الشيخ محمد بن عبد الوهاب

مجتمع رجيم / بهم نقتدى
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
الشيخ محمد بن عبد الوهاب
الشيخ محمد بن عبد الوهاب


121518.gif


الشيخ محمد بن عبد الوهاب

د - خالد سعد النجار


لا يعد الإمام «محمد بن عبد الوهاب» زعيم حركة إسلامية سلفية فحسب، وإنما يعد أحد رواد الإصلاح الديني، ومجدد نبع الإسلام الصافي، الذي كادت تكدر صفوه تلك البدع والأوهام التي شاعت بين كثير من الناس في العصر الحديث، والتي وصفها بعض العلماء بوثنية العصر الحديث.
النشأة
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي سنة “1115هـ) الموافق سنة “1703م) في بلدة العيينة في نجد، الواقعة شمال الرياض، في بيت علم وفضل ودين وقضاء، فأبوه قاض فقيه، وعالم كبير، من أسرة آل مشرف التي تنتهي بنسبها إلى بني تميم، وكذلك كانت أمه امرأة فاضلة ذات عقل ودين، ومن عشيرته الأقربين، وهكذا كانت ولادته، ونشأته في بيئة متدينة، تعنى بالعلم، وتخرج العلماء الذين يتوارثون العلم كابراً عن كابر.


فجده الشيخ سلمان بن علي هو رئيس علماء نجد، وأوسعهم علماً، وأشدهم تمسكاً بأهداب هذا الدين، حتى صار مرجعهم جميعاً، وله كتاب مشهور في المناسك، هو المعتمد في باب المناسك عن الحنابلة، وكذلك كان عمه إبراهيم بن سلمان عالماً جليلاً، وكذلك كان أخوه سليمان وخاله من علماء نجد، وكان ابن عمه عبد الرحمن بن إبراهيم من العلماء المعدودين، وهو بالتالي ورث أبناء وحفدته حب العلم، فكان أبناؤه الخمسة وكثير من حفدته من علماء شبه الجزيرة العربية.


ونشأ الشيخ في حجر أبيه عبد الوهاب في تلك البلدة في زمن إمارة عبدا لله بن محمد بن حمد بن مُعمَّر، وكان سباقاً في عقله وفي جسمه، حادّ المزاج، فقد استظهر القرآن قبل بلوغه العشر، وبلغ الاحتلام قبل إتمام الإثنتي عشرة سنة، قال أبوه:رأيته أهلاً للصلاة بالجماعة، وزوجته في ذاك العام.


طلبه للعلم
درس على والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، وكان في صغره، مكباً على كتب التفسير والحديث والعقائد، وكان يعتني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم - رحمهما الله -، ويكثر من مطالعتها،
ثم غادر البلاد قاصداً حج بيت الله الحرام، وبعد أدائه الفريضة أم المدينة المنورة، وقصد المسجد النبوي، وزار إمام المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته الأبرار المخلصين.
وكان فيما إذ ذاك من العلماء العاملين، الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف النجدي، كان رأساً في بلد المجمعة، فأخذ عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب كثيراً من العلم، وأحبه الشيخ عبد الله، وكان به حفياً، وبذل جهداً كبيراً في تثقيفه وتعليمه، وكان من عوامل توثيق الروابط بينهما وتمكين المحبة توافق أفكاره ومبدئه مع تلميذه في عقيدة التوحيد، والتألم مما عليه أهل نجد وغيرهم من عقائد باطلة، وأعمال زائفة.


واستفاد الشيخ من مصاحبته فوائد عظيمة، وأجازه الشيخ عبد الله بالحديث المشهور والمسلسل بالأولية (( الراحمون يرحمهم الرحمن)) من طريقين:
أحدهما: من طريق ابن مفلح عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وينتهي إلى الإمام أحمد.


والثاني: من طريق عبد الرحمن بن رجب عن العلامة ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام، وينتهي أيضاً إلى الإمام أحمد.


كما أجازه الشيخ بكل ما في ثبت الشيخ عبد الباقي الحنبلي شيخ مشايخ وقته، قراءة وعلماً وتعليماً، صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم وشرح الصحيحين، وسنن الترمذي والنسائي، وأبي داود، وابن ماجة ومؤلفات الدارمي، وبسنده المتصل إلى المؤلف، ومسند الإمام الشافعي، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، إلى غير ذلك مما ثبت في ثبت الشيخ عبد الباقي.
ثم وصل الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف حبل الشيخ محمد، بحبل المحدث الشيخ محمد حياة السندي، وعرَّفه به وبما هو عليه من عقيدة صافية، وبما تجيش به نفسه من مقت الأعمال الشائعة في كل مكان من البدع، والشرك الأكبر والأصغر، وأنه إنما خرج من نجد للرحلة في طلب العلم، وسعياً إلى الاستزادة من السلاح الديني القوي، الذي يعينه على ما هو مصمم عليه من القيام بالدعوة والجهاد في سبيل الله.
وممن أخذ عنهم الشيخ أيضا وانتفع بمصاحبتهم الشيخ على أفندي الداغستاني، والشيخ إسماعيل العجلوني، والشيخ عبد اللطيف العفالقي الاحسائي، الشيخ محمد العفالقي الاحسائي.
وقد أجازه الشيخان الداغستاني والاحسائي بمثل ما أجازه الشيخ عبد الله إبراهيم بما في ثبت أبي المواهب، ثم توجه إلى نجد، ثم البصرة، قاصداً الشام، ليستزيد من العلوم النافعة.




فأقام مدة بالبصرة، ودرس العلم فيها على جماعة من العلماء، فمنهم الشيخ محمد المجموعي، وقرأ الكثير من النحو اللغة والحديث، كما كتب كثيراً في تلك الإقامة من المباحث النافعة والكتب القيمة، ونشر علمه النافع وآراءه القيمة حول موضوع البدع والخرافات، وإنزال التضرع والحاجات بسكان القبور من عظام نخرة، وأوصال ممزقة، وعزز كلامه بالآيات الساطعات، والبراهين الواضحات،
فقابلوه بالتكذيب والأذى، وأخرج من البلاد وقت الهجيرة وأنزلوا بعض الأذى بشيخه المجموعي، فقصد الزبير في وقت الصيف وشدة الرمضاء، وكان ماشياً على رجليه، وكاد يهلك من شدة الظمإ، فساق الله إليه رجلاً من بلد الزبير يسمى أبا حميدان، فرآه من أهل العلم والصلاح، فحلمه على حماره، حتى أوصله إلى بلد الزبير.




وتوجه إلى الشام راجلاً لينهل من مناهل العلماء، ويتغذى من الثقافات الدينية، مستزيداً.
غير أنه قلت نفقته، فقفل راجعاً، فأتى الإحساء، فنزل بها عند الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي، وقرأ عنده ما شاء الله أن يقرأ.
ثم توجه إلى حريملا، قرية من نجد، وذلك لأن والده الشيخ عبد الوهاب قد انتقل إليها، ولما آب الشيخ من رحلته الطويلة وراء العلم والتحصيل، لازم أباه، واشتغل عليه في علم التفسير والحديث وغيرهما،
وعكف على كتب الشيخين: الشيخ ابن تيمية، والعلامة ابن القيم - رحمهما الله -، فزادته تلك الكتب القيمة، علماً ونوراً وبصيرة، ونفخت فيه روح العزيمة.


ورأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد وما بالأقطار التي رحل إليها من العقائد الضالة، والعادات الفاسدة، فصمم على القيام بالدعوة.


حالة نجد الدينية قبل الدعوة
ذكرنا آنفا، أن الشيخ - رحمه الله - زار الحجاز والإحساء والبصرة والزبير ليروي ظمأه من مناهل العلوم الدينية ويتفهم أصول الدين وشرائعه القويمة، ويقف على أحوال أولئك الأقوام وعقائدهم وعلومهم، بعدما شاهد في نجد وطنه ما شاهد من المنكرات الأثيمة والشركيات القبيحة الذميمة القاتلة لمعني الإنسانية.


وكان أيام تحصيله يقرر لسامعيه ومخالطيه ما فهمه من الدين والتوحيد، ويبين قبائح ما تأتيه العامة وأشباه العامة من أدعياء العلم.
عندما كان في المدينة المنورة يسمع الاستغاثات برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاءه من دون الله، فكان مرجل غيظه ينفجر، فقال للشيخ محمد حياة السندي: ما تقول يا شيخ في هؤلاء؟ فأجابه على الفور: ( إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 139]
درس أحوال نجد وأهل البلدان التي زارها، ورأى ما هم فيه من بُعدٍ عن الدين، ولاسيما نجد، ماذا رأى؟..رأى نجداً كما يحدثنا المؤرخون السالفون لنجد، كابن بشر، وابن غنام، والآلوسي والمعاصرون كـ «حافظ وهبة» وغيره، مرتعاً للخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافي مع أصول الدين الصحيحة.


فقد كان فيها كثير من القبور تنسب إلى بعض الصحابة، يحج الناس إليها ويطلبون منها حاجاتهم، ويستغيثون بها لدفع كروبهم، فقد كانوا في الجُبيلة، يؤمون قبر زيد بن الخطاب، ويتضرعون لديه، ويسألونه حاجاتهم، وكذلك في الدرعية، كان قبر لبعض الصحابة كما يزعمون، وأغرب من ذلك، توسلهم في بلد المنفوحة بفحل النخل، اعتقادهم أن من تؤمّه من العوانس تتزوج، فكانت من تقصد تقول: “يا فحل الفحول، أُريد زوجاً قبل الحول”، وفي الدرعية، كان غار يقصدونه، بزعم أنه كان ملجأً لإحدى بنات الأمير التي فرت هاربة من تعذيب بعض الطغاة، وفي شعب غبيرا، قبر “ضرار بن الأزور”، كانوا يأتون لديه من الشرك والمنكر ما لعل مثله، لا يتصور.
ورأى في الحجاز، من تقديس قبور الصحابة وأهل البيت والرسول - صلى الله عليه وسلم -، مالا يسوغ إلا مع رب الأرباب، كما رأى في البصرة والزبير، وسمع عن العراق والشام ومصر واليمن من الوثنية الجاهلية ما لا يستسيغه العقل، ولا يقره الشرع.
كما سمع عن العيدروس في «عدن» والزيلعي في اليمن الشيء الكثير.
رأى ما رأى، وسمع ما سمع، وتحقق، ووازن تلك الأفعال المنكرة بميزان الوحيين كتاب الله المبين وسيرة الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المتقين، فرآهم في بُعدٍ عن منهج الدين وروحه.


رآهم لم يعرفوا لماذا بعث الله الرسل؟

ولماذا بعث الله محمداً للناس كافة؟

ورأى أنهم لم يعرفوا حالة الجاهلية، وما كان فيها من الوثنية الممقوتة، رآهم غيروا وبدلوا أصول الدين وفروعه، إلا القليل، هذه حالتهم في دينهم وعبادتهم.
حالة نجد السياسية
أما حالتهم السياسية، فكما جاء في كتاب «جزيرة العرب في القرن العشرين»، رأى أنه ليس هناك قانون ولا شريعة إلا ما قضت به أهواء الأمراء وعمالهم، وكانت نجد متقسمة إلى ولايات عديدة، يحكم كل واحدة منها أمير، لا تربطه وجاره أية رابطة.
ومن أهم هؤلاء الأمراء بنو خالد في الإحساء، وآل معمر في العيينة، والأشراف في الحجاز، وعدا هؤلاء، أمراء لا يعبأ بذكرهم.
وقد كان أولئك الأقوام في حروب دائمة، لاسيما مع البادية، وكان الأمير على قدم الاستعداد، عندما تسنح الفرص، ليعتدي على جيرانه إذا بدا من هؤلاء الجيران ضعف أو عدم استعداد. انتهى.
هكذا كانت حالة بلاد العرب عند إياب الشيخ من رحلته العلمية.


بدء نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
وبعد أن ثبت لديه وتحقق حالتهم السيئة في دينهم ودنياهم ورأى إقرار العلماء في الحجاز وفي نجد وسائر الأقطار، على تلك المنكرات والمبتدعات إلا القليل منهم ممن كان لا يتجاسر أن يبوح بمقت ما فعلوا، وأيقن أنهم قد أدخلوا في أصول الإسلام العليا ما يأباه القرآن، وما تأباه السنة المحكمة، وكان يقوي عقيدته بخطئهم وركونهم إلى البدع ما يقرؤه من الروايات القائلة بأن المسلمين لابد أن يغيروا، وأن يسلكوا مسالك الذين من قبلهم كالحديث الصحيح: (( لتتبعُن سنن من كان قبلكم))[1]، وكحديث: (( لا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من أمتي الأوثان))[2]، وحديث: (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ))[3]، حينئذ صمم الشيخ أن يعالن قومه بأنهم قد ضلوا الطريق السويّ، وزاغوا عن منهج الصواب.


يقول بعض الكتاب: حقاً إن الموقف دقيق حرج، يحتاج إلى شجاعة ماضية، وإلى إيمان لا يبالي بالأذى في سبيل إرضاء الله وإرضاء الحق الذي اقتنع به، وسبيل إنقاذ البشرية المعذبة، كما يحتاج إلى عدة كافية من قوة اللسان، وإصابة البرهان، ليواجه ما يجابهه من شبهات واعتراضات، لابد منها، ثم إلى مؤازر قوي يحمي ظهره، ويدافع عن دعوته.
دعوته لقومه
ابتدأ الشيخ - رحمه الله -، دعوته لقومه في بلدة “حريملا” وبين لهم أن لا يدعى إلا الله، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار، من الاستغاثة بها، وصرف النذور إليها، واعتقاد النفع والضر منها، ضلال وزور، وبأنهم في حالة لا ترضي، فلابد من نبذ ذلك.
وعزز كلامه بآي من كتاب الله المجيد وأقوال الرسول وأفعاله، وسيرة أصحابه، فوقع بينه وبين الناس نزاع وجدال، حتى مع والده العالم الجليل، لأنه كان مغتراً بأقاويل المقلدين السالكين تلك الأفعال المنكرة في قوالب حب الصالحين.
فاستمر الشيخ يجاهد بلسانه وقلمه وإرشاده، وتبعه أُناس من أهل تلك البلدة، حتى انتقل أبوه عبد الوهاب إلى رحمة الله سنة “1153هـ”.
والظاهر أن والده اقتنع بأقوال ابنه ومبادئه، كما اقتنع أخوه سليمان بعدما وقع بينه وبينه نزاع وردود.
وبعد وفاة والده، جاهر قومه بالدعوة والإنكار على عقائدهم الضالة، ودعا إلى متابعة الرسول في الأقوال والأفعال، وكان في تلك البلدة قبيلتان، وكل يدعي الزعامة، وليس هناك من يحكم الجميع، ويأخذ حق الضعيف، ويردع السفيه، وكان لإحدى القبيلتين، عبيد يأتون بكل منكر وفساد، ولا يحجمون عن التعدِّي على العباد، فصمم الشيخ على منعهم وردعهم، ولما أحسَّ أولئك الأرقاء بما صمم عليه الشيخ، عزموا أن يفتكوا به خفية، فتسوروا عليه من وراء الجدار، فشعر بهم بعض الناس، فصاحوا بهم وهربوا.
عندها غادر الشيخ “حريملا” إلى “العيينة” مسقط رأسه، وموطن آبائه، وحاكمها إذ ذاك عثمان بن حمد بن معمر، فتلقاه بكل إجلال وإكرام، وبين الشيخ له دعوته الإصلاحية المباركة، القائمة على دعائم الكتاب والسنة المطهرة وشرح له معني التوحيد، وأن أعمال الناس اليوم وعقائدهم منافية للتوحيد، وتلا عليه الآيات والأحاديث النبوية، ورجا له من الله إن قام بنصر «لا إله إلا الله» أن ينصره الله ويعلي كلمته، وتكون له السيادة والزعامة على نجد وغيرها، وله السعادة الأبدية إن شاء الله.
فقبل عثمان، ورحب بما قال الشيخ، فعالن الشيخ بالدعوة إلى الله، ولإفراد العبادة لله - تعالى -، والتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقطع الشيخ الأشجار المعظمة هناك، وهدم قبة زيد بن الخطاب، بمساعدة عثمان الأمير، وأقام الحد على امرأة اعترفت بالزنا مراراً، بعد ما تأكد من صحة عقلها وكمال حواسها.
فاشتهر أمر الشيخ، وذاع صيته في البلدان، فبلغ خبره “سليمان بن محمد بن عريعر” حاكم الإحساء وبني خالد، فبعث هذا الجاهل الظالم إلى عثمان بن معمر كتاباً جاء فيه: إن المطوع الذي عندك، قد فعل ما فعل، وقال ما قال، فإذا وصلك كتابي فاقتله، فإن لم تقتله، قطعنا خراجك الذي عندنا في الإحساء.
فعظم على عثمان الأمر، وكبر عليه مخالفة ابن عريعر، وغاب عن ذهنه عظمة رب العالمين، وكانت النتيجة من جراء ذلك الكتاب وضعف إيمان ابن معمر أن أمر بإخراج الشيخ من بلده.
ولم يفد فيه وعظ الشيخ ونصحه، وأنه لابد للداعي والمصلح من أن يناله الأذى، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين، فخرج الشيخ - رحمه الله - يمشي على رجليه موكلاً به فارس يمشي من خلفه، وليس مع الشيخ إلا المروحة في أشد وقت الحر من الصيف، فهم الفارس بقتل الشيخ، وكان بإيعاز من ابن معمر، فارتعدت يده وكفى الله شره.
وكان الشيخ في مشيه لا يفتر عن ذكر الله، ويردد قوله - تعالى -: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2-3] ونزل الشيخ بالدرعية وقت العصر سنة “1158هـ) ضيفاً على عبد الرحمن بن سويلم، وابن عمه أحمد بن سويلم، وخاف ابن سويلم على نفسه من الأمير محمد بن سعود، لأنه كان يعلم حالة الناس، وأنهم لا يقبلون ما أتى به هذا العالم الجليل، ويقابلون ذلك بالأذى، ولاسيما من بيده الأمر، ولكن الشيخ الممتلئ إيماناً وثقة بالله، سكن جأشه، وأفرغ عليه من العظات وملأه رجاءاً وعدةً بأنه لابد من أن يفرج الله وينصره نصراً مؤزراً.


فعلم به الخواص من أهل الدرعية، فزاروه خفية، فشرح لهم معاني التوحيد وما يدعو إليه، وكان للأمير أخوان مشاري وثنيان وزوجة كانت لبيبة عاقلة، فبين الأخوان بعدما نهلا من مناهل الشيخ لأخيهما الأمير، أن الشيخ محمداً نازل ضيفاً على ابن سويلم، وأن هذا الرجل غنيمة ساقه الله إليك، فاغتنم ما خصك الله به، ورغبوه في زيارة الشيخ، فامتثل وزار الشيخ.
فدعاه الشيخ إلى التوحيد، وأن التوحيد هو ما بعثت من أجله الرسل، وتلا عليه آيات من الذكر الحكيم، فيها البيان ببطلان عبادة غير الله ولفت نظره إلى ما عليه أهل نجد من الشرك والجهل والفرقة، والاختلاف وسفك الدماء، ونهب العباد.
وبالجملة بين له ضعف دينهم ودنياهم، وجهلهم بشرائع الإسلام، ورجاه أن يكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، ويكون له الملك والسيادة، ومن بعده في ذريته.
عند ذلك شرح الله صدر محمد بن سعود وأحبه، واقتنع بما دعاه إليه الشيخ، وبشر الأمير الشيخ بالنصرة وبالوقوف معه على من خالفه، وشرط الأمير على الشيخ شرطين:
«الأول»: أن لا يرجع الشيخ عنه إن نصرهم الله ومكنهم.
«والثاني»: أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار.
فقال الشيخ: أما الأول: الدم بالدم، والهدم بالهدم.
وأما الثاني: فلعل الله يفتح عليك الفتوحات، وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج.
فبايع الأمير الشيخ على الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الشعائر الدينية.
وبعد استقراره في الدرعية، أتى إليه من كان ينتسب إليه، ومعتنقاً مبادئ دعوته، من رؤساء المعامرة وغيرهم، وأخذت الوفود تأتي من كل حدب لما علموا أن الشيخ في دار منعة، عند ذلك، سمع عثمان بن معمر الذي أخرج الشيخ من بلده أن محمد بن سعود - رحمه الله - قد بايع الشيخ، وأنه ناصره وأهل الدرعية له مؤيدون، ومعه قائمون ومجاهدون، فندم عثمان على ما سلف منه في حق الشيخ، فأتي إليه ومعه ثلة من الرجال من رؤساء البلاد وأعيانها، واعتذر، وطلب منه الرجوع.
فعلق الشيخ الأمر على رضاء الأمير محمد بن سعود، فرفض الأمير السماح ورجع عثمان خائباً، وشدت إلى الشيخ الرحال، وكثر الوافدون، ليرتووا من مناهله العذبة الصافية النقية من الخرافات والوثنية، وكانت الحالة الاقتصادية للأمير والبلاد، لا تقوي على القيام بمؤن أولئك الوافدين الطالبين، فكان بعضهم من شغفه وحبه للعلم يحترف بالليل بالأجرة، وفي النهار يحضر الدروس إلى أن وسع الله عليهم وأتي بالفرج واليسر، بعد الشدة والعسر.
وثابر الشيخ باذلاً جهده ووسعه في إرشاد الناس وتعليمهم، وبيان معني “لا إله إلا الله” وأنها نفي وإثبات، فـ “لا إله” تنفي جميع المعبودات، و(إلا الله” تثبت العبادة لله، وشرح لهم معني الألوهية بأن الإله: هو الذي تأله القلوب محبة وخوفاً وإجلالاً ورجاءاً، وعلمهم الأصول الثلاثة، وبفضل تعاليمه الرشيدة، تنورت أذهانهم، وصفت قلوبهم، وصحت عقائدهم، وزادت محبة الشيخ في قلوب الوافدين إليه.
ثم أخذ يراسل رؤساء البلدان النجدية وقضاتهم، ويطلب منهم الطاعة والانقياد، ونبذ الشرك والعناد، فمنهم من أطاعه، ومنهم من عصاه، واتخذه سخرياً، واستهزأ به، ونسبه إلى الجهل وعدم المعرفة، ومنهم من نسبه إلى السحر، ومنهم من رماه بأمور منكرة، هو منها بريء، قاتل الله الجهل والتقليد الأعمى.
ولو كان لأولئك عقل، لعقلوا أن الجاهل لا يستطيع إقامة الأدلة الصحيحة على مطالبه... الجاهل لا يستطيع أن يبارز العلماء الأجلاء ببراهين عقلية وحجج سمعية، تقسر السامع على الخضوع... الساحر لا يأمر بخير، لا يأمر بمعروف، ولا ينهي عن منكر... ولكن لا عجب، فقد قيل سابقاً للمرسلين ولجميع المصلحين، مثل هذا الكلام.
واصل الشيخ ليله ونهاره، في نشر الدعوة والوعظ، وكتابة الرسائل العلمية مكتفياً بهذه الوسيلة السلمية، والأمير “محمد بن سعود” يؤازره حسب مقدرته، ولكن خصوم الدعوة كانوا يعملون على تأليف القلوب لمحاربة الدعوة بكل الوسائل، والاعتداء على الداخلين في الدعوة، فلم ير الشيخ محمد والأمير بداً من الاستعانة بالسيف بجانب الدعوة الدينية واستمرت الحروب الدينية سنين عديدة.
وكان النصر حليف ابن سعود في أغلب المواقف، وكانت القرى تسقط واحدة تلو الأخرى بيده، ودخل البعض في الطاعة بالاختيار والرغبة، لما عرف حقيقة الأمر.
وبعد فتح الرياض واتساع ملكهم وانقياد كل صعب لهم، فوض الشيخ أموال الناس وأموال الغنائم إلى عبد العزيز بن محمد بن سعود الأمير، وتفرغ الشيخ للعلم وللعبادة وإلقاء الدروس، وكان محمد وابنه عبد العزيز لا يتصرفان في شيء إلا بعد أن يعلماه، ليعلمهما الحكم الشرعي، ولا ينفذان حكماً إلا عن أمره ورأيه.
وما زال الشيخ على هذه الحالة الحسنة والسيرة الطيبة الطاهرة حتى انتقل إلى جوار ربه في ذي القعدة سنة “1206هـ” - رحمه الله - وأسكنه فسيح الجنان.
موقف العثمانيون
توفي الإمام «محمد بن عبد الوهاب»، بعد أن قويت دعوته، وانتشرت بين القبائل، وظلت الدعوة بعد وفاة مؤسسها تنمو ويتسع نفوذها ويزداد أتباعها، وبلغ نفوذ الوهابيين أقصاه، وامتد سلطانهم من أقصى الجزيرة إلى أقصاها، وشعرت الدولة العثمانية بالخطر يقترب منها، وأن الحجاز يوشك- في ظل هذه الدعوة الفتية- أن يخرج من قبضتها، وهو أمر في غاية الخطورة والحساسية بالنسبة للدولة العثمانية، فالحجاز يمثل السيادة الروحية على العالم الإسلامي كله؛ نظرًا لوجود الحرمين الشريفين فيه، وفقده يعني زوال تلك السلطة الروحية والسيادة والزعامة الدينية التي يتمتع بها الخلفاء العثمانيون.
فاستنجد العثمانيون بمحمد علي باشا- والي مصر- وطلبوا منه تجهيز جيش لمحاربة الوهابيين “على حد تعبيرهم”، وصار القتال بين الجنود المصرية والتركية ومن معهم وبين آل سعود في نجد، والحجاز، سجالا مدة طويلة من عام “1226 هـ إلى عام 1233هـ” سبع سنين كلها قتال ونضال بين قوى الحق وقوى الباطل.
حروب الإمام محمد بن سعود
كانت أولى المعارك التي خاضتها الدولة السعودية الأولى هي معارك الرياض التي بدأت عندما أخذ دهام بن دواس، أمير الرياض، ومعه كثير من مؤيديه ومن سكان القرى المجاورة يهاجمون القرى المؤيدة للإمام محمد، فبدأت الحروب بين الدولة السعودية الأولى، ومعارضيها في الجزيرة العربية.
ووفقا لكتاب "البعثة إلى نجد" لمؤلفه هاري سانت جون فليبي فإن الحرب استمرت مع أمير الرياض قرابة 20 سنة، وعلى الرغم من التعاهد على وقف الحرب إلا أنه كثير ما كان ينقض العهد، ويتم إعلان الحروب مرة أخرى.
وخلال تلك الحروب بين أمير الدرعية وأمير الرياض، كانت الدولة السعودية الأولى تواصل انتصاراتها في كثير من القرى والبلدان المجاورة للدرعية مثل: العيينة وحريملاء، وثادق، وبعض من مقاطعات سدير والوشم.
أما ثاني أكبر المعارك التي شهدتها الدولة السعودية فكانت مع عريعر بن دجين شيخ قبائل بني خالد وأمير الإحساء الذي خوفه ما أحرزته الدولة السعودية الأولى من انتصارات، ومن إقبال الناس على الانضواء تحت لوائها، فجمع جموعاً كبيرة وسار بها حتى وصل بلدة الجبيلة على مقربة من الدرعية، ولما هاجمت قواته البلدة تصدت لها القوات السعودية، مجبرة إياها على التراجع والعودة من حيث قدمت دون تحقق غايتها.
وفاة الإمام محمد بن سعود
توفي الإمام محمد بن سعود سنة 1179هـ، بعد أن شاهد قبل موته امتداد الدولة السعودية وانتشار الدعوة الوهابية في الكثير من بلدان نجد ومقاطعتها، فيما كانت نهاية الدولة السعودية الأولي على يد محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا الذي قاد عدة حملات إلى وسط الجزيرة العربية استطاعت الوصول إلى الدرعية عاصمة الدولة وتدميرها.
الدولة السعودية الثانية
أثمر غياب السيطرة العثمانية عن المسرح السياسي في الجزيرة العربية وعدم رغبة الباب العالي بتعزيز مواقع الدولة على ساحل الخليج العربي، عن تهيأ الظروف لنشوء دولة سعودية ثانية على مساحة محدودة من أراضي إمارة الدرعية عاصمتها حيث لعب تركي بن عبد الله الدور الأكبر في إنشائها، ولكنها انتهت عام 1891 على يد محمد العبد الله الرشيد حاكم حائل.
الدولة السعودية الثالثة
خاض الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود منذ عام 1902 م معارك لتوحيد المملكة العربية السعودية التي نجح في الإعلان عن قيامها عام 1932 م، فكان أول ظهور لاسم السعودية.
وتبدأ قصة بن سعود من حريملاء، حيث دعا إلى توحيد المملكة العربية السعودية وذلك باستعادة الرياض أولا من آل رشيد أمراء حائل، وهي عاصمة آل سعود السابقة وكانت تسمى ذلك الوقت بـ العارض وذلك في اليوم الخامس من شهر شوال 1319 هـ الموافق 17 يناير 1902م، ثم بسط عبد العزيز نفوذه على نجد وملحقاتها "الإحساء وجبل شمر وعسير وتهامة" ثم الحجاز ليصبح عبد العزيز في الثامن من يناير 1926 ملكاَ للحجاز، وعرفت المملكة بعد ذلك باسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها.
وصدر في 23 سبتمبر 1932م - 21 جمادي الثانية 1351 هـ المرسوم الملكي بتوحيد مقاطعات الدولة التي تحولت بمقتضى هذا المرسوم إلى "المملكة العربية السعودية" ليصبح هذا التاريخ فيما بعد اليوم الوطني للمملكة، ويصبح عبد العزيز آل سعود أول ملك عليها.
لقد كانت دعوة الشيخ وحركته كما وصفها الشيخ مناع القطان: “بدء يقظة كاملة في العالم الإسلامي، تعمل على سيادة مبادئ الإسلام الصحيحة، والقضاء على البدع وأوضاع الحياة الفاسدة، وتأسيس دولة إسلامية، وتكوين حكومة صالحة تحكم بمبادئ الإسلام، وتنفذ أحكامه، ونقيم حدوده”.
وكما قال الأستاذ أنور الجندي: “كانت حرباً على الاستبداد والجمود، والتقليد، في مختلف ميادين السياسة والاجتماع والدين”.
وكما قال الأستاذ علال الفاسي: “كانت ترمي إلى تطهير الدين من الخرافات، والعودة إلى روح السنة المطهرة، من أجل تربية الشخصية الإسلامية على المبادئ التي جاء بها الإسلام المتكفل بصلاح الأمة في دينها ودنياها”
تعليقات بعض الكتاب والمؤرخين على انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ببعض البلدان
يقول العقاد: “ولم تذهب صيحة ابن عبد الوهاب عبثا في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقة إلى مغربه، فقد تبعه كثير من الحجاج وزوار الحجاز، وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من الأقطار النائية، وأدرك المسلمون أن علة الهزائم التى تعاقبت عليهم إنما هي في ترك الدين لا في الدين نفسه، وأنهم خلفاء أن يستردوا ما فاتهم من القوة والمنعة باجتناب البدع، والعودة إلى دين السلف الصالح في جوهره ولبابه” [4]
ويقول العقاد أيضا: “سرعان ما ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب بجزيرة العرب حتى تردد صداها في البنغال سنة 1804م واتبعها طائفة الفرائضية بنصوصها الحرفية، فاعتبرت الهند دار حرب إلى أن تدين بحكم الشريعة، ثم تردد صدى الدعوة الوهابية بعد ذلك بزعامة السيد أحمد الباريلي في البنجاب، وأوجب على اتباعه حمل السلاح لمحاربة السيخين وتقدمهم في القتال حتى الموت” [5]
يقول « أرنولد » في كتابه «الدعوة إلى الإسلام»: “وفي القرن العشرين نشطت حركة الدعوة إلى الإسلام في البنغال نشاطا ملحوظا، وأرسلت طوائف كثيرة ينتمي أهلها إلى تأثير الحركة الوهابية الإصلاحية، دعاتهم يتنقلون في هذه المناطق، ويطهرون البلاد من بقايا العقائد الهندوكية بين الكفار” [6]
وظهر في اليمن الشيخ على الشوكاني المتوفي سنة “1250هـ”، ودعا بما يشبه دعوة الشيخ بن الوهاب وتقلد بابن تيمية وألف كتاب “نيل الأوطان” لشرح كتاب شيخ الإسلام “منتقى الأخبار” [7]
وفي العراق نجد أسرة “الألوسي” التي بذلت حياتها لتعميق التربية الإسلامية في العراق وقد كتبوا عن الشيخ ودعوته ونافحوا عنها. [8]
في الجزائر كان من أول من حمل راية الدعوة السلفية هو المؤرخ الجزائري “أبو رواس الناصري” الذي قدر له أن يجتمع بتلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الحج، وذاكرهم في أمور إلى أن انتهى به الأمر بالاقتناع، وكان ذلك بحضور وفد حجيج كان يرأسه ولي عهد المغرب آنذاك. [9]
كذلك تأسست “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” الوجه السلفي بزعامة عبد الحميد بن باديس “1305-1359هـ” الذي أطلع على مبادئ الدعوة السلفية عندما ذهب للحج في مكة المكرمة، ودعا إلى إصلاح عقائد الجزائريين من البدع والخرافات، ودعا إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد الأعمى والجمود الفكري وذلك بالتعمق بدراسة القرآن الكريم والسنة النبوية. [10]
أما في السودان فيقول السير أرنولد: “وحول نهاية القرن الثامن عشر ظهر من بين جماعة الفلبي رجل معروف يدعى الشيخ عثمان دانفودو، عرف أنه مصلح ديني وداع ومحارب، وقد ذهب من السودان إلى مكة لأداء فريضة الحج، فعاد من هناك مليئا بالحماس والغيرة من أجل الإصلاح والدعوة للإسلام، وتأثر بالوهابية الذين كانت قوتهم آخذة في النماء، فأنكر الصلاة على روح الميت، وتعظيم من مات من الأولياء، وأستنكر من بالغ في تمجيد محمد نفسه، وهاجم شرب الخمر وفساد الأخلاق اللتين كانتا منتشرتين” [11]
وفي مصر نجد الشيخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا تبنيا مبادئ دعوة محمد بن عبد الوهاب، ودافعا عنها في مؤلفاتهم، وكذلك عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ مصر، وهو من أشد المتأثرين بدعوة بن عبد الوهاب، وكان يرى أن الأتراك قد ارتكبوا خطأ كبيرا عندما حاربوا دعوة الشيخ وأنصارها [12]
في المغرب تأثر بها “سيدي محمد بن عبد الله” الذي حارب الصوفية متأثر بكتب وأراء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك “مولاي سليمان” الذي قام ضد الزوايا ودعا إلى التوحيد. [13]
ومما سبق نلاحظ أن انتشار الدعوة السلفية الإصلاحية المباركة في العالم الإسلامي تنتشر بشدة وتقوم بالمجتمعات التى تصلها حركات إصلاحية هدفها نشر الإسلام وتطهيره من البدع والشوائب والخرافات وتصحيح أوضاع الحياة الفاسدة، ثم محاولة تأسيس دولة إسلامية وتكوين حكومة إسلامية صالحة.
علم الشيخ وصفاته
كان الشيخ - رحمه الله تعالى -علماً من الأعلام، ناصراً للسنة وقامعاً للبدعة، خبيراً مطلعاً، إماماً في التفسير والحديث والفقه وأصوله، وعلوم الآلة كالنحو والصرف والبيان، عارفاً بأصول عقائد الإسلام وفروعها، كشافاً للمشكلات، حلالاً للمعضلات، فصيح اللسان، قوي الحجة، مقتدراً على إبراز الأدلة وواضح البراهين بأبلغ عبارة وأبينها تلوح على محياه علامات الصلاح وحسن السير، وصفاء السريرة، يحب العباد ويغدق عليهم من كرمه ويصلهم ببره وإحسانه، ويخلص لله في النصح والإرشاد، كثير الاشتغال بالذكر والعبادة، قلما يفتر لسانه من ذكر الله.
وكان يعطي عطاء الواثق بربه، ويتحمل الدَّين الكثير لضيوفه ومن يسأله، وكان عليه أبهة العظمة، تنظره الناس بعين الإجلال والتعظيم مع كونه متصفاً بالتواضع واللين، مع الغني والفقير، والشريف والوضيع، وكان يخص طلبة العلم بالمحبة الشديدة، وينفق عليهم من ماله، ويرشدهم على حسب استعدادهم.
وكان يجلس كل يوم، عدة مجالس ليلقي دروسه في مختلف العلوم، من توحيد، وتفسير، وحديث، وفقه، وأُصول وسائر العلوم العربية، وكان عالماً بدقائق التفسير والحديث، وله الخبرة التامة في علله ورجاله، غير ملول ولا كسول من التقرير والتحرير، والتأليف والتدريس.
وكان صبوراً عاقلاً، حليماً، لا يستفزه الغضب إلا أن تنتهك حرمة الدين أو تهان شعائر المسلمين، فحينئذ يناضل بسيفه ولسانه، معظماً للعلماء، منوهاً بما لهم من الفضائل، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، غير صبور على البدع، ينكر على فاعليها بلين ورفق، متجنباً الشدة والغضب والعنف، إلا أن تدعو إليه الحاجة.
والخلاصة أن الشيخ - رحمه الله تعالى -كان ذا شخصية نادرة في قوتها، وصلابتها في إيمانها، وعملها فقد حمل الشيخ أعباء الدعوة بأثقالها أكثر من خمسين سنة، وواجه بها الأعاصير التي كانت تريد أن تعصف به وبها، وتقتلعهما من جذورهما، ولكنه صمد، ولم يطأطئ لتلك الأعاصير هامته، ولم يحن لها ظهراً، وبهذا وتلك، حق له أن يكون من أبرز رجال الإصلاح والفكر في العصر الحديث.





كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
مؤلفات الشيخ
لم يعن الشيخ بتأليف الكتب لأنه كان معنياً بتأليف الرجال، وبناء العقول والقلوب لتكون مؤهلة لنشر الدعوة وحمل أعبائها، والدفاع عنها، والذود عن مرتكزاتها، وترك التأليف لغيره من العلماء من تلاميذه، وأصحابه، وأبنائه، وقد بنى دولة وأرسى أسسها على الدعوة، لتكن دولة الإسلام التي غربت شموسها منذ قرون، بعد أن خذلها القائمون على شؤونها، فباءوا بالخزي في الدنيا والآخرة.


ومع ذلك، ترك الشيخ عدداً من الرسائل والكتب القيمة التي ألف بعضها واختصر بعضها الآخر من الكتب المعتمدة في المذهب الحنبلي، كتبها بأسلوب واضح، لا غموض فيه ولا تقعر، لأنه أراد بها نشر أفكاره دعوته، ولم يرد الشهرة والذكر، ومن هذه الكتب والرسائل
· كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العباد.
وقد شرحه عدد من العلماء منهم:
- أحمد بن حسن النجدي، بعنوان «الدر النضيد».
- حامد بن محمد بن حسن، بعنوان «فتح الله الحميد المجيد».
- عبد الرحمن بن حسن قصيلة، بعنوان «فتح المجيد».
· كشف الشبهات من التوحيد
· الأصول الثلاثة وأدلتها: “معرفة الرب معرفة دين الإسلام معرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -”
· مختصر السيرة النبوية.
· مختصر الإنصاف والشرح الكبير في الفقه.
· نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم المرسلين.
· كتاب الكبائر
· آداب المشي إلى الصلاة.
· أصول الإيمان.
· مختصر زاد المعاد.
· مختصر صحيح البخاري.
· مسائل الجاهلية.
· إستنباط من القرآن “يقع في جزأين”.
· أحاديث الفتن.
وله رسائل عديدة، وأكثرها في التوحيد.
أبناء الشيخ وتلامذته
أخذ عن الشيخ العلم عدة من العلماء الأجلاء، منهم أبناؤه الأربعة العلماء، والقضاة الفضلاء، الذين درسوا العلوم الشرعية والفنون الأدبية كما درسوا الفروع والأصول، وصارت لهم ملكة في المعقول والمنقول.
حسين، عبد الله، علي، إبراهيم.
وقد كان لكل واحد منهم قرب بيته مدرسة، وعنده من طلاب العلوم من أهل الدرعية والغرباء العدد الكثير، بحيث قد يعده السامع أنه قد بولغ في العدد، ولا زال العلم في ذرية الشيخ وسيكون إن شاء الله باقياً إلى أن تقوم الساعة.
وآل الشيخ إلى هذا اليوم، هم القائمون في المملكة العربية السعودية بالوظائف الدينية، من الإفتاء، والتدريس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورئاسة المعاهد والكليات، وحل المشاكل، والدفاع عن حوزة الدين، ونصر شريعة سيد المرسلين فجزاهم الله أحسن الجزاء، ووفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه.
وأما التلامذة والطلاب الذين نهلوا من منهل الشيخ، وتخرجوا على يده، وصاروا قضاة ومفتين، فلا تحصيهم الأقلام، ولا بأس أن نذكر عدداً قليلاً فمنهم:
· الشيخ العالم الجليل حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر والد مؤلف «منحة القريب» [14].
· الشيخ الزاهد الورع عبد العزيز بن عبد الله الحصين الناصري، تولى القضاء إذ ذاك في ناحية الوشم.
· الشيخ الفاضل العالم العامل سعيد بن حجي، قاضي حوطة بني تميم.
· العالم الجليل الشيخ عبد الرحمن بن نامي، تولى القضاء ببلد “العيينة” والإحساء.
· الشيخ المفضال أحمد بن راشد العريني، القاضي في ناحية “سدير”.
· الشيخ عبد العزيز أبو حسين.
· الشيخ حسن بن عيدان، وكان قاضياً في بلد حريملاء.
· الشيخ عبد العزيز بن سويلم، وكان قاضياً في بلد “القصيم”.
ومن ذرية الشيخ حسن وأشهر الموجودين من نسله في عصرنا الحاضر، الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن مفتي المملكة العربية السعودية وإليه مرجع الهيئات الدينية،
وأخوه الشيخ عبد اللطيف رئيس المعاهد الدينية والكليات، والشيخ عبد الملك رئيس هيئات الأمر بالمعروف بمكة المكرمة، كما أن من أشهر الموجودين من نسل الشيخ حسين بن محمد، الشيخ عمر بن حسن، رئيس هيئة الأمر بالمعروف بـ “نجد” والمنطقة الشرقية.




ثناء العلماء عليه
كان الشيخ ابن عبد الوهاب أحد العلماء المجددين، والقادة المصلحين، شهد له العلماء المنصفون بالعلم والديانة والاستقامة، بل عده كثير منهم مجدد القرن الثاني عشر الهجري، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا: “كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -مجدداً للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة”.
وقال: “ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة”.
ومن عرف حال نجد والجزيرة، قبل انتشار دعوة الشيخ من انتشار البدع والخرافات، وأنواع الجهالات، أدرك ما لهذه الدعوة من الآثار الحميدة، والخصال الفاضلة، والدور العظيم في إحياء السنة، وإماتة البدعة.
وقال علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه « حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 200»: “ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص، ولكنه - رحمه الله - كان مجدداً لدعوة الإسلام، ومتبعاً لمذهب أحمد بن محمد بن حنبل”.
وممن أثنى عليه ثناء عاطرا الإمامان الصنعاني والشوكاني من أهل اليمن، ومما قال الصنعاني بين يدي قصيدة يمدح بها الشيخ: “لما طارت الأخبار بظهور عالم في نجد يقال له: محمد بن عبد الوهاب ووصل إلينا بعض تلاميذه وأخبرنا عن حقائق أحواله وتشميره في التقوى، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشتاقت النفس إلى مكاتبته بهذه الأبيات سنة “1163هـ” وأرسلناها من طريق مكة المشرفة.. وجاء في قصيدته:
محمد الهادي لسنة أحمد فيا *** حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
ومنها:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه *** يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهراً ما طوى كل جاهل *** ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما *** مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
ومما قال الشوكاني - رحمه الله - في كتابه «البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع2/7»: “وفي سنة 1215هـ وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إليّ حضرة مولانا الإمام - حفظه الله -، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد، والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة… إلخ”.
وللشوكاني قصيدة بليغة مؤثرة، في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أكثر من مائة بيت ومنها:
إمام الورى علامة العصر قدوتي وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل “محمد”
ذو المجد الذي عز دركه *** وجل مقاماً عن لحوقه المطاول
إلى “عبد الوهاب” يعزى وإنه *** سلالة أنجاب زكي الخصائل
ومنها:
لقد أشرقت نجد بنور خبائه *** وقام مقامات الهدى بالدلائل
وممن أثنى عليه علامة الهند المحدث محمد بشير السهواني، في كتابه: « صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان»، وفيه: “والشيخ - رحمه الله - لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب، أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل والعبادات مجمع عليه عند المسلمين، لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم، كالجهمية والمعتزلة، وغلاة عباد القبور، بل قوله مما اجتمعت عليه الرسل، واتفقت عليه الكتب، كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاء به وتصوره.. ألخ”.
يقول الشيخ أحمد القطان: “استطاعت حركة الموحدين نشر العلم والمعرفة بين طبقات الشعب المختلفة، واستطاعت تكوين طبقة ممتازة من علماء الدين ورجال المعرفة فنشرت الحركة في الناس علوم الشريعة المطهرة وآلاتها، من التفسير والحديث، والتوحيد والفقه، والسيرة والتاريخ، وغير ذلك وأصبحت الدرعية قبلة العلوم والمعارف يفد إليها الطلاب من سائر النواحي والأرجاء، وانتشر العلم في جميع الطبقات” [15]
وكتب علامة الشام محمد كرد علي بحثا بعنوان «أصل الوهابية» اختتمه بقوله: “وما ابن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعبا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة... إلخ” [16]
طه حسين... قال يصف دعوة محمد بن عبد الوهاب: “قلت أن هذا مذهب جديد قديم معا، والواقع أنه ليس بجديد بالنسبة للمعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الامر، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، وهو دعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - خالصا له، ملغيا كل واسطة بين الله وبين الناس” [17]
وقال عنه الأستاذ أحمد أمين: “أهم مسألة صقلت ذهن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دروسه ورحلاته مسألة التوحيد، التي هي عماد الإسلام، والتي تبلورت في لا إله إلا الله، والتي تميز الإسلام بها عما عداه، والتي دعا إليها محمد - صلى الله عليه وسلم - أصدق دعوة وأجرأها، فلا أصنام ولا أوثان ولا عبادة آباء وأجداد ولا أحبار ولا نحو ذلك، ومن أجل هذا سمّى هو وأتباعه أنفسهم «بالموحِّدين» أما اسم الوهابية فهو اسم أطلقه عليه خصومه” [18]
حافظ وهبة... قال في كتابه « جزيرة العرب» عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “مصلح مجدد، داع إلى الرجوع إلى الدين الحق، فليس للشيخ محمد تعاليم خاصة، ولا أراء خاصة، وكل ما يطبق في نجد، هو طبق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله، وأما في العقائد، فهم يتبعون السلف الصالح، ويخالفون من عداهم”
الزركلي... قال في كتابه «الأعلام » [19] عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “وكانت دعوته، الشعلة الأولى للنهضة الحديثة في العلم الإسلامي كله، تأثر بها رجال الإصلاح، في الهند ومصر، والعراق، والشام وغيرها”
وتناول الأستاذ عباس العقاد في كتابه «الإسلام في القرن العشرين» دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقال: “ظاهر من سيرة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الوهابية أنه لقي في رسالته عنتا، فاشتد كما يشتد من يدعو غير سميع، ومن العنت أطباق الناس على الجهل والتوسل بما لا يضر ولا ينفع والتماس المصالح بغير أسبابها وآتيان الممالك من غير أبوابها، وقد غبر البادية زمان كانوا يتكلمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجمين ويدعون السعي من وجوهه توسلا بأباطيل السحرة والدجالين حتى الاستشفاء ودفع الوباء فكان حقا على الدعاة أن يصرفهم عن هذه الجهالة، وكان من أثر هذه الدعوة أنها صرفتهم عن ألوان البدع والخرافات”
وممن أثنى على أحفاد الشيخ وأتباعه الجبرتي المؤرخ المصري المشهور في كتابه «عجائب الآثار»، وكذلك العلامة نعمان خير الدين الأموي، والعلامة محمود شكري الألوسي، والأمير شكيب أرسلان، وغيرهم من أهل الإنصاف الذين طالعوا كتب الشيخ، وكتب أبنائه وأحفاده.
وكما تناول الدعوة مفكرين عرب تناولها أيضا بعض المستشرقين
لوثروب ستودارد... يقول في كتابه «حاضر العالم الإسلامي»: “بلغ العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري، أعظم مبلغ من التضعضع والانحطاط، فأربد جوه، وطبقت الظلمة كل صعق من أصقاعه،.. وبينما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته، ومترنح في ظلمته، إذا بصوت يدوي في قلب الصحراء في شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام، فيوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل، والصراط المستقيم، فكان الصراخ بهذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية واتقدت ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم” [20]
المستشرق بروكلمان: “فلما آب محمد بن عبد الوهاب إلى بلده الأول سعى إلى أن يعيد للعقيدة والحياة الإسلامية صفاءها الأصلي” [21]
ويلفرد كانتول: “سمعت من أساتذة جامعة مكييل بكندا كان محمد بن عبد الوهاب يقول قبل كل شيء، يجب أن تعيشوا حسب الشرع الإسلامي وهذا معنى أن تكونوا مسلمين، لا ذاك الرغاء العاطفي النقي الحرارة التى يقدمها الصوفيون، فأساس الإسلام هو الشرع. وإذا كنتم تريدون أن تكونوا مسلمين فيجب أن تعيشوا حسب أوامر الشرع” [22]
برنارد لويس: “وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول نادى محمد بن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعا خرافية غريبة عن الإسلام” [23]
كما يقول الشيخ ابن باز في محاضرة له [24]:
“ولقد كتب الناس عنه كتابات كثيرة ما بين موجز وما بين مطول، ولقد أفرده كثير من الناس بكتابات حتى المستشرقون كتبوا عنه كتابات كثيرة، وكتب عنه آخرون في أثناء كتاباتهم عن المصلحين وفي أثناء كتاباتهم في التاريخ، وصفه المنصفون منهم بأنه مصلح عظيم، وبأنه مجدد للإسلام، وبأنه على هدى ونور من ربه، وتعدادهم يشق كثيرا، من جملتهم المؤلف الكبير أبو بكر الشيخ حسين بن غنام الأحسائي، فقد كتب عن هذا الشيخ، فأجاد وأفاد وذكر دعوته، وذكر سيرته وذكر غزواته، وأطنب في ذلك وكتب كثيرا من رسائله واستنباطاته من كتاب الله - عز وجل -، ومنهم الشيخ الإمام عثمان بن بشر في كتابه «عنوان المجد»، فقد كتب عن هذا الشيخ، وعن دعوته، وعن سيرته، وعن تاريخ حياته، وعن غزواته وجهاده، ومنهم خارج الجزيرة الدكتور أحمد أمين في كتابه «زعماء الإصلاح»، فقد كتب عنه وأنصفه، ومنهم الشيخ الكبير مسعود عالم الندوي، فقد كتب عنه وسماه المصلح المظلوم وكتب عن سيرته وأجاد في ذلك، وكتب عنه أيضا آخرون، منهم الشيخ الكبير الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، فقد كان في زمانه وقد كان على دعوته، فلما بلغه دعوة الشيخ سر بها وحمد الله عليها.
وكذلك كتب عنه العلامة الكبير الشيخ محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار ورثاه بمرثية عظيمة، وكتب عنه جمع غفير غير هؤلاء يعرفهم القراء والعلماء”
الافترءات المكذوبة على دعوة الشيخ - رحمه الله - [25]
من المعروف أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لم تسلم من المناوئين الذين شنعوا عليها، وبثوا عنها الكثير من الأباطيل، ولا تعدم كل دعوة سليمة وصحيحة في كل زمان ومكان وجود أعداء وخصوم، إما عن جهل، أو لتعصب شخصي، أو لمآرب خاصة، ومصالح ذاتية، وليس الغريب أن تصدر تلك الافتراءات من مستشرق أو صهيوني، بل العجيب أن يرددها بعض المسلمين؛ فالله المستعان.
وقبل البدء بذكر الشبه نقول أنه لا ريب أن الله - تعالى- ميز الناس في ملكاتهم وخصائصهم تمييزاً كبيراً، وفضل بعضهم على بعض في الدين والدنيا، وقد فطر الله البشر على أنهم يخطئون ويصيبون، كما لا ينكر أحد أثر الأفراد في الريادة والإصلاح، ولكن المنكر هو تقديس الأشخاص، وتهيب الناس لنقدهم أو مراجعتهم في شيء مما فعلوه؛ لذلك ننبه في البداية على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لا يدعي العصمة لنفسه، ولا يدعيها له أحد من محبيه، وأقواله كأقوال غيره من أهل العلم، تعرض على الكتاب والسنة، فما وافقهما قبل، وما خالفهما رد؛ فإننا لا نزعم العصمة لغير الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما يخالف في ذلك الغالية من الرافضة وأشباه الرافضة من الغالية في بعض المشايخ، ومن يعتقدون أنه من الأولياء، فالرافضة تزعم أن الأئمة الإثني عشر معصومون من الخطأ والذنب، ويرون هذا من أصول دينهم، والغالية في المشايخ يقولون: إن الولي محفوظ والنبي معصوم، وكثير منهم إن لم يقل ذلك بلسانه، فحاله حال من يرى أن الشيخ والولي لا يخطئ ولا يذنب؟ وقد بلغ الغلو بالطائفتين إلى أن يجعلوا بعض من غلوا فيه بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأفضل، وإن زاد الأمر جعلوا له نوعاً من الإلهية وكل هذا من الجاهلية المضاهية للضلالات النصرانية.
«الشبهة الأولى» ـ مما يرددونه: أنه يكفر المسلمين عموماً ويقاتلهم، ويرى أن أنكحتهم غير صحيحة، وأنه يوجب الهجرة إليه على من قدر،
يقول المستشرق الألماني بيوركمان: “يرى الوهابيون في أنفسهم أنهم وحدهم هم الموحدون، وأن سائر المسلمين مشركون”، والعجيب أن العلامة ابن عابدين - رحمه الله - وقع في هذا على جلالة قدره وعلمه، ولم يتوثق - رحمه الله - في نسبة التكفير إلى الشيخ محمد وأتباعه، ولعل عذره في ذلك شيوع هذه الفرية في عصره.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يكفر عموم المسلمين، قال - رحمه الله - “فإن قال قائلهم: إنهم يكفرون بالعموم، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج”، وقال: “يا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة”، وقال: “كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله ولم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل سبحانك هذا بهتان عظيم”.
ومن الإشكالات التي تورد في هذه الأيام: أن أتباع الدعوة يكفرون، وهذا اللفظ فيه إجمال لا يطلق فيه النفي أو الإثبات، فإن أهل الزيغ يطلقون مثل هذه العبارات فيسلم لهم الشخص ظناً منه أنهم أرادوا المعنى الصحيح، فيلزمونه بأمور باطلة لازمة له، وإنما أتي من تسليم هذا اللفظ المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لما استطاعوا إلزامه بتلك اللوازم، فيقال لمن أورد هذا الإشكال: إن أتباع الدعوة يكفرون من يكفره الكتاب والسنة، ولا يكفرون من ليس كذلك. [26]
«الشبهة الثانية»: مما يلمز به الشيخ - رحمه الله -: القول بالتشبيه في صفات الله - تعالى -.
يقول المستشرق الأمريكي «ماكدونالد» ولما كان جميع المسلمين اليوم ما عدا المتطرفين من أهل الحديث والمشبهة كالوهابية وأصحاب ابن تيمية يأخذون بما يقوله الغزالي في أمر العقائد الإسلامية، ويقدرونه تقديراً كبيراً فيحسن بنا أن نرجع إلى الرسالة القدسية التي كتبها في بيت المقدس”
وهذا المستشرق معروف بتعصبه، وكان منصراً، وحرر في الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية، وكتب في الصفات والقرآن، وطعن في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يستغرب منه هذا القول.
وقد رد الشيخ محمد - رحمه الله - في رسالته إلى أهل القصيم هذه الفرية حيث قال: “أعتقد أن الله - سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته - تعالى -ـ بصفات خلقه؛ لأنه - تعالى -لا سمي له، ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه”.
«الشبهة الثالثة»: مما يتهم به الشيخ - رحمه الله - إنكار الإجماع والقياس، وإبطال كتب المذاهب الأربعة، وأن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد، وأنه يقول: اختلاف العلماء نقمة.
يقول المستشرق الهولندي فنسنك: “ومهما يكن من شيء فإن المذاهب الأربعة قد تخلت عن هذا الاكتفاء بالقرآن والسنة وحدهما وأخذ الإجماع والقياس مكانهما بين أصول الفقه، وهذه الأصول الأربعة لم يعترف بها قط الخوارج والوهابية فضلاً عن الشيعة”
ولا يستغرب هذا منه؛ فقد شكك في الوحي، وزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفاد من اليهود والنصارى الكثير، وأنه التبس عليه بعض ما نقله فأخطأ فيه.
وزعمه باطل فقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن “هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال - تعالى -: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل: 105] بهتوه - صلى الله عليه وسلم -بأنه يقول: إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار فأنزل الله في ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)[الأنبياء: 101]
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: (مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، وهي أننا نقر آيات لصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة، ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة الذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه، ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لا بن كثير الشافعي وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث خصوصاً الأمهات الست وشروحها ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولاً وفروعاً وقواعد وسيراً ونحواً وصرفاً وجميع علوم الأمة، هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماما حق ٍ من أهل السنة وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل منها طلاق الثلاث بالفظ واحد في مجلس، فإنا نقول به تبعاً للأئمة الأربعة” [27]
«الشبهة الرابعة»ـ تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ”الوهابية” نسبة إلى الوهابية الرستمية، التي لم يبق منها إلا اسمها في سجلات التاريخ، فنبشوا في فتاوى العلماء حولها فوجدوا دعوة إباضية، في شمال أفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري، باسم “الوهابية” نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي، ووجدوا من فتاوى علماء المغرب والأندلس المعاصرين لها ما يحقق غرضهم، ومن المفارقات العجبية أنهم ينزلون تلك الفتاوى على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومنها فتوى مفتي الأندلس علي بن محمد اللخمي المتوفى سنة “478هـ” وأما عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فإنه توفي سنة “190هـ” على ما ذكره الزركلي وقيل: “197هـ” وقيل: “205هـ” بمدينة «تاهرت» بالشمال الأفريقي.
ولعل القارئ الكريم يلاحظ ما يلي:
1. أن دعوة ابن رستم لم تتجاوز الشمال الأفريقي، وأما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ففي الجزيرة العربية، ومن المعلوم بعد ما بين البلدين، مع أن دعوة ابن رستم لم يرد لها ذكر في تاريخ جزيرة العرب، بل لم يذكرها المصنفون في الفرق كالشهرستاني وابن حزم؛ لانقراضها وضياعها
2. أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لا يوافق الخوارج الإباضية في مذهبهم، بل كانت دعوته تجديدية على منهج السلف الصالح.
3. أن تشويه صورة هذه الدعوة مرتبط بالاستعمار، ومما يبين ذلك أن الضابط البريطاني “سادلير” مبعوث الحكومة البريطانية في الهند قام برحلة من الهند إلى الرياض، ووقف على أطلال الدرعية في 13 أغسطس “1819م” الموافق سنة “1233هـ”، ولحق بإبراهيم باشا، وأدركه في “أبيار علي”، وهنأه على النصر وقال له: “مع سقوط الدرعية، وخروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت، فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون وأنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل وتحت أقسى الظروف”
4. يظن بعض الناس خطأً أن تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بالوهابية إنما هو نسبة إلى والده ـ عبد الوهاب ـ ولا يصح ذلك لأمرين:
أ ـ أن الذين سموها بذلك ذكروا فتاوى علماء المغرب في الوهابية الرستمية مما يدل على أنهم نسبوها إليها.
ب ـ أن والده لم يقم بهذه الدعوة، ولا شارك فيها، بل إن الشيخ لم يظهر دعوته إلا بعد وفاة والده. [28]
«الشبهة الخامسة»: أن أخاه سليمان بن عبد الوهاب عارضه في دعوته، ورد عليه بكتاب سماه «الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية» وقيل: سماه «فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب» ولا يصح ذلك، وإنما الذي يثبت في هذه القضية أن سليمان بن عبد الوهاب توقف عن الاستجابة لدعوة أخيه حتى يتحقق مما يدعو إليه، وقد تم ذلك فقد ذكر ابن بشر في كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد» في حوادث سنة “1165هـ” أن سليمان بن عبد الوهاب كان قاضي حريملاء، وأنه ألقى بعض الشبه على العامة؛ فكتب إليه الشيخ ونصحه، فرد سليمان بالاعتذار، وأنه لم يقع منه مكروه، كما ذكر في حوادث سنة “1167هـ” مثل هذه الحادثة أيضاً، فهذا هو الذي ثبت من خلال المراجع العلمية، وما سواه باطل لا يثبت وبيان ذلك فيما يلي:
1. أن توقف سليمان بن عبد الوهاب في دعوة أخيه لا يعني عداوته، بل فعل ما يجب أن يفعله؛ إذ لم يدخل فيما لا يعرف حقيقته، وعندما استبان له الأمر رجع
2. أن الكتاب الأول مشكوك في نسبته إليه؛ لأن ما فيه نفس شبه ابن جرجيس والحداد بالنص مما يدل على أنه موضوع عليه، وأما الكتاب الثاني فمؤلفه «أحمد القباني» من أهل العراق، وإنما أقحم فيه اسم سليمان لمآرب لا تخفى
3. لم يرد في ردود الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا رسائله اسم أخيه سليمان، فلو كان له كتاب لرد عليه، وبين خطأه، كما هو معروف من منهج الشيخ - رحمه الله - فإنه لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يحابي أحداً لقرابة أو غيرها.
4. لو سلمنا أن سليمان بن عبد الوهاب كان مناوئاً ومعادياً لأخيه لما صح أن يسمي دعوة أخيه بـ “الوهابية” لأن هذه التسمية لم تظهر إلا بعدما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز مكة سنة “1218هـ”، وسميت هذه الدعوة بهذا الاسم من قبل الاستعمار تمهيداً للحملات العثمانية المصرية ضدها مع أن سليمان بن عبد الوهاب توفي في 17 رجب سنة “1208هـ”.
«الشبهة السادسة»: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ينكر زيارة القبور، يقول المستشرق الفرنسي ببلا: “وزار بوركهارت هذا المكان ـ بقيع الغرقد ـ بعد غزو الوهابيين فوجد أنه أصبح أتعس المقابر حالاً في المشرق” يقصد هدم القباب وقال فنسنك: “ولا يعتبر موحداً من زار قبور الأولياء” وهذه الشبهة واضحة البطلان؛ فإن الشيخ لم ينه عن الزيارة الشرعية المتضمنة تذكر الآخرة، والدعاء للأموات، من غير شد الرحال إلى القبور، وإنما نهى عن دعاء المقبور، وإيقاد السرج على القبور، وبناء الأضرحة على القبور، وانخاذها مساجد، ورفع القبور، وتشييدها، وتجصيصها، وكل هذه الأمور صح النهي عنها، فأما دعاء المقبور فهو عين الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة، ومن مات عليه فهو مخلد في النار، قال - تعالى -: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف: 5-6] وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72]
وعن أبي مرثد الغنوي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) [29]، وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه" [30]، وعن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بتسويتها [31]
فالشيخ - رحمه الله - لم ينه إلا عما نهى عنه الكتاب والسنة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اتخاذ القبور مساجد، والقبوريون يعكفون عليها، ويصلون عليها وإليها وبل يصلون لها من دون الله، ونهى أن تجصص القبور أو يبنى عليها، وهؤلاء قد ضربوا عليها القباب وزخرفوها، وحبسوا عليها العقارات وغيرها وأوقفوها، وجعلوا لها النذور والقربات، ونهى عن بناء المساجد عليها ولعن من فعل ذلك ودعا عليه بغضب الله، وهؤلاء قد بنوا عليها ورأوا ذلك من أعظم حسناتهم، ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الأوقاف على تسريجها، ويجعلون عليها من الشموع والقناديل مالم يجعلوه في المساجد، ونهى عن شد الرحال إليها، وهؤلاء يسافرون إلى قبور الصالحين مسافة الأيام والأسابيع والشهور، ويرون ذلك أعظم القربات، ونهى عن اتخاذها أعياداً، وهؤلاء اتخذوها أعياداً ووقتوا لها المواقيت الزمانية والمكانية، وصنفوا فيها مناسك حج المشاهد، ويخشعون عندها أكثر مما يخشعون عند شعائر الله كالكعبة والمشعر الحرام.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نهي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - عن هذه الأمور ومحاربته لها يعد من مناقبه وفضائله أم هو شبهة صحيحة وخطأ يبحث له عن عذر ومبرر؟ أترك الجواب لك أيها القارئ لتحكم في ذلك بنفسك، ولكن عليك أن تحكم الكتاب والسنة، والعقل الصحيح الذي لا يشوبه هوى أو تعصب.
«الشبهة السابعة»: وصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بأنهم قراصنة فقد ورد في دائرة المعارف: “وكان هدف البريطانيين من تدخلهم في سياسة بحر فارس هو القضاء على تجارة الرقيق والقرصنة اللتين كانتا قد نظمتا تنظيماً أفضل مع اتساع نفوذ الوهابيين”.
وكان “فيليب حتى” يسمي شاطئ الإمارات بشاطئ القراصنة.
ولإيضاح كذب هذه الفرية يقال:
1. سبب وصفهم شاطئ الخليج بذلك أن القواسم في ساحل رأس الخيمة كانوا يغيرون على سفن المستعمرين البريطانيين وعملائهم في مسقط وينهبونها، وكان ذلك بمساعدة إخوانهم في نجد فيا ترى من هو الأحق بوصف القرصنة؟
هل هو الغاصب المعتدي أم المدافع عن دينه أرضه؟
ولا أدري هل يتوقع الإنجليز وهم بهذه المثابة أن تبحر سفنهم بأمان؟
2. أن الإنجليز أنفسهم كانوا يقومون بالقرصنة في بحر العرب، ويفتكون بسفن الحجاج، وكان ذلك سابقاً لظهور المقاومة ضدهم بزمن طويل، ففي عام “1696م” ظهرت سفن بريطانية، ونهبت السفن في البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي.
3. أن سبب التعرض لهم تدخلهم في الشؤون الخاصة لغيرهم، فقد كانوا يحرضون حلفاءهم في عمان على مهاجمة حلفاء الدولة السعودية، ولأن الدعوة الإصلاحية في نجد تصطدم بمصالحهم، إذ لم يكونوا يرضون بالرضوخ للكفار وبذلك تتضح حقيقة الأمر، ومن أراد بسط هذه القضية فليراجع كتاب “إمارات الساحل وعمان والدولة السعودية الأولى” للدكتور: محمد مرسي عبد الله.
«الشبهة الثامنة»: اتهامهم بتجارة الرقيق كما سبق في النقل عن دائرة المعارف، وهذه الشبهة واضحة لا تحتاج إلى كبير نظر للجواب عنها فنقول:
1. إثارة موضوع الرق يثير التساؤل عن الأغراض الكامنة وراء هذه التساؤلات؛ لأن الرق في اليهودية والنصرانية مقرر وموجود، بل وعلى صورة ظالمة، فكيف يثيرون أمراً هم غارقون فيه إلى الآذان؟
وللقارئ الكريم أن يسأل وهو في عصور النهضة والتقدم ماذا صنع الغرب بالرقيق؟
فعندما اتصلت الدول الغربية بأفريقيا السوداء كان ذلك الاتصال مأساة إنسانية تعرض فيها الزنوج لبلاء عظيم، فقد كانوا يختطفونهم، ويستعبدونهم ظلماً وعدواناً، ويتجرون بهم، ويحرمونهم من التعليم ومن الحياة الكريمة، بل ظهر نوع جديد هو استرقاق الشعوب تحت مسمى الاستعمار.
أما الإسلام فقد ضمن للرقيق غذاءه وكساءه، وحفظ كرامته، ولا أدل على ذلك من أن الكثير من العلماء الأعلام في تاريخ الإسلام كانوا موالي.
2. أن الرق في الإسلام مختلف عنه في اليهودية والنصرانية، فالإسلام يقرر أن الله خلق الإنسان حراً، لا يملك أحد من البشر تقييد إرادته أو سلب اختياره، ومن فعل ذلك فهو ظالم، ففي صحيح البخاري في الحديث القدسي: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره»
3. أن الإسلام وقف من الرقيق موقفاً مخالفاً لغيره من الملل والنحل، فإن الإسلام سد مسالك الاسترقاق، ووسع مصارف الحرية والتحرر، فليس للرق في الإسلام سبب إلا الكفر، وما سواه كالبيع والهبة والإرث ناشئ عنه؛ لذلك يعرف الرق بأنه: “عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر بالله”، وأما مصارف الحرية فكثيرة منها: الكفارات ككفارة اليمين، وكفارة قتل الخطأ، وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة الظهار، ورغب في مكاتبة الرقيق، ورغب في العتق لوجه الله.
4. أما ما ذكرته دائرة المعارف فهو تلبيس، فلا يخفى أن الرق كان موجوداً، ولكن كان الأرقاء يعاملون معاملة حسنة، كما ذكر ذلك غير واحد من الغربيين منهم: المؤرخ أرنولد ويلسون في كتابه “الخليج العربي” وقد اشتهرت كلمة “الليدي آن بلنت” حين قالت: حقاً إنه لشيء مشهور أن العبيد عند العرب كالأطفال المدللين أكثر من كونهم خدماً.
«الشبهة التاسعة» ـ اتهام الشيخ وأتباعه بالتطرف والتشدد والتزمت يقول المستشرق الإنجليزي روبصون: «المخترعات الحديثة تستخدم بلا حرج بين الوهابيين، وهم أكثر فرق الإسلام الحديث تزمتاً». ويقول المستشرق الألماني كرن: «وقد عاد من الحجاز في أوائل القرن التاسع عشر ثلاثة من أهل منغكابا وبعد أن أدوا فريضة الحج، ورأوا الحكم الوهابي في مكة بعد سنة “1806م” فامتلأت نفوسهم بالحماسة لتزمت الوهابيين وتشددهم».
ومثل ذلك رمي دعوته في هذا الزمان بتفريخ الإرهاب، وزرع العنف، وعدم التسامح مع المخالف، ولا أدري هل المقصود بذلك الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟

ولا غرابة أن يتبنى هذا بعض المسلمين فإن من منهج أهل الأهواء لمز أهل السنة والجماعة، وتعييرهم بالألقاب المشينة، وإظهار ما يدل على بغضهم، فكل طائفة من أهل البدع تلقب أهل السنة بباطل.
فإن كان المراد أن كتب أئمة الدعوة فيها ما يدعو إلى التشدد والتطرف فهو باطل وبيان ذلك كما يلي:
1- أن الجهاد في سبيل الله من أعظم شعائر الدين، وأرسخ دعائمه، وكان تشريع القتال متصفاً بالعدل والحق، فلا اعتداء فيه على أحد، ولا يتجاوز ما تقتضيه الضرورة الحربية، وليس الهدف منه التدمير والتخريب، ولا الإرهاب المجرد، فلا يقتل غير الجنود المقاتلين، ولا تقتل النساء والصبيان والرهبان والعجزة والمرضى والشيوخ، ولا تقطع الزروع والثمار، ولا تذبح الحيوانات إلا لمأكلة.
2- أن المقصود من الجهاد في سبيل الله أن تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، لا الغنائم ولذلك ذم الله من ترك الجهاد، واشتغل باكتساب الأموال، وفي ذلك نزل قوله - تعالى -: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195] لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم، قال عمر بن عبد العزيز: إن الله - تعالى -بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً.
3- أن المقصد من الجهاد في سبيل الله حماية الدعوة الإسلامية، وإزالة العقبات أمامها، لأن كل مذهب ودين ونحلة لابد له من قوة تحميه، وتحافظ على نفوذه، ولا أدري ما العيب في ذلك؟ فإن هذا سنة إلهية من السنن التي تبنى عليها الحياة، فلا خير في حق لا نفاذ له، ولا يقوم الحق ما لم تسانده قوة تحفظه وتحيط به، وما فتئت أمم الدنيا تعد لنفسها القوة بمختلف الأساليب والأنواع حسب ظروف الزمان والمكان، والسؤال المطروح لماذا لم تنس الدول التي تنبذ الجهاد بالإرهاب، وتزعم أنها تدعو إلى السلام أن تضع ضمن وزاراتها وزارة للدفاع، وتضع لها الميزانيات الكثيرة؟
أم هل يحرم على المسلمين ما يحل لهم؟


لعلك أخي القارئ الكريم بعد استعراض ما مضى تبين لك ما يلي:


1. أن الشبه السابقة مجرد دعوى لم يقم عليها أي دليل صحيح، ورسائل الشيخ وكتبه ومصنفات تلاميذه موجودة متاحة، والواجب الرجوع إليها والتأكد من تلك المزاعم، وكتب أئمة الدعوة طافحة بخلاف المذكور، مستدلة في ذلك بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.


2. أن الشبه المذكورة مأخوذة من كلام أعداء الدين من المستشرقين، ولو فكرت أخي الكريم وتأملت لهداك عقلك وفكرك إلى عدم جواز أن نحتكم إلى أعداء الدين في شأن دعوة إسلامية سلفية إصلاحية فماذا عسى أن يقولوا؟
وكيف تتوقع أن يكون حكمهم؟ بل شك سيكون التشويه، وإلصاق التهم الباطلة.


3. هذه الدعوة شهد لها العلماء الأعلام بأنها دعوة تجديدية صحيحة ومن هؤلاء العلماء الصنعاني والشوكاني والألوسي وجمال الدين القاسمي ومحمد رشيد رضا وغيرهم كثير.


ومن الغربيين: المؤرخ الأمريكي لوثروب ستوارد والمستشرق الألماني كارل بروكلمان والعالم الفرنسي برنادر لويس والمستشرق الألماني جولد زيهر والفرنسي سيديو وغيرهم.


وختاماً أخي الكريم، بعد العرض الموجز السابق أترك لك الحكم النهائي في القضية واثقاً أن إنصافك ونزاهتك سيحملانك على الوصول إلى الحق دون غلو أو جفاء؛ لأن الحق ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.


أسأل الله الكريم أن يرينا الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.




شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والتكفير [32]
1 - شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لا يكفر بالظن: «من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض لا نكفره بالظن لأن اليقين لا يرفعه الظن، وكذلك لا نكفر من لا نعرف منه الكفر بسبب ناقض ذكر عنه ونحن لم نتحققه»[33]
2 - شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لا يكفر بالعموم: «وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم » [34]
3 - من الذي يكفره الشيخ وما نسبتهم في الأمة؟: «وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)[الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام» [35]
4 - الشيخ لا يكفر كل من لم يواليه ولا يكفر كل جاهل: «تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بإنكاره وأقر بذلك ليلا ونهاراً ثم مدحه وحسنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم، وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن الله ورسوله» [36]
5 - الشيخ لا يكفر إلا من كفره جميع العلماء الموثوقين: «ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم إني أقول من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنه ما يكفيه حتى يجييء عندي فهذا أيضا من البهتان؛ إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت؛ ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه؛ وكذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنها دين للمشركين وزينه للناس؛ فهذا الذي أكفره وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلاً معانداً أو جاهلاً » [37]
6 - الشيخ يكفر من يرى جواز دعاء غير الله وتكفير أهل التوحيد: «فإن قال قائلهم إنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج ويتبين مع أهل القبب على أهل التوحيد». [38]
7 - الشيخ لا يكفر من لم تبلغه الحجة: «من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها، قوله: إني أكفر من توسل بالصالحين، وقوله: إني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق، وقوله: إني أقول لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وقوله: إني أنكر زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم وإني أكفر من يحلف بغير الله فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول: (سبحانك هذا بهتان عظيم). [39]
ـــــــــــــــــــــــــــ
من مصادر الترجمة
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه
- محمد بن عبد الوهاب" والعودة إلى جوهر التوحيد سمير الحلبي
- الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب عبد الله الطنطاوي
بحث حول الشيخ محمد بن عبد الوهابوحركته المجدده أبو أيوب / صيد الفوائد

[1]متفق عليه

[2]رواه الترمذي بنحوه (صحيح الجامع 7418)

[3]رواه مسلم وابن ماجة

[4]عباس محمود العقاد, الإسلام في القرن العشرين, ص 86

[5]نفس المرجع صفحة 69

[6]توماس أرنولد, الدعوة إلى الإسلام, ص 239

[7]دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي

[8]المصدر السابق , ص 83

[9]عبد الحليم عويس , أثر الإمام محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي بالجزائر, مصر, 1
دار الصحوة , 1305 هجري , ص 13


[10]محمد السلمان, دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب, ص 95

[11]محمد بن عبد الوهاب, أحمد عبد الغفور العطار, ص 213

[12]للمزيد من المعلومات , انظر : بحوث الشيخ محمد بن عبد الوهاب,ج2, ص320-ص337

[13]حيات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة دعوته , الاستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل , الطبعة الأولى 1999م , ص208

[14]منحة القريب، في الرد على عباد الصليب ألفه الشيخ العلامة عبد العزيز ابن الشيخ أحمد المذكور وهو اذاك.

[15]عبدالله بن يوسف الشبل , الشيخ محمد بن عبد الوهاب , ص 64

[16]القديم والحديث , محمد كرد علي , ص 120

[17]حيات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة دعوته, الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل, الطبعة الأولى 1999م , ص 210

[18]سلسلة أعلام العلماء (4/108 - 131) تأليف عبد المنعم الهاشمي

[19]الجزء السابع

[20]حاضر العالم الإسلامي , ج1

[21]تاريخ الشعوب الإسلامية. ترجمة الدكتور نبيه أمين ومنير البعلبكي

[22]الإسلام في نظر الغرب لجماعة من المستشرقين نقله للعربية إسحاق الحسيني.

[23]العرب في التاريخ , ترجمة نبيه أمين ومحمد سيف زائد.

[24]عنوان المحاضرة (الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوتهوسيرته)


[25]شبكة الدفاع عن السنة

[26]فصول في التفكير الموضوعي ( 235-241)، ومجموع الفتاوى (11/67)

[27]الدرر السنية (1/30-31)

[28]الدرر السنية (1/127-133)

[29]رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

[30]رواه مسلم

[31]رواه مسلم

[32]عبد الله الفارسي

[33]3/24 الرسائل الشخصية

[34]الرسائل الشخصية 15/101

[35]الرسائل الشخصية 5/37

[36]الرسائل الشخصية 3/25

[37]الرسائل الشخصية 9/58

[38]الرسائل الشخصية 7/48

[39]الرسائل الشخصية 11/64





كتبت : || (أفنان) l|
-

جُزيتِ خَير مانقَلتِ مِنْ دُرر ثَمينَةٌ..
ونفَع الله بكِ.. وآثآبكِ بوآسع رحمَتهـ ومغَفرَتهـ
لِقلبُكِ الطآهرْ..نَعيمُ الجِنانْ


سيرة رائعة لشخصية رائعة وقدوة فذه ندر وجودها في وقتنا الحالي ,,,,
رحمه الله رحمة واسعة، ونفعنا بعلمه ومؤلفاته.

كتبت : أمواج رجيم
-
كتبت : صفاء العمر
-
سيره عطره لانسان طيب الذكر
جزاه الله خير
وجزاك الله خير
وسلمت يمينك
كتبت : أم محمد ومصعب
-
جزاك الله خيرا
الصفحات 1 2 

التالي

مواقف مؤثره من حياة الصالحات

السابق

جواهر من أقوال السلف

كلمات ذات علاقة
محمد , الصحى , الوهاب , عبد