ما يبكيك يا أبا محمد

مجتمع رجيم / الاحاديث الضعيفة والموضوعة والادعيه الخاطئة
كتبت : فراشة الجنة
-

عبدالرحمن بن عوف ( ما يبكيك يا أبا محمد )
images?q=tbn:ANd9GcR
ذات يوم, والمدينة ساكنة هادئة, أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف, راح يتعالى ويتراكم حتى كاد يغطي الأفق.
ودفعت الريح هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصحراء الناعمة, فاندفعت تقترب من أبواب المدينة, وتهبّ هبوبا قويا على مسالكها.
وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها, لكنهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ عن قافلة كبيرة مديدة.
ولم يمض وقت غير وجيز, حتى كانت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال تزحم شوارع المدينة وترجّها رجّا, ونادى الناس بعضهم بعضا ليروا مشهدها الحافل, وليستبشروا ويفرحوا بما تحمله من خير ورزق..

وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, وقد تردد إلى سمعها أصداء القافلة الزاحفة..
سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة..؟
وأجيبت: إنها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له..
قالت أم المؤمنين:
قافلة تحدث كل هذه الرّجّة..؟!
أجل يا أم المؤمنين.. إنها سبعمائة راحلة..!!
وهزت أم المؤمنين رأسها, وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا, كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته, أو حديث سمعته..
"أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا"..

عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا..؟
ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله..؟
ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة إليه, فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة, وبأكثر من صيغة.
وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته, حث خطاه إلى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه..

ثم قال:
" أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها, وأقتابها, وأحلاسها, في سبيل الله عز وجل"..
ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها في مهرجان برّ عظيم..!!
هذه الواقعة وحدها, تمثل الصورة الكاملة لحياة صاحب رسول الله عبدالرحمن بن عوف".
فهو التاجر الناجح, أكثر ما يكون النجاح وأوفاه..
وهو الثري, أكثر ما يكون الثراء وفرة وإفراطا..
وهو المؤمن الأريب, الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين, ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة الإيمان ومثوبة الجنة.. فهو رضي الله عنه يجود بثروته في سخاء وغبطة ضمير..!!

متى وكيف دخل هذا العظيم الإسلام..؟
لقد أسلم في وقت مبكر جدا..
بل أسلم في الساعات الأولى للدعوة, وقبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم ويتخذها مقرا لالتقائه بأصحابه المؤمنين..
فهو أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام..
عرض عليه أبوبكر الإسلام هو وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص, فما غمّ عليهم الأمر ولا أبطأ بهم الشك, بل سارعوا مع الصدّيق إلى رسول الله يبايعونه ويحملون لواءه.
ومنذ أسلم إلى أن لقي ربه في الخامسة والسبعين من عمره, وهو نموذج باهر للمؤمن العظيم, مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يضعه مع العشرة الذين بشّرهم بالجنة.. وجعل عمر رضي الله عنه يضعه مع أصحاب الشورى الستة الذين جعل الخلافة فيهم من بعده قائلا:" لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض".
وفور إسلام عبدالرحمن بن عوف حمل حظه المناسب, ومن اضطهاد قريش وتحدّياتها..
وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة هاجر ابن عوف ثم عاد إلى مكة, ثم هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم هاجر إلى المدينة.. وشهد بدرا, وأحدا, والمشاهد كلها..
وكان محظوظا في التجارة إلى حدّ أثار عجبه ودهشه فقال:
" لقد رأيتني, لو رفعت حجرا, لوجدت تحت فضة وذهبا"..!!
ولم تكن التجارة عند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه شرها ولا احتكارا..
بل لم تكن حرصا على جمع المال شغفا بالثراء..
كلا..
إنما كانت عملا, وواجبا يزيدهما النجاح قربا من النفس, ومزيدا من السعي..
وكان ابن عوف يحمل طبيعة جيّاشة, تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون..
فهو إذا لم يكن في المسجد يصلي, ولا في الغزو يجاهد فهو في تجارته التي نمت نموا هائلا, حتى أخذت قوافله تفد على المدينة من مصر, ومن الشام, محملة بكل ما تحتاج إليه جزيرة العرب من كساء وطعام..
ويدلّنا على طبيعته الجيّاشة هذه, مسلكه غداة هجر المسلمين إلى المدينة..
لقد جرى نهج الرسول يومئذ على أن يؤاخي بين كل اثنين من أصحابه, أحدهما مهاجر من مكة, والآخر أنصاري من المدينة.
وكانت هذه المؤاخاة تم على نسق يبهر الألباب, فالأنصاري من أهل المدينة يقاسم أخاه المهاجر كل ما يملك.. حتى فراشه, فإذا كان تزوجا باثنين طلق إحداهما, ليتزوجها أخوه..!!
ويومئذ آخى الرسول الكريم بين عبدالرحمن بن عوف, وسعد بن الربيع..
ولنصغ للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يروي لنا ما حدث:
" .. وقال سعد لعبدالرحمن: أخي, أنا أكثر أهل المدينة مالا, فانظر شطر مالي فخذه!!
وتحتي امرأتان, فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلقها, وتتزوجها..!
فقال له عبدالرحمن بن عوف:
بارك الله لك في أهلك ومال..
دلوني على السوق..
وخرج إلى السوق, فاشترى.. وباع.. وربح"..!!
وهكذا سارت حياته في المدينة, على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته, أداء كامل لحق الدين, وعمل الدنيا.. وتجارة رابحة ناجحة, لو رفع صاحبها على حد قوله حجرا من مكانه لوجد تحته فضة وذهبا..!!
ومما جعل تجارته ناجحة مباركة, تحرّيه الحلال, ونأيه الشديد عن الحرام, بل عن الشبهات..
كذلك مما زادها نجاحا وبركة أنها لم تكن لعبدالرحمن وحده.. بل كان لله فيها نصيب أوفى, يصل به أهله, وإخوانه, ويجهّز به جيوش الإسلام..

