بيت أسس علي التقوى .. الشيخ عائض القرنى

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

الطفل المسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد ..

إذا كان الحديث عن محمد صلي الله عليه وسلم فإنه حديث جميل ومفيد وممتع.

وفي الرسالة سنأخذ جانباً واحداً من حياته العظيمة صلي الله عليه وسلم ، وهو جانب الطفل، فنعرف كيف ربي الطفل؟
وكيف حنا على الطفل؟

وكيف غرس في الطفل الإيمان.

يا طفل غرد في تبسم أحمـــد
وابسم ضياء جبينه المتلالي

واسعد برؤية خير من وطئ الثري
راعي اليتامي قائد الأبطال

وعناصر هذا الدرس خمسة:

أولها: مكانة الطفل في قلب محمد صلي الله عليه وسلم .

ثانيها: تربية صلي الله عليه وسلم للأطفال.

ثالثها: رحمته بالأطفال صلي الله عليه وسلم .

رابعها : من أحكام الأطفال.

خامساً: الأطفال الكبار أهل الاهتمامات العالية الشاهقة المرتفعة التي غرسها محمد صلي الله عليه وسلم .


أما مكانة الطفل في قلب محمد صلي الله عليه وسلم فهي مكانة عالية جداً ، فقد كان صلي الله عليه وسلم يحنك الأطفال بيده ليشرقوا على نور لا إله إلا الله محمد رسول الله، فينشأ الطفل في عهده صلي الله عليه وسلم أكبر قضاياه في الحياة أن ينصر دين الله، وأن يرفع كلمة لا إله إلا الله، وأن يسجد لله.

ولقد وجد الطفل في الرسول الكف الحانية ، والدمعة المؤثرة، والبسمة الرقيقة ، والدعابة الحية.

ووجد الطفل في الرسول صلي الله عليه وسلم الأب المربي، والشيخ الجليل، والمصلح النبيل. فكان أطفال الصحابة ينهجون نهجه صلي الله عليه وسلم في حركاته وسكناته لأنه مؤثر جد مؤثر، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)(آل عمران: الآية159).

فهو صلي الله عليه وسلم منذ النطفة الأولي لهذا الطفل المسلم وهو يرعاه ويهتم به.

ففي الصحيحين عنه صلي الله عليه وسلم انه قال: (( لو أن أحدكم إذا أتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق بمولود لم يضره شيطان.

وأما إذا ولد الطفل فقد صح عنه صلي الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: (( ما من مولود إلا وقد نزغه الشيطان إلا عيسى ابن مريم))النبي صلي الله عليه وسلم أما ترى الطفل كيف يبكي عند ولادته.

سبحان الله!
لقد كان في بطن ضيق ولم يبك، فلما خرج إلى أرض فسيحة بكي!.

ولدتــك أمــك باكيـــاً مستصرخـــاً
والناس حولـك يضحــكــون سرورا

فاعمل لنفسك أنت تكــــون إذا بكـــوا
في يــوم مــوتك ضاحــكاً مسرورا


وقال الثاني:

ويكفيك من ضيق الحياة وبؤســـــها
دليــلاً بكـــاء الطفل ساعة يـــولد

وإلا فما يبكـــــيه منــها وإنه
لفي بطن أم كــان بالعيش يســــعـد


وقال أبو العتاهية في أبيات عجيبة جميلة:

أذان الطــفــل في المـــيلاد دومـاً
وتأخير الصــلاة إلى الــمــمـــات
دليل أن مــــحيــــاه قـــــليل


كـــما بيــن الإقامــة والصــلاة

أي إبداع هذا!
معني الأبيات أن الطفل يؤذن في أذنه حين يولد ولكن لا يصلى ولا يصلى عليه، ولكن تتأخر الصلاة إلى موته.. وهي صلاة الجنازة!
فكأن الأذان والصلاة هما صلاة واحدة.

وهذا دليل على قصر هذه الدنيا، لأنها شابهت ما بين الأذان والإقامة.

ويولد الطفل لكن يولد على التوحيد ولا إله إلا الله، فما من طفل في العالم إلا ويولد وفي قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .

فأول ما يقع رأسه على الأرض يقع علي العقيدة الحية، ويقع على الرسالة الخالدة، ويقع موحداً مؤمناً على الفطرة، )(فطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)(الروم: الآية30).

فلا يولد شيوعياً، ولا علمانياً، ولا ماسونياً، ولا يهودياً، ولا نصرانياً، ولكن يولد حنيفاً مسلماً.

وقد صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))، إذا فهو مسلم، أول ما يأتي الطفل أو الطفلة يولدان على هذا الدين الحنيف.

فإذا وقع الطفل في الأرض كان من هديه صلي الله عليه وسلم أن يؤذن في أذنه .

والأذان في أذن الطفل حديث حسن عند أبي داود وغيره.

وقد أذن صلي الله عليه وسلم في أذن الحسن ابن ابنته.

قال أهل العلم : إنما أذن صلي الله عليه وسلم في أذنه لمقاصد.

منها : أن يلهمه الله التوحيد وأن يكون على الفطرة.

ومنها: أن الأذان إعلان للإسلام.

ومنها: أن الأذان يطرد الشيطان.

أما الإقامة فحديثها ضعيف، ولكن يكفي الأذان أن يخترق هذه الآذان ليصل إلى القلب فيغرس أشجاراً من الإيمان ومن اليقين ومن الإخلاص.

وطفل ينزل من بطن أمه فيتلقى بالأذان طفل سعيد في الحقيقة، وطفل طيب الأعراق وطيب الأصل وطيب المنشأ بإذن الله.

وكان صلي الله عليه وسلم يحتك الأطفال ـ كما سبق ـ ، والتحنيك أن يأخذ صلي الله عليه وسلم تمراً أو نحوه فيدخل أصبعه الشريفة في فم الطفل قبل أن يأكل فيلقمه إياه.

وكانت المرأة المسلمة إذا أنجبت طفلاً بعثت به إلى معلم الخير في لفائف، ليكون أول ما يباشر بطنه ريق محمد صلي الله عليه وسلم ، الريق المبارك، الريق الصافي، الريق الطيب الجميل.

قال أنس في الصحيح : ولدت أم سليم ابناً لها ـ
هذا الابن أخ لأنس من أمه ـ
فقالت : أذهب به إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم .

فأخذ أنس الطفل وذهب به إلى معلم الخير، فاستقبله صلي الله عليه وسلم وحنكه بتمرة، فكأن الطفل يمتصها بشوق، فقال صلي الله عليه وسلم : (( انظروا لحب الأنصار التمر)).

وكان صلي الله عليه وسلم يسمي الأطفال، لكنه كان يختار أسماء إسلامية شرعية تقود الطفل إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

وكان يقول في الصحيح : (( أحب السماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن))النبي صلي الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة.

وكان يقول : (( اصدق الأسماء همام وحارث)).

قل ابن تيمية ك إنما قال همام لأن الإنسان يهم بقلبه، وهو حارث بحركته دائماً، فجمع بين الاثنين صلي الله عليه وسلم .

والعرب كانت تحب السماء القوية اللامعة ، ولذلك كانوا يسمون بأسماء الأسود كاسم ( حمزة) ( أسامة) ( حيدرة).

أما في عصرنا هذا فقد أصبحوا يسمون الأولاد بأسماء منكرة، إما غير أصلية ولا قوية كأسماء تدل على الأنوثة والرقة.
أو أسماء لا يعرف لها معني ، كاسم ( صنيهيت)، فهو لا فعل ماضي ولا مضارع ولا اسم ولا حرف! و( شليويح)!.

وقد سمي صلي الله عليه وسلم بأسماء الأنبياء، فلما ولد له ولد سماه على اسم إبراهيم الخليل عليه السلام، لأنه كان أشبه الناس بإبراهيم (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ)(آل عمران: الآية68).

وسمي ابن موسى الأشعري ( إبراهيم).

وكان صلي الله عليه وسلم يغير الأسماء المنكرة، فقد اسم (غاوي) على (راشد)، وغير (ظالم) إلى مقسط) وغير (عاصية) إلى ( جميلة)، وغير اسم (بره) إلى ( زينب).

ونهي عن التسمية بيسار ونجيح ورباح لكي لا يقال: أرباح في البيت؟
فيقال: لا .. فيذهب البال إلى التشاؤم.

ومن السنة للطفل أن الرسول صلي الله عليه وسلم أمر بحلق رأسه تفاؤلاً بأن يزيل الله الأذى عنه.

كما يقال عن الحلق في العمرة والحج بأنها تفاؤل بذلك.

ويتصدق بوزنه ورقاً للمساكين، وهذه حكمه عظيمة ربما أدركناها أو لم ندركها، لينشأ متصدقاً ، ولينشا مزكياً، ولينشأ على سنة الرسول صلي الله عليه وسلم .

وأمر صلي الله عليه وسلم بالعقيقة عن الغلام كما في الصحيح: عن الولد شاتان وعن الجارية شاة واحدة.

وكان يكره صلي الله عليه وسلم العقوق ، وصح عنه انه قال صلي الله عليه وسلم : (( كل غلام مرتهن بعقيقته))، فمن السنة أن تذبح شاتين اثنتين إذا ولد لك مولود ذكر، وأما الأنثى فشاة واحدة، لحكمة بالغة ومقصد جميل، استبشاراً بهذا المولود ، ولينشأ على بر وصدقة، ولتطعم جيرانك وإخوانك منها.

فإن الولد الصالح من أعظم النعم، قال زكريا عليه السلام: ( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(الانبياء: الآية89) فرزقه الله ذرية صالحة.

والولد الصالح حياة، والولد الصالح أثر، والولد الصالح اتصال لك بالنور والخلود، والولد الصالح يدعو لك بعد الممات فيزيد في عملك الصالح صلاحاً وفي خيرك خيراً وفي برك براً، والولد الصالح يدركك في الشيخوخة فيقم من عضدك ويقوي من ساعدك ويكون لك نعم الأثر.

قال البخاري في الصحيح في كتاب الجهاد (باب) من طلب الولد للجهاد، ثم أتي بقصة سليمان عليه السلام عندما قال: ( لأطوفن الليلة علي مائة امرأة ) وفي لفظ ( على ستين) وفي لفظ ( على سبعين) ، كلهن يلدن مجاهداً في سبيل الله) لكنه لم يقل ( إن شاء الله)، فما ولدت منهن إلا امرأة ولدت نصف ولد.

فالولد الصالح هو من أحسن ما يكون إذا ولد على الفطرة ونشأ نشأة طيبة، فكان من شكر المنعم سبحانه وتعالى أن تعق عنه بعقيقة، وأن تطعم جيرانك وإخوانك وأحبابك.

وكان صلي الله عليه وسلم يداعب الأطفال بعد أن يكونوا في سنن المداعبة، ويفهموا الكلام، ويفهموا البسمة الحانية والفكاهة.

الفيافي حــالــمات بالمنـــي تتلقاك بتصــفيق مثيــر

أنت للطفل أب في مهــــده عجباً من قلبـــك الفـذ الكبير

وعند أحمد والنسائي عن شداد بن الهاد رضي الله عنه قال: خرج علينا الرسول صلي الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي صلاة الظهر أو صلاة العصر، فتأخر صلي الله عليه وسلم في السجود.

أتدرون ما السبب؟
لقد أتي الحسن بن على ابن ابنته فرأي الرسول صلي الله عليه وسلم ساجداً فارتحله وصعد على ظهره.

انظر إلى المنظر!
رسول البشرية يسجد في الأرض ض فيرتحله طفل، فيمكث صلي الله عليه وسلم ولا يقوم من السجود، وبعد أن نزل الحسن قام صلي الله عليه وسلم وصلي وسلم واعتذر من الناس وقال: (( يا أيها الناس لعلي تأخرت عليكم في السجود، إن ابني هذا ارتحلتني وأنا في الصلاة فخشيت أن أرفع من السجود فأوذيه)) ، أو كما قال صلي الله عليه وسلم .

فهل وجدتم رحمة كهذه؟

فكيف لا يحبه الأطفال بعد هذا؟

عن بعض الأطفال اليوم إذا رأوا بعض الناس يخافون ويصيبهم الهلع والفزع.

وبعض الآباء لا يقبل أطفاله، وبعضهم إذا انتهر أطفاله أغمي على أحدهم!

وإذا دخل أبوه عليه في البيت قال لسان حاله: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)!.

وفي الصحيحين أن غلاماً أخاً لأنس اسمه أبو عمير كان له نغر (طائر صغير) يلعب به، فمات النغر فذهب هذا الطفل فأخبر أخاه أنس وقال: مات نغري.

فذهب أنس فأخبر الرسول صلي الله عليه وسلم، فقال صلي الله عليه وسلم لأخيه الصغير: (( يا أبا عمير ما فعل النغير))؟
يقول: احسن الله عزاءك في هذه المصيبة!

فكان يجد من الوقت صلي الله عليه وسلم أن يعزي طفلاً بطائرة.

قال الزنادقة: أهل الحديث لا يفهمون شيئاً، يروون أحاديث لا معاني لها.

قالوا: مثل حديث : (( يا أبا عمير ما فعل النغير))، ليس فيه فائدة.

قال الشافعي: قاتلكم الله، في هذا الحديث ستون فائدة، ثم سردها!

وعودوا إلى فتح البارى لابن حجر فقد ذكر منها عشرين فائدة.
منها: تكنية الصغير.

وتكنية من لا ولد له.

وتصغير الاسم للتحبب.

وملاعبة الأطفال.

والأنس مع الطفل.

وزيادة الطفل في بيت أهله للمصلحة.

ومنها: أن الوقت المباح إذا كان لغرض شرعي صحيح فإنه يؤجر عليه العيد.

ومنها: أخذ الطفل للطائر.

وجواز حبس الطيور في البيوت لملاعبة الأطفال.

ومنها: ربط الخيط في رجل الطائر وأنه ليس من التعذيب.

ومنها: فوائد كثيرة ليس هذا مجال بحثها.

أتته صلي الله عليه وسلم طفلة صغيرة اسمها أم خالد، فوجد عليها ثياباً ممزقة صلي الله عليه وسلم ، وهي طفلة ، فألبسها لباساً ثم قال: (( هذا سنا))، وهذا بلغة الحبشة أي: حسن.. لأنها عاشت مع أمها في الحبشة أيام الهجرة الأولي.

أتظن أن دعابة منه صلي الله عليه وسلم أمر سهل؟

أتظن أن بسمة منه يجود بها لإنسان شيء يسير؟

لا والله، فبعض الناس اليوم يحفظ كلمة من بعض الزعماء أو السلاطين ويقول كلمني وقال لي مباشرة.

فكيف لو كلمك محمد صلي الله عليه وسلم ؟

وعند أحمد بسند حسن أن الرسول صلي الله عليه وسلم صف عبد الله وعبيد الله وكثير أبناء العباس أبناء عمه، وهم ثلاثة صغار بين كل واحد منهم والآخر سنة.

ثم قال: من يسبق إلى فله كذا وكذا.

فأخذوا يتسابقون فسبق أحدهم فأعطاه الجائزة.

سبحان الله !

ربما قال قائل ـ لو قلنا له : افعل هذا مع أطفالك ـ : وقتي ضيق.

ولكن لو عرفت معاني التربية ومعاني الخلود في سيرته صلي الله عليه وسلم لأعطيت هذه الساعة الثمينة من هذا الوقت الضيق.

وعن أنس وهذا صحيح مسلم قال: كان الرسول صلي الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، فأرسلني في حاجة، فقلت: والله لا أذهب !
وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله.

هو كان في سن العاشرة تقريباً.

قال : فسكت صلي الله عليه وسلم ، ثم مر بي وأنا ألعب مع الأطفال فأخذ بأذني يضاحكني وقال: (( يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟)).

قلت : سأذهب إن شاء الله ‍! فذهبت.

ويقول أنس: والله لقد خدمت الرسول صلي الله عليه وسلم عشر سنوات ما قال في أمر فعلته لم فعلته، ولا في أمر لم أفعله لم لم تفعله.

وكان صلي الله عليه وسلم يحمل الحسن والحسين على عاتقه ـ وهذا الحديث عند أبي يعلى بسند حسن ـ فرآه عمر فقال: نعم الفرس تحتكما.

فقال صلي الله عليه وسلم : (( ونعم الفارسان هما))، أنعم بالحسنـ وأنعم بالحسين، لكن جدهما صلي الله عليه وسلم هو العظيم.

نسـب كـأن عليـــه من شمس الضحى
نوراً ومن فلق الصبـــاح عمـــودا

وكانت أم قيس بنت محصن تأتيه صلي الله عليه وسلم تستفتيه ، فيأخذ طفلها من يديها ويجلسه في حضنه ليسمع السؤال قبل أن يفتي.

ومرة أخذ الطفل فبال قبل أن تأكل الطعام فنضح بوله صلي الله عليه وسلم .

أي خلق وأي تواضع هذا؟

قال أبو هريرة : كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سوق من أسواق المدينة فانصرف، فانصرفت. فقال: (( أين لكع)) ثلاثاً . (( ادع الحسن بن على))... فالتزمته فقال: (( اللهم إني أحبه، فأحبه، وأحب من يحبه))، وزمرة جده صلي الله عليه وسلم .

وفي كتاب المختارة للضياء أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يلاعب بنت ابنته واسمها زينب وكان يقول: (( يا زوينب يا زوينيب)) ويلاعبها ويمازحها صلي الله عليه وسلم
أما العنصر الثاني فتربية صلي الله عليه وسلم للأطفال.

لقد كان المعلم الأول، من تربية صلي الله عليه وسلم للأطفال أنه رباهم على الإيمان ، ثم إنه لبي لهم أغراضهم ومقاصدهم الإيمانية المباحة، فلم يحجر عليهم الدعابة.

لأن بعض الناس إذا رأي أطفاله يلعبون أو يصيحون أو ينشدون في البيت غضب عليهم وقال: لا تضيعوا أوقاتكم.

سبحان الله! تريد طفل صغير أن يكون كابن حجر أو كابن تيمية في طفولته.

لابد أ يلعب ، ولابد أن يضحك ، ولابد أن يغرد ، ولابد أن ينشد ، ولكن اجعل لعبه في حدود الشرع، واجعل نشيده ف حدود الأدب.

الأمر الثاني: أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يحيط الطفل بسياج من الآداب الشرعية عند الولادة، وعند التحنيك ، وعند التسمية، وعند العقيقة، وعند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل، وعند الشرب.

صح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال ـ كما عند أحمد وأبي داود بسند صحيح: ـ : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع))النبي صلي الله عليه وسلم وفي هذا فوائد:

أولها: أن بداية الأمر في السبع وهو أمر بلا ضرب، لكن تدعوه وتحثه وتحبب إليه الصلاة.

الثانية: أن بداية التعزيز هي سن العاشرة.

الثالثة: أن تفرق بينهم في المضاجع، أي أن يناموا متفرقين لحكم جليلة يعرفها المسلمون.

وكان عمر ابن أبي سلمة يأكل معه مرة من المرات فجعلت يده تطيش في الصفحة، فقال له صلي الله عليه وسلم عدة آداب : (( يا غلام ، سم الله، وكب مما يليك، وكل بيمينك)).

الراوي: عمر بن أبي سلمة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5376
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

فهي ثلاثة آداب ينبغي على الأب أن يوجه أطفاله إليها: التسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يلي الطفل.

واستخدم صلي الله عليه وسلم لفظه( يا بني) لأنها محببة وأنيسة للطفل.

ولقمان عليه السلام يوم أوصي ابنه : (يَا بُنَيّ)(لقمان: الآية16) لأنها تجعل الأنس في قلب الطفل، وهي تستخدم لغير الابن من الصلب، فيقال تحبياً ( يا بني).

وكان له صلي الله عليه وسلم في جانب العقيدة مع الأطفال مواقف: يقول ابن عباس والحديث عند أحمد والترمذي : كنت ردف محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي حمار.

فقال: (( يا غلام)).

قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله.

قال: (( إني أعلمك كلمات)) اسمع إلى الكلمات النيرة.. اسمع إلى الوصايا التي تشري بالدماء ، فهي أغلي من الذهب والفضة: (( أحفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فأسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).
رواه الترمذى

وصح عند البخاري والدرامي أنه صلي الله عليه وسلم كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم فيقول: (( السلام عليكم ورحمة الله)).

وهذا من التواضع العظيم، لأن المتكبر لا يسلم على الأطفال ولا يسلم على الناس، بل ينتظر من يسلم عليه.

ولذلك (( يحشر المتكبرون يوم القيامة على هيئة الذر يطؤهم الناس)) حديث صحيح رواه مسلم.

فالمتكبرون:

ليســـوا كقــوم إذا لاقيتهم عرضـاً
أهدوك من نورهم ما يتحف الساري

تروي وتشبع من سيمــاء طلعتهم
بذكرهم ذكروك الواحد البـــاري
من تلق منهم تقــل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يسري بها الساري

كان صلي الله عليه وسلم بالليل، فأتاه ابن عباس يصلي معه في ليلة هي من أحسن الليالي في حياة ابن عباس ؛ حيث بات رضي الله عنه عند خالته ميمونة ، لأنه يعلم أن الرسول صلي الله عليه وسلم سينام عندها تلك الليلة.

فنام في عرض الوسادة، وانتظر حتى جاء الرسول صلي الله عليه وسلم فأوهمهما أنه نائم رضي الله عنه، ونيته من المجيء أن يستفيد من المعلم الأول صلي الله عليه وسلم ، وليعلم كيف صلاته قيامه في الليل.

فلما قام صلي الله عليه وسلم يقضي حاجته أحضر له ابن عباس الماء ووضعه في مكان قريب منه، فلما رأي صلي الله عليه وسلم الماء عنده عرف أنه من ابن عباس فقال: (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)).

وهذه الدعوة النبوية المباركة هي من أعظم ما حازه ابن عباس في حياته كلها، حيث أثرت على مستقبله فجعلته حبر الأمة وترجمان القرآن.

ثم قام صلي الله عليه وسلم يصلي فقام ابن عباس عن يساره ، فجعله صلي الله عليه وسلم عن يمينه، فصلي معه ما شاء الله، ونعم بليلة سعيدة هانئه هي اهنأ من لياليه عند أبيه وأمه.

ومر صلي الله عليه وسلم يوماً من الأيام بابن عمر وهو صغير فأخذ بمنكبه وقال له: (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 3341
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره


وهذه وصية ما نسيها ابن عمر رضي الله عنهما، بل بقيت تطن في رأسه حتى مات.

يعطونه الخلافة فيتذكر حديث: (( كن في الدنيا كأنك غريب )).

يقدمون له الذهب والفضة فيتذكر حديث : (( كن في الدنيا كأنك غريب)).

يسجد عند المقام ويبكي في السجود ويقول: اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة إلا من مخافتك يا رب العالمين.

ومر صلي الله عليه وسلم يوماً فوجد الحسن يأكل من تمر الصدقة؛ وبنو هاشم محرمة عليهم الصدقة، لأنها أوساخ الناس وهم أطهار، قلوبهم طاهرة وبطونهم طاهرة.

فقال صلي الله عليه وسلم : (( كخ كخ، أما تدري أنا لا نأكل الصدقة)).

الراوي: أبو هريرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1069
خلاصة حكم المحدث: صحيح


و(( كخ كخ)) لفظ تستخدمه العرب زجراً للطفل عن عمل أي شيء غير مناسب.

مات ابنه صلي الله عليه وسلم وعمره سنتان وأشهر، وقيل: أقل من ذلك.. فأخذه بين يديه وقال ودموعه تهراق صلي الله عليه وسلم بأبي وأمي: (( تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) فهذا من رحمته بهؤلاء الصغار إذا حلت بهم مصيبة أو كارثة.

وفي الصحيح أن زينب ابنته صلي الله عليه وسلم أرسلت إليه أن يأتي إليها فإن ابنها في سكرات الموت.

والرسول صلي الله عليه وسلم كان مشغولاً بوفد من وفود العرب فقال: (( أبلغوها مني السلام وقولوا لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطي، وكل شيء عنده بأجل مسمي، فلتصبر ولتحتسب)).

فأخبروها فقالت : والله ليأتين.

فقام صلي الله عليه وسلم ومعه جل الصحابة، وقدم له الطفل ونفسه تقعقع كأنها في شن، وأخذت دموعه تهراق صلي الله عليه وسلم النبي صلي الله عليه وسلم فيقول ابن عوف: ما هذا يا رسول الله؟
قال: (( هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)).

وأتي الأقرع بن حابس ـ والحديث في الابخاري ومسلم ـ وكان صلي الله عليه وسلم يقبل الأطفال.

فقال الأقرع : تقبلون الأطفال عندكم؟

قال : ( نعم)).

قال: والله إن عندي عشرة أطفال ما قبلت واجداً منهم.

وكان يظن أن الرسول صلي الله عليه وسلم سيقول له: شكراً لك ‍‍!!

لكنه صلي الله عليه وسلم قال : (( وما أمك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك))

الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5998
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


لأن تقبل الأطفال رحمة، وكان يفعله صلي الله عليه وسلم كثيراً.

وصح عنه صلي الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: (( غني لأدخل في صلاتي فأتجاوز فيها مما أسمع من بكاء الطفل خشية أن اشق على أمة)).

وعند البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عن الحسن والحسين: (( هما ريحانتاي في الدنيا)).

يقول ابن تيمية في مقتل الحسين بأنه من أعظم المصائب على المسلمين، وعلى المسلم إذا تذكر تلك القصة أن يقول: ( إنا لله وإنا إليه راجعون).

فنحن نحبه في الله لأنه من عباد الله ومن أولياء الله ولقرابته من الرسول صلي الله عليه وسلم .

وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة قال: صلي بنا صلي الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قيل العصر وقيل الظهر، فحمل أمامه بنت زينب في الصلاة على كتفه صلي الله عليه وسلم يصلى بها.

فتصور المشهد .. إمام البشرية يجمل طفلة وهو يصلى بالناس صلاة الفريضة بالمسجد.

أي رحمة.. وأي عطف هذا؟

قال: فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.
وقد صلى الإمام الشوكاني في صنعاء ، فلما سجد سقطت عمامته في المحراب فأخذها وردها.

فأنكر عليه الناس وقالوا: تحمل العمامة وأنت في الصلاة ؟

فقال: حمل العمامة أخف من حمل أمامة؟.

وأما العنصر الرابع فمن أحكام الأطفال، وأنا أعرضها عرضاً موجزاً.

1- أحكام الأطفال أنه ينضح على بول الغلام ويغسل بول الجارية، لما ثبت في الحديث عند أبي داود والترمذي وغيرهما، كما سبق.

وذلك ما لم يأكل الغلام الطعام، فإذا أكل غسل من بوله.

قال الشافعي : لأن حواء خلقت من ضلع آدم فهي من لحم ودم، وأما الطفل فهو من تراب لأن اصل أبيه من تراب.

وهذا اجتهاد منه رحمه الله.

2- تصح إمامه الطفل لأنه ثبت في صحيح البخاري أن عمرو بن سلمة أم قومه وعمره سبع سنوات.

لكن أطفالهم كانوا كباراً في الفهم كباراً في الرجولة. ليسوا كحالنا الذي يبلغ فيه بعض الناس العشرين وهو سفيه.

فليس المقياس بالسن لكنه بالعقل والفهم عن الله عز وجل.

دخل الناس يبايعون عمر بن عبد العزيز وفيهم طفل صغير فسلم وأراد ان يتكلم، فقال عمر بن عبد العزيز: دونك يا طفل فيهم من هو أكبر منك.

فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كان الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أولى منك بالخلافة!!
هل رأيت رداً أحسن من هذا؟

3- متي يجاهد الطفل؟

بين أهل العلم خلاف: فالإمام أحمد يقول: أري في الخامسة عشر للحديث في الصحيحين ، قال ابن عمر: عرضت على رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سن فأجازني.

وقال سمره بن حندب: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستعرض الأطفال للجهاد يريد ان يري من هو القوي منهم فيقبله.

قال: فعرضت عليه فردني.

فبكي سمره.. بكي على ترك الجهاد.

وقبل صلي الله عليه وسلم رافع بن خديج.

فقال سمره: يا رسول الله تقبل رافع بن خديج وأنا اصرعه؟!.

قال: (( صارعه أمام الناس)).

فتصارع هو ورافع فصرعه سمره، فأجاز سمرة.. فهو ما دام صرعه فهذا دليل على أنه يستطيع أن يحمل السلاح ويستطيع أن يقاتل .

4- وأما سن الرواية وهو التحمل فيختلف باختلاف الأشخاص.

يقول موسى بن هارون أحد المحدثين: إذا فرق بين الدابة والحمار..والدابة هي الحمار!

وبعضهم قال: إذا ميز الخير من الشر.. وهذا أمر نسبي.

وقال بعضهم: بل في السابعة ونحو ذلك.

وقيل: في الخامسة ، أن الحسن حفظ حديث: (( دع ما يريبك إلى ما لا يربيك))

الراوي: الحسن بن علي بن أبي طالب المحدث:الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2518
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح


في الخامسة.

والصحيح انه إذا ميز وأصبح عاقلاً يدرك ماذا يقال له واصبح مستعداً للتعليم فإنه يقبل منه.

أما العنصر الخامس وهو الأخير فالأطفال الكبار.

فهم أطفال نعيش معهم في التاريخ، كبار في إيمانهم ، وكبار في مقاصدهم، وكبار في منهجهم وحياتهم.

يعيشون أطفالاً بأجسام الأطفال، لكنهم كبار في معتقداتهم وطموحاتهم ومقاصدهم.

1- ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد سبق معنا حرصه علي العلم والتعلم والاستفادة من حياة الرسول صلي الله عليه وسلم ، وهمته العالية التي جعلته ينظر للمستقبل ليتخيل نفسه قائداً وعالماً ومفسراً للأمة الإسلامية.. وقد تم له ذلك.

2- أسامة بن زيد يقود الجيوش العظيمة وهو صغير السن، حيث كان في أفراد جيشه كبار الصحابة وفضلاؤهم ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلى الخلفاء الراشدون.

فأي علو هذا؟ أن يكون هذا الفتي قائداً لأولئك الغر الميامين.

3- ابن الزبير : أول مولود في المدينة صاحب الحنكة السياسية والدهاء.

وقصته مشهورة مع عمر رضي الله عنه عندما فر الأطفال وهو لم يفر شجاعة وصلابة أمام فاروق الإسلام، فلما سأله قال: لم أعمل جرماً فأخاف منك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك !

فانظر إلى بلاغة الإجابة وحريتها وسموها.

4- أبو محذورة من فتيان مكة، يخرج يرعي الغنم فيعود مؤذناً لأهل مكة ببركة دعاء النبي صلي الله عليه وسلم له.

5- محمد بن القاسم يفتتح الهند والسند وهو فتي كما تعلمون، في جيش قوامه مائة ألف موحد وهو القائد آنذاك.

وهكذا غيرهم من فتيان هذه الأمة وأطفالها الذين كانوا صغاراً في السن لكنهم كانوا كباراً في العقل والفهم والهمة.

أسأل الله لي ولكم قره عين من أبنائنا، وان يجعلهم عبادا صالحين يخدمون هذا الدين الخالد في كل مكان.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

أحكام المولود

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد ..
إنها لبشري سارة ولفتة عجيبة أن يتجه شباب الإسلام أو معظم شباب الإسلام اتجاهاً علمياً إلى الكتاب والسنة، ويحرصوا على ميراث محمد صلي الله عليه وسلم ، ويبدأوا تحصيلهم العلمي جازمين على العودة إلى الله سبحانه وتعالي.
وهي بشري تفرح المؤمن ، لنه لا رسالة إلا بعلم ، ولا علم إلا قال الله وقال رسوله صلي الله عليه وسلم . فالحمد لله الذي جعل من هؤلاء الشباب شباباً يحرصون على العلم النافع المبني على الكتاب وعلى السنة، وعلى تخريج الأحاديث ، وعلى مراجعة أصول الإسلام، وعلى تحقيق المسائل.
قال البخاري...عن سلمان بن عامر الضبي قال صلي الله عليه وسلم : (( مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى))، رواه مع البخاري الجماعة إلا مسلم.
وفي العقيقة مسائل أوردها لكم متتالية:
أولها: تعريف العقيقة.
ثانيها: حكمها.
ثالثها: ما معني إماطة الأذى؟
رابعها: ما معني كل غلام مرتهن بعقيقته؟
خامسها: ما معني تذبح عنه يوم سابعة؟
سادسها: ما معني متكافئتان.
ثامنها: قولها صلي الله عليه وسلم : (( لا احب العقوق لما ذكرت العقيقة ، بينما قال: (( كل غلام مرتهن بعقيقته))، فكيف نجمع بين اللفظين؟
تاسعها: قوله: (( ويطلخ بزعفران)) ، ما معني ذلك؟
العاشر: عقه صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.
الحادي عشر: التصدق بالفضة.
الثاني عشر: الأذان في أذن المولود يوم تلده أمه، وهل الإقامة سنة أم لا؟ وتحقيق الكلام في ذلك.
الثالث عشر: استحباب تحنيك المولود وبماذا يحنك؟
وما هو التحنيك؟
الرابع عشر: الأسماء المختارة والأسماء المنهي عنها.
الخامس عشر: هل يجزئ غير الضأن في العقيقة.
السادس عشر: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟
السابع عشر: متي تبح العقيقة؟ وهل تكسر عظامها؟
أقول مستعيناً بالله.
أما العقيقة: فهي مشتقة من العق، وهو القطع والشق.. يقال: عققت اللحم أي قطعتها، وعقت الثوب أي شققته، وعققت الحبل أي قطعته. فهي الشق والقطع، وهي الذبيحة التي تذبح للمولود.
ولا يصح أن تسمي تميمة بل عقيقة، تذبح في اليوم السابع. يقول أحد شعراء العرب:
نفلق هـاماً مـــن رجـــال أعزة
علينا وهم كانوا أعق وأظلمــــا

يقول: نقطع رؤوساً عزيزة علينا وأقارب ، لكنهم ظلمونا وجاروا علينا.

