من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة

مجتمع رجيم / السيرة النبوية ( محمد صلى الله عليه وسلم )
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة
من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة



928874944.gif


من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة

الشيخ على بن عمر بادحدح

رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم وهي من خصاله العظيمة الجليلة ونبدأ ببعض ما يُحتاج إليه من معرفة هذه الصفة، وبيان معناها، وبعض الأمور المتعلقة بها، ثم نخلص من بعدُ إلى ذكر هذه الخصيصة في حياة وسلوك وشمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرحمة في اللغة:
الرحمة كما ذكر ابن فارس في معجمه: الراء والحاء والميم أصل يدل على الرقة والعطف والرأفة، فهو من حيث اللغة معنى من المعاني التي فيها سلوك قلبي ونفسي يتوجه به إنسان إلى آخر لسد حاجته وخلته، ومواساة نفسه وإزالة الضرر عنه.


ونستطيع أن ننظر إلى هذه المعاني فنجد بينها كثيرا من التقارب، فيصدق في بعضها أنه ضرب من الترادف في لغة العرب، فالرحمة ليست بعيدة من الشفقة وليس بينها وبين الرأفة كبير فرق، وينضم إلى ذلك العطف والرقة ونحوه.
ونحن نقول في كلامنا: ترحمنا على فلان إذا دعونا له بالرحمة.
وتأتي الرحمة أيضاً بمعنى الرزق كما في قول الله جل وعلا: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْه} (هود: الآية9).
والمقصود هنا في الرحمة: الرزق أي إذا أعطيناه رزقاً، ثم سلبناه هذا الرزق كان منه ذلك الوصف.

الرحمة في المعنى الاصطلاحي:

قال الكفوي رحمه الله: الرحمة حالة وجدانية تعرض غالباً لمن به رقة القلب وتكون مبدأً للانعطاف النفساني الذي هو مبدأ الإحسان.
فهي حالة وجدانية أي شعور نفسي في القلب والنفس يحل عند من في قلبه رقة؛ لأن من في قلبه قسوة لا تكون عنده رحمة، ومن في طبعه جفاء وغلظة لا يكون في سلوكه عطف ولا رحمة.

قد ترى مريضاً فترحمه فماذا تصنع؟
تقول له كلمات من المأثور، أو من غيره ما تسري به عن نفسه أو تواسيه، وربما تجده وهو محتاج إلى العون فيرق قلبك فتساعده وتنجده.
فالرحمة شعور نفسي يكون منطلقاً إلى التوجه إلى الإحسان العملي قولاً أو فعلاً.

ونحن نعلم أن من أسماء الله الحسنى الرحمن والرحيم، وكلاهما مشتق من الرحمة، إلا أن الرحمن أوسع وأشمل في المعنى، وهو أخص بالذات الإلهية فلا يطلق على غير الله جل وعلا، وأما الرحيم -وإن كان مشتقاً من الرحمة- فيطلق على الإنسان، ولكن بما يكون من صفته وطبيعته، والرحمة في صفة الرحيم الله عز وجل أعظم على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى.

والرحمن أعظم في الرحمة من الرحيم، ومن ثم قال بعض أهل العلم في الرحمن: أي الرحمة الشاملة العامة التي تتناول الكون كله، وسائر المخلوقات.

والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين كما ورد في سياق كثير من النصوص القرآنية والنبوية.

وعندما نقول إن الرحمة عطف أو شفقة هل يعني أنها موافقة ومسايرة؟ وهل يعني أنها ليس فيها شيء من الحزم ؟.
الجواب: لا.
فالرحمة مشتملة على الحزم، وهي معنى من المعاني التي فيها رقة وعطف، قد يكون معه نوع من الجد والحزم فلا إفراط ولا تفريط.

وعندما نتأمل هذا المعنى نجده متجسداً في صور عملية كثيرة، فالوالد رحيم بأبنائه، ولكنه يكون حازماً في تربيتهم، وربما يكون حازما في بعض الأحوال في منعهم أو زجرهم عما يضرهم، فليس ذلك مناقضاً للرحمة بل هو عين الرحمة.

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم مهمته مع هذه البشرية وصفاً يدل على معنى قريب من هذا عندما قال عليه الصلاةوالسلام: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعل الفراش والهوام يقعن فيها وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار).
الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5858
خلاصة حكم المحدث: صحيح


ومثل ذلك قوله عليه الصلاةوالسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).

الراوي: أبو هريرة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7280
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


فليست الرحمة دلالاً مفرطا،ً وليست غضاً للطرف عن الأخطاء والنقائص والمعاصي.

رحمته صلى الله عليه وسلم:


كان أرق الناس قلباً وأرحمهم نفساً وأعظمهم عطفاً وأكثرهم رأفة، وكان عليه الصلاةوالسلام في جملة وجوده وبعثته رحمة مهداة للبشرية كلها.
ونبدأ في بيان ذلك مما نعرفه من كتاب الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128).

وقال جل وعلا في وصفه بالرحمة وبيان أثرها في الدعوة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: الآية159).

ملأ الله قلبه رحمة، فكانت رحمته ليناً وعطفاً شملت كل من حوله من أصحابه، بل وغير أصحابه حتى وسعت أعداءه.

الوصف العام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة:
قال أبو موسى الأشعري: كان النبي صلى اللهعليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، يعني يذكر أسماءه التي هي أوصافه، ويذكرها لأصحابه رضوان الله عليهم قال: فقال: (أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة) رواه مسلم في صحيحه.

والمقفي: الذي جاء في قفا وأثر الأنبياء من قبله، والحاشر: الذي يحشر الناس على عقبه، فيكون هو أول من يقوم للحشر في يوم القيامة ، والشاهد هنا: نبي التوبة ونبي الرحمة.

وفي يوم فتح مكة، وقد كان جيش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عظيماً، وكانت فيه الكتيبة الخرساء، وكان صلى الله عليه وسلم في أعظم ما يكون من الهيبة والقوة والعظمة، قال سعد يومها: اليوم يوم الملحمة.
وكان عليه الصلاة والسلام دائماً في هذه المواقف يريد أن يبين أن الأصل هو الرحمة، وأن القسوة التي تبدو في بعض تشريعات الإسلام إنما هي رحمة.
إن الجهاد الذي ربما يكون فيه قتل وإزهاق للنفوس هو رحمة بالعباد، وهو دفع لضرر الكفر والشرك والاستعباد من الطواغيت الذين يتسلطون على رقاب الناس فتكون دعوة الإسلام والجهاد في سبيل الله رحمة بالبشرية تخلصهم من رق الاستعباد والظلم والطغيان، وتخرجهم من ظلمات الشرك والجاهلية إلى نور الإيمان، وهذا فقه دقيق نقتبسه من كلامه عليه الصلاةوالسلام: {اليوم يوم المرحمة}.

الرحمة صفة أمته صلى الله عليه وسلم:


يؤكد صلى الله عليه وسلم على معنى الرحمة، ويذكر أن هذه الصفة كما هي صفته عليه الصلاةوالسلام هي صفة أمته، فقد ورد أيضاً من حديث أبي موسى الأشعري فيما رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي ورواه كذلك البيهقي في السنن وغيرهم قال عليه الصلاةوالسلام: {إن هذه الأمة مرحومة}.


الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3483
خلاصة حكم المحدث: صحيح



فرحمة الله لها تجعلها رحمة على بنيها، وعلى ذاتها وعلى غيرها أيضاً، ورد ذلك جلياً في حديث النبي عليه الصلاةوالسلام عن النعمان بن بشير قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: {مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى}.


الراوي: النعمان بن بشير المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6011
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]



وهذا وصف بطبيعة الرحمة والمودة والعطف الذي حظيت به هذه الأمة، أو وصفت به، فمن خالف وشذ، فكأنما خرج عن صفة الأمة التي جلاها النبي عليه الصلاةوالسلام في هذا المثال الفريد.


الرحمة من أعظم الأخلاق:
كذلك نجده عليه الصلاةوالسلام يؤكد أن الرحمة في ذاتها صفة مدح وصفة كمال، وذات أثر عظيم على الإنسان في سلوكه، كما في حديث جرير عند البخاري ومسلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: {لا يرحم الله من لا يرحم الناس}.
فمن أراد رحمة الله يتعرض لها برحمة الناس، وليس مثل هذا في الحض والحث والترغيب.

من ذا الذي يستغني عن رحمة الله؟


من ذا الذي لا يتمنى ويرجو ويدعو ويتضرع بأن ينال رحمة الله عز وجل؟

ثم يكون الطريق لهذا كما قال عليه الصلاةوالسلام في حديث آخر: {الراحمون يرحمهم الرحمن}.
وفي حديث آخر يرويه أبو هريرة رضي الله عنه يقول عليه الصلاةوالسلام: {لا تنزع الرحمة إلا من شقي} رواه الترمذي وأبو داوود وحسنه الترمذي.
الرحمة من الإيمان:
جاء في حديث النبي عليه الصلاةوالسلام ربط مهم للرحمة بالإيمان، فالرحمة ليست شيئاً منبتاً عن الإيمان ولا منفصلة عنه، بل هي من خصاله وشعبه ومن دلائل كماله وقوته، يقول عليه الصلاةوالسلام كما روى ابن مسعود: {لن تؤمنوا حتى تراحموا}.
والمقصود: لن يكمل إيمانكم حتى تراحموا، فماذا قال الصحابة؟
قالوا: كلنا يا رسول لله رحيم، كلنا في قلوبنا رحمة وشفقة، فقال عليه الصلاةوالسلام: {إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة الناس} رواه الطبراني، وقال ابن حجر في الفتح: رجاله ثقات.

رحمة العامة ليس أن ترحم جارك، وأن ترحم ابنك، وإنما أن تكون رحمتك متدفقة فياضة تعم الناس وتشمل العامة كلهم، وهذا يدل على عمق وقوة صلة الرحمة بالإيمان، وأن الإيمان إذا كمل وعظم ورسخ كان فيض الرحمة من أثر الإيمان متدفقاً كأنه ال العذب الذي لا ينضب، بل يتدفق دائماً بهذا الخلق العظيم الفياض.

صور من رحمته صلى لله عليه وسلم:
الصورة الأولى:
روى مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شبيبة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، يقول مالك: فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا.
وسألنا عمن تركنا في أهلنا، كيف تركتم أهلكم؟

فأخبرناه، يقول مالك: وكان رفيقا رحيما، فقال: (ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم) رواه البخاري.
والشاهد هنا كيف كان النبي لماحا، بعض الناس يطلب من العاملين لديه مواصلة العمل، ويواصل ويواصل، ولا يلتفت أنه ربما قد بلغ بهم التعب مبلغه، أو عندهم شيء من المصالح التي قد تدور في أفكارهم، وتشغل قلوبهم، وأما النبي عليه الصلاةوالسلام فبرحمته من جهة، وبفطنته وذكائه كان يتلمس مثل ذلك.
الصورة الثانية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير، وإذا صلى أحدكم بنفسه فليطول ما شاء} رواه البخاري.

وهذه في العبادة التي فيها الإقبال على الله عز وجل عظيم، والرغبة في الاستزادة منها كبيرة، ومع ذلك يحذر النبي عليه الصلاةوالسلام حتى لا تنقلب العبادة إلى مشقة، فتنفر الناس وتشق عليهم، وتكون حينئذ ثقيلة على قلوبهم، بغيضة إلى نفوسهم، وهذا يصرف الصلاة عن مقصودها، ومن جهة أخرى به رحمة بأولئك الذين لهم ظروف خاصة، وكان عليه الصلاةوالسلام يطبقها فيقول كما في حديث أنس بن مالك قال: {إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه} رواه البخاري.
بعض الأئمة لا يلتفت إلى شيء من ذلك، أما الرسول عليه الصلاةوالسلام فانظروا كيف كان مرهف الحس فياض العاطفة عظيم الرحمة يقول {فأتجوز في صلاتي} يعني: يخفف فيها. لماذا؟
لأنه يعلم كيف يكون قلب الأم ورحمتها وشفقتها كيف ستتم هذه الأم صلاتها وهي مشغولة بابنها؟.

الصورة الثالثة:

قال له أبو هريرة: يا رسول الله ادع على المشركين، فقال عليه الصلاةوالسلام: {إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة} رواه مسلم.

كم في أقوالنا ما لا يتفق مع هذه الرحمة المهداة في خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم، كم نقسو على الناس ونشتد عليهم بالقول، وتجهم الوجه، فضلا عما قد يكون منا من قسوة في العمل.

الصورة الرابعة:

قصة الأعرابي -والأعراب فيهم غلظة وجفاء- جاء هذا الأعرابي وفي بعض الروايات تسميته وهو الأقرع بن حابس جاء فوجد النبي عليه الصلاةوالسلام والصحابة يُقبِّلون الصغار والأطفال فقال: تقبلون صغاركم أو أبناءكم؟
وفي رواية الأقرع قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم قط.
فقال عليه الصلاة
والسلام: {وهل أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك} رواه البخاري.


هذه رحمة وفطرة لابد أن تكون عند الإنسان المسلم، لاشك أن الإنسان الذي يفقد هذه الرحمة سيكون من أشد الناس قسوة في القلب، وغلظة في الطبع، وجفاء في المعاملة.

الصورة الخامسة:
نجد بعض السلوكيات التي كان النبي عليه الصلاة والسلام ينبه عليها؛ ليبين كف كانت الرحمة تشغل فكره، في حديث عمر بن الخطاب أخبر بأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعض السبي، سبي من بعض الغزوات، قال: وفي السبي امرأة تحلب ثديها فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، أم ترحم ابنها، وترحم كل رضيع سبي بعد المعركة في ظرف ربما تشرد أهله، فانتهز النبي الفرصة؛ لأن أعظم صورة تتجلى فيها الرحمة هي رحمة الأم بأبنائها وعطفها على صغارها، قال النبي عليه الصلاةوالسلام: {أترون هذه طارحة ولدها في النار؟}
قالوا: يا رسول الله لا.
وهي تقدر على ألا تطرحه، حينئذ قال: {فالله أرحم بعباده من هذه بولدها} رواه البخاري.

أراد أن يلفت نظرهم إلى أعلى صور الرحمة عند البشر، ثم قال إن رحمة الله أعظم من هذا بما لا يحده حد ولا يحيط به وصف في ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته.

الصورة السادسة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال الرسول عليه الصلاةوالسلام: {جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل إلى الأرض جزءا واحدا، فذلك الذي تتراحم الخلائق به، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه} رواه مسلم.

رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال:

ننتقل إلى صور أخرى أبلغ في الرحمة النبوية، والرحمة تتجلى بالذات مع الصغار كثيرا، وللأسف إن بعض الآباء أكثر ما يكونون شدة وقسوة مع الصغار، وأما المراعاة والملاطفة والمداراة فللكبار، بل أحيانا ربما تكون مداراة مجبرين عليها ليس لهم فيها خيار، لكن انظروا إلى هذا الحديث.
أسامة بن زيد بن حارثة، وزيد بن حارثة هو حِبُّ النبي عليه الصلاة والسلام، وأسامة حِبُّه وابن حِبِّه، كان صغيرا تربى قريبا من النبي عليه الصلاة والسلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويأتي بالحسن فيقعده على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ويقول: {اللهم ارحمهما فإني أرحمهما} رواه البخاري.

ونحن نعرف مدى عظمة شخصية النبي عليه الصلاة والسلام وهيبته، وكان الغريب إذا رآه ترتعد فرائصه من هيبة النبي عليه الصلاة والسلام فيقول له: {على رسلك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد} صحيح الجامع.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن يعثر في ثوبه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره وأخذه وأصعده وجعل يخطب فينظر إلى الناس وينظر إلى الحسن.

وقصة أمامة بنت زينب بنت النبي عليه الصلاة والسلام كان يحملها في صلاته فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وهذه أيضا صورة عملية واضحة جدا لبيان كيف تكون الرحمة حتى تتأسى به الأمة.
كان النبي عليه الصلاة والسلام قائد الدولة وقائد الجيوش والذي من المفترض ألا يكون عنده وقت.
تقول عائشة رضي الله عنها: كان يؤتى للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم، كلما ولد مولود يأتون به للنبي عليه الصلاة والسلام الذي يقوم بكل المهمات العظيمة في الدولة الإسلامية، يأتون له بالصغار حتى يبرك عليهم ويحنكهم، وقصة مولد عبد الله بن الزبير معروفة، لأنه كان أول مولود ذكر ولد للمسلمين بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة من مكة إلى المدينة.
تقول أسماء: حملت بعبدالله بن الزبير بمكة، فخرجت -أي وهي على وشك الولادة- فأتيت المدينة فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بتمرة ودعا له وبرك عليه، فكان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة، يعني أول مولود ولد للمسلمين في المدينة.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه أحد الصحابة بابن له صغير ووضعه النبي عليه الصلاة والسلام في حجره، فبال عليه فمسح النبي عليه الصلاة والسلام، وأعطاه لأهله، وهذا الرواية تقول فيها أم قيس بنت محصن: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي وهو صغير لم يأكل الطعام، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
صور عملية تطبيقية للرحمة:

لننظر أيضا في الرحمة العامة في الأمور المعتادة، وهذا الموقف بالذات يمر بنا كثيرا، ويمر بي أحيانا، ويدور في ذهني لم لا نكون كذلك؟.
هذا الحدث رواه شريد الهمداني وأخواله من ثقيف قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: فبينا أنا أمشي إذا وقع ناقة خلفي أي: صوت ناقة، يقول: فالتفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {الشريد؟}
قلت: نعم يا رسول الله قال: {أفلا أحملك؟} قلت: بلى. يقول هو وما بي عياء ولا لغوب، أي: لست متعبا ولا شيء، ولكني أردت بركة ركوبي مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأناخ فحملني معه.

كم نمر في أوقات الظهيرة بأناس يسيرون في طريقنا لا نقف لهم، وربما أحيانا يكون في طريق منفرد لا يتصور أنه يجد ما يحمله من المواصلات العامة أو نحو ذلك.
وفي حديث جابر رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر فلما سلم قال: {على أماكنكم} أي: ابقوا أماكنكم، وأهديتْ له جرة من حلواء فجعل يلعق كل رجل لعقة يعطيه، قال: حتى أتى عليّ وأنا غلام فألعقني لعقة ثم قال: {أزيدك؟} قلت: نعم. فزادني لعقة لصغري، فلم يزل كذلك حتى أتى على آخر القوم. رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه.
رحمة وبكاء:
عن أسامة بن زيد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن ابنته أرسلت له: إن ابنا لي قبض فأتنا، يعني على وشك أن يفارق الحياة، فأرسل إليها يقرئها السلام ويقول: {إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب}

الراوي: أسامة بن زيد المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 923
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع أي هذا الصبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تتقعقع يعني: وقت خروج نفسه، قال: حسبته أنه قال: كأنها شن أي كأنها من الجلد الشن هي القربة من الجلد، قال: ففاضت عيناه عليه الصلاة والسلام، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟

تعجب من بكاء الرسول فقال: {هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء} والحديث أيضا برواية صحيحة في قصة وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وكان معه عبدالرحمن بن عوف فقال: وأنت يا رسول الله؟
يعني: أنت تبكي كغيرك من الناس؟
فقال: {إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.
من رحمته بأمته:
ومن رحمته بأمته عليه الصلاة والسلام أنه قال في أحاديث كثيرة ما يرفع عنها المشقة، كما في حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).


الراوي: زيد بن خالد الجهني المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 23
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وفي حديث عبدالله بن عمر أن سعد بن عبادة اشتكى شكوى، فأتاه النبي يعوده، ومعه جمع من الصحابة فلما دخل عليه وجده في غاشية يعني: ناس من الذين يخدمونه، في غاشية أهله فقال: {قد قضى؟} قالوا: لا يا رسول الله.
فبكى النبي عليه الصلاة
والسلام، فلما رأى القوم بكاءه قال: {ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا}، وأشار إلى لسانه، ثم قال: {يعذب بهذا أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه}.



الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1304
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وهذا بعض ما ورد من رحمته عليه الصلاة والسلام.
كتبت : دكتورة سامية
-
أختي الغالية
بارك الله بكِ
أسأل الله أن يحصنكِ بالقرآن
ويبعد عنكِ الشيطان
وييسر لكِ من الأعمال ما يقربكِ فيها إلى عليين
وأن يصب عليكِ من نفحات الإيمان
وعافية الأبدان ورضا الرحمن
ويجعل لقيانا في أعالي الجنان
وصلِ اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّد وَعلى آلِهِ وصحبه وَسلّم
دمـتِ برعـاية الله وحفـظه
كتبت : * أم أحمد *
-
كتبت : سنبلة الخير .
-
بارك الله فيكِ وجزاكِ الله كل خير

موضوع رائع

اسال الله ان يجعله شاهدا لكِ يوم القيامة

اشكركِ على مجهودكِ الرائع ومواضيعكِ القيمة

أحبك في الله


كتبت : منتهى اللذة
-







التالي

الحبيب صلى الله عليه وسلم

السابق

زاد المعاد في هدي خير العباد - فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم

كلمات ذات علاقة
الله , الرجلة , الرسول , شمائل , صلى , عليه , وحشائش , وسلم