وإذا كانت الجارة والثروات, إنما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها فان ثروة عبدالرحمن بن عوف إنما تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل الله رب العالمين..!!
لقد سمع رسول الله يقول له يوما:
" يا بن عوف انك من الأغنياء..
وانك ستدخل الجنة حبوا..
فأقرض الله يطلق لك قدميك"..
ومن سمع هذا النصح من رسول الله, وهو يقرض ربه قرضا حسنا, فيضاعفه له أضعافا كثيرة.
باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار, ثم فرّقها في أهله من بني زهرة, وعلى أمهات المؤمنين, وفقراء المسلمين.
وقدّم يوما لجيوش الإسلام خمسمائة فرس, ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة.
وعند موته, أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله, وأوصى لكل من بقي ممن شهدوا بدرا بأربعمائة دينار, حتى إن عثمان بن عفان رضي الله عنه, أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال:" إن مال عبدالرحمن حلال صفو, وان الطعمة منه عافية وبركة".

كان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده..
وآية ذلك أنه لم يكن يشقى بجمعه ولا باكتنازه..
بل هو يجمعه هونا, ومن حلال.. ثم لا ينعم به وحده.. بل ينعم به معه أهله ورحمه وإخوانه ومجتمعه كله.
ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال:
" أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله.
" ثلث يقرضهم..
وثلث يقضي عنهم ديونهم..
وثلث يصلهم ويعطيهم.."
ولم كن ثراؤه هذا ليبعث الارتياح لديه والغبطة في نفسه, لو لم يمكّنه من مناصرة دينه, ومعاونة إخوانه.
أما بعد هذا, فقد كان دائم الوجل من هذا الثراء..
جيء له يوما بطعام الإفطار, وكان صائما..
فلما وقعت عيناه عليه فقد شهيته وبكى وقال:
" استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني, فكفّن في بردة إن غطت رأسه, بدت رجلاه, وان غطت رجلاه بدا رأسه.
واستشهد حمزة وهو خير مني, فلم يوجد له ما يدفن فيه إلا بردة.
ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط, وأعطينا منها ما أعطينا واني لأخشى أن نكون قد عجّلت لنا حسناتنا"..!!
واجتمع يوما نع بعض أصحابه على طعام عنده.
وما كاد الطعام يوضع أمامهم حتى بكى وسألوه:
ما يبكيك يا أبا محمد..؟؟
قال:
" لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير..
ما أرانا أخرنا لم هو خير لنا"..!!
كذلك لم يبتعث ثراؤه العريض ذرة واحدة من الصلف والكبر في نفسه..
حتى لقد قيل عنه: انه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه, ما استطاع أن يميزه من بينهم..!!
لكن إذا كان هذا الغريب يعرف طرفا من جهاد ابن عوف وبلائه, فيعرف مثلا أنه أصيب يوم أحد بعشرين جراحة, وان إحدى هذه الإصابات تركت عرجا دائما في إحدى ساقيه.. كما سقطت يوم أحد بعض ثناياه. فتركت همّا واضحا في نطقه وحديثه..
عندئذ لا غير, يستطيع هذا الغريب أن يعرف أن هذا الرجل الفارع القامة, المضيء الوجه, الرقيق البشرة, الأعرج, الأهتم من جراء إصابته يوم أحد هو عبدالرحمن بن عوف..!!
رضي الله عنه وأرضاه..