استشهد بهذا البيت كما في السير يزيد بن معاوية لما قتل الحسين بن على .
أما حكم العقيقة ففيها أقوال ثلاثة:
1-قال أبو حنيفة: إنها من أعمال الجاهلية ، وأنها ليست بسنة ولا واجب ولا يفعلها إلا جاهلي!
وهذا القول خطأ منه رحمه الله، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا محمد صلي الله عليه وسلم .
2- وذهبت الظاهرية والليث والحسن البصري إلى أنها واجبة.
واستدلوا بقول الرسول صلي الله عليه وسلم : (( كل غلام مرتهن بعقيقته، فقالوا: ما دام أنه مرتهن فهي واجبة.
3-وتوسط الجمهور فقالوا: هي سنة وليست بواجبة، لقوله صلي الله عليه وسلم في السنن بسند حسن: (( من شاء أن ينسك عن ولده فليفعل ، ومن شاء فليترك)).
أما ابن تيمية وابن القيم فقالا: هي مشروعة.. دون تحديد للحكم.
والأقرب أنها سنة، والأحسن للعبد أن يعق عن ابنه وأن يذبح ، فإن لم يفعل فلا يلزم ولا يحبس ولا يسجن، ولا يطاف به في العشائر والقبائل ويضرب بالجريد والنعال ويقال هذا جزاء من ترك العقيقة عن ابنه!!
لا .. فالأمر أيسر من ذلك.
ما معني إماطة الأذى؟
يقول صلي الله عليه وسلم : (( مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى))، الأذى هو: الشعر.
قال ابن سيرسن في سنن أبي داود: ( إن لم يكن الأذى الشعر فلا أدري ما هو).
فمن السنة إذا ولد مولود أن تحلق شعر رأسه، وهو إماطة الأذى.
والشوكاني يعمم ويقول: الشعر وغير الشعر، فالأذى فيه عموم فينظف ويحلق شعره.
وهذه سنة الإسلام.. في سنن أبي داود عن قيس بن عاصم المنقري أنه لما أسلم أمره صلي الله عليه وسلم أن يختتن وأن يلقي عنه شعر الكفر.
قوله : (( كل غلام مرتهن بعقيقته))، ما معني مرتهن؟
لأهل العلم رأيان في قوله:(( مرتهن بعقيقته)).
1- قال الإمام أحمد رحمه الله: (( مرتهن بعيقته))، أي أنه إذا مات وهو طفل لا يشفع في والديه حتى يعق عنه.. لأنه مرتهن أي ممنوع من الشفاعة.
فالطفل يشفع لوالديه إذا مات صغيراً.. ولذلك ندعو له في صلاة الجنازة بأن يشفع لوالديه.
2- وقال بعض العلماء : أي أنه لا يسمي ولا يحلق إلا بعد ذبح العقيقة، فالتسمية والحلق رهينة بالذبييحة.
وهذا كأنه قريب ـ عن شاء الله ـ ولا باس بإدخال قول الإمام أحمد، فالكل ليس عنده دليل تأصيلي تفصيلي، فلا بأس ان يجمع بين هذا القول وقول الإمام أحمد.
متى يذبح عنه؟
السنة أن يذبح عنه في اليوم السابع لحديث أبي داود والترمذي والبيهقي ، وهو حديث صحيح أنها تذبح في اليوم السابع.
فإنه فاته ففي الرابع عشر.
فإن فاته ففي الحادي والعشرين، قاله الترمذي.
وتوقف الشوكاني وطالب الترمذي بالدليل .. لأن ديننا مبني على الدليل.
فنقول للشوكاني وغيره: قد روى البيقهي بسند يقبل التحسين: أنه إذا فات اليوم السابع فتذبح عنه في اليوم الرابع عشر..فإن فات ففي الحادي والعشرين.
فإنك فاتك فلا بأس أن تقضيها ، وإن كبر الابن فعند الطبراني أن الرسول صلي الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما كبر.
ولكن الحديث ضعيف.
وهنا مسائل :
1- هل يجوز أن يتبرع بالذبح عنه غير الوالد؟
الصواب أنه لا يشترط أن يكون الوالد.. لأنه قد يكون فقيراً أو معدماً أو محتاجاً، فتقبل من غيره.
2- ومنها أنه لا بد أن يكون الذبح في اليوم السابع، أما بله فلم يرد بذلك نص ، ولو أن بعض الفقهاء يقولون: يجوز قبل ذلك..لكن هذا مخالف للنص.
3- ورد في بعض الألفاظ ( ويدمي) بدلاً من ( يسمي)،وهو غلط من أحد الرواة. ولكن قال قتادة: يدمي أي يؤخذ من دم الذبيحة بصوفة ويجعل على بطنه ثم رأسه.
وقال بهذا أيضاً ابن عمر وعطاء والحسن.
لكن الصحيح أن هذا خطأ ووهم من (همام) في هذه الرواية، لقوله صلي الله عليه وسلم عند ابن ماجه من حديث يزيد بن عبد الله المزني: (( يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم))، وهذا نص.
قالوا لنا: الحديث مرسل.. وصدقوا.
عبد الله بن يزيد بن عبد الله المزني تابعي وأبوه عبد الله المزني صحابي فهو لم يرو عن أبيه فانقطع السند.
لكن الأقرب أيها الأبرار أنه لا يدمي لأن التدمية من أفعال الجاهلية، فقد ورد في السنن أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك، فلما أتي الإسلام منع من ذلك.
وقال صلي الله عليه وسلم ـ كما عند ابن حبان ـ : (( واجعلوا مكان الدم خلوقاً)) وفي رواية حسنة: (( زعفران))، أو ما يقوم مكانه من الأطياب.
أما المسألة السادسة: فمعني التسمية.. عند ابن أبي شيبة في المصنف قال: يسمي في اليوم السابع على معنيين:
1- إما أن يسمي في اليوم السابع وهو الصحيح.
2- وقيل يسمي على الذبيحة، أي يقول على عقيقته ( بسم الله).
وأما المسألة السابعة : فقوله: (شاتان متكافئتان) كما في السنن.
معناها أنهما متقاربان في السنن.. فلا تكون هذه كبيرة والأخرى صغيرة.
وقيل: متكافئتان في النوع: فلا تكون هذه ماعز وهذه ضأن، أو هذه ضأن عراقية وهذه نجدية.
ولكن هذا تكلف، والصواب أن تكونا متقاربتين في السن،
ولا بأس أن تكون تيساً وكبشاً يعني من الضأن، ولا بأس أن تكونا أنثيين ، ولكن الذكرين أحسن.
وقال مالك بن أنس رحمه الله: شاة عن الذكر وشاة عن الأنثى ، واستدل بحديث بريدة: (( كنا نذبح شاة عن الذكر)).
قلنا : الحديث فيه كلام.
قال: وعن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: عق رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين شاة شاة.
قلنا: لا ، بل ورد أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة)).
فيقال لك:
1- إما أن تكون زيادة الشاة زيادة ثقة فتقبل .
2- أو أن نقول: القول مقدم على الفعل .. فالرسول صلي الله عليه وسلم عق عن الحسن شاة وعن الحسين شاة ولكنه قال للناس: (( عن الغلام شاتان)).
فالقول عند أهل الأصول يقدم على الفعل.
المسألة الثامنة: يقول صلي الله عليه وسلم في حديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وسنده صحيح لما قالوا له: يا رسول الله كيف العقيقة؟
قال: (( لا أحب العقوق)).
قال الرواي: كأنه كره الاسم صلي الله عليه وسلم .
فالرسول كره العقوق .. لكنه صلي الله عليه وسلم قال كما تقدم في الصحيح: (( لكل غلام مرتهن بعقيقته))، و(( مع الغلام عقيقة)).
والجمع أن يقال: أن الرسول صلي الله عليه وسلم كره الاسم.
وأما قوله لذلك فهو دليل على الجواز، والجواز لا يمنع من الكراهة. هذه قاعدة اصوليةن فربما يكون الأمر مكروهاً لكنه جائز أحياناً.
فالأفضل ألا نقول عقيقة لأن الرسول صلي الله عليه وسلم لما قال : (( مع الغلام عقيقة)) خاطبهم بلغتهم التي يفهمونها .. ولما قال : (( أكره العقوق)) أراد أن يترفع عن هذه الألفاظ.
المسألة التاسعة: قوله: (( ونلطخه بزعفران)).
والزعفران نبت معروف يسحق ويوضع معه خلوق ويوضع على الرأس .
قال أهل العلم: فيه الدليل على استحباب تلطيخ رأس المولود بالزعفران أو غيره من الخلوق الذي يشابهه ، كالمر والحناء أو الكتم أو ما يشابهه.
المسألة العاشرة: عقه صلي الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.. فيه دليل على نه يجوز أن يعق غير الأب عن المولود ... وقد سبق هذا.
وفيه أنه إذا مات الوالد فعلى المتكلفين بالنفقة أن يعقوا عنه.
المسالة الحادية عشر: التصدق بالفضة. ورد أنه يتصدق بوزن شعره ورقاً: أي فضة.
فيقدر ببعض الريالات أو ببعض المال ويتصدق به.
وهل يجزئ الذهب مكان الفضة؟
قال أهل العلم: نعم، فقد روى الطبراني في الأوسط بسند فيه رواد بن الجراح وهو ضعيف: (( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر بست.. منها أن يتصدق عن المولود بذهب)).
ولكن الصحيح أنه يتصدق بفضة لأن هذه الرواية ضعيفة.
لكن إذا تصدقت بذهب أو بفضة أو بشيء من الدراهم فالأمر سهل.
المسألة الثانية عشر: الأذان في أذن المولود، فقد ورد عنه صلي الله عليه وسلم في سنن أبي داود : (( أنه أذن في أذن الحسن)).
والحكمة أن ينشأ الطفل على ( لا إله إلا الله) وهو صغير، ويكون أول ما يطرق أذنه( لا إله إلا الله).
أما الإقامة فلم ترد إلا من فعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فأنت تؤذن فقط، أما الإقامة فلا.
المسألة الثالثة عشر: استحباب تحنيك المولود: فمن السنة إذا ولد لك مولود أن تأخذ شيئاً من تمر أو عسل أو شيئاً حالياً كالسكر وتضعه في فم الطفل.
أتي صلي الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة لما ولد فأخذه صلي الله عليه وسلم ومضغ تمرة بريقه الطاهر صلي الله عليه وسلم ثم وضعها في فمه فأخذ الطفل يتلمظ التمر.
فقال صلي الله عليه وسلم وهو يتبسم : (( انظروا لحب الأنصار للتمر))!!.
المسألة الرابعة عشر: الأسماء المختارة.
من السنة أن تسمي ابنك في يوم السابع وتختار الاسم الإسلامي اللطيف، لا أسماء الخواجات أعداء الرسل وأعداء الكتب وأعداء الرسالات.
فمن الأسماء المختارة ( عبد الله) و ( عبد الرحمن) ، لأنهما اسمان حبيبان إلى الله، صح بهذا الحديث.
بشرط أن يكون اسم الله وارداً في الكتاب والسنة وليس مخترعاً من عندك! فلا تأتي بأسماء وتركبها وتقول ( عبد اليقظان) ( عبد الموجود) ( عبد الساهر) ، فهذا لم يرد.
وقد نهي صلي الله عليه وسلم عن بعض الأسماء : فقد نهي صلي الله عليه وسلم في سنن أبي داود عن اسم يسار ورباح ونجيح وأفلح، لأنه يتشاءم بها، فإذا قلت لأهلك: أيسار في البيت؟
قالوا: ليس فيه يسار .
فكأنك ستشاءم ، وهكذا ألفح ونجيح ورباح.
ومنها أسماء للبنات مكروهة مثل ختنة وعاصية وغاوية ومتخلفة وبليدة وغبية!
والإنسان يتأثر باسمه وصفته ولقبه..فعلى الإنسان أن يحرص على الاسم الإسلامي القوي..ولا يتشاءم ، أي لا يختار اسماً يتشاءم به.
وفي الموطأ للإمام مالك أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال لرجل: (( قم احلب الناقة، ما اسمك؟)).
قال: حرب .
فقال له: (( اجلس)).
فقال للثاني: (( ما اسمك))؟
قال : مرة.
فقال للثالث: (( ما اسمك))؟
قال: صخر.
فقال للرابع: (( ما اسمك))؟
قال: يعيش.
فقال له: (( احلب الناقة)) فحلبها.
فالرسول صلي الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل.
المسألة الخامسة عشر: هل يجزىء غير الغنم في العقيقة كالبقر والإبل؟
والجمهور على إجزاء البقر والإبل ، لما روى الطبراني عن أنس قال: (( يعق عنه من الإبل والبقر والغنم)).
وقال الإمام أحمد: من عق عن ابنه بدنة يعني ناقة فليجعلها كاملة.
فالصحيح أنه يجوز أن يعق بالإبل والبقر عن المولود ، فلك أن تعق ببدنة عن ابنك، وتكفيك عن شاتين ، والأحسن شاتان.
ولا يشترك فيها ـ أي البدنة ـ سبعة ولا عشرة ، لأن تلك في الأضحية وهذه في العقيقة، فلا يشترك في العقيقة سبعة ولا عشرة.
المسألة السادسة عشر: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟
أي: أن لا تكون عوراء ولا هتماء أو عرجاء ولا شرقاء، إلى غير تلك الأوصاف التي وردت في حديث على.
الصحيح أنه لا يشترط، لأن العقيقة غير الضحية.. فالأضحية قد خصص الرسول صلي الله عليه وسلم القول فيها.
ومن قال بذلك لزمه أن يقول أن كل ولائم السنة يشترط فيها ذلك، كولائم الزواج، لأن بعضهم أوجب وليمة الزواج.

المسألة السابعة عشر: وقت ذبح العقيقة:

لأهل العلم أقوال:
1- قالوا: تذبح بعد الفجر.
2- وقيل : من طلوع الشمس أو من وقت الضحي.
3- وقيل غير ذلك.
4- وقيل: تجزىء من الليل.

والصحيح أنه ليس لها وقت محدد، أعني في ساعات اليوم..

وإلا فإنها كما سبق تذبح في اليوم السابع.

وينبغي أن تجعل العقيقة جدولاً. أي: أن تقسم الأعضاء من المفاصل.. ولا يكسر العظم تفاؤلاً ألا يكسر عظم هذا المولود.

والحديث في ذلك من مراسيل أبي داود عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين (( ولا تكسروا منها عظماً)). وهذا المرسل قد سكت عنه ابن القيم.. وهو مما يستأنس به.

والأفضل أن يفعل بلحمها بعد الطبخ ما هو الأنفع.. فإذا كان جيرانك فقراء ومحتاجين للحم. . فأعطهم منها.
وإن دعوت ضيوفاً عليها فلا حرج.

فأنت مخير بين التصدق بها أو دعوة الضيوف عليها.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

حقوق الأبناء

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حديثي في هذه الأوراق عن الآباء ومسؤولياتهم.. ويا لها والله من مسؤولية عظيمة ألقاها الله عز وجل على عواتقهم من فوق سبع سماوات ، يوم يقول سبحانه لرائد البيت المسلم( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).

فجيلنا الصالح ابتداء من موكب الأنبياء الكريم يحملون التبعة على أنفسهم، فيقومون بتربية النشء والجيل تربية يريدها الله ويحبها الله.

والله عز وجل قص لنا في محكم كتابه الكريم قصصاً عن الأنبياء والصالحين في ذلك.
أما يقول الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام يوم يتلطف مع يوسف ويأخذه بالرفق واللين:(يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً...)(يوسف: الآية5).

أما يقول لقمان وهو يربي ابنه التربية التي يرضاها الله ويريدها الله: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ )(لقمان: الآية13) ، فقد غرس الإيمان والتوحيد في قلب الطفل لينشأ عابداً لله عز وجل.
وأول ما يسقط الطفل على الأرض فهو يسقط مسلماً حنيفاً، يقول صلي الله عليه وسلم : (( ما من مولود يولد إلا يولد علي الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) أو كما قال صلي الله عليه وسلم .

ولــدتك أمــك باكيــاً مستصرخاً
والناس حولــك يضحكـــون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكــــوا
في يوم مـــوتك ضاحكــاً مسرورا


يوم يقع الطفل على الأرض يكون المسؤول الأول عنه هو : الأب ، فواجبه أن يقوده إلى بر السلام وإلى طريق الجنة.

فلقمان عليه السلام يقول لابنه: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّه)(لقمان: الآية13) ، احذر أن تكون مشركاً.. احذر أن تجعل لله نداً.. احذر أن تعتقد أن هناك مع الله شريكاً.

ثم قال (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة)(لقمان: الآية17) ، هل سمعت أسلوباً أعجب من هذا؟
هل سمعت جودة أعظم من هذه الجودة؟
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(لقمان: الآية17)ثم قال: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ )(لقمان: الآية17).
فعلم أنه بعد أن يقيم الصلاة وبعد أن يأمر وينهي.. سيواجه شيئاً من المتاعب والمصاعب.. فقال له: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ )(لقمان: الآية17) .
ثم قال له: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18)، أي لا تتكبر على عباد الله ولا تزه ولا تكن تياهاً معجباً بنفسك، فأنت عبد للواحد الأحد.

ثم قال عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:19) فكن أديباً موجهاً.. كن متواضعاً .. سهلاً ليناً.

والرسول صلي الله عليه وسلم اعتني بتربية الأبناء.. بل هو المربي الأعظم صلي الله عليه وسلم ، بل هو الذي نشر الفضيلة في الجيل.. بل هو الذي أنقذ الله به أهل الضلالة من ضلالتهم وأهل العماية من عمايتهم.

إن البرية يوم مـبعث أحمــد
نظر الإله لها فبدل حالهـــا

بل كرم الإنسان حين اختــار من
خير البرية نجمـــها وهلالها




وفي سنن الترمذي بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما قال: كنت ردف رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لي: (( يا غلام)).

قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله.

قلت : (( يا غلام)).

قلت: (( لبيك وسعديك يا رسول الله.

قال: (( يا غلام)).

قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله.

قال: (( أني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، تعف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله . واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على ان يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك..
رفعت الأقلام وجفت الصحف)).

إي والله! احفظ الله يحفظك..فهل أوصى الآباء أبناءهم بهذه الكلمة؟

وهل قال الأب لابنه يوم يودعه في الصباح إلى عمله أو إلى مدرسته أو إلى مزرعته: (( احفظ الله يحفظك)).

يقول أحد علماء الأندلس وهو يوصي ابنه:

وإذا خلوت بريبة في ظـــلمـــة
والنفس داعـــية إلـــى الطــغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لـــها
إن الذي خــلق الظــلام يـــرانــي


نعم! إنه غرس الرقابة والخشية في قلوب الأبناء لينشأوا والخوف يملك جوانحهم من الواحد الأحد، هذه تربية الإيمان التي أرادها الله.

ويقول الأندلسي الآخر وهو يوصي ابنه:

أبا بكـــر دعـــوتك لو أجبـــت
إلـــى ما فيه حــظك لــو عقـــلت
إلــى عــلم تــكون بـه إمامـــاً
إن نهـــيــت وإن أمــــــــرت
ويجلــو ما بقلبــك من عمـــاها

ويهديـــك السبيــــل إذا ضــــللت
ويقول جعفر الصادق ـ رضي الله عنه وارضاه ـ وهو يوصى ابنه:

يا بني لا تصاحب فاجراً ولا عاقاً ولا بخيلاً ولا كذاباًن فإن الفاجر قد استحق لعنة الله.. وإن العاق قد أدركته ظلامه أبيه وأمه.. وإن البخيل يبيعك أحوج ما تكون إليه.. وإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب.

وحبيب بن زيد تربيه أمه تربية صادقة خالصة لوجه الله.. فينشأ مجاهداً ..ويرسله صلي الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الدجال في اليمامة فيدخل على مسيلمة وعمره ما يقارب العشرين.

فقال له مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال: نعم.

قال: أتتشهد أني رسول الله؟

قال: لا اسمع شيئاً.

فأخذه وقطعه إرباً إرباً، وهو لا يعود عن دينه.

من ذا الــذي رفع السيوف ليرفـــع
اسمك فوق هامات النجوم منــارا
كنا جبالاً في الحبـــال وربــــما
صرنــا على موج البحار بحارا
أرواحنا يا رب فــوق أكــفنــــا
نرجو ثوابك مغنمـــاً وجوارا


الخنساء رضي الله عنها وأرضاها وهي النخاعية تحضر بأبنائها معركة القادسية وهم أربعة، ربتهم على الاستقامة والصلاة وعلى الذكر.. فلما حضرت المعركة قالت لهم: يا أبنائي أنا أمكم.. والله ما خنت أباكم، والله ما خدعت خالكم، فإذا حضرت المعركة فيمموا أوجهها واقبلوا على أبطالها، وقاتلوا رجالها عسي الله أن يقر عيني بشهادتكم.

وبدأت المعركة وقتل الأربعة في أول النهار، وجاء بعض المسلمين يخبرها بذلك.. فتبسمت وفرحت كثيراً.ز وقالت: الحمد لله الذي أسعدني بشهادتهم في سبيله!

الأم مدرســـة إذا أعـــــددتــــها
أعـــددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعاهــــــده الحيا
بالــري أورق أيــما إيـــراق


وأسماء بنت أبي يكر رضي الله عنها وأرضاها ذات النطاقين اللذين جعلهما الله عز وجل ساماً لها في الجنة.. تقول لابنها عبد الله بن الزبير الفارس المصلوب الذي صلب في الحجون.

تقول له وقد أتي يستسلم خوفاً من الحجاج بن يوسف الثقفي يا بني أصبر فإنك على الحق.

قال: يا أماه إني أخاف إذا ذبحوني أن يسلخوني ويقطعوا جسمي.

قالت: يا بني لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها.

فثبت على الحق ولبس أكفانه ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه.

· حق الأبناء على الآباء:

1- اختيار الزوجة الصالحة.

فما هي مواصفات الزوجة الصالحة؟

يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (( تنكح المرأة لأربعك لمالها
ولجمالها واحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك
)). فالدين هو أهم شيء في المرأة .. فيجعل الدين هو الأصل وما بقي تبع.

ونحن نؤمن أن الجمال مطلوب، وأن الحسب مرغوب، وكذا المال، كل هذا كما قلت لكم يأتي تبعاً للدين.. لأنه يوم أسيء الاختيار في بعض الأماكن نشأ الجيل معوجاً لا يعرف الله ولا الدار الآخرة.. لأنه تبع لتربية أمه.

فأول مسؤولية الآباء اختيار الزوجة الصالحة التي تريد الله والدار الآخرة.. ولا عبرة والله بالمرأة التي لا تريد الله، ولا تعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم .
أما أزري الله عز وجل على امرأة نوح؟
أما عاتب ولام وندد بامرأة لوط؟
ولكنه سبحانه وتعالي مدح امرأة فرعون في بيت فرعون وهو ملحد .. لأن السبب هو الإيمان والتقوى.

حكمة الاتصال: يقول سبحانه وتعالي: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)(الرعد: الآية38) إن اتصال الرجل بالمرأة في الإسلام أمر شريف وليس كما ادعاه أعداء البشرية من أنه لأجل الشهوة الجامحة، بل الحكمة هي إعمار الأرض بوجود الذرية الذين يحملون الرسالة ويحملون الهداية للناس، وإخراج جيل عظيم من الزهاد والعباد والقادة.

فأين ذهبت تلك الحكمة عن تلك العقول والأدمغة التي ما عرفت الطريق إلى الله؟

ولذلك قال البخاري في الصحيح وهي: أن يبدأ الأب بالبذل والعطاء وبإعلان الفرحة وشكر الله على هذه النعمة.

فالأبناء نعمة من الله .. وأي نعمة.

وقد دعا أحد الأنبياء ربه يقول: ( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(الانبياء: الآية89).

وكل مولود مرتهن بعقيقته حتى يعق عنه.

وكذلك من السنة أن يحلق رأسه وان يتصدق بوزنه فضة أو ما يعادلها من المال، وهذا أمر ثبت عنه صلي الله عليه وسلم ، ذكره ابن القيم في كتاب ( تحفة المودود بأحكام المولود) ومعني ذلك أنه تفاؤل بأن الله يحط أخري قد لا تظهر لنا.

2- ومن حقوق الأبناء على الآباء: اختيار الاسم الطيب.. وفي الحديث الصحيح: (( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)).

أما الحديث الذي يقول : (( أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد)) فهاذ لا يصح..ولكن كل اسم فيه لفظ العبودية طيب وحبيب إلى القلوب، لماذا؟

لأن ابنك يوم يتردد على سمعه هذا الاسم ( عبد الرحمن) ( عبد الوهاب) ( عبد السلام) .. يتذكر الصلة بينه وبين الله الذي شرفه بالعبودية.

ونهي صلي الله عليه وسلم أن يسمي ببعض الأسماء .. فقد جاءه رجل فقال صلي الله عليه وسلم : (( ما اسمك؟)).

قال: غاوي ابن ظالم.

قال صلي الله عليه وسلم : (( بل أنت راشد بن مقسط))ـ فغيره صلي الله عليه وسلم تفاؤلا بأن يكون راشدا مقسطاً.


وفي موطأ الإمام مالك أنه صلي الله عليه وسلم قال لرجل: (( قم احلب الناقة، ما اسمك))؟
قال: صخر
قال: (( اجلس)).
فقال للرجل الثاني: (( ما سمك))؟
قال: حرب
قال: (( اجلس)).
فقال للثالث: (( ما اسمك))؟
قال: مرة.
قال: (( اجلس)).
فقال للرابع: (( ما اسمك))؟
قال: يعيش
قال : (( قم فاحلب الناقة)).
إنه التفاؤل في الأسماء الطيبة التي تورث الحب وحسن الطالع.
3- ومن حقوق الأبناء على الآباء: الرضاعة الحقة التي يريدها الإسلام، وكثيراً ما أخفق المجتمع الذي نعيش فيه في الرضاعة، إما بأن يسند الطفل إلى غير أمه فلا يكون له علاقة بأمه ولو كانت قادرة على الرضاعة، فينشأ الطفل مبتور الحنان والصلة مع أمه والعطف، فلا تجده ذاك الطفل الذي ينشأ على العطف والأنس بقرب أمه.
فتجد بعض البيوت يفرط في هذا الجانب، فيقدم كثيراً من المرضعات أو الكثير من الوسائل للرضاعة.. ويترك الأم ولو كانت قادرة.. وهذا خطأ ظهرت آثاره في التربية.. فنشأ الأطفال على العقوق والجفاء والقطيعة مع الأمهات.
لأن لبنها ما سري في شرايينه وعروقه.
والله عز وجل ذكر الرضاعة في القرآن فقال: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)(البقرة: الآية233)، وكلما أتم الرضاعة كان أحسن.. وأجود.. ومكن.
واختيار المرضعة إذا اضطررت.. هو من حقوق الأبناء على الآباء ، فلا ترضعه كافرة ولا فاجرة ولا حمقاء ولا سيئة التصرف..فإن لبنها سوف يكون له أثر في عقله وتوجهه.
ولذلك وضع صلي الله عليه وسلم في بادية بني سعد حيث الصفاء والنقاء وحيث الهواء والماء والصحراء.. فتشأ أفصح من فصحاء العرب.. ونشأ أخطب الدنيا.
فالبادية في الجيل الأول لها أثر عظيم في تربية الأولاد.. أما الآن.. فالله المستعان!.
تقول عائشة: ربما رأيت الرسول صلي الله عليه وسلم إذا تهللت أسارير وجهه وأتاه خبر يسره كأنه البدر ليلة أربع عشر وتذكرت قول الشاعر:
وإذا نظـــرت إلى أســـرة وجهه
برقت كبرق العارض المـــنــهلل
والسبب هو جودة الرضاعة.. فكان وجهه يبرق مع ما آتاه الله من القوة والحكمة والجمال.. حتى قيل لأبي هريرة : أكان وجهه صلي الله عليه وسلم كالسيف؟
قال: لا والله.. كالشمس.
وقال أنس: والذي نفسي بيده نظرت لوجه المصطفي صلي الله عليه وسلم ونظرت إلى البدر ليلة أربعة عشر، ولوجه المصطفي صلي الله عليه وسلم أجمل من البدر.
وقد حذر أهل العلم من استرضاع الحمقي لكي لا يأتي الطفل أحمقاً!!
ذكر ابن كثير في ترجمة القاضي شريح وكان من أذكياء الدنيا، أن ثلاث نسوة دخلن عليه فنظر إليهن وقال:
أما هذه المرأة فثيب.
وأما هذه المرأة فحامل بولد.
وأما هذه المرأة فأرضعتها كلبة!!
قيل لشريح: كيف عرفت ذلك؟
فقال: أما المرأة الحامل فعرفتها لأن صوتها ضعيف.
وأما الثيب: فلأنها تنظر للرجال.
وأما الثالثة: فأرضعتها كلبة لأن في يديها رجفة.
فسئلت النسوة فكن كما قال.
4- ومن الحقوق التي للأبناء على الآباء: القدوة: بأن يكونوا قدوة لأبنائهم، لأن الطفل يقلد أباه دائماً.. فالذكر يقلد الأب والبنت تقلد الأم.
وينشأ ناشــيء الفـــتيــان مــنــا
علـــى مـــا كان عوده أبوه
كيف يقول له: كن صادقاً..ثم يكذب!!
فالفعل فعل قبيح..والقول قول جميل..(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44).
تقول للابن : صل في المسجد، ولكن لا يرانا نصلي.
إنه ظلم للعقل، وظلم للعلم، وظلم للتربية، وظلم للإحساس.
نقول للابن : لا تغتب أحداً.. اتق الله في أعراض المسلمين...
ثم نقع في أعراض الناس بسكاكين من القول الجارح.
يا أيها الأبرار ويا أيها الأخيار..إن القدوة أمرها عظيم؛ لأنك ستسأل عن أبنائك يوم القيامة.

هل أمرتهم؟

هل نهيتهم؟

هل نفذت ما نقول؟

أم أنه كلام دون فعل.

يقول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه كما في الترمذي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )(المائدة: الآية105) وأني سمعت الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( إن الناس إذا رأوا المنكر ثم لم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب)).

الراوي: أبو بكر الصديق المحدث:الألباني - المصدر: شرح الطحاوية - الصفحة أو الرقم: 504
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فلا يصح أن نصلح في أنفسنا.. وأبناؤنا غير صالحين.

نقرأ ونتهجد بالقرآن.. وأبناؤنا في المقاهي والملاهي.

نقرأ كتب العلم الراشدة.. وأبناؤنا مع المجلة الخليعة ومع القول السخيف.

5-ومن حقوق الأبناء على آبائهم: أمرهم بالصلاة في السابعة ، وضربهم عليها في العاشرة، والتفرقة بينهم في المضاجع.

يوم يبلغ الطفل السابعة تأمره أمراً فحسب بالصلاة ولا تضربه..تقول له: صل، هداك الله، تأخذه بيده وتعلمه طريق المسجد.

فإذا بلغ العاشرة تأخذه بالحزم، فإذا رفض.. تضربه ضرب ناصح وضرب رشيد يريد له الخير مثل ما يريد لنفسه.

ويا لحكمة هذا الدين!
ويا لقوته !
ويا لشموله!
ويا لعدله!
فهو يلاحق الأطفال والنشء والجيل حتى وهم في المضاجع .. فيقول: حرام أن يتضاجعوا في مكان واحد. ففرقوا بينهم في المضاجع.. فالذكر لا ينام في فراش الأنثى ، ولا الأنثى في فراش الذكر.

ولا بأس أن يناموا في غرفة واحدة بشرط أن يفرق بينهم في المضاجع.

6-ومن حقوق الأبناء على آبائهم: تعليمهم العلم النافع..علم قال الله وقال رسوله صلي الله عليه وسلم .

العلم الذي أتي من فوق سبع سماوات .. وليس العلم الرخيص.. وليس العلم السخيف الدخيل الذي أتانا من أعداء البشرية وأعداء الإنسان.

لكن العلم الموروث عن معلم الخير صلي الله عليه وسلم .

وتعليم الجيل من أعظم الخصال الواجبة في الإسلام، فالإسلام لا يعترف بالجهل ولا بالدروشة.

وأما أن نحرم أبناءنا من العلم بحجة أنه أمر مضن..وطريقة طويل وشاق، فهذا من سوء الإرادة وضياع الحكمة.

نعم... إذا حصل الشاب أو البنت على حصيلة من العلم تقيم دينه وتحجزه عن المناهي.. فلا بأس بعد ذلك أن ينطلق في عالم الحياة.. وأن يخوض جميع المجالات المباحة التي يرغبها.. كالتجارة والزراعة وغيرها.

فواجب إذن.. تعليمه العلم النافع.. وغرس الفضيلة في قلبه.

ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يحرص على هذا .. فابن عباس رضي الله عنهما شاب في العاشرة من عمره يدخل على المصطفي صلي الله عليه وسلم ليلة من الليالي بعد صلاة العشاء ، فيقوم صلي الله عليه وسلم ليصلي في الليل فيقوم معه ابن عباس.

ويحضر ابن عباس ماء للرسول صلي الله عليه وسلم ليتوضأ به.

فيقول صلي الله عليه وسلم : (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)).

فكانت دعوة من أعظم الدعوات المباركة في حياة ابن عباس.

لم يدع له بالتمكين في الأرض ولا بالصحة في الجسم.. ولا غير ذلك.

وإنما دعا له بأن يجعله الله فقيهاً معلماً مفهماً.. وأن يعلمه الله تأويل كتابه.

ولذلك يقول صلي الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث معاوية: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).

فالله الله بالعلم النافع لأبنائكم.. فليس كل علم يكون نافعاً.

وقد قسم الله العلم في القرآن إلى قسمين:
1- العلم النافع.
2- العلم الضار.
من العلم الضار قوله تعالي عن السحرة: ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ )(البقرة: الآية102).

ويقول الله عن أحد الذين تعلموا العلم.. ولكنه لم ينفعهم ، وهو (باعورا) اليهودي الحبر:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:175/176).

والله يقول في بني إسرائيل ـ وقد حملوا علماً، ولكن لم يستفيدوا منه ولم يكن له أثر في معتقدهم وفي عبادتهم وفي سلوكهم ـ : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً)(الجمعة: الآية5).

وقال سبحانه وتعالي فيهم: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:13)

فالعلم النافع هو الذي يورث الخشية من الله في القلب.

العلم النافع هو الذي ينشىء الطفل على حب المسجد وحب القرآن والعلم.

وهو الذي يجعل الشاب عابداً لله.. يتقي الله.. ويخافه،( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(فاطر: الآية28) .

وكان صلي الله عليه وسلم يقول: (( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)).

الراوي: زيد بن أرقم المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2722
خلاصة حكم المحدث:
صحيح


ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يربي الناس على العلم النافع الذي يريده الله سبحانه وتعالي.

6- من حقوق الأبناء على الآباء: مصاحبته وغرس الفضيلة والثقة بنفسه..فلا يكون مسلوب الإرادة.. ولا مسلوب الهمة والمكانة.

والكثير من الآباء يخطئون في هذا الجانب فيربون الابن بالسوط والقسوة والعنف، فينشأ الابن وقد سلبت إرادته وقوته ومكانته.

وينشأ مهزوز الإرادة.. لا كلمة له..ولا حق.. ولا رأي.

وهذا العنف لا يورث إلا عنفاً مثله..بلا شك.

ولذلك وصف الله عز وجل رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحكمة وبالين..فقال له: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: الآية159) .

وقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).

ولما فشت هذه التربية العنيفة في كثير من البيوت أصبح الأبناء على قسمين:

إما عاق لأبيه ومشاكس له ومكابر.

وإما أن ينشأ الطفل ذليلاً مخبتاً لا مكانة له.. ولا شجاعة.. ولا إرادة.

وهذا خطأ وقع فيه كثير من الآباء.


7- ومن حقوق الأبناء على الآباء: إبعادهم عن رفقة السوء وأهل الفساد.

يقول الله عز وجل عن الرفقة الصالحة: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67) .فكل خلة.. وكل صحبة..وكل صلة.. وكل صداقة تتقطع وتتلاشى وتنهار إلا صلة الذين يريدون الله والدار الآخرة.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( والله لو صمت النهار لا أفطره، ولو قمت الليل لا أنامه.. وأنفقت أموالي في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكويني الله علي وجهي في النار).

ولذلك يقول الشافعي وهو يتحدث عن نفسه بتواضع:

أحب الصــالحــين ولست منــــهــم
لعـــلــي أن أنــال بـهــم شــفاعة

ولكن والله هو منهم!
فيرد عليه الإمام أحمد ويقول:

تحــب الصــالحيــن وأنت منهم
ومنــــكم قد تنـــاولــنا الشفاعــة
لأنه قرشي هاشمي.

وفي الحديث الذي رواه البخاري: (( المرء يحشر مع من أحب)).

فإن أحببت الصالحين وعملت بعملهم حشرت معهم، والعكس صحيح.

يقول الشافعي مواصلاً حديثه:

وأكره من تجــارتــه المعـــاصي

ولو كـــنــا سواء في البضـــاعة!

يقول: ولو كنت عاصياً ولكني أكره العصاة.. ولا أصاحبهم.

وقال الآخر:

عن المرء لا تســأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقـــارن يفتـــدي

فكيف يكون الإنسان صالحاً وهو رفقه السوء؟

يقول أهل العلم: هل كان أفسد على أبي طالب من صحبة السوء؟!

أراده صلي الله عليه وسلم أن يقول: ( لا إله إلا الله) فقال: (( يا عمي قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله))، متفق عليه.

فأراد أن يتلفظ بها.. لينجو من العذاب ويدخل في رحمة الواحد القهار.

فقال له أبو جهل: كيف ترغب عن ملة آبائك وأجدادك ‍!

فأتي هذا الجليس السيء فأراده في نار تلظى..فمات مشركاً كافراً بمغبة رفقاء السوء.

ورفقاء السوء قد انتشروا كثيراً.. وهم أعدي من الجرب.

فالجرب عند أهل العقول يعدي الصحيح، وما سمعنا أن الصحيح يعدي الجرب!

فالواجب على الآباء أن يجنبوا أبناءهم رفقاء السوء.

8- ومن الحقوق الواجبة علي الآباء لأبنائهم: القضاء على أوقات الفراغ التي يعيشونها.

يقول سبحانه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون:115/116) .

كثير من الأبناء يشكون من الفراغ.. فتجد أحدهم في العطل الصيفية يقول: عندي فراغ كبير.

سبحان الله! مسلم وعندك فراغ؟

طالب علم وعندك فراغ؟

ألست من الأمة الخالدة التي ما عرفت الفراغ؟ ولا عرفت ضياع الوقت؟

كيف يكون لديك فراغ.. وعليك أمانة ومسؤولية وحمل ثقيل؟

في صحيح البخاري عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)).

ولما عرف أجيالنا الفراغ ظهر النشء المعوج الذي لا يحمل الرسالة ولا المبدأ ولا المسؤولية.

أعرف السلف الصالح الفراغ؟

ذكروا عن ابن عقيل العالم الكبير الشهير الذي ألف كتاب ( الفنون) وهو يوجد في مكتبة بون في ألمانية في حوالي سبعمائة مجلد!!

إنه من شدة حفظه للوقت كان إذا أتي لينام كتب الصفحات والأفكار التي تخطر على ذهنه قبل النوم، وعندما يستيقظ يصنع مثل ذلك.

فألف من هذا الفراغ وهذا الوقت الفاضل سبعمائة مجلد‍‍!!

وذكر عنه صاحب طبقات الحنابلة ابن رجب أنه قال: ربما أكلت الكعك ولا آكل الخبز لأن بينهما في الوقت مقدار قراءة خمسين آية!!

نروح ونغـــدو لــحاجــاتنـــا
وحــاجة من عـاش لا تنـــقضـــي
تــمــوت مع المــرء حاجاتـــه
وتبــــقي لــه حاجـة ما بـــقــي

يقول دايل كارنيجي الأمريكي في كتاب ( دع القلق وابدأ الحياة) متحدثاً عن الأمريكان: إنهم لا يعرفون الفراغ.

وقد صدقنا وهو كذوب!.

فإن مصانعهم تهدر ومعاملهم تعمل، ولكنها في الدنيا (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7) .

يقرأون وينتجون ويقدمون ويخدمون ويفعلون. أما أبناء المسلمين فتجدهم يشكون من الفراغ إلا من رحم الله، وخاصة في العطل الصيفية!

وإن اجتهد مجتهد منهم مارس هوايته كما يزعم.

ونحن ليس لنا هواية إلا المحافظة على الصلوات والعيش مع القرآن ومع كتب العلم النافعة..هوايتنا أن نقول للشعوب:

نحــن الذين استيقــظت بــأذنهـــم
دنيا الخليقـة من تــهـاويل الكـــرى
نحن الذي باع الحياة أكفهـــــــــم
ورأي رضاك أعــــز شيء فاشتري

ومن الذيـــن دكـــوا بعزم أكــفهـــم
باب المدينـــة يوم غــزوة خيبـــرا


فما عرفنا جمع الطوابع إلا عندما تركنا الطريق إلى المسجد.

وما عرفنا مطاردة الحمام والدجاج إلا عندما تركنا الجلوس في حلق العلم!

9- ومن الحقوق التي للأبناء على الآباء: معرفة ميول الابن واتجاهه العلمي والوظيفي ليجعله يواصل في الطريق الذي يحب..فكل ميسر لما خلق له.. ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه( تحفة المودود في أحكام المولود).

فقال : لا تعسف الشاب بعد أن يكبر على ما ينافي طبعه.

فأنت أيها الأب لا ترغمه على تخصص لا يريده.. وعلى طريق لا يحبه إذا اصبح عاقلاً رشيداً عارفاً بمستقبله، وكان الطريق الذي اختاره يرضي الله.

وهذه طريقة محمد صلي الله عليه وسلم مع أصحابه بأن يجعل كلاً منهم في مكانة المناسب..فمثلاً أتي إلى حسان بن ثابت فوجده شاعراً .. فقال له عندما كان يهجي الكفار: (( اهجم وجبريل معك)) فكان رضي الله عنه شاعر الإسلام وشاعر الدعوة.

وجاء لأبي بن كعب.. وكان قارئاً وتالياً لكتاب الله.

فقال: (( أقرؤكم أبي)).
وجاء إلى زيد بن ثابت فوجده فرضياً .. فعلمه الفرائض وقال: ( أفرضكم زيد)).

وجاء إلي خالد بن الوليد فوجده مجاهداً صنديداً شهماً قائداً، فأعطاه السيف وقال: (( خالد بن الوليد سيف من سيوف الله، سله الله على المشركين)).

فهذه التخصصات لا بد أن نؤمن بها.. في بيوتنا ومجتمعاتنا لينشأ أبناؤنا على رغباتهم إذا كانت ترضي الله.

هذه حقوق أردت باختصار أن أقدمها في هذه الأوراق للآباء، وأسأل الله أن تكون في ميزان الحسنات، وأن ينفع بها المسلمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

حافظوا على الصلاة
اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ولك الحمد مثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام،ولك الحمد بمحمد رسول الهدي صلي الله عليه وسلم ، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت.

والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين ، بصر به من العمي، وأرشد به من الجهالة، وأخرج به من الظلمات إلى النور، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حديثي في هذا الدرس سيكون عن مبدأ أصيل من مبادىء هذا الدين، فماذا نحن إذا تركنا رسالتنا وتعاليمنا وديننا؟
أي أمة نكون إذا تخلينا عن مبادئنا ومنهجنا ورسالتنا الخالدة التي بعث الله بها محمداً رسول الهدي صلي الله عليه وسلم ؟

قبل بعثه النبي صلي الله عليه وسلم كنا قبائل لم تكن لها حضارة ولا أدب ولا رسالة ولا خلق ولا سلوك ولا منهج، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)

إن البرية يوم مبعث أحمــد نظر الإله لها فبدل حــالهــا

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالهـــا

لبس المرقع وهو قائد أمــة جبت الكنوز فكسرت أغلالــها

لما رآها الله تمشي نحـــوه لا تبتغي إلا رضاه سعي لهــا

أتي الإنسان صلي الله عليه وسلم وكان من أعظم أهدافه في العالم أن ينقذ الإنسان، والإنسان بلا إيمان ضائع في الحياة، والإنسان بلا رسالة ميت بلا روح،والإنسان بلا مبادىء دابة أو بهيمة، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )(الأنعام: الآية122).

وأنت يا أخي القارىء ، إنما أنت جندي تمثل هذا الإسلام، وإنما أنت من مدرسة محمد صلي الله عليه وسلم ، وإن ما تقدمه لأبناء أمتك الإسلامية إنما هو في سجل حسناتك يوم أن تصلح ما بينك وبين الله، وإذا انقطع الحبل الذي بينك وبين الله فلن يصلح أبداً ما بينك وبين الناس.

يقول معاوية بن أبي سفيان لعائشة رضي الله عنهت: اكتبي لي وصية وأوجزي ، فقالت ك بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( من أرضي الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضي عليه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه واسخط عليه الناس)).


الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2250
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره



وهذا مبدأ معروف أن من قطع ما بينه وبين الله، قطع الله ما بينه وبين الناس ، فما هي الأمانة التي حملك الله إياها؟
وما هي أعظم هذه الأمانة؟
وما هي الوديعة التي أمرت بتأديتها؟

إنها الصلاة يا إخوتي في الله، والذي يخون الصلاة هو أول من يخون مرؤوسيه وأمته، هو أولاً يخون نفسه، ثم يخون أهله وأمته وعهده مع الله تعالي.

فالذي لا يتشرف بالسجود للواحد الأحد على الأرض سوف يسجد لوظيفته ومنصبه، وحذائه وسيارته، ودرهمه وديناره، وفي ذلك يقول صلي الله عليه وسلم : (( تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتفش))

الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2962
خلاصة حكم المحدث: صحيح


سماه عبداً لهذه الأشياء لأنها شغتله عن العبادة الحقيقة التي خلقه الله لأجلها، ولذلك يقول شاعر الباكستان محمد إقبال مناجياً الله عز وجل وهو يقرر مبادئ الإسلام.

ومما زادني شرفاً وفخــــــراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبـــــادي وأن صيرت أحمد لي نبينا

وإرادتنا وقوتنا وعزيمتنا في أداء الصلاة جماعة كل يوم خمس مرات، والذي يتعاهد المسجد كل يوم خمس مرات سوف يكون أميناً مؤتمناً صادقاً مخلصاً منيباً بحول الله وقوته ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)(العنكبوت: الآية45).

فصاحب الصلوات الخمس لا يرتكب الفحشاء والمنكر، صاحب الصلوات الخمس لا يتعاطى المخدرات، ولا يكذب ولا يخون.

صاحب الصلوات الخمس لا يضيع وقته، ولا يضيع أسرته، ولا يضيع منهجه في الحياة ، ولذلك يخبرنا صلي الله عليه وسلم بأول برنامجنا الصباحي يوم أن نستقبل الحياة، فيقول صلي الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره: (( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم من ذمته بشيء ، فإن من طلبه من ذمته بشيء كبه على وجهه في النار))، ويوم تترك صلاة الفجر جماعة فانتظر من صاحب هذا الترك كل شيء، لا تستبعد عليه كل جريمة.

من الذي قاد الشباب إلى السجون في المخدرات؟
من الذي قاد فتيان هذه الأمة إلى السرقات والزنى والمخالفات والسيئات؟

كل ذلك يوم تركوا الصلوات (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخرف:36).
والذي لا يعرف المسجد يعرفه الله السجن، والذي لا يخاف من الله يخوفه الله من كل شيء ، والذي لا يرجو لقاء الله، يسلط الله عليه من لا يرجو لقاءه.

فيا إخوتي في الله، الرسول صلي الله عليه وسلم يصف لنا علاجاً لجميع الذنوب والمخالفات، وما أكثرها في حياتنا إلا من رحم الله عز وجل . فيما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (( أرايتم لو أن اً على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات أيبقي من درنه شيء؟)) قالوا: لا يا رسول الله، قال: (( ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)).

نار الدنيا تطفأ بالماء، لكن نار الآخرة لا تطفأ لأن وقودها الناس والحجارة .
والفوز عندنا في الإسلام في قوله تعالي: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ )(آل عمران: الآية185)، فالفوز يبدأ من أن يزحزح أحدنا عن النار،(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران: الآية185).

والخزي عندنا نحن أهل الإسلام يوم أن يدخل أحدنا جهنم والعياذ بالله، ليس الخزي في عدم الوظيفة، ولا الخزي أن تعيش فقيراً أو مسكيناً أو مريضاً، لا ، الخزي كما رآه المؤمنون في قولهم: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (آل عمران:192).

إخواتي في الله : إن الصلاة شأنها عظيم في هذا الدين، فهي عموده الذي قام عليه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولذلك لما طعن عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو في سكرات الموت قال: الله الله في الصلاة، وهو في سكرات الموت أوصي بالصلاة فقال صلي الله عليه وسلم : (( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

فإذا علم ذلك، فما وجد في الساحة من أمور تجرك إلى الفاحشة والجريمة، إنما هي من تخطيط المستعمر، وهي حرب اشتركت فيها المجلة الخايعة والأغنية الماجنة والفديو المهدم، وكل ذلك يقود الأمة إلى الدمار والعار.

أذكياء الغرب واساطينه بدأوا الآن ينظرون أنه لا حل إلا الإسلام، ومن ينظر إلى الكاتب الأمريكي (( دايل كرنجي)) يعلم أنه عرف الطريق لكن ما عرف السعادة، يقول : لا سعادة إلا أن تتعرف على الله، ومن أراد فليقرأ الكتاب فهو موجود في أسواقنا ومكتباتنا، لكن لما رخصت قيمة المسلم في نفسه بترك الصلاة بدأت تتداول هذه المعاصي، المجلة الخليعة التي تحمل الصورة للداعرة، فتحبب الفاحشة، وتحبب الجريمة.

والأغنية التي تشغل القلب وتلهيه عن محبوبه ومطلوبه وهو الله الواحد الأحد.
قال ابن القيم:

قال ابن عباس : ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان

فتثير أصواتاً تلذ لمسمـــع الإنسان كالنغمات بالأوزان

يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيـــدان

الصور التي تعرض في الساحة كلها لإضلال القلوب ولصدها عن باريها سبحانه وتعالي، فبداية الكارثة كانت يوم تركنا الصلاة أو يوم ترك بعضتا الصلاة، أو يوم تهاون بعضنا في الصلاة.

أحد الأدباء العالميين المسلمين الكبار أتي إلى الجزيرة ورأي المساجد ترتفع منائرها في السماء، ورآها مزخرفة وجميلة، لكن ما رأي مصلين، فبكي وقال:

أري التفكير أدركه خمــول ولم تبق العزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال

وجلجلة الأذان بكـــل حي ولكن أين صوت من بلال

منائركم علـت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال

العجيب كل العجب أن الله يعطي ما يتمناه العبد كله، فمن كانت إرادته أن يحفظه الله حفظه الله، ومن كان مقصده الزيغ أزاغ الله قلبه. وهذا في القرآن، يقول الله لمن أطاعه سبحانه وتعالي:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) ويقول سبحانه وتعالي للزائغين:( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(الصف: الآية5 ).

أحد الصالحين وهو عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير كان إذا صلى الصبح رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة ، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فأتته سكرات الموت وأذن لصلاة المغرب، قال: احملوني إلى المسجد، وقالوا: أنت في الموت كيف نحملك إلى المسجد؟ قال: سبحان الله، أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح وأموت هنا!! لا والله. فحملوه على الأكتاف، ووضعوه في المسجد وصلي جالساً، فلما كان في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، ولذلك يقول محمد إقبال:

نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً احمرا

جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبــــرا

فدين بلا صلاة معناه ضياع، لا منهج ، ولا أخلاق، ولا سلوك.

كيف تطلب من الفرد مدنياً أو عسكرياً أن يكون صادقاً وهو لا يصلي؟
كيف تطلب منه أن يكون أميناً وهو لا يصلي؟
كيف تطلب منه أن يكون وفياً وهو لا يصلي؟
فن هدم ما بينه وبين الله هدم الله ما بينه وبين الناس، ولذلك إرادتنا وقوتنا وأصالتنا وعمقتا في الصلوات الخمس، وحين نتركها نضيع والله هباء منثوراً.

وأنا قلت : إن مبدأ الصدق هو حفظ الله بظهر الغيب، يقول لقمان لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان:16) .

يقول : لو كانت حبة الخردل هذه، وهي حبة صغيرة كالسمسمة، لو كانت هذه الحبة بصخرة صماء لا يظهر منها شيء أتي بها السميع البصير ، لماذا؟
ليقول له: يا بني لو تسترت بالجدران فالله معك، ولو اختفيت وراء الحيطان فالله معك، ولذلك وجد في الناس من قلت مراقبته للواحد الأحد، فضيع مسؤوليته وأمانته وضيع عمله فجعله هباء منثوراً، فلا بد للعبد من مراقبة الله عز وجل في السر والعلانية، في الخلوة والجلوة، أن يعبد الله عز وجل كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله عز وجل يراه، (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ )(المجادلة: الآية7).

يقول الأندلسي موصياً ابنه:

وإذا خلوت بريبة في ظلــمة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

قيل للإمام أحمد: ما دليل القدرة، قدرة البارى؟
قال: يا عجباً بيضة الدجاج، أما ظاهرها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب الإبريز، تفقس فيخرج منها حيوان سميع ، ألا يدل عل السميع البصير؟

أعرابي يصلي في الصحراء ، بدوي صلي ركعتين، فقال له رجل من الملحدين : لمن تصلي؟
قال: لله. قال: هل رأيته؟
قال: عجباً لك ، الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وسماء ذات أبراج، وليل داج ، ونجوم تزهر ، وبحر يزخر ، ألا يدل على السميع البصير؟‍‍!!

قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداك

قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك

قام صلي الله عليه وسلم على المنبر يوم أحد قبل المعركة بيوم فأعلن الحرب على أبي سفيان، وندد بإجراءاته وبظلمه وبتعسفه حول المدينة، وقال: نقاتلهم في المدينة، ما نقاتلهم في أحد، فقام شاب في الخامسة والعشرين من عمره قال: يا رسول الله لا تحرمني دخول الجنة، فو الله الذي لا إله إلا هو لأدخلنها.

فتبسم صلي الله عليه وسلم من الذي يحلف على الله فقال: (( بماذا تدخل الجنة؟)) ما هي المؤهلات؟
قال: بخصلتين ، أولهما: أني أحب الله ورسوله، وثانيهما : أني لا أفر يوم الزحف.

قال صلي الله عليه وسلم : (( إن تصدق الله يصدقك))، إن كنت صادقاً فسوف تري، فبدأت المعركة، وحضر هذا الشاب ، وخاضها بنفسه، يريد جنة عرضها السماوات والأرض، ما يقاتل من أجل ناقة أو شاة أو بعير، لا، بل من أجل إرضاء الواحد الأحد، فقتل ومر به صلي الله عليه وسلم ومسح التراب عن وجهه وقال: (( صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله، صدقت الله فصدقك الله)).

الراوي: شداد بن الهاد الليثي المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1415
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وليس بغريب أن يأتي من أمثالكم من الأبرار الأماجد فيعيدون سيرة السلف الصالح من أمثال خالد بن الوليد الذي تحدي الموت، قال له الرومي: يا خالد إن كنت متوكلاً على الله كما تزعم فهذه القارورة مملوءة سما فاشربها.

فقال خالد: بسم الله توكلت على الله، وشرب القارورة كلها ثم قال: الحمد لله، فما أصابه شيء ، لأنه توكل على الواحد الأحد.

قتيبة بن مسلم أتي يحاصر كابول عاصمة أفغانستان التي ضاعت منا لما ضيعنا الصلوات الخمس، جيوش ما تصلى كيف تنتصر؟
جيوش ما تعرف الله كيف تتوجه إلى الله ؟
كيف ينزل النصر والفتح والرزق إلا من عند الواحد الأحد؟
النصر من السماء ليس من الأرض ، أتينا إلى الدنيا ما عندنا إلا خيول قليلة، وثياب ممزقة، ورماح مكسرة، ففتحنا الدنيا.

سعد بن أبي وقاص ـ
قبل أن آتي إلى قتيبة ـ
حضر القادسية بثلاثين ألفاً وجيش فارس مائتان وثمانون ألفاً ، فقام سعد يصلى الظهر بالمسلمين، قال: الله أكبر، فكبر معه ثلاثون ألفاً، وركع فركعوا في لحظة واحدة ثم سجد فسجدوا جميعاً، فقال رستم قائد فارس وهو ينظر من بعيد إلى الجيش في انتظام، فعض أنامله وقال : علم محمد الكلاب الأدب ، بل علم صلي الله عليه وسلم الأسود الأدب، وبدأت المعركة.

قال رستم قائد فارس لسعد: أريد أن ترسل لي جندياً من جنودك لأكلمه، فأرسل سعد ربعي بن عامر في الثلاثين من عمره، قال: لا تغير من هيئتك شيئاً، فإنا لن نفتح إلا بطاعة الله، يقول: لا تأخذ شيئاً، لا تلبس تاجاً، ولا ذهباً ولا حريراً، كن على هيئتك، لأن مبادئنا في قلوبنا، وإرادتنا تحطم الحديد، فذهب ربعي بفرسه ورمحه وثيابه ودخل على رستم.

فلما رآه رستم هو ووزراؤه وقواد الجيوش ضحكوا، قال رستم: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، والرمح المثلم والثياب الممزقة؟
قال ربعي: أي والله، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العبادة إلى عبادة رب العبادة، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

وبدأت المعركة، وفي ثلاثة أيام صفي سعد حساب المجرم، وسحقهم في الساحة، (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:25/29) .

حاصر قتيبة بن مسلم كابول ليفتحها، وقبل الحصار قال: التمسوا لي محمد بن واسع، ابحثوا لي عن العابد الزاهد محمد بن واسع الأزدي أحد العباد الكبار ممن حضر المعركة، فذهبوا فوجدوه قد صلي ركعتي الضحي وأتكأ على رمحه ورفع سبابته إلى الواحد الأحد...من أين يأتي النصر والفتح؟
من الله.
من أين يأتي الرزق؟
من الله.

يـــا حافــــــظ الآمال أنـ ـت حفظتني ومنعتنـــــي

وعدا الظلـــوم علــى كـــي يجتاحني فنصـــرتــنــي

فانقــاد لــي متخشعـــــــاً لــمــا رآك منعتنـــــي

دخلت بعض الجيوش العربية إسرائيل وقد كتب على بعض أعلامها:

آمنت بالبعث رباً لا شريك لــه وبالعروبة دينــاً ما له ثان

وضربت الدبابات في الصباح، وفي ما يقارب الساعة العاشرة دخلت الجيوش بلادها مهزومة ، وإذا الثكالى يندبن ويلطمن وجوههن، وإذا موشي ديان يتكلم على الشاشة ويضحك ويقول: العرب لا يعرفون القتال، ابن القرد والخنزير يتكلم عليهم ما تركوا الصلوات الخمس وكفروا بالواحد الأحد، أخزاهم الله، فتكلم هذا القرد لأنه وجد في الساحة شكلاً آخر غير الشكل الذي واجه به اليهود الصحابة، ليسوا من أحفاد خالد وسعد وطارق وصلاح الدين.

رجل آخر يقول في مجمع ويصفقون له، يقول:

هبوا لي ديناً يجعل العرب ملة وسيروا بجثماني على دين برهم

يكفر بالإسلام يقول: أعطوني أي دين يجمع العرب غير الإسلام.

بلادك قدمها على كــل مــله ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

تعالي الله عما يقولون علواً كبيراً.

قال قتيبة بن مسلم: التمسوا لي محمد بن واسع فوجدوه يمد أصبعه ويدعو الله، فعادوا إلى قتيبة فاخبروه، فقال: الحمد لله، والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ون مائة ألف شاب طرير، فإذا علم ذلك فلا نطلب التوفيق إلا من الواحد الأحد، والتوفيق إنما يأتي عندما نصلح ما بيننا وبين الله ونصلح ما بيننا وبين الناس.

يقول أحد الصالحين: والله إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخلق خادمي، من يعصي الله يعصي الله عليه كل أمر، مسؤوله لا يرضي عنه، أمته لا ترضي عنه، ولاة الأمور لا يرضون عنه، ومن تردي برداء ألبسة الله ذلك الرداء.

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

العنصر الثاني: أوصيكم باجتناب المعاصي ما ظهر منها وما بطن، والمعاصي هذه مقت وغضب ولعنة من الله الواحد الأحد.
يقول الله عن بني إسرائيل : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ )(المائدة: الآية13) ويقول سبحانه وتعالي فيهم:( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّه)(الجمعة: الآية5) .

والله عز وجل يقول: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16) .

علم أن من ضيع الله في الطاعات يبتلى بالمعاصي، وأن من ثبته الله على الطاعات يثبته حتى الموت ، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27).

حدثني بعض الإخوة أن في الجزائر شاب عابد ولي من الأولياء أتته حادثة انقلاب سيارة، فأغمي عليه ثلاثة أيام... أترون ماذا كان يقول في الثلاثة أيام؟ كان يقرأ الفاتجة على لسانه وهو مغمي عليه لا يدرك شيئاً، كان يردد الفاتحة صباح ومساء حتى أتاه موته.

شاب آخر في هذه البلاد أتاه حادث انقلاب سيارة فوجد تحت الكفر وهو في حالة شنيعة وهو يردد: هل رأي الحب سكارى مثلنا!! ، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27).

ذلك يوم نشأ على الفاتحة ، مات على الفاتحة، وهذا يوم أن نشأ على هل رأي الحب سكارى مثلنا، مات على ذلك لأن معتقده ومبدأه ومنهجه هذا الصنف، والله يثبت من يشاء ويضل من يشاء لكن بأسباب وبإرادات وبمزاولة من العبد، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

إذا علم هذا، فإن واجب العبد أن يكف عن المعاصي ، وأن يتقي الله ليسدده الله عز وجل ويأخذ بيده، ونحن نعترف بنعم الله علينا ظاهرة وباطنة، لكن وجد من أبنائنا من بدلوا نعمة الله كفراً، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (ابراهيم:28).
والذي يطالع في الأحداث التي وقعت في الساحة قبل أيام يري أن هناك أناساً يعيشون بلا إدراك وأنه ينقصهم الوعي، وأنه لا بد من دعوة هؤلاء وحثهم على الطاعة، وهذا واجب الدعاة والآباء والأساتذة، على هؤلاء جميعاً أن يوجهوا ذاك الجيل، الجيل الذي ترك المسجد، فلما ترك المسجد أتي ليشغل فراغه بكل شيء ، جيل يتابع أحداثاً ما كان لها أن تتابع، هدد الأمن وأزعج الناس وضيع وقته ومستقبله.

أري الكافر أن هذه أمتنا، وأن هذه رسالتنا في الحياة، زمجرة، ورقص ، وتصفيق ، وتهتك ونهيق وزفير، والإسلام بريء من هذا، الإسلام دين عقل ونقل، والإسلام مبادىء خالدة ، الإسلام رسالة في الحياة، (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:18/19) ، الإسلام رسالة.

فالعنصر الثاني: أن نكف عن المعاصي، يقول الشافعي وقد شكا لشيخه سوء الحفظ والنسيان فأمره بترك معصية الله عز وجل :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلـــم نور ونور الله لا يؤتي لعــاص

أحد الناس نظر نظرة لا تجوز له فقال له أحد العلماء: أتنظر إلى الحرام، والله لتجدن نتيجتها وغبها بعد حين، قال: نسيت القرآن بعد أربعين سنة، لأنها اثر.

وىثار الذنوب كثيرة، منها: قسوة القلب، وقسوة القلب ضرب به اليهود ضربة قاسية، لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ومن آثار الذنوب اللعنة، لأن العبد إذا استمر في الذنوب وطبع على قلبه لعن والعياذ بالله.

ومن آثار الذنوب قلة البركة في الرزق، ومن آثار الذنوب الضنك في المعيشة، رأيناهم ورأيتموهم يسكنون في القصور الشاهقة ويركبون السيارات الفاخرة ويلبسون الملابس الفاخرة ويتنعمون بالمشارب والمطاعم، لكنهم ما وجدوا الأمن والسكينة، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:124/126).

إبراهيم بن أدهم أحد الصالحين ، يعيش على الرصيف وما يجد إلا كسرة خبز، ولكنه بذكره وتلاوته وعبادته يعيش في رغد من العيش، في جنة ، قال له الناس: هل أنت سعيد؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو، إنا في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف.

ابن تيمية شيخ الإسلام ما كان يملك من الدنيا إلا ثوب وعمامة، لكن يقول وقد سجنه أهل البدع وأهل المعاصي لما أنكر عليهم قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أني سرت فهي معي.. أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة.

أغلقوا عليه باب السجن فقال: ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد: الآية13) ، يقول له أحد الفجرة من السلاجقة: يا ابن تيمية يزعم الناس أنك تريد أن تلغي ملكنا، وتأخذ ملكنا.

قال: ملكك؟

قال: نعم.

قال: والله ملكك لا يساوى عندنا فلساً واحداً ، لأنه يريد السعادة، والسعادة لا تحصل والله إلا بذكر الله، ومن يقرأ (دع القلق وابدأ الحياة)) لدايل كارينجي، و(( الإنسان لا يقوم وحده)) لكيرسي ميرسون، يري أنهم ما وجدوا السعادة.

يقول أحدهم: بحثنا عن السعادة فأخفقنا.. وهذا الذي ألف الكتاب أخذ السكين وذبح نفسه فمات، لأنه ما وجد السعادة.

ما هي السعادة؟
السعادة أن تتوضأ كل يوم خمس مرات، السعادة أن تصلي كل يوم خمس مرات فرائض وأن تتزود بالنوافل، السعادة أن تطالع القرآن المجيد وأن تتدبر آياته، السعادة أن تكون ذاكراً للواحد الأحد ، السعادة أن تجدد التوبة لك دائماً، السعادة أن تخرج المنكرات والفواحش والمعاصي من بيتك، أن تكون رجلاً حازماً مربياً معلماً موجهاً في مجتمعك وأمتك، وتقودهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)

بعض الناس كبير في السن جاوز الأربعين، حدثنا عنه أنه لما أتت المباراة كان ينظر إلي الشاشة ، فلما أتت الصلاة أراد ألا تفوته المباراة فأخذ غترته وجدعها وأنزلها في الأرض ثم نقر أربعاً وسلم، وأخذ يتابع المبارة!!
أهذه صلاة؟
أهذا قلب أوتي نوراً؟
( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)(النور الآية40).

بعض الناس وجد أنه يتحمس لقضايا الدنيا، ولو ضيع ابنه عشرة ريالات لأقام الدنيا وأقعدها على تضييعها، ولكن ابنه لا يصلي، ابنه يدخن، ابنه يستمع الغناء الماجن صباح ومساء ، ابنه لا يقرأ القرآن ، ابنه مع الشلل والعصابات المنحرفة في المقاهي والمنتديات ومع ذلك لا يغضب!!
أي قلب هذا؟

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجــــــرح بميت إيلام

يا أيها الإخوة الأخيار، يا أيها الأبطال، يا أبناء من رفعوا لا إله إلا الله، ووزعوا لا إله إلا الله على البشرية، إنني أسألكم بالله العظيم أن نعرف مسؤولياتنا ومهماتنا،ومقاصدنا في الحياة الدنيا، إذا عرفنا ذلك نفعنا أمتنا وبلادنا وديننا، ورفعنا أنفسنا فوق هامات الجميع، وإلا لو كانت المسألة مسألة تقدم مادي وحضاري دنيوي لكان الكفار فوقنا في كل شيء.

نحن ما صنعنا طيارة ولا سيارة ولا صاروخاً ولا برادة ولا ثلاجة، لكننا أتينا لنصنع القلوب، أتينا لنقدم للناس إسلاماً وديناًن يقول كيرسي ميرسون: أعطيناكم الطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة، وأنتم لم تعطونا الإسلام، حرمتمونا الإسلام، نعم إنهم يريدون الإسلام.

لقد أخفق كل دين في الساحة إلا دين الله وهو الإسلام .
جربت العلمانية فإذا هي لعنة، وجربت النصرانية المحرفة فإذا هي لعنه، وجربت الشيوعية فإذا هي لعنه، وأتي الناس يدخلون في دين الله، ولكن شبابنا بدا كثير منهم معجباً بنفسه، متكبراً على أوامر ربه، ومنهم من ترك الصلاة بالكلية ، فهل هؤلاء الذين سيقدمون الإسلام للبشرية؟

فيا إخوتي في الله، هذه المعلومات ليست بغريبة عليكم ولا جديدة، ولكن من باب الذكري والاتعاظ، لعل الله أن يرحم حالنا، لأن المعاصي كثرت، وسببها ترك الصلوات الخمس، ولذلك كتب عمر إلى سعد في القادسية: الصلاة الصلاة، فإن عدوكم لن يغلبكم إلا بمعاصيكم أو كما قال عمر رضي الله عنه وأرضاه.

فيا إخوتي في الله، أسأل الله أن يغفر لي ولكم الذنوب والخطايا، وأن يجعلنا صالحين مصلحين، مصلين صائمين، ذاكرين عابدين.

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسينـــاه


ندعوه في البحر أن ينجي سفينتا فإن رجعنا إلى الشاطيء عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافـــظ الله

فيا الإخوة الأخيار، يا من تقدمون النفع للأمة، يا من تسهرون لينام الآخرون،( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم: الآية6).

أطفئوا عنكم نار جهنم، أنقذوا عنكم نار جهنم، أنقذوا أنفسكم وأهليكم من النار، حافظوا على عهد ربكم ولا تضيعوه بتضييع الصلوات الخمس في المساجد، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حافظوا على كتاب ربكم تلاوة وحفظاً وفهماً وتدبراً ، أعدوا أنفسكم ليوم قال فيه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج:1/2) .

والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

الصلاة..الصلاة


الحمد لله الذي كان بعبادة خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

أخرج الأمة المظلومة المنهوبة والمسلوبة إلى فضاء النور والريادة والقيادة، حول الأمة المسكينة التابعة المقلدة إلى أمة قائدة رائدة معلمة.

صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

يقول صلي الله عليه وسلم في الصحيحين: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، فأمره الله أن يقاتل هذا الإنسان حتى يسجد لله.

إنها المفاصلة بين الإنسان وبين الدين يوم أن يتهاون بالصلاة، أو يترك الصلاة، أو يتنكر للصلاة، أو لا يتعرف على بيت الله، أو لا يسجد لله.
حينها يصبح هذا الإنسان لا قداسة له ولا حرمة ولا مكانة ولا قيمة.

هذا الإنسان يوم يترك الصلاة يكون رخيصاً لا قيمة له، تهان كرامته ويعزر بقطع رأسه، قيل حداً وقيل قتلاً على الكفر وهو الصحيح.

فالرسول صلي الله عليه وسلم أمره الله أن يشهر السيف فيقاتل هذا الإنسان حتى يعترف بالصلاة ويصليها.

يقول الله عن جيل من الأجيال الذين تهاونوا بالصلاة:(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) (مريم:59) ، قال أحد السلف: أما إنهم ما تركوها ولكن أخروها عن أوقاتها.

أي إسلام لمسلم يدعي الإسلام وهو يترك الصلاة ولا يصليها حتى يخرج وقتها؟
أي دين له، ما معني لا إله إلا الله لرجل تؤخره تجارته عن الصلاة، أو وظيفته أو عمله أو منصبه أو اجتماعه؟
ثم يأتي بعدها يتبجح على الأمة وعلى العالم بأنه مسلم بهويته، فأين الصلاة؟

(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:142) ، إنهم يصلون الساعة ولكن صلاة العصر بعد غروب الشمس، وصلاة الظهر الساعة الثانية، وصلاة المغرب مع صلاة العشاء، وصلاة الفجر مع طلوع الشمس.

فأين الإسلام؟

وأين لا إله إلا الله؟

وأين التحمس للدين؟

حضرت رسول الله صلي الله عليه وسلم معركة الأحزاب قبل أن تنزل صلاة الخوف ، فقام يقاتل المشركين في جهاد ودمه يثعب في الأرض في مخاصمة لأعداء الله، فنسي صلاة العصر حتى غربت الشمس ، ما نسيها وهو في لهو.. حاشا وكلا، أو في مباحات حاشا وكلا، بل نسيها أثناء احتدام الصراع مع الخصم، فاليهود والمشركون والمنافقون أنسوه صلاة العصر.

فلما غربت الشمس قال لعمر: (( أخروا علينا صلاة العصر ـ أو شغلونا عن صلاة العصر ـ ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً)).

ثم قام صلي الله عليه وسلم وصلاها. وأنزل بعدها الله صلاة الخوف كي يصليها الخائف في صف القتال، ويصليها الذي يمتطي الدبابة، ويصليها المريض على السرير، فلا يعذر أحد، بل يصليها الجريح وهو في جراحه.

إن تأخير الصلاة عن وقتها من النفاق الصريح الذي وقع فيه كثير من الناس إلا من رحم ربك.

قال صلي الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت: (( الله الله في الصلاة، وما ملكت أيمانكم)).

الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية المحدث:الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 2/525
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح إن كان قتادة سمعه من سفينة أي دين بلا صلاة؟

ما معني لا إلهه إلا الله؟

ما معني الانتساب للإسلام بلا صلاة؟

يقولون : نحن مسلمون..ولكنهم في تهاون بالصلاة ، ونقر للصلاة ، وتأخير للصلاة.

فأين لا إله إلا الله؟

وأين الصدق مع الله؟


لماذا؟

لأنهم أصبحوا في عداد المنافقين، يتدرعون بالإسلام ولكن لا يصلون مع الناس، ويدعون لا إله إلا الله ولكن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، أو حتى يخرج وقتها.

