استغلال رمضان
مجتمع رجيم / الموضوعات الاسلامية المميزة .. لا للمنقول
كتبت :
حنين للجنان
-
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من حكمة الله ورحمته ولطفه بعباده أن هيأ لهم مواسم للطاعات، تنشرح فيها صدورهم لعمل الصالحات،
واغتنام الأوقات، ووعدهم على ذلك جزيل الهبات.
ورمضان في ضمير المؤمن موسم قربة وإخبات، واستكثار من الأعمال الصالحات. وقد تعرض هذا الوعي الإيماني
في السنوات الأخيرة لقدر من التشويه والانحراف، فصار في حس بعض الناس موسماً للتسوق
والتفنن في الأكلات والوجبات، وعند آخرين مهرجاناً للأفلام والمسرحيات التي تقيء بها الفضائيات،
ويقترن عند طائفة بذكر النوم والكسل وترك الأعمال والواجبات!! وكل هذا وذاك باطل ما أنزل الله به من سلطان،
ولا كان من شأن أهل الإسلام، وإنما طرأ على مجتمعاتهم في غيبة من العلم وغفلة من الذكر،
وهجمة من الذين يتبعون الشهوات. أنشد بعض السلف:
أتى رمضان مزرعة العباد
لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً
وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها
أوه نادماً يوم الحصاد
ولم يزل الصالحون يشبهون رمضان بالمزرعة، وحلوله بالموسم، ومن شأن ذلك أن يستغل. قال ابن منظور:
(استغلال المستغلات أخذ غلتها) [لسان العرب: 10/110].
ولا يتم هذا الاستغلال، بشكل تام، إلا بتحقق ثلاثة أمور:
الأول: التهيؤ الإيماني لاستقبال هذا الشهر؛ بأن يورد المسلم على قلبه المؤثرات الإيمانية من المحبة،
والخوف، والرجاء، التي تؤهله لاغتنامه بالعمل الصالح.
الثاني: التخطيط الجيد للوقت، ورسم برنامج يومي متوازن لتحقيق المقاصد المختلفة.
الثالث: العلم الشرعي بمحبوبات الله ومراضيه التي ينبغي السعي في تحصيلها في هذا الشهر.
وقد اجتمعت في هذا الشهر الكريم أمهات العبادات. وفيما يلي فتح لصوامع الغلال، لأرباب الاستغلال،
علَّ الله أن يوفقنا لملئها في هذا الشهر الكريم بالصالحات، فنفرح بها ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا))
[آل عمران:30].
أولا: الصيام
نص الله تعالى على الحكمة من فرضية الصيام بقوله:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:183].
وبين نبيه صل الله عليه وسلم مقصود الصيام بقوله:
«من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري].
فالصوم الحق هو الذي يحلي صاحبه بالزينة الباطنة، وهي التقوى، والزينة الظاهرة، وهي الأدب والسمت الحسن.
ثانياً:القيام:
القيام قرين الصيام، وعديله في الأجر؛ ففي الحديث المتقدم:
«ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»،
ورمضان مدرسة تربوية لاكتساب هذه الخصلة العظيمة،
التي هي شعار الصالحين، الذين أثنى الله عليهم بقوله:
((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [السجدة:16 -17]،
وهي صفة عباد الرحمن، الذين قال فيهم: ((وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)) [الفرقان:64].
ثالثاً: القرآن:
قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))
[البقرة:185]، وقال تعالى: ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) [القدر:1].
فرمضان أخص الشهور بالقرآن؛ لأن فيه ابتداء تنزيله. ولهذا كان نبينا صل الله عليه وسلم يخصه بمزيد العناية والمدارسة ؛
ففي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: (وكان جبريل يلقاه في كل ليلة في رمضان، فيدارسه القرآن) [متفق عليه].
رابعاً: الصدقة:
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صل الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه
جبريل فيدارسه القرآن. وكان جبريل يلقاه في كل ليلة في رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله
صل الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) [متفق عليه].
خامساً: العمرة:
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة»
[رواه أحمد وابن ماجة].
و (في) للظرفية الزمانية، فيحصل المقصود بإيقاع العمرة في أي يوم من الشهر، فلا يلزم أن يكون في العشر الأواخر،
أو في ليلة بعينها، أو في النهار دون الليل، وسواء كان صائما أو مفطراً، ما دام في رمضان،
لكن يخطئ من يهل بالعمرة قبل ثبوت الشهر، ويجعل طوافه وسعيه وحلقه بعد ثبوته؛
لأن الإحرام أحد أركان العمرة، فلابد أن يقع في رمضان أيضاً.
سادساً: الاعتكاف:
قال تعالى: ((طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) [البقرة:187] وقال:
((وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) [البقرة:187]. وفي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها – قالت:
«كان النبي صل الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده».
سابعا: الفقه في الدين
ينبغي للمؤمن أن يتفقه في الدين عموماً، فإنه «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين» رواه البخاري،
وأن يتفقه فيما يعرض له من العبادات والمعاملات خصوصا. ومن ذلك أن يتعلم الصائم فقه الصيام،
من شروط الصوم، والنية فيه، وأحوال الناس؛ من حيث وجود سبب الوجوب، أو زوال المانع،
وما يفسد الصوم من المفطرات، وما يوجب الكفارة، وأحكام القضاء، وما يستحب للصائم وما يكره ،
وما يستحب صومه من الأيام، وما يكره وما يحرم، وأحكام الاعتكاف والعيدين، وغير ذلك.
ثامناً: صلة الرحم
تتيح الأجواء الرمضانية بيئة صالحة للتواصل بين المسلمين، من أقارب، وجيران، وأصدقاء.
فينبغي استغلال هذه الفرص لتقوية الصلة، وغرس المحبة، وتنقية العلاقات مما قد شابها من كدر أو سوء ظن،
مما ينزغه الشيطان بين المسلمين.
تاسعا: الدعوة إلى الله
في شهر رمضان، لا سيما أوله، يقبل كثير من الناس المفرطين، على ارتياد المساجد، ومحاولة الاستقامة،
فإن وجدوا وجوهاً هاشة باشة، كان ذلك مدعاةً لتثبيتهم على التوبة. وإن وجدوا صدوداً وإعراضاً،
وربما تعريضا وانتقاداً، عادوا لسيرتهم الأولى بعد بضعة أيام. فينبغي للمؤمن الموفق أن يستغل هذا الإقبال لتمسيكهم بالكتاب،
وتحبيبهم بالمساجد وأهلها. كما إن رمضان فرصة لتفقد المتخلفين عن الصلاة، والمنحرفين عن الجادة،
ومناصحتهم، وموعظتهم. وهو أيضاً فرصة مناسبة لنشر الوعي والعلم عن طريق الكلمات في المساجد،
وتوزيع الكتب والأشرطة النافعة.
عاشراً: التوبة:
إن من علامة قبول العمل الصالح أن يوفق العبد للتوبة النصوح من جميع الذنوب.
فحري بالمؤمن اللبيب الحازم أن يتبصر في خاصة نفسه، وقت خلواته، وصفاء نفسه، لينظر ما هو عليه ؛
فإن وجد خيراً فليحمد الله، وإن وجد سوى ذلك فليتب إلى مولاه، وليعزم عزماً أكيداً، لا رجعة فيه،
على الفرار إليه ، واستدراك ما فات ؛ ليغفر له ما سلف.
اللهم أهلَّ علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى،
وأعنا فيه على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.