خطبة غرباء في منازلهم للشيخ سعد بن عبدالله البريك

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
خطبة غرباء في منازلهم للشيخ سعد بن عبدالله البريك
خطبة غرباء في منازلهم للشيخ سعد بن عبدالله البريك


p5hxtdmltvymh4nb59f.
خطبة غرباء في منازلهم للشيخ سعد بن عبدالله البريك


لقرون خلت كانت الأسرة والمدرسة والمسجد هي المربي الرئيس للأطفال ، وهي العامل الأشد تأثيراً في تكوين مداركهم وتشكيل مفاهيمهم ، إذ تسهم في تزويدهم بمنظومة القيم التي يجب عليهم أن يتمثلوها قولاً وعملاً ، ولذا نشأت الأسر مترابطة ومتآلفة يغمرها الحب والود وتصبغها الرحمة والتعاطف ويجللها التعاون والتكاتف .
لكن في العقدين الأخيرين ومع تفجر ثورة التقنية والاتصالات ، ومع تدشين مشروع عولمة الفكرة والمعلومة والثقافة، لم تعد الأسرة الحاضن الوحيد للنشء ، إذ وفرت وسائل الإعلام والتواصل الحديثة أنماطاً من التواصل وتلقي المعلومة والترفيه واللهو ، مما جعل دور الأسرة يصبح هامشياً إلى حد ما ، ولا أدلَّ على ذلك من أن ما يقضيه الشاب أو الشابة أمام القنوات أكثر مما يقضيه من وقت في المدرسة أو حتى مع والديه.
لقد استطاعت وسائل الإعلام والتواصل الحديثة أن تجذب إليها الملايين من الناس في سنين قليلة ، بخلاف وسائل الإعلام والتواصل التقليدية ، فالإذاعة مثلاً احتاجت إلى 38 عاماً حتى تصل إلى 50 مليون مستمع، بينما احتاج التلفزيون إلى 13 عاماً حتى يصل إلى 50 مليون مشاهد، وفي المقابل احتاج الإنترنت 4 سنوات فقط حتى يصل إلى 50 مليون مستخدم.
ويتضح ذلك من خلال نظرة يسيرة على بعض الاحصائيات التي هي في ازدياد مستمر ، فعلى سبيل المثال يستخدم اليوتيوب شهرياً 100 مليون شخص، وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم أكثر من مليار شخص منهم 338 مليون مستخدم للإنترنت في الصين منهم 180 مليون يستخدمون الإنترنت عبر الهاتف المحمول ، و163 مليوناً في الولايات المتحدة ، و60 مليوناً في اليابان ، و37 مليوناً في ألمانيا، و34 مليوناً في فرنسا ، والهند 32 مليون مستخدم ، بينما بلغ العدد 38 مليون شخص يستخدمون الانترنت في العالم العربي كله.
وبلغ عدد مستخدمي الفيس بوك في العالم 50 مليون مشترك بنهاية عام 2007م ، و500 مليون مستخدم عام 2011 ، يقضون 700 مليار دقيقة شهرياً في جميع أنحاء العالم.
وأظهر التقرير العربي الثاني للإعلام الاجتماعي، الذي يعده برنامج الحوكمة والابتكار في كلية دبي للإدارة الحكومية، أن عدد مستخدمي الفيس بوك في الوطن العربي وصل بنهاية ربيع 2011 إلى 27.7 مليون مستخدم، بزيادة قدرها 30 % عن بداية العام.
وتعد الإمارات وقطر والكويت والبحرين ولبنان أعلى خمس دول في المنطقة العربية من حيث نسبة المشاركين في فيس بوك وتويتر بين سكانها،ولا زالت تركيا تتصدر المنطقة من حيث العدد الكلي للمستخدمين.
( اليوم السابع) .
وسبب انتشار هذه الوسائل هو عناصر الجذب التي تميزت بها وهي:
(الاستحواذ، التميز بالصورة والحركة واللون، القدرة على الالتقاء بالجمهور، التكرار، نسبة الواقع إلى الخيال، تحديد الاختيار لمتابعة الوسيلة المرغوبة بحرية ) ، هذا الانتشار جعل أثر الوالدين والمدرسة والمسجد في تربية الأطفال يتضاءل ، الأمر الذي فتح الباب أمام أنماط من التواصل الافتراضي بدلاً من التواصل الأسري المباشر ، مما ساهم في :

توسيع الفجوة بين الآباء والأبناء .
وأفرز تفاعلات جديدة للعلاقات على صعيد الأسرة أدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها.
فنشأ ما يعرف بــ "أسرة القوقعة الفارغة " حيث يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن بالحد الأدنى من العلاقات والاتصال فيما بينهم ، وربما فشلوا في إقامة علاقات متينة.

ـ صحيح أنه ثمة إيجابيات لهذه الوسائل الحديثة ، مثل :
ـ تسهيل التواصل .
ـ تنمية الجانب الاجتماعي لدى الطفل بمشاركة الآخرين وتبادل أطراف الحديث معهم .
ـ صقل وجدانه وأحاسيسه وتدرب حواسه منذ صغره على الإصغاء والمتابعة والربط والتحليل .
ـ توسيع خبرات الطفل كمصدر من مصادر المعرفة التي تمده بالقيم المعرفية والسلوكية وتنقل له الثقافة والمعرفة.
ـ تنمية الملكات العقلية والفكرية لدى الطفل .
ـ إشباع حب الاستطلاع لديه من خلال البرامج الثقافية. ( جريدة الرياض 17/5/1428) .

إلا أن السلبيات أكثر وأكبر ، من أخطرها :

أ ـ أسرة القوقعة الفارغة ، التي تعاني الفشل الأسري والتهاجر المبطن داخل المنزل. فهذه الوسائل تمكنت من تبديل كثير من المفاهيم الأسرية، فباتت طاعة الوالدين ذل ، وطاعة الزوجة لزوجها عبودية ورق، وإنفاق الرجل على أسرته أعباء لا داعي لها ، وتغير مفهوم الإشراف الأسري على الأبناء وتحدد هذا المفهوم بمسؤولية العناية الصحية والجسدية دون النظر إلى مدلول التربية أو اتجاهات التنشئة وانعكاسات ذلك على كثير من المعايير القيمية التي يقوم عليها بناء المجتمع الإسلامي العربي .

قام عدد من الباحثين الأمريكيين هم (يونغ وبرنر وكراوت ) بدراسة على أثر وسائل الاعلام والانترنت ووسائل التواصل الحديثة على المستخدمين ، كان من أبرز نتائجها :

ـــ تناقص التواصل الأسري بين أفراد الأسرة . فالأبناء يشكون أن أحداً لا يسمعهم، لا يفهمهم ولا يفرد لهم مساحة كافية من الوقت، أما الآباء فيتهمون أبناءهم بالسطحية والرفض المطلق لآراء الكبار دون الاهتمام بخبراتهم.
ــ تضاؤل شعور الفرد بالمساندة الاجتماعية من جانب المقربين له .
ــ تناقص المؤشرات الدالة على التوافق النفسي والصحة النفسية.أ.هـ

وأشارت دراسة أمريكية أخرى إلى أن وسائل الاعلام والتواصل تجمع العائلة فيزيائياً وتفرقها عاطفياً . لذلك قد لا نستغرب أن نشاهد فتاة في العشرين لا تأكل مع أهلها وتذهب الخادمة بالطعام إلى غرفتها وقد يمر يومان أو ثلاثة دون أن تجلس مع والديها .أ . هـ .
في مقابلة مع قناة الجزيرة تقول إحدى الفتيات : لا يوجد تواصل قوي بيني وبين أهلي ، أما في الانترنت فإني أتواصل مع أشخاص كثر لأنهم يفهموني وأفهمهم .
وتقول أخرى : لا اعرف كيف أتكلم مع أبي وأمي ، وهناك أمور لا يرضوا بأن أتكلم عنها ، بينما يمكن مناقشتها في الانترنت .
( الجزيرة نت ، برنامج للنساء فقط 22/7/ 2012 ) .
فالأبناء استغنوا عن آباءهم وعن المدرسة كمصدر للمعلومات ، وفقدوا الترابط الأسري ، والتصقوا بالحوار مع غرباء في الفضاء الواسع .
وهو ما حذر منه علماء النفس ، يقول د.عادل صادق "أستاذ الطب النفسي والأعصاب" في القاهرة : أتوقع أن ثمة أمراض نفسية شديدة الخطورة سيتعرض لها الجيل القادم نتيجة للعزلة النفسية التي سيعيش فيها، لقد عشنا في حنان أسري، كان يقبلنا الوالدان ، وكنا نأكل معهم ، وهذا قد أصبح قليلاً هذه الأيام.
( المصدر السابق).
ولذا ، فمن الخطأ أن يظن البعض أن علاقة الأبناء بالتكنولوجيا هي علاقة ترفيهية وحسب ، بل هي تثقيفية وتعليمية وتربوية ، حيث تروج لأشكال من التربية الموازية التي تلحق ضررا بدور المؤسسات التربوية.
فهي تشوش على عملية التربية التي تقوم بها المدارس والأسر ودور العبادة (المساجد) والمؤسسات التعليمية الأخرى. (الرياض نت) .
وهذا يؤدي بهم في بعض الأحيان إلى الفشل الدراسي.
قال أستاذ تكنولوجيا الاتصالات الدكتور شريف درويش من كلية الإعلام جامعة القاهرة : ( إن لوسائل التكنولوجيا أثارها السلبية والإيجابية على المجتمع المصري والعربي، مثل الاتجاه إلى إدمان الألعاب أون لاين مع أصدقائهم سواء من داخل مصر أو خارجها، والذي يؤدى بدوره إلى إهمال التحصيل المدرسي والاتجاه إلى اللعب فقط ) .

ولوسائل الاعلام والتواصل آثار سلبية أخرى نوجزها فيما يلي :

ب ــ الرسائل السلبية: مثل تدخين السجائر وتعاطي المسكرات والمخدرات وإظهارها على أنها جذابة ومريحة.
ج ـــ عرض المناظر الجنسية، فإحدى الشركات المتخصصة بنشر الصور الخليعة تقول إن لديها أكثر من ثلاثمائة ألف صورة خليعة تم توزيعها أكثر من مليار مرة.
في دراسة للدكتور عبد العزيز كابلي - كلية المعلمين بالمدينة - ذكر أن 50 % من استخدام الشباب للمقاهي العنكبوتية هو من أجل أمور منافية للأخلاق والقيم .
فكيف يمكن أن نتخيل صورة أجيال تنشأ في ظل هذه الأجواء! كيف لو أردنا أن نصف صورة شخص ترعرع عوده على إسفافات التلفزيون، وفضائحيات الدش، وإباحيات الإنترنت، وأنغام السديهات والكاسيت، وغراميات المحمول .
( المؤثرات المعاصرة في التربية ، محمد فهمي ، المسلم ).

وقد قام باحثون في جامعة ( كارنيجي ميلون ) بإجراء دراسة إحصائية على (917.410) صورة استرجعت (8.5) مليون مرة من 2000 مدينة في 40 دولة ، فوجدوا أن نصف الصور المستعادة من الإنترنت هي صور إباحية ، وأن 83.5% من الصور المتداولة في المجموعات هي صورٌ إباحية .لقد واجه التجار والمستثمرون صعوبات في جمع الأموال عن طريق صفحات الشبكة العالمية إلا في شريحة واحدة : هي شريحة صفحات الدعارة ، فإنها تجارة مربحة جداً .
د ـــ نشر الأفكار الهدامة التي تشجع على الإرهاب.

هـــ ـــ تعليم العنف، فمن العنف الإعلامي يتعلم الأطفال السلوك العدواني ضد الآخرين، بدلاً من ضبط الانفعالات للتعامل مع المشكلات التي يتعرضون لها، وربما أصبح الأطفال أقل اهتماماً بالآخرين في العالم الواقعي بسبب كثرة مشاهدة مشاهد العنف وكثرة المساس تقلل الإحساس ، وقد يحصل العكس : فالأطفال الذين يشاهدون كثيراً من مشاهد العنف في الأفلام وبرامج التلفزيون وألعاب الفيديو ومواقع الإنترنت ، ربما يصبحون أكثر خوفاً وينظرون إلى العالم الواقعي وكأنه مزعج ومضطرب.

ـــ الضرر الجسمي والعقلي : فجلوس الأبناء أمام هذه الوسائل لساعات طويلة قد يهدد صحتهم البدنية والعقلية ويؤثر على حواسهم البصرية والسمعية ويحد من حركتهم، ويقتل وقتهم ويبعدهم عن من حولهم فيؤثر عليهم اجتماعياً وقد يؤدي إلى الشرود الذهني، واضطراب نظام حياتهم اليومية .

ـــ الضرر السلوكي : لأنها تدفعهم إلى المحاكاة والتقليد والتحلل من القيم وتؤثر على مفرداتهم اللغوية وقيمهم .
ومما ينبغي التنبيه عليه هو أن الكثيرين لم يشعروا بآثار هذه الوسائل السلبية، لأنهم نظروا إلى الايجابيات فقط ، ولأن حاجة الحياة المعاصرة إلى هذه الوسائل كبيرة وملحة، كما أن آثارها السلبية لم تظهر مرة واحدة – برغم تحذيرات كثير من التربويين منها قبل انتشارها -، وإنما ظهرت أولاً بشكل محدود نوعاً ما، ثم أخذ أثرها السلبي في الظهور والاتساع بمرور الزمن, وتطور تلك الوسائل وانتشارها .

والخطير في هذه القضية هو حجم التأثير الكبير والعميق وسرعة التغيير الذي تحدثه تلك الوسائل في مستوى التدين والثقافة والسلوك والمفهومات والذوق العام على شبابنا وفتياتنا، فمحاولات التغريب كانت تسير في مجتمعاتنا ببطء شديد، ولم يكن دعاة التغريب يحلمون بحدوث التغيير إلا بعد أجيال عدة، أما بعد انتشار تلك الوسائل ، أصبحت مكاسب التغريبيين أكبر كثيراً مما كانوا يحلمون به ، فالتغيير في الأخلاق والمفهومات أصبح الآن يحدث عبر جيل واحد مرة أو مرتين.

وهذا التغيير السريع والتأثير الفوضوي الكبير يؤدي إلى إخفاق العملية التربوية في المجتمع، ويسبب لها الإرباك والتهدم، وتتفسخ الروابط بين الأجيال، ويرى كل جيل لنفسه الحق في التبرؤ من الجيل الذي سبقه، والاستقلال عن مفاهيمه ، حتى يفقد الوالدان القدرة على التفاهم مع أولادهما، ويقعان في حيرة في اختيار نوع التوجيه المناسب لهم، ويعجزان عن السيطرة على تصرفاتهم وتقويمها، بل قد لا يجدان الوقت لممارسة التوجيه والتربية سواء بالمواقف أو الأقوال، ليس لانشغالهما؛ بل لأن أولادهما لا وقت لديهم، لانشغالهم بوسائل الاعلام والاتصال الحديثة .
( المؤثرات المعاصرة في التربية ، محمد فهمي ، المسلم ).
وهذا أخطر ما تعانيه أسرة القوقعة الفارغة ، ففضلاً عن كون الزوجين يعيشان طلاقاً غير معلن ، فإن الأبناء يمارسون عقوقاً غير ظاهر ، ويضيع فيها الوالدان مسؤوليتهما التربوية بشكل مبطن .
وينتج عن ذلك :
ـــ جيل يشعر بالعطش العاطفي ، حتى وإن كبر؛ فتجد الطفل يستجدي عطف الآخرين ومحبتهم ويظل في حالة بحث مستمر عن هذا الحنان المفقود طيلة عمره .

ـــ العزلة والانطوائية : فالبعض يقضي 16 ساعة يومياً على الإنترنت ، مما يبعده عن التواصل مع بقية أفراد الأسرة.
ـــ انحراف الأطفال: فالأبناء الذين ينشأون في أسرة مفككة لا تعرف بين أفرادها غير النفور والكراهية لا تكون نشأتهم طبيعية، وتترسب في أعماقهم مشاعر الكراهية نحو الآخرين، ويتمثل ذلك في الانحراف والتمرد على القيم والنظم والقوانين وإدمان الموبقات والمخدرات، فضلاً عن العزوف مستقبلاً عن الحياة الزوجية.

وبسبب إهمال الوالدين ، قد تمتد إلى الأبناء أيدي المجرمين،الذين يتخذون منهم وسيلة لنشر السموم، أو سرقة الآخرين، وتصبح الطفولة البريئة أداة لنشر الانحراف، وتشهد محاكم الأحداث صوراً من الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين لم يعيشوا في أسرة مترابطة.
قام بعض الباحثين (شلدون واليانور جلو بك ) بربط جنح الأحداث بعدد من أنماط عدم الاستقرار الأسري، فتبين أن الأطفال الذين نشأوا في أسر تفككت أو عانت من مشكلات أسرية أكثر ارتكاباً للجنح والمخالفات ، كما أن الأطفال الذين نشأوا في أسر مات عائلها تزداد معدلات الجنوح لديهم بنسبة (50% ) .

وفي دراسة أخرى اتضح أن المراهقين الذين يعانون من مشكلة سوء التكيف الشخصي ينحدرون أساساً من أسر مفككة . فالفشل الذي يصيب أداء أحد الأبوين للدور المنوط به يمثل عاملاً مدمراً على الأطفال أكثر مما يمثله انسحاب أحد الأبوين من العلاقة الزوجية.
ـــ وربما ينتهي الأمر بتدمير الأسرة كلها : فكثير من الزوجات يشتكين من أزواجهن الذين يقتلون أوقاتهم ويضيعون حقوق أسرهم بسبب العكوف على الإنترنت. وسجلت حالات كثيرة وصلت إلى الطلاق بسبب زهد الزوج في زوجته ، لأنه يرى ويحادث من هي أجمل منها وأكثر فتنة وإغراءً .

وهنا يقع الأطفال ضحية التشتت ، حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين والبعض الآخر مع الوالد الآخر .
وقد يُستخدم الأطفال كوسيلة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الزوجين، فالأم تحرم الأب من رؤية أولاده، والأب يحاول أن يبعدهم عن والدتهم، فيعيش الأبناء تجربة نفسية قاسية تترك في وجدانهم انطباعاً سيئاً عن الجو الأسري والعلاقات الزوجية ، وكثير منهم يفشل في دراسته .

العلاج :
ـــ إعطاء الأسرة حقها من الاهتمام : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: " يَا عُثْمَانُ أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي ". قَالَ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ.
قَالَ : " فَإِنِّى أَنَامُ وَأُصَلِّى وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ " . رواه أبو داود .

وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ "، قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ: كُلْ ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :" صَدَقَ سَلْمَانُ ". رواه البخاري.
فواجب الوالدين نحو الأسرة ليس مقصوراً على الإنفاق المادي والإطعام والكسوة فقط ، بل يعني ذلك المسؤولية بمفهومها الشامل ، وإذا قاما بها كما أوجب الله ، نشأ الأبناء نشأة سوية ، أما إذا قصرا في القيام بواجباتهما ، أو ظنا أن مهمتها لا تخرج عن توفير الحاجات الضرورية من طعام وشراب وكساء ودواء ، ثم يهملان البيت وشؤون أولادهما، فإنهما بذلك يعرضان أسرتهما للضياع لأنها فقدت الراعي، وأتاحا الفرصة للذين يتلقفون الأبناء من أصدقاء السوء أن يزينوا لهم وسائل الفساد.

تذكر "يانسي إم " وهي أخصائية تدرس تطور الأطفال في السن المبكرة ، أنها كانت تنتظر المصعد داخل مركز للتسوق، فشاهدت طفلاً صغيراً يبلغ من العمر عامين ونصف العام، يحاول مرة بعد أخرى الحديث مع أمه، ولكنها لم ترفع عينيها عن جهاز الـ "بلاكبيري " .
وكان الطفل يقول: (ماما؟ ماما؟ ماما؟)، وبعد ذلك بدأ ينغزها في قدمها.
وكانت ترد عليه: (انتظر، ثانية واحدة. انتظر، ثانية واحدة)، وفي النهاية، شعر الطفل بالإحباط الشديد، لدرجة أنه «حاول أن يعضها في رجلها .

هذه الحادثة فتحت أعين كثير من الباحثين الذين يتابعون تطور الأطفال ليراقبوا أثر وسائل الاعلام والاتصال الحديثة على اهتمام الوالدين بأبنائهما . فعكفت د. شيري توركل، مديرة مبادرة التقنية والنفس بمعهد ماساتشوستس للتقنية على دراسة استخدام الآباء للتقنية وتأثير ذلك على الأطفال والبالغين صغار السن ، وبعد مرور 5 أعوام وعلى ضوء ما تبين من 300 مقابلة، وجدت الدكتورة توركل أن مشاعر الأذى والغيرة والمنافسة تنتشر على نطاق واسع ، وقالت : إن الأطفال أبدوا نفس مشاعر التأذي، ولم يكونوا راغبين في إظهار ذلك، عند استخدام الأمهات والآباء الأجهزة الخاصة بهم بدلا من إبداء الاهتمام بهم عند تناول الوجبات الغذائية وعند اصطحابهم بعد المدرسة أو مرافقتهم في الأنشطة الرياضية .

وتقول "لورا سكوت واد"،مديرة الأخلاقيات بمنظمة طبية في شيكاغو، إنه قبل 6 أشهر شعر ابنها لينكولن، الذي كان يبلغ من العمر حينها 3 أعوام ونصف العام، بالملل من وعدها بترك جهاز الكومبيوتر لدرجة أنه لجأ إلى الوسائل التي يستخدمها الآباء عادة.وتقول: يجعلني أضبط الوقت في جهاز الميكروويف، وعندما يدق الجرس، يقول (تعالي) ويقول (لا تحضري جهاز التليفون الخاص بك .
ـــ المنع الفوري لن يحل المشكلة ، والأفضل أن تتم عملية تقليل المشاهدة بشكل تدريجي وتحديد أوقات معينة لممارسة الألعاب الالكترونية ومشاهدة التلفزيون والاتصال بشبكة الإنترنت، وهذه البدائل قد تكون بالخروج إلى النادي أو الرحلات القصيرة أو ممارسة الألعاب البدنية أو العناية بحديقة المنزل أو الذهاب إلى المكتبات العامة أو غيرها من النشاطات .

ـــ محاورة الأبناء : عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه فقال :" ادنه" ، فدنا منه قريباً قال : فجلس ، قال :" أتحبه لأمك" ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال :" ولا الناس يحبونه لأمهاتهم " ، قال :" أفتحبه لابنتك "، قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال :" ولا الناس يحبونه لبناتهم "، قال :" أفتحبه لأختك"، قال : لا والله جعلني الله فداءك قال :"ولا الناس يحبونه لأخواتهم"، قال :" أفتحبه لعمتك "، قال : لا والله جعلني الله فداءك قال :" ولا الناس يحبونه لعماتهم " ، قال : "أفتحبه لخالتك " ، قال : لا والله جعلني الله فداءك قال :"ولاالناس يحبونه لخالاتهم " ، قال : فوضع يده عليه وقال :" اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه" . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء . رواه الإمام أحمد .

فعدم محاورة الأبناء سيعزز من انفصالهم الشعوري والتربوي عن أسرتهم ويزيد من انحرافهم.
وقال أخصائي التوجيه النفسي ومدير مركز إشراق للاستشارات النفسية الدكتور تامر جمال : (هناك دراسات عديدة ناقشت تأثير التليفزيون وأجهزة التكنولوجيا على الأطفال وأظهرت هذه الدراسات أن السبب وراء إدمان هؤلاء الأطفال لوسائل الإعلام والتكنولوجيا، هو فقد لغة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة فيضطر الطفل إلى عمل حوار خاص به سواء عن طريق اللعب على جهاز الكمبيوتر أو عن طريق الشات مع أصدقاء خارج نطاق معرفته ) .
ويقول خبراء إنه لا شك في أن الآباء الذين يتحدثون ويشرحون الأشياء لأطفالهم ويردون على تساؤلاتهم يمثلون عنصراً أساسياً في التعلم خلال مرحلة الطفولة المبكرة .
ورد في كتاب بيتي هارت وتود ريزلي الشهير الذي صدر عام 1995 تحت عنوان "اختلافات هامفي الخبرة اليومية للأطفال الأميركيين الصغار " أن الآباء الذين يوفرون بيئة ثرية لغوية لأطفالهم يساعدوهم على تنمية مهاراتهم اللغوية وتعلم القراءة.
ويربط الكتاب بين استخدام اللغة داخل المنزل والوضع الاجتماعي والاقتصادي.
وحسب ما ورد في الكتاب، يسمع الأطفال في المنازل ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأعلى متوسط 2153 كلمة في الساعة، فيما يسمع الأطفال داخل أسر الطبقة العاملة 1251 كلمة فقط.
ويسمع أطفال الآباء الذين يعيشون على مساعدات حكومية متوسط 616 كلمة في الساعة.
وتقول ميريديث سينكلير، وهي مدونة في ويلميت بولاية إلينوي، إنها لم تكن تعرف إلى أي مدى يضايق «إدمان البريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية الإعلامية» أطفالها حتى حظرت استخدام البريد الإلكتروني والإنترنت بين الساعة الرابعة والثامنة مساء، وكان أطفالها فرحين بذلك .
ـــ إشاعة لغة الحب في المنزل : حتى لا يبحث أفرادها عن الحب الخاطئ خارج حدود الأسرة.
من الرائع أن يقول الزوج لزوجته أحبك، ومن الرائع أن يقول الأب لابنته أحبك ، ومن الرائع أن يسمع الولد من أمه كلمة أحبك. فكلمة الحب إذا قيلت داخل البيت الواحد لن يكون هناك داعي لأن يطلبها الفرد خارج البيت.
وللنظرة المملوءة محبة وحناناً أثر كبير في نفسية الأطفال ، وإن للطريقة التي تغطي بها الأم أبناءها أهمية بالغة في زرع الحب في قلوبهم ، فالغطاء ليس دفئاً فقط إنما هو إحساس باهتمام الأم.
ـــ لا بد من الوعي بأهمية دور الوالدين في التربية الإعلامية فهم يحتاجون إلى التدخل ووضع قيود على ما يشاهده الأطفال وتربيتهم التربية الإعلامية التي تنمي لديهم مهارات التحليل والنقد والاختيار.
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .
وقال صلى الله عليه وسلم :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".
ويجب أن يعلم رب البيت ما يفعل أبناؤه وبناته عندما ينعزلون ساعات كثيرة في غرف مغلقة أمام شاشات الحاسوب والجوال والتلفاز.
نشرت بعض الصحف خبراً، له دلالات كبيرة مفيدة في موضوعنا هذا إن صح، مضمون الخبر أن سكان قرية كوبال الباكستانية جمعوا كل أجهزة التلفزيون وأقراص الكمبيوتر وأشرطة الفيديو في قريتهم ثم أحرقوها، لأنهم رأوا أنها مسؤولة عن انتشار الرذيلة، وسبب ظهور المجون والخلاعة والأمراض الاجتماعية (الجمـهورية- مصرية- 13 / 3/ 2006)، فهل ما أدركه سكان هذه القرية من خطر لتلك المؤثرات لا تشعر به سائر المجتمعات؟
الجواب أن صيحات التحذير ظهرت مبكراً، وهي كثيرة ومتكررة إلى الآن، حتى في تلك الدول التي ظهرت فيها الوسائل الإعلامية والثقافية المعاصرة قبل غيرها، ومن ذلك على سبيل المثال كتاب (أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون) للكاتب الأمريكي جيري ماندر.
( المؤثرات المعاصرة في التربية ، محمد فهمي ، المسلم ) .
فهناك 87 % من الآباء في الغرب يشكّون في فائدة الشبكة لأطفالهم بسبب كثرة الأضرار الموجودة ، فلا يكن الأب الغربي احرص من الأب المسلم على مصلحة أبنائه .

ــ من الضروري توعية الأطفال بأن الرسائل الإعلامية لها قيمها ووجهات نظرها الخاصة، و لديهم الاختيار في قبول القيم التي تحملها أي رسالة إعلامية.

ـــ من المهم مشاهدة ألعاب الفيديو مع الطفل وملاحظة تأثيرها عليه .

ـــ لابد من وضع حدود لأوقات استخدام وسائل الإعلام والاتصال ، ووضع إرشادات أسرية لمحتواها، مع وضع خطة إعلامية، كجدول، لأوقات المشاهدة والاختيارات منذ وقت مبكر مثل ما تفعل مع بقية الأنشطة الأخرى للطفل.
فالخطة الإعلامية تساعد كل شخص على اختيار واستخدام وسائل الإعلام والاتصال بعناية .
توصي الأكاديمية الأمريكية للطفولة بما لا يزيد عن ساعة أو ساعتين للبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو يوميا للأطفال فوق 7 سنوات وبدون وقت للشاشة للأطفال الأقل من سنتين.
لذلك لا يجب وضع التلفزيون والفيديو وألعاب الفيديو وجهاز الكمبيوتر في غرف نوم الأطفال، بل في أماكن يستطيع الأهل أن يتدخلوا ويراقبوا استخدام الأطفال لها.
ـــ من الممكن أن نجعل من وسائل الإعلام والاتصال نشاطاً أسرياً لمساعدتهم على التحليل والتساؤل والتحدي لمعنى الرسائل بأنفسهم.
ـــ عدم الصرامة في انفعالاتنا ما لم تتضمن الآثار الجانبية لوسائل الإعلام والاتصال على عنف أو جنس أو لغة جنسية، أو أي أثر سلبي تتركه عليهم من السلوكيات التالية: (أداء دراسي ضعيف - ضرب أو دفع الأطفال الآخرين - التحدث مع الكبار بعنف - أحلام مزعجة باستمرار - الإكثار من تناول الأطعمة غير الصحية - التدخين أو تعاطي المسكرات والمخدرات). وهنا من الضروري التحدث مع طبيب الأطفال عن أي سلوك مقلق يصدر عن الطفل، فطبيب الأطفال ربما يأخذ التاريخ الإعلامي للطفل. وهذا يمكن أن يساعد في كشف ما إذا كانت مشكلات سلوكية معينة موجودة لدى الطفل أو ربما تتطور بناء على مقدار ونوع وسائل الإعلام والاتصال التي يستخدمها الطفل.
( جريدة الرياض 17/5/1428) .

ـــ وضع الكثير من الكتب والمجلات وألعاب الطفل في غرفة التلفزيون لتشد انتباهه إليها ودعم وضع التلفزيون والحاسوب في غرفة نوم الطفل.
يقول أستاذ تكنولوجيا الاتصالات الدكتور شريف درويش من كلية الإعلام بجامعة القاهرة مبيناً خطأ وضع أجهزة التلفاز والحاسوب في غرف نوم الأطفال : أن ما نتحدث عنه حالياً ،،، كان قد حدث سابقا في أمريكا ودول أوروبا الغربية ومصر حيث نجد أن بعض الأسر من باب الوجاهة والتمايز الطبقي تضع جهاز تلفزيون وفيديو خاص بكل غرفة نوم للأطفال، مما جعل الطفل يشاهد التلفزيون بصفة مستمرة، ومن بعدها ظهرت أجهزة الكمبيوتر، ومن ورائها الإنترنت فهجر بعض الأطفال أجهزة التليفزيون واتجهوا إلى النت، لأنه أصبح أداه هائلة للتواصل للعب والتحدث) .
والله أعلم


كتبت : * أم أحمد *
-
بارك الله بكِ
وجزاكِ الله خيراً وأجزل لكِ العطاء والمثوبه
خطبه قيّمه ونافعه
حقاً أنها نقاط هامه تفيد من أكثر وأسهب في هذه الوسائل
شكراً لكِ عزيزتي عبير الزهور
دائماً منوره المنتدى الإسلامي بحضوركِ الرائع والجميل

كتبت : سنبلة الخير .
-

التالي

القمة والهوة .. الشيخ الدكتور على بن عمر بادحدح

السابق

أمّن يجيب المضطر .. الشيخ محمد العريفى

كلمات ذات علاقة
للشيخ , منازلهم , البريك , خطبة , سعد , عبدالله , غرباء