يسأل صلي الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال.

قال : (( الصلاة في أول وقتها)).

الراوي: أم فروة بنت أبي قحافة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 426
خلاصة حكم المحدث: صحيح


ويقول صلي الله عليه وسلم : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)).
الراوي: - المحدث:ابن باز - المصدر: فتاوى نور على الدرب لابن باز - الصفحة أو الرقم: 15/13
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح


فدمه مسفوك بسيف الشريعة، وهو خارج من الملة لا طهر له ولا قداسة ولا عرض ولا حرمة، فيصبح لا حماية له ولا حضانه ولا صيانة لأنه حارب الله.

ويقول صلي الله عليه وسلم : (( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))

الراوي: جابر بن عبدالله المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 82
خلاصة حكم المحدث:
صحيح


فلم يعذر الرسول صلي الله عليه وسلم أحداً عن ترك الصلاة إلا من عذره الله ( أعني الجماعة).

يقول ابن مسعود : والذي نفسي بيده لقد كان يؤتي بالرجل يهادي به بين الرجلين من المرض حتى يقام في الصف.

ومرض أحد الصالحين من التابعين اسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، وهو في مرض الموت سمع أذان المغرب فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد.

قالوا : أنت مريض وقد عذرك الله.

قال: لا إله إلا الله، أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح وأصلي في البيت؟! والله لتحملني.

فلما سجد السجدة الخيرة من صلاة المغرب قبض الله روحه.

يقول أهل العمل: إن هذا الرجل كان إذا صلي الفجر كان يقول: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، يعني الجميلة البديعة الرائعة.

ما هي الميتة الحسنة؟

قال: أن يتوفاني الله وأنا ساجد.

فالميتة الحسنة أن يتوفاك ربك بعد فريضة، او في صف الجهاد في سبيل الله، أو يتوفاك وأنت على طهارة، أو يتوفاك وأنت في السجود، وأنت في طلب العلم، أو يتوفاك وأنت منفق في سبيل الله.

والميتة القبيحة هي أن يتوفى الله العبد وهو على الأغنية الماجنة، أو على السهرة الماجنة، أو في سفر لطلب الفاحشة، أو على كاس الخمر. هذه هي الميتة التي تعوذ منها الصالحون.

سعيد بن المسيب كان بيته في أقصي المدينة، وكان يأتي في ظلام الليل إلى مسجد المصطفي صلي الله عليه وسلم ، فقال له إخوانه: خذ سراجاً لتري به الطريق في ظلام الليل.

قال: يكفيني نور الله،( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)(النور: الآية40).

ولذلك في الحديث عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)).

الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 640
خلاصة حكم المحدث: صحيح


أفي القيامة ظلمات؟
أفي القيامة ليل؟
أي والله ليل أدهي من الليل، وظلمة أدهي من الظلمة ، يجعلها الله لأعداء المساجد والذين انحرفوا عن بيوت الله، فيظلم عليهم طرقاتهم عندما يقولون للمؤمنين:( انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً )(الحديد: الآية13) ، فلا نور لمن لا نور له.

كان سعيد هذا عالم التابعين، بعين واحدة، قالوا: من كثرة البكاء في السحر من خشية الله.
كان يذهب بهذه العين في ظلام المدينة إلى المسجد ويقول في سكرات الموت وهو يبتسم: والله ما أذن المؤذن منذ اربعين سنة إلا وأنا في المسجد قبل الأذان.

ولكن أتي خلف أكلوا نعم الله وتمرغوا في أيادي الله، ونسوا حظهم من الله، فأصبحت الصلاة في حياتهم من آخر الاهتمامات.

ودع عمر رضي الله عنه وأرضاه سعداً إلى القادسية وأخذه على جانب وأوصاه بالجيش وبالصلاة وقال: الله الله بالصلاة، فإنكم إنما تهزمون بالمعاصي.

وكان الصحابة إذا حضر الخوف، وتلاحمت السيوف، وأشرعت الرماح، وتنزلت الروس من على الأكتاف، تركوا الصفوف لطائفة وقامت طائفة تصلي.

نحن الذين إذا دعــوا لصـــلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

جعلوا الوجوه إلي الحجاز فكبــــروا في مسمع الروح الأمين فكبـــرا

حضر أجدادنا الذين فتحوا الدنيا بلا إله ألا الله حصار كابل عاصمة أفغانستان وطوقوها من كل جهة، ولبسوا أكفانهم لأنهم يريدون الحياة في عز أو الموت في سبيل الله، (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْن)(التوبة: الآية52) إما الشهادة وإما النصر.

فإما حياة نظم الوحي سيرهــــــــا وإلا فموت لا يسر الأعاديــا
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنــــــــا كفي بالمطايا طيب ذكراك حاديا

وقفوا بأكفانهم يحاصرون كابل، ولما صلوا الظهر قال القائد العظيم فتيبة بن مسلم الذي كان قبل المعركة يبكي ويمرغ وجهه في التراب ويطلب النصر من الله، فلما وقف بعد صلاة الظهر وكان جيشه مائة ألف قال: ابحثوا لي عن الرجل الصالح محمد بن واسع، أين هو؟
محمد بن واسع، مفتي الجيش الإمام الزاهد العلامة، قال: ابحثوا لي أين هو في هذه الساعة.. ساعة الصفر.. ساعة تنزل النصر من السماء.. ساعة بيع الأرواح .
ساعة تفتح الجنان واستقبال الحور العين للشهداء.. ساعة حضور الملائكة.

قال : ابحثوا عن محمد بن واسع، فالتمسوه فوجدوه يبكي وقد اتكأ على رمحه ورفع أصبعه يقول: يا حي يا قيوم.

فأخبروا قتيبة فدمعت عيناه ثم قال: والذي نفسي بيده لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مئة ألف سيف شهير، ومن مئة ألف شاب
وابتدأت المعركة وانتصر المسلمون وصلوا صلاة العصر داخل كابل.
إنها الصلاة التي هي الحياة، حياة القلوب ، إنها الميثاق ، إنها العهد بين الإنسان وبين الله، ويوم يتهاوان بها أو لا يصليها المسلم جماعة مع استطاعته فعلم أنه قد أدركه الخذلان، وأن حبل الله قد انقطع منه وأن اللعنة قد نالت .

عباد الله إن من أسباب سعادتنا وحفظ الله لنا ورغد العيش الذي نعيشه أن نحافظ على عهد الله في الصلاة وأن نتواصي بها.

يقول لقمان عليه السلام لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك)(لقمان: الآية17) فهل من مصل؟ وهل من مؤد للصلاة في أول وقتها؟
وهل من حريص على تلك الشعيرة العظيمة التي أتي بها صلي الله عليه وسلم ؟
فإنها الحياة.

طعن عمر في صلاة الفجر رضي الله عنه وأرضاه ، ففاتته ركعة واحدة، غلبه الدم وحمل على أكتاف الرجال ووصل إلى بيته فقال: هل صليت؟

قالوا : بقي عليك ركعة.

فقام يصلي فأغمي عليه ، ثم عقد الصلاة فأغمي عليه، ثم أتم الركعة.

فقال: الحمد لله الذي أعانني على الصلاة، الله الله في الصلاة لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.

فمن حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله ، ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت: الآية45).

أقول هذا لأني أخشى أن يؤخر الناس الصلاة لظروف الاصطياف في أبها وما جاورها ، فربما يجعل الرغد والأمن والسكينة بعض النفوس تلهى عن الله، وتبعد عن الله، أو تؤخر فريضة الله، بحجة النزهة أو الزيارة أو الفرجة.

فالله الله في الصلاة يا عباد الله من مقيم ومصطاف ، أدوها في وقتها بخشوع لعل الله أن يرحمنا .

وأما عن يوم الجمعة فأقول:

إن يوم الجمعة أفضل الأيام عندنا أهل الإسلام..يوم الجمعة عيد لنا.. يوم الجمعة تاريخ.. يوم الجمعة له قصة من أعظم القصص.. هذا اليوم الذي نعيشه في هذه اللحظات خلق الله فيه آدم وأدخله الله الجنة وأخرجه من الجنة وفيه تقوم الساعة.

هذا اليوم وهذه الساعة كان هو موعد النزال بين موسى وفرعون، يوم الصراع العالمي بين الحق والباطل، يوم نزل موسى بلا إله إلا الله والعصا، وفرعون بالدنيا ودجاجلة الدنيا وسحرة الدنيا فقال: ( مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً)(طـه: الآية59) .

ولكن ما هو واجب هذا اليوم علينا؟

إن مما يؤسف له أن كثيراً من الناس جعلوا هذا اليوم موسماً للنزهة، وفي طريقهم يضيعون صلاة الجمعة، فلا يحضرون الخطبة ولا يؤدون شعائر الصلاة، ولا يتهؤون لهذا الجمع العظيم الذي هو جمع من أعظم الأيام في أيام الله.

فمن الصباح الباكر والملائكة على أبواب المساجد تسجل الأول فالأول، فإذا دخل الخطيب طوت الصحف وأنصت لسماع الخطبة.

ومن الصباح والكائنات مصغية تنتظر قيام الساعة كما صح به الحديث.

وقد نص شيخ الإسلام على أن المسافر إذا حضر صلاة الجمعة في المدينة فإن عليه أن يحضرها في المسجد.

فالمسافر وهو في حال السفر إذا نزل في مدية تقام فيها الجمعة عليه وجوباً أن يحضر صلاة الجمعة ليستمع الخطبة، ليعيش مشاعر المسلمين وأحاسيس المسلمين.

أيها المسلمون ‍! في يوم الجمعة علينا واجبات:

منها الاغتسال والطيب، وقد أوجبها بعض أهل العلم والجمهور على سنية الغسل.

لماذا الاغتسال؟

للقاء الله، لأنه يوم عيد وربما أتتك المنية في هذا اليوم، وهو يذكرك بيوم العرض الأكبر على الله، واليوم الأكبر يوم القيامة يتجمل له بغير هذا الجمال الظاهري الذي نتجمل به هذا اليوم ، فليس في يوم القيامة مطارف ولا ثياب ولا زينة ظاهرية، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18)

السجل مكشوف ، والبدن عار، والقلب مفتوح ، والضمائر معروفة، والتاريخ مفتوح أمام من لا تخفي عليه خافية، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)(الأنعام: من الآية94)
(وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )(الكهف: من الآية49).

كان عمر رضي الله عنه وأرضاه ينبه الناس على هذا اليوم ويأمرهم بالتهيؤ فيقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيؤوا للعرض الأكبر على الله.

أما الظواهر فجميلة ، ولكن البواطن فلا ندري ما حالها.

لبسنا واشياً من كل حسن فما سترت ملابسنا الخطايا

وتلك قصورنا بالجو شاخت وتلك قبورنا أضحت صلايا

أيها المسلمون ، ومن المشاعر الحية يوم الجمعة كثرة قراءة القرآن، فهل يعقل أن الخطيب يدخل وبعد دقائق يدخل المصلون بعده؟
بل أن المساجد يبقي فيها مجال وسيع للناس، فإذا سلم الخطيب دخل المتخلفون بلا أجور يشهدون الصلاة.

فأين الساعة الأولي؟
والثانية؟

وأين أهل الصفوف الأولي؟
ولا يزال قوم يتقدمون حتى يقدمهم الله في من عنده، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله في من عنده.

وبعض الغوغاء الذين لا يفهمون أحكام الله يبيعون ويشترون بعد النداء الثاني وبعد دخول الخطيب، أي بيع لهم؟
لا أربح الله بيعهم ‍!
ولا أربح الله تجارتهم، والملائكة تنصت الاستماع ، والسماء مفتوحة لصعود الدعاء، وخطباء الأمة الإسلامية على المنابر، وقلوب الناس منفتحة لسماع كلام الخطيب، والسكينة تغشي الناس، والرحمة تحف بهم، والله يباهي بهم في السماء، وهؤلاء اللاهون يبيعون ويشترون ويجرحون مشاعر المسلمين.

إنه جرح لمشاعر المسلمين أن يباع وأن يشتري بعد النداء الثاني، وإنه تعد على حرمة صلاة الجمعة.

ومن الآداب والسنن يوم الجمعة كما ذكرت التطيب لها والتزين لأن الله يقول: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(لأعراف: الآية31) .

فيا أيها المسلمون: الصلاة الصلاة ، عليكم بالمحافظة عليها، ويأتي على راسها صلاة الجمعة، فحافظوا عليها وأدوها بخشوع، واستعدوا لها لعل الله أن يرحمنا برحمته.

والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

دفاع عن المرأة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يقول المولى جلت قدرته وهو يذكر الناس بتقواه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21) .

قال بعض أهل التفسير:( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (النساء:1) أي: خلق حواء من ضلع آدم.

وقال غيره: بل كل زوج من أصل الزوج الآخر ( لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا )(لأعراف: الآية189) أي يسكن بعضهم إلى بعض.
وسمي الله الأزواج سكناً وهن ستر في الدنيا والآخرة.

وقد حث صلي الله عليه وسلم على الرحمة بالمرأة ودافع عنها، وهو الذي أعلن حقوقها يوم عرفة فأوصي بهن، ولقد رزقه الله أربع بنات وأحيا الله بناته حتى رآهن وزوجهن ودفن بعضهم، وكان يبدأ بهن قبل أن يسافر ويبدأ بهن إذا وصل من السفر من حبه لهن صلي الله عليه وسلم .

كان يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (( إن المرأة خلقت من ضلع))

الراوي: أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 574
خلاصة حكم المحدث: حسن


وقال ابن عباس : من ضلع آدم.

وقد روي أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنهما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إن النساء شقائق الرجال))، حديث حسن.. والمعني أن المرأة شقيقة الرجل ، وأنها نصف المجتمع ، وأنها مؤدبة للرسالة في بنات جنسها.

والمرأة عندنا أم وزوجة وأخت وبنت ومعلمة ومربية وداعية. قال سبحانه وهو يتفضل على عباده في العمل الصالح: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )(الأحزاب: الآية35)، وذكر الله أفعال الخير حتى ختم الآية.

ويقول سبحانه وتعالي في سورة آل عمران يوم ذكر الدعاة والمجاهدين والمهاجرين: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض)(آل عمران: الآية195)
وقال سبحانه وتعالي: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).

فهناك حزب هم المؤمنون والمؤمنات، وهناك حزب هم المنافقون والمنافقات ، وهناك لواء المسلمين والمسلمات، وهناك لواء المشركين والمشركات.

وقال صلي الله عليه وسلم : (( الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم))، قال أهل الغريب: عوان: أي أسيرات.

الراوي: عمرو بن الأحوص المحدث:الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1513
خلاصة حكم المحدث: حسن


فالمرأة أسيرة وواجب على المسلم إن يرحمها وأن يقدرها ويحترمها.

وصح عنه صلي الله عليه وسلم عند أبي داود وغيره أنه قال: (( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))، فخير الناس لأهله محمد صلي الله عليه وسلم .
قالوا لعائشة: كيف كان صلي الله عليه وسلم إذا دخل عليكن..قالت : ( كان يدخل ضاحكاً بساماً)، برغم المشاكل التي تطوف بأمته والحوادث المستقرة على رأسه، ولو وضعت على كثير من البشر لما استطاعوا حملها.
وفي كتاب البخاري في الأدب قال زيد بن ثابت: المزاح مع الأهل، والوقار خارج البيت. وبعض الناس عكس ذلك؛ مزاح ضحاك مع زملائه.. وقطوب عبوس مع أهله في بيته.

وقال بعض الشعراء المسلمين:

سلام أيـــها الأم الـــحنــــون
ويا أم الــــرجال الشجـــــون
فأنت ولــودة الأبطال نحـــــمي
عفافك بالجمـــاجم لا يهـــــون

وقال أديب عصري يدافع عن المرأة أما الحضارة الزائقة المزعومة:

أخرجوها من العفاف إلى الســــوق
وشقوا جلبابها بالمخــــاصــر
جعلوها علي المجـــــلات رمزاً
للهراء المـــفضوح بكف فاجــر
وادعوا أنهم بها قد حرروا الجيــل
وقد مزقوا الحياء بالخناجـــــر


دخل أحد الحكماء على ملك من الملوك فوجد طفلة الملك جالسة عند الملك، فقال الملك: سمعت أن الناس يقولون إن البنات يقربن البعيد ويبعدن القريب ويقطعن الأرحام.

قال الحكيم : كلا أيها الملك، والله إنهن رياحين القلوب، أتين بالرجال وحملن بالأبطال..درر مكنونة ومطارف مصونة.. يقمن على المريض ويذكرن الميت.. رحيمات بالأولاد خدومات للأجداد.. حجاب عن النار وكنز في السواد.



فالحجاب من النار تربية البنات في البيت على تعاليم الكتاب والسنة.

قال أبو الطيب المتنبي وهو يرثي أخت سيف الدولة:

ولو كــان النساء كمـــن عرفنا
لفضلت النســـاء علـــى الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيـــب
ولا التذكير فخــــر للهـــلال

يقول : لو كان النساء مثل أختك يا سيف الدولة فضلت النساء على الرجال. ففي الرجال من لا يساوي قلامة ظفر من امرأة، وفي النساء من تساوي ألف رجل.

لماذا نهتم بالمرأة؟

لماذا ندافع عن المرأة؟
لأنها مظلومة ظلمت من المجتمع الجاهلي الوثني الشركي في الجزيرة العربية.. فحرموها الميراث والرأي وجعلوها عقيماً عن حمل المبادئ ، واستخفوا بها وعملوها كما عاملتها الحضارة الغربية والثقافة المادية تماماً.

فأي مصيبة حلت بالمرأة في جاهليتها؟
مصيبة دهياء لا يعلمها إلا الله.

وهي مظلومة من الوضع الكافر الذي نعيشه الآن يوم أخرجوا المرأة بعد الحرب العالمية الثانية لتقود الدبابة والطائرة، وتأخذ السلاح وتحمل الكلاشنكوف ، وتصارع الأبطال ، وتقاتل في ساحة المعركة، وتكون جندية مرور.

إنها والله أمور تدل على أنهم ما قدروا المرأة حق قدرها وخذلوها في أعظم شيء تملكه وهو العفاف والحياء والطهر.

والمرأة مظلومة من بعض الآباء لأن كثيراً منهم لا يعرق قدر المرأة ولا يستشيرها ولا يعتبر رأيها، ومنهم من كان حجر عثرة في زواج ابنته، فإذا ما تقدم الكفء رفضه برأيه هو لا برأيها .. ولا يخبرها، حتى تعيش العنوسة والأسى.

وهي مظلومة أيضاً من بعض الأزواج .. فهو يتعامل معها كأنها دابة في البيت..فلا احترام ولا رحمة ولا سماع رأي ولا مناقشة بالتي أحسن، ولا حقوق ، وإنما هو يراها من صنف آخر ويتعامل معها بفظاظة وغلظة.

والله عز وجل يدافع عن المرأة لأن المرأة من المسلمين المؤمنين ..قال سبحانه وتعالي: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)(الحج: الآية38).

والرسول صلي الله عليه وسلم يدافع عن المرأة منذ أعطاها حقوقها وسن لها صلي الله عليه وسلم ما لها من حق في كثير من المناسبات. ولكن المجتمع لما جهل الفقه في الدين، وجهل الكتاب والسنة، حدث فيه أشياء يستغربها العقلاء، فمثلاً:

منها: أنهم يقولون في المجالس إذا ذكر أحدهم المرأة( المرأة أكرمكم الله)!!
فهذا الجاهل وهذا الأحمق، ظن أنه إذا ذكر المرأة دنس الأسماع أو المجلس فيقول: ( أكرمكم الله)، فهذه كلمة خاطئة وحرام أن ينطق بها وأن تقال.. وعلى من حضر المجلس وسمع أن ينكر بأشد الإنكار.

ومنها: أن بعض الناس يجد غضاضة ويجد احتقاراً ويجد نقصاً بأن يتكني لاسم البنت أو المرأة ، فيأنف أن نقول له : ( يا أبا فاطمة)و( يا أيا أسماء) و( يا أبا خديجة) ، وهذا خطأ وقد تكني الصالحون ببناتهم، والأبطال في المعارك.

وكان كثير من السلف يسمي الرسول صلي الله عليه وسلم ويكنيه( أبا الزهراء)، أي فاطمة البتول بنت الرسول صلي الله عليه وسلم التي يقول فيها محمد إقبال شاعر الباكستان:

هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟
من ذا يســـاوي في الأنــام علاها
أما أبوها فهــو اشرف مرسل
جبريل بالتـــوحيد قـــد ربـــاها
وعلى زوج لا تســـل عنه سوي
سيفـــاً غـــدا بيمينـــــه تياها

وقال شوقي:

أبــا الزهـــراء قد جاوزت حدي
بمـــدحك غير أن لي أســــــاء


وكان صناديد العرب ينتسب الواحد منهم لأمة ليزداد شرفاً وفخراَ بصفتها أنها عفيفة وشريفة وأنها محترمة.

قال الشاعر ـ وهو جرير ـ :

فمــا كعب بن مامة وابن سعدي
باشرف منك يا عمر الجـــوادا
تعود صالــح الأخــلاق إنـي
رأيت المرء يلـــزم ما استعـادا
عليكم ذا الندي عمــر بن ليلي
كريــم المال قد سبق الجــــوادا


وعمر بن ليلي هو عمر بن عبد العزيز ، وكان يرتاح إذا قالوا له: يا ابن ليلي.

وكان عثمان رضي الله عنه يرتاح في مجالسه إذا قالوا له يا ابن أروي.

ودخل النابغة الذبياني على النعمان بن المنذر ومدحه في قصره أمام الناس وأثني عليه وعلى حكومته في المناذرة وهم ملوك العرب وقال:

ولا عيب فيهـــم غير أن سيوفهـــم
بهن فلــــــول من قراع الكتائب
توارثنا من أزمان يوم حليمــــــة
على اليـوم قد جربنا كـــل التجارب


فيقول : من عهد جدتكم حليمة وسيوفكم تقطر دماً من أعدائكم! فارتاح وأعطاه الجائزة.

وكان قطري بن الفجاءة كنيته(أبو نعامة) وهي بنته، وقيل فرسه، والصحيح أنها بنته، فكان إذا حمي الوطيس خلع خوذته من على رأسه وقال: ( أنا أبو نعامة).

وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يسمي النساء بأسمائهن.. وكان الصحابة يتداولون أسماء نساء الصحابة ، وبنات الصحابة، وأخوات الصحابة، لأنها ما دامت شريفة وعفيفة وطاهرة فهي جزء من المجتمع.
دخلت زينب امرأة ابن مسعود والحديث في الصحيحين واستأذنت على الرسول صلي الله عليه وسلم ، وكان بلال بالباب ، فقال صلي الله عليه وسلم : (( من بالباب))؟

قال: امرأة ابن مسعود..فأذن لها.

وفي الصحيحين أن أم هانئ أخت على ابن بن أبي طالب استأذنت فقال صلي الله عليه وسلم (( من))؟

قالت: أم هانئ.

قال: (( مرحبا بأم هانئ)).

ونحن نعرف قائمة نساء الصحابة.. نعرف اسم امرأة أبي بكر وعمر وعلى وعثمان والعشرة وأهل بدر وشعراء الصحابة . ولكن لما طال الأمد أنف بعض الناس أن تذكر أسماؤهن.

ومن الأخطاء المعاصرة في حق المرأة: عدم سماع رأيها وفكرها.. ويرون أن المرأة لا تأتي برأي صائب! ويقولون : إن شارت عليك المرأة برأي فخالفها!

وهؤلاء مخطئون.. بل كثير منهن في رأيهن البركة والخير الكثير، والرسول صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين استشار الجارية عن عائشة وعن عفافها، وعن سترها ، فأشارت على رسول الهدي صلي الله عليه وسلم ، فكيف بالعاقلات الكبيرات المؤمنات الداعيات المحترمات.

ومنها: حرمانها الميراث، وهذه مأساة تعيشها المجتمعات البدوية والقروية والقبلية .. ويرون من العيب أن تذهب المرأة وتطلب ميراثها من أهلها، وينددون بمن يفعل ذلك، وهم المخطئون، وعلى هؤلاء أن يؤدبوا تأديباً رادعاً يزجرهم هم وأمثالهم، وأن ترفع قضاياهم للمحاكم الشرعية حتى يؤخذ بحقهم الإجراء اللازم لأنهم خالفوا شرع الله ورفضوا الكتاب والسنة.

ومنها: تحجيم دورها في الولادة والإنجاب.. فيفهم بعض الجهلاء أن دور المرأة أن تنجب ، وأن تحمل ، وأن تضع الطعام، وأن ترضع فقط، وأما غير ذلك من الحياة ليس لها مجال في ذلك. وهذا خطأ ، لأن لها التربية ولها أن تعلم البنات، ولها أن تدعو، ولها أن تشارك برأيها، ولها أن تشارك بدعائها، ولها أن تقوم على أطفالها، ولها أن تخرج الزعماء والقادة والشهداء والصالحين.

ومنها: إتعابها بالعمل وتكليفها فوق الطاقة. وهذا يوجد في المجتمع البدوي والقروي والقبلي، فيجعلونها تكدح كدحاً لا يعلمه إلا الله ، حتى كأنهم لا يتصورون لها طاقة محدودة وأنها ضعيفة، وأنها تحمل وتضع، وأنها تعاني الأمرين، فتشارك في الزراعة والحراثة وفي رعي الأغنام وفي صنع الطعام وفي كنس البيت وفي غير ذلك، حتى تبقي تعمل الساعات الطويلة من العمل المضني الذي لا يعمله إلا عمال المناجم!

وهذا أمر لا يقره الإسلام، فهن لهن طاقة.. وهي امرأة ضعيفة .. وكان صلي الله عليه وسلم يقول: (( الله الله في النساء))، أي إنهن ضعيفات لا يستطعن حمل كثير من الأمور.

ومنها: حرمانها من التعليم في بعض الجهات.. والتعليم عندنا جائز بمواصفات إسلامية وتحت مظلة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5).

عن تعليم المرأة ما يقوم بشؤون دينها وما يجعلها خائفة من الله متحجة متحشمة لهو من أفضل التعليم.

وقد علم الرسول صلي الله عليه وسلم الصحابيات.
وأتت امرأة فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بك يجاهدون معك ويحجون معك ويغزون معك، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فجعل لهن صلي الله عليه وسلم يوم الاثنين يعلمهن في ذاك اليوم ويفتيهن صلي الله عليه وسلم

وفي الصحيحين أنه خطب يوم العيد ثم قال لبلال: (( هيا بنا إلى النساء)) فخطبهن النبي صلي الله عليه وسلم وقال: (( تصدقن ولو بحليكن)) ، أو كما ورد في الحديث.

فقضية أن تبقي المرأة جاهلة لا تعرف القرآن ولا تحفظ كتاب الله عز وجل، ولا تعرف السنة والفقه.. قضية خاطئة نرفضها.

وأما التعليم الفاضح الذي يدعو المرأة أن تشارك الرجل في البرلمان، وأن تشاركه في حقوق الحياة، وأن تخرج متبذلة متكشفة سافرة، فهذا نرفضه وتعتبره تعليماً جاهلياً لا يزيدها إلا رداءة ولا يقودها إلا إلى النار.

نحن نريد تعليماً إسلامياً موقراً مقدساً يقودها إلى جنة عرضها السماوات والأرض كما كانت نساؤنا الأوائل.

فقد كانت عائشة رضي الله عنها عالمة.
قال الزهري: كانت عائشة تحفظ من الشعر ثمانية عشر ألف بيت. وكانت تفتي الصحابة في معضلات المسائل. وهناك كتاب ألفه بعض المحدثين اسمه( استدركته عائشة على كبار الصحابة).

وفتاويها جمعت في مجلد كبير وهي مجتهدة ومتطلعة.

وعمرة بنت عبد الرحمن عالمة من عالمات التابعين.

ومعاذة بنت سعيد بن المسيب كذلك.

وكذلك كريمة بنت أحمد شيخة ابن حجر في فتح الباري!
روت لأكثر من ستين ألفاً صحيح البخاري، وعالمات كثيرات حملتهن الكتب والسير والتواريخ.

ومنها: وضعها في عمل لا يليق بمكانتها.. كرعيها الأغنام والخروج للاحتطاب، وكذلك تريبها على السلاح والجيش، وفي المرور، وفي مواجهة الناس كالجوازات وعلى المنافذ العامة، وفي المستشفيات، وفي مباشرة الرجال، وفي النوادي الطبية وفي أماكن التمريض. فكل هذا لا يجوز في الإسلام ، فلا بد أن يكون عملها في حقلها مع بنات جنسها لا تري الرجال ولا يرونها.

وقد سألت صحابية رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو حديث حسن: ما أحسن شئ للمرأة ؟
قال: (( أن لا تري الرجال ولا يرونها))، وهي وصيته صلي الله عليه وسلم التي تبقي ابد الدهر خلا للمرأة في دنياها وأخراها.

ومنها : أن أي مشكلة تقع في البيت تجعل من نصيب المرأة، فهي سببها وأساسها، بل تجد في القضايا الشرعية عند القضاة إذا أتي الرجل يتحدث بسط لسانه في زوجته وتكلم عن ظلمها وعن إساءتها .. وهي خجولة لا تستطيع أن تبدي حجتها فيظلمها ويزيد عليها.

فهي كما قال تعالي: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف:18) .

ومنها: عدم فتح مجالات الدعوة للمرأة ، فينبغي أن يجعل لها محاضرات ودروس لبنات جنسها، أو حلقات تعليمية في القرآن وفي علم الحديث والتفسير والفقه، أو تقوم المرأة كذلك في حيها بجمع جاراتها على درس أسبوعي أو في القرى؛ لأن النساء يعشن في جهل رهيب بالتعاليم الشرعية.. فضلاً عن ما يخطط لهن من الأعداء.

ومنها: توجيه الغزو الفكري والخلقي للمرأة بواسطة المجلات والأفلام. وقد رأيت في بعض الأسواق أكثر من 18مجلة تحمل صور المرأة على الغلاف، وهم يعرضون المرأة في باب الجمال فقط، لا يعرضونها من باب الدين، أو أنهم يشيدون بعقلها أو بمكانتها أو بمستواها العلمي أو بذكائها أو بمصداقيتها أو بطهرها، إنما بجانب الجمال المتهتك!!

وأيضاً مجلات الأزياء تحمل أحجاماً كبري في تفصيلات الموضات الجديدة والأشكال والطرازت الحديثة في لباس المرأة وفي زيها.

وأيضاً مجلات الخياطة والتفصيل ، فهناك مقاسات كاشفة فاضحة عارية تعرض في البيوت.

أيضاً الأغاني التي أمطرت بها الأسواق وأحرج بها الناس.

أيضاً فقد جعلت المرأة في كثير من الأماكن وسيلة للدعاية كوضع المضيفات مثلاً.

وكذلك سكرتيرات في بعض المكاتب، وفي بعض السفارات، وفي بعض المنتديات والنوادي ، وكذلك في الفنادق وأماكن تجمع الناس.

ومنها: أن الكثير من الناس يدعون إلى التعدد ولا يذكرون العدل بين الزوجات الذي هو الأهم. فإن كثيراً من المحاضرين والدعاة يدعون الناس إلى أن يعددوا وأن يكثروا من الزوجات، ولكن لا يذكرون في محاضرة واحدة.. العدل بين الزوجات، فإن هذا أهم.

ولذلك وجد من تزوج بثانية فأهمل الأولي تماماً، فجعلها ليست مطلقة ولا متزوجة، وإنما معلقة، وجعلها كأنها خلقت هكذا لا اعتبار لها في الحياة.

ومنهم من ظلم حتى أنه يعطي هذه ثلاث ليال وهذه ليلة !.

ومنهم من لا يعدل في النفقة، ولا في الخلق، ولا في السكني، ولا في الطعام، ولا في غير ذلك مما يجب العدل فيه.

ومنها: مطالبة المرأة بحقوق الرجل دون ذكر حقوق المرأة على الرجل. فتجد كثيراً من الناس يطلبون من المرأة أن تؤدي حقوق الرجل كاملة غير منقوصة..أما حقها فلا يذكر!.

ومنها : التعامل معها بعنف وفظاظة إلى درجة الضرب حتى إن بعضهم يعلق( مشعاباً) في بيته!.

وهذا ظلم وإثم عظيم.. وقد قال صلي الله عليه وسلم : (( قد طاف بأبيات آل محمد نساء يشتكين من أزواجهن، وإن أولئك ليسوا بأخياركم أو من خيرتكم))

الراوي: إياس بن عبدالله بن أبي ذباب المحدث:الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 3197
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح


أو كما قال صلي الله عليه وسلم .

فمن يفعل ذلك ليس من خيرة الناس وليس من صفوتهم.

جاءت فاطمة بنت قيس إلى الرسول صلي الله عليه وسلم واستشارته في ثلاة تقدموا لها: ( ابو الجهم، ومعاوية بن أبي سفيان، وأسامة بن زيد).

فقال: (( أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له))

(( وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه))، أي أنه يضرب نساءه.

((وأما أسامة فرجل خير، أنكحي أسامة)).

قالت: فتزوجت أسامة فاغتبطت به.


سمعتُ فاطمةَ بنتَ قيسٍ تقول : إنَّ زوجَها طلَّقها ثلاثًا . فلم يجعلْ لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُكنى ولا نفقةَ . قالت : قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : " إذا حلَلْتِ فآذِنيني " فآذنَته فخطبها معاويةُ وأبو جهمٍ وأسامةُ بنُ زيدٍ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : " أما معاويةُ فرجلٌ تَرِبٌ لا مالَ له . وأما أبو جهمٍ فرجلٌ ضرَّابٌ للنساءِ . ولكن أسامةُ بنُ زيدٍ " فقالت بيدِها هكذا : أسامةُ ! أسامةَ ! فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : الراوي: فاطمة بنت قيس المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1480
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فالضرب ليس حلاً شرعياً إلا في مواطن ذكرها الله ـ عز وجل ـ في كتابه، وأن يكون ضرباً غير مبرح، وهو أن لا يكون مؤذياً، ولا يكون في الوجه ولا على البطن أو مكان حساس.

قيل لأحد القضاة ـ وكان يحب زينب امرأته وجلست معه أربعين سنة ـ: اضربتها في حياتك؟

قال: والله ما مددت يدي عليها.

ثم أنشد:

رأيت رجــالاً يضربون نســـاءهم

فشلت يميني يوم اضرب زينبــا

ومنها: اشتغال كثير من الناس في أمور الحياة.. وترك المرأة بلا حقوق، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( إن لأهلك عليك حقاً))

الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث:الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 394
خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد


ومنها: التجريح للنساء بكلمات بذيئة كاللعن والشتم.

والكثيرات منهن تتوهم أن اللعن طلاق وأنها تخرج من عصمته، والصحيح أن اللعن كبيرة من الكبائر.. وعليه أن يستغفر ويتوب.

ومنها: إفشاء سر المرأة وخصوصيات حياتها مع زوجها، والمرأة إذا أفضت إلى زوجها أو أفضى لها بحديث خاص لا يصح أن ينشر.

ولكن تجد بعض الناس لبرودته وقلة شهامته، ولانخلاعه وقلة غيرته، يخبر زملاءه ,إخوانه بماذا قالت له!

وقد حذر صلي الله عليه وسلم من هذا، ووصف أولئك أنهم من أقل الناس مروءة ، أو كما قال صلي الله عليه وسلم .

أيها الإخوة الكرام! هذا دفاع بسيط عن المرأة في حقوق قد أتثبتها لها الإسلام، فلعلنا أن نكون خير نصير لهن، وأن نبتعد عن تلكم الصفات المذمومة التي ذكرتها لكم.. وأن تعطي المرأة حقوقها كاملة.

والله أعلم وصلي الله على نبينا محمد.


الصفحات 1  2 3  4 

التالي

لماذا يوضع الهلال على مأذة المسجد

السابق

صاحبة الفستان العاري ماذا تعرضين ؟

كلمات ذات علاقة
أسس , التقوى , الصحى , القرني , تحت , على , عائض