الأخلاق التربوية .. الشيخ على بن عمر بادحدح

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
الأخلاق التربوية .. الشيخ على بن عمر بادحدح
الأخلاق التربوية .. الشيخ على بن عمر بادحدح



التربوية p5hxtdmltvymh4nb59f.
الأخلاق التربوية .. الشيخ على بن عمر بادحدح



وصية الله عز وجل للأولين والآخرين تقواه في كل آن وحين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
إخوة الإيمان:
هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة، وبهم نصون كل جليلة، هم الزينة وهم الفتنة كما أخبر الحق سبحانه وتعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15].
حديثنا موصول بين القمة والهوة في أخلاق ديننا العظيمة والجليلة وما انتهت إليه أحوال بعضنا في الهوة السحيقة، وحديثنا اليوم عن الأخلاق التربوية، عن المعاملة بين الآباء والأمهات مع الأبناء والبنات، إنها مسؤولية وأمانة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]
وروى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصيَ الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فتلكم وقايتهم من النار".
وكلنا يعلم أن هذه الأمانة مخصوصة بنصوص كثيرة وبتوصيف واضح، يتناول الشأن في الدنيا والحال في الآخرة، يتناول الواجب في هذه الحياة والثمرة والنتيجة يوم القيامة: (إن الله سائل كل راع عن ما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه النسائي وابن حبان في صحيحه من حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وتأملوا هنا ذلك الحديث الذي يجعل المسؤولية في المواجهة لا محيد عنها ولا يمكن البعد عن مواجهتها: (إن الله سائل كل راع عن ما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع) ثم يأتي التخصيص: (حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أي أحفظ هذه الأمانة وقام بالمسؤولية أم ضيّع؟.
والأمر من مبتدئه وفي أوله ومع لحظته الأولى وفي تعامله مع أصل الخلقة والفطرة: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه: {فطرت الله التي فطر على الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}.
والأمر ممتد إلى ما بعد الحياة الدنيا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [الطور: 21] من قام بالواجب وأدى الأمانة وأحسن التربية وزرع الأخلاق الفاضلة وعلّم أحكام الشريعة وربّى على الاستقامة {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} فيكون ذلك في رصيد الحسنات ويكون لذلك أثره يوم القيامة، والأمر في شتى الجوانب كما نعلم من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عند أبي داوود في سننه وسنده صحيح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم للصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرّقوا بينهم في المضاجع) وهذا أمر واضح.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوّده أبوه
فإن رأيت استقامة فاعلم أنها ثمرة بيئة مستقيمة في الغالب، وإن رأيت اعوجاجاً وانحرافاً فمرده في أكثر الأحوال إلى تلك النشأة الأولى، أي بشكل واضح ترجع إلي وإليك وإلى زوجتي وزوجك، إلى الآباء والأمهات، فإن الأبناء الذين قد نشكو من سلوكهم وقد نتبرم من أخلاقهم إنما خرجوا من ظهورنا وتربوا في بيوتنا ومرّوا تحت أيدينا وكانوا تحت أبصارنا، فإن كان من تفريط فمرده إلينا أو تقصير فسببه منا ولا بد أن يكون الأمر واضحاً ليس فيه مواراة ولا مجاملة.
وإنها لمسؤولية كما قلت في نص هذا الحديث حتى يسأل الرجل عن أهل بيته، والسؤال هنا سؤال عظيم يسأله رب الأرباب وملك الملوك وجبار السماوات والأرض، والزمان زمان عظيم وهو في يوم الهول الأعظم: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 34-36]، والميزان حينئذ دقيق: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]والأمر فيه منوط بقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدّثر: 38].
ومن هنا يأتي التنبيه والتخويف القرآني لنا وإن كان سياق الآية في أمر مادي إلا أن سعة معاني القرآن تشمل المعنويات كالماديات: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء: 9]، الآية في شأن من كان في آخر حياته ثم جاء يوصي بالمال هنا وهنا ويحرم ورثته فليخش أن يتركهم عالة كما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص، ومثل ذلك يقال فليخش أن يتركهم عالة على الناس في أدبهم وأخلاقهم وعلمهم فيتركهم جهلة لم يعلمهم دين الله عز وجل ويتركهم -واعذروني- سفلة لا يرتقون إلى مستوى الأخلاق والآداب فذلك تضييع لهم ربما كان أعظم من ذلك التضييع الذي جاء في الآية وجاء في حديث سعد ابن أبي وقاص لما زاره وعاده النبي صلى الله عليه وسلم حين مرض في مكة عند زيارة المسلمين لها فقال: إنه يرغب في أن يوصي بماله كله، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، الثلث، والثلث كثير)

الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث:الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3629
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فاجعلهم بعدك أصحاب علم يستقيمون على الأمر ويجتنبون النهي، واجعلهم بعدك أصحاب خلق يسمون ويرقون إلى معاني القيم وأفاضل السلوكيات والمعاملات.
وهكذا وإلا فإن الأمر مآله إلى مثل ذلك: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرّم الله عليه الجنة)، وهذا لفظ الحديث عند مسلم وعند البخاري بلفظ آخر: (ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة)، فكّر في حالك فأنت المخاطب بهذا، نعم يدخل في ذلك الراعي، الحاكم الذي يرعى الأمة والمجتمع لكنك أنت راع في بيتك وأنت الحاكم فيه وأنت المسؤول عن هذه الذرية وتلك الرعية، وإن تفريطك أو غشك لها وعدم قيامك بالأمر فيها وعدم أدائك للنصح لها من أسباب هذا الحرمان من الجنة أو مما قد يترتب عليه العقاب في النار يوم القيامة.
والآن في ومضة سريعة بحسب المقام، ما الأخلاق التي ينبغي أن نعامل بها أبناءنا وأن تكون هي المدرسة التي نخرجهم منها؟
أولاً: الحلم والأناة: دع عنك الغضب واترك الطيش واجتنب الحمق فإنه كله لا خير فيه، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة)

الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 18
خلاصة حكم المحدث: صحيح

كن واسع الصدر طويل النفس فإن شأن الأبناء والذرية قد يوجب شيئاً من التوتر أو الغضب لكثير مما يقع من أمور الحياة المعتادة من خلاف أو نزاع أو مخالفة أو فعل خاطئ فلا بد أن يجد ذلك ما يمتصه ويستوعبه حتى يكون التصرف من بعد تصرفاً راشداً وحكيما. وقد ابتدأتُ بذلك لأنه يغلب على كثير منا في بيته وتعامله مع أبنائه تلك المصطلحات العين الحمراء!
اليد الباطشة!

الوجه المقطب!

كأننا في محكة أو في ثكنة عسكرية!
كلا فإن ذلك لا يصلح.
والأمر الثانيالذي يتبعه ويلحقه ويتممه ويكمله وهو الرفق واللين، وقد صحّ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه)

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2593
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وفي حديثها الآخر عنها رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع منه إلا شانه) فلتكن رفيقاً ليناً ولتكن تلك هي السمة الغالبة والحسم والتأديب لا يُستثنى ولا يُلغى لكنه يأتي في هذا السياق ويكون حالة مثل علاج المرض فأنت في كل يوم في حال سليمة فإذا جاءتك سخونة أخذت لها الدواء بقدر تلك الحالة فحسب ولا تأخذ الدواء في كل وقت وحين، ومن جعل ذلك التأديب أو الحسم أو القسوة هي الأساس فإنه يكون قد أخذ أمراً وسلك مسلكاً ومشى في خلق لا يتفق مع ما جاء في كتاب الله وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثالث الأمور وهو من أعظمها وأجلّها المحبة والرحمة، ولما جاء الجد بن قيس وكان رجلاً زعيماً في قومه من الأعراب الذين فيهم غلظة وجفاء، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أبنائه فأخذه واعتنقه وقبّله، فقال الرجل معبراً عن حاله: إن لي عشرة من الأبناء ما قبّلتُ منهم واحداً قط، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5998
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

أولئك الأطفال والأبناء حتى وإن كبروا ما يزالون الأبناء، اليوم كلنا من كانت له على وجه الخصوص أم فإنها تنظر فيه إلى طفلها الصغير، تحضنه وتقبله وكأنما هو ما زال في مقتبل عمره وأول سنين حياته؛ لأن هذا هو الذي يفيض في قلوب الأمهات والآباء بشكل عام. ولذلك معاملة الحب هي التي تفيء في البيت وفي ظلاله وأنحائه أجواء من السكينة والهدوء تحتمل حينئذ أن يكون هناك حسم وتأديب في بعض الأحيان، وتحتمل أن يكون هناك باستمرار توجيه وإرشاد بالأسلوب المباشر.
ورابع الأمور الاعتدال والتوسط: فإن كل أمر يزيد عن حده ينقلب إلى ضده وكل أمر يقل عن الحاجة إليه يبقى الافتقار فيه، فإذا وعظت فاجعل الوعظ في الوقت المناسب وبالقدر المناسب وليس في كل وقت وآن، وجاء نفر إلى أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وكان يحدثهم في كل أسبوع مرة قالوا: وددنا يا أبا عبدالرحمن لو حدثتنا كل يوم، نحب حديثك، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة خشية السآمة علينا"، لا يريد أن يدخل الملل بكثرة التوجيه والقول والوعظ والإرشاد المتكرر، يجعل ذلك بأسلوب مناسب في وقت مناسب، ينتهز الفرصة التي تكون ملائمة والوقت الذي يوافق صفاء في الذهن أو استرعاء في الانتباه حتى يكون ذلك في موضع، ومثل ذلك يكون أيضاً ما بين الحزم واللين وما بين الاعطاء والإمساك، فإن الأمر كله دائر بين هذا وذاك في الأمر الوسطي ونحن أمة الوسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] ومثل ذلك يكون أيضاً بين التدليل والإفراط فيه وبين الحزم والقسوة فيه فإن الأمر في هذا وسط.
والخامس وهو جماع ما سبق كله: النموذج والقدوة، فإن الأعين لأولئك الأبناء معلقة بآبائهم وأمهاتهم، وإن الآذان مصغية إلى ألفاظهم وأقوالهم، وإن القلوب والنفوس مشرّبة بالاقتداء والاتساء بهم، فإن أحسنوا كان لذلك أثره في الحسن وإن كانت الأخرى فالنتيجة كذلك، ولا يلومن أحد إلا نفسه.
لا تكن مدخناً شرهاً يدخن أمام أبنائه ويأمرهم أو يطلب منهم أن يشتروا له الدخان ثم يتوقع أن يكفيه أن يقول لهم كما تقول له شركات التبع التدخين يضر صحتكم فلا تدخنوا!!
لا يصلح أن يكون سباباً لعاناً شتاماً ثم يريد لأبنائه أن تكون ألفاظهم حسنة وآدابهم رفيعة!!
وانظروا إلى كل أمر لأبنائنا فإنا واجدون له انعكاساً عنا واقتباساً منا واقتفاء لنا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولما شكى أبٌ من عقوق ابنه قال مقولة مذكورة في كتب التربية والآداب: "يا أبت عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وضيعتني وليداً فضيعتك شيخا"
وكما يقال: "كما تدين تدان"، والمسألة في الأخلاقيات التربوية مع الأبناء دقيقة؛ لأن الأنظار في سن الطفولة لا تكاد تفرق بين الصواب والخطأ وإنما تقلّد وتقتدي بالقدوة التي تراها وأعظمها الآباء والأمهات؛ ولذلك لا بد أن ينتبه الإنسان إلى كل هذه الأخلاقيات والسلوكيات حتى يرقى فيها إلى الأعلى والأسمى كما نعلم من هدي وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه ليس بعد القمة إلا الهوة، والهوة إن بدأت في الانحدار فغالباً ما يستمر إلى أن يصل إلى الدركات السفلى.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أبناءنا وأن يجعلنا من القائمين بحسن تربيتهم وتوجيههم والقيام بحقهم، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإنها أعظم زاد يقدم بها العبد على مولاه، وإن هذه الأخلاق التربوية في معاملة الأبناء والذرية صمام أمان إن فرّطنا فيه جاست في ديارنا الأخلاق الذميمة والسلوكيات المنحرفة وانتشرت في مجتمعنا الرذائل القبيحة والجرائم الفظيعة، نحن نشتكي من الإعلام ونقول إنه يبث ويصنع ويفعل!
من الذي أتى به؟!

من الذي اختار قنواته؟!
من الذي فتحها بلا قيد ولا ضبط؟!
من الذي لا يعلّق عليها أو يبين خطرها أو خللها؟!
نشتكي من التعليم ونقول إن المدارس ربما يكون فيها كذا وكذا من الذي لا يتابع؟!
من الذي لا يقوّم؟!
من الذي لا يصحح؟!

إلى أين يرجع هذا الابن عندما يرجع من مدرسته أو جامعته؟ يرجع إليك مرة أخرى، يعود لك لكي تصحح ما كان من خطأ وتقوّم ما كان من اعوجاج وتكمّل ما كان من نقص فذلك واجبك الذي لا يمكن أن تتخلى عنه.
ولا يصح بحال أن نشكو -والشكوى صحيحة- لكننا لا يصح أن نشكو ثم لا نعمل وأن نصيح ثم لا نؤدي الواجب وأن نكون نحن السبب في ذلك، نحن الذين اخترنا المدرسة واخترنا الوسيلة الاعلامية واخترنا اللعبة واخترنا المكان الذي يذهب إليه أبناؤنا وكان لنا معهم ما كان.
ولعلي أقف وقفات سريعة أخيرة في السلوكيات العملية وأولها: القرب والملاطفة، فلنكن قريبين من أبنائنا تشغلنا الأعمال فإذا جئنا إلى البيوت أيضاً انعزلنا عنهم إما براحة نبالغ فيها وإما بانشغال مثلهم بالوسائط التقنية أو الاتصالات أو بالخروج الذي يكرر الغياب طويلاً فينبغي أن يكون هناك نوع من المرح، وحسبكم ما تعلمونه من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم لما كان يحمل ابنة ابنته وتأتيه في الصلاة فتعلو رقبته فيصلي ويركع ويسجد ويراعي حالها، ولما جاء بعض أبناء أبنائه وامتطى ظهره قال: (إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله)، وهو سيد الخلق وإمام الأمة وحاكمها، والأمر في هذا يطول ومعروف.
والمسألة الثانية في غاية الأهمية، الاستماع والاصغاء: يريدون أن يتكلموا! لديهم ما يشغلهم! عندهم أسئلتهم!
إما أن الوقت غير متاح وإما أن الوضع مكهرب لا يسمح بالحديث وإما عندما يتكلم الكلمتين يقاطع ويقال: نعم نعرف ما ستقول، كلا فن الاستماع والاصغاء من أهم الأمور التي يحتاجها الأبناء.
ويلحق بذلك من بعده الحوار والمشاركة، لا تفرض الرأي مباشرة ولا تنزل الحكم قاطعاً بل خذ وأعط واستمع وقل وبيّن وفنّد، إذا كان الحوار قد جاء في القرآن بين إبليس وربنا سبحانه وتعالى يتكلم ويقول حجته ويقول ما عنده، وإذا كان الحوار كان بين الأنبياء كما رأينا بين موسى عليه السلام وفرعون وهو من هو وهكذا وبين إبراهيم والطاغية الذي كان في زمانه ونحو ذلك فكيف بأبنائنا لا نسمح لهم أن نسمع منهم ويأخذوا ويعطوا معنا؟! فتلك مسألة مهمة.
ثم المخالطة والمراقبة، لا ينبغي أن تكون المراقبة كأنما هي وسائل تجسس وكأنما هي تربص بالتلبس، كان يعجبني ما يقوله بعضهم: اضبط ابنك متلبساً بعمل جيد أو صالح لتشكره وتثني عليه، لا يكن همّك أن تضبطه متلبساً بعمل منحرف فيسوءك ذلك ويسوءه، ومن هنا تكون المراقبة بأسلوب المخالطة الإيجابية ومعها التربية الذاتية التي تنبني على مثل ذلك.
والدقة والملاحظة في غاية الأهمية؛ لأن السلوك الذي ينتهجه الآباء والأمهات دقيق وحساس بين الأبناء كلهم فربما ينظر إلى هذا نظرة ولا ينظر إلى الآخر مثلها، وربما يلاعب هذا ولا يلاعب هذا فيحصل نوع من الخلل وربما يميل في تصرفاته بشكل غير عادل بين الأبناء الذكور أو البنات ونحو ذلك، وكلنا يعلم الهدي في ذلك بل إن يعقوب عليه السلام قال ليوسف: {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]، نبّه إلى أمر قد يكون فيه إثارة ضغائن حتى لا يحصل شيء بين الأبناء وذلك في غاية الدقة والملاءمة.
وأخيراً التشجيع والتأديب، شجّع وحفّز وأكرم وأعط لكل خلق حسن ولكل عمل صالح وجّهت إليه وحثثت عليه، وفي المقابل أدّب بالأدب الصحيح والأسلوب المناسب الذي لا ينبغي أن يشتمل على أمر خطير وهو إهدار الكرامة أو الانقاص من القدر والاحترام، فإن العقوبة لا تتناول ذلك.
وأخيراً، ما الذي نريد بعد ذلك كله لأبنائنا؟ الالتزام بأمر الله عز وجل وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، التحلي بالأخلاق الفاضلة، الجدية في الحياة علماً وعملاً، والاستقلالية التي تظهر فيها شخصياتهم، وأخلاقنا الإسلامية في القمة وكثير مما قد يقع في مجتمعاتنا في الهوة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا وذرياتنا.

كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاك الله خير الجزاء

محاضرة رائعة

نقل مميز

اثابك الله
كتبت : أمواج رجيم
-
جزاكِ الله خيرا وبارك فيكِ
تقبلي تقييمي
كتبت : دكتورة سامية
-
أختي الغالية
بارك الله بكِ
وجزاكِ عنا خير الجزاء

اللهم لا تقطع رجائها وبلغها الأماني ،

واكفها الأعادي ،

وأصلح لها شأنها ،
وأكفها أمر دينها ودنياها وآخرتها
وارزقها قلباً تواباً لا كفارًا ولامرتاباً
واغفر لها واهدها وارزقها أنت خير الرازقين
برحمتك يا أرحم الراحمين

وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه

التالي

محاضرة أنصفوا المرأة .. الشيخ سعود الشريم

السابق

طريقنا الى القلوب .. الشيخ إبراهيم الدويش

كلمات ذات علاقة
الأخلاق , التربوية , الصحى , بادحدح , على , عمر