علم شريف أعتني به السلف كثيرا: أخرج البخاري عن أبن العباس رضي الله تعالى عنهما قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن المرأتين التين تظاهرتا على قال العلماء هذا أصل في علم المبهمات.
وقال السهيلي: هذا دليل على شرف هذا العلم وأن الاعتناء به حسن ومعرفته فضل.
قال: وقد روي عن عكرمة مولاي ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: طلبت أسم الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشر سنة حتى وجدته.
وهذا دليل أوضح على اعتنائهم بهذا العلم ونفاسته عندهم.
قلت: هذا الكلام مروي عن أبن عباس نفسه: أخرجه أبن منده في كتاب [معرفة الصحافة] من طريق زيد بن أبي حكيم عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: سمعت أبن العاس يقول طلبت أسم رجل في القرآن وهو الذي خرج مهاجرا إلى الله ورسوله وهو ضمرة بن أبي العيص.
الفائدة الثانية: مرجع هذا العلم النقل المحض ولا مجال للرأي فيه
وإنما يرجع القول فيه إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الآخذين عنه والتابعين والآخذين عن الصحابة.
الفائدة الثالثة: قال الزركشي في البرهان: لا يبحث عن مبهم
أخبر الله باستئثاره بعلمه كقوله {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} قال: والعجب ممن تجرأ وقال: انهم قريظة أو من الجن.
قلت: ليس في الآية أن جنسهم لا يعلم وإنما المنفي علم أعيانهم ولا ينافيه العلم بكونهم من قريظة أو من الجن وهو نظير قوله من المنافقين {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} فان المنفي علم أعيانهم.
ثم القول في أولئك أنهم من الجن ورد في خبر مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي حاتم وغيره فلا جراءة.
الفائدة الرابعة: للإبهام في القرآن أسباب
منها: الاستغناء ببيانه في موضع أخر كقوله: {صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين}.
ومنها: أن يتعين لاشتهاره كقوله: {وقلنا يادم أسكن أنت وزوجك الجنة} ولم يقول حواء لأنه ليس له غيرها.
{ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} والمراد نمرود لشهرة ذلك لأنه مرسل إليه من قبل.
وإنما ذكر فرعون في القرآن بصريح أسمه دون نمرود لأن فرعون كان أذكى منه كما يؤخذ من أجوبته لموسى ونمرود كان بليدا ولهذا قال: {أنا أحيي وأميت} وفعل ما فعل من قتل شخص والعفو عن الأخر وذلك غاية البلادة.
ومنها: قصد الستر عليه ليكون أبلغ في استعطافه نحو: {ومن الناس من يعجبك قوله في حياة الدنيا} وقيل: هو الاخنس بن شريق قد أسلم بعد وحسن إسلامه.
ومنه: أن لا يكون في تعيينه ومنه: التنبيه على العموم وأنه غير خاص بخلاف لو عين نحو: {ومن يخرج من بيته مهاجرا}.
ومنها: تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم نحو: {ولا يأتل أولو الفضل}.
{والذي جاء بالصدق وصدق به} الرمز: 33 {إذ يقول لصاحبه} التوبة: 40 والمراد الصديق في الكل.
ومنها تحقيره بالوصف الناقص نحو: {إن شانئك هو الآبار} الكوثر: 3 والله سبحانه أعلم.
سورة الفاتحة
{مالك يوم الدين} 4: هو يوم القيامة أخرجه ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس.
{صراط الذين أنعمت عليهم} 7: هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون كما فسره أية النساء.
{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} 7: الأول اليهود والثاني النصارى كما أخرجه أحمد وابن حبان والترمذي من حديث عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المغضوب عليهم هم اليهود وان الضالين هم النصارى}. وأخرجه ابن مردويه من حديث أبي ذر. قال ابن أبي حاتم: ولا أعلم فيه خلافا بين المفسرين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من كتاب : مفحمات الأقران في مبهمات القرآن للإمام السيوطي غير منقول