لقد عوّدتنا طبائع البشر أن الثراء ينادي السلطة...
أي أن الأثرياء يحبون دائما أن يكون لهم نفوذ يحمي ثراءهم ويضاعفه, ويشبع شهوة الصلف والاستعلاء والأنانية التي يثيرها الثراء عادة..
فإذا رأينا عبدالرحمن بن عوف في ثرائه العريض هذا, رأينا إنسانا عجبا يقهر طبائع البشر في هذا المجال ويتخطاها إلى سموّ فريد..!

حدث ذلك عندما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجود بروحه الطاهرة, ويختار ستة رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ليختاروا من بينهم الخليفة الجديد..
كانت الأصابع تومئ نحو ابن عوف وتشير..
ولقد فاتحه بعض الصحابة في أنه أحق الستة بالخلافة, فقال:
" والله, لأن تؤخذ مدية, فتوضع في حلقي, ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر أحب إلي من ذلك"..!!

وهكذا لم يكد الستة المختارون يعقدون اجتماعهم ليختاروا أحدهم خليفة بعد الفاروق عمر حتى أنبأ إخوانه الخمسة الآخرين أنه متنازل عن الحق الذي أضفاه عمر عليه حين جعله أحد الستة الذين يختار الخليفة منهم.. وأنّ عليهم أن يجروا عملية الاختيار بينهم وحدهم أي بين الخمسة الآخرين..
وسرعان ما أحله هذا الزهد في المنصب مكان الحكم بين الخمسة الأجلاء, فرضوا أن يختار هو الخليفة من بينهم, وقال الإمام علي:
" لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أهل السماء, وأمين في أهل الأرض"..
واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلافة, فأمضى الباقون اختياره.

هذه حقيقة رجل ثري في الإسلام..
فهل رأيتم ما صنع الإسلام به حتى رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلاته, وكيف صاغه في أحسن تقويم..؟؟
وها هو ذا في العام الثاني والثلاثين للهجرة, يجود بأنفاسه..
وتريد أم المؤمنين عائشة أن تخصّه بشرف لم تختصّ به سواه, فتعرض عليه وهو على فراش الموت أن يدفن في حجرتها إلى جوار الرسول وأبي بكر وعمر..
ولكنه مسلم أحسن الإسلام تأديبه, فيستحي أن يرفع نفسه إلى هذا الجوار...!!
ثم انه على موعد سابق وعهد وثيق مع عثمان بن مظعون, إذ تواثقا ذات يوم: أيهما مات بعد الآخر يدفن إلى جوار صاحبه..

وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الجديدة كانت عيناه تفيضان من الدمع ولسانه يتمتم ويقول:
" إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال"..
ولكن سكينة الله سرعان ما تغشته, فكست وجهه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتهللة المطمئنة..
وأرهفت أذناه للسمع.. كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما..
لعله آنئذ, كان يسمع صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم له منذ عهد بعيد:

" عبدالرحمن بن عوف في الجنة"..
ولعله كان يسمع أيضا وعد الله في كتابه..
( ّالّذيِنَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262))..(البقرة )
كتبت : أمواج رجيم
-
جزاكِ الله خير وبارك فيكِ
لاحرمكِ الاجر
تقييمي
كتبت : ام احمد123
-
ربي يجزاك كل خير ويبارك بعمرك
كتبت : فراشة الجنة
-
اسعدتنى ردودكم
كتبت : * أم أحمد *
-

أختي الغاليه
الموضوع لما يحتويه من حديث كونه ضعيف وأسناده منكر حسب ما جاء في هذه الفتوى



السؤال



هل ورد حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يدخل إلى الجنة حبوا ؟ وإن ورد ذلك ما مدى صحة هذا الحديث ؟
وجزاكم الله عنا كل خير.






الإجابــة




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وردت جملة من الآثار في ذلك بعضها مرفوع وبعضها موقوف وكلها ضعيفة لا يصح منها شيء كما قال القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة .ومن تلك الآثار ما أخرجه أحمدفي مسنده عن أنس رضي الله عنه قال : بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا، قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء، قال فكانت سبعمائة بعير، قال فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: إن استطعت لأدخلنها قائما فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل . قال شعيب الأرناؤوط : حديث منكر باطل
ومنها أيضا ما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف ، والذي نفسي بيده لن يدخلها إلا حبوا . رواه البزار وفيه أغلب بن تميم وهو مجمع على ضعفه . وعن عبد الرحمن بن عوف قال : أريت الجنة فإذا هي لا يدخلها إلا المساكين ، فدخلت معهم حبوا ، فلما استيقظت قلت : إبلي التي أنتظرها بالشام وأحمالها في سبيل الله حتى أدخلها معهم ماشيا . رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو مجمع على ضعفه . انتهى من مجمع الزوائد.
وخلاصة القول أنه لم يصح شيء في كون عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لا يدخل الجنة إلا حبوا ، قال الهيثمي بعد أن ساق تلك الآثار : وقد شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بدرا والحديبية وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وصلى خلفه .
والله أعلم .







قصة الصحابي عبدالرحمن بن عوف ودخولة الجنة حبوا

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص وانتشرت على ألسنة العوام،
كذا المتصوفة وسادتهم الذين يعيشون على نذور المقبورين،
ويروجون لمثل هذه القصص الواهية التي تطعن في سلفنا الصالح الذين انتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله.


أولاً: متن القصة:

"بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتًا رجت منه المدينة فقالت: ما هذا؟ فقالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام، وكانت سبع مائة راحلة، فقالت عائشة رضي الله عنها: أما إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوًا".
فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسألها عما بلغه فحدثته قال: فإني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله". اه.


وفي رواية قال: إن استطعت لأدخلنها قائمًا فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله وكانت سبعمائة بعير فارتجت المدينة من الصوت.

ثانيًا: التخريج:

الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه:
أحمد في "المسند" (1-115) ح(24886)، والطبراني في "المعجم" (1-129) ح(264)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1-384)، وفي "الحلية" (1-98)،
وابن الجوزي في "الموضوعات" (2-13) كلهم من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال فذكره.

ثالثًا: التحقيق:

هذه القصة واهية وعلتها:

عمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري:

1- أورده الحافظ في "التهذيب" (7-) وقال:
أ- قال الأثرم عن أحمد: يروي عن ثابت عن أنس أحاديث مناكير.

ب- وقال الآجري عن أبي داود: ليس بذاك.

ج- وقال الساجي: فيه ضعف ليس بشيء ولا يقوى في الحديث.

2- وأورده الإمام الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" رقم (382) وقال:
"عُمارة بن زاذان الصيدلاني بصري روى عن ثابت وأبي غالب فَزَوَّر". اه.

قلت: وقد يُظن بكتاب الدارقطني هذا:
أن الدارقطني باقتصاره على ذكر اسم الراوي فقط أنه سكت عنه.
ولكن مجرد ذكر الاسم يكون الراوي متروكًا كما هو مبين في القاعدة المذكورة في أول الكتاب.
قال الإمام البرقاني: "طالت محاورتي مع ابن حمكان للإمام أبي الحسين علي بن عمر- عفا الله عني وعنهما- في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات". اه.
قلت: من هذه القاعدة يتبين أن عمارة بن زاذان متروك.
3- قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-13):
أ- قال أحمد بن حنبل: هذا الحديث كذب منكر، قال: وعمارة يروي أحاديث مناكير.
ب- قال أبو حاتم الرازي: عمارة بن زاذان لا يحتج به.
ج- وقد روى الجراح بن منهال إسنادًا له عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يابن عوف إنك من الأغنياء، وإنك لا تدخل الجنة إلا زحفًا فاقرض ربك يطلق قدميك".
قال النسائي: هذا حديث موضوع،
والجراح متروك الحديث،
وقال يحيى: ليس حديث الجراح بشيء،
وقال ابن المديني لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: كان يكذب،
وقال الدارقطني: روى عنه ابن إسحاق فقلب اسمه فقال منهال ابن الجراح وهو متروك". اه.
4- ثم قال الإمام ابن الجوزي:
"وبمثل هذا الحديث الباطل تتعلق جهلة المتزهدين ويرون أن المال مانع من السبق إلى الخير،
ويقولون: إذا كان ابن عوف يدخل الجنة زحفًا لأجل ماله كفى ذلك في ذم المال، والحديث لا يصح،

وحاشا عبد الرحمن المشهود له بالجنة أن يمنعه ماله من السبق لأن جمع المال مباح،

وإنما المذموم كسبه من غير وجهه،، ومنع الحق الواجب فيه، وعبد الرحمن بن عوف منزه عن الحالين، وقد خلف طلحة الذهب وخلف الزبير وغيره،
ولو علموا أن ذلك مذموم لأخرجوا الكل، وكم قاصٍ يتشدق بمثل هذا الحديث يحث على الفقر، ويذم الغنى فلله در العلماء الذين يعرفون الصحيح ويفهمون الأصول". اه.

5- وقال الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" (ص25): "
والذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب،
وأولى مجاملة أن نقول: هو من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد أن يضرب عليها، فإما أن يكون الضرب ترك سهوًا، وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث وأخل بالضرب والله أعلم". اه.

6- قلت: لقد اكتفى الحافظ ابن حجر على كذب القصة بشهادة الإمام أحمد لأن الحافظ رحمه الله يعرف مكانة الصحابي عبد الرحمن بن عوف رحمه الله. حيث قال في "الإصابة في تمييز الصحابة" (4-346) ترجمة (5183):

عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو محمد،
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين أخبر عمر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه توفي وهو عنهم راضٍ، وأسند رفْقته أمرهم إليه حتى بايع عثمان ثبت ذلك في الصحيح. اه.
ثم قال: ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قديمًا قبل دخول دار الأرقم، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وسائر المشاهد.
7- انظر كيف سولت لهؤلاء القصاص والوعاظ أنفسهم في أن يصنعوا هذه القصة الواهية على صاحب هذه المناقب الصحابي
عبد الرحمن بن عوف
حتى يسعدوا المتصوفة بما هم فيه من عجزٍ وكسل وتسول على النذور للمقبورين.

وإن تعجب فعجب كيف يأخذون بهذه القصة الواهية التي تدعو إلى البطالة والعجز والكسل والفقر، ويتركون الصحيح الذي يدعو إلى العفاف والسعي للعمل.

رابعًا: الصحيح من استعفاف عبد الرحمن بن عوف وسعيه للعمل.
هذه قصة صحيحة تبين استعفاف عبد الرحمن بن عوف وسعيه للعمل أخرجها الإمام البخاري في الصحيح (ح3780):
"لما قدم المدينة آخى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن، وبين سعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن:
إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟
فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "مهيم"؟
قال: تزوجت، قال: كم سقت إليها؟ قال: نواة من ذهب- أو وزن نواة من ذهب". اه.
قلت: انظر إلى القصة الواهية وأثرها السيئ في الأمة تجعل أصحاب العفاف والسعي للعمل يدخلون الجنة حبوًا.
""كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا"" {الكهف: 5}.
ولقد محت الأحاديث الصحيحة ظلمات هذه القصة الواهية
وبينت نكارتها،
فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" (ح2721)
من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
"اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى".

خامسًا: الصحيح في الصوم والتقى:
هذه قصة أخرى صحيحة لعبد الرحمن بن عوف تبين الهدى والتقى كما بينت القصة السابقة الصحيحة العفاف والغنى.
فقد أخرج البخاري في الصحيح (ح1275)
من حديث سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أُتي بطعام، وكان صائمًا، فقال: قُتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، كفن في بردة إن غُطي رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاهُ بدا رأسه، وأراه قال: وقُتل حمزة- وهو خير مني- ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط-
أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا- وقد خِشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا. ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. اه.
فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة ومن الصائمين الذين يقومون ولا يحبون ليدخلوا من باب الريان.
والله من وراء القصد
المصدر:
مجلة التوحيد







التالي

سبونج بوب معي في غرفتي

السابق

انا عارفه ان دا مش مكانه بس عاوزا مساعدتكم

كلمات ذات علاقة
أبا , محمد , يبكيك