وبالوالدين إحساناً .. الشيخ إبراهيم الدويش
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
إي وربي فلا أدري أأسكب الدمع أو الدم ؟!
أيعقل أيها المسلمون أن يكون هذا بيننا،وفي مجتمعنا،أين آيات القرآن ألا تهز تلك القلوب؟!
أين أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ألا تُحرك تلك النفوس ؟!
أين تقاليدنا وعاداتنا النبيلة ؟
أين العرفان بالجميل؟!
أين الشهامة والرجولة ؟!
أين الرأفة والرحمة،أيمكن أن يحملَ هؤلاء كلمة:إنسان ،أم هم كما قالبعض السلف:لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً.
اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل هؤلاء، ونسألك اللهم براً بالأمهات والأباء،واغفر لنا التقصير ببرهم والغفلة عن حقهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب،فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وأصحابه ومن والاه ،أما بعد :عباد الله : إننا لا نشك أبدأ أن هناك الكثير والكثير من الصور العجيبة للبر والإحسان بالوالدين، بل هي الأصل في مثل هذا المجتمع المحافظ ،ولكن شهوات الدنيا سودت بعض القلوب ،فكثر عندها العقوق والذنوب،وهي والله نذير شؤم،وناقوس خطر ،"فكل الذنوب يؤخر الله فيها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات "(البخاري في الأدب المفرد،والطبراني والحاكم )،ومهما كانت الدوافع والأسباب فلا يمكن أن تصل لهذه النهايات البشعة لو كان في تلك النفوس حبة خردل من إيمان،ألم يسمع هؤلاء أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم ، فكيف بمن شتمها وضربها،بل وقتلها نعوذ بالله من الخذلان والخسران، فالوالدان بابان للجنة مفتوحان ،أما سمعتم عن إياس بن معاوية وقد بكى عند موت أمه ؟
فلما سئل عن ذلك ،قال:ولم لا أبكي وقد أغلق عني باب من أبواب الجنة ؟!
فرَغِمَ أَنْفُهُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ،ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ! قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ:"مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ "،فمن أراد الجنة،و"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(أحمد بسند صحيح من حديث أَنَس بْن مَالِك )
وفي حديث الثلاثة أصحاب الغار ،قصة عجيبة لابن بار ، اسمعوه يقول:" اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا،وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قبلهما ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوْا السَّمَاءَ..".إنه الإحسان للأباء،فأين الأبناء ؟ أين من يريد إجابة الدعاء ؟ لقد كانت حفصة تترحم على هذيل-ابنها-فقد كان يعمد إلى القصب فيقشره ويجففه في الصيف لئلا يكون له دخان،فيؤذيها عندما يوقد لها لتدفأ.
سبحان الله يخاف أن يؤذيها الدخان ،إنه الإيمان ،يوم يتحرك في قلب الإنسان!.(البر والصلة لابن الجوزي53،ففيهما فجاهد40).
وقال أنس بن النضر: استقت أم ابن مسعود ماءاً في بعض الليالي،فذهب فجاءها بشربة،فوجدها قد ذهب بها النوم،فوقف بالشربة عند رأسها حتى أصبح،مخافة أن تنتبه تريد الماء وهو نائم.(ابن الجوزي ص54).
وقال أبو بكر ابن عياش:ربما كنت مع منصور بن المعتمر في منزله جالسا فكان تصيح به أمه وكانت فظة غليظة:فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة (الوزير)على القضاء فتأبى،وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها أدباً.(ابن الجوزي ص85.ففيهما فجاهد ص 40).
وكان حيوة بن شريح يقعد في حلقته يعلم الناس،فتقول له أمه :قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج فيقوم ويقطع حلقة التعليم طاعة لها،ويخشى أن يؤخر ذلك قليلا فيكتب عاقا لها.
وابن عوف نادته أمه فأجابها ولكن بصوت مرتفع فندم وأعتق رقبتين ؟!
الله أكبر ما أعظم برهم ،وما أرق قلوبهم ،وما أشد خوفهم !!
تاقت إلى الحور والفردوس أنفسُهم فذلّلوا دربهم للخلد تذليلا
تُذيقنا المرَّ دنيانيا وقد وجــدوا طعم السعادة بالإيمان معسولاً
قد أُدخلوا جنة الدنيا فوا لهفــي ممن يُقاسي لظى الحرمان مغلولا