من شمائل وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الحلم
مجتمع رجيم / السيرة النبوية ( محمد صلى الله عليه وسلم )
الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث:الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 4/142خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
الحادثة الثامنة:
حديث رواه أبو الشيخ وفيه رجل ضعفه بعض المحدثين، وقال البزار في هذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا من هذا الوجه، والحديث من رواية أبي هريرة وهو قصة فيها كثير من مواقف الحلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَسْتَعِينُهُ فِي شَيْءٍ فَأَعْطَاهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟
قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لا، وَلا أَجْمَلْتَ.
قَالَ: فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ وَقَامُوا إِلَيْهِ, فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: أَنْ كُفُّوا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الأَعْرَابِيِّ فَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ، فَزَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟
قَالَ الأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا، فَقَالَ له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، وَقُلْتَ مَا قُلْتَ وَفِي أَنْفُسِ أَصْحَابِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا قُلْتَ بَيْنَ يَدَيَّ؛ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْ صُدُورِهِمْ مَا فِيهَا عَلَيْكَ. قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَوِ الْعَشِيُّ جَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا كَانَ جَاءَ فَسَأَلَنَا فَأَعْطَيْنَاهُ، فَقَالَ مَا قَالَ، وَإِنَّا دَعَوْنَاهُ إِلَى الْبَيْتِ فَأَعْطَيْنَاهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ، أَكَذَلِكَ؟ قَالَ الأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ هَذَا الأَعْرَابِيِّ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ نَاقَةٌ شَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلا نُفُورًا، فَنَادَاهُمْ صَاحِبُ النَّاقَةِ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاقَةِ فَأَنَا أَرْفَقُ النَّاسِ بِهَا وَأَعْلَمُ، فَتَوَجَّهَ لَهَا صَاحِبُ النَّاقَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا, فَأَخَذَ لَهَا مِنْ قُمَامِ الأَرْضِ، فَرَدَّهَا هَوْنًا حَتَّى جَاءَتْ وَاسْتَنَاخَتْ، وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ, فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ.
الحادثة التاسعة:
من أحبار اليهود الذين دخلوا في دين الإسلام عن تمام رضا وكمال طواعية: زيد بن سعنة الذي عرف جميع علامات النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى اثنتين، فلم تطب نفسه بالدخول في الإسلام حتى يعلمهما.
فكان حريصا على أن يَخبُرَهما ليرى هل هما موجودتان فيه أم لا. فكان هذا الموقفُ الذي يحدثنا عنه بقوله: "ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليهوسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً.
قال زيد بن سعنةَ: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه رجل على راحلة كالبَدَويِّ، فقال: يا رسول الله! لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً، كما دخلوا فيه طمعاً! فإذا رأيتَ أن ترسل لهم بشيء تغيثهم به فَعَلْتَ.
فنظر إلى رجل إلى جنبه أُراه علياً.
فقال: يا رسول الله! ما بقي منه شيء، قال زيد بن سعنةَ : فدنوت إليه فقلت: يا محمد! هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم؟ قال: لا تُسَمِّ حائط بني فلان.
قلت: نعم، فبايَعَني.
فأطلقت همياني ، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل وقال: اعدل عليهم وأغثهم بها. قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضينى حقي؟
فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب إلا مُطْلا! ولقد كان لي بمخالطتكم علم!!.
ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله! أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع ؟
وتصنع به ما أرى؟
فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك! ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليَّ في سكون وتؤدة.
فقال: يا عمر! أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا. أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن اتباعه، اذهب به يا عمر فأعطه وزده عشرين صاعاً من تمر مكان ما رعته.
قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر.
فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟
قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك.
قلت: وتعرفني يا عمر؟
قال: لا، قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟
قلت: الحبر.
قال: فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت؟
وقلت له ما قلت؟
قلت: يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
وقد اختبرتهما.
فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً. وأَشْهَدُ أن شطر مالي -فإني أكثرها مالاً- صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال عمر: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم.
قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وأعلن شهادته وإسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فضائل الحلم وثمراته:
ونختم بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يوجه ويعلم، ويفضل الحلم ويرغب فيه، فقد كان حليما، وكان – أيضا- يعلم الناس الحلم فيقول: "إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم".
ويقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث المشهور المحفوظ من حديث أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال عليه الصلاة والسلام: "لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل -أي تطعمهم في أفواههم التراب الحار أو الرمل الحار- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك".