الذي فيه حياة الناس ومصالحهم عندما يأتي ويسير هذا البلاء في هذه الحياة وتتدفق الأمواج وتتدافع يكون من أثر ذلك التدافع هذه الحياة التي لو تصورناها بلا متمخضة للخير وحده أو للشر وحده لما كان هنالك الحكمة التي نعرفها (وبضدها تتميز الأشياء ).
كيف نعرف بياض الثوب إلا عندما نعرف السواد، وكيف نعرف صلاح الإنسان إلا عندما نعرف الفساد وهذه سنة الله عز وجل والعناء في الحياة أساسً فيها وطبيعة ملازمة لها لقد كانت الحياة كلها تأسن وتتعفن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ولو أن في طبيعة الناس التي فطر الله عليها أن تتعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرة القريبة لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم وتتغالب وتتدافع فتنفض عنها الكسل والخمول وتجتشيج ما فيها من مكنونان مدخورة وتظل أبداً يقظة عاملة هذه سنة أيضاً من سنن الحياة.
ومن طبيعة هذا التدافع، ومن طبيعة سنن الحياة المتكاملة له سنة التفاوت وهذه سنة عظيمة في حكمة باهرة ومنفعة عظيمة للناس تفاوت الناس في كل شيء لا يمكن أن تجد من الناس اثنين لهما كل شيء بالتساوي وغنما أصل سنة الحياة مبنية على التفاوت فقوة، وضعف، وغنى، وفقر، وذكاء، وبلادة إلى غير ذلك.
حتى يحصل التغير والتبادل والتمازج والتكامل والتعاون بل وأحياناً التصادم والتدافع لتبقى للحياة طبيعتها في الحركة.
اليوم بعض الناس الذين يعملون وعندهم أعمال كثيرة في اليوم الذي يكون عنده إجازة وطبيعته الحركة الدائمة والعمل الكثير والمشاغل المتتابعة ماذا يكون حاله؟
كثيراً ما تجد بعض أولئك الناس الذين في أغلب أوقاتهم عمل إذا جاء يوم الراحة أصابهم من الملل والتعب والعناء وضيق النفس شيء عظيم لأنه تعود الحركة ولو تصورنا الحياة سكوناً وهدوءً وليس فيها ذلك التفاوت لو تصورنا مجتمعاً ما كلهم أغنياء فمن سيخدم الآخر ومن سيكون محتاجاً إلى الثاني ولو تصورناهم كلهم فقراء فمن سيجبر كسر الآخر كما يقول المثل الذي هو من الأمثلة العامية ( انضم المتعوس على خائب الرجاء )، أو كما يقولون ( لو زرعنا لو في وادي عسى يطلع ياريت ).
هذه الأشياء تدل على أن الأشاء المتساوية لا يمكن أن تنتج تفاعلاً يحرك طبيعة الحياة ولذلك جاء ذلك في قول الله سبحانه وتعالى { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعض سُخرياً ورحمة ربك خيراً مما يجمعون }، أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا والمعيشة ليست متعلقة بالرزق فقط وإنما أقسام المعيشة في الحياة كلها من الذكاء، من القوة، من كل معطيات الحياة ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعض سِخرياً ورحمة ربك خيراً مما يجمعون يقول صاحب الظلال معلقاً ومبيناً أيضاً ملامح هذه السنة ( رزق المعاش في الحياة الدنيا يتبع مواهب الأفراد وظروف الحياة ومقومات المجتمع وفق نضمه وارتباطاته وظروفه العامة كلها ولكن السمة الباقية فيه والتي لم تتخلف أبداً أنه متفاوت بين الأفراد وتختلف أسباب التفاوت بحب ما تختلف بين أنواع المجتمعات والنظم لكن سمة التفاوت في مقادير الرزق لا تتخلف أبداً ولم يقع يوماً أن تساوى جميعاً الأفراد في هذا الرزق أبداً )
والحكمة في هذا التفاوت ملحوظ في جميع العصور والبيئات وجميع المجتمعات هي ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً.
سؤال ما معنى هذا التسخير؟
هل هو نوع التصلت والاعتداء والتكبر؟
وتكون هذه هي أثار القسمة؟
وهذه صور من صور الرحمة؟
أو هذا مظهر من مظاهر السنة الإلهية؟
والجواب لا بل المقصود بالتسخير هو نوع التكامل الناشئ عن التفاوت أيً كان فليس فيه لأحداً على أحداً فضل، ولا لأحداً على أحداً منة ليس فيه استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد إن هذا معنى قريب ساذج لا يرتفع إلى مستوى القول الإلهي الخالد كلا إن مدلول هذا القول أبقى من كل تغير أو تطور في أوضاع الجماعة البشرية وأبعد مدى من ظرف يذهب وظرف يجئ إن البشر كله مسخر بعضهم لبعض ودولاب الحياة يدور بالجميع ويسخر بعضهم لبعض.
حتى نحن نقول الفقير أمره مسخر لخدمة الغني لكن أليس الغني أيضاً مسخراً بصورة أخرى للفقير وغيره أليس هو يحتاج لهذا وذلك يحتاج له كل هذا مبنياً على سنة التفاوت التي تنشأ منها سنة التدافع التي تولد فيها حكمة تقلب الأحوال والظروف والتي تنتهي إلى سنة الابتلاء التي يستخرج الله سبحانه وتعالى بها مكنونات النفوس وطبائعها وظواهر الأعمال ووجودها في واقع الحياة ويترتب على ذلك الجزاء في طبيعة الحياة إذاً لا بد أن ندرك أيها الأحبة أن سنة الحياة فيها مثل هذا سواءً كما قلنا ونؤكد للمؤمنين وللكافرين وللصالحين وللطالحين حتى لا يسأل سائل لما يبتلى هذا المؤمن وهو على خير وصلاح وإخلاص وعبادة وزهد إلى غير ذلك لما يبتلى بالفقر لما يبتلى بالضعف لما يبتلى بالمرض إنها سنة الحياة في مجملها وفيها سنناً إيمانية ليست موضوع حديثنا في هذا الدرس.
أقسام الناس في الحياة :
ثم ننتقل أيها الأخوة إلى أقسام الناس في الحياة وهذا أمر مهم ولعل الخاطر يجول الآن عند كثير منكم كيف سنقسم الناس كلهم في هذه الحياة وكم قسماً سيكون هذا التقسيم هل هو عشرة؟
أو يبلغ المائة؟
أو يزيد أكثر من ذلك؟
وفي الحقيقة فيما تصورت بالنسبة لطبيعة الحياة ليس إلا هناك إلا ثلاثة أقسام فقط أذكرها مع التعليق على كل قسم منها :
القسم الأول : الحياة الهامشية التافهة
يعيشها عدد من الناس ليس عندهم في هذه الحياة لا هدف، ولا غاية، ولا همة، ولا عزيمة، ولا رغبة، ولا طموح، ولا حتى وجود أي دافع من الدوافع التي تجعل الإنسان يتحرك حركة ما ليكون عنصراً من عناصر هذه الحياة والنبي عليه الصلاة والسلام في حديثه الصحيح يقول : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ).
والكلمة الثانية هي موضوع حديثنا ألست ترى بعض الناس يجلس متكئاً وينظر في الأفق محدقاً وأحياناً يكون على قارعة الطريق ينظر فيماً يأتي وفيما يذهب فإذا سألته أي شيء تصنع لم تجد عنده جوابً ولأي حكمة تنظر لم تجد عنده جوابً أمثال هؤلاء يبحثون في الفراغ عن الفراغ ليعيشوا في الفراغ دون أن يكون لهم قصداً حتى في ملئ الفراغ فهذه صورة عبر عنها بعض السلف في مقتها وفي كونها أردى وأدنى درجات الحياة كما قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ( إني لأكره الرجل فارغاً ليس في عمل أخرة ولا دنيا )، لو كان في عمل دنيا ولو لم يكن حتى من المؤمنين فإنه يكون له إضافة وإسهام في هذه الحياة ولعل الحطئة الذي عرف بأنه إن لم يكن أهجى شعراء العرب فمن أشدهم وأقذعهم هجاءً لعله كان حالقاً وذكياً وخبيراً عندما هجى من هجاه ببيت عزره عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أي رأى أنه قد تجاوز الحد وبالغ في الإساءة حتى استحق أن يعاقبه عمر رضي الله عنه فبأي شيء يا ترى هجى الحطئة ذلك الرجل الذي هجاه هل سبه وشتمه وعيره بنسبه وأصله؟
كلا لم يقل من ذلك شيء وإنما قال بيت لعل بعض الناس اليوم يعده من المديح بل ربما بعضهم يسرح به ويتمنى لو وصف به وذلك من شدة حمقه وشدة غفلته ودناءة تفكيره وانحطاط معرفته بالحياة وطبيعتها قال الحطئة :
والكلام جميل ليس فيه شتم كما قلنا، وليس فيه طعن يقول له اجلس لا تنظر إلى المكارم ولا تسعى إلى المفاخر يكفيك أن تأكل وأن تشرب لقد رأى عمر أن مثل هذا الوصف قد بلغ الإساءة التي لا تبلغها إساءة ولا تتجاوزها لماذا؟
لأن مثل هذا الوصف لإنسان لا قيمة له في الحياة ولا أثر له فيها ولا حركة ولا عمل كما قال القائل :
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ** يرد الفتى كي ما يضر وينفع
وإن كان المعنى غير ملائم ولا مقبول لكنه ينبئنا عن بعض الناس الذين ليس لهم أي شيء ولا أي دور في هذه الحياة حتى إن الشاعر قال له ( إذا أنت لم تنفع فضر )، افعل أي فعل ولو فيه ضرر ( فإنما يرد الفتى كي ما يضر وينفع )، ولعل الرافعي الأديب يجدد لنا قوة المعنى الذي ذكره الحطئة عندما قال :
إذا أنت لم تجد شيءً في هذه الحياة ** كنت أنت معنىً زايداً عليها