ملف شامل وكامل عن كل ما يخص القرآن الكريم

مجتمع رجيم / القرآن الكريم وعلومه
كتبت : * أم أحمد *
-
بسم الله الرحمن الرحيم



نماذج من تأثر السلف الصالح بالقرآن

1) قال عبدالله بن عروة ببن الزبير : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت : ( تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله ) .

2) روى ابن أبي الدنيا من حديث عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : سمعت عبدالله بن حنظلة يوما وهو على فراشه وعدته من علته ، فتلا رجل عنده هذه الآية { لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف : 41]
فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج ، وقال : صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه ، فقال قائل : يا أبا عبدالرحمن اقعد ، قال منعني القعود ذكر جهنم ولعلي أحدهم .

3) قال ابن أبي مليكة : صحبت ابن عباس - يعني في السفر - فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفا حرفا ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب .

4) ومن حديث عبدالرحمن بن مصعب أن رجلا كان يوما على شط الفرات فسمع قارئا يتلو {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [الزخرف : 74]
} فتمايل ، فلما قال التالي : { لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف : 75] } سقط في الماء فمات .

5) ومن حديث أبي بكر بن عياش قال : صليت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب وإلى جانبي علي بن فضيل فقرأ الفضيل { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر : 1]} فلما بلغ {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر : 6] } سقط علي مغشيا عليه ، وبقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآيه ، ثم صلى بنا صلاة خائف ، قال ثم رابطت علياً فما أفاق إلا في نصف الليل .

6) سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور فلما بلغ إلى قوله تعالى { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور : 7] } قال عمر : قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه .

7) خرج ابن أبي الدنيا وغيره من غير وجه قصة منصور بن عمار مع الذي مر بالكوفة ليلا وهو يناجي ربه فتلا منصور هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم : 6]} .. قال منصور : فسمعت دكدكة لم أسمع بعدها حساً ، ومضيت فلما كان من الغد رجعت فإذا جنازة قد اخرجت وإذا عجوز فسألتها عن أمر الميت ولم تكن عرفتني .. فقالت : هذا رجل لا جازاه الله خيرا ، مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله ، فتفطرت مرارته فوقع ميتا ..

8) قال محمد بن حجادة : قلت لأم ولد الحسن البصري ما رأيت منه - أي الحسن البصري - فقالت : رأيته فتح المصحف ، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان .

9) قال قتادة : ( ما أكلت الكرات منذ قرأت القرآن) ، يريد تعظيما للقرآن .

10) وكره أبو العالية : أن يقال سورة صغيرة أو قصيرة وقال لمن سمعه قال ها أنت أصغر منها ، وأما القرآن فكله عظيم

كتبت : * أم أحمد *
-
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



(( )كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [ ص :29]
كتاب مبارك أنزله الله على نبيه الكريم ،،
فيه ذكرى و موعظة لمن كان له قلب سليم ،،
طوبى لمن اتخذه جليسا و أنيسا ،، فوربي إنه لنعم الرفيق ،،
آياته ضياء ونور ،، من اهتدى بها فلن يضل الطريق ،،
تنزيل من عزيز حميد ،،
فيه شفاء لكل قلب أصابه حزن أو تعب ،،
و راحة لكل نفس تشكي الضيق و النصب ،،
من تدبر آياته ،، فوالله ما خاب ،،
و من خشع قلبه عند تلاوته ،، فقد أصاب ،،
و من اتعظ به ونفعته الذكرى فأولئك أولوا الألباب ،،

((((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد : 24])))


آه لما حل بقلوبنا ،، ما بالها أُقفلت ؟؟!!
لما صارت صلدة و كالحجارة قست ؟؟!!
تسمع آيات ربها تتلى ،، و ما تدبرت ..
و لو نزل هذا القرآن على جبل لخشع ،، لكن قلوبنا ما خشعت !!
آواه !! ألهذا الحال أفئدتنا جفت و صلبت ؟؟ّّ
ماذا دهاها ؟؟!!

و آسفاه !!
نقرأ كتاب الله ،، بألسنتنا ،، و قلوبنا مقفلة ،، لاهية ،، معرضة ،،
منشغلة بالدنيا وحطامها ومتاعها الزائل ،،
و ربما نقرأ بأعيننا !!
نمر على الآيات مرور الكرام ،،
نضيع حروفه وحدوده ،،
بينما قد نقضي الساعات الطوال نُشْغِل اللسان في أمور تافهة ،،
لا فائدة منها ،،
دون ملل أو سأم ،،
غيبة و نميمة ،،
طعن في أعراض الناس ،،
تصفح للجريدة ،،
قراءة في مجلة هابطة ،،
أو رواية سخيفة ،،
لكن !!
إذا جاء وقت القرآن ،،
يتعب اللسان ،،
والله المستعان ،،

لا تدبر ،،
نمر على آيات الأمر و النهي ،، فنخالف ،،
نقرأ ،،
((فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً [النساء : 103] ))
و نؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها ،، ثم نختلق أعذار واهية ،،
شغلتنا دراستنا أو أولادنا،،
أو العمل أو الطبخ ....

الله يقول ناهيا ،،
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات : 11]))
و نحن نسخر من فلان ،،
و ننتقص من شأن علان ،،
نعير هذا ،،
و نعيب على ذاك ،،

نمر على آيات فيها وعيد و تهديد ،، و لا تخشع قلوبنا و لا تتعظ ،،
فالرحمن الرحيم يقول ،،
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة : 278]))
فمن يتعامل بالربا فهو عدو لله ورسوله ،، والله المستعان ،،
لكن ،، نجد من يأكل الربا دون خشية أو خوف من الله ،،
وهو يعلم الحكم ،، لكن يقول ،،
هذه فوائد (( يسمونها بغير اسمها )) ،،
و من باب الضرورة ،، فالضرورات تبيح المحظورات ،،

{~..وقفة ،،

عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال عبيد بن عمير : حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله ؟ فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال( يا عائشة ذريني أتعبد لربي) ،قالت والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك ،فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض ، وجاء بلال يؤذن بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله أتبكي وقدغفر الله لك ما تقدم وما تأخر ؟ قال ( أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأهاولم يتفكر فيها [ إن في خلق السماوات والأرض... ] صححه الألباني
الراوي: عائشة المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم: 6/548
خلاصة حكم المحدث: [فيه] عبد الأعلى بن أبي المساور عامة أحاديثه ممالا يتابعه عليها الثقات

هذا قدوتنا و حبيبنا المعصوم صلى الله عليه وسلم يبكي خوفا من الله و خشية له و قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،،
يتدبر آيات ربه و يتفكر فيها ،،
و يهدد بـ (( ويل )) لمن قرأ هذه الآيات ولم يتدبرها ،،
فما وعيد من يقرأ القرآن كله ،، ولا يعمل به ؟؟!!

و أين نحن من حال الصحابة رضوان الله عليهم ،،
شتان بين حالنا وحالهم ،،
ووالله إن لبيننا وبينهم أمدا بعيدا ،،
اسمعوا لعبدالله بن مسعود و هو يقول :
((كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل قالوا:
فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا!! ))
لله درهم !!
فعندما صدقوا مع الله و عرفوه حق المعرفة ،،
و تدبروا آياته و عملوا بما فيها ،،
أيدهم الله و نصرهم و رفع من شأنهم ،،
فكانوا خير أمة ،،

قال عمر رضي الله عنه : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ) (صحيح مسلم)
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الدارقطني - المصدر: الإلزامات والتتبع - الصفحة أو الرقم: 261
خلاصة حكم المحدث: خالف حبيب [ الزهري ] عن أبي الطفيل عن عمر قوله
(يرفع بهذا الكتاب): أي بقراءته والعمل به
(ويضع به) : أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه.
فهولاء قرأوا القرآن وتدبروه وعملوا به ،، فرفعهم الله ،،
أما نحن أعرضنا وانشغلنا عنه ،، و تركنا العمل به ،، فأذلنا الله ،،

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]))
ألم يأن لقلوبنا أن تخشع و تلين لسماع آي الرحمن تتلى عليه ؟؟!!
و تنقاد له و تتدبر آياته ،، وتعمل بها ،،
فما يأمرنا الله به فعلناه ،،
و ما نهانا عنه اجتنبناه ،،

((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر : 23]))
لنتوقف عند آيات الوعيد و العذاب ،،
و نتذكر ذنوبنا و تقصيرنا في حق الله ،،
و إسرافنا في أمرنا ،،
لترق قلوبنا عند تلاوة هذه الآيات ،،
لنتدبرها و نخشع عند سماعها ،،
لنسكب الدمع خوفا من عذاب الله ،،
فمن لم يرق القرآن قلبه ،،
فماذا يا ترى سيجعله يرق ؟؟!!

{ ..اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا،،
و نور صدورنا و جلاء أحزاننا ،،
و ذهاب همومنا ،،
و سائقنا و دليلنا إلى جناتك جنات النعيم ،،
اللهم اجعل القرآن حجة لنا و لاتجعله حجة علينا ،،
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ،،
اللهم ارزقنا تلاوته آناء الليل و أطراف النهار ،،
و اجعلنا من الذين يتلونه حق تلاوته ،،
و يقيمون حروفه و لا يضيعون حدوده ،،
اللهم اجعلنا من الذين يرفعهم الله بالقرآن
يا أرحم الراحمين ،،
آمين ،،
كتبت : * أم أحمد *
-




"القرآن هو الحل"، شعار جميل رفعته واحدة من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم المباركة؛ هو شعار صغير في مبناه، لكنه عظيم في معناه، فوسط الأزمات التي تمر بها أمتنا بصفة عامة، وبلادنا بصفة خاصة -حيث رمانا أعداء الخارج والداخل عن قوس واحدة- يعبر هذا الشعار عن طوق النجاة الحقيقي والوحيد من هذه الفتن والخطوب. ..إن العقل السليم يقطع بصحة ما قلنا، فقبل أن يخلق الله عز وجل آدم قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، ولكي يحقق هذا الخليفة ما أسند إليه من مهمة الخلافة، فلا بد له من منهج يرضي خالقه الذي استخلفه في الأرض ليسير عليه، فكان من لوازم استخلافه أن يرشده الله سبحانه وتعالى لهذا المنهج، وهذا ما كان، قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]، فبين لبني آدم أنه سيؤتيهم هذا المنهج، ثم أمرهم باتباعه ورغبهم فيه.
ولما كانت هذه الأمة هي خاتم الأمم، وكان القرآن الكريم هو كتابها الذي أنزله الله على نبيها خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين، وكان هذا الكتاب هو خاتم الكتب والمهيمن عليها، كان لزاماً أن يكون حبل النجاة لها مما يعصف بها من الفتن وأن يكون قائدها لسعادة الدارين، وأن يكون هو هداها الذي آتاها الله إياه، فهو أحق ما ينطبق عليه قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123،124].
إن عز هذه الأمة ونهضتها ومجدها، بل إن وجودها وبقاءها كأمة، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإقبالها على كتاب الله عز وجل، لا بتلاوته وحفظه فحسب، بل بتدبره بالمعنى الواسع للتدبر الذي بينه العلامة السعدي رحمه الله بقوله: (التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك)(1)؛ وإن من لوازمه الأكيدة العمل بما فيه وتحكيمه في كل شؤون الحياة، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (قال الله عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ} [ص: 29]، وما تدبر آياته إلا اتباعه، والله يعلم، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده. حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أُسقِطُ منه حرفاً، وقد والله أسقطه كله، ما ترى القرآن له من خلق ولا عمل)(2)..ولو بدأ المرء في التدبر مع فاتحة هذا الكتاب العظيم لقاده تدبره إلى التسليم لهذه الحقيقة، فقد دل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6،7]، على أن الشقاء والدمار والهلاك -وهي من لوازم الغضب والضلال- تكون في تنَكُّبِ الصراط المستقيم، أما السعادة والنهضة والهناء والنعيم ففي التزام المنهج القويم الذي جاء به خاتم النبيين، وإلى ذلك أشار قوله تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى} [طه: 1،2].
إن مما يشبه المسلمات بين الناس أن من صنع شيئاً وأتقن صنعه كان من أعلم الناس بما يَصلح له هذا الشيء، وما يُصلحه في ذاته وما يُعطبه؛ ولله المثل الأعلى، فهو سبحانه وتعالى خالق كل شيء، خلق الإنسان وخلق ما يحيط به من أكوان، وكل ذلك منه على أكمل وجوه الإتقان كما قال عز وجل: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، فهو أعلم بما يصلح له الإنسان وما يصلحه وما يفسده، فمحال أن يعمل أحد بهذا القرآن فيشقى، بل إن كل صورة من صور الشقاء على مستوى الفرد أو الجماعة أو الأمة لا يمكن أن تكون إلا بسبب مخالفته وترك العمل به وتحكيمه.
فإذا كان كل ما نراه في بلاد المسلمين اليوم من ضعف وذل وهوان وتأخر ومشكلات إنما هو بسبب البعد عن تدبر هذا الكتاب والعمل به، فعلينا إذا أردنا الخروج من كل ذلك والنهضة بأمتنا من كبوتها أن نتدبر القرآن، فإن من تدبره وجد فيه حلاً لجميع المشكلات العامة والخاصة، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وليس هذا كلام أي أحد حتى يكون موضع تجربة واختبار، لكنه كلام رب العالمين، فلا بد أن يعتقد ما فيه كل المسلمين بيقين.
أما من كان في شك من أمره، فعليه أن يتعظ بحال من سبقنا من الأمم، قال عز من قائل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 65،66]، فبين الله سبحانه وتعالى أن أهل الكتاب لو أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم لسعدوا في الدنيا والآخرة، فلما لم يقيموه ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، وأضل فريقاً وغضب على فريق..إذا تقرر ما سبق فلا يعقل ألا يكون القرآن الكريم كفيلاً بتحقيق سيادة الأمة وعزها ونهضتها، فمن كان صادقاً في طلب النهضة فقد تبينت له السبيل، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
________________
(1) تفسير السعدي 1/189-190.
(2) أخلاق حملة القرآن للآجري
1/3


كتبت : * أم أحمد *
-


حامل القرآن ينبغي له أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية، باستعمال الورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه

بصيراً بزمانه وفساد أهله ، فهو يحذرهم على دينه

مقبلاً على شأنه ، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره

حافظاً للسانه، مميزاً لكلامه ... إن تكلَّم تكلَّم بعلمٍ إذا رأى الكلام صواباً

وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً

قليل الخوض فيما لا يعنيه

يخاف من لسانه أشد مما يخاف عدوه يحبس لسانه كحبسه لعدوه؛ ليأمن شره وشر عاقبته

قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، إن سُرَّ بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسط الوجه، طيب الكلام،

لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه؟

يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه

لا يغتاب أحداً، ولا يحقر أحداً، ولا يسب أحداً، ولا يَشْمَتُ بمصيبته، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيء الظن بأحد إلا لمن يستحق

وقد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل، حافظاً لجميع جوارحه عما نهي عنه

إن مشى مشى بعلمٍ، وإن قعد قعد بعلم،

يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده،

لا يجهل
فإن جُهِلَ عليه حَلِمَ، لا يظلم، وإن ظُلِمَ عفا،

لا يبغي، وإن بُغِيَ عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربه ويغيظ عدوه

متواضع في نفسه، إذا قيل له الحق قبله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله، لا من المخلوقين، ماقتاً للكبر، خائفاً على نفسه منه،

لا يتآكل بالقرآن، ولا يحب أن يقضي به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس به الأغنياء ليكرموه،

إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقه ولا بصيرة، كسب هو القليل بفقه وعلم،

إن لبس الناس الليِّن الفاخر، لبس هو من الحلال ما يستر به عورته،

إن وُسِّع عليه وسع، وإن أُمْسِكَ عليه أمسك،

يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه،

يتَّبع واجبات القرآن والسنة،

يأكل الطعام بعلم، ويشرب بعلم، ويلبس بعلم، وينام بعلم، ويجامع أهله بعلم، ويصطحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويُسلِّم عليهم بعلم، ويجاور جاره بعلم، يلزم نفسه برَّ والديه: فيخفض لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة، يدعو لهما بالبقاء ، ويشكر لهما عند الكبر، لا يضجر بهما، ولا يحقرهما، إن استعانا به على طاعة أعانهما، وإن استعانا به على معصية لم يعنهما عليها، ورفق بهما في معصيته إياهما بحسن الأدب؛ ليرجعا عن قبيح ما أرادا مما لا يحسن بهما فعله، يصل الرحم، ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه،

يصحب المؤمنين بعلم، ويجالسهم بعلم، من صحبه، نفعه حسن المجالسة لمن جالس،

إن علَّم غيره رفق به، لا يُعنِّف من أخطأ ولا يخجِّله، رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً،

مؤدب لمن جالسه بأدب القرآن والسنة، وإذا أصيب بمصيبة، فالقرآن والسنة له مؤدِّبان ؛

يحزن بعلم، ويبكي بعلم، ويصبر بعلم، يتطهر بعلم، ويصلي بعلم، ويزكي بعلم ويتصدق بعلم، ويصوم بعلم، ويحج بعلم، ويجاهد بعلم، ويكتسب بعلم، وينفق بعلم، وينبسط في الأمور بعلم، وينقبض عنها بعلم، قد أدبه القرآنُ والسنةُ، يَتصفَّح القرآن؛ ليؤدِّب به نفسه، لا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عليه بجهل، قد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير.

إذا درس القرآن فبحضور فهم وعقل،

همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله: من اتباع ما أمر، والانتهاء عما نهى، ليس همته متى أختم السورة؟

همته متى أستغني بالله عن غيره؟

متى أكون من المتقين؟

متى أكون من المحسنين؟

متى أكون من المتوكلين؟

متى أكون من الخاشعين؟

متى أكون من الصابرين؟

متى أكون من الصادقين؟

متى أكون من الخائفين؟

متى أكون من الراجين؟

متى أزهد في الدنيا؟

متى أرغب في الآخرة متى أتوب من الذنوب؟

متى أعرف النعم المتواترة؟

متى أشكره عليها؟

متى أعقل عن الله الخطاب؟

متى أفقه ما أتلو؟

متى أغلب نفسي على ما تهوى؟

متى أجاهد في الله حق الجهاد؟

متى أحفظ لساني؟

متى أغض طرفي؟

متى أحفظ فرجي؟

متى أستحي من الله حق الحياء؟

متى أشتغل بعيبي؟

متى أصلح ما فسد من أمري؟

متى أحاسب نفسي؟

متى أتزود ليوم معادي؟

متى أكون عن الله راضيا؟

متى أكون بالله واثقا؟

متى أكون بزجر القرآن متعظا؟

متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلا؟

متى أحب ما يحب؟

متى أبغض ما يبغض؟

متى أنصح لله؟

متى أخلص له عملي؟

متى أقصر أملي؟

متى أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي؟

متى أعمر قبري، متى أفكر في الموقف وشدته؟

متى أفكر في خلوتي مع ربي؟

متى أفكر في المنقلب؟


متى أحذر مما حذرني منه ربي.؟؟؟؟؟؟؟؟


فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة يرى بها ما حسن من فعله، وما قبح منه، فما حذَّره مولاه حَذِرَه، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّبه فيه مولاه رغب فيه ورجاه


فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة،فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً وحرزاً.


ومن كان هذا وصفه، نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه، وعلى ولده كل خير في الدنيا وفي الآخرة.


من كتاب عظمة القرآن وتعظيمه وأثره فى النفوس من الكتاب والسنة

للشيخ / سعيد القحطانى


كتبت : * أم أحمد *
-



مدارسة القرآن..





ثبت في "الصحيحين" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن جبريل عليه السلام ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير . وكان أجود ما يكون في شهر رمضان . إن جبريل عليه السلام كان يلقاه ، في كل سنة ، في رمضان حتى ينسلخ . فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن . فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ). الراوي: أنس بن مالك المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2308
خلاصة حكم المحدث: صحيح


و(المدارسة) سُنَّة نبوية، غفل عنها بعض المسلمين اليوم،

وزهد فيها آخرون،
على الرغم مما فيها من منافع كثيرة، وفوائد جليلة،
نحاول في هذا المقال الوقوف عندها،
لكن بعد بيان معنى المدارسة وبيان مشروعيتها،
وبيان منهجها، والبداية مع المعنى .


أصل (الدراسة): الرياضة والتعهد للشيء.

والفعل (درس) يطلق على عدة معان، ومن جملة ما يطلق عليه معنى: القراءة؛
يقال: درس الكتاب درساً ودراسة: إذا قرأه،
وأقبل عليه ليحفظه ويفهمه؛ ودارس الكتاب مدارسة
ودراساً: درسه؛ ودارس فلاناً: قارَأه وذاكره؛
وتدارس الكتاب: درسه وتعهده بالقراءة والحفظ لئلا ينساه؛ والمِدْراس: الموضع يُدرس فيه كتاب الله؛
والمَدْرس: الموضع يُدرس فيه العلم؛ والمُدَرِّس: الكثير الدرس والتلاوة في الكتاب؛ والمدرسة: مشتقة من كل ذلك،
وتجمع على مدارس .


و(المدارسة) من باب المفاعلة،

بمعنى أن الفعل يكون بين اثنين أو أكثر على وجه الاشتراك، كالمخاصمة والمشاركة والمضاربة؛
تقول: خاصم زيد عمراً؛ وشارك الطلاب في المهرجان،
وضارب الفقراء الأغنياء،
كل ذلك يدل على التشارك في تلك الأفعال ونحوها،
وبحسب هذه الصيغة جاء لفظ المدارسة:
بمعنى المقارأة: أي يقرأ كل واحد على الآخر؛
والتدارس على وزن التفاعل: يعني المشاركة الجماعية
في القراءة وتحصيل العلم،
فيقال: تدارس القوم القرآن: إذا قرؤوه وتدبروا معانيه .


ومدارسة القرآن دلَّت على مشروعيتها واستحبابها آيات من القرآن الكريم، وأحاديث من السنة الشريفة؛

أما من القرآن فنقرأ قول الله تعالى في وصف الربانيين من أهل العلم: { وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } (آل عمران:79) .


ومن السنة يدل عليها فعله صلى الله عليه وسلم

مع جبريل عليه السلام،
فقد كانا يتدارسان القرآن في ليالي رمضان.
وروى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) الراوي: أبو هريرة المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1455
خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
؛ وهذا الحديث أصرح ما جاء في هذا الباب .

ويشهد لمشروعية المدارسة وأهميتها: قوله صلى الله عليه وسلم: ( تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقلها ) رواه البخاري ومسلم.
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 791
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فالتعاهد في الحديث بمعنى المدارسة؛
لأن المدارسة معناها: تعهد القرآن بالقراءة حتى لا يُنسى،
وجاء اللفظ أيضاً على صيغة المفاعلة .
ومنهج المدارسة القرآنيةكي يكون منهجاً ناجحاً وسديداً،

ينبغي أن يراعى في تطبيقه والعمل به قاعدتان:


القاعدة الأولى: القراءة والتدبر والتبصر؛


وتتحصل هذه القاعدة بأمرين متكاملين؛

الأول: التحقق بالقرآن فهماً وإدراكاً وعلماً،
قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (محمد:24)،
وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}
(سبأ:46)؛ لأن الفهم والإدراك والعلم هي طريق العمل، والسبيل الهادي إليه .



والثاني: التخلق بالقرآن،
وهذا يعني العمل بالقرآن وتطبيقه على أرض الواقع وفي شؤون الحياة كلها،
كبيرها وصغيرها، بدءاً بتطبيقه على النفس وانتهاء بتطبيقه في المجتمع،
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا } (هود:112)،
وقال سبحانه: { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157) .



القاعدة الثانية: أخذ القرآن بمنهج التلقي،
وتعني هذا القاعدة قراءة القرآن وكأنه يتنـزل عليك،
قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } (سورة المزمل:19)، فالقارئ للقرآن والدارس له، ينبغي عليه أن يقرأ القرآن على هذه الكيفية،
كيفية المتلقي للوحي والمستقبل له، المنصاع لأوامره وتوجيهاته .



ومدارسة القرآن لها فوائد كثيرة، ومنافع عديدة، نجملها فيما يلي:





- إن مدارسة القرآن سبيل العلم والتعلم،

فالعلم عموماً وعلم القرآن خصوصاً لا يمكن للمرء أن يحصله
إلا بالتعاون والمشاركة مع الآخرين؛
إذ ما يحصلُّه المرء بنفسه لا يقارن مع ما يحصله المرء مع غيره،
وخاصة إذا كان هذا الغير من أهل العلم بالقرآن
، قال تعالى: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}
، فصفة ( الربانية ) إنما حصلت بالتعلم والتعليم المشترك للكتاب ومدارسته .


والرسول صلى الله عليه وسلم إنما تعَّلم القرآن وفَقِهَ آياته،
وأدرك معانيه ومقاصده بالتدارس مع جبريل عليه السلام؛
والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين تعلموا القرآن وفقهوه
بطريق المدارسة مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمجالسة له،
وقل الشيء نفسه فيمن جاء بعدهم .




- إن مدارسة القرآن عون لحافظ القرآن على المراجعة والاستذكار والاستيعاب والتدبر،


قال عليه الصلاة والسلام: ( تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلِها ) متفق عليه،
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 791
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فقد حثَّ عليه الصلاة والسلام المؤمنين على تعاهد هذا القرآن ومدارسته فيما بينهم،
مخافة أن ينسى، و(التفلت) ليس المقصود منه التفلت من الذاكرة والحافظة فحسب،
وإنما أيضاً يدخل فيه (التفلت) من تطبيقه والعمل به،
فإن الإنسان بنفسه ضعيف، وبأخيه قوي،
وهذا معروف لمن مارس مدارسة القرآن ومراجعة العلم مع غيره .



- إن مدارسة القرآن طريق لتحقيق معنى الترابط والتآلف بين المسلمين،


وهو مقصد أساس حرص عليه الإسلام لتربية العقلية الجماعية والسلوك الجماعي
، وهذا المقصد ملحوظ في أكثر العبادات الإسلامية
، فالمعنى الجماعي فيها حاضر وبارز .



- إن مدارسة القرآن طريق لتزكية النفس بفضائل الخير،



وتحليتها بقيم الصلاح، وهدايتها سبل الرشاد،
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
(آل عمران:164)،
فمن خلال هذه المدارسة تزكوا النفوس الطيبة، وتعرف طريق الخير من الشر،
وتحصل من المعاني والقيم ما لا تحصله فيما لو كانت القراءة على انفراد .



- إن مدارسة القرآن مدعاة لتنـزل الرحمة والسكينة على المؤمنين،


وسبب لإحفاف الملائكة لهم حفظً وعناية وتوفيقاً،
وهذا ما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام حين قال: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )
رواه مسلم .الراوي: أبو هريرة المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1455
خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]



- إن مدارسة القرآن أمر مهم لضبط تلاوته وحُسن ترتيله،

قال تعالى: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (المزمل:4)؛
فقارئ القرآن مطالب بتلاوته حق التلاوة، وترتيله حق الترتيل،
والمدارسة طريق متعين لذلك؛ إذ من المقرر عند أهل العلم،
أن القرآن لا يُتلقى بالقراءة الأحادية، بل لا بد فيه من المشافهة،
والتلقي على أهل الضبط والإتقان من أهل القراءات، وقراءته عليهم .


وعلى الجملة، فإن الغاية الأساس من المدارسة القرآنية

استخلاص واستخراج المنهج القرآني،
وتجميعه في برنامج عملي يضم أهم العناصر العلمية والتعليمية،
التربوية والدعوية، النظرية والعملية،
التي يجب العمل على تحقيقها في مجالات الحياة كافة .



منقول للفائدة




كتبت : * أم أحمد *
-
آداب معلم القرآن ومتعلمه






أول
ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضا الله تعالى
قال الله تعالى (
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ.) أي الملة المستقيمة .
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى "
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 401
خلاصة حكم المحدث: صحيح




يقول الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى :
"الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شئ آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى ، قال ويصح أن يقال الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ."



يقول حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى
الإخلاص استواء أفعال العبد في الظاهر والباطن .



وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما وعن السري رضي الله عنه قال لا تعمل للناس شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تغط لهم شيئا ولا تكشف لهم شيئا .




ثانياً
وينبغي أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال أو رياسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك
ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه سواء كان الرفق مالاً أو خدمة وإن قل ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه ،

قال تعالى (
مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ )

وقال الله تعالى (
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) الآية



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من تعلم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة "
رواه أبو داود
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 105
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره




ثالثاً وليحذر ثم الحذر من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء وفساد طويته بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم فإنه لو أراد الله بتعليمه لما كره ذلك بل قال لنفسه أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد قصد بقراءته على غيري زيادة علم فلا عتب عليه .



عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يا حملة القرآن أو قال يا حملة العلم اعملوا به فإنما العلم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقاً يباهي بعضهم بعضاً ، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى .




وقد صح عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال
وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم يعني علمه وكتبه أن لا ينسب إلي حرف منه



ينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها من الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها والسخاء والجود ومكارم الأخلاق وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة والحلم والصبر والتنزه عن دنيء المكاسب وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع واجتناب الضحك والإكثار من المزاح

و ملازمة الوظائف الشرعية كالتنظيف وتقليم بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها

وتقليم الظفر وتسريح اللحية وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة


و ليحذر ثم الحذر من الحسد والرياء والعجب واحتقار غيره وإن كان دونه ،


وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات ، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويحافظ على ذلك

و ينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه وأن يرحب به ويحسن إليه بحسب حاله .



و ينبغي أن يبذل لهم النصيحة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 1093
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن


ومن النصيحة لله تعالى ولكتابه إكرام قارئه و طالبه وإرشاده إلى مصلحته و الرفق به ومساعدته على طلبه بما أمكن و تأليف قلب الطالب


وأن يكون سمحاً بتعليمه في رفق متلطفاً به ومحرضاً له على التعلم


و ينبغي أن يذكره فضيلة ذلك ليكون سبباً في نشاطه وزيادة في رغبته ويزهده في الدنيا ويصرفه عن الركون إليها والاغترار بها ويذكره فضيلة الاشتغال بالقرآن وسائر العلوم الشرعية وهو طريق الحاضرين العارفين وعباد الله الصالحين وأن ذلك رتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،



وينبغي أن يشفق على الطالب ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه ويجري المتعلم مجرى ولده في الشفقة عليه والصبر على جفائه وسوء أدبه ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان فإن الإنسان معرض للنقائص لا سيما إن كان صغير السن ،

وينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير وأن يكره له ما يكره لنفسه .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت ، وفي رواية إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني .


وينبغي للمعلم أن لا يتعاظم على المتعلمين بل يلين لهم ويتواضع معهم ،
فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن مع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه ،



وعن أبي أيوب السختياني رحمه الله قال
ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله عز وجل .


وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية ويعوده الصيانة في جميع أموره الباطنة والجلية ويحرضه بأقواله وأفعاله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات

ويعرفه أن عليه أنوار المعارف وينشرح صدره ويتفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف ويبارك له في علمه وحاله ويوفق في أفعاله وأقواله .



و يستحب للمعلم أن يكون حريصا على تعليمهم مؤثرا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية وأن يفرغ قلبه في حال جلوسه لإقرائهم من الأسباب الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة ،

أن يكون حريصاً على تفهيمهم وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به فلا يكثر على من لا يحتمل الإكثار ولا يقصر لمن يحتمل الزيادة و

يأخذهم بإعادة محفوظاتهم

ويثني على من ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره ،

ومن قصر عنفه تعنيفا لطيفاً ما لم يخش عليه تنفيره ،

ولا يحسد أحداً منه لبراعة يجدها منه ولا يستكثر فيه ما أنعم الله به عليه فإن الحسد للأجانب حرام شديد التحريم فكيف للمتعلم الذي هو بمنزلة الولد .


يقدم في تعليمهم إذا أزدحموا الأول فالأول فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه ،


وينبغي أن يظهر لهم البشر وطلاقة الوجه


و يتفقد أحوالهم ويسأل عمن غاب منهم .



قال العلماء رضي الله عنهم
و لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية ،

فقد قال سفيان وغيره طلبهم للعلم نية وقالوا طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله معناه كانت غايته أن صار لله تعالى
.



ومن آدابه المتأكدة وما يعتني به أن يصون يديه في حال الإقراء عن العبث وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة ويقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار وتكون ثيابه بيضاء نظيفة ، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين ، ويجلس متربعاً إن شاء أو غير متربع .


ومن آدابه المتأكدة وما يعتني بحفظه أن لا يذل العلم فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم .
وينبغي أن يكون مجلسه واسعاً .

جميع ما ذكرناه من آداب المعلم في نفسه آداب للمتعلم ، ومن آدابه أن يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سبباً لا بد منه للحاجة ،



وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره ،
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إن في الجسد مضغة إذا
صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "

الراوي: النعمان بن بشير المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1599
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وقد أحسن القائل بقوله يطيب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة .



وينبغي للمتعلم أن يتواضع لمعلمه ويتأدب معه وإن كان أصغر منه سناً وأقل شهرة ونسباً وصلاحاً وغير ذلك ، ويتواضع للعلم فبتواضعه يدركه ، وينبغي أن ينقاد لمعلمه ويشاوره في أموره ويقبل قوله .



ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته ،
فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به ، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني .

وقال الربيع صاحب الشافعي رحمهما الله
ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من حق المعلم عليك أن تسلم على الناس عامة وتخصه دونهم بتحية وأن تجلس أمامه ولا تشيرن عنده بيدك ولا تغمزن بعينيك ولا تقولن قال فلان خلاف ما تقول ولا تغتابن عنده أحداً ولا تشاور جليسك في مجلسه ولا تأخذ بثوبه إذا قام ولا تلح عليه إذا كسل ولا تعرض أي تشبع من طول .
وينبغي أن يتأدب بهذه الخصال التي أرشد إليها علي رضي الله عنه وأن يرد غيبة شيخه إن قدر فإن تعذر عليه ردها فارق ذلك المجلس .


و يدخل على الشيخ كامل الخصال متصفاً بما ذكرناه في المعلم متطهراً مستعملاً للسواك فارغ القلب من الأمور الشاغلة ،





وأن لا يدخل بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى استئذان ،

وأن يسلم على الحاضرين إذا دخل ويخصه دونهم بالتحية وأن يسلم عليه وعليهم إذا انصرف ،

و لا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث وصل به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم أو يعلم من حالهم إيثار ذلك ولا يقيم أحداً في موضعه ،
فإن آثره غيره لم يقبل إلا أن يكون في تقديمه مصلحة للحاضرين أو أمره الشيخ بذلك ،

و لا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما وإن فسحا له قعد وضم نفسه .





وينبغي أيضا أن يتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه




ويقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين و لا يرفع صوته رفعاً بليغا من غير حاجة و لا يضحك و لا يكثر الكلام من غير حاجة و لا يعبث بيده و لا بغيرها و لا يلتفت يميناً ولا شمالاً من غر حاجة بل يكون متوجهاً إلى الشيخ مصغياً إلى كلامه .



ومما يتأكد الاعتناء به أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله وروعه وغمه وفرحه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه من كمال حضور القلب والنشاط ، وأن يغتنم أوقات نشاطه ،



ومن آدابه أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله ويتأول لأفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة ، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه ، وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالإعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب عليه فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وأنقى لقلب الشيخ ، وقد قالوا من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا .



ومن آدابه المتأكدة أن يكون حريصاً على التعلم مواظباً عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها


و لا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير ولا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال ،



و إذا جاء إلى مجلس الشيخ فلم يجده انتظر ولازم بابه ولا يفوت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه وأنه لا يقرئ في غيره ،



وإذا وجد الشيخ نائماً أو مشتغلاً بمهم لم يستأذن عليه بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه أو ينصرف والصبر أولى كما كان ابن عباس رضي الله عنهما وغيره يفعلون ، وينبغي أن يأخذ نفسه بالاجتهاد في التحصيل في وقت الفراغ والنشاط وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشاغلات قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة
.

وهذا معنى قول الإمام الشافعي رضي الله عنه
تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه .


وينبغي أن يبكر بقراءته على الشيخ أول النهار
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم
" اللهم بارك لأمتي في بكورها " ،


وينبغي أن يحافظ على قراءة محفوظه ،

وينبغي أن لا يؤثر بنوبته غيره بخلاف الإيثار بحظوظ النفس فإنه محبوب ،

فإن رأى الشيخ المصلحة في الإيثار في بعض الأوقات لمعنى شرعي فأشار عليه بذلك أمتثل أمره
،



ومما يجب عليه ويتأكد الوصية به ألا يحسد أحداً من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقه الله إياها وأن لا يعجب بنفسه بما خصه الله ،

وهناك طريقه في نفي العجب أن يذكر نفسه أنه لم يحصل ما حصله بحوله وقوته وإنما هو فضل من الله ،

ولا ينبغي أن يعجب بشيء لم يخترعه بل أودعه الله تعالى فيه وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا فينبغي أن لا يعترض عليها ولا يكره حكمة أرادها الله تعالى
.
الصفحات 1  2  3 4  5  6  7  ... الأخيرة

التالي

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ

السابق

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ

كلمات ذات علاقة
ملف , القرآن , الكريم , يخص , شامل , وكامل