الصيام و مراقبة المولى تبارك وتعالى في السر والعلانية
مجتمع رجيم / الموضوعات الاسلامية المميزة .. لا للمنقول
إن الصيام عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن الكريم،
في تربية العقول والأرواح وتنظيم الحياة، ويوحد بين المسلمين
في أوقات الفراغ والعمل، وأوقات الطعام والشراب، ويصبغهم
جميعاً بصبغة الإنابة والرجوع إلى المولى تبارك وتعالى، ويرطب
ألسنتهم بالتسبيح والتقديس، ويعفها عن الإيذاء وعن التجريح،
ويسد على الناس باب الشر، ويغلق عليهم منافذ التفكير فيه،
ويملأ قلوبهم بمحبة الخير والبر لعبادة الله عز وجل، وينشئ
في قلوبهم خلق الصبر الذي هو عدة الحياة،
وهكذا يريد الله جل شأنه أن يكون الإنسان.
الصيام من عناصر تكفير الذنوب:
لقد جعل المولى - تبارك وتعالى - الصيام عنصرًا مهمًّا من عناصر
تكفير الذنوب، وذلك لما له من أثر كبير في تهذيب النفوس،
وردعها، وكبح جماحها، فهو كفارة في القتل الخطأ يقول الله
عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا
وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].
وهو كفارة في الظِّهَار، يقول المولى - تبارك وتعالى -:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 - 4].


وهو كفارة في خطايا الحج،يقول المولى - تبارك وتعالى
-: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ
الحَرَامِ} [البقرة : 196]. أو صيد المُحرِم وقت إحرامه،
يقول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ
أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ
عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
ذُو انتِقَامٍ} [المائدة : 95].
وهو كفارة في اليمين، يقول المولى - تبارك وتعالى -:
{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا
عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ
مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن
لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 89].
ثمرة العمل وجزاء الجهد:
ولما كانت النفس البشرية من طبيعتها التلهف على معرفة ثمرة
عملها، وجزاء جهدها وكفاحها؛ فقد أوضح رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - الجزاءَ الذي أعده المولى
تبارك وتعالى للصائمين، الذين جاهدوا أنفسهم،
وحاربوا شهواتهم، وألجموا أطماعهم، وخاضوا أشرس معركة
أمام أهوائهم ونزعاتهم، فقال - صلوات الله وسلامه عليه -:
((إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ .. يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ،
فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ .
. فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ
أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)).
إن الصيام يربي النفس على مراقبة الله -
عز وجل -، فالصائم حقًّا إنما يصوم مراقبًا لله -
جل شأنه -، الذي لا يخفى عليه خافية في الأرض
ولا في السماء، يقول سبحانه وعز وجل:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ}
[آل عمران: 5].


والخير كله في مراقبة المولى - تبارك وتعالى -،
ومن ذلك الخير العدلُ في الحكم، والإنصاف من
النفس، وصون العرض والأمانة، وجميع شعب
الإيمان التي يحرص كل الحرص مَن راقب ربه -
عز وجل - على كسبها؛ فيغتنم ويسلم ويكون
محسنًا، فقد قال المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه -:
((الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم إلى ما تحبه
وترضاه، وطهر قلوبنا، وأرشدنا إلى الخير،
واهدنا سواء السبيل، وحقق لنا الأمن
والأمان، إنك نعم المولى ونعم النصير.

