نفي السجع من القرآن
مجتمع رجيم / الموضوعات الاسلامية المميزة .. لا للمنقول
كتبت :
دكتورة سامية
-
[frame="11 95"]
نفي السجع من القرآن
العلماء نفوا وجود السجع في القرآن
ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع من القرآن، وذكره أبو الحسن في غير موضع من كتبه.
أثبت غيرهم وجود السجع في القرآن: وذهب كثير من يخالفهم إلى اثبات السجع في القرآن، وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام، وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة، كالتجنيس والالتفات وما أشبه ذلك، من الوجود التي تعرف بها الفصاحة.
يستدلون على وجود السجع
وأقوى ما يستدلون به عليه: اتفاق الكل على أن موسى أفضل من هرون عليهما السلام، ولمكان السجع قيل في موضع: هرون وموسى، ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل: موسى وهرون.
السجع غير الشعر
قالوا وهذا يفارق أمير الشعر؛ لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصوداً إليه، وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي يسمى شعراً، وذلك القدر ما يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجود ه من الشاعر..
قيل السجع في القرآن كثير
وأما ما في القرآن من السجع فهو كثير، لا يصح أن يتفق كله غير مقصود إليه، ويبنون الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
تعريف السجع
قال أهل اللغة: هو موالاة الكلام على وزن واحد، قال ابن دريد: سجعت الحمامة معناها رددت صوتها. وأنشد:
طرِبتَ فأبكتك الحمامُ السواجِعُ
تميل بها ضَحْواً غصونُ نوائعُ
النوائع: الموائل، من قولهم نائع، أي متمايل ضعفاً.
الصحيح أنه لا سجع في القرآن
وهذا الذي يزعمونه غير صحيح، ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز.
ولو جاز أن يقال: هو سجع معجز لجاز لهم أن يقولوا: شعر معجز.
وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب? ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر، لأن الكهانة تنافي النبوات وليس كذلك الشعر..
الرسول نهى عن السجع
وقد روي أن النبي )صلى الله عليه وسلم قال للذين جاءوه وكلموه في شأن الجنين: "كيف نذي من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، أليس دمه قد يطل".
فقال: "اسجاعة كسجاعة الجاهلية"? وفي بعضها: أسجعاً كسجع الكهان" فرأى ذلك مذموماً لم يصح أن يكون في دلالته.
ما قدروه أنه سجع فهو وهم
والذي يقدرونه أنه سجع فهو وهم، لأنه قد يكون الكلام على منال السجع وإن لم يكن سجعاً، لأن ما يكون به الكلام سجعاً يختص ببعض الوجوه دون بعض، لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لأن اللفظ يقع فيه تابعاً للمعنى.
وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه، بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه، وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ، ومتى ارتبط المقصود فيه، وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ، ومتى ارتبط المعنى بالسجع كانت إفادة السجع كإفادة غيره، ومتى ارتبط المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلباً لتجنيس الكلام دون تصحيح المعنى.
فإن قيل: فقد يتفق في القرآن ما يكون من القبيلين جميعاً، فيجب أن تسموا أحدهما سجعاً.
قيل: الكلام في تفصيل هذا خارج عن عرض كتابنا، وإلا كنا نأتي على فصل من أول القرآن إلى آخره، ونبين في الموضع الذي يدعون الاستغناء عن السجع من الفوائد ما لا يخفى، ولكنه خارج عن غرض كتابنا وهذا القدر يحقق الفرق بين الموضعين.
قد يقع في القرآن ما يشبه السجع لكنه غير مقصود
ثم إن سلم لهم مسلّم موضعاً أو مواضع معدودة، وزعم أن وقوع ذلك الاستراحة في الخطاب إلى الفواصل لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وزعم أن الوجه في ذلك أنه من باب الفواصل، أو زعم أن ذلك وقع غير مقصود إليه، وأن ذلك إذا اعترض في الخطاب لم يعد سجعاً، على ما بينا من القليل من الشعر، كالبيت الواحد والمصراع، والبيتين من الرجز، ونحو ذلك يعرض فيه، فلا يقال إنه شعر، لأنه لا يقع مقصوداً إليه، وإنما يقع مغموراً في الخطاب، فكذلك حال السجع الذي يزعمونه ويقدرونه.
لو كان في القرآن سجع لكان سجعاً قبيحاً
ويقال لهم: لو كان الذي في القرآن على ما يقدرونه سجعاً لكان مذموماً مرذولاً، لأن السجع إذا تفاوتت أوزانه، واختلفت طرقه، كان قبيحاً من الكلام.
وللسجع منهج مرتب محفوظ، وطريق مضبوط، متى أخل به المتكلم أو وقع الخلل في كلامه، ونسب إلى الخروج عن الفصاحة، كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئاً، وكان شعره مرذولاً، وربما أخرجه عن كونه شعراً.
وقد علمنا أن بعض ما يدعونه سجعاً متقارب الفواصل، متداني المقاطع؛ وبعضها مما يمتد حتى يتضاعف طوله عليه، وترد الفاصلة على ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير، وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود.
قيل إن في القرآن سجعاً غير ملتزم
فإن قيل: متى خرج السجع المعتدل إلى نحو ما ذكرتموه، خرج من أن يكون سجعاً، وليس على المتكلم أن يلتزم أن يكون كلامه سجعاً، بل يأتي به طوراً، ثم يعدل عنه إلى غيره، ثم قد يرجع إليه.
الجواب على هذا الاعتراض
قيل: متى وقع أحد مصراعي البيت مخالفاً للآخر كان تخليطاً وخبطاً، وكذلك متى اضطرب أحد مصراعي الكلام المسجع وتفاوت كان خبطاً.
وعلم أن فصاحة القرآن غير مذمومة في الأصل، فلا يجوز أن يقع فيها نحو هذا الوجه من الاضطراب، ولو كان الكلام الذي هو في صورة السجع منه لما تحيروا فيه، وكانت الطباع تدعو إلى المعارضة، لأن السجع غير ممتنع عليهم، بل هو عادتهم، فكيف تنقض العادة بما هو نفس العادة? وهو غير خارج عنها، ولا مميز منها? وقد يتفق في الشعر كلام على منهاج السجع، وليس يسجع عندهم، وذلك نحو قول البحتري:
تَشَكًّى الوَجى، والليلُ ملتبسُ الدجى
غُرَيْرِيَّةُ الأنسابِ مَرْتٌ نقيعُـهـا
وقوله:
قريب المدَىَ، حتى يكون إلى